طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ط دار القلم

ص -152-     كتاب الحدود:
الحدّ أصله المنع لغة من حدّ دخل والحدود موانع من الجنايات فسمّيت بها لذلك لكونها موانع.
وقوله عليه السلام:
"ادرءوا الحدود" أي ادفعوها وصرفه من حدّ صنع.
والحدود تندرئ بالشّبهات بالهمزة أي تندفع. وقوله عليه السلام:
"الحدود كفّارات لأهلها" أي ستّارات وقد كفر يكفر من حدّ دخل يدخل إذا ستر والكفر الّذي هو ضدّ الإيمان ستر الحقّ بالباطل وكفران النّعم سترها وكفر الزّارع البذر ستره في الأرض وكفّر اللّه سيّئات عبده بالتّشديد أي محاها وسترها.
وفي حديث ماعز رضي اللّه عنه قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم:
"أنكتها" الألف للاستفهام والنّيك صريح في باب المجامعة وسائر الألفاظ كناية وصرفه ناكها ينيكها نيكا.
ثمّ قال له:
"أكان هذا منك في هذا منها مثل الميل في المكحلة والرّشاء في البئر" المكحلة بضمّ الميم والحاء ما يجعل فيه الكحل والرّشاء بكسر الرّاء والمدّ في آخره الحبل.
وقوله تعالى:
{فَاجْلِدُوهُمْ}1 أي اضربوهم على جلودهم.
وتغريب الزّاني: هو نفيه وتبعيده عن البلدة وقد غرب أي بعد من حدّ دخل.
البكر بالبكر أي الرّجل الّذي لم يتزوّج بالمرأة الّتي لم تتزوّج ولم يوجد الدّخول،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النور: 4.

 

ص -153-     في النّكاح الصّحيح.
والثّيّب بالثّيّب هو الرّجل المتزوّج الدّاخل بالمرأة المنكوحة المدخول بها، إنّ ابني كان عسيفا لهذا الرّجل أي أجيرا له وجمعه العسفاء وإنّي افتديت منه بمائة شاة وخادم أي أعطيته هذا المال ليترك ابني فلا يرفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيرجمه وقوله عليه السلام:
"أمّا الشّاء والخادم فردّ عليك" والشّاء جمع شاة والخادم الجارية.
والرّدّ أراد به المردودة أي هي مردودة عليك مصدر أريد به المفعول كما يقال هذا الدّرهم ضرب الأمير أي مضروبه.
وفي التّغريب حديث عمر رضي اللّه عنه أنّه كان يعسّ بالمدينة أي يطوف باللّيل من حدّ دخل والنّعت منه العاسّ وجمعه العسس وهذا مشهور فسمع امرأة ذات ليلة وهي تقول قالوا كانت تلك المرأة أمّ الحجّاج بن يوسف:

ألا سبيل إلى خمر فأشربها                   أو لا سبيل إلى نصر بن حجّاج

قال الشّيخ الإمام نجم الأئمّة رحمة اللّه عليه: يروى هذا بروايات والمحفوظ المسند لنا هذا والألف في الأوّل للاستفهام وسبيل مفتوح بلا التّبرئة وقولها فأشربها منصوب بالفاء في جواب التّمنّي.
وما روي عن عبد الملك بن مروان الخليفة أنه قال للحجّاج: يا ابن المتمنّية فإنّما أراد به هذا البيت الّذي قالته أمّه في تمنّي نصر بن الحجّاج وقال عمر رضي اللّه عنه حين سمع هذا البيت منها: أما ما كان عمر حيّا فلا أي لا سبيل لك إلى خمر ولا إلى نصر فلمّا أصبح دعا نصر بن الحجّاج فإذا رجل جميل وله صدغان فاتنان أي موقعان في الفتنة فقال اخرج من المدينة فقال ما لي وما ذنبي وما فتقت فتقا أي ما نقضت نقضا وما أفسدت إفسادا وهو من حدّ دخل فقال واللّه لا تساكنني أبدا فخرج متوجّها إلى البصرة ولهذه القصّة سياق وفيه أبيات وفيها ألفاظ يفتقر إلى كشفها وعندي نسخته ولا يحتمل هذا الموضع أكثر من هذا ومن أحبّ استيعابه

 

