سبل
السلام ط دار الحديث [سبل السلام]
[كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ]
(كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ) (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ
السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ) دَلَّ
الْحَدِيثُ عَلَى تَحْرِيمِ مَا لَهُ نَابٌ مِنْ سِبَاعِ
الْحَيَوَانَاتِ، وَالنَّابُ السِّنُّ خَلْفَ
الرُّبَاعِيَّةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالسَّبُعُ هُوَ
الْمُفْتَرِسُ مِنْ الْحَيَوَانِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ
أَيْضًا وَفِيهِ الِافْتِرَاسُ الِاصْطِيَادُ، وَفِي
النِّهَايَةِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ
مِنْ السِّبَاعِ هُوَ مَا يَفْتَرِسُ مِنْ الْحَيَوَانِ
وَيَأْكُلُهُ قَهْرًا وَقَسْرًا كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ
وَالنَّمِرِ وَنَحْوِهَا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
الْمُحَرَّمِ مِنْهَا فَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
إلَى مَا أَفَادَهُ الْحَدِيثُ وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا
فِي جِنْسِ السِّبَاعِ الْمُحَرَّمَةِ. فَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ: كُلُّ مَا أَكَلَ اللَّحْمَ فَهُوَ سَبُعٌ
حَتَّى الْفِيلُ وَالضَّبُعُ وَالْيَرْبُوعُ
وَالسِّنَّوْرُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْرُمُ مِنْ السِّبَاعِ مَا
يَعْدُو عَلَى النَّاسِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ
وَالنَّمِرِ دُونَ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ لِأَنَّهُمَا
لَا يَعْدُوَانِ عَلَى النَّاسِ. وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ
فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَائِشَةُ
وَابْنُ عُمَرَ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُ فِيهَا ضَعْفٌ
وَالشَّعْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إلَى حِلِّ
لُحُومِ السِّبَاعِ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}
[الأنعام: 145] الْآيَةَ فَالْمُحَرَّمُ هُوَ مَا ذُكِرَ
فِي الْآيَةِ وَمَا عَدَاهُ حَلَالٌ (وَأُجِيبُ) بِأَنَّ
الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ
الْهِجْرَةِ فَهُوَ نَاسِخٌ لِلْآيَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَى
نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، وَبِأَنَّ الْآيَةَ
خَاصَّةٌ بِالثَّمَانِيَةِ الْأَزْوَاجِ مِنْ الْأَنْعَامِ
رَدًّا عَلَى مَنْ حَرَّمَ بَعْضَهَا كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ
تَعَالَى قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَقَالُوا مَا فِي
بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ} [الأنعام: 139] إلَى آخِرِ
الْآيَاتِ. فَقِيلَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ {قُلْ لا
أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام:
145] الْآيَةَ أَيْ أَنَّ الَّذِي أَحْلَلْتُمُوهُ هُوَ
الْمُحَرَّمُ وَاَلَّذِي حَرَّمْتُمُوهُ هُوَ الْحَلَالُ
وَأَنَّ ذَلِكَ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَقَرَنَ بِهَا
لَحْمَ الْخِنْزِيرِ لِكَوْنِهِ مُشَارِكًا لَهَا فِي
عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ كَوْنُهُ رِجْسًا. فَالْآيَةُ
وَرَدَتْ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُحِلُّونَ
الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا
أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَيُحَرِّمُونَ كَثِيرًا
مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ، وَكَانَ الْغَرَضُ مِنْ
الْآيَةِ بَيَانَ حَالِهِمْ وَأَنَّهُمْ يُضَادُّونَ
الْحَقَّ فَكَأَنَّهُ قِيلَ مَا حَرَامٌ إلَّا مَا
أَحْلَلْتُمُوهُ مُبَالَغَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ
(قُلْت) وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ قُلْ لَا أَجِدُ
الْآيَةَ مُحَرَّمًا إلَّا مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ ثُمَّ
حَرَّمَ اللَّهُ مِنْ بَعْدُ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ
(2/505)
(1238) - وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِلَفْظِ: نَهَى.
وَزَادَ " وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ "
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
السِّبَاعِ. وَيُرْوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنَّمَا
يُكْرَهُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ لَا
أَنَّهُ مُحَرَّمٌ. .
[تَحْرِيم أَكُلّ كُلّ ذِي ناب مِنْ السباع ومخلب مِنْ
الطَّيْر]
(وَأَخْرَجَهُ) أَيْ أَخْرَجَ مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ (مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ نَهَى)
أَيْ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ (وَزَادَ) أَيْ
ابْنُ عَبَّاسٍ (وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِخْلَبٍ) بِكَسْرِ
الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ
اللَّامِ آخِرَهُ مُوَحَّدَةٌ (مِنْ الطَّيْرِ) وَأَخْرَجَ
التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ تَحْرِيمَ كُلِّ ذِي
مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ
حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَزَادَ فِيهِ:
يَوْمَ خَيْبَرَ. فِي الْقَامُوسِ الْمِخْلَبُ ظُفُرُ
كُلِّ سَبُعٍ مِنْ الْمَاشِي وَالطَّائِرِ أَوْ هُوَ لِمَا
يَصِيدُ مِنْ الطَّيْرِ. وَالظُّفُرُ لِمَا لَا يَصِيدُ.
وَإِلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ
ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إلَى
الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد
وَالْجُمْهُورُ. وَفِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ نُسِبَ
إلَى الْجُمْهُورِ الْقَوْلُ بِحِلِّ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ
مِنْ الطَّيْرِ وَقَالَ وَحَرَّمَهَا قَوْمٌ وَنَقْلُ
النَّوَوِيُّ أَثْبَتُ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ
الْفَرِيقَيْنِ وَأَحْمَدَ فَإِنَّ فِي دَلِيلِ الطَّالِبِ
عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ مَا لَفْظُهُ: وَيَحْرُمُ مِنْ
الطَّيْرِ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ كَعُقَابٍ وَبَازٍ
وَصَقْرٍ وَبَاشِقٍ وَشَاهِينَ وَعَدَّ كَثِيرًا مِنْ
ذَلِكَ وَمِثْلُهُ فِي الْمِنْهَاجِ لِلشَّافِعِيَّةِ
وَمِثْلُهُ لِلْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ
كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَلَا يَحْرُمُ.
وَأَمَّا النَّسْرُ فَقَالُوا: لَيْسَ بِذِي مِخْلَبٍ
لَكِنَّهُ مُحَرَّمٌ لِاسْتِخْبَاثِهِ. قَالَتْ
الشَّافِعِيَّةُ: وَيَحْرُمُ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ
كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ وَحِدَأَةٍ
وَفَأْرَةٍ وَكُلِّ سَبُعٍ ضَارٍ وَاسْتَدَلُّوا
بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ»
وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، قَالُوا: وَلِأَنَّ
هَذِهِ مُسْتَخْبَثَاتٌ شَرْعًا وَطَبْعًا (قُلْت) وَفِي
دَلَالَةِ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا عَلَى تَحْرِيمِ
أَكْلِهَا نَظَرٌ وَيَأْتِي لَهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ
بِعَدَمِ الْقَتْلِ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَدْ
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنَّ الْآدَمِيَّ إذَا وَطِئَ
بَهِيمَةً مِنْ بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ فَقَدْ أَمَرَ
الشَّارِعُ بِقَتْلِهَا قَالُوا: وَلَا يَحْرُمُ أَكْلُهَا
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ الْأَمْرِ
بِالْقَتْلِ وَالتَّحْرِيمِ
(2/506)
وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ لِلْبُخَارِيِّ: وَرَخَّصَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[حُكْم أَكُلّ لُحُوم الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ]
(وَعَنْ " جَابِرٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ)
لِرِوَايَةِ جَابِرٍ هَذِهِ (وَرَخَّصَ) عِوَضُ أَذِنَ
وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَاتٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ الْقُدُورَ تَغْلِي
بِلَحْمِهَا فَأَمَرَ بِإِرَاقَتِهَا وَقَالَ: لَا
تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِهَا شَيْئًا» وَالْأَحَادِيثُ فِي
ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي رِوَايَةٍ إنَّهَا رِجْسٌ أَوْ
نَجَسٌ وَفِي لَفْظٍ إنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ مَسْأَلَتَانِ (الْأُولَى) أَنَّهُ دَلَّ
مَنْطُوقُهُ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ إذْ النَّهْيُ أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ
وَإِلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ لُحُومِهَا ذَهَبَ جَمَاهِيرُ
الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ
بَعْدَهُمْ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَيْسَتْ
بِحَرَامٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ: وَأَبَى ذَلِكَ الْبَحْرُ وَتَلَا قَوْله
تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ
مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ وَرُوِيَ عَنْ
عَائِشَةَ وَعَنْ مَالِكٍ بِرِوَايَاتٍ أَنَّهَا
مَكْرُوهَةٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مُبَاحَةٌ. وَأَمَّا مَا
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ:
«أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا
أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ فَأَتَيْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت:
إنَّك حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَقَدْ
أَصَابَتْنَا سَنَةٌ. فَقَالَ: أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ
سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتهَا مِنْ جِهَةِ
جَوَّالِ الْقَرْيَةِ» يَعْنِي الْجَلَّالَةَ - فَقَدْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبْجَرَ
فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ قَالَ أَبُو دَاوُد.
رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ بِشْرٍ عَنْ نَاسٍ مِنْ مُزَيْنَةَ أَنَّ سَيِّدَ
مُزَيْنَةَ أَبْجَرَ أَوْ ابْنَ أَبِي أَبْجَرَ سَأَلَ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَرَوَاهُ مِسْعَرٌ فَقَالَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
أَبِي مَعْقِلٍ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ
أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَقَدْ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ
مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ يُرِيدُ هَذَا وَسَاقَهُ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي دَاوُد مُتَّصِلًا ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا
قَوْلُهُ إنَّمَا حَرَّمْتهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ
الْقَرْيَةِ فَإِنَّ الْجَوَّالَ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ
الْعَذِرَةَ وَهِيَ الْجِلَّةُ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا
يَثْبُتُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ
لُحُومِهَا لِأَنَّهَا رِجْسٌ وَسَاقَ سَنَدَهُ إلَى
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ
«لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ أَصَبْنَا حُمُرًا
خَارِجَةً مِنْ الْقَرْيَةِ فَنَحَرْنَا وَطَبَخْنَا
مِنْهَا فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يَنْهَيَانِكُمْ عَنْهَا وَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ» انْتَهَى.
وَبِهَذَا يَبْطُلُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا إنَّمَا
حُرِّمَتْ مَخَافَةَ قِلَّةِ
(2/507)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
الظَّهْرِ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُمُرَ
الْأَهْلِيَّةَ مَخَافَةَ قِلَّةِ الظَّهْرِ» وَفِي
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أَدْرِي أَنَهَى عَنْهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
أَجْلِ أَنَّهَا حَمُولَةُ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ
تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ أَوْ حَرَّمَهَا أَلْبَتَّةَ
يَوْمَ خَيْبَرَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ قَدْ عُلِمَ
بِالنَّصِّ أَنَّهُ حَرَّمَهَا لِأَنَّهَا رِجْسٌ
وَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحَدِيثِ
فَتَرَدَّدَ فِي نَقْلِهِ النَّهْيَ وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ
النَّهْيُ وَأَصْلُهُ التَّحْرِيمُ عُمِلَ بِهِ وَإِنْ
جَهِلْنَا عِلَّتَهُ. وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ نَصْرٍ
الْمُحَارِبِيَّةِ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ: أَلَيْسَ تَرْعَى الْكَلَأَ
وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ؟ قَالَ: فَأَصِبْ مِنْ لُحُومِهَا»
فَهِيَ رِوَايَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لَا تُعَارِضُ بِهَا
الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ.
[حُكْم أَكُلّ لُحُوم الْخَيْلِ] 1
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى
حِلِّ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَإِلَى حِلِّهَا ذَهَبَ
زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ وَصَاحِبَا أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقَ وَجَمَاهِيرُ السَّلَفِ
وَالْخَلَفِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا فِي مَعْنَاهُ
مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي
شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ
عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ جُرَيْجٍ: لَمْ يَزَلْ
سَلَفُك يَأْكُلُونَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت لَهُ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيَأْتِي
حَدِيثُ أَسْمَاءَ: «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا
فَأَكَلْنَاهُ» . وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَمَالِكٌ
وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إلَى تَحْرِيمِ
الْخَيْلِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: «نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَكُلِّ
ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» وَفِي رِوَايَةٍ بِزِيَادَةِ "
يَوْمَ خَيْبَرَ " وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ هَذَا إسْنَادٌ مُضْطَرِبٌ مُخَالِفٌ
لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: يُرْوَى
عَنْ أَبِي صَالِحٍ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ وَسُلَيْمَانَ
بْنِ سُلَيْمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ
أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْخَطَّابِيُّ وَابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَاسْتَدَلُّوا
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل:
8] وَتَقْرِيرُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ بِوُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ تَقْتَضِي
الْحَصْرَ فَإِبَاحَةُ أَكْلِهَا خِلَافُ ظَاهِرِ
الْآيَةِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ كَوْنَ الْعِلَّةِ مَنْصُوصَةً
لَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ فِيهَا فَلَا يُفِيدُ الْحَصْرَ
فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا
فِي غَيْرِهِمَا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِمَا
لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ مَا يَطْلُبُ وَلَوْ سَلِمَ
الْحَصْرُ لَامْتَنَعَ حَمْلُ الْأَثْقَالِ عَلَى
الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ "
الثَّانِي " مِنْ وُجُوهِ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى
تَحْرِيمِ الْأَكْلِ عَطْفُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ
فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا مَعَهَا فِي
حُكْمِ التَّحْرِيمِ فَمَنْ أَفْرَدَ حُكْمَهُمَا عَنْ
حُكْمِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ دَلَالَةِ
الِاقْتِرَانِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ " الثَّالِثُ " مِنْ
وُجُوهِ دَلَالَةِ الْآيَةِ أَنَّهَا سِيقَتْ
لِلِامْتِنَانِ فَلَوْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ لَكَانَ
الِامْتِنَانُ بِهِ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ
بِبَقَاءِ الْبِنْيَةِ وَالْحَكِيمُ لَا يَمْتَنُّ
بِأَدْنَى النَّعِيمِ وَيَتْرُكُ أَعْلَاهَا سِيَّمَا
وَقَدْ امْتَنَّ بِالْأَكْلِ فِيمَا ذُكِرَ قَبْلَهَا.
