سبل
السلام ط دار الحديث [بَابُ آدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]
الْحَاجَةُ: كِنَايَةٌ عَنْ خُرُوجِ الْبَوْلِ
وَالْغَائِطِ؛ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ
لِحَاجَتِهِ وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِبَابِ:
الِاسْتِطَابَةِ لِحَدِيثِ «وَلَا يَسْتَطِيبُ
بِيَمِينِهِ» وَالْمُحَدِّثُونَ بِبَابِ: التَّخَلِّي،
مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ
وَالتَّبَرُّزُ مِنْ قَوْلِهِ: «الْبَرَازُ فِي
الْمَوْرِدِ» وَكَمَا سَيَأْتِي، فَالْكُلُّ مِنْ
الْعِبَارَاتِ صَحِيحٌ.
(77) - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ
خَاتَمَهُ» . أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ، وَهُوَ مَعْلُولٌ.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: [كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ
(1/105)
(78) - وَعَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ
إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» .
أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْخَلَاءُ] بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودٌ:
الْمَكَانُ الْخَالِي، كَانُوا يَقْصِدُونَهُ لِقَضَاءِ
الْحَاجَةِ [وَضَعَ خَاتَمَهُ] . أَخْرَجَهُ
الْأَرْبَعَةُ، وَهُوَ مَعْلُولٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ
رِوَايَةِ هَمَّامٍ " عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنَّ
ابْنَ جُرَيْجٍ " لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ، بَلْ
سَمِعَهُ مِنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ الزُّهْرِيِّ،
وَلَكِنْ بِلَفْظٍ آخَرَ. وَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ
وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ» وَالْوَهْمُ مِنْ هَمَّامٍ "
كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَبَتَ فِي
كُلِّ الْمَشَايِخِ وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا
وَمَوْقُوفًا عَنْ أَنَسٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ هَمَّامٍ،
وَأَوْرَدَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ شَاهِدًا وَرَوَاهُ
الْحَاكِمُ أَيْضًا بِلَفْظِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ خَاتَمًا
نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛ وَكَانَ إذَا دَخَلَ
الْخَلَاءَ وَضَعَهُ» .
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْإِبْعَادِ عِنْدَ قَضَاءِ
الْحَاجَةِ؛ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ لَفْظُ الْخَلَاءِ؛
فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَكَانِ الْخَالِي، وَعَلَى
الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَيَأْتِي
فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ " مَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْ هَذَا
بِلَفْظِ: [فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى] وَعِنْدَ أَبِي
دَاوُد «كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى
لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» وَدَلِيلٌ عَلَى تَبْعِيدِ مَا فِيهِ
ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ إدْخَالُ الْمُصْحَفِ
الْخَلَاءَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، قِيلَ: فَلَوْ غَفَلَ عَنْ
تَنْحِيَةِ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ حَتَّى اشْتَغَلَ
بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ غَيَّبَهُ فِي فِيهِ؛ أَوْ فِي
عِمَامَتِهِ، أَوْ نَحْوَهُ، وَهَذَا فِعْلٌ مِنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ عُرِفَ
وَجْهُهُ، وَهُوَ صِيَانَةُ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الْمَحَلَّاتِ الْمُسْتَخْبَثَةِ؛
فَدَلَّ عَلَى نَدْبِهِ؛ وَلَيْسَ خَاصًّا بِالْخَاتَمِ؛
بَلْ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ.
[آدَاب دُخُول الْخَلَاء]
وَعَنْهُ: أَيْ عَنْ أَنَسٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ أَيْ أَرَادَ
دُخُولَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ
الْخُبُثِ» بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ
الْمُوَحَّدَةِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا، جَمْعُ: خَبِيثٍ
[وَالْخَبَائِثُ] جَمْعُ: خَبِيثَةٍ، يُرِيدُ بِالْأَوَّلِ
ذُكُورَ الشَّيَاطِينِ، وَبِالثَّانِي إنَاثَهُمْ،
أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، كَانَ
يَقُولُ: [بِاسْمِك اللَّهُمَّ] الْحَدِيثَ. قَالَ
الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ: وَرَوَاهُ الْمَعْمَرِيُّ
وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَفِيهِ زِيَادَةُ
التَّسْمِيَةِ، وَلَمْ أَرَهَا فِي غَيْرِهِ
، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ لِقَوْلِهِ:
دَخَلَ، بَعْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ لَا يَقُولُ ذَلِكَ،
وَقَدْ صَرَّحَ بِمَا قَرَّرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي
الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ " قَالَ:
[كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -
(1/106)
(79) - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْخَلَاءَ، فَأَحْمِلُ
أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً وَعَنَزَةً،
فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ] الْحَدِيثَ.
وَهَذَا فِي الْأَمْكِنَةِ الْمُعَدَّةِ لِذَلِكَ،
بِقَرِينَةِ الدُّخُولِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ
رِوَايَةَ [إذَا أَتَى] أَعَمُّ لِشُمُولِهَا، وَيَشْرَعُ
هَذَا الذِّكْرُ فِي غَيْرِ الْأَمَاكِنِ الْمُعَدَّةِ
لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي
الْحُشُوشِ وَأَنَّهَا تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ،
وَيَشْرَعُ الْقَوْلُ بِهَذَا فِي غَيْرِ الْأَمَاكِنِ
الْمُعَدَّةِ عِنْدَ إرَادَةِ رَفْعِ ثِيَابِهِ، وَفِيهَا
قَبْلَ دُخُولِهَا؛ وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَسٍ " أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ
بِهَذَا الذِّكْرِ، فَيَحْسُنُ الْجَهْرُ بِهِ.
[آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ]
[وَعَنْ أَنَسٍ "] كَأَنَّهُ تَرَكَ الْإِضْمَارَ فَلَمْ
يَقُلْ: عَنْهُ؛ وَلِبُعْدِ الِاسْمِ الظَّاهِرِ؛
بِخِلَافِهِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي، وَفِي بَعْضِ
النُّسَخِ مِنْ بُلُوغِ الْمَرَامِ وَعَنْهُ،
بِالْإِضْمَارِ أَيْضًا [قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْخَلَاءَ
فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ] الْغُلَامُ هُوَ
الْمُتَرَعْرِعُ، قِيلَ: إلَى حَدِّ السَّبْعِ سِنِينَ.
وَقِيلَ: إلَى الِالْتِحَاءِ، وَيُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ
مَجَازًا [نَحْوِي إدَاوَةً] بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ إنَاءٌ
صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ يُتَّخَذُ لِلْمَاءِ [مِنْ مَاءٍ
وَعَنَزَةً بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ
النُّونِ فَزَايٍ، هِيَ: عَصًا طَوِيلَةٌ فِي أَسْفَلِهَا
زَجٌّ؛ وَيُقَالُ: رُمْحٌ قَصِيرٌ [فَيَسْتَنْجِي
بِالْمَاءِ] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الْمُرَادُ بِالْخَلَاءِ هُنَا الْفَضَاءُ؛ بِقَرِينَةِ
الْعَنَزَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إلَيْهَا فِي
الْفَضَاءِ؛ أَوْ يَسْتَتِرُ بِهَا، بِأَنْ يَضَعَ
عَلَيْهَا ثَوْبًا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ
الْحَاجَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُ؛ وَلِأَنَّ خِدْمَتَهُ
فِي الْبُيُوتِ تَخْتَصُّ بِأَهْلِهِ.
وَالْغُلَامُ الْآخَرُ اُخْتُلِفَ فِيهِ؛ فَقِيلَ ابْنُ
مَسْعُودٍ " وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَجَازًا؛
وَيُبْعِدُهُ قَوْلُهُ: نَحْوِي فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ "
كَانَ كَبِيرًا؛ فَلَيْسَ نَحْوُ أَنَسٍ " فِي سِنِّهِ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ نَحْوِي، فِي كَوْنِهِ كَانَ
يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَيَصِحُّ، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ " كَانَ صَاحِبَ
سِوَاك رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وَيَحْمِلُ نَعْلَهُ وَسِوَاكَهُ، أَوْ؛
لِأَنَّهُ مَجَازٌ كَمَا فِي الشَّرْحِ، وَقِيلَ هُوَ
أَبُو هُرَيْرَةَ "؛ وَقِيلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
" وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِخْدَامِ
لِلصَّغِيرِ؛ وَعَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ.
وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ اسْتِنْجَاءَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالْمَاءِ وَالْأَحَادِيثُ قَدْ أَثْبَتَتْ ذَلِكَ، فَلَا
سَمَاعَ لِإِنْكَارِ مَالِكٍ؛ قِيلَ: وَعَلَى أَنَّهُ
أَرْجَحُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ،
وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ زِيَادَةِ التَّكَلُّفِ
بِحَمْلِ الْمَاءِ بِيَدِ الْغُلَامِ؛ وَلَوْ كَانَ
يُسَاوِي الْحِجَارَةَ أَوْ هِيَ أَرْجَحُ مِنْهُ لَمَا
احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ؛ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعُلَمَاءِ
عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِجَارَةِ
وَالْمَاءِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا
فَالْأَفْضَلُ الْمَاءُ حَيْثُ لَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ،
فَإِنْ أَرَادَهَا فَخِلَافٌ: فَمَنْ يَقُولُ تُجْزِئُ
الْحِجَارَةُ لَا يُوجِبُهُ، وَمَنْ يَقُولُ لَا تُجْزِئُ
(1/107)
(80) - وَعَنْ «الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْ الْإِدَاوَةَ
فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(81) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ: الَّذِي
يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ ظِلِّهِمْ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
يُوجِبُهُ. وَمِنْ آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ
مَسْحُ الْيَدِ بِالتُّرَابِ بَعْدَهُ، كَمَا أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إذَا أَتَى الْخَلَاءَ أَتَيْت بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ أَوْ
رَكْوَةٍ فَاسْتَنْجَى مِنْهُ ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى
الْأَرْضِ» وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ؛
قَالَ: «كُنْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَأَتَى الْخَلَاءَ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ
قَالَ: يَا جَرِيرُ هَاتِ طَهُورًا، فَأَتَيْته بِمَاءٍ
فَاسْتَنْجَى وَقَالَ بِيَدِهِ فَدَلَّك بِهَا الْأَرْضَ»
وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْغُسْلِ.
[التَّوَارِي عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ]
وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ " قَالَ: «قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
خُذْ الْإِدَاوَةَ؛ فَانْطَلَقَ أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى تَوَارَى عَنِّي
فَقَضَى حَاجَتَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ
عَلَى التَّوَارِي عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَا
يَجِبُ، إذْ الدَّلِيلُ فِعْلٌ وَلَا يَقْتَضِي
الْوُجُوبَ، لَكِنَّهُ يَجِبُ بِأَدِلَّةِ سَتْرِ
الْعَوْرَاتِ عَنْ الْأَعْيُنِ.
وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِتَارِ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ " عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد
وَابْنِ مَاجَهْ؛ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ
رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ
بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ
وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» .
فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِتَارِ؛ كَمَا دَلَّ
عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ؛ وَلَكِنْ هَذَا غَيْرُ
التَّوَارِي عَنْ النَّاسِ بَلْ هَذَا خَاصٌّ بِقَرِينَةِ:
[فَإِنَّ الشَّيْطَانَ] فَلَوْ كَانَ فِي فَضَاءٍ لَيْسَ
فِيهِ إنْسَانٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَتِرَ
بِشَيْءٍ؛ وَلَوْ بِجَمْعِ كَثِيبٍ مِنْ رَمْلٍ.
[النَّهْي عَنْ التَّخَلِّي فِي طَرِيق النَّاس وظلهم]
وَعَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» بِصِيغَةِ
التَّثْنِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «قَالُوا: وَمَا
اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي
يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ
بِاللَّعَّانَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْجَالِبَيْنِ
لِلَّعْنِ، الْحَامِلَيْنِ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ؛
وَالدَّاعِيَيْنِ إلَيْهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهَا
لُعِنَ وَشُتِمَ؛ يَعْنِي أَنَّ عَادَةَ النَّاسِ
لَعْنُهُ، فَهُوَ سَبَبٌ؛ فَانْتِسَابُ اللَّعْنِ
إلَيْهِمَا مِنْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ؛ قَالُوا: وَقَدْ
يَكُونُ اللَّاعِنُ بِمَعْنَى
(1/108)
(82) - وَزَادَ أَبُو دَاوُد، عَنْ مُعَاذٍ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَالْمَوَارِدُ " وَلَفْظُهُ:
«اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي
الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةَ الطَّرِيقِ، وَالظِّلَّ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الْمَلْعُونَ، فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَهُوَ
كَذَلِكَ مِنْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ.
وَالْمُرَادُ بِاَلَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ،
أَيْ: يَتَغَوَّطُ فِيمَا يَمُرُّ بِهِ النَّاسُ؛
فَإِنَّهُ يُؤْذِيهِمْ بِنَتْنِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ،
وَيُؤَدِّي إلَى لَعْنِهِ؛ فَإِنْ كَانَ لَعْنُهُ جَائِزًا
فَقَدْ تَسَبَّبَ إلَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِ بِإِبْعَادِهِ
عَنْ الرَّحْمَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ فَقَدْ
تَسَبَّبَ إلَى تَأْثِيمِ غَيْرِهِ بِلَعْنِهِ. فَإِنْ
قُلْتَ: فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ أُرِيدَ هُنَا؟ قُلْتُ:
أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِإِسْنَادٍ
حَسَّنَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ، عَنْ حُذَيْفَةَ
بْنِ أَسِيدٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ
فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ»
وَأَخْرَجَ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيُّ
وَغَيْرِهِمَا بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ
عَمْرِو الْأَنْصَارِيَّ "؛ وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ
مَعِينٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ يَقُولُ: «مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ عَلَى طَرِيقٍ
مِنْ طُرُقِ النَّاسِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»
وَالسَّخِيمَةُ بِالسِّينِ الْمَفْتُوحَةِ الْمُهْمَلَةِ
وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ:
الْعَذِرَةُ.
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ
اللَّعْنَةَ، وَالْمُرَادُ بِالظِّلِّ هُنَا مُسْتَظَلُّ
النَّاسِ الَّذِي اتَّخَذُوهُ مَقِيلًا، وَمُنَاخًا
يَنْزِلُونَهُ، وَيَقْعُدُونَ فِيهِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ
ظِلٍّ يَحْرُمُ الْقُعُودُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ تَحْتَهُ،
فَقَدْ «قَعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - تَحْتَ حَائِشِ النَّخْلِ لِحَاجَتِهِ» ،
وَلَهُ ظِلٌّ بِلَا شَكٍّ، قُلْت: يَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ
أَحْمَدَ: [أَوْ ظِلٍّ يُسْتَظَلُّ بِهِ] .
(82) - وَزَادَ أَبُو دَاوُد، عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - " وَالْمَوَارِدُ وَلَفْظُهُ: «اتَّقُوا
الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ،
وَقَارِعَةَ الطَّرِيقِ، وَالظِّلَّ» .
وَزَادَ أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاذٍ: وَالْمَوَارِدَ؛
وَلَفْظُهُ «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ
الْبَرَازَ» بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ فَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ
آخِرُهُ زَايٌ، وَهُوَ الْمُتَّسَعُ مِنْ الْأَرْضِ،
يُكَنَّى بِهِ عَنْ الْغَائِطِ، وَبِالْكَسْرِ
الْمُبَارَزَةُ فِي الْحَرْبِ [فِي الْمَوَارِدِ جَمْعُ:
مَوْرِدٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَأْتِيهِ النَّاسُ
مِنْ رَأْسِ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ لِشُرْبِ الْمَاءِ أَوْ
لِلتَّوَضُّؤِ [وَقَارِعَةَ الطَّرِيقِ الْمُرَادُ
الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ الَّذِي يَقْرَعُهُ النَّاسُ
بِأَرْجُلِهِمْ، أَيْ يَدُقُّونَهُ، وَيَمُرُّونَ عَلَيْهِ
[وَالظِّلَّ] تَقَدَّمَ الْمُرَادُ بِهِ.
(1/109)
(83) - وَلِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "
أَوْ نَقْعَ مَاءٍ " وَفِيهِمَا ضَعْفٌ
(84) - وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ «النَّهْيَ عَنْ
قَضَاءِ الْحَاجَةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ،
وَضِفَّةِ النَّهْرِ الْجَارِي» . مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
(85) - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَغَوَّطَ
الرَّجُلَانِ فَلْيَتَوَارَ كُلُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
(83) - وَلِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَوْ نَقْعَ
مَاءٍ " وَفِيهِمَا ضَعْفٌ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ " [أَوْ نَقْعَ مَاءٍ] بِفَتْحِ النُّونِ
وَسُكُونِ الْقَافِ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ وَلَفْظُهُ بَعْدَ
قَوْلِهِ: «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ: أَنْ
يَقْعُدَ أَحَدُكُمْ فِي ظِلٍّ يُسْتَظَلُّ بِهِ، أَوْ فِي
طَرِيقٍ أَوْ نَقْعِ مَاءٍ» وَنَقْعُ الْمَاءِ الْمُرَادُ
بِهِ الْمَاءُ الْمُجْتَمَعُ، كَمَا فِي النِّهَايَةِ،
[وَفِيهِمَا ضَعْفٌ] ، أَيْ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي
دَاوُد. أَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُد فَلِأَنَّهُ قَالَ
أَبُو دَاوُد عَقِبَهُ: وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْحِمْيَرِيِّ "،
وَلَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا "، فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا،
وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَحْمَدَ فَلِأَنَّ فِيهِ لَهِيعَةَ "
وَالرَّاوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مُبْهَمٌ.
