كتاب التيمم
التيمم في
اللغة القصد. قال الأزهري:
التيمم في كلام العرب القصد يقال
تيممت فلانًا وتأممته ويممته
وأممته أي قصدته. وفي الشرع
القصد إلى الصعيد لمسح الوجه
واليدين بنية استباحة الصلاة
ونحوها قاله في الفتح.واعلم أن
التيمم ثابت بالكتاب والسنة
والإجماع وهي خصيصة خصص اللَّه
تعالى بها هذه الأمة.قال في
الفتح: واختلف هل التيمم عزيمة
أو رخصة وفصل بعضهم فقال: هو
لعدم الماء عزيمة وللعذر رخصة.
باب تيمم
الجنب للصلاة إذا لم يجد ماء
1- عن عمران بن حصين قال: "كنا مع رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل
معتزل فقال:
ما منعك أن تصلي قال: أصابتني جنابة ولا
ماء قال: عليك بالصعيد فإنه
يكفيك".متفق
عليه.
قوله:
"فإذا هو برجل" وقع في شرح
العمدة للشبح سراج الدين ابن
الملقن أن هذا الرجل هو خلاد بن
رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة
شهد بدرًا. قال ابن الكلبي:
وقتل يومئذ وقال غيره: له
رواية. وهذا يدل على أنه عاش
بعد النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم.قال الحافظ: أما على قول
الكلبي فيستحيل أن يكون هو صاحب
هذه القصة لتقدم وقعة بدر على هذه
القصة بمدة طويلة بلا خلاف وأما
على قول غيره فيحتمل أن يكون هو
لكن لا يلزم من كون له رواية أن
يكون عاش بعد النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم لاحتمال أن تكون
الرواية عنه منقطعة أو متصلة لكن
نقلها عنه صحابي آخر وعلى هذا فلا
منافاة بين هذا وبين من قال أنه
قتل ببدر.قوله: "أصابتني
جنابة ولا ماء" بفتح الهمزة أي
معي أي موجود وهو أبلغ في إقامة
عذره لما فيه من عموم النفي كأنه
نفى وجود الماء بالكلية.قوله:
"عليك بالصعيد" اللام للعهد
المذكور في الآية الكريمة ودل
قوله: يكفيك على أن المتيمم في
مثل هذه الحال لا يلزمه القضاء
ويحتمل أن يكون المراد بقوله:
"يكفيك" أي للأداء فلا يدل
على ترك القضاء والأول
أظهر.والحديث يدل على مشروعية
التيمم للصلاة عند عدم الماء من
غير فرق بين الجنب وغيره وقد أجمع
على ذلك العلماء ولم يخالف فيه
أحد من الخلف ولا من السلف إلا ما
جاء عن عمر بن الخطاب
ج / 1 ص -257-
وعبد اللَّه بن مسعود وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه
للجنب. وقيل إن عمر وعبد اللَّه
رجعا عن ذلك. وقد جاءت بجوازه
للجنب الأحاديث الصحيحة.وإذا
صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء
وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء
إلا ما يحكى عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن الإمام التابعي أنه قال:
لا يلزمه وهو مذهب متروك بإجماع
من بعده ومن قبله وبالأحاديث
الصحيحة المشهورة في أمره صلى
اللَّه عليه وآله وسلم للجنب بغسل
بدنه إذا وجد الماء.
باب
تيمم الجنب للجرح
1- عن جابر
قال: "خرجنا في سفر فأصاب
رجلًا منا حجر فشجه في رأسه ثم
احتلم فسأل أصحابه: هل تجدون لي
رخصة في التيمم فقالوا: ما نجد
لك رخصة وأنت تقدر على الماء
فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
أخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم
اللَّه ألا سألوا إذ لم يعلموا
فإنما شفاء العي السؤال إنما كان
يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على
جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر
جسده".
رواه أبو
داود والدارقطني.
الحديث رواه
أيضًا ابن ماجه وصححه ابن السكن
وقد تفرد به الزبير بن خريق وليس
بالقوي قاله الدارقطني وخالفه
الأوزاعي فرواه عن عطاء عن ابن
عباس وهو الصواب.
قال
الحافظ: رواه أبي داود أيضًا من
حديث الأوزاعي قال: بلغني عن
عطاء عن ابن عباس. ورواه الحاكم
عن بشر بن بكر عن الأوزاعي حدثني
عطاء عن ابن عباس. وقال
الدارقطني: اختلف فيه الأوزاعي
والصواب أن الأوزاعي أرسل آخره عن
عطاء. وقال أبو زرعة وأبو
حاتم: لم يسمعه الأوزاعي من
عطاء إنما سمعه من إسماعيل بن
مسلم عن عطاء ونقل ابن السكن عن
ابن أبي داود أن حديث الزبير بن
خريق أصح من حديث الأوزاعي. وقد
رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم
من حديث الوليد بن عبيد بن أبي
رباح عن عمه عطاء ابن أبي رباح عن
ابن عباس مرفوعًا. والوليد بن
عبيد ضعفه الدارقطني وقواه من صحح
حديثه.
قوله:
"العي" بكسر العين هو التحير
في الكلام قيل هو ضد البيان.
والحديث يدل
على جواز العدول إلى التيمم لخشية
الضرر وقد ذهب إلى ذلك العترة
ومالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد
قوليه وذهب أحمد بن حنبل والشافعي
في أحد قوليه إلى عدم جواز التيمم
لخشية الضرر قالوا: لأنه
واحد. والحديث وقوله: تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى}
الآية يردان عليهما.
ويدل الحديث
أيضًا على وجوب المسح على الجبائر
ومثله حديث علي عليه السلام
قال: "أمرني رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم أمسح على
الجبائر" وقد اتفق الحفاظ على
ضعفه وقد ذهب إلى وجوب المسح على
الجبائر المؤيد باللَّه والهادي
في أحد قوليه.
وروي عن أبي
حنيفة والفقهاء السبعة فمن بعدهم
وبه قال الشافعي لكن بشرط أن توضع
على طهر وأن لا يكون تحتها من
الصحيح
ج / 1 ص -258-
إلا ما لا بد منه والمسح المذكور عندهم يكون بالماء لا
بالتراب.وذهب أبو العباس وأبو
طالب وهو أحد قولي الهادي وروي عن
أبي حنيفة أنه لا يمسح بل يسقط
كعبادة تعذرت ولأن الجبيرة كعضو
آخر وآية الوضوء لم تتناول ذلك
واعتذروا عن حديث جابر وعلي
بالمقال الذي فيهما وقد تعاضدت
طرق حديث جابر فصلح للاحتجاج به
على المطلوب وقوي بحديث علي ولكن
حديث جابر قد دل على الجمع بين
الغسل والمسح والتيمم.