(وَأُجِيبَ) بِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الِامْتِنَانَ
بِالرُّكُوبِ لِأَنَّهُ غَالِبُ مَا يُنْتَفَعُ
بِالْخَيْلِ فِيهِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَخُوطِبُوا بِمَا
عَرَفُوهُ وَأَلِفُوهُ كَمَا خُوطِبُوا فِي الْأَنْعَامِ
بِالْأَكْلِ وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ لِأَنَّهُ
(2/508)
(1240) - وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ
غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
كَانَ أَكْثَرَ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا لِذَلِكَ فَاقْتَصَرَ
فِي كُلٍّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ بِأَغْلَبَ مَا يُنْتَفَعُ
بِهِ فِيهِ " الرَّابِعُ " مِنْ وُجُوهِ دَلَالَةِ
الْآيَةِ: لَوْ أُبِيحَ أَكْلُهَا لَفَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ
الَّتِي امْتَنَّ بِهَا وَهِيَ الرُّكُوبُ وَالزِّينَةُ
(وَأُجِيبَ) عَنْهُ بِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَ مِنْ الْإِذْنِ
فِي أَكْلِهَا أَنْ تَفْنَى لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِي
الْبَقَرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا أُبِيحَ أَكْلُهُ وَوَقَعَ
الِامْتِنَانُ بِهِ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى. وَقَدْ أُجِيبَ
عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ بِجَوَابٍ إجْمَالِيٍّ
وَهُوَ أَنَّ آيَةَ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ اتِّفَاقًا
وَالْإِذْنُ فِي أَكْلِ الْخَيْلِ كَانَ بَعْدَ
الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ سِتِّ سِنِينَ،
وَأَيْضًا فَإِنَّ آيَةَ النَّحْلِ لَيْسَتْ نَصًّا فِي
تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي جَوَازِهِ،
وَأَيْضًا لَوْ سَلِمَ مَا ذُكِرَ كَانَ غَايَتُهُ
الدَّلَالَةَ عَلَى تَرْكِ الْأَكْلِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ
أَنْ يَكُونَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ أَوْ
خِلَافِ الْأَوْلَى.
وَحَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهَا لَا
يَتِمُّ بِهَا التَّمَسُّكُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُصَرِّحَةِ
بِالْجَوَازِ أَوَّلًا؛ وَأَمَّا زَعْمُ الْبَعْضِ أَنَّ
حَدِيثَ جَابِرٍ دَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ لِكَوْنِهِ
وَرَدَ بِلَفْظِ الرُّخْصَةِ وَالرُّخْصَةُ اسْتِبَاحَةُ
الْمَحْظُورِ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، فَدَلَّ أَنَّهُ
رَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا بِسَبَبِ الْمَخْمَصَةِ فَلَا
يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ الْمُطْلَقِ فَهُوَ ضَعِيفٌ
لِأَنَّهُ وَرَدَ بِلَفْظِ " أَذِنَ لَنَا " وَلَفْظُ
أَطْعَمَنَا فَعَبَّرَ الرَّاوِي بِقَوْلِهِ رَخَّصَ لَنَا
عَنْ أَذِنَ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الرُّخْصَةَ
الِاصْطِلَاحِيَّةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ زَمَنِ
الصَّحَابَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ
(أَذِنَ) وَ (رَخَّصَ) فِي لِسَانِ الصَّحَابَةِ. .
[حُكْم أَكُلّ الجراد]
(وَعَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ» وَهُوَ اسْمُ
جِنْسٍ وَالْوَاحِدَةُ جَرَادَةٌ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ
وَالْأُنْثَى كَحَمَامَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَهُوَ
دَلِيلٌ عَلَى حِلِّ الْجَرَادِ، قَالَ النَّوَوِيُّ:
وَهُوَ إجْمَاعٌ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: «كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَهَادَيْنَ الْجَرَادَ فِي
الْأَطْبَاقِ» . وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيّ: إنَّ جَرَادَ الْأَنْدَلُسِ لَا يُؤْكَلُ
لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ. فَإِذَا ثَبَتَ مَا قَالَهُ
فَتَحْرِيمُهَا لِأَجْلِ الضَّرَرِ كَمَا تَحْرُمُ
السَّمُومُ وَنَحْوُهَا. وَاخْتَلَفُوا هَلْ أَكَلَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الْجَرَادَ أَمْ لَا وَحَدِيثُ الْكِتَابِ يَحْتَمِلُ
أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مَعَهُمْ إلَّا أَنَّ فِي
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ زِيَادَةَ لَفْظٍ: " نَأْكُلُ
الْجَرَادَ مَعَهُ " قِيلَ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ أَنَّ
الْمُرَادَ غَزَوْنَا مَعَهُ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا
لِقَوْلِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ
نَأْكُلُ مَعَهُ (قُلْت) وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الَّذِي
يَحْسُنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ إذْ التَّأْسِيسُ
أَبْلَغُ مِنْ التَّأْكِيدِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي
الطِّبِّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ بِزِيَادَةٍ: وَيَأْكُلُ
مَعَنَا وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ
حَدِيثِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَرَادِ
فَقَالَ: لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» فَقَدْ أَعَلَّهُ
الْمُنْذِرِيُّ بِالْإِرْسَالِ وَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ
ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ ثَابِتِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ
(2/509)
(1241) - «وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - فِي قِصَّةِ الْأَرْنَبِ - قَالَ: فَذَبَحَهَا
فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبِلَهُ» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْعِنَبِ فَقَالَ: لَا
آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَسُئِلَ عَنْ الْجَرَادِ
فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ» فَإِنَّهُ قَالَ النَّسَائِيّ:
ثَابِتٌ لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَيُؤْكَلُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ
عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ سَبَبٍ
لِحَدِيثِ: «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ
السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعًا مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ: إنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ
وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ الْمَوْقُوفَ وَقَالَ: لَهُ
حُكْمُ الرَّفْعِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ
صَيْدِ الْبَحْرِ أَمْ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَوَرَدَ
حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ.
وَوَرَدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ
الْمُحْرِمَ فِيهِ الْجَزَاءُ فَدَلَّ أَنَّهُ عِنْدَهُ
مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ بَرِّيٌّ
حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَحْرِيٌّ. .
[حُكْم أَكْلُ الْأَرَانِبِ]
(وَعَنْ «أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ
الْأَرْنَبِ قَالَ: فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا إلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَبِلَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي الْقِصَّةِ
أَنَّهُ قَالَ أَنَسٌ: «أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ
بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى الْقَوْمُ وَتَعِبُوا
فَأَخَذْتهَا فَجِئْت بِهَا إلَى أَبِي طَلْحَةَ فَبَعَثَ
بِوَرِكِهَا أَوْ قَالَ بِفَخِذِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبِلَهَا»
وَهُوَ لَا يَدُلُّ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا لَكِنْ فِي
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ قَالَ
الرَّاوِي - وَهُوَ هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ - قُلْت لِأَنَسٍ:
وَأَكَلَ مِنْهَا؟ قَالَ وَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ
فَقَبِلَهُ. وَالْإِجْمَاعُ وَاقِعٌ عَلَى حِلِّ
أَكْلِهَا، إلَّا أَنَّ الْهَادَوِيَّةَ وَعَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ وَعِكْرِمَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالُوا:
يُكْرَهُ أَكْلُهَا لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد
وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا
جِيءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَأْكُلْهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا
وَزَعَمَ أَيْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهَا تَحِيضُ وَأَخْرَجَ
الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَمَّارٍ مِثْلَ ذَلِكَ
وَأَنَّهُ أَمَرَ بِأَكْلِهَا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا
قُلْت لَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ أَكْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدُلُّ عَلَى
كَرَاهِيَتِهَا، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي
حَنِيفَةَ تَحْرِيمَهَا.
(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ فِي حَيَاةِ
الْحَيَوَانِ أَنَّ الَّذِي تَحِيضُ مِنْ الْحَيَوَانِ
الْمَرْأَةُ وَالضَّبُعُ وَالْخُفَّاشُ وَالْأَرْنَبُ
وَيُقَالُ إنَّ الْكَلْبَةَ كَذَلِكَ. .
(2/510)
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ
الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ، وَالنَّحْلَةِ، وَالْهُدْهُدِ،
وَالصُّرَدِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(1243) - وَعَنْ «ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: قُلْت
لِجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الضَّبُعُ صَيْدٌ
هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ. وَصَحَّحَهُ
الْبُخَارِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
[حُكْم النَّمْلَة وَالنَّحْلَة وَالْهُدْهُد وَالصُّرَد]
(وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ
النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ
حِبَّانَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رِجَالُهُ رِجَالُ
الصَّحِيحِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ أَقْوَى مَا
وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
تَحْرِيمِ قَتْلِ مَا ذُكِرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ
أَكْلِهَا لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ لَمَا نَهَى عَنْ
الْقَتْلِ وَتَقَدَّمَ لَنَا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ
بَحْثٌ. وَتَحْرِيمُ أَكْلِهَا رَأْيُ الْجَمَاهِيرِ وَفِي
كُلِّ وَاحِدَةٍ خِلَافٌ إلَّا النَّمْلَةُ فَالظَّاهِرُ
أَنَّ تَحْرِيمَهَا إجْمَاعٌ. .