(84) - وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ «النَّهْيَ عَنْ
قَضَاءِ الْحَاجَةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ،
وَضِفَّةِ النَّهْرِ الْجَارِي» . مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ
قَالَ الذَّهَبِيُّ: هُوَ: الْإِمَامُ الْحُجَّةُ أَبُو
الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ "
مُسْنَدُ الدُّنْيَا، وُلِدَ سَنَةَ سِتِّينَ
وَمِائَتَيْنِ، وَسَمِعَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ
وَهَاجَرَ بِمَدَائِنِ الشَّامِ؛ وَالْيَمَنِ، وَمِصْرَ
وَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ وَأَصْبَهَانَ
وَالْجَزِيرَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَحَدَّثَ عَنْ أَلْفِ
شَيْخٍ أَوْ يَزِيدُونَ وَكَانَ مِنْ فُرْسَانِ هَذَا
الشَّأْنِ مَعَ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَأَثْنَى
عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ. «النَّهْيُ، عَنْ قَضَاءِ
الْحَاجَةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ» وَإِنْ
لَمْ تَكُنْ ظِلًّا لِأَحَدٍ [وَضِفَّةِ بِفَتْحِ الضَّادِ
الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا: جَانِبُ النَّهْرِ الْجَارِي،
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ؛ لِأَنَّ
فِي رُوَاتِهِ مَتْرُوكًا وَهُوَ فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ
" ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ.
فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ
الْأَحَادِيثِ سِتَّةُ مَوَاضِعَ مَنْهِيٌّ عَنْ
التَّبَرُّزِ فِيهَا:
قَارِعَةُ الطَّرِيقِ، وَيُقَيِّدُ مُطْلَقَ الطَّرِيقِ
بِالْقَارِعَةِ، وَالظِّلُّ، وَالْمَوَارِدُ وَنَقْعُ
الْمَاءِ، وَالْأَشْجَارُ الْمُثْمِرَةُ، وَجَانِبُ
النَّهْرِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ مِنْ
حَدِيثِ مَكْحُولٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يُبَالَ
بِأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ» .
[النَّهْي عَنْ الْكَلَام وَقْت قَضَاء الْحَاجَة] 1
(85) - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَغَوَّطَ
الرَّجُلَانِ فَلْيَتَوَارَ كُلُّ
(1/110)
وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَا
يَتَحَدَّثَا. فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ، وَابْنُ
الْقَطَّانِ، وَهُوَ مَعْلُولٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَتَحَدَّثَا.
فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ، وَابْنُ
الْقَطَّانِ، وَهُوَ مَعْلُولٌ. وَعَنْ جَابِرٍ " - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَغَوَّطَ
الرَّجُلَانِ فَلْيَتَوَارَ» أَيْ يَسْتَتِرَ، وَهُوَ مِنْ
الْمَهْمُوزِ جُزِمَ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ، أَيْ
الْمُنْقَلِبَةِ أَلِفًا [كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ
صَاحِبِهِ] وَالْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ [وَلَا يَتَحَدَّثَا]
حَالَ تَغَوُّطِهِمَا [فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى
ذَلِكَ] وَالْمَقْتُ: أَشَدُّ الْبُغْضِ، رَوَاهُ
أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ بِفَتْحِ السِّينِ
الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ. وَهُوَ الْحَافِظُ
الْحُجَّةُ أَبُو عَلِيٍّ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
السَّكَنِ الْبَغْدَادِيُّ " نَزَلَ مِصْرَ، وَوُلِدَ
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَعَنِيَ
بِهَذَا الشَّأْنِ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ، وَبَعُدَ صِيتُهُ،
رَوَى عَنْهُ أَئِمَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، تُوُفِّيَ
سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ. وَابْنُ
الْقَطَّانِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ. هُوَ
الْحَافِظُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْفَارِسِيُّ "
الشَّهِيرُ بِابْنِ الْقَطَّانِ، كَانَ مِنْ أَبْصَرِ
النَّاسِ بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ، وَأَحْفَظِهِمْ
لِأَسْمَاءِ رِجَالِهِ، وَأَشَدِّهِمْ عِنَايَةً
بِالرِّوَايَةِ، وَلَهُ تَأْلِيفٌ، حَدَّثَ وَدَرَّسَ،
وَلَهُ كِتَابُ: الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ " الَّذِي
وَضَعَهُ عَلَى الْأَحْكَامِ الْكُبْرَى لِعَبْدِ
الْحَقِّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى حِفْظِهِ، وَقُوَّةِ
فَهْمِهِ، لَكِنَّهُ تَعَنَّتَ فِي أَحْوَالِ الرِّجَالِ،
تُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ. وَهُوَ مَعْلُولٌ: وَلَمْ
يَذْكُرْ فِي الشَّرْحِ الْعِلَّةَ، وَهُوَ مَا قَالَهُ
أَبُو دَاوُد، لَمْ يُسْنِدْهُ إلَّا عِكْرِمَةُ بْنُ
عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ الْيَمَانِيُّ، وَقَدْ احْتَجَّ
بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَضَعَّفَ بَعْضُ
الْحُفَّاظِ حَدِيثَ عِكْرِمَةَ هَذَا عَنْ يَحْيَى بْنِ
أَبِي كَثِيرٍ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَهُ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَاسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ
بِحَدِيثِهِ عَنْهُ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ
الْكَلَامِ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَبُو دَاوُد،
وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ
خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ رَوَوْهُ
كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ عِيَاضِ بْنِ هِلَالٍ، أَوْ
هِلَالِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ:
لَا أَعْرِفُهُ بِجُرْحٍ وَلَا عَدَالَةٍ، وَهُوَ فِي
عِدَادِ الْمَجْهُولِينَ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ،
وَالنَّهْيِ عَنْ التَّحَدُّثِ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ،
وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَتَعْلِيلُهُ بِمَقْتِ
اللَّهِ عَلَيْهِ، أَيْ شِدَّةِ بُغْضِهِ لِفَاعِلِ ذَلِكَ
زِيَادَةً فِي بَيَانِ التَّحْرِيمِ، وَلَكِنَّهُ ادَّعَى
فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إجْمَاعًا، وَأَنَّ
النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ، فَإِنْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ
وَإِلَّا فَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّحْرِيمُ، وَقَدْ
تَرَكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ
السَّلَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ ذَلِكَ؛
فَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ ": «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ
عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» .
(1/111)
(86) - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمَسَّنَّ أَحَدُكُمْ
ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَهُوَ يَبُولُ، وَلَا يَتَمَسَّحُ
مِنْ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَنَفَّسُ فِي
الْإِنَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
(87) - وَعَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
لَقَدْ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ
بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ،
أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ
أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[صيانة الْيَمِين عَنْ الأقذار]
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لَا يَمَسَّنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ
بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلَا يَتَمَسَّحُ مِنْ
الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ» كِنَايَةً عَنْ الْغَائِطِ كَمَا
عَرَفْت أَنَّهُ أَحَدُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ [وَلَا
يَتَنَفَّسُ] يُخْرِجُ نَفَسَهُ [فِي الْإِنَاءِ] عِنْدَ
شُرْبِهِ مِنْهُ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ
لِمُسْلِمٍ] : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَسِّ
الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ حَالَ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ
الْأَصْلُ فِي النَّهْيِ: وَتَحْرِيمُ التَّمَسُّحِ بِهَا
مِنْ الْغَائِطِ، وَكَذَلِكَ مِنْ الْبَوْلِ، لِمَا
يَأْتِي مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ. وَتَحْرِيمُ التَّنَفُّسِ
فِي الْإِنَاءِ حَالَ الشُّرْبِ. وَإِلَى التَّحْرِيمِ
ذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي الْكُلِّ عَمَلًا بِهِ كَمَا
عَرَفْت، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي
الِاسْتِنْجَاءِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ،
وَأَجْمَلَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ:
(بَابُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ)
وَذَكَرَ حَدِيثَ الْكِتَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي
الْفَتْحِ: عَبَّرَ بِالنَّهْيِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ
لَمْ يُظْهِرْ لَهُ: هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ
لِلتَّنْزِيهِ؟ أَوْ أَنَّ الْقَرِينَةَ الصَّارِفَةَ
لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ لَمْ تَظْهَرْ؛ وَهَذَا
حَيْثُ اسْتَنْجَى بِأَنَّهُ كَالْمَاءِ وَالْأَحْجَارِ.