ص -154-     فلينسخه وليسألني عنه.
وروي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رأى يهوديّين محمّمي الوجه أي مسودّي الوجه حمّمه تحميما أي سوّده تسويدا مأخوذ من الحممة وهي الفحم ومن اليحموم وهو الدّخان الشّديد السّواد والأحمّ الأسود وصرفه من حدّ علم وقد حمم رأسه لازم أي اسودّ بعد الحلق وحمّم الفرخ كذلك إذا اسودّ جلده من ارّيش.
وفي هذا الحديث أنّه دعا بابن صوريا الأعور فناشده باللّه تعالى أي قاسمه وحلّفه.
وفي حديث رجم ماعز ضربه رجل بلحي جمل هو بفتح اللّام وتسكين الحاء وهو منبت اللّحية من الإنسان ومن غيره ذلك الموضع.
وقوله عليه السلام:
"لا يحلّ دم امرئ مسلم إلّا بأحد معان ثلاثة" هي الرّواية الصّحيحة وعلى ألسن الطّلبة إلّا بإحدى معان ثلاث هو خطأ فإنّ المعاني جمع معنى وهو مذكّر فيقال فيها أحد معان على التّذكير دون التّأنيث وكذلك ثلاثة يقال بالهاء لأنّ عدد الذّكران بالهاء وعدد الإناث بدون الهاء قال اللّه تعالى: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً}1 أي متتابعة وقيل قاطعة كلّ خير.
شهدا على زناءين مختلفين بإثبات الألف في هذا على لغة المدّ فيه فإنّ الزّناء بالمدّ لغة في الزّنا بالقصر وعلى لغة القصر يقال شهدا على زنيين كما يقال في تثنية الرّحى رحيين وفي تثنية الحصى حصيين.
وشهد أربعة على المغيرة بن شعبة بالزّنا عند عمر رضي اللّه عنه رابعهم زياد ابن أبيه هو أخو معاوية بن أبي سفيان رضي اللّه عنهم وكان ابن أبي سفيان لكن لا حال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورةالحاقة: 7.

 

ص -155-     قيام النّكاح فربّما نسب إلى أبي سفيان وربّما قيل زياد ابن أبيه فقال له عمر قم يا سلح الغراب هو خرء الغراب وقد سلح من حدّ صنع كأنّه قال له قم يا خبيث وقيل كان يضرب لونه إلى السّواد فلذلك شبّهه به.
وقيل وصفه بالشّجاعة فإنّ الغراب إذا سلح على طائر أحرق جناحه وأعجزه فكذلك كان زياد في مقابلة أقرانه وهذا مدح والأوّل ذمّ وهو على وجه الإنكار عليه في هتك سرّ صاحبه وتحريض له على إخفاء أمره.
فقال زياد ولا أدري ما قالوا ولكنّي رأيتهما يضطربان في لحاف واحد أي يتحرّكان كاضطراب الأمواج يضرب بعضها بعضا فدرأ عنه الحدّ وضرب الثّلاثة حدّ القذف ولم يحدّ زيادا لأنّه لم يصرّح بالقذف.
الحبلى إذا زنت تترك حتّى تلد فإن كان حدّها الرّجم رجمت للحال وإن كانت متوجّعة لأنّ ذلك أوحى لها أي أسرع والوحيّ السّريع على وزن الفعيل.
وإن كان حدّها الجلد تركت إلى أن تتعالى عن نفاسها أي ترتفع ويراد به تخرج منه ويزول ضعفها به:
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ}1 أي تنتشر وقد شاع يشيع شيوعا وشيوعة أي انتشر وكذلك ذاع يذيع ذيوعا وذيوعة وإشاعة الفاحشة نشرها وكذلك إذاعتها.
وإذا زنى بكبيرة فأفضاها أي جعل مسلكيها واحدا وهما مسلك البول ومسلك دم الحيض والنّفاس والمرأة المفضاة هي الّتي التقى مسلكاها بزوال الجلدة الّتي بينهما وهو مشتقّ من الفضاء وهي المفازة الواسعة.
ونهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن إتيان النّساء في محاشّهنّ أي في أدبارهنّ بالشّين والسّين جميعا جمع محشّة ومحسّة بفتح الحاء والميم على وزن مفعلة وهي الدّبر.
وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم:
"إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها إلى أن قال فليبعها ولو بضفير" أي بحبل مفتول من شعر وهو فعيل بمعنى مفعول كالقتيل بمعنى مقتول،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النور: 19.