[حُكْم أَكْل الضَّبُعِ]
(وَعَنْ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ أَبِي عَمَّارٍ الْمَكِّيُّ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ
وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ
وَيُسَمَّى الْقَسُّ لِعِبَادَتِهِ وَوَهَمَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ فِي إعْلَالِهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ
الْحَدِيثَ صَحِيحٌ (قَالَ «قُلْت لِجَابِرٍ الضَّبُعُ
صَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت قَالَهُ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ:
نَعَمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ
الْبُخَارِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ) الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى حِلِّ أَكْلِ الضَّبُعِ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ فَهُوَ مُخَصَّصٌ مِنْ حَدِيثِ تَحْرِيمِ
كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد
مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «الضَّبُعُ صَيْدٌ
فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ كَبْشٌ مُسِنٌّ
وَيُؤْكَلُ» وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ
الْإِسْنَادِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا زَالَ النَّاسُ
يَأْكُلُونَهَا وَيَبِيعُونَهَا بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَحَرَّمَهُ
الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ
الْعَامِّ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَلَكِنَّ أَحَادِيثَ
التَّحْلِيلِ تُخَصِّصُهُ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى
التَّحْرِيمِ
(2/511)
(1244) - وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقُنْفُذِ
فَقَالَ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ
مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ:
سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ذُكِرَ عِنْدَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
فَقَالَ: إنَّهَا خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَقَالَ
ابْنُ عُمَرَ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هَذَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ» .
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَإِسْنَادُهُ
ضَعِيفٌ.
(1245) - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
- قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا»
. أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ
وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
بِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ جُزْءٍ وَفِيهِ «قَالَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَيَأْكُلُ الضَّبُعَ
أَحَدٌ؟» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ
عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى
ضَعْفِهِ.
[حُكْم أَكْل الْقُنْفُذِ]
(وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقُنْفُذِ بِضَمِّ الْقَافِ
وَفَتْحِهَا وَضَمِّ الْفَاءِ فَقَالَ: {قُلْ لا أَجِدُ
فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145]
فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ
يَقُولُ ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّهَا خَبِيثَةٌ مِنْ
الْخَبَائِثِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنْ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
هَذَا فَهُوَ كَمَا قَالَ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ) ضُعِّفَ بِجَهَالَةِ
الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ
إسْنَادُهُ بِذَاكَ وَلَهُ طُرُقٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
لَمْ يَرِدْ إلَّا مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى
تَحْرِيمِهِ أَبُو طَالِبٍ وَالْإِمَامُ يَحْيَى. وَقَالَ
الرَّافِعِيُّ فِي الْقُنْفُذِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا
أَنَّهُ يَحْرُمُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ
لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ مِنْ الْخَبَائِثِ
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إلَى أَنَّهُ
حَلَالٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ
لِعَدَمِ نُهُوضِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ مَعَ الْقَوْلِ
بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ فِي الْحَيَوَانَاتِ.
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي
الْأُصُولِ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
[حُكْم الْجَلَّالَة وَأَلْبَانِهَا]
(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -)
قِيَاسُ قَاعِدَتِهِ وَعَنْهُ (قَالَ: «نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» . أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ
إلَّا النَّسَائِيّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ)
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ نَحْوَهُ، وَقَالَ " حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً " وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
(2/512)
(1246) - «وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ -
فَأَكَلَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(1247) - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَتْ: «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَرَسًا. فَأَكَلْنَاهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
جَدِّهِ بِلَفْظِ «نُهِيَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ وَعَنْ الْجَلَّالَةِ وَعَنْ رُكُوبِهَا» ،
وَلِأَبِي دَاوُد أَنْ يَرْكَبَ عَلَيْهَا وَأَنْ يَشْرَبَ
أَلْبَانَهَا " وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ
الْعَذِرَةَ وَالنَّجَاسَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ
الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ الدَّجَاجِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَلَّالَةِ
وَأَلْبَانِهَا وَتَحْرِيمِ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا. وَقَدْ
جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي عَرَفَاتٍ
رَاكِبًا عَلَى جَلَّالَةٍ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ. وَظَاهِرُ
الْحَدِيثِ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا أَكَلَتْ
الْجِلَّةَ فَقَدْ صَارَتْ مُحَرَّمَةٌ وَقَالَ
النَّوَوِيُّ: لَا تَكُونُ جَلَّالَةً إلَّا إذَا غَلَبَ
عَلَى عَلَفِهَا النَّجَاسَةُ وَقِيلَ بَلْ الِاعْتِبَارُ
بِالرَّائِحَةِ وَالنَّتْنِ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ
وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَقَالَ: لَا تَطْهُرُ بِالطَّبْخِ
وَلَا بِإِلْقَاءِ التَّوَابِلِ وَإِنْ زَالَ الرِّيحُ
لِأَنَّ ذَلِكَ تَغْطِيَةٌ لَا اسْتِحَالَةٌ، وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ: كَرِهَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ
وَالشَّافِعِيُّ وَقَالُوا: لَا تُؤْكَلُ حَتَّى تُحْبَسَ
أَيَّامًا (قُلْت) قَدْ عَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ حَبْسَهَا
أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْبِسُ
الدَّجَاجَةَ ثَلَاثَةً وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِأَكْلِهَا
بَأْسًا مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ. وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ
وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إلَى التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ
ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمَنْ قَالَ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ
قَالَ: لِأَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ فِيهِ إنَّمَا كَانَ
لِتَغَيُّرِ اللَّحْمِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ
بِدَلِيلِ الْمُذَكَّى إذَا جَافَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ
هَذَا رَأْيٌ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ وَلَقَدْ خَالَفَ
النَّاظِرُونَ هُنَا السُّنَّةَ فَقَالَ الْمَهْدِيُّ فِي
الْبَحْرِ: الْمَذْهَبُ وَالْفَرِيقَانِ وَنُدِبَ حَبْسُ
الْجَلَّالَةِ قَبْلَ الذَّبْحِ، الدَّجَاجَةِ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ، وَالشَّاةِ سَبْعَةً، وَالْبَقَرِ وَالنَّاقَةِ
أَرْبَعَةَ عَشْرَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا وَجْهَ لَهُ
(قُلْنَا) لِتَطْيِيبِ أَجْوَافِهَا اهـ وَالْعَمَلُ
بِالْأَحَادِيثِ هُوَ الْوَاجِبُ وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا
النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَلَا يَنْهَضُ عَلَيْهِ
دَلِيلٌ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُمْ لِلتَّوْقِيتِ فَلَمْ
يُعْرَفْ وَجْهُهُ. .