باب
الجنب يتيمم لخوف البرد
1- عن عمرو
بن العاص: "أنه لما بعث في
غزوة ذات السلاسل قال: احتلمت
في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت
إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت
بأصحابي صلاة الصبح فلما قدمنا
على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم ذكروا ذلك له فقال:
يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب
فقلت: ذكرت قول اللَّه تعالى
{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيماً} فتيممت ثم صليت فضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم
يقل شيئًا".رواه أحمد وأبو
داود والدارقطني.
الحديث
أخرجه البخاري تعليقًا وابن حبان
والحاكم واختلف فيه على عبد
الرحمن بن جبير فقيل عنه عن أبي
قيس عن عمرو وقيل عنه عن عمرو بلا
واسطة لكن الرواية التي فيها أبو
قيس ليس فيها إلا أنه غسل مغابنه
فقط. وقال أبو داود: روى هذه
القصة الأوزاعي عن حسان بن عطية
وفيه "فتيمم" ورجح الحاكم
إحدى الروايتين وقال البيهقي:
يحتمل أن يكون فعل ما في
الروايتين جميعًا فيكون قد غسل ما
أمكنه وتيمم للباقي وله شاهد من
حديث ابن عباس ومن حديث أبي أمامة
عند الطبراني.قوله: "ذات
السلاسل" هي موضع وراء وادي
القرى وكانت هذه الغزوة في جمادى
الأولى سنة ثمان من الهجرة.
قوله: "فأشفقت" أي خفت
وحذرت.قوله: "فضحك رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
ولم يقل شيئًا" فيه دليلان على
جواز التيمم عند شدة البرد ومخافة
الهلاك: الأول التبسم
والاستبشار والثاني عدم الإنكار
لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم لا يقر على باطل والتبسم
والاستبشار أقوى دلالة من السكوت
على الجواز فإن الاستبشار دلالته
على الجواز بطريق الأولى.وقد
استدل بهذا الحديث الثوري ومالك
وأبو حنيفة وابن المنذر على أن من
تيمم لشدة البرد وصلى لا تجب عليه
الإعادة لأن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم لم يأمره بالإعادة
ولو كانت واجبة لأمره بها ولكنه
أتى بما أمر به وقدر عليه فأشبه
سائر من يصلي بالتيمم.قال ابن
رسلان: لا يتيمم لشدة البرد من
أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله
على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل
عضوًا ويستره وكلما غسل عضوًا
ستره ودفاه من البرد لزمه ذلك وإن
لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر
العلماء. وقال الحسن وعطاء:
يغتسل وإن مات ولم يجعلا له
عذرًا. ومقتضى قول ابن مسعود
[قول ابن مسعود هذا ذكره
البخاري في باب إذا خاف الجنب على
نفسه المرض أو الموت عن شقيق بن
سلمة قال: كنت عند عبد اللَّه
وأبي موسى فقال له أبو موسى:
أرأيت يا أبا عبد الرحمن وهي كنية
ابن مسعود إذا أجنب فلم يجد الماء
كيف يصنع فقال عبد اللَّه: لا
يصلي حتى يجد الماء فقال أبو
موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين
قال له النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم: كان يكفيك قال:
ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو
موسى: فدعنا من قول عمار كيف
تصنع بهذه الآية فما درى عبد
اللَّه ما يقول فقال: إنا لو
رخصنا لهم في هذا ولا شك إذا برد
على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم
فقلت لشقيق: فإنما كره عبد
اللَّه لهذا قال: نعم.
قال الحافظ
في الفتح: فيه جواز التيمم
للجنب بخلاف ما نقل عن عمر وابن
مسعود وفيه إشارة إلى ثبوت حجة
أبي موسى لقوله: فما درى عبد
اللَّه ما يقول.
ثم قال في
الباب الثاني إن ابن مسعود لا عذر
له في التوقف عن قبول حديث عمار
فلهذا جاء عنه أنه رجع عن الفتيا
بذلك كما أخرجه ابن أبي شيبة
بإسناد فيه انقطاع عنه اهـ.
والآية التي أشار إليها أبو موسى
هي آية سورة المائدة كما جاء في
الباب الذي بعد هذا الباب قال
الحافظ: وإنما عين سورة المائدة
لكونها أظهر في مشروعية تيمم
الجنب من آية النساء لتقدم حكم
الوضوء في المائدة قال الخطابي
وغيره: وفيه دليل على أن عبد
اللَّه كان يرى أن المراد
بالملامسة الجماع فلهذا لم يدفع
دليل أبي موسى وإلا لكان يقول له
المراد من الملامسة التقاء
البشرتين فيما دون الجماع وجعل
التيمم بدلًا من الوضوء لا يستلزم
جعله بدلًا من الغسل اهـ]: لو
رخصنا لهم لأوشك إذا برد عليهم
الماء أن يتيمموا أنه لا يتيمم
ج / 1 ص -259-
لشدة البرد.قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد أن ساق الحديث ما
لفظه: فيه من العلم إثبات
التيمم لخوف البرد وسقوط الفرض به
وصحة إقتداء المتوضئ بالمتيمم وأن
التيمم لا يرفع الحدث وأن التمسك
بالعمومات حجة صحيحة
انتهى.وقوله: "وأن التيمم
لا يرفع الحدث" لعله مستفاد من
قوله: صلى اللَّه عليه وآله
وسلم "صليت
بأصحابك وأنت جنب".
باب الرخصة في الجماع لعادم الماء
1- عن أبي
ذر قال: "اجتويت المدينة فأمر
لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم بإبل فكنت فيها فأتيت
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
فقلت: هلك أبو ذر قال:
ما حالك قال: كنت أتعرض للجنابة وليس بقربي ماء فقال:
إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين".رواه أحمد وأبو داود والأثرم وهذا لفظه.
الحديث
أخرجه النسائي وابن ماجه أيضًا
وقد اختلف فيه على أبي قلابة الذي
رواه عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر
ورواه ابن حبان والحاكم
والدارقطني وصححه أبو حاتم.
وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي.