أَمَّا لَوْ بَاشَرَ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ
إجْمَاعًا؛ وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى شَرَفِ الْيَمِينِ
وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْأَقْذَارِ، وَالنَّهْيِ عَنْ
التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ لِئَلَّا يُقَذِّرَهُ عَلَى
غَيْرِهِ، أَوْ يَسْقُطَ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ مَا
يُفْسِدُهُ عَلَى الْغَيْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ
لِلتَّحْرِيمِ، وَحَمَلَهُ الْجَمَاهِيرُ عَلَى الْأَدَبِ.
[النَّهْي عَنْ اسْتِقْبَال الْقِبْلَة واستدبارها عِنْد
قَضَاء الْحَاجَة]
وَعَنْ سَلْمَانَ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانُ
الْفَارِسِيُّ وَيُقَالُ لَهُ: سَلْمَانُ الْخَيْرِ؛
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، أَصْلُهُ مِنْ فَارِسَ، سَافَرَ لِطَلَبِ
الدِّينِ وَتَنَصَّرَ، وَقَرَأَ الْكُتُبَ، وَلَهُ
أَخْبَارٌ طَوِيلَةٌ نَفِيسَةٌ، ثُمَّ تَنَقَّلَ حَتَّى
انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَآمَنَ بِهِ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَكَانَ
رَأْسًا فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ فِيهِ رَسُولُ
اللَّهِ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلُ الْبَيْتِ» وَوَلَّاهُ
عُمَرُ " الْمَدَائِنَ، وَكَانَ مِنْ الْمُعَمِّرِينَ،
قِيلَ: عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَقِيلَ:
ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ
يَدِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِعَطَائِهِ،
(1/112)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسِينَ. وَقِيلَ:
اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ. قَالَ: لَقَدْ «نَهَانَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ»
الْمُرَادُ أَنْ نَسْتَقْبِلَ بِفُرُوجِنَا عِنْدَ خُرُوجِ
الْغَائِطِ أَوْ الْبَوْلِ [أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ
بِالْيَمِينِ] وَهَذَا غَيْرُ النَّهْيِ عَنْ مَسِّ
الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْبَوْلِ الَّذِي مَرَّ
[أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ
أَحْجَارٍ] الِاسْتِنْجَاءُ إزَالَةُ النَّجْوِ بِالْمَاءِ
أَوْ الْحِجَارَةِ [أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ
وَهُوَ الرَّوْثُ [أَوْ عَظْمٍ] رَوَاهُ مُسْلِمٌ
؛ الْحَدِيثُ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِ
الْقِبْلَةِ وَهِيَ الْكَعْبَةُ، كَمَا فَسَّرَهَا حَدِيثُ
أَبِي أَيُّوبَ فِي قَوْلِهِ: فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ
بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ
اللَّهَ وَسَيَأْتِي؛ ثُمَّ قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ
اسْتِدْبَارِهَا أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ " عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «إذَا جَلَسَ
أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ فَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ
وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا» وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هَذَا النَّهْيُ
لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لَا؟ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:
(الْأَوَّلُ) : أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ؛ بِلَا فَرْقٍ
بَيْنَ الْفَضَاءِ وَالْعُمْرَانِ، فَيَكُونُ مَكْرُوهًا.
وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ،
بِقَرِينَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ «رَأَيْته قَبْلَ مَوْتِهِ
بِعَامٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا؛ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلًا لِبَيْتِ
الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرًا لِلْكَعْبَةِ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ؛ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ. «فَحَوِّلُوا مَقْعَدَتِي
إلَى الْقِبْلَةِ» الْمُرَادُ بِمَقْعَدَتِهِ مَا كَانَ
يَقْعُدُ عَلَيْهِ حَالَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ إلَى
الْقِبْلَةِ؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ،
وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ
«ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا
بِفُرُوجِهِمْ الْقِبْلَةَ، قَالَ: أَرَاهُمْ قَدْ
فَعَلُوا، اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ» هَذَا
لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ؛ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي
الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ الصَّلْتِ ":
هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ.
(الثَّانِي) : أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِيهِمَا لِظَاهِرِ
أَحَادِيثِ النَّهْيِ. وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي جُعِلَتْ
قَرِينَةً عَلَى أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى
أَنَّهَا كَانَتْ لِعُذْرٍ وَلِأَنَّهَا حِكَايَةُ فِعْلٍ
لَا عُمُومَ لَهَا.
(الثَّالِثُ) : أَنَّهُ مُبَاحٌ فِيهِمَا، قَالُوا:
وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ
الْإِبَاحَةِ،؛ لِأَنَّ فِيهَا التَّقْيِيدَ بِقَبْلِ
عَامٍ وَنَحْوَهُ؛ وَاسْتَقْوَاهُ فِي الشَّرْحِ.
(الرَّابِعُ) يَحْرُمُ فِي الصَّحَارِي دُونَ
الْعُمْرَانِ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِبَاحَةِ وَرَدَتْ
فِي الْعُمْرَانِ، فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ، وَأَحَادِيثُ
النَّهْيِ عَامَّةٌ، وَبَعْدَ تَخْصِيصِ الْعُمْرَانِ
بِأَحَادِيثِ فِعْلِهِ الَّتِي سَلَفَتْ بَقِيَتْ
الصَّحَارِي عَلَى التَّحْرِيمِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ
عُمَرَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ،
فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ
يَسْتُرُك فَلَا بَأْسَ بِهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَغَيْرُهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِالْبَعِيدِ،
لِبَقَاءِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى بَابِهَا،
وَأَحَادِيثُ الْإِبَاحَةِ كَذَلِكَ.
(الْخَامِسِ) : الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِقْبَالِ
فَيَحْرُمُ فِيهِمَا، وَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا،
وَهُوَ مَرْدُودٌ بِوُرُودِ النَّهْيِ فِيهِمَا عَلَى
سَوَاءٍ.
فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ أَقْرَبُهَا الرَّابِعُ،
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ
فِي الصَّحْرَاءِ أَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ مُصَلٍّ مِنْ
مَلَكٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ؛ فَرُبَّمَا وَقَعَ
بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ؛ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ سُئِلَ: أَيْ الشَّعْبِيُّ عَنْ اخْتِلَافِ
الْحَدِيثَيْنِ، حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ
(1/113)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
رَآهُ يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ، وَحَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ فَقَالَ: صَدَقَا جَمِيعًا،
أَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَهُوَ فِي الصَّحْرَاءِ
فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا مَلَائِكَةً وَجِنًّا يُصَلُّونَ
فَلَا يَسْتَقْبِلُهُمْ أَحَدٌ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ،
وَلَا يَسْتَدْبِرُهُمْ، وَأَمَّا كَنَفُكُمْ فَإِنَّمَا
هِيَ بُيُوتٌ بُنِيَتْ لَا قِبْلَةَ فِيهَا، وَهَذَا
خَاصٌّ بِالْكَعْبَةِ، وَقَدْ أُلْحِقَ بِهَا بَيْتُ
الْمَقْدِسِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَتَيْنِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ»
وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَقْوَى عَلَى رَفْعِ
الْأَصْلِ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ
اسْتِقْبَالِ الْقَمَرَيْنِ لِمَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ
الثَّانِي عَشَرَ. وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْيُمْنَى
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ: وَقَوْلُهُ، «أَوْ أَنْ
نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ
أَحْجَارٍ، وَقَدْ وَرَدَ كَيْفِيَّةُ اسْتِعْمَالِ
الثَّلَاثِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «حَجَرَانِ
لِلصَّفْحَتَيْنِ وَحَجَرٌ لِلْمَسْرُبَةِ» وَهِيَ بِسِينٍ
مُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ مَضْمُومَةٍ أَوْ مَفْتُوحَةٍ، مَجْرَى
الْحَدَثِ مِنْ الدُّبُرِ. وَلِلْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِي
الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ؛ فَالْهَادَوِيَّةِ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ إلَّا عَلَى
الْمُتَيَمِّمِ؛ أَوْ مَنْ خَشِيَ تَعَدِّي الرُّطُوبَةِ
وَلَمْ تَزَلْ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ؛ وَفِي غَيْرِ
هَذِهِ الْحَالَةِ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ؛ وَإِنَّمَا
يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لِلصَّلَاةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ: مُخَيَّرٌ بَيْنَ
الْمَاءِ وَالْحِجَارَةِ أَيُّهُمَا فَعَلَ أَجْزَأَهُ؛
وَإِذَا اكْتَفَى بِالْحِجَارَةِ فَلَا بُدَّ عِنْدَهُ
مِنْ الثَّلَاثِ الْمَسَحَاتِ، وَلَوْ زَالَتْ الْعَيْنُ
بِدُونِهَا، وَقِيلَ إذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِدُونِ
الثَّلَاثِ أَجْزَأَ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثٍ
فَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَيُنْدَبُ الْإِيتَارُ.
