إحكام
الإحكام شرح عمدة الأحكام ط المحمدية الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ سِيرِينَ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ - قَالَ ابْنُ سِيرِينَ:
وَسَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ. وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا -
قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ،
فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ
الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ
أَصَابِعِهِ. وَخَرَجَتْ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ
الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: قَصُرَتْ الصَّلَاةُ - وَفِي
الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - فَهَابَا أَنْ
يُكَلِّمَاهُ. وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ،
يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَنَسِيت، أَمْ قَصُرَتْ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: لَمْ
أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ. فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو
الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا
تَرَكَ. ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ
سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ
فَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ
أَطْوَلَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. فَرُبَّمَا
سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ قَالَ: فَنُبِّئْتُ أَنَّ
عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] [حَدِيثُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى
صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ]
" الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَتَعَلَّقُ
بِمَبَاحِثَ: بَحْثٌ يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِ الدِّينِ
وَبَحْثٌ يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ. وَبَحْثٌ
يَتَعَلَّقُ بِالْفِقْهِ فَأَمَّا الْبَحْثُ الْأَوَّلُ:
فَفِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السَّهْوِ فِي
الْأَفْعَالِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ
السَّلَامُ -. وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ
وَالنُّظَّارِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَدُلُّ
عَلَيْهِ. وَقَدْ صَرَّحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي
(1/271)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «بِأَنَّهُ يَنْسَى كَمَا
تَنْسَوْنَ» وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَوَغِّلِينَ،
فَقَالَتْ: لَا يَجُوزُ السَّهْوُ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا
يَنْسَى عَمْدًا. وَيَتَعَمَّدُ صُورَةَ النِّسْيَانِ
لِيَسُنَّ. وَهَذَا قَطْعًا بَاطِلٌ، لِإِخْبَارِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ يَنْسَى؛
وَلِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْعَمْدِيَّةَ تُبْطِلُ
الصَّلَاةَ، وَلِأَنَّ صُورَةَ الْفِعْلِ النِّسْيَانِيِّ
كَصُورَةِ الْفِعْلِ الْعَمْدِيِّ، وَإِنَّمَا
يَتَمَيَّزَانِ لِلْغَيْرِ بِالْإِخْبَارِ وَاَلَّذِينَ
أَجَازُوا السَّهْوَ قَالُوا: لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ فِيمَا
طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ الْفِعْلِيُّ. وَاخْتَلَفُوا: هَلْ
مِنْ شَرْطِ التَّنْبِيهِ الِاتِّصَالُ بِالْحَادِثَةِ،
أَوْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ ذَلِكَ؟ بَلْ يَجُوزُ
التَّرَاخِي إلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّةُ التَّبْلِيغِ،
وَهُوَ الْعُمْرُ. وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ قَدْ وَقَعَ
الْبَيَانُ فِيهَا عَلَى الِاتِّصَالِ، وَقَدْ قَسَّمَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَفْعَالَ إلَى مَا هُوَ عَلَى
طَرِيقَةِ الْبَلَاغِ، وَإِلَى مَا لَيْسَ عَلَى طَرِيقَةِ
الْبَلَاغِ، وَلَا بَيَانَ لِلْأَحْكَامِ مِنْ أَفْعَالِهِ
الْبَشَرِيَّةِ وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ عَادَاتِهِ
وَأَذْكَارِ قَلْبِهِ. وَأَبَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ
تَأَخَّرَ عَنْ زَمَنٍ. وَقَالَ: إنَّ أَقْوَالَ
الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَفْعَالَهُ وَإِقْرَارَهُ: كُلَّهُ بَلَاغٌ،
وَاسْتَنْتَجَ بِذَلِكَ الْعِصْمَةَ فِي الْكُلِّ، بِنَاءً
عَلَى أَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَدُلُّ عَلَى الْعِصْمَةِ
فِيمَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ. وَهَذِهِ كُلُّهَا بَلَاغٌ.
فَهَذِهِ كُلُّهَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْعِصْمَةُ -
أَعْنِي: الْقَوْلَ، وَالْفِعْلَ وَالتَّقْرِيرَ - وَلَمْ
يُصَرِّحْ فِي ذَلِكَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ عَمْدٍ وَسَهْوٍ.
