إحكام
الإحكام شرح عمدة الأحكام ط المحمدية 63 - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أُمِرَ
بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ، وَيُوتِرَ
الْإِقَامَةَ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَضِيلَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُ
مُتَأَخِّرِيهِمْ قَانُونًا فِي ذَلِكَ. وَهُوَ أَنَّ مَا
وَاظَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ،
مُظْهِرًا لَهُ فِي جَمَاعَةٍ، فَهُوَ سُنَّةٌ. وَمَا لَمْ
يُوَاظِبْ عَلَيْهِ، وَعَدَّهُ فِي نَوَافِلِ الْخَيْرِ،
فَهُوَ فَضِيلَةٌ. وَمَا وَاظَبَ عَلَيْهِ، وَلَمْ
يُظْهِرْهُ - وَهَذَا مِثْلُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ -
فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سُنَّةٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَضِيلَةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا إنْ كَانَ رَاجَعَا إلَى
الِاصْطِلَاحِ: فَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ. فَإِنَّ
لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصْطَلِحَ فِي التَّسْمِيَاتِ عَلَى
وَضْعٍ يَرَاهُ. وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إلَى اخْتِلَافٍ
فِي مَعْنًى. فَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
تَأَكُّدُ أَمْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِالْمُوَاظَبَةِ
عَلَيْهِمَا. وَمُقْتَضَاهُ: تَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِمَا.
فَلْيَقُلْ بِهِ. وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ يُسَمِّيهَا
سُنَّةً، وَإِنْ أُرِيدَ: أَنَّهُمَا مَعَ تَأَكُّدِهِمَا
أَخْفَضُ رُتْبَةً مِمَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُظْهِرًا لَهُ فِي
الْجَمَاعَةِ، فَلَا شَكَّ أَنَّ رُتَبَ الْفَضَائِلِ
تَخْتَلِفُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا سُمِّيَ بِالسُّنَّةِ
أَعْلَاهَا رُتْبَةً: رَجَعَ ذَلِكَ إلَى الِاصْطِلَاحِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
[بَابُ الْأَذَانِ]
[حَدِيثُ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ
وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ]
الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ: أَنَّ قَوْلَهُ "
أُمِرَ " رَاجِعٌ إلَى أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَذَا " أُمِرْنَا " وَ "
نُهِينَا "؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ: انْصِرَافُهُ إلَى مَنْ
لَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ شَرْعًا. وَمَنْ يَلْزَمُ
اتِّبَاعُهُ وَيُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي هَذَا
الْمَوْضِعِ زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا. وَهُوَ أَنَّ
الْعِبَادَاتِ وَالتَّقْدِيرَاتِ فِيهَا: لَا تُؤْخَذُ
إلَّا بِتَوْقِيفٍ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْإِيتَارِ فِي لَفْظِ
الْإِقَامَةِ. وَيَخْرُجُ عَنْهُ التَّكْبِيرُ الْأَوَّلُ،
فَإِنَّهُ مَثْنَى وَالتَّكْبِيرُ الْأَخِيرُ أَيْضًا.
وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ: بِأَنَّ أَلْفَاظَ
الْإِقَامَةِ كَالْأَذَانِ
(1/203)
64 - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ أَبِي
جُحَيْفَةَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِيِّ
قَالَ «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ
أُدْمٍ - قَالَ: فَخَرَجَ بِلَالٌ بِوَضُوءٍ، فَمِنْ
نَاضِحٍ وَنَائِلٍ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ،
كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ:
فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلَالٌ، قَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
مُثَنَّاةٌ. وَاخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي
مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ لَفْظُ " قَدْ قَامَتْ
الصَّلَاةُ " فَقَالَ مَالِكٌ: يُفْرَدُ. وَظَاهِرُ هَذَا
الْحَدِيثِ يَدُلُّ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُثَنَّى،
لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. . وَهُوَ
قَوْلُهُ «أُمِرَ بِلَالٌ بِأَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ
وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ، إلَّا الْإِقَامَةَ» أَيْ إلَّا
لَفْظَ " قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ". وَمَذْهَبُ مَالِكٍ -
مَعَ مَا مَرَّ مِنْ الْحَدِيثِ - قَدْ أُيِّدَ بِعَمَلِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَنَقْلِهِمْ. وَفِعْلُهُمْ فِي هَذَا
قَوِيٌّ؛ لِأَنَّ طَرِيقَةَ النَّقْلِ وَالْعَادَةِ فِي
مِثْلِهِ: تَقْتَضِي شُيُوعَ الْعَمَلِ. فَإِنَّهُ لَوْ
كَانَ تَغَيَّرَ لَعُلِمَ وَعُمِلَ بِهِ.