وَيُسْتَحَبُّ التَّثْلِيثُ فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ؛
فَتَكُونُ سِتَّةُ أَحْجَارٍ، وَوَرَدَ ذَلِكَ فِي
حَدِيثٍ.
قُلْت: إلَّا أَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ تَأْتِ فِي
طَلَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ
مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمَا إلَّا
بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَجَاءَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ
اسْتِعْمَالِهَا فِي الدُّبُرِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي
الْقُبُلِ، وَلَوْ كَانَتْ السِّتُّ مُرَادَةً لِطَلَبِهَا
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إرَادَتِهِ
التَّبَرُّزَ، وَلَوْ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، فَلَوْ
كَانَ حَجَرٌ لَهُ سِتَّةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَ الْمَسْحُ
بِهِ، وَيَقُومُ غَيْرُ الْحِجَارَةِ مِمَّا يُنَقِّي
مَقَامَهَا، خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ فَقَالُوا
بِوُجُوبِ الْأَحْجَارِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.
وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ
الْمُتَيَسِّرُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَهْيُهُ أَنْ
يُسْتَنْجَى بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ
الْحِجَارَةُ لَنَهَى عَمَّا سِوَاهَا، وَكَذَلِكَ نَهَى
عَنْ الْحُمَمِ، فَعِنْدَ أَبِي دَاوُد: «مُرْ أُمَّتَك
أَنْ لَا يَسْتَنْجُوا بِرَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا» فَنَهَى -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي الْعَظْمِ أَنَّهَا مِنْ طَعَامِ
الْجِنِّ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
مَسْعُودٍ، وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجِنِّ لَمَّا سَأَلُوهُ
الزَّادَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ أَوْفَرُ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ
عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ» . وَلَا يُنَافِيهِ تَعْلِيلُ
الرَّوْثَةِ بِأَنَّهَا رِكْسٌ فِي حَدِيثِ. «ابْنِ
مَسْعُودٍ
(1/114)
(88) - وَلِلسَّبْعَةِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ
الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَلَا
تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا
بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»
(89) - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قَالَتْ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ
فَلْيَسْتَتِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَهُ بِثَلَاثَةِ
أَحْجَارٍ فَأَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَلْقَى
الرَّوْثَةَ، وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ» فَقَدْ يُعَلَّلُ
الْأَمْرُ الْوَاحِدُ بِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ، وَلَا مَانِعَ
أَيْضًا أَنْ تَكُونَ رِجْسًا، وَتُجْعَلَ لِدَوَابّ
الْجِنِّ طَعَامًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ
النَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقَمَرَيْنِ الْحَدِيثُ
الْآتِي:
(88) - وَلِلسَّبْعَةِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ
الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَلَا
تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا
بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»
.
وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِلسَّبْعَةِ حَدِيثُ " أَبِي أَيُّوبَ
وَاسْمُهُ: " خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ
الْأَنْصَارِيُّ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ شَهِدَ
بَدْرًا وَنَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَالَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ عَلَيْهِ مَاتَ
غَازِيًا سَنَةَ خَمْسِينَ بِالرُّومِ وَقِيلَ بَعْدَهَا
وَالْحَدِيثُ مَرْفُوعٌ أَوَّلُهُ أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إذَا أَتَيْتُمْ
الْغَائِطَ] الْحَدِيثَ؛ وَفِي آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ أَبِي
أَيُّوبَ " قَالَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا
مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ الْحَدِيثُ
تَقَدَّمَ، فَقَوْلُهُ «فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ
وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، وَلَكِنْ
شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» صَرِيحٌ فِي جَوَازِ
اسْتِقْبَالِ الْقَمَرَيْنِ وَاسْتِدْبَارهمَا إذْ لَا
بُدَّ أَنْ يَكُونَا فِي الشَّرْقِ أَوْ الْغَرْبِ
غَالِبًا.
(89) - وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قَالَتْ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ
فَلْيَسْتَتِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَائِشَةَ "
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى
الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد هَذَا
الْحَدِيثُ فِي السُّنَنِ نَسَبُهُ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ
"، وَكَذَلِكَ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَالَ: مَدَارُهُ عَلَى
أَبِي سَعِيدٍ الْحُبْرَانِيِّ الْحِمْصِيِّ "، وَفِيهِ
اخْتِلَافٌ. قِيلَ: إنَّهُ صَحَابِيٌّ، وَلَا يَصِحُّ
وَالرَّاوِي عَنْهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَالْحَدِيثُ
كَاَلَّذِي سَلَف دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِتَارِ،
وَقَدْ قَدَّمْنَا شَطْرَهُ، وَلَفْظُهُ فِي السُّنَنِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ
فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ
اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ
وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ
فَلْيَلْفِظْ وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ،
مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ؛
(1/115)
(90) - وَعَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ
مِنْ الْغَائِطِ قَالَ: غُفْرَانَك» . أَخْرَجَهُ
الْخَمْسَةُ. وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ
يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ
فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ
بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ،
وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» فَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ "
وَلَيْسَ لَهُ هُنَا عَنْ عَائِشَةَ " رِوَايَةٌ، ثُمَّ
هُوَ مُضَعَّفٌ بِمَنْ سَمِعْت، فَكَانَ عَلَى
الْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْزُوَهُ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ "،
وَأَنْ يُشِيرَ إلَى مَا فِيهِ عَلَى عَادَاتِهِ فِي
الْإِشَارَةِ إلَى مَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ وَكَأَنَّهُ
تَرَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي؛
إنَّ إسْنَادَهُ حَسَنٌ؛ وَفِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ؛
إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ
ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَالنَّوَوِيُّ.
[الِاسْتِغْفَار إذَا خَرَجَ مِنْ الغائط]
وَعَنْهَا أَيْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ: غُفْرَانَك»
بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ:
أَيْ أَطْلُبُ غُفْرَانَك أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَلَفْظَةُ خَرَجَ
تُشْعِرُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَكَانِ كَمَا سَلَفَ فِي
لَفْظِ دَخَلَ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَعَمُّ مِنْهُ
وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ.
مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ: قِيلَ: وَاسْتِغْفَارُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَرْكِهِ
لِذِكْرِ اللَّهِ وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ،؛ لِأَنَّهُ
كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ، فَجَعَلَ
تَرْكَهُ لِذِكْرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ
تَقْصِيرًا، وَعَدَّهُ عَلَى نَفْسِهِ ذَنْبًا،
فَتَدَارَكَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ
التَّوْبَةُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَتِهِ
الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ، فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ
هَضَمَهُ، ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَ الْأَذَى مِنْهُ، فَرَأَى
شُكْرَهُ قَاصِرًا عَنْ بُلُوغِ حَقِّ هَذِهِ النِّعْمَةِ،
فَفَزِعَ إلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ
، وَهَذَا أَنْسَبُ لِيُوَافِقَ حَدِيثَ أَنَسٍ قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَب عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي»
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَوَرَدَ فِي وَصْفِ «نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِنْ جُمْلَةِ شُكْرِهِ بَعْدَ
الْغَائِطِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي
الْأَذَى وَلَوْ شَاءَ حَبَسَهُ فِي» ؛ وَقَدْ وَصَفَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ كَانَ
عَبْدًا شَكُورًا. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ
اسْتِغْفَارَهُ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا وَلِمَا لَا
نَعْلَمُهُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ تَرَكَ الذِّكْرَ
بِلِسَانِهِ حَالَ التَّبَرُّزِ لَمْ يَتْرُكْهُ
بِقَلْبِهِ. وَفِي الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ
«كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْسَنَ إلَيَّ فِي أَوَّلِهِ
وَآخِرِهِ» وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ «كَانَ يَقُولُ
إذَا خَرَجَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي
لَذَّتَهُ وَأَبْقَى فِي قُوَّتَهُ.