وَأَخْذِ الْبَلَاغِ فِي الْأَفْعَالِ: مِنْ حَيْثُ
التَّأَسِّي بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِأَنَّ السَّهْوَ وَالْعَمْدَ
سَوَاءٌ فِي الْأَفْعَالِ فَهَذَا الْحَدِيثُ يُرَدُّ
عَلَيْهِ.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي: الْأَقْوَالُ. وَهِيَ تَنْقَسِمُ
إلَى مَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ. وَالسَّهْوُ فِيهِ
مُمْتَنِعٌ. وَنُقِلَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ، كَمَا
يَمْتَنِعُ التَّعَمُّدُ قَطْعًا وَإِجْمَاعًا. وَأَمَّا
طُرُقُ السَّهْوِ فِي الْأَقْوَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ،
وَفِيمَا لَيْسَ سَبِيلُهُ الْبَلَاغَ، مِنْ الْأَخْبَارِ
الَّتِي تَسْتَنِدُ الْأَحْكَامُ إلَيْهَا، لَا أَخْبَارُ
الْمَعَادِ، وَلَا مَا يُضَافُ إلَى وَحْيٍ. فَقَدْ حَكَى
الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ: أَنَّهُمْ جَوَّزُوا
السَّهْوَ وَالْغَفْلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَيْهِ؛ إذْ
لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّبْلِيغِ الَّذِي يُتَطَرَّقُ بِهِ
إلَى الْقَدَحِ فِي الشَّرِيعَةِ. قَالَ: وَالْحَقُّ
الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ: تَرْجِيحُ قَوْلِ مَنْ لَمْ
يُجِزْ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي خَبَرٍ مِنْ
الْأَخْبَارِ، كَمَا لَمْ يُجِيزُوا عَلَيْهِمْ فِيهَا
الْعَمْدَ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ خُلْفٌ مِنْ
خَبَرٍ، لَا عَنْ قَصْدٍ وَلَا سَهْوٍ، وَلَا فِي صِحَّةٍ
وَلَا مَرَضٍ، وَلَا رِضًى وَلَا غَضَبٍ. وَاَلَّذِي
يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: قَوْلُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ
تُقْصَرْ» وَفِي
(1/272)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
رِوَايَةٍ أُخْرَى «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» وَاعْتُذِرَ
عَنْ ذَلِكَ بِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَكُنْ الْقَصْرُ
وَالنِّسْيَانُ مَعًا. وَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْمُرَادَ الْإِخْبَارُ عَنْ
اعْتِقَادِ قَلْبِهِ وَظَنِّهِ. وَكَأَنَّهُ مُقَدِّرٌ
النُّطْقَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْذُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ
صَرَّحَ بِهِ وَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ فِي ظَنِّي، ثُمَّ
تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ خِلَافَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ -
لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خِلَافُهُ فِي ظَنِّهِ.
فَإِذَا كَانَ لَوْ صَرَّحَ بِهِ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ -
فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُقَدِّرًا مُرَادًا. وَهَذَانِ
الْوَجْهَانِ يَخْتَصُّ أَوَّلُهُمَا بِرِوَايَةِ مَنْ
رَوَى «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» . وَأَمَّا مَنْ رَوَى
«لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ» فَلَا يَصِحُّ فِيهِ هَذَا
التَّأْوِيلُ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى
مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ
الْخَبَرِيِّ هُوَ الْأُمُورُ الذِّهْنِيَّةُ فَإِنَّهُ -
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ - فَهُوَ الثَّابِتُ فِي
نَفْسِ الْأَمْرِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ فَيَصِيرُ
كَالْمَلْفُوظِ بِهِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ أَنْسَ»
يُحْمَلُ عَلَى السَّلَامِ، أَيْ: إنَّهُ كَانَ
مَقْصُودًا، لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ.
وَلَمْ يَقَعْ سَهْوًا فِي نَفْسِهِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ
السَّهْوُ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَهَذَا بَعِيدٌ.
وَرَابِعُهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ؛
فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ يَسْهُو وَلَا يَنْسَى. وَلِذَلِكَ نَفَى عَنْ
نَفْسِهِ النِّسْيَانَ؛ لِأَنَّهُ غَفْلَةٌ. وَلَمْ
يَغْفُلْ عَنْهَا. وَكَانَ شُغْلُهُ عَنْ حَرَكَاتِ
الصَّلَاةِ وَمَا فِي الصَّلَاةِ: شُغْلًا بِهَا لَا
غَفْلَةً عَنْهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَلَيْسَ
فِي هَذَا تَخْلِيصٌ لِلْعِبَادَةِ عَنْ حَقِيقَةِ
السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ، مَعَ بُعْدِ الْفَرْقِ
بَيْنَهُمَا فِي اسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ وَكَأَنَّهُ
مُتَلَوِّحٌ فِي اللَّفْظِ: أَنَّ النِّسْيَانَ عَدَمُ
الذِّكْرِ لِأَمْرٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ.
وَالسَّهْوُ عَدَمُ الذِّكْرِ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا.
وَيَكُونُ النِّسْيَانُ الْإِعْرَاضَ عَنْ تَفَقُّدِ
أُمُورِهَا، حَتَّى يَحْصُلَ عَدَمُ الذِّكْرِ،
وَالسَّهْوُ: عَدَمُ الذِّكْرِ، لَا لِأَجْلِ
الْإِعْرَاضِ. وَلَيْسَ فِي هَذَا - بَعْدَ مَا
ذَكَرْنَاهُ - تَفْرِيقٌ كُلِّيٌّ بَيْنَ السَّهْوِ
وَالنِّسْيَانِ. وَخَامِسُهَا: مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي
عِيَاضٌ: أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مَا هُوَ أَقْرَبُ وَجْهًا،
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسْبَةَ
النِّسْيَانِ الْمُضَافِ إلَيْهِ. وَهُوَ الَّذِي نَهَى
عَنْهُ بِقَوْلِهِ «بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ:
نَسِيتُ كَذَا وَلَكِنَّهُ نُسِّيَ» وَقَدْ رُوِيَ «إنِّي
لَا أَنْسَى»
(1/273)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
عَلَى النَّفْيِ «وَلَكِنِّي أُنَسَّى» عَلَى النَّفْيِ
وَقَدْ شَكَّ الرَّاوِي - عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ - فِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: هَلْ قَالَ " أَنْسِي " أَوْ "
أُنَسَّى " وَأَنَّ " أَوْ " هُنَا لِلشَّكِّ. وَقِيلَ:
بَلْ لِلتَّقْسِيمِ. وَأَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْهُ مَرَّةً
مِنْ قِبَلِ شُغْلِهِ وَسَهْوِهِ، وَمَرَّةً يُغْلَبُ
عَلَى ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ، لِيَسُنَّ. فَلَمَّا
سَأَلَهُ السَّائِلُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ أَنْكَرَهُ
وَقَالَ لَهُ " كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ " وَفِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ "
أَمَّا الْقَصْرُ: فَبَيِّنٌ وَكَذَلِكَ " لَمْ أَنْسَ "
حَقِيقَةً مِنْ قِبَلِ نَفْسِي وَغَفْلَتِي عَنْ
الصَّلَاةِ. وَلَكِنَّ اللَّهَ نَسَّانِي لِأَسُنَّ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّهُ لَوْ حَدَثَ
فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ
إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا
نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» وَهَذَا يَعْتَرِضُ مَا ذَكَرَهُ
الْقَاضِي، مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنْكَرَ نِسْبَةَ النِّسْيَانِ إلَيْهِ.
فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ
نَسَبَ النِّسْيَانَ إلَيْهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ
مَرَّتَيْنِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، مِنْ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى
أَنْ يُقَالَ: نَسِيتُ كَذَا» الَّذِي أَعْرِفُهُ فِيهِ
«وَبِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ
كَذَا» وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ إضَافَةِ " نَسِيتُ " إلَى "
الْآيَةِ " وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ
إضَافَةِ النِّسْيَانِ إلَى الْآيَةِ: النَّهْيُ عَنْ
إضَافَتِهِ إلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ فَإِنَّ الْآيَةَ مِنْ
كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُعَظَّمِ، وَيَقْبُحُ
بِالْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُضِيفَ إلَى نَفْسِهِ
نِسْيَانَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ هَذَا
الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِي كُلِّ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ
النِّسْيَانُ، فَلَا يَلْزَمُ مُسَاوَاةُ غَيْرِ الْآيَةِ
لَهَا. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ: لَوْ لَمْ يَظْهَرْ
مُنَاسَبَةٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْخَاصِّ
النَّهْيُ عَنْ الْعَامِّ. وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ
لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْقَائِلِ " نَسِيت "
- الَّذِي أَضَافَهُ إلَى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ - دَاخِلٌ
تَحْتَ النَّهْيِ. فَيُنْكَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -
وَلَمَّا تَكَلَّمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى هَذَا
الْمَوْضِعِ ذَكَرَ: أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي الْجَوَابِ
عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْعِصْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي
الْإِخْبَارِ عَنْ اللَّهِ فِي الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا؛
(1/274)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
لِأَنَّهُ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْمُعْجِزَةُ.
وَأَمَّا إخْبَارُهُ عَنْ الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ:
فَيَجُوزُ عَلَيْهِ فِيهِ النِّسْيَانُ هَذَا أَوْ
مَعْنَاهُ.
[التَّرْجِيح بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ] 1
وَأَمَّا الْبَحْثُ الْمُتَعَلِّقُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ:
فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ
عَلَى جَوَازِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، مِنْ
حَيْثُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - طَلَبَ إخْبَارَ الْقَوْمِ، بَعْدَ إخْبَارِ
ذِي الْيَدَيْنِ. وَفِي هَذَا بَحْثٌ.
[نِيَّة الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَطْعِهَا] 1
وَأَمَّا الْبَحْثُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْفِقْهِ: فَمِنْ
وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ
وَقَطْعِهَا، إذَا كَانَتْ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ
لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهَا.
الثَّانِي: أَنَّ السَّلَامَ سَهْوٌ لَا يُبْطِلُ
الصَّلَاةَ.
الثَّالِثُ: اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ
كَلَامَ النَّاسِي لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. وَأَبُو
حَنِيفَةَ يُخَالِفُ فِيهِ.
الرَّابِعُ: الْكَلَامُ الْعَمْدُ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ
لَا يُبْطِلُ. وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ
يُبْطِلُ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ
الْإِمَامَ لَوْ تَكَلَّمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. مِنْ
الِاسْتِفْسَارِ وَالسُّؤَالِ عِنْدَ الشَّكِّ،
وَإِجَابَةِ الْمَأْمُومِ: أَنَّ صَلَاتَهُمْ تَامَّةٌ
عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ. وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا مِنْ
هَذَا اخْتَلَفُوا فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ هَذَا
الْحَدِيثِ. وَاَلَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ وُجُوهٌ:
مِنْهَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي
الزَّمَنِ الَّذِي كَانَ يَجُوزُ فِيهِ الْكَلَامُ فِي
الصَّلَاةِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا
الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ
شَاهَدَ الْقِصَّةَ وَإِسْلَامُهُ عَامَ خَيْبَرَ،
وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ قَبْلَ
ذَلِكَ بِسِنِينَ - وَلَا يُنْسَخُ الْمُتَأَخِّرُ
بِالْمُتَقَدِّمِ.
وَمِنْهَا: التَّأْوِيلُ لِكَلَامِ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ
الْمُرَادَ بِجَوَابِهِمْ: جَوَابُهُمْ بِالْإِشَارَةِ
وَالْإِيمَاءِ، لَا بِالنُّطْقِ وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّهُ
خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ حِكَايَةِ الرَّاوِي
لِقَوْلِهِمْ. وَإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ «فَأَوْمَئُوا إلَيْهِ» فَيُمْكِنُ
الْجَمْعُ، بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ
إيمَاءً، وَبَعْضُهُمْ كَلَامًا. أَوْ اجْتَمَعَ
الْأَمْرَانِ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ.