قال الحافظ: وغفل ابن القطان
فقال: إنه مجهول وفي الباب عن
أبي هريرة عند البزار والطبراني
قال الدارقطني في العلل:
وإرساله أصح.قوله: "اجتويت
المدينة" بالجيم أي استوخمتها
ولم توافق طبعي وهو افتعلت من
الجوى وهو المرض.والحديث يدل
على جواز التيمم للجنب وقد تقدم
الكلام عليه أول الباب.ويدل على
أن الصعيد طهور يجوز لمن تطهر به
أن يفعل ما يفعله المتطهر بالماء
من صلاة وقراءة ودخول مسجد ومس
مصحف وجماع وغير ذلك وأن الاكتفاء
بالتيمم ليس بمقدر بوقت محدود بل
يجوز وإن تطاول العهد بالماء وذكر
العشر سنين لا يدل على عدم جواز
الاكتفاء بالماء بعدها لأن ذكرها
لم يرد به التقييد بل المبالغة
لأن الغالب عدم فقدان الماء كثرة
وجدانه لشدة الحاجة إليه فعدم
وجدانه إنما يكون يومًا أو بعض
يومًا.
باب
اشتراط دخول الوقت للتيمم
1- عن عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
"قال رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم:
جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا
أينما أدركتني الصلاة تمسحت
وصليت".
2- وعن أبي أمامة: "أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال:
جعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجدًا
وطهورًا فأينما أدركت رجلًا من
أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده
طهوره".رواهما
أحمد.
الحديث
الأول أصله في الصحيحين والحديث
الثاني إسناده في مسند أحمد هكذا
حدثنا محمد بن أبي عدي عن سليمان
يعني التيمي عن سيار عن أبي أمامة
وذكره وإسناده ثقات إلا سيارًا
ج / 1 ص -260-
الأموي وهو صدوق. وفي الباب عن علي عند البزار وعن أبي هريرة
عند مسلم والترمذي وعن جابر عند
الشيخين والنسائي وعن ابن عباس
عند أحمد وعن حذيفة عند مسلم
والنسائي وعن أنس أشار إليه
الترمذي ورواه السراج في مسنده
بإسناد قال العراقي صحيح ورواه
الخطابي في معالم السنن وسيأتي في
الصلاة وعن أبي أمامة عند أحمد
والترمذي في كتاب السير وقال:
حسن صحيح ولكنه لم يذكر فيه
المقصود وعن أبي ذر عند أبي داود
وعن أبي موسى عند أحمد والطبراني
بإسناد جيد وعن ابن عمر عند
البزار والطبراني وفي إسناده
إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن
سلمة بن كهيل وهو ضعيف وعن السائب
بن يزيد عند الطبراني وعن أبي
سعيد عند الطبراني
أيضًا.قوله: "جعلت
لي الأرض مسجدًا"
أي موضع سجود لا يختص السجود منها
بموضع دون غيره ويمكن أن يكون
مجازًا عن المكان المبني للصلاة
قال الحافظ: وهو من مجاز
التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في
جميعها كانت كالمسجد في ذلك.قال
الداودي وابن التين: والمراد أن
الأرض جعلت للنبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم مسجدًا وطهورًا أو جعلت
لغيره مسجدًا ولم تجعل له طهورًا
لأن عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي
حيث أدركته الصلاة وقيل إنما أبيح
لهم موضع يتيقنون طهارته بخلاف
هذه الأمة فإنه أبيح لهم التطهر
والصلاة إلا فيما تيقنوا نجاسته
والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن
من قبله إنما أبيحت لهم الصلاة في
أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع.
قال الحافظ في الفتح: ويؤيده
رواية عمرو بن شعيب بلفظ:
"وكان من قبلي إنما يصلون في
كنائسهم" وهذا نص في موضع
النزاع فثبتت الخصوصية ويؤيده ما
أخرجه البزار من حديث ابن عباس
وفيه: "ولم يكن أحد من
الأنبياء يصلي حتى يبلغ
محرابه".قوله:
"وطهورًا" بفتح الطاء أي
مطهرة وفيه دليل على أن التراب
يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في
الطهورية قال الحافظ: وفيه
نظر. وعلى أن التيمم جائز بجميع
أجزاء الأرض لعموم لفظ الأرض
لجميعها وقد أكده بقوله: كلها
كما في الرواية الثانية.واستدل
القائل بتخصيص التراب بما عند
مسلم من حديث حذيفة مرفوعًا
بلفظ: "وجعلت
تربتها لنا طهورًا"
وهذا خاص فينبغي أن يحمل عليه
العام وأجيب بأن تربة كل مكان ما
فيه من تراب أو غيره فلا يتم
الاستدلال ورد بأنه ورد في الحديث
المذكور بلفظ التراب أخرجه ابن
خزيمة وغيره.وفي حديث علي "وجعل
التراب لي طهورًا"
أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن
وأجيب أيضًا عن ذلك الاستدلال بأن
تعليق الحكم بالتربة مفهوم لقب
ومفهوم اللقب ضعيف عند أرباب
الأصول ولم يقل به إلا الدقاق فلا
ينتهض لتخصيص المنطوق ورد بأن
الحديث سبق لإظهار التشريف فلو
كان جائزًا بغير التراب لما اقتصر
عليه وأنت خبير بأنه لم يقتصر على
التراب إلا في هذه الرواية نعم
الافتراق في اللفظ حيث حصل
التأكيد في جعلها مسجدًا دون
الآخر كما سيأتي في حديث مسلم يدل
على الافتراق في الحكم وأحسن من
هذا أنقوله:: تعالى في آية
المائدة منه يدل على أن المراد
التراب وذلك لأن كلمة من للتبعيض
كما قال في الكشاف إنه لا يفهم
أحد من العرب من قول القائل مسحت
برأسه من الدهن والتراب إلا معنى
ج / 1 ص -261-
التبعيض انتهى.ـ فإن قلت: ـ سلمنا التبعيض فما الدليل على أن
ذلك البعض هو التراب قلت:
التنصيص عليه في الحديث المذكور
ومن الأدلة الدالة على أن المراد
خصوص التراب ما ورد في القرآن
والسنة من ذكر الصعيد والأمر
بالتيمم منه وهو التراب لكنه قال
في القاموس والصعيد التراب أو وجه
الأرض وفي المصباح الصعيد وجه
الأرض ترابًا كان أو غيره. قال
الزجاج: لا أعلم اختلافًا بين
أهل اللغة في ذلك. قال
الأزهري: ومذهب أكثر العلماء أن
الصعيد فيقوله: تعالى
{صَعِيداً طَيِّباً }
هو التراب. وفي كتاب فقه اللغة
للثعالبي الصعيد تراب وجه الأرض
ولم يذكر غيره. وفي المصباح
أيضًا ويقال الصعيد في كلام العرب
يطلق على وجوه: على التراب الذي
على وجه الأرض وعلى وجه الأرض
وعلى الطريق ويؤيد حمل الصعيد على
العموم تيممه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم من الحائط فلا يتم
الاستدلال. وقد ذهب إلى تخصيص
التيمم بالتراب العترة والشافعي
وأحمد وداود. وذهب مالك وأبو
حنيفة وعطاء والأوزاعي والثوري
إلى أنه يجزئ بالأرض وما عليها
وسيعقد المصنف لذلك
بابًا.قوله: "أينما أدركتني
الصلاة" في الرواية الثانية "فأينما
أدركت رجلًا من أمتي الصلاة"
وفي الصحيحين "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل"
وقد استدل به على عموم التيمم
بأجزاء الأرض لأن قوله:
"فأينما أدركت رجلا".
