سبل
السلام ط دار الحديث [بَابُ الْعَارِيَّةُ]
الْعَارِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ
وَتَخْفِيفِهَا وَيُقَالُ عَارَةٌ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ
عَارَ الْفَرَسُ إذَا ذَهَبَ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ
تَذْهَبُ مِنْ يَدِ الْمُعِيرِ أَوْ مِنْ الْعَارِ
لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعِيرُ أَحَدٌ إلَّا وَبِهِ عَارٌ
وَحَاجَةٌ وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إبَاحَةِ
الْمَنَافِعِ مِنْ دُونِ مِلْكِ الْعَيْنِ.
(2/95)
(837) - عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى
تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ.
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
(عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى
تُؤَدِّيَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ) بِنَاءً مِنْهُ عَلَى سَمَاعِ
الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ
رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَلِلْحَافِظِ فِي
سَمَاعِهِ مِنْهُ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ
سُمِعَ مِنْهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ
الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ.
وَالثَّانِي لَا مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَابْنِ
حِبَّانَ. وَالثَّالِثُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إلَّا
حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ النَّسَائِيّ
وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَادَّعَى عَبْدُ الْحَقِّ
أَنَّهُ الصَّحِيحُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ رَدِّ مَا قَبَضَهُ
الْمَرْءُ وَهُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا
بِمَصِيرِهِ إلَى مَالِكِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ
لِقَوْلِهِ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ وَلَا تَتَحَقَّقُ
التَّأْدِيَةُ إلَّا بِذَلِكَ وَهُوَ عَامٌّ فِي الْغَصْبِ
الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَذَكَرَهُ فِي بَابِ
الْعَارِيَّةِ لِشُمُولِهِ لَهَا، وَرُبَّمَا يُفْهَمُ
مِنْهُ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَفِي
ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهَا
مَضْمُونَةٌ مُطْلَقًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَالشَّافِعِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا يَأْتِي
مِمَّا يُفِيدُ مَعْنَاهُ، وَالثَّانِي لِلْهَادِي
وَآخَرِينَ مَعَهُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا يَجِبُ
ضَمَانُهَا إلَّا إذَا شُرِطَ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ
صَفْوَانَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ لِلْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ
أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ وَإِنْ ضُمِنَتْ لِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى
الْمُسْتَعِيرِ غَيْرُ الْمُغَلِّ وَلَا عَلَى
الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرُ الْمُغَلِّ ضَمَانٌ» أَخْرَجَهُ
الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
وَضَعَّفَاهُ وَصَحَّحَا وَقْفَهُ عَلَى شُرَيْحٍ.
وَقَوْلُهُ الْمُغَلُّ بِضَمِّ الْمِيمِ فَغَيْنٍ
مُعْجَمَةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ إذَا لَمْ يَخُنْ
فِي الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ
مِنْ الْإِغْلَالِ وَهُوَ الْخِيَانَةُ وَقِيلَ الْمُغِلُّ
الْمُسْتَغِلُّ وَأَرَادَ بِهِ الْقَابِضَ لِأَنَّهُ
بِالْقَبْضِ يَكُونُ مُسْتَغِلًّا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
وَحِينَئِذٍ فَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. عَلَى أَنَّهُ
لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَلَوْ صَحَّ رَفْعُهُ
لِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ
هُوَ مُسْتَعِيرٌ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ الضَّمَانَ
لَلَزِمَهُ.
وَحَدِيثُ الْبَابِ كَثِيرًا مَا يُسْتَدَلُّونَ مِنْهُ
بِقَوْلِهِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى
تُؤَدِّيَهُ» عَلَى التَّضْمِينِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ
صَرِيحًا فَإِنَّ الْيَدَ الْأَمِينَةَ أَيْضًا عَلَيْهَا
مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ وَلِذَلِكَ قُلْنَا
وَرُبَّمَا يُفْهَمُ وَلَمْ يَبْقَ دَلِيلٌ عَلَى
تَضْمِينِ الْعَارِيَّةِ إلَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ فِي حَدِيثِ
صَفْوَانَ فَإِنَّ وَصْفَهَا بِمَضْمُونَةٍ يَحْتَمِلُ
أَنَّهَا صِفَةٌ مُوَضِّحَةٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ
شَأْنِهَا الضَّمَانُ فَيَدُلُّ عَلَى ضَمَانِهَا
مُطْلَقًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا صِفَةٌ لِلتَّقْيِيدِ
وَهُوَ الْأَظْهَرُ
(2/96)
(838) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ
إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ
الْحَاكِمُ، وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ،
وَأَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ وَهُوَ شَامِلٌ
لِلْعَارِيَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
لِأَنَّهَا تَأْسِيسٌ وَلِأَنَّهَا كَثِيرَةٌ، ثُمَّ
ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ عَارِيَّةٌ قَدْ ضَمِنَاهَا
لَك وَحِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُ وَيَحْتَمِلُ
أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ كَالْوَعْدِ وَهُوَ بَعِيدٌ
فَيَتِمُّ الدَّلِيلُ بِالْحَدِيثِ الْقَائِلِ إنَّهَا
تُضْمَنُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - بِالتَّضْمِينِ إمَّا
بِطَلَبِ صَاحِبِهَا لَهُ أَوْ بِتَبَرُّعِ
الْمُسْتَعِيرِ.