وَمِنْهَا: أَنَّ كَلَامَهُمْ كَانَ إجَابَةً لِرَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَإِجَابَتُهُ وَاجِبَةٌ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ
الْمَالِكِيَّةِ بِأَنْ قَالَ: إنَّ الْإِجَابَةَ لَا
تَتَعَيَّنُ بِالْقَوْلِ. فَيَكْفِي فِيهَا الْإِيمَاءُ.
(1/275)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُجِيبَ الْقَوْمُ، لَا يَلْزَمُ
مِنْهُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، لِجَوَازِ أَنْ
تَجِبَ الْإِجَابَةُ، وَيَلْزَمُهُمْ الِاسْتِئْنَافُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تَكَلَّمَ مُعْتَقِدًا لِتَمَامِ الصَّلَاةِ،
وَالصَّحَابَةُ تَكَلَّمُوا مُجَاوِزِينَ لِلنَّسْخِ،
فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُبْطِلًا.
وَهَذَا يُضَعِّفُهُ مَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ: «أَنَّ ذَا
الْيَدَيْنِ قَالَ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ،
فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ. فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو
الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
بَعْدَ قَوْلِهِ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ» وَقَوْلُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ
يَكُنْ» يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ. فَقَدْ
تَكَلَّمُوا بَعْدَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ النَّسْخِ.
وَلْيُتَنَبَّهْ هَهُنَا لِنُكْتَةٍ لَطِيفَةٍ فِي قَوْلِ
ذِي الْيَدَيْنِ " قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ " بَعْدَ
قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كُلُّ
ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ " فَإِنَّ قَوْلَهُ " كُلُّ ذَلِكَ
لَمْ يَكُنْ " تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ. وَهُوَ
عَدَمُ الْقَصْرِ.
وَالثَّانِي: الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ وُجُودِيٍّ وَهُوَ
النِّسْيَانُ. وَأَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَا
يَجُوزُ فِيهِ النَّسْخُ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ
الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ. وَالْآخَرُ مُتَحَقِّقٌ عِنْدَ
ذِي الْيَدَيْنِ. فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ بَعْضَ
ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرْنَا.
[الْأَفْعَالُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ
الصَّلَاةِ إذَا وَقَعَتْ سَهْوًا]
الْخَامِسُ: الْأَفْعَالُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ
أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إذَا وَقَعَتْ سَهْوًا. فَإِمَّا
أَنْ تَكُونَ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً. فَإِنْ كَانَتْ
قَلِيلَةً: لَمْ تُبْطِلْ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَتْ
كَثِيرَةً فَفِيهَا خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَاسْتَدَلَّ لِعَدَمِ الْبُطْلَانِ بِهَذَا الْحَدِيثِ
فَإِنَّ الْوَاقِعَ فِيهِ أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ. أَلَا
تَرَى إلَى قَوْلِهِ " خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ " وَفِي
بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ وَمَشَى» قَالَ فِي
كِتَابِ مُسْلِمٍ «ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ
الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهِ» ثُمَّ قَدْ حَصَلَ
الْبِنَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ بُطْلَانِ
الصَّلَاةِ بِالْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ سَهْوًا.
[الْبِنَاء عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ سَهْوًا] 1
السَّادِسُ: فِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى
الصَّلَاةِ، بَعْدَ السَّلَامِ سَهْوًا، وَالْجُمْهُورُ
عَلَيْهِ. وَذَهَبَ سَحْنُونٌ - مِنْ الْمَالِكِيَّةِ -
إلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا سَلَّمَ مِنْ
(1/276)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
رَكْعَتَيْنِ، عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ،
وَلَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ الْبِنَاءَ بَعْدَ قَطْعِ
الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا عَلَى خِلَافِ
الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ عَلَى خِلَافِ
الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَهُوَ
السَّلَامُ مِنْ اثْنَتَيْنِ، فَيَقْصُرُ عَلَى مَا وَرَدَ
النَّصُّ وَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْقِيَاسِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَرْعُ
مُسَاوِيًا لِلْأَصْلِ أُلْحِقَ بِهِ، وَإِنْ خَالَفَ
الْقِيَاسَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْأُصُولِ: وَقَدْ
عَلِمْنَا أَنَّ الْمَانِعَ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ إنَّمَا
كَانَ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِالنِّيَّةِ وَالسَّلَامِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ أُلْغِيَ عِنْدَ ظَنِّ التَّمَامِ
بِالنَّصِّ. وَلَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا
الْمَعْنَى بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ
كَوْنِهِ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ، أَوْ بَعْدَ وَاحِدَةٍ.