"وأيما رجل"
صيغة عموم فيدخل تحته من لم يجد
ترابًا ووجد غيره من أجزاء
الأرض.قال ابن دقيق العيد:ومن
خصص التيمم بالتراب يحتاج إلى أن
يقيم دليلًا يخص به هذا العموم أو
يقول دل الحديث على أنه يصلي وأنا
أقول بذلك فيصلي على الحالة
ويرد عليه حديث الباب فإنه بلفظ
فعنده مسجده وعنده طهوره. وقد
استدل المصنف بالحديث على اشتراط
دخول الوقت للتيمم لتقييد الأمر
بالتيمم بإدراك الصلاة وإدراكها
لا يكون إلا بعد دخول الوقت
قطعًا. وقد ذهب إلى ذلك
الاشتراط العترة والشافعي ومالك
وأحمد بن حنبل وداود واستدلوا
بقوله: تعالى
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا } ولا قيام قبله والوضوء خص الإجماع والسنة. وذهب أبو حنيفة
وأصحابه إلى أنه يجزئ قبل الوقت
كالوضوء وهذا هو الظاهر ولم يرد
ما يدل على عدم الإجزاء والمراد
بقوله:
{إِذَا قُمْتُمْ}
إذا أردتم القيام وإرادة القيام
تكون في الوقت وتكون قبله فلم يدل
دليل على اشتراط الوقت حتى يقال
خصص الوضوء الإجماع.
باب من
وجد ما يكفي بعض طهارته يستعمله
1- عن أبي
هريرة: "أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم قال:
إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما
استطعتم".متفق
عليه.
هذا الحديث
أصل من الأصول العظيمة وقاعدة من
قواعد الدين النافعة وقد شهد له
صريح القرآن قال اللَّه تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } فلك الاستدلال بالحديث على العفو عن كل ما خرج عن الطاقة وعلى
وجوب الإتيان بما دخل تحت
الاستطاعة من المأمور به وأنه ليس
مجرد خروج بعضه عن الاستطاعة
موجبًا للعفو عن جميعه. وقد
استدل به المصنف على وجوب استعمال
الماء الذي يكفي لبعض الطهارة وهو
كذلك وقد خالف في ذلك زيد بن علي
والناصر والحنفية فقالوا يسقط
استعمال الماء لأن عدم بعض المبدل
يبيح الانتقال إلى البدل.
ج / 1 ص -262-
باب تعين التراب للتيمم دون بقية الجامدات
1- عن علي
كرم اللَّه وجهه قال: "قال
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم:
أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء
نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض
وسميت أحمد وجعل لي التراب طهورًا
وجعلت أمتي خير الأمم".
رواه أحمد.
الحديث
أخرجه البيهقي في الدلائل وأيضًا
في حديث جابر المتفق عليه
"خمس النصر بالرعب وجعل الأرض مسجدًا وطهورًا
وتحليل الغنائم وإعطاء الشفاعة
وعموم البعثة".وزاد أبو هريرة في حديثه الثابت عند مسلم خصلتين وهما
"وأعطيت جوامع الكلم وختم بي النبيون" فيحصل منه ومن حديث جابر سبع خصال.ولمسلم من حديث حذيفة
"فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة" وذكر خصلة الأرض قال: وذكر خصلة أخرى وهذه الخصلة المبهمة
بينها ابن خزيمة والنسائي وهي
"وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة
البقرة من كنز تحت العرش" يشير إلى ما حطه اللَّه عن أمته من الأصر فصارت الخصال
تسعًا.وفي حديث الباب زيادة
"أعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد
وجعلت أمتي خير الأمم" فصارت الخصال ثنتي عشرة خصلة.وعند البزار من وجه آخر عن أبي
هريرة رفعه:
"فضلت على الأنبياء بست غفر لي
ما تقدم من ذنبي وما تأخر وجعلت
أمتي خير الأمم وأعطيت الكوثر وأن
صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم
القيامة تحته آدم فمن دونه" وذكر ثنتين مما تقدم. وله من حديث ابن عباس رفعه: "فضلت على الأنبياء بخصلتين كان شيطاني كافر فأعانني اللَّه عليه
فأسلم قال: ونسيت الأخرى"
فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة. قال
الحافظ في الفتح: ويمكن أن يوجد
أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع وقد
ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب
شرف المصطفى أن الذي اختص به
نبينا صلى اللَّه عليه وآله وسلم
ستون خصلة. والحديث ساقه المصنف
رحمه اللَّه تعالى للاستدلال به
على تعين التراب للتصريح في
الحديث بذكر التراب وقد تقدم
الكلام على ذلك في باب اشتراط
دخول الوقت للتيمم. قوله:
"نصرت بالرعب" مفهومه أنه لم
يوجد لغيره النصر بالرعب لكن في
مسيرة الشهر التي ورد التقييد بها
في الصحيحين وفي أكثر منها
بالأولى. وأما دونها فلا ولكن
ورد في رواية في البخاري
"ونصرت على العدو بالرعب ولو
كان بيني وبينهم مسيرة شهر"
وهي تشعر باختصاصه به مطلقًا
وإنما جعل الغاية شهرًا لأنه لم
يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه
أكثر منه. قال الحافظ في
الفتح: وهل هي حاصلة لأمته من
بعده فيه احتمال وقد نقل ابن
الملقن في شرح العمدة عن مسند
أحمد بلفظ: "والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرًا". قوله: "وأعطيت مفاتيح الأرض" هي ما سهل اللَّه له
ج / 1 ص -263-
ولأمته من افتتاح البلاد الممتنعة والكفور المتعذرة. قوله: "وجعلت أمتي خير الأمم" هو مثل ما نطق به القرآن قال اللَّه تعالى
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.
