طلبة
الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ط دار القلم ص -292-
كتاب الصّلح:
الصّلح: الاسم من المصالحة أي المسالمة وهي
خلاف المخاصمة وقد صالح فلان فلانا واصطلحا
وتصالحا واصّالحا وأصلحا بقطع الألف قال اللّه
تعالى:
{فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً}1 بضمّ الياء على القراءة المشهورة ويصّالحا بتشديد الصّاد وإثبات
الألف بعدها قراءة أيضا وكلّ ذلك من الصّلاح
والصّلوح وهما مصدران الصلح.
وصلح من حدّ دخل وشرف جميعا والفتح أفصح وهو
ضدّ الفساد وقال اللّه تعالى:
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}2 أي خلاف بينهما يقال شاقّه مشاقّة وشقاقا أي خالفه وحقيقته أن
يصير هذا في شقّ وذاك في شقّ بالكسر أي ناحية
وأصله النّصف فإنّ الشّيء إذا شقّ شقّين صار
نصفين.
روي عن عليّ رضي اللّه عنه: أنّه أتي في شيء
على ما لم يسمّ فاعله فقال إنّه لجور أي تسليم
بعض الواجب في الأصل لولا أنّه صلح لرددته أي
صار حطّ البعض برضا الخصم.
وفي الصّلح إطفاء النّائرة هي العداوة
والشّحناء.
وعن شريح أنّه قال: أيّما امرأة صولحت على
ثمنها لم يبيّن لها كم ترك زوجها فتلك الرّيبة
يروى هذا بروايتين الرّيبة على وزن الفعلة
بكسر الرّاء من الرّيب وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة النساء: 128.
2 سورة النساء: 35.
ص -293-
الشّكّ
أي صلح في صحّته شكّ والرّبية بضمّ الرّاء على
وزن الفعيلة من الرّبا على التّصغير أي فيه
شبهة الرّبا لاحتمال أن يكون بعض التّركة
ديونا على النّاس فيكون تمليك الدّين من غير
من عليه الدّين ولاحتمال أن يكون حظّها من
النّقد أكثر ممّا أخذت فيكون ربا ويحتمل غير
ذلك فلم يتحقّق الفساد لكنّ فيه احتمال الفساد
فجعله ربا من وجه.
وروي عن عمر رضي اللّه عنه أنّه قال ردّوا
الخصوم حتّى يصطلحوا فإنّ فصل القضاء يحدث
بينهم الضّغائن أي اصرفوا الّذين جاءوا
للتّخاصم ليصطلحوا فإنّ قطع الحكم قد يظهر
بينهم الأحقاد والضّغائن جمع ضغينة وهي الحقد
وكذلك الضّغن.
وعن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: يتخارج
أهل الميراث أي يصطلحون على إخراج بعضهم عن
الميراث بشيء معلوم يعطونه دون كمال حصّته
منه.
وعن عائشة رضي اللّه عنها أنّ بريرة أتتها
فسألتها أي كانت مكاتبة فسألتها إعطاء شيء
يؤدّي بدل كتابتها فقالت عائشة رضي اللّه عنها
إن شئت عددتها لأهلك عدّة واحدة ، وأعتقتك: أي
نقدت هذه الدّراهم الّتي عليك لمن كاتبك بطريق
البيع ، وإعطاء الثّمن دفعة واحدة ، وأعتقتك
بعد الشّراء ، وإنّما قالت : إن شئت ليجوز
شراؤها لأنّ بيع المكاتب إن كان بإذنه جاز،
وتضمّن فسخ الكتابة بتراضيهما، وبدون رضاه لا
يجوز.
وذكر الحديث بطوله، وباقيه ظاهر. وعن عليّ رضي
اللّه عنه أنّه أتاه رجلان يختصمان في بغل
فجاء أحدهما بخمسة رجال فشهدوا أنّه نتجه هو
الصّحيح من الرّواية بدون الألف في أوّله بفتح
النّون والتّاء من باب ضرب يقال نتجت الدّابّة
على ما لم يسمّ فاعله ونتجها صاحبها أي كان
نتاجها عنده أي ولادتها.
ويقال نتجها أي ولي نتاجها والنّاتج للإبل
كالقابلة للنّساء ولا يصحّ رواية أنتجه يقال
أنتجت الفرس أي حان نتاجها قاله في ديوان
الأدب.
ص -294-
وقال
في شرح الغريبين: أنتجت الفرس أي حملت فهو
نتوج ولا يقال منتج قال وجاء آخر بشاهدين
فشهدا أنّه نتجه فقال للقوم ما ترون هو من
رؤية القلب أي ما رأيكم في هذه الحادثة وما
جوابكم فقالوا اقض لأكثرهما شهودا فقال فلعلّ
الشّاهدين خير من الخمسة ثمّ قال فيها قضاء
وصلح وذكر الحديث.