[إجْمَاع أَهْلِ الْمَدِينَةِ] 1
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَنَّ إجْمَاعَ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ مُطْلَقًا فِي مَسَائِلِ
الِاجْتِهَادِ. أَوْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا طَرِيقُهُ
النَّقْلُ وَالِانْتِشَارُ، كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
وَالصَّاعِ وَالْمُدِّ، وَالْأَوْقَاتِ، وَعَدَمِ أَخْذِ
الزَّكَاةِ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ؟ فَقَالَ بَعْضُ
الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ: وَالصَّحِيحُ التَّعْمِيمُ.
وَمَا قَالَهُ: غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَنَا جَزْمًا. وَلَا
فَرْقَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ. إذْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ
عَلَى عِصْمَةِ بَعْضِ الْأُمَّةِ.
نَعَمْ مَا طَرِيقَةُ النَّقْلِ إذَا عُلِمَ اتِّصَالُهُ،
وَعَدَمُ تَغَيُّرِهِ، وَاقْتَضَتْ الْعَادَةُ
مَشْرُوعِيَّتَهُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ، وَلَوْ
بِالتَّقْرِيرِ عَلَيْهِ - فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ قَوِيٌّ
يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ عَادِيٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[وُجُوب الْأَذَانِ] 1
وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ
الْأَذَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا أَمَرَ بِالْوَصْفِ
لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ مَأْمُورًا بِهِ. وَظَاهِرُ
الْأَمْرِ: الْوُجُوبُ.
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا. وَالْمَشْهُورُ:
أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ سُنَّتَانِ. وَقِيلَ:
هُمَا فَرْضَانِ عَلَى الْكِفَايَةِ. وَهُوَ قَوْلُ
الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ
يَكُونُ لَهُ مُتَمَسِّكٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ كَمَا
قُلْنَا.
(1/204)
فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا
وَهَهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى
الصَّلَاةِ؛ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ
عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ،
ثُمَّ نَزَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى
الْمَدِينَةِ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
[حَدِيثُ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ فَتَوَضَّأَ
وَأَذَّنَ بِلَالٌ]
قَوْلُهُ " عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ " هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: وَهْبُ بْنُ
جَابِرٍ وَقِيلَ: وَهْبُ بْنُ وَهْبٍ، وَالسُّوَائِيُّ فِي
نَسَبِهِ - مَضْمُومُ السِّينِ مَمْدُودٌ - نِسْبَةً إلَى
سُوَاءَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ. مَاتَ فِي
إمَارَةِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ بِالْكُوفَةِ وَقِيلَ:
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ. وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ
وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: قَوْلُهُ " فَخَرَجَ بِلَالٌ بِوَضُوءٍ "
بِفَتْحِ الْوَاوِ بِمَعْنَى الْمَاءِ، وَهَلْ هُوَ اسْمٌ
لِمُطْلَقِ الْمَاءِ، أَوْ بِقَيْدِ الْإِضَافَةِ إلَى
الْوُضُوءِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، قَدْ مَرَّ.
وَقَوْلُهُ " فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ " النَّضْحُ:
الرَّشُّ. قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ
يَنَالُ مِنْهُ مَا لَا يَفْضُلُ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَبَعْضَهُمْ كَانَ يَنَالُ مِنْهُ مَا يَنْضَحُهُ عَلَى
غَيْرِهِ. وَتَشْهَدُ لَهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " فَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ
وَضُوءًا. فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ
الْوَضُوءَ. فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ
بِهِ. وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ
صَاحِبِهِ ".
الثَّانِي: يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ الْتِمَاسُ
الْبَرَكَةِ بِمَا لَابَسَهُ الصَّالِحُونَ
بِمُلَابَسَتِهِ. فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي الْوَضُوءِ الَّذِي
تَوَضَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -. وَيُعَدَّ بِالْمَعْنَى إلَى سَائِرِ مَا
يُلَابِسُهُ الصَّالِحُونَ.