السَّابِعُ: إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْبِنَاءِ، فَقَدْ
خَصَّصُوهُ بِالْقُرْبِ فِي الزَّمَنِ. وَأَبَى ذَلِكَ
بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ. فَقَالَ بِجَوَازِ الْبِنَاءِ،
وَإِنْ طَالَ، مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ. رُوِيَ
ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ. وَقِيلَ: إنَّ نَحْوَهُ عَنْ
مَالِكٍ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَشْهُورٍ عَنْهُ.
وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَرَأَوْا أَنَّ هَذَا الزَّمَنَ طَوِيلٌ، لَا سِيَّمَا
عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ» .
الثَّامِنُ: إذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يُبْنَى إلَّا فِي
الْقُرْبِ. فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ عَلَى
أَقْوَالٍ. مِنْهُمْ: مَنْ اعْتَبَرَهُ بِمِقْدَارِ فِعْلِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
هَذَا الْحَدِيثِ. فَمَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَنِ
فَهُوَ طَوِيلٌ. وَمَا كَانَ بِمِقْدَارِهِ أَوْ دُونِهِ
فَقَرِيبٌ. وَلَمْ يَذْكُرُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ
الْخُرُوجَ إلَى الْمَنْزِلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ
فِي الْقُرْبِ الْعُرْفَ. وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ
مِقْدَارَ رَكْعَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ مِقْدَارَ
الصَّلَاةِ. وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا فِي مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ.
[سُجُود السَّهْوِ] 1
التَّاسِعُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ
السَّهْوِ.
الْعَاشِرُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سَجْدَتَانِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فِي آخِرِ
الصَّلَاةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ إلَّا كَذَلِكَ وَقِيلَ: فِي
حِكْمَتِهِ: إنَّهُ أُخِّرَ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ سَهْوٍ
آخَرَ. فَيَكُونُ جَابِرًا لِلْكُلِّ.
(1/277)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
وَفَرَّعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذَا: أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ،
ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ آخِرَ الصَّلَاةِ،
لَزِمَهُ إعَادَتُهُ فِي آخِرِهَا. وَصَوَّرُوا ذَلِكَ فِي
صُورَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فِي
الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَخْرُجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي
السُّجُودِ الْأَخِيرِ، فَيَلْزَمَهُ إتْمَامُ الظُّهْرِ،
وَيُعِيدَ السُّجُودَ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا فَيَسْجُدَ
لِلسَّهْوِ، وَتَصِلَ بِهِ السَّفِينَةُ إلَى الْوَطَنِ،
أَوْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ، فَيُتِمُّ وَيُعِيدُ
السُّجُودَ.
الثَّانِي عَشَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُجُودَ
السَّهْوِ يَتَدَاخَلُ، وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ
أَسْبَابِهِ. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَلَّمَ، وَتَكَلَّمَ، وَمَشَى.
وَهَذِهِ مُوجِبَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ. وَاكْتَفَى فِيهَا
بِسَجْدَتَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ
الْفُقَهَاءِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَتَعَدَّدُ
السُّجُودُ بِتَعَدُّدِ السَّهْوِ، عَلَى مَا نَقَلَهُ
بَعْضُهُمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ
يَتَّحِدَ الْجِنْسُ أَوْ يَتَعَدَّدَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ
دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْمَذْهَبِ. فَإِنَّهُ قَدْ
تَعَدَّدَ الْجِنْسُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَلَمْ
يَتَعَدَّدْ السُّجُودُ.