[مِنْ ظفر بحقه أَخَذَهُ]
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك
وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَأَخْرَجَهُ
جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ وَهُوَ شَامِلٌ
لِلْعَارِيَّةِ) الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّهُ
يَجِبُ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْله
تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَقَوْله
«وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا
يُجَازِي بِالْإِسَاءَةِ مَنْ أَسَاءَ وَحَمَلَهُ
الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِدَلَالَةِ
قَوْله تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ
مِثْلُهَا} [الشورى: 40] {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا
بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] عَلَى
الْجَوَازِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسْأَلَةِ
الظُّفْرِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ.
هَذَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ
أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا
أُخِذَ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. وَالثَّانِي
يَجُوزُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِ لَا
مِنْ غَيْرِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ {بِمِثْلِ مَا
عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَقَوْلِهِ {مِثْلُهَا}
وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُؤَيَّدِ
(وَالثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِحُكْمِ
الْحَاكِمِ لِظَاهِرِ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] وَأُجِيبَ أَنَّهُ
لَيْسَ أَكْلًا بِالْبَاطِلِ وَالْحَدِيثُ يُحْمَلُ فِيهِ
النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ (الرَّابِعُ) لِابْنِ حَزْمٍ
(2/97)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ
سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَا هُوَ لَهُ أَوْ مِنْ
غَيْرِهِ وَيَبِيعُهُ وَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَإِنْ
فَضَلَ عَلَى مَا هُوَ لَهُ رَدَّهُ لَهُ أَوْ
لِوَرَثَتِهِ.
وَإِنْ نَقَصَ بَقِيَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ،
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ إلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ وَيُبَرِّئَهُ فَهُوَ
مَأْجُورٌ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ الَّذِي لَهُ لَا
بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَظَفِرَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالٍ
مِنْ عِنْدِهِ لَهُ الْحَقُّ أَخَذَهُ فَإِنْ طُولِبَ
أَنْكَرَ فَإِنْ اُسْتُحْلِفَ حَلَفَ وَهُوَ مَأْجُورٌ فِي
ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي
سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَنَا كُلُّ
مَنْ ظَفِرَ لِظَالِمٍ بِمَالٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ
وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ مِنْهُ، وَاسْتَدَلَّ
بِالْآيَتَيْنِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ
بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}
[الشورى: 41] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا
أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39]
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة:
194] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}
[البقرة: 194] «وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ خُذِي مَا
يَكْفِيك وَوَلَدِك بِالْمَعْرُوفِ» لَمَّا ذَكَرَتْ لَهُ
أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَأَنَّهُ لَا
يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَبَنِي فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ
جُنَاحٍ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا وَلِحَدِيثِ
الْبُخَارِيِّ «إنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ
بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، وَإِنْ لَمْ
يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ» .
وَاسْتَدَلَّ لِكَوْنِهِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ يَكُونُ
عَاصِيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] قَالَ فَمَنْ ظَفِرَ
بِمِثْلِ مَا ظُلِمَ فِيهِ هُوَ أَوْ مُسْلِمٌ أَوْ
ذِمِّيٌّ فَلَمْ يُزِلْهُ عَنْ يَدِ الظَّالِمِ وَيَرُدَّ
إلَى الْمَظْلُومِ حَقَّهُ فَهُوَ أَحَدُ الظَّالِمِينَ
وَلَمْ يُعِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بَلْ أَعَانَ
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَكَذَلِكَ أَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مَنْ رَأَى مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ إنْ
اسْتَطَاعَ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى قَطْعِ الظُّلْمِ
وَكَفِّهِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَمْ
يَفْعَلْ فَقَدْ قَدَرَ عَلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَلَمْ
يَفْعَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ثُمَّ ذَكَرَ
حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ
طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ وَقَيْسِ بْنِ
الرَّبِيعِ وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ.