(1/116)
(91) - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي
أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْت
حَجَرَيْنِ، وَلَمْ أَجِدْ ثَالِثًا، فَأَتَيْته
بِرَوْثَةٍ. فَأَخَذَهُمَا وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ،
وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ - أَوْ رِكْسٌ» أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ. وَزَادَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ "
ائْتِنِي بِغَيْرِهَا ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ» وَكُلُّ أَسَانِيدِهَا
ضَعِيفَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَصَحُّ مَا فِيهِ
حَدِيثُ عَائِشَةَ ".
قُلْت: لَكِنَّهُ لَا بَأْسَ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا
جَمِيعًا شُكْرًا عَلَى النِّعْمَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ
الصِّحَّةُ لِلْحَدِيثِ فِي مِثْلِ هَذَا.
[الِاسْتِنْجَاء بِثَلَاثَةِ أحجار لِكُلِّ مِنْ
السَّبِيلَيْنِ]
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ "؛ قَالَ الذَّهَبِيُّ: هُوَ الْإِمَامُ
الرَّبَّانِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أُمِّ عَبْدٍ الْهُذَلِيُّ " صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَخَادِمُهُ،
وَأَحَدُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، مِنْ كِبَارِ
الْبَدْرِيِّينَ، وَمِنْ نُبَلَاءِ الْفُقَهَاءِ
وَالْمُقَرَّبِينَ، أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَحَفِظَ مِنْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سَبْعِينَ سُورَةً، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ
غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ
ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» . وَفَضَائِلُهُ جَمَّةٌ عَدِيدَةٌ،
تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ
وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: «أَتَى
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ
أَحْجَارٍ، فَوَجَدْت حَجَرَيْنِ وَلَمْ أَجِدْ ثَالِثًا
فَأَتَيْته بِرَوْثَةٍ فَأَخَذَهُمَا وَأَلْقَى
الرَّوْثَةَ» زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَنَّهَا [كَانَتْ
رَوْثَةُ حِمَارٍ] [وَقَالَ: إنَّهَا رِكْسٌ بِكَسْرِ
الرَّاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ فِي الْقَامُوسِ: إنَّهُ
الرِّجْسُ؛ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَزَادَ أَحْمَدُ
وَالدَّارَقُطْنِيّ: [ائْتِنِي بِغَيْرِهَا] .
أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَاشْتَرَطُوا أَنْ لَا تَنْقُصَ
الْأَحْجَارُ عَنْ الثَّلَاثَةِ، مَعَ مُرَاعَاةِ
الْإِنْقَاءِ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهَا زَادَ حَتَّى
يُنَقِّيَ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِيتَارُ، وَتَقَدَّمَتْ
الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ الْإِيتَارُ
لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد " [وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ]
تَقَدَّمَ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَوْ كَانَ الْقَصْدُ الْإِنْقَاءَ
فَقَطْ لَخَلَا ذِكْرُ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ عَنْ
الْفَائِدَةِ، فَلَمَّا اشْتَرَطَ الْعَدَدَ لَفْظًا
وَعَلِمَ الْإِنْقَاءَ مَعْنًى دَلَّ عَلَى إيجَابِ
الْأَمْرَيْنِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ كَانَ الثَّلَاثُ
شَرْطًا لَطَلَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ثَالِثًا؛ فَجَوَابُهُ: أَنَّهُ قَدْ طَلَبَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّالِثَ كَمَا فِي
رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ الْمَذْكُورَةِ فِي
كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ
رِجَالَهُ ثِقَاتٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَثْبُتْ
الزِّيَادَةُ هَذِهِ فَالْجَوَابُ عَلَى الطَّحَاوِيِّ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَفَى
بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ فِي طَلَبِ الثَّلَاثِ، وَحِينَ
أَلْقَى الرَّوْثَةَ عَلِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ
لَمْ يُتِمَّ امْتِثَالَهُ الْأَمْرَ، حَتَّى يَأْتِيَ
بِثَالِثَةٍ.
ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - اكْتَفَى بِأَحَدِ أَطْرَافِ الْحَجَرَيْنِ،
فَمَسَحَ
(1/117)
(92) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى
بِعَظْمٍ، أَوْ رَوْثٍ وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا
يُطَهِّرَانِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
بِهِ الْمَسْحَةَ الثَّالِثَةَ، إذْ الْمَطْلُوبُ
تَثْلِيثُ الْمَسْحِ وَلَوْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ وَاحِدٍ،
وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لِأَحَدِ السَّبِيلَيْنِ،
وَيُشْتَرَطُ لِلْآخَرِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا فَتَكُونُ
سِتَّةً لِحَدِيثٍ وَرَدَ بِذَلِكَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ،
عَلَى أَنَّ فِي النَّفْسِ مِنْ إثْبَاتِ سِتَّةِ
أَحْجَارٍ شَيْئًا، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَا عَلِمَ أَنَّهُ طَلَبَ سِتَّةَ أَحْجَارٍ
مَعَ تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُ، مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ "
وَابْنِ مَسْعُودٍ " وَغَيْرِهِمَا؛ وَالْأَحَادِيثُ
بِلَفْظِ [مَنْ أَتَى الْغَائِطَ] كَحَدِيثِ عَائِشَةَ:
«إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَسْتَطِبْ
بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ عِنْدَ
أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبِي دَاوُد
وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ،
مَعَ أَنَّ الْغَائِطَ إذَا أُطْلِقَ ظَاهِرًا فِي خَارِجِ
الدُّبُرِ، وَخَارِجِ الْقُبُلِ يُلَازِمُهُ.
وَفِي حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الِاسْتِطَابَةِ
فَقَالَ: بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ»
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالسُّؤَالُ عَامٌّ
لِلْمَخْرَجَيْنِ مَعًا أَوْ أَحَدِهِمَا، وَالْمَحَلُّ
مَحَلُّ الْبَيَانِ، وَحَدِيثُ سَلْمَانَ بِلَفْظِ:
«أُمِرْنَا أَنْ لَا نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلَاثَةِ
أَحْجَارٍ» وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي الْمَخْرَجَيْنِ.
وَمَنْ اشْتَرَطَ السِّتَّةَ فَلِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ، وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّتُهُ فَيُبْحَثُ عَنْهُ.
ثُمَّ تَتَبَّعْت الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي
الْأَمْرِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَالنَّهْيِ عَنْ
أَقَلَّ مِنْهَا، فَإِذَا هِيَ كُلُّهَا فِي خَارِجِ
الدُّبُرِ، فَإِنَّهَا بِلَفْظِ النَّهْيِ عَنْ
الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ،
وَبِلَفْظِ الِاسْتِجْمَارِ: «إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْتَجْمِرْ ثَلَاثًا» وَبِلَفْظِ التَّمَسُّحِ:
«نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ
يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ» .
إذَا عَرَفْت هَذَا فَالِاسْتِنْجَاءُ لُغَةً: إزَالَةُ
النَّجْوِ وَهُوَ الْغَائِطُ، وَالْغَائِطُ: كِنَايَةٌ
عَنْ الْعَذِرَةِ، وَالْعَذِرَةُ خَارِجُ الدُّبُرِ، كَمَا
يُفِيدُ ذَلِكَ كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَفِي
الْقَامُوسِ النَّجْوُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ مِنْ
رِيحٍ أَوْ غَائِطٍ، وَاسْتَنْجَى: اغْتَسَلَ بِالْمَاءِ،
أَوْ تَمَسَّحَ بِالْحَجَرِ، وَفِيهِ اسْتَطَابَ:
اسْتَنْجَى، وَاسْتَجْمَرَ: اسْتَنْجَى؛ وَفِيهِ
التَّمَسُّحُ: إمْرَارُ الْيَدِ لِإِزَالَةِ الشَّيْءِ
السَّائِلِ أَوْ الْمُتَلَطِّخِ. اهـ.
فَعَرَفْت مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ
الْأَحْجَارَ لَمْ يَرِدْ الْأَمْرُ بِهَا، وَالنَّهْيُ
عَنْ أَقَلَّ مِنْهَا إلَّا فِي إزَالَةِ خُرُوجِ
الدُّبُرِ لَا غَيْرُ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا دَلِيلٌ فِي
خَارِجِ الْقُبُلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ
بِعَدَدٍ، بَلْ الْمَطْلُوبُ الْإِزَالَةُ لِأَثَرِ
الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ، فَيَكْفِي فِيهِ وَاحِدَةٌ مَعَ
أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ بَيَانُ اسْتِعْمَالِ الثَّلَاثِ فِي
الدُّبُرِ: بِأَنَّ وَاحِدَةً لِلْمَسْرُبَةِ،
وَاثْنَتَيْنِ لِلصَّحْفَتَيْنِ، مَا ذَاكَ إلَّا
لِاخْتِصَاصِهِ بِهَا.