[مَحِلّ السُّجُودِ]
الثَّالِثَ عَشَرَ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى السُّجُودِ
بَعْدَ السَّلَامِ فِي هَذَا السَّهْوِ. وَاخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِي مَحِلِّ السُّجُودِ، فَقِيلَ: كُلُّهُ
قَبْلَ السَّلَامِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَقِيلَ: كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ: مَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ
فَمَحِلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَمَا كَانَ مِنْ
زِيَادَةٍ فَمَحِلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي
الْقَدِيمِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ السُّجُودُ
بَعْدَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ، وَقَبْلَهُ فِي
النَّقْصِ. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ. فَذَهَبَ مَالِكٌ
إلَى الْجَمْعِ، بِأَنْ اسْتَعْمَلَ كُلَّ حَدِيثٍ قَبْلَ
السَّلَامِ فِي النَّقْصِ، وَبَعْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ.
وَاَلَّذِينَ قَالُوا: بِأَنَّ الْكُلَّ قَبْلَ
السَّلَامِ، اعْتَذَرُوا عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي
جَاءَتْ بَعْدَ السَّلَامِ بِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: دَعْوَى النَّسْخِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا:
أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ " إنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ
فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ.
الثَّانِي: أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا السُّجُودَ قَبْلَ
السَّلَامِ: مُتَأَخِّرُو الْإِسْلَامِ، وَأَصَاغِرُ
الصَّحَابَةِ. وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَوَّلِ: أَنَّ
رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ
مُسْنَدَةً فَشَرْطُ النَّسْخِ: التَّعَارُضُ بِاتِّحَادِ
الْمَحِلِّ. وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي
رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
الْأَخِيرُ: هُوَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ، لَكِنْ
فِي مَحِلِّ النَّقْصِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ
الْمُحْوِجُ إلَى النَّسْجِ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ
الْمَحِلَّ وَاحِدٌ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ.
(1/278)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الثَّانِي: أَنَّ تَقَدُّمَ
الْإِسْلَامِ وَالْكِبَرِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَقَدُّمُ
الرِّوَايَةِ حَالَةَ التَّحَمُّلِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ الْأَحَادِيثِ
الَّتِي جَاءَتْ بِالسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ:
التَّأْوِيلُ؛ إمَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ
بِالسَّلَامِ: هُوَ السَّلَامُ الَّذِي عَلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي فِي
التَّشَهُّدِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى تَأَخُّرِهِ
بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ، وَهُمَا
بَعِيدَانِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ: السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ
عِنْدَ إطْلَاقِ " السَّلَامِ " فِي سِيَاقِ ذِكْرِ
الصَّلَاةِ هُوَ الَّذِي بِهِ التَّحَلُّلُ. وَأَمَّا
الثَّانِي: فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السَّهْوِ
وَتَطَرُّقُهُ إلَى الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ
غَيْرِ دَلِيلٍ غَيْرُ سَائِغٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ
مُقَابَلٌ بِعَكْسِهِ. وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ:
مَحِلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَتَقَدُّمُهُ قَبْلَ
السَّلَامِ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي الِاعْتِذَارِ التَّرْجِيحُ
بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ: وَهَذَا - إنْ صَحَّ -
فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ: أَنَّ طَرِيقَةَ الْجَمْعِ
أَوْلَى مِنْ طَرِيقَةِ التَّرْجِيحِ. فَإِنَّهُ يُصَارُ
إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ. وَأَيْضًا
فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَحِلِّ التَّعَارُضِ
وَاتِّحَادِ مَوْضِعِ الْخِلَافِ مِنْ الزِّيَادَةِ
وَالنُّقْصَانِ. وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَحِلَّ
السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ اعْتَذَرُوا عَنْ
الْأَحَادِيثِ الْمُخَالِفَةِ لِذَلِكَ التَّأْوِيلِ:
إمَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " قَبْلَ
السَّلَامِ " السَّلَامَ الثَّانِي، أَوْ يَكُونَ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ " سُجُودَ
الصَّلَاةِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ احْتِمَالِ
السَّهْوِ: عَائِدٌ هَهُنَا. وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ.