[حُكْم الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ]
( «وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ الْحِمَارِ
الْوَحْشِيِّ. فَأَكَلَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
تَقَدَّمَ ذِكْرُ قِصَّةِ الْحِمَارِ هَذَا الَّذِي
أَهْدَاهُ أَبُو قَتَادَةَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. وَفِي
هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ لَحْمِهِ
وَهُوَ إجْمَاعٌ. وَفِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ أَنَّهُ إذَا
عُلِفَ وَأُنِسَ صَارَ كَالْأَهْلِيِّ.
[حُكْم أَكْلِ لَحْمِ الْخَيْلِ]
(وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - قَالَتْ: «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَسًا
فَأَكَلْنَاهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ
وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ وَفِي رِوَايَةِ
الدَّارَقُطْنِيِّ «هُنَا فَرَسًا فَأَكَلْنَا
(2/513)
(1248) - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى
مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
نَحْنُ وَأَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى حِلِّ
أَكْلِ لَحْمِ الْخَيْلِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ
لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلِمَ ذَلِكَ وَقَرَّرَهُ كَيْفَ وَقَدْ
قَالَتْ: إنَّهُ أَكَلَ مِنْهُ أَهْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ هُنَا: نَحَرْنَا وَفِي
رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ ذَبَحْنَا. فَقِيلَ فِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ وَالذَّبْحَ وَاحِدٌ قِيلَ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَجَازًا
إذَا النَّحْرُ لِلْإِبِلِ خَاصَّةً وَهُوَ الضَّرْبُ
بِالْحَدِيدِ فِي لَبَّةِ الْبَدَنَةِ حَتَّى تُفْرَى
أَوْدَاجُهَا وَالذَّبْحُ هُوَ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ فِي
غَيْرِ الْإِبِلِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ الْأَصْلُ فِي
الْإِبِلِ النَّحْرُ وَفِي غَيْرِهَا الذَّبْحُ وَجَاءَ
فِي الْقُرْآنِ فِي الْبَقَرَةِ {فَذَبَحُوهَا} [البقرة:
71] وَفِي السُّنَّةِ نَحْرُهَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي نَحْرِ مَا يُذْبَحُ وَذَبْحِ مَا
يُنْحَرُ. فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ وَالْخِلَافُ فِيهِ
لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ
(وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ) يَرُدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ
أَنَّ حِلَّهَا قَبْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ فُرِضَ
أَوَّلَ دُخُولِهِمْ بِالْمَدِينَةِ.