2- وعن
حذيفة قال: "قال رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم
فضلنا على الناس بثلاث جعلت
صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا
الأرض كلها مسجدًا وجعلت تربتها
لنا طهورًا إذا لم نجد الماء".رواه
مسلم.
قوله:
"بثلاث" الثالثة مبهمة وقد
بينها ابن خزيمة والنسائي وهي
"وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة
البقرة"
وقد تقدم التنبيه على
ذلك.والحديث يدل على قصر التيمم
على التراب للتصريح بالتراب فيه
وقد عرفت البحث في ذلك في باب
اشتراط دخول الوقت.قوله: "صفوفنا كصفوف الملائكة" وهي أنهم يتمون المقدم ثم الذي يليه من الصفوف ثم يراصون الصف
كما ورد التصريح بذلك في سنن أبي
داود وغيرها.
باب صفة
التيمم
1- عن عمار بن ياسر: "أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم قال في التيمم
ضربة للوجه واليدين".رواه
أحمد وأبو داود وفي لفظ: "أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
أمره بالتيمم للوجه والكفين"
رواه الترمذي وصححه.
قال ابن عبد
البر: أكثر الآثار المرفوعة عن
عمار ضربة واحدة وما روي عنه من
ضربتين فكلها مضطربة وقد جمع
البيهقي طرق حديث عمار فأبلغ.
وقد روى الطبراني في الأوسط
والكبير أنه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال لعمار بن ياسر
"يكفيك ضربة للوجه وضربة للكفين" وفي إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو ضعيف وإن كان حجة
عند الشافعي.والحديث يدل على أن
التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين
وقد ذهب إلى ذلك عطاء ومكحول
والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق
والصادق والإمامية. قال في
الفتح: ونقله ابن المنذر عن
جمهور العلماء واختاره وهو قول
عامة أهل الحديث.وذهب الهادي
والناصر والمؤيد باللَّه وأبو
طالب والإمام يحيى والفقهاء إلى
أن الواجب ضربتان ضربة للوجه
وأخرى لليدين.وذهب ابن المسيب
وابن سيرين إلى أن الواجب ثلاث
ضربات ضربة للوجه وضربة للكفين
وضربة للذراعين."احتج
الأولون" بحديث الباب وبالرواية
الأخرى الآتية المتفق عليها من
حديث عمار وأجابوا عن الأحاديث
القاضية بالضربتين بما فيها من
المقال المشهور."واحتج أهل
القول الثاني" بحديث ابن عمر
مرفوعًا بلفظ:
"التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي وفي إسناده علي بن ظبيان قال
الدارقطني: وثقه يحيى القطان
وهشيم وغيرهما قال الحافظ: هو
ضعيف ضعفه القطان وابن معين وغير
واحد.وقد روي أيضًا من طريق ابن
عمر مرفوعًا بلفظ: "تيممنا مع
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
ضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب
ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها
ج / 1 ص -264-
وجوهنا ثم ضربنا ضربة أخرى فمسحنا من المرافق إلى الكف" وفيه
سليمان بن أرقم وهو متروك.وروي
أيضًا عن ابن عمر مرفوعًا من وجه
آخر بلفظ حديث ابن ظبيان. قال
أبو زرعة: حديث باطل.ورواه
الدارقطني والحاكم من حديث جابر
وفيه عثمان بن محمد وهو متكلم فيه
قاله ابن الجوزي قال الحافظ:
وأخطأ في ذلك. قال ابن دقيق
العيد: لم يتكلم فيه أحد نعم
روايته شاذة قال الدارقطني بعد
رواية حديث جابر: كلهم ثقات
والصواب موقوف.وفي الباب عن
الأسلع بن شريك رواه الطبراني
والدارقطني وفيه الربيع بن بدر
وهو ضعيف. وعن أبي أمامة رواه
الطبراني قال الحافظ: وإسناده
ضعيف. وعن عائشة مرفوعًا رواه
البزار وابن عدي وقد تفرد به
الحريش بن الخريت ولا يحتج بحديثه
قال أبو حاتم: حديثه منكر.وعن
عمار رواه البزار وقد عرفت أن
أحاديثه الصحاح ضربة واحدة. وفي
الباب أيضًا عن ابن عمر مرفوعًا
بلفظ: "أنه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم تيمم بضربتين مسح
بإحداهما وجهه" رواه أبو داود
بسند ضعيف لأن مداره على محمد بن
ثابت وقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم
والبخاري وأحمد. قال أبو
داود: لم يتابع محمد بن ثابت
أحد.وبهذا يتبين لك أن أحاديث
الضربتين لا تخلو جميع طرقها من
مقال ولو صحت لكان الأخذ بها
متعينًا لما فيها من الزيادة
فالحق الوقوف على ما ثبت في
الصحيحين من حديث عمار من
الاقتصار على ضربة واحدة حتى تصح
الزيادة على ذلك المقدار.وأما
أهل القول الثالث فلم أقف لهم على
ما يصلح متمسكًا للوجوب بل قال
الإمام يحيى: إنه لا دليل يدل
على ندبية التثليث في التيمم وقوى
ذلك الإمام المهدي والأمر كذلك.
2- وعن عمار
قال: "أجنبت فلم أصب الماء
فتمعكت في الصعيد وصليت فذكرت ذلك
للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
فقال: إنما كان يكفيك هكذا وضرب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بكفيه
الأرض ونفخ فيها ثم مسح بهما وجهه
وكفيه".متفق عليه وفي لفظ:
"إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك
في التراب ثم ينفخ فيهما ثم تمسح
بهما وجهك وكفيك إلى الرصغين"
رواه الدارقطني.قوله:
"فتمعكت" وفي رواية
"فتمرغت" أي تقلبت.
قوله: "إنما كان يكفيك"
فيه دليل على أن الواجب في التيمم
هي الصفة المذكورة في هذا
الحديث. قوله: "وضرب
بكفيه" المذكور في هذا الحديث
ضربة واحدة وقد تقدم ذكر الخلاف
في ذلك في الحديث الذي قبل هذا.