وَالْأَوَّلُ يُبْطِلُهُ: أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا
يَكُونُ إلَّا بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ اتِّفَاقًا.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ
الْأَحَادِيثِ بِطَرِيقٍ أُخْرَى، غَيْرِ مَا ذَهَبَ
إلَيْهِ مَالِكٌ. وَهُوَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ كُلُّ حَدِيثٍ
فِيمَا وَرَدَ فِيهِ. وَمَا لَمْ يَرِدْ. فِيهِ حَدِيثٌ
فَمَحِلُّ السُّجُودِ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ. وَكَأَنَّ
هَذَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجَابِرِ: أَنْ
يَقَعَ فِي الْمَجْبُورِ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا
الْأَصْلِ إلَّا فِي مَوْرِدِ النَّصِّ. وَيَبْقَى فِيمَا
عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ.
وَهَذَا الْمَذْهَبُ مَعَ مَذْهَبِ مَالِكٍ مُتَّفِقَانِ
فِي طَلَبِ الْجَمْعِ، وَعَدَمِ سُلُوكِ طَرِيقِ
التَّرْجِيحِ، لَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي وَجْهِ
الْجَمْعِ. وَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ مَالِكٍ بِأَنَّ
تَذَكُّرَ الْمُنَاسَبَةِ فِي كَوْنِ سُجُودِ السَّهْوِ
قَبْلَ السَّلَامِ عِنْدَ النَّقْصِ. وَبَعْدَهُ عِنْدَ
الزِّيَادَةِ. وَإِذَا ظَهَرَتْ الْمُنَاسَبَةُ - وَكَانَ
الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهَا - كَانَتْ عِلَّةً، وَإِذْ
كَانَتْ عِلَّةً: عَمَّ الْحُكْمُ. فَلَا يُتَخَصَّصُ
ذَلِكَ بِمَوْرِدِ النَّصِّ.
[سَهْو الْإِمَام بِالْمَأْمُومِينَ] 1
(1/279)
106 - الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى
بِهِمْ الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ. فَقَامَ النَّاسُ
مَعَهُ، حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ، وَانْتَظَرَ
النَّاسُ تَسْلِيمَهُ: كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ. فَسَجَدَ
سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[إحكام الأحكام]
الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ: إذَا سَهَا الْإِمَامُ:
تَعَلَّقَ حُكْمُ سَهْوِهِ بِالْمَأْمُومِينَ، وَسَجَدُوا
مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْهُوا. وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ
بِهَذَا الْحَدِيثِ. فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهَا وَسَجَدَ الْقَوْمُ مَعَهُ
لَمَّا سَجَدَ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي حَقِّ مَنْ
لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَمْشِ وَلَمْ
يُسَلِّمْ، إنْ كَانَ ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
التَّكْبِيرِ لِسُجُودِ السَّهْوِ. كَمَا فِي سُجُودِ
الصَّلَاةِ.
الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: الْقَائِلُ " فَنُبِّئْتُ
أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ "
هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ الرَّاوِي عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، وَكَانَ الصَّوَابُ لِلْمُصَنِّفِ: أَنْ
يَذْكُرَهُ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ إلَّا أَبَا
هُرَيْرَةَ، اقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَائِلَ
" فَنُبِّئْتُ " وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
السَّلَامِ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ.
الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: لَمْ يَذْكُرْ التَّشَهُّدَ
بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ. وَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ
أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي السُّجُودِ الَّذِي بَعْدَ
السَّلَامِ. وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِتَرْكِهِ فِي الْحَدِيثِ
عَلَى عَدَمِهِ فِي الْحُكْمِ، كَمَا فَعَلُوا فِي
مِثْلِهِ كَثِيرًا، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ كَانَ
لَذُكِرَ ظَاهِرًا.
[حَدِيثُ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ فَقَامَ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ]
الْكَلَامُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ.
الْأَوَّلُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى السُّجُودِ قَبْلَ
السَّلَامِ عِنْدَ النَّقْصِ. فَإِنَّهُ نَقَّصَ مِنْ
هَذِهِ الصَّلَاةِ: الْجُلُوسَ الْأَوْسَطَ وَتَشَهُّدَهُ.
(1/280)
|