وفيه فإن تشاحّا على اليمين أي تضايقا من
الشّحّ من حدّ دخل.
مبنى الصّلح على الإغماض أي المساهلة
والمسامحة من تغميض العين وهو ضمّها.
والمماكسة مفاعلة من المكس من حدّ ضرب وهو
استنقاص الثّمن.
ولو صالحه من دعواه على أرض فغرقت قبل القبض
فله أن يتربّص حتّى ينضب الماء عنها أي يغور
من حدّ دخل.
ونهى النّبيّ عليه السلام: عن ضربة الغائص هو
الّذي يغوص في البحر أي يدخل فيه لاستخراج
الدّرر ونحوها.
والغوّاص من صار ذلك حرفة له وهو نهي عن قول
الرّجل يغوص لك في البحر فما أخذته فهو لك
بكذا وهذا لا يجوز لأنّه غرر.
ويروى عن ضربة القانص بالقاف والنّون وهو
الصّائد يقال قنص من حدّ ضرب أي صاد.
والقنّاص الصّيّاد وهو أن يقول اضرب كذا
للاصطياد فما أخذته فهو لك بكذا وهو غرر أيضا
فلم يجز.
وإذا قال الوارث للموصى له بخدمة العبد أعطيك
هذه الدّراهم مقايضة بخدمة العبد أي مبادلة
ومعاوضة والمقايضة المطلقة هو بيع عين بعين من
القيض وهو المثل والعوض وهما قيضان أي كلّ
واحد منهما عوض الآخر قال ذلك في مجمل اللّغة.
ص -295-
من زعم
كذا قال في ديوان الأدب الزّعم القول وقال في
مجمل اللّغة الزّعم القول من غير صحّة قال
اللّه تعالى:
{زَعَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}1
وفيه لغتان فتح الزّاي وضمّها والصّرف من حدّ
دخل.
رجل بعث بديلا ليغزو عنه فغزا مع الجند فغنموا
فالسّهم للبديل لأنّه هو المجاهد فإن كان
أعطاه جعلا ردّه البديل لأنّه أخذ الأجر على
الجهاد فلم يجز، وهذا إذا كان شرطا لا عونا له
من غير شرط.
البديل البدل، والبدل بكسر الباء، وتسكين
الدّال كذلك.
ولو أبرأه عن العفن في الثّوب فوجد به خرقا أو
وجده مرفوءا فله حقّ الرّدّ العفن البليّ من
المال من حدّ علم والخرق التّخريق من حدّ ضرب
والمرفوء مفعول من قولك رفأ الثّوب من حدّ صنع
رفئا أي أصلح ما وهن منه وهو مهموز فأمّا
الرّفو بالواو من غير همز من حدّ دخل فهو
التّسكين.
والإقالة الفسخ والرّدّ وأصله الياء.
وقال المبيع يقيله من حدّ ضرب لغة في أقاله
يقيله إقالة.
وتحكيم الإنسان جعله حكما أي حاكما.
وروى محمّد رحمه اللّه أنّه كان بين عمر وبين
أبيّ بن كعب رضي اللّه عنهما مدارأة في شيء
بالهمزة أي مدافعة وقد درأ من حدّ صنع أي دفع
وباقي الحديث ذكرناه في أدب القاضي.
وعن الشّعبيّ أنّ عمر رضي اللّه عنه ساوم بفرس
فحمّل عليه رجلا يشوره فعطب فقال عمر رضي
اللّه عنه: هو من مالك، وقال صاحبه: بل هو من
مالك، قال: اجعل بيني وبينك رجلا، قال: نعم
شريح العراقيّ فحكّماه، فقال شريح: إن كنت
حملته بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة التغابن: 7.
ص -296-
السّوم
فهو من مالك يا أمير المؤمنين ، وإن كنت حملته
قبل السّوم فلا فعرف عمر رضي اللّه عنه ذلك
فبعثه قاضيا على أهل الكوفة.
قوله سام بفرس أي استباع فرسا فحمّل عليه رجلا
أي أركبه إيّاه يشوره أي يقبل به ويدبر للعرض
على البيع والمشوار المكان الّذي يفعل فيه ذلك
يقال إيّاك والخطب فإنّها مشوار كثير العثار،
فعطب أي هلك فقال عمر رضي اللّه عنه هو من
مالك أي هلك عليك فلا قيمة عليّ وقال الآخر بل
عليك لأنّك ساومت فحكّما شريحا فحكم أنّ
الإركاب إذا كان بعد السّوم فعلى عمر رضي
اللّه عنه فعرف عمر أي استصوب وضدّه أنكر أي
لم يستصوب وقلّده قضاء الكوفة حيث رآه عالما
به واللّه أعلم. |