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ " فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ
هَهُنَا وَهَهُنَا، يُرِيدُ يَمِينًا وَشِمَالًا " فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى اسْتِدَارَةِ الْمُؤَذِّنِ لِلِاسْتِمَاعِ
عِنْدَ الدُّعَاءِ إلَى الصَّلَاةِ. وَهُوَ وَقْتُ
التَّلَفُّظِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ " يَقُولُ
حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ "
يُبَيِّنُ وَقْتَ
(1/205)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
الِاسْتِدَارَةِ. وَأَنَّهُ وَقْتُ الْحَيْعَلَتَيْنِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هَلْ تَكُونُ قَدَمَاهُ قَارَّتَيْنِ
مُسْتَقْبِلَتَيْ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَّا
بِوَجْهِهِ دُونَ بَدَنِهِ، أَوْ يَسْتَدِيرُ كُلُّهُ؟
الثَّانِي: هَلْ يَسْتَدِيرُ مَرَّتَيْنِ. إحْدَاهُمَا:
قَوْلُهُ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
" وَالْأُخْرَى عِنْدَ قَوْلِهِ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ
حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " أَوْ يَلْتَفِتُ يَمِينًا
وَيَقُولُ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ " مَرَّةً، ثُمَّ
يَلْتَفِتُ شِمَالًا فَيَقُولُ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ "
أُخْرَى. ثُمَّ يَتَلَفَّتُ يَمِينًا وَيَقُولُ " حَيَّ
عَلَى الْفَلَاحِ " مَرَّةً، ثُمَّ يَلْتَفِتُ شِمَالًا
فَيَقُولُ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " أُخْرَى؟ وَهَذَانِ
الْوَجْهَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَدْ رُجِّحَ هَذَا الثَّانِي بِأَنَّهُ يَكُونُ لِكُلِّ
جِهَةٍ نَصِيبٌ مِنْ كَلِمَةٍ وَقِيلَ: إنَّهُ اخْتِيَارُ
الْقَفَّالِ. وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي إلَى لَفْظِ
الْحَدِيثِ: هُوَ الْأَوَّلُ.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ " ثُمَّ رَكَزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ "
أَيْ أَثْبَتَتْ فِي الْأَرْضِ. يُقَالُ: رَكَزْتُ
الشَّيْءَ أَرْكُزُهُ - بِضَمِّ الْكَافِ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ - رَكْزًا: إذَا أَثْبَتَهُ وَ "
الْعَنَزَةُ " قِيلَ: هِيَ عَصًا فِي طَرَفِهَا زُجٌّ.
وَقِيلَ: الْحَرْبَةُ الصَّغِيرَةُ.
[وَضْع السُّتْرَةِ لِلْمُصَلِّي] 1
الْخَامِسُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ وَضْعِ
السُّتْرَةِ لِلْمُصَلِّي، حَيْثُ يُخْشَى الْمُرُورُ
كَالصَّحْرَاءِ. وَدَلِيلٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِي
السُّتْرَةِ بِمِثْلِ غِلَظِ الْعَنَزَةِ. وَدَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ الْمُرُورَ مِنْ وَرَاءِ السُّتْرَةِ غَيْرُ ضَارٍ.
[رُجْحَان الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ] 1
السَّادِسُ: قَوْلُهُ " ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ " هُوَ
إخْبَارٌ عَنْ قَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ، وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَى ذَلِكَ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى رُجْحَانِ الْقَصْرِ عَلَى
الْإِتْمَامِ. وَلَيْسَ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهِ إلَّا
عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَلَيْسَ بِمُخْتَارٍ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ.
السَّابِع: لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ
مَوْضِعَ اجْتِمَاعِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي
رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَهَا فِيهَا " أَتَيْتُ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ. وَهُوَ
بِالْأَبْطُحِ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أُدْمٍ "
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُبَيِّنَةُ مُفِيدَةٌ
لِفَائِدَةٍ زَائِدَةٍ. فَإِنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ
الْأُولَى الْمُبْهَمَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
اجْتِمَاعُهُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي طَرِيقِهِ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ وُصُولِهِ
إلَيْهَا. وَعَلَى هَذَا يُشْكِلُ قَوْلُهُ " فَلَمْ
يَزَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى
الْمَدِينَةِ " عَلَى مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ، مِنْ حَيْثُ
إنَّ السَّفَرَ تَكُونُ لَهُ نِهَايَةٌ يُوصَلُ إلَيْهَا
قَبْلَ الرُّجُوعِ. وَذَلِكَ مَانِعٌ
(1/206)
65 - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنَّهُ قَالَ «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ،
فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ
أُمِّ مَكْتُومٍ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
مِنْ الْقَصْرِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ
أَنَّهُ كَانَ الِاجْتِمَاعُ بِالْأَبْطُحِ. فَيَجُوزُ
أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الظُّهْرِ الَّتِي أَدْرَكَهَا
ابْتِدَاءَ الرُّجُوعِ. وَيَكُونُ قَوْلُهُ " حَتَّى
رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ " انْتِهَاءَ الرُّجُوعِ.