قوله: "ثم مسح بهما وجهه
وكفيه" فيه دليل لمذهب من قال
إنه يقتصر في مسح اليدين على
الكفين وإليه ذهب عطاء ومكحول
والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن
المنذر وعامة أصحاب الحديث هكذا
في شرح مسلم. وذهب علي بن أبي
طالب عليه السلام وعبد اللَّه بن
عمر والحسن البصري والشعبي وسالم
بن عبد اللَّه بن عمر وسفيان
الثوري ومالك وأبو حنيفة وأصحاب
الرأي وآخرون إلى أن الواجب المسح
إلى المرفقين رواه النووي في شرح
مسلم. ورواه في البحر أيضًا عن
الهادي
ج / 1 ص -265-
والقاسم والمؤيد باللَّه وأبي طالب والفريقين وذهب الزهري إلى أنه
يجب المسح إلى الإبطين. قال
الخطابي: لم يختلف أحد من
العلماء في أنه لا يلزم مسح ما
وراء المرفقين. "احتج
الأولون" بحديث الباب واحتج أهل
القول الثاني بحديث ابن عمر
مرفوعًا بلفظ:
"ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" وقد تقدم عدم انتهاضه للاحتجاج من هذا الوجه ومن غيره. واحتجوا
بالقياس على الوضوء وهو فاسد
الاعتبار واحتج الزهري بما ورد في
بعض روايات حديث عمار عند أبي
داود بلفظ:
"إلى الآباط"
وأجاب بأنه منسوخ كما قال الشافعي
واحتج أيضًا بأن ذلك حد اليد لغة
وأجيب بأنه قصرها الخبر وإجماع
الصحابة على بعض حدها لغة. قال
الحافظ في الفتح: وما أحسن ما
قال إن الأحاديث الواردة في صفة
التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي
جهيم وعمار وما عداهما فضعيف أو
مختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم
رفعه فأما حديث أبي جهيم فورد
بذكر اليدين مجملًا وأما حديث
عمار فورد بذكر الكفين في
الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن
وفي رواية إلى نصف الذراع وفي
رواية إلى الآباط. فأما رواية
المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما
مقال وأما رواية الآباط فقال
الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع
بأمر النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم بعده فهو
ناسخ له وإن كان وقع بغير أمره
فالحجة فيما أمر به. ومما يقوي
رواية الصحيحين في الاقتصار على
الوجه والكفين كون عمار يفتي بعد
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
بذلك وراوي الحديث أعرف بالمراد
به من غيره ولا سيما الصحابي
المجتهد انتهى. فالحق مع أهل
المذهب الأول حتى يقوم دليل يجب
المصير إليه ولا شك أن الأحاديث
المشتملة على الزيادة أولى
بالقبول ولكن إذا كانت صالحة
للاحتجاج بها. وليس في الباب
شيء من ذلك.قوله: وفي لفظ هذه
الرواية ثبت عند البخاري معناها
ولفظه:
"وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما
ثم مسح بهما وجهه وكفيه".قوله: "إلى الرصغين" هما لغة في الرسغين وهما مفصل
الكفين. قال المصنف بعد أن ساق
الحديث: وفيه دليل على أن
الترتيب في تيمم الجنب لا يجب
انتهى.
باب من تيمم في أول الوقت وصلى ثم وجد الماء في الوقت
1- عن عطاء
بن يسار عن أبي سعيد الخدري
قال: "خرج رجلان في سفر فحضرت
الصلاة وليس معهما ماء فتيمما
صعيدًا طيبًا فصليا ثم وجد الماء
في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء
والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم
يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك. وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر
مرتين".
رواه النسائي وأبو داود وهذا لفظه. وقد روياه أيضًا عن
عطاء بن يسار عن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم مرسلا.
ج / 1 ص -266-
الحديث أخرجه أيضًا الدارمي والحاكم ورواه الدارقطني موصولًا ثم
قال: تفرد به عبد اللَّه بن
نافع عن الليث عن بكر بن سوادة عن
عطاء عنه موصولًا وخالفه ابن
المبارك فأرسله وكذا قال الطبراني
في الأوسط: لم يروه متصلًا إلا
عبد اللَّه بن نافع. وقال موسى
بن هارون: رفعه وهم من ابن
نافع.
وقال أبو
داود: رواه غيره عن الليث عن
عميرة عن بكر عن عطاء مرسلًا
قال: وذكر أبي سعيد فيه ليس
بمحفوظ وقد رواه ابن السكن في
صحيحه موصولًا من طريق أبي الوليد
الطيالسي عن الليث عن عمرو بن
الحارث وعميرة بن أبي ناجية
جميعًا عن بكر موصولًا ورواه ابن
لهيعة عن بكر فزاد بين عطاء وأبي
سعيد أبا عبد اللَّه مولى إسماعيل
بن عبيد اللَّه وابن لهيعة ضعيف
ولا يلتفت إلى زيادته ولا تعل بها
رواية الثقة عمرو ابن الحارث ومعه
عميرة بن أبي ناجية وقد وثقه
النسائي ويحيى بن بكير وابن حبان
وأثنى عليه أحمد بن صالح وابن
يونس وأحمد بن سعيد بن أبي مريم
وله شاهد من حديث ابن عباس رواه
إسحاق بن راهويه في مسنده أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
بال ثم تيمم فقيل له إن الماء
قريب منك قال: فلعلي أن لا
أبلغه.والحديث يدل على أن من
صلى بالتيمم ثم وجد الماء بعد
الفراغ من الصلاة لا يجب عليه
الإعادة وإليه ذهب أبو حنيفة
والشافعي ومالك وأحمد والإمام
يحيى وقال الهادي والناصر والمؤيد
باللَّه وأبو طالب وطاوس وعطاء
والقاسم بن محمد بن أبي بكر
ومكحول وابن سيرين والزهري وربيعة
كما حكاه المنذري وغيره: إنها
تجب الإعادة مع بقاء الوقت لتوجه
الخطاب مع بقائه لقوله: تعالى
{أَقِمِ الصَّلاةَ }
مع قوله:
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
}
فشرط في صحتها الوضوء وقد أمكن في
وقتها ولقوله: فإذا وجد الماء
فليتق اللَّه وليمسه بشرته.