[النَّهْي عَنْ الِاسْتِنْجَاء بِالْعَظْمِ والروث]
وَعَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ
(1/118)
(93) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ
الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ مِنْهُ» . رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَوْ رَوْثٍ وَقَالَ إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ
خُزَيْمَةَ بِلَفْظِهِ هَذَا وَالْبُخَارِيُّ بِقَرِيبٍ
مِنْهُ، وَزَادَ فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَبُو
هُرَيْرَةَ لَمَّا فَرَغَ مَا بَالُ الْعَظْمِ
وَالرَّوْثِ؟ قَالَ: هِيَ مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ»
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُطَوَّلًا كَذَا فِي
الشَّرْحِ، وَلَفْظُهُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ: «أَنَّهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ابْغِنِي
أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضُ بِهَا وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ
وَلَا رَوْثٍ، فَأَتَيْته بِأَحْجَارٍ فِي ثَوْبِي،
فَوَضَعْتهَا إلَى جَنْبِهِ حَتَّى إذَا فَرَغَ، وَقَامَ
تَبِعْته، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا بَالُ
الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ؟ فَقَالَ: أَتَانِي وَفْدُ
نَصِيبِينَ فَسَأَلُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْت اللَّهَ
لَهُمْ أَلَّا يَمُرُّوا بِرَوْثَةٍ وَلَا عَظْمٍ إلَّا
وَجَدُوا عَلَيْهِ طَعَامًا» .
وَالنَّهْيُ فِي الْبَابِ، عَنْ الزُّبَيْرِ، وَجَابِرٍ،
وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَغَيْرِهِمْ بِأَسَانِيدَ فِيهَا
مَا فِيهِ مَقَالٌ، وَالْمَجْمُوعُ يَشْهَدُ بَعْضُهَا
لِبَعْضٍ.
وَعُلِّلَ هُنَا بِأَنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ، وَعُلِّلَ
بِأَنَّهُمَا طَعَامُ الْجِنِّ، وَعُلِّلَتْ الرَّوْثَةُ
بِأَنَّهَا رِكْسٌ، وَالتَّعْلِيلُ بِعَدَمِ التَّطْهِيرِ
فِيهَا عَائِدٌ إلَى كَوْنِهَا رِكْسًا، وَأَمَّا عَدَمُ
تَطْهِيرِ الْعَظْمِ فَلِأَنَّهُ لَزِجٌ لَا يَكَادُ
يَتَمَاسَكُ، فَلَا يُنَشِّفُ النَّجَاسَةَ، وَلَا
يَقْطَعُ الْبِلَّةَ؛ وَلَمَّا عَلَّلَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ «الْعَظْمَ وَالرَّوْثَةَ
طَعَامُ الْجِنِّ، قَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَمَا
يُغْنِي عَنْهُمْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
إنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ عَظْمًا إلَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ
لَحْمَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ أُخِذَ، وَلَا
وَجَدُوا رَوْثًا إلَّا وَجَدُوا فِيهِ حَبَّهُ الَّذِي
كَانَ يَوْمَ أُكِلَ» رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحَاكِمُ فِي الدَّلَائِلِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا وَرَدَ
أَنَّ الرَّوْثَ عَلَفٌ لِدَوَابِّهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ
بِالْأَحْجَارِ طَهَارَةٌ لَا يَلْزَمُ مَعَهَا الْمَاءُ،
وَإِنْ اُسْتُحِبَّ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِأَنَّهُمَا لَا
يُطَهِّرَانِ، فَأَفَادَ أَنَّ غَيْرَهُمَا يُطَهِّرُ.
[التَّنَزُّه مِنْ الْبَوْل وَأَن عَامَّة عَذَاب الْقَبْر
مِنْهُ]
[وَعَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا» مِنْ التَّنَزُّهِ وَهُوَ
الْبُعْدُ، بِمَعْنَى تَنَزَّهُوا، أَوْ بِمَعْنَى
اُطْلُبُوا النَّزَاهَةَ «مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ
عَذَابِ الْقَبْرِ» أَيْ أَكْثَرُ مَنْ يُعَذَّبُ فِيهِ
[مِنْهُ] أَيْ بِسَبَبِ مُلَابَسَتِهِ، وَعَدَمِ
التَّنَزُّهِ عَنْهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَالْحَدِيثُ أَمَرَ بِالْبُعْدِ عَنْ الْبَوْلِ، وَأَنَّ
عُقُوبَةَ عَدَمِ التَّنَزُّهِ مِنْهُ تُعَجَّلُ فِي
الْقَبْرِ، وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ:
«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ
بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ عَذَابَ
أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ
الْبَوْلِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ»
مِنْ الِاسْتِتَارِ. أَيْ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
بَوْلِهِ سَاتِرًا يَمْنَعُهُ عَنْ الْمُلَامَسَةِ لَهُ،
أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبْرِئُ، مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ،
أَوْ؛ لِأَنَّهُ
(1/119)
(94) - وَلِلْحَاكِمِ «أَكْثَرُ عَذَابِ
الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ» وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
لَا يَتَوَقَّاهُ، وَكُلُّهَا أَلْفَاظٌ وَارِدَةٌ فِي
الرِّوَايَاتِ، وَالْكُلُّ مُفِيدٌ لِتَحْرِيمِ
مُلَامَسَةِ الْبَوْلِ وَعَدَمِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ
فَرْضٌ أَوْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: إزَالَتُهَا لَيْسَتْ
بِفَرْضٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إزَالَتُهَا فَرْضٌ مَا
عَدَا مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْهَا. وَاسْتَدَلَّ عَلَى
الْفَرْضِيَّةِ بِحَدِيثِ التَّعْذِيبِ عَلَى عَدَمِ
التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ، وَهُوَ وَعِيدٌ لَا يَكُونُ
إلَّا عَلَى تَرْكِ فَرْضٍ. وَاعْتَذَرَ لِمَالِكٍ عَنْ
الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عُذِّبَ؛
لِأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ الْبَوْلَ يَسِيلُ عَلَيْهِ،
فَيُصَلِّي بِغَيْرِ طَهُورٍ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا
يَصِحُّ مَعَ وُجُودِهِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَحَادِيثَ
الْأَمْرِ بِالذَّهَابِ إلَى الْمَخْرَجِ بِالْأَحْجَارِ،
وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِطَابَةِ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ
إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَجَاسَةِ
الْبَوْلِ.
وَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ
الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْبَوْلِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ
عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ، أَيْ عَنْ بَوْلِهِ، بِدَلِيلِ
لَفْظِ الْبُخَارِيِّ فِي صَاحِبِ الْقَبْرَيْنِ
فَإِنَّهَا بِلَفْظِ [كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ عَنْ
بَوْلِهِ] وَمَنْ حَمَلَهُ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَالِ،
وَأَدْخَلَ فِيهِ أَبْوَالَ الْإِبِلِ كَالْمُصَنِّفِ فِي
فَتْحِ الْبَارِي فَقَدْ تَعَسَّفَ، وَقَدْ بَيَّنَّا
وَجْهَ التَّعَسُّفِ فِي هَوَامِشِ فَتْحِ الْبَارِي.
(94) - وَلِلْحَاكِمِ «أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ
الْبَوْلِ» وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَلِلْحَاكِمِ أَيْ مِنْ حَدِيثِ " أَبِي هُرَيْرَةَ
«أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ» وَهُوَ
صَحِيحُ الْإِسْنَادِ هَذَا كَلَامُهُ هُنَا، وَفِي
التَّخْلِيصِ مَا لَفْظُهُ وَلِلْحَاكِمِ وَأَحْمَدَ
وَابْنِ مَاجَهْ؛ «أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ
الْبَوْلِ» وَأَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ إنَّ
رَفْعَهُ بَاطِلٌ اهـ. وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِحَرْفٍ،
وَهُنَا جَزَمَ بِصِحَّتِهِ
، فَاخْتَلَفَ كَلَامَاهُ كَمَا تَرَى، وَلَمْ يَتَنَبَّهْ
الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِذَلِكَ، فَأَقَرَّ
كَلَامَهُ هُنَا؛ وَالْحَدِيثُ يُفِيدُ مَا أَفَادَهُ
الْأَوَّلُ.