[حَدِيثُ إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ]
فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ
مُؤَذِّنَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ. وَقَدْ
اسْتَحَبَّهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا
الِاقْتِصَارُ عَلَى مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ. فَغَيْرُ
مَكْرُوهٍ. وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ
مُسْتَحَبًّا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ مَكْرُوهًا،
كَمَا تَقَدَّمَ. أَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى
مُؤَذِّنَيْنِ: فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لَهُ.
وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ
تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعَةٍ. وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ
الْمُؤَذِّنُ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَتَّبُوا
وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ
لِذَلِكَ، كَمَا فِي أَذَانِ بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ
مَكْتُومٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّهُمَا
وَقَعَا مُتَرَتِّبَيْنِ؛ لَكِنْ فِي صَلَاةٍ يَتَّسِعُ
وَقْتُ أَدَائِهَا، كَصَلَاةِ الْفَجْرِ. وَأَمَّا فِي
صَلَاةِ الْمَغْرِبِ: فَلَمْ يُنْقَلْ فِيهَا
مُؤَذِّنَانِ. وَالْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ قَالُوا: يَتَخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ
يُؤَذِّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي زَاوِيَةٍ مِنْ
زَوَايَا الْمَسْجِدِ، وَبَيْنَ أَنْ يَجْتَمِعُوا
وَيُؤَذِّنُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً.
[الْأَذَان لِلصُّبْحِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا] 1
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْأَذَانِ
لِلصُّبْحِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا. ذَهَبَ إلَيْهِ
مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَالْمَنْقُول عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ خِلَافُهُ؛ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ.
وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِجَوَازِ الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ
قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِهِ،
وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَكُونُ
فِي وَقْتِ السَّحَرِ بَيْنَ الْفَجْرِ الصَّادِقِ
وَالْكَاذِبِ، قَالَ: وَيُكْرَهُ التَّقْدِيمُ عَلَى
ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ مَا
يُقَرِّبُ هَذَا. وَهُوَ
(1/207)
66 - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا
مِثْلَ مَا يَقُولُ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ " إخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ
بِهِ فَائِدَةٌ لِلسَّامِعِينَ قَطْعًا. وَذَلِكَ بِأَنْ
يَكُونَ وَقْتُ الْأَذَانِ مُشْتَبَهًا، مُحْتَمِلًا
لَأَنْ يَكُونَ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. فَبَيَّنَ أَنَّ
ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلَّا عِنْدَ
طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى
تَقَارُبِ وَقْتِ أَذَانِ بِلَالٍ مِنْ الْفَجْرِ.
[كون الْمُؤَذِّن أَعْمَى] 1
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَكُونَ
الْمُؤَذِّنُ أَعْمَى. فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ
كَانَ أَعْمَى. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ
الْأَعْمَى لِلْبَصِيرِ فِي الْوَقْتِ، أَوْ جَوَازِ
اجْتِهَادِهِ فِيهِ. فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لَا
بُدَّ لَهُ مِنْ طَرِيقٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي طُلُوعِ
الْفَجْرِ، وَذَلِكَ إمَّا سَمَاعٌ مِنْ بَصِيرٍ، أَوْ
اجْتِهَادٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «وَكَانَ لَا
يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ»
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ إلَى الْبَصِيرِ، وَلَوْ
لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ
عَلَى جَوَازِ رُجُوعِهِ إلَى الِاجْتِهَادِ بِعَيْنِهِ؛
لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مُبْهَمًا
لَا يَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَيَّنًا.
وَاسْمُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِيمَا قِيلَ عَمْرُو بْنُ
قَيْسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[حَدِيثُ إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ
مَا يَقُولُ]
الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ مَطْلُوبَةٌ
بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ
الْإِجَابَةِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ
الْإِجَابَةَ تَكُونُ بِحِكَايَةِ لَفْظِ الْمُؤَذِّنِ فِي
جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ
إلَى أَنَّ سَامِعَ الْمُؤَذِّنِ يُبْدِلُ الْحَيْعَلَةَ
بِالْحَوْلَقَةِ - وَيُقَالُ الْحَوْقَلَةُ - لِحَدِيثٍ
وَرَدَ فِيهَا، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِخُصُوصِهِ
وَعُمُومِ هَذَا. وَذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَى: أَنَّ
الْأَذْكَارَ الْخَارِجَةَ عَنْ الْحَيْعَلَةِ يَحْصُلُ
ثَوَابُهَا بِذِكْرِهَا، فَيَشْتَرِكُ السَّامِعُ
وَالْمُؤَذِّنُ فِي ثَوَابِهَا إذَا حَكَاهَا السَّامِعُ،
وَأَمَّا
(1/208)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
الْحَيْعَلَةُ: فَمَقْصُودُهَا الدُّعَاءُ، وَذَلِكَ
يَحْصُلُ مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَحْدَهُ، وَلَا يَحْصُلُ
مَقْصُودُهُ مِنْ السَّامِعِ، فَعُوِّضَ عَنْ الثَّوَابِ
الَّذِي يَفُوتُهُ بِالْحَيْعَلَةِ الثَّوَابَ الَّذِي
يَحْصُلُ لَهُ بِالْحَوْقَلَةِ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ
قَالَ: يَحْكِيهِ إلَى آخِرِ التَّشَهُّدَيْنِ فَقَطْ.
الثَّانِي: الْمُخْتَارُ: أَنْ يَكُونَ حِكَايَةُ قَوْلِ
الْمُؤَذِّنِ فِي كُلِّ لَفْظَةٍ مِنْ أَلْفَاظِ
الْأَذَانِ عَقِيبَ قَوْلِهِ. وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ "
إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ " مَحْمُولٌ عَلَى سَمَاعِ
كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهُ. وَالْفَاءُ تَقْتَضِي
التَّعْقِيبَ. فَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ:
اقْتَضَى تَعْقِيبَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ بِقَوْلِ
الْحَاكِي. وَفِي اللَّفْظِ احْتِمَالٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إذَا سَمِعَهُ فِي
حَالَ الصَّلَاةِ: هَلْ يُجِيبُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى
ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُجِيبُ، لِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ،
وَالثَّانِي: لَا يُجِيبُ؛ لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ
شُغْلًا. كَمَا وَرَدَ. حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ:
الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ دُونَ
الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّافِلَةِ أَخَفُّ.
وَذَكَرَ بَعْضُ مُصَنِّفِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ:
أَنَّهُ هَلْ يُكْرَهُ إجَابَتُهُ فِي الْأَذْكَارِ
الَّتِي فِي الْأَذَانِ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ؟
وَجْهَانِ، مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّهَا لَا تُبْطِلُ.
وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِمَا إذَا كَانَ فِي
غَيْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ. أَمَّا الْحَيْعَلَةُ:
فَإِمَّا أَنْ يُجِيبَ بِلَفْظِهَا أَوْ لَا. فَإِنْ
أَجَابَ بِالْحَوْقَلَةِ لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ،
كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الذِّكْرِ الَّذِي فِي
الْأَذَانِ. وَإِنْ أَجَابَ بِلَفْظِهَا بَطَلَتْ، إلَّا
أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ يُبْطِلُ
الصَّلَاةَ.
وَذَكَرَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
قَوْلَيْنِ - أَعْنِي إذَا قَالَ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
" فِي الصَّلَاةِ - هَلْ تَبْطُلُ؟ وَاَلَّذِينَ قَالُوا
بِالْبُطْلَانِ عَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ مُخَاطَبَةٌ
لِلْآدَمِيِّينَ. فَأَبْطَلَ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ
أَلْفَاظِ الْأَذَانِ الَّتِي هِيَ ذِكْرٌ، وَالصَّلَاةُ
مَحِلُّ الذِّكْرِ.
وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ: ظَاهِرُ هَذَا
الْحَدِيثِ وَعُمُومُهُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى:
أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِقَوْلِهِ " حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
" دُعَاءَ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ، بَلْ حِكَايَةَ
أَلْفَاظِ الْأَذَانِ.
الرَّابِعُ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ لَفْظَةَ "
الْمِثْلِ " لَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ
وَجْهٍ، فَإِنَّهُ قَالَ " فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ
الْمُؤَذِّنُ " وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ الْمُمَاثَلَةُ فِي
كُلِّ الْأَوْصَافِ، حَتَّى رَفْعَ الصَّوْتِ.
الْخَامِسُ: قِيلَ فِي مُنَاسَبَةِ جَوَابِ الْحَيْطَةِ
بِالْحَوْقَلَةِ: إنَّهُ لَمَّا دَعَاهُمْ إلَى
(1/209)
|