الحديث. ورد بأنه لا يتوجه
الطلب بعد قوله: "أصبت السنة
وأجزأتك صلاتك" وإطلاق قوله:
"فإذا وجد الماء" مقيد بحديث
الباب ويؤيد القول بعدم وجوب
الإعادة حديث
"لا تصلوا صلاة في يوم مرتين" عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان وصححه ابن السكن ويجاب
عنه بأنهما عند القائل بوجوب
الإعادة صلاة واحدة لأن الأول قد
فسد بوجود الماء فلا يرد ذلك
عليه. وما قيل من تأويل الحديث
بأنهما وجدا بعد الوقت فتعسف
يخالف ما صرح به الحديث من أنهما
وجدا ذلك في الوقت وأما إذا وجد
الماء قبل الصلاة بعد التيمم وجب
الوضوء عند العترة والفقهاء وقال
داود وسلمة بن عبد الرحمن: لا
يجب لقوله: تعالى {وَلا
تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}
وأما إذا وجد الماء بعد الدخول في
الصلاة قبل الفراغ منها فإنه يجب
عليه الخروج من الصلاة وإعادتها
بالوضوء عند الهادي والناصر
والمؤيد باللَّه وأبي طالب وأبي
حنيفة والأوزاعي والثوري والمزني
وابن شريح.وقال مالك وداود:
لا يجب عليه الخروج بل يحرم
والصلاة صحيحة وسيأتي الكلام عليه
قوله: "أصبت السنة" أي
الشريعة الواجبة.قوله:
"وأجزأتك صلاتك" أي كفتك عن
القضاء والإجزاء عبارة عن كون
الفعل مسقطًا للإعادة.
ج / 1 ص -267-
باب
بطلان التيمم بوجدان الماء في
الصلاة وغيرها
1- عن أبي
ذر: "أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم قال:
إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن
لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد
الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير".رواه أحمد والترمذي وصححه.
الحديث
أخرجه أيضًا النسائي وأبو داود
وابن ماجه وقد اختلف فيه على أبي
قلابة وقد تقدم الكلام عليه في
باب الرخصة في الجماع لعادم
الماء. والمصنف رحمه اللَّه قد
استدل بقوله:
"فإذا وجد الماء فليمسه بشرته"
على وجوب الإعادة على من وجد
الماء قبل الفراغ من الصلاة وهو
استدلال صحيح لأن هذا الحديث مطلق
فيمن وجده بعد الوقت ومن وجده قبل
خروجه وحال الصلاة وبعدها.
وحديث أبي سعيد السابق مقيد بمن
وجد الماء في الوقت بعد الفراغ من
الصلاة فتخرج هذه الصورة بحديث
أبي سعيد وتبقى صورة وجود الماء
قبل الدخول في الصلاة بعد فعل
التيمم وبعد الدخول في الصلاة قبل
الفراغ منها داخلتين تحت إطلاق
الحديث. وفي كلا الصورتين خلاف
قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا
ولكنه يشكل على الاستدلال بهذا
الحديث.قوله:
"فإن ذلك خير"
فإنه يدل على عدم الوجوب
المدعي.
باب الصلاة بغير ماء ولا تراب عند الضرورة
1- عن عائشة رضي اللَّه عنها: "أنها استعارت
من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
رجالًا في طلبها فوجدوها فأدركتهم
الصلاة وليس معهم ماء فصلوا بغير
وضوء فلما أتوا رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم شكوا ذلك
إليه فأنزل اللَّه عز وجل آية
التيمم".رواه الجماعة إلا
الترمذي.
قوله:
"أنها استعارت" وفي بعض
الروايات أنها قالت "انقطع عقد
لي" ولا مخالفة بينهما فهو
حقيقة ملك لأسماء وإضافته في
الرواية الثانية إلى نفسها لكونه
في يدها.قوله: "فصلوا بغير
وضوء" استدل بذلك جماعة من
المحققين منهم المصنف على وجوب
الصلاة عند عدم المطهرين الماء
والتراب وليس في الحديث أنهم
فقدوا التراب وإنما فيه أنهم
فقدوا الماء فقط ولكن عدم الماء
في ذلك الوقت كعدم الماء والتراب
لأنه لا مطهر سواه.ووجه
الاستدلال به أنهم صلوا معتقدين
وجوب ذلك ولو كانت الصلاة حينئذ
ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم وبهذا قال
الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين
وأكثر أصحاب مالك لكن اختلفوا في
وجوب الإعادة فالمنصوص عن الشافعي
وجوبها وصححه أكثر الصحابة
واحتجوا بأنه عذر نادر فلم يسقط
الإعادة والمشهور عن أحمد وبه قال
المزني وسحنون وابن المنذر لا
تجب. واحتجوا بحديث الباب لأنها
لو كانت واجبة لبينها لهم النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذ لا
يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة
وتعقب بأن الإعادة لا تجب على
الفور فلم يتأخر البيان عن وقت
الحاجة وعلى هذا فلا بد من دليل
على وجوب الإعادة.وقال مالك
وأبو حنيفة في المشهور عنهما لا
يصلي لكن قال أبو حنيفة وأصحابه
يجب عليه القضاء وبه قال الثوري
والأوزاعي وقال مالك فيما حكاه
عنه المدينون: لا يجب عليه
القضاء وهذه الأقوال الأربعة هي
المشهورة في المسألة.وحكى
النووي في شرح المهذب عن القديم
تستحب الصلاة وتجب الإعادة وبهذا
تصير الأقوال خمسة قاله الحافظ في
الفتح [قال الشيخ علاء الدين
الدمشقي في ترتيب اختيارات شيخ
الإسلام تقي الدين ابن تيمية:
ومن عدم الماء والتراب يتوجه أن
يفعل ما يشاء من صلاة فرض أو نفل
وزيادة قراءة على ما يجزئ وفي
الفتاوى المصرية لابن تيمية على
أصح القولين وهو قول
الجمهور].
ج / 1 ص -268-
أبواب الحيض
قال في
الفتح: أصله السيلان وفي العرف
جريان دم المرأة قال في القاموس
حاضت المرأة تحيض حيضًا ومحيضًا
ومحاضًا فهي حائض وحائضة سال دمها
والمحيض اسم ومصدر ومنه الحوض لأن
الماء يسيل إليه.