قَالَ وَلَئِنْ صَحَّ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ
لَيْسَ انْتِصَافُ الْمَرْءِ مِنْ حَقِّهِ خِيَانَةً بَلْ
هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ وَإِنْكَارُ مُنْكَرٍ وَإِنَّمَا
الْخِيَانَةُ أَنْ يَخُونَ بِالظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ مَنْ
لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَهُ (قُلْت) وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ
إلَيْهِ حَدِيثُ «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ
مَظْلُومًا» فَإِنَّ الْأَمْرَ ظَاهِرٌ فِي الْإِيجَابِ
وَنَصْرُ الظَّالِمِ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ الظُّلْمِ،
وَذَلِكَ بِأَخْذِ مَا فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ ظُلْمًا
(2/98)
(839) - وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا
أَتَتْك رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاثِينَ دِرْعًا قُلْت:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ، أَوْ
عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ
مُؤَدَّاةٌ»
(840) - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْهُ دُرُوعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ.
فَقَالَ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ
مَضْمُونَةٌ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا أَتَتْك رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ
ثَلَاثِينَ دِرْعًا قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ، أَوْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ؟
قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ،
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (وَعَنْ يَعْلَى بْنِ
أُمَيَّةَ) وَيُقَالُ مُنَيَّةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ
النُّونِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمُثَنَّاةِ
صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ (قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَتَتْك
رُسُلِي فَأَعْطِهِمْ ثَلَاثِينَ دِرْعًا قُلْت: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَعَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ
مُؤَدَّاةٌ؟ قَالَ بَلْ عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ
ابْنُ حِبَّانَ) الْمَضْمُونَةُ الَّتِي تُضْمَنُ إنْ
تَلِفَتْ بِالْقِيمَةِ، وَالْمُؤَدَّاةُ الَّتِي تَجِبُ
تَأْدِيَتُهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا فَإِنْ تَلِفَتْ
لَمْ تُضْمَنْ بِالْقِيمَةِ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ
ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ الْعَارِيَّةُ إلَّا
بِالتَّضْمِينِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَوْضَحُ الْأَقْوَالِ
(840) - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْهُ دُرُوعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ.
فَقَالَ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ
مَضْمُونَةٌ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ،
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ - وَأَخْرَجَ لَهُ شَاهِدًا
ضَعِيفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
-.
(وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ) قُرَشِيٌّ مِنْ
أَشْرَافِ قُرَيْشٍ هَرَبَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَاسْتُؤْمِنَ
لَهُ فَعَادَ وَحَضَرَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ كَافِرًا
ثُمَّ أَسْلَمَ وَحُسْنُ إسْلَامُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْهُ
دُرُوعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ
قَالَ بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَخْرَجَ لَهُ شَاهِدًا ضَعِيفًا
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) وَلَفْظُهُ «بَلْ عَارِيَّةٌ
مُؤَدَّاةٌ» وَفِي عَدَدِ الدُّرُوعِ رِوَايَاتٌ فَلِأَبِي
دَاوُد كَانَتْ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى
الْأَرْبَعِينَ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ
كَانَتْ ثَمَانِينَ، وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ
كَانَتْ مِائَةَ دِرْعٍ وَمَا يُصْلِحُهَا، وَزَادَ
أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ
«فَضَاعَ بَعْضُهَا فَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَضْمَنَهَا لَهُ
فَقَالَ أَنَا الْيَوْمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْغَبُ فِي
الْإِسْلَامِ» . وَقَوْلُهُ مَضْمُونَةٌ تَقَدَّمَ
الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَأَنَّ
(2/99)
(841) - عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ
الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَصْلَ الْوَصْفِ التَّقْيِيدُ وَأَنَّهُ الْأَكْثَرُ
فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى ضَمَانِهَا بِالتَّضْمِينِ كَمَا
أَسْلَفْنَا لَا أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَيَكُون مُجْمَلًا
كَمَا قِيلَ قَالَهُ الشَّارِحُ. |