 

ص -156-     وقد ضفّر الشّيء أي فتله على ثلاث طاقات من حدّ ضرب.
التّعزير للتّثقيف أي للتّقويم وقد ثقّف القناة بالثّقاف وهو ما يسوّى به الرّماح تثقيفا أي سوّاها تسوية ضربه ثلاثين سوطا كلّها يبضع ويحدر البضع القطع من حدّ صنع والحدر التّوريم من حدّ دخل وقيل الحدر الورم والإحدار التّوريم ويروى اللّفظ من البابين.
الوطء في حالة الحيض يؤدّي إلى ازدراء نعم اللّه تعالى أي الاحتقار والاستخفاف والدّال أصله تاء وتاء الافتعال يصير دالا إذا وقعت بعد الزّاي وزرى عليه يزري زراية أي عابه من حدّ ضرب.
ولو قال لرجل يا ابن ماء السّماء أو قال يا ابن المزيقياء أو قال يا ابن جلا لا يحدّ حدّ القذف لأنّه ليس نسبة له إلى غير أبيه بل مدح له وتشبيه برجال أشراف من العرب لأنّ ماء السّماء لقب عامر بن حارثة بن ثعلب بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن كان يلقّب به لصفائه وسخائه.
والمزيقياء لقب ولد عامر هذا وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة وكان ذا ثروة ونخوة وكان يلبس كلّ يوم ثوبا جديدا فاخرا فإذا أمسى خلعه ومزّقه كراهة أن يلبسه غيره فيساويه وكان يأنف أن يلبسه ثانيا فلقب مزيقياء لمزقه ثيابه وهو الخرق والشّقّ من حدّ ضرب.
وابن جلا يقال لمن لا تخفى أموره لشهرته وجلا فعل ماض يقال جلا السّيف يجلوه جلاء بالكسر وبالمدّ أي صقله وجلا البصر بالكحل جلوا أي نوّره وجلا الأمر أي كشفه وانجلى وتجلّى إذا انكشف فيراد به أنّه ابن الّذي جلا أي كشف الأمور وأوضحها أو جلا أمر نفسه وقال الحجّاج على المنبر متمثّلا بهذا البيت وهو لبعض العرب:

أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا                      متى أضع العمامة تعرفوني

أي: أنا السّيّد الظّاهر الأمر صعّاد العقبات فإنّ الطّلّاع هو الكثير الطّلوع وهو العلوّ والصّعود والثّنايا جمع ثنيّة وهي العقبة أي أنا مقتحم في الأمور العظام متى

 

ص -157-     أضع عمامتي عن رأسي عرفتموني فلست بمجهول خامل.
ولو قال لعربيّ: يا عجميّ لم يكن قاذفا بل هو وصف له باللّكنة وهي مصدر الألكن من حدّ علم وهو الأعجم الّذي لا يفصح ولا يتكلّم بكلام يتّضح.
ولو قال: يا زانئ بالهمزة كان قاذفا ، فلو قال: عنيت به يا صاعد لم يصدّق؛ لأنّ ظاهره تسميته زانيا ، والعامّة قد تهمز غير المهموز.
ولو قال له: زنأت في الجبل وقال عنيت به الصّعود صدّق عند محمّد رحمه اللّه ولم يحدّ حدّ القذف قال: لأنّ الزّنا الّذي هو الفجور غير مهموز يقال زنى يزني زنا فأمّا زنأ يزنأ زنئا بالهمزة من حدّ صنع فمعناه صعد قالت امرأة من العرب ترقّص صبيّا لها:

أشبه أبا أمّك أو أشبه حمل                ولا تكوننّ كهلّوف وكل

يصبح في مضجعه قد انجدل                وارق إلى الخيرات زنئا في الجبل

تقول يا ولد كن مشبها جدّك أبا أمّك أو كن مشبها خالك وكان خاله وهو أخو هذه المرأة يسمّى حملا ولا تكوننّ كهلّوف بكسر الهاء وتشديد اللّام وفتحها أي كشيخ كبير هرم وكل أي لا تكن ككلّ أي عيال يصبح في مضجعه أي فراشه الّذي اضطجع عليه قد انجدل أي سقط.
وقد جدّله بالتّشديد أي ألقاه على الجدالة بفتح الجيم وهي الأرض وارق أي اصعد وقد رقي يرقى رقيّا من حدّ علم أي صعد ورقى يرقي رقية من حدّ ضرب إذا عوّذ وقولها إلى الخيرات زنئا أي صعودا أي كصعود في الجبل.
وعند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللّه: لا يصدّق ويحدّ حدّ القذف لأنّ دلالة الحال تدلّ على أنّ المراد به القذف بالزّنا وقد يهمز المليّن فلا يصدّق أنّه أراد به غير القذف بالفجور.