وَاخْتُلِفَ فِي عَدَمِ الِاسْتِنْزَاهِ هَلْ هُوَ مِنْ
الْكَبَائِرِ أَوْ مِنْ الصَّغَائِرِ؟ وَسَبَبُ
الِاخْتِلَافِ حَدِيثُ صَاحِبَيْ الْقَبْرَيْنِ، فَإِنَّ
فِيهِ " وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، بَلَى إنَّهُ
لَكَبِيرٌ " بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا عُذِّبَ
بِسَبَبِ عَدَمِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْبَوْلِ، فَقِيلَ:
إنَّ نَفْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَكْبَرَ مَا يُعَذَّبَانِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
مِنْ الصَّغَائِرِ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّ قَوْلَهُ [بَلَى
إنَّهُ لَكَبِيرٌ] يَرُدُّ هَذَا، وَقِيلَ بَلْ أَرَادَ
أَنَّهُ لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اعْتِقَادِهِمَا، أَوْ فِي
اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ
كَبِيرٌ، وَقَالَ: لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي مَشَقَّةِ
الِاحْتِرَازِ، وَجَزَمَ بِهَذَا الْبَغَوِيّ، وَرَجَّحَهُ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَلَى
هَذَا فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ.
(1/120)
(95) - وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
الْخَلَاءِ أَنْ نَقْعُدَ عَلَى الْيُسْرَى، وَنَنْصِبَ
الْيُمْنَى» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
(96) - وَعَنْ عِيسَى بْنِ يَزْدَادَ عَنْ أَبِيهِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا بَالَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَنْثُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
(97) - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
- «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- سَأَلَ أَهْلَ قُبَاءَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يُثْنِي
عَلَيْكُمْ قَالُوا: إنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ
الْمَاءَ.» رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ،
وَأَصْلُهُ فِي أَبِي دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
بِدُونِ ذِكْرِ الْحِجَارَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[كَيْفِيَّة الْجُلُوس لِقَضَاءِ الْحَاجَة]
وَعَنْ " سُرَاقَةَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِضَمِّ
السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الرَّاءِ قَافٌ وَهُوَ
أَبُو سُفْيَانَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ،
بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ
الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الَّذِي سَاخَتْ
قَوَائِمُ فَرَسِهِ لَمَّا لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ فَارًّا
مِنْ مَكَّةَ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ، قَالَ "
سُرَاقَةُ " فِي ذَلِكَ يُخَاطِبُ " أَبَا جَهْلٍ ":
أَبَا حَكَمٍ وَاَللَّهِ لَوْ كُنْت شَاهِدًا ... لِأَمْرِ
جَوَادِي حِينَ سَاخَتْ قَوَائِمُهُ
عَلِمْت وَلَمْ تَشُكَّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا ... رَسُولٌ
بِبُرْهَانٍ فَمَنْ ذَا يُقَاوِمُهُ
مِنْ أَبْيَاتٍ. تُوُفِّيَ " سُرَاقَةُ " سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَعِشْرِينَ، فِي صَدْرِ خِلَافَةِ " عُثْمَانَ ". قَالَ:
«عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الْخَلَاءِ أَنْ نَقْعُدَ عَلَى
الْيُسْرَى» مِنْ الرِّجْلَيْنِ [وَنَنْصِبَ الْيُمْنَى]
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَأَخْرَجَهُ
الطَّبَرَانِيُّ؛ قَالَ الْحَازِمِيُّ: فِي سَنَدِهِ مَنْ
لَا نَعْرِفُهُ، وَلَا نَعْلَمُ فِي الْبَابِ غَيْرَهُ.
قِيلَ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ أَعْوَنَ
عَلَى خُرُوجِ الْخَارِجِ،؛ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ فِي
الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ. وَقِيلَ: لِيَكُونَ مُعْتَمَدًا
عَلَى الْيُسْرَى، وَيَقِلُّ مَعَ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ
الْيُمْنَى لِشَرَفِهَا.
(96) - وَعَنْ عِيسَى بْنِ يَزْدَادَ عَنْ أَبِيهِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا بَالَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَنْثُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَعَنْ " عِيسَى
بْنِ يَزْدَادَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ:
بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَدَالَيْنِ
مُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ وَضُبِطَ بِمُثَنَّاةٍ
تَحْتِيَّةٍ وَزَايٍ مُعْجَمَةٍ، وَبَقِيَّتُهُ
كَالْأَوَّلِ وَعَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا بَالَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَنْثُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ
قَانِعٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ وَأَبُو
دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي
الضُّعَفَاءِ؛ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى
الْمَذْكُورِ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُعْرَفُ عِيسَى
وَلَا أَبُوهُ. وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُتَابَعُ
عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ
فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ
ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي
رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ:
(1/121)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
كَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ] بِمُوَحَّدَةٍ
سَاكِنَةٍ: أَيْ لَا يَسْتَفْرِغُ الْبَوْلَ جَهْدَهُ
بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ، فَيَخْرُجُ بَعْدَ وُضُوئِهِ.
وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ حُصُولُ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَمْ
يَبْقَ فِي الْمَخْرَجِ مَا يَخَافُ مِنْ خُرُوجِهِ،
وَقَدْ أَوْجَبَ بَعْضُهُمْ الِاسْتِبْرَاءَ لِحَدِيثِ
أَحَدِ صَاحِبَيْ الْقَبْرَيْنِ هَذَا، وَهُوَ شَاهِدٌ
لِحَدِيثِ الْبَابِ.
[الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْحِجَارَةِ]
1
(97) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سَأَلَ أَهْلَ قُبَاءَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يُثْنِي
عَلَيْكُمْ قَالُوا: إنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ
الْمَاءَ.» رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ،
وَأَصْلُهُ فِي أَبِي دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
بِدُونِ ذِكْرِ الْحِجَارَةِ.
وَعَنْ " ابْنِ عَبَّاسٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -:
[أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سَأَلَ أَهْلَ قُبَاءَ] بِضَمِّ الْقَافِ مَمْدُودٌ
مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَفِيهِ لُغَةٌ بِالْقَصْرِ، وَعَدَمِ
الصَّرْفِ [فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يُثْنِي عَلَيْكُمْ
فَقَالُوا: إنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ] رَوَاهُ
الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا
نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا
مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَا عَنْهُ إلَّا
ابْنَهُ، وَمُحَمَّدٌ ضَعِيفٌ وَأَصْلُهُ فِي أَبِي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيِّ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ
أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] قَالَ: كَانُوا
يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ
الْآيَةُ» قَالَ الْمُنْذِرِيُّ زَادَ التِّرْمِذِيُّ:
غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ
خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ " أَبِي هُرَيْرَةَ " بِدُونِ
ذِكْرِ الْحِجَارَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ: الْمَعْرُوفُ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ
أَنَّهُمْ كَانُوا، يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ
وَالْأَحْجَارِ. وَنَبَّهَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ: لَا
يُوجَدُ هَذَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ؛ وَكَذَا قَالَ
الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ نَحْوَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ:
وَرِوَايَةُ الْبَزَّارِ وَارِدَةٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ
كَانَتْ ضَعِيفَةً. قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ
يُرِيدُونَ لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بِسَنَدٍ
صَحِيحٍ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى الرَّدُّ بِمَا فِي
الْإِلْمَامِ فَإِنَّهُ صَحَّحَ ذَلِكَ. قَالَ فِي
الْبَدْرِ: وَالنَّوَوِيُّ مَعْذُورٌ، فَإِنَّ رِوَايَةَ
ذَلِكَ غَرِيبَةٌ فِي زَوَايَا وَخَبَايَا لَوْ قُطِعَتْ
إلَيْهَا أَكْبَادُ الْإِبِلِ لَكَانَ قَلِيلًا.
قُلْت: يَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ
الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ
(1/122)
(98) - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَفْضَلُ مِنْ الْحِجَارَةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
أَفْضَلُ مِنْ الْكُلِّ بَعْدَ صِحَّةِ مَا فِي
الْإِلْمَامِ، وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا.
وَعِدَّةُ أَحَادِيثِ بَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَحَدٌ
وَعِشْرُونَ؛ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ خَمْسَةَ عَشَرَ:
وَكَأَنَّهُ عَدَّ أَحَادِيثَ الْمَلَاعِنِ حَدِيثًا
وَاحِدًا، وَلَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّهَا أَرْبَعَةُ
أَحَادِيثَ عَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ " عِنْدَ مُسْلِمٍ،
وَعَنْ " مُعَاذٍ " عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَعَنْ " ابْنِ
عَبَّاسٍ " عِنْدَ أَحْمَدَ، وَعَنْ " ابْنِ عُمَرَ "
عِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ، فَقَدْ اخْتَلَفَتْ صَحَابَةٌ
وَمُخَرِّجِينَ، وَعَدَّ حَدِيثَيْ النَّهْيِ عَنْ
اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاحِدًا، وَهُمَا حَدِيثَانِ
عَنْ " سَلْمَانَ " عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَعَنْ " أَبِي
أَيُّوبَ " عِنْدَ السَّبْعَةِ. |