[حُكْم أَكْلِ الضَّبِّ]
(وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
«أُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حِلِّ أَكْلِ الضَّبِّ
وَعَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ
تَحْرِيمَهُ وَعَنْ الْحَنَفِيَّةِ كَرَاهَتَهُ وَقَالَ
النَّوَوِيُّ: أَظُنُّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ فَإِنْ
صَحَّ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالنَّصِّ وَبِإِجْمَاعِ مَنْ
قَبْلَهُ. وَقَدْ احْتَجَّ لِلْقَائِلِينَ بِالتَّحْرِيمِ
بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الضَّبِّ» وَفِي
إسْنَادِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَرِجَالُهُ
شَامِيُّونَ وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الشَّامِيِّينَ فَلَا
يَتِمُّ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ
بِذَلِكَ وَلَا قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ: فِيهِ ضَعِيفٌ
وَمَجْهُولُونَ، فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ كَمَا قَالَهُ
الْمُصَنِّفُ وَلَا قَوْلُ الْبَيْهَقِيّ: فِيهِ
إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِمَا
عَرَفْت مِنْ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ الشَّامِيِّينَ وَهُوَ
حُجَّةٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُمْ. وَبِمَا أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ
حَسَنَةَ «أَنَّهُمْ طَبَخُوا ضِبَابًا فَقَالَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ أُمَّةً مِنْ
بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ
فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ. فَأَلْقَوْهَا»
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ
وَالطَّحَاوِيُّ وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّهْيَ وَإِنْ كَانَ
أَصْلُهُ التَّحْرِيمَ صَرَفَهُ هُنَا إلَى الْكَرَاهَةِ
مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُوهُ فَإِنَّهُ حَلَالٌ
وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي» وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ
تَرُدُّ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ
الْقَوْمِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الضَّبِّ
لَا آكُلُهُ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ»
وَلِهَذَا أَعَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الرِّوَايَةَ
فَقَالَ «بِئْسَمَا مَا قُلْتُمْ مَا بُعِثَ نَبِيُّ
اللَّهِ إلَّا مُحَرِّمًا أَوْ مُحَلِّلًا» كَذَا فِي
مُسْلِمٍ. وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ
أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ذَلِكَ أَعْنِي خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ أُمَّةً
مَمْسُوخَةً قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا يَنْسُلُ. وَقَدْ
(2/514)
(1249) - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، «أَنَّ
طَبِيبًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضِّفْدَعِ يَجْعَلُهَا فِي
دَوَاءٍ، فَنَهَى عَنْ قَتْلِهَا» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ،
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَهِيَ
مِمَّا مُسِخَ؟ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا
أَوْ يَمْسَخْ قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا
عَاقِبَةً» وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ وَلَمْ
يَعْرِفْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. فَقَالَ: قَوْلُهُمْ إنَّ
الْمَمْسُوخَ لَا يَنْسُلُ دَعْوَى فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ
بِالْعَقْلِ إنَّمَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ وَلَيْسَ فِيهِ
أَمْرٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ (وَأُجِيبَ) أَيْضًا بِأَنَّهُ
لَوْ سَلِمَ أَنَّهُ مَمْسُوخٌ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ
أَكْلِهِ فَإِنَّ كَوْنَهُ كَانَ آدَمِيًّا قَدْ زَالَ
حُكْمُهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا
ذَكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَكْلَ
مِنْهُ لِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ
سُبْحَانَهُ كَمَا كَرِهَ الشُّرْبَ مِنْ مِيَاهِ ثَمُودَ
(قُلْت) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرَ تَحْرِيمَهُ
لَمَا أَمَرَ بِإِلْقَائِهَا أَوْ بِتَقْرِيرِهِمْ
عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَلَأَذِنَ لَهُمْ فِي
أَكْلِهِ فَالْجَوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الْأَحْسَنُ
وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْمَجْمُوعِ جَوَازُ أَكْلِهِ
وَكَرَاهَتُهُ لِلنَّهْيِ.
[حُكْم أَكُلّ الضِّفْدَعِ]
(وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ) هُوَ ابْنُ
عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ الْقُرَشِيُّ ابْنُ أَخِي
طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّحَابِيُّ قِيلَ إنَّهُ
أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَلَيْسَتْ لَهُ رُؤْيَةٌ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ
وَقِيلَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقُتِلَ مَعَ ابْنِ
الزُّبَيْرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ
وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ «أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضِّفْدَعِ
بِزِنَةِ الْخِنْصَرِ (يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَى
عَنْ قَتْلِهَا» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ
الْحَاكِمُ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: «ذَكَرَ طَبِيبٌ عِنْدَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَوَاءً
وَذَكَرَ الضِّفْدَعَ يَجْعَلُهَا فِيهِ فَنَهَى رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
قَتْلِ الضَّفَادِعِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ أَقْوَى
مَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَع.
وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «لَا تَقْتُلُوا
الضَّفَادِعَ فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ وَلَا
تَقْتُلُوا الْخُفَّاشَ فَإِنَّهُ لَمَّا خَرِبَ بَيْتُ
الْمَقْدِسِ قَالَ: يَا رَبِّ سَلِّطْنِي عَلَى الْبَحْرِ
حَتَّى أُغْرِقَهُمْ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ
صَحِيحٌ.
وَعَنْ أَنَسٍ «لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ فَإِنَّهَا
مَرَّتْ عَلَى نَارِ إبْرَاهِيمَ فَجَعَلَتْ فِي
أَفْوَاهِهَا الْمَاءَ وَكَانَتْ تَرُشُّهُ عَلَى
النَّارِ» وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ
الضَّفَادِعِ قَالُوا: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ
أَكْلِهَا وَلِأَنَّهَا لَوْ حَلَّتْ
(2/515)
(1250) - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا، إلَّا كَلْبَ
مَاشِيَةٍ، أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ، اُنْتُقِصَ مِنْ
أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[سبل السلام]
لَمَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهَا وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا
الِاسْتِدْلَالِ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ. |