باب بناء
المعتادة إذا استحيضت على عادتها
1- عن عائشة
قالت: "قالت فاطمة بنت أبي
حبيش لرسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: إني امرأة
أُستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم:
إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب
قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي".رواه
البخاري والنسائي وأبو داود وفي
رواية للجماعة إلا ابن ماجه:
"فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي"
زاد الترمذي في رواية وقال:
"توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت"
وفي رواية للبخاري: "ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي
وصلي".الحديث
قد أسلفنا بعض الكلام عليه في باب
الغسل من الحيض وعرفناك هنالك أن
فيه دلالة على أن المرأة إذا ميزت
دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر
دم الحيض وتعمل على إقباله
وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت
منه ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم
الحدث فتتوضأ لكل صلاة لا تصلي
بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة
كما سيأتي في باب وضوء المستحاضة
لكل صلاة وقد بينا في باب غسل
المستحاضة لكل صلاة عند انتهاض
الأحاديث الواردة بوجوب الغسل
عليها لكل صلاة أو للصلاتين أو من
ظهر إلى ظهر وعرفناك أن الحق أنه
لا يجب عليها الاغتسال إلا عند
إدبار الحيضة لهذا الحديث وقد
ذكرنا الخلاف في ذلك
هنالك.والحاصل أنه لم يأت في
شيء من الأحاديث الصحيحة ما يقضي
بوجوب الاغتسال عليها لكل صلاة أو
لكل يوم أو للصلاتين بل لإدبار
الحيضة كما في حديث فاطمة المذكور
فلا يجب على المرأة غيره وقد
أوضحنا هذا في باب غسل
المستحاضة.وأحكام المستحاضة
مستوفاة في كتب الفروع والأحاديث
الصحيحة منها ما يقضي بأن الواجب
عليها الرجوع إلى العمل بصفة الدم
كما في حديث فاطمة بنت أبي حبيش
الآتي في الباب الذي بعد هذا.
ومنها ما يقضي باعتبار العادة كما
في أحاديث الباب ويمكن الجمع بأن
المراد بقوله:
"أقبلت حيضتك"
الحيضة التي تتميز بصفة الدم أو
يكون المراد بقوله:
"إذا أقبلت الحيضة"
في حق المعتادة والتمييز بصفة
الدم في
ج / 1 ص -269-
حق غيرها وينبغي أن يعلم أن معرفة إقبال الحيضة قد يكون بمعرفة
العادة وقد يكون بمعرفة دم الحيض
وقد يكون بمجموع الأمرين. وفي
حديث حمنة بنت جحش بلفظ:
"فتحيضي ستة أيام أو سبعة
أيام"
وهو يدل على أنها ترجع إلى الحالة
الغالبة في النساء وهو غير صالح
للاحتجاج كما ستعرف ذلك في باب من
قال تحيض ستًا أو سبعًا ولو كان
صالحًا لكان الجمع ممكنًا كما
سيأتي.وقد أطال المصنفون في الفقه الكلام في المستحاضة واضطربت
أقوالهم اضطرابًا يبعد فهمه على
أذكياء الطلبة فما ظنك بالنساء
الموصوفات بالعي في البيان والنقص
في الأديان وبالغوا في التعسير
حتى جاؤوا بمسألة المتحيرة
فتحيروا.والأحاديث الصحيحة قد
قضت بعدم وجودها لأن حديث الباب
ظاهر في معرفتها إقبال الحيضة
وإدبارها وكذلك الحديث الآتي في
الباب الذي بعد هذا فإنه صريح في
أن دم الحيض يعرف ويتميز عن دم
الاستحاضة فطاحت مسألة المتحيرة
وللَّه الحمد ولم يبق ههنا ما
يستصعب إلا ورود بعض الأحاديث
الصحيحة بالإحالة على صفة الدم وبعضها بالإحالة على العادة وقد عرفت إمكان الجمع بينها
بما سلف. قوله: "قال توضئي
لكل صلاة" سيأتي الكلام عليه في
باب وضوء المستحاضة.قال المصنف
رحمه اللَّه بعد أن ساق الحديث:
وفيه تنبيه على أنها إنما تبنى
على عادة متكررة انتهى.
2- وعن
عائشة: "أن أم حبيبة بنت جحش
التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف
شكت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم الدم فقال لها:
امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي
فكانت تغتسل عند كل صلاة".رواه
مسلم ورواه أحمد والنسائي
ولفظهما:
"قال فلتنتظر قدر قروئها التي
كانت تحيض فلتترك الصلاة ثم لتنظر
ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة
وتصلي".قوله:
"ثم اغتسلي" قال الشافعي
وسفيان بن عيينة والليث بن سعد
وغيرهم: إنما أمرها النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم أن تغتسل
وتصلي ولم يأمرها بالاغتسال لكل
صلاة.قال الشافعي: ولا أشك أن
غسلها كان تطوعًا غير ما أمرت به
وقد قدمنا الكلام على هذا في باب
غسل المستحاضة. والرواية الأولى
من الحديث قد أخرج نحوها البخاري
وأبو داود بزيادة:
"وتوضئي لكل صلاة".والحديث
يدل على أن المستحاضة ترجع إلى
عادتها إذا كانت لها عادة وتغتسل
عند مضيها. وقد تقدم الكلام على
ذلك.وقوله: في الرواية الأخرى
"فلتغتسل عند كل صلاة"
استدل به القائلون بوجوب الغسل
لكل صلاة وقد تقدم الكلام على ذلك
أيضًا.
3- وعن
القاسم عن زينب بنت جحش:
"أنها قالت للنبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم أنها مستحاضة
فقال:
تجلس أيام أقرائها ثم تغتسل وتؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل وتصلي
وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل
وتصليهما جميعًا
ج / 1 ص -270-
وتغتسل للفجر".رواه
النسائي.
الحديث
إسناده في سنن النسائي هكذا
أخبرنا سويد بن نصر قال أخبرنا
عبد اللَّه عن سفيان عن عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه فذكره
ورجاله ثقات.قال النووي:
أحاديث الأمر بالغسل ليس فيها شيء
ثابت وحكى عن البيهقي ومن قبله
تضعيفها. وأقواها حديث حمنة بنت
جحش الذي سيأتي وستعرف ما
عليه.والحديث استدل به من قال
يجب الاغتسال على المستحاضة لكل
صلاة أو تجمع بين الصلاتين بغسل
واحد. وقد تقدم الكلام على ذلك
في الغسل.
4- وعن أم
سلمة: "أنها استفتت رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
في امرأة تهراق لدم فقال
لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر فتدع
الصلاة ثم لتغتسل ولتستثفر ثم
تصلي".رواه
الخمسة إلا الترمذي.
الحديث
أخرجه أيضًا الشافعي. قال
النووي: إسناده على شرطيهما.
وقال البيهقي: هو حديث مشهور
إلا أن سليمان بن يسار لم يسمعه
منها وفي رواية لأبي داود عن
سليمان أن رجلًا أخبره عن أم
سلمة. وقال المنذري: لم يسمعه
سليمان. وقد رواه موسى بن عقبة
عن نافع عن سليمان عن مرجانة عنها
وساقه الدارقطني وابن الجارود
بتمامه من حديث صخر بن جويرية عن
نافع عن سليمان أنه حدثه رجل
عنها.قوله: "تهراق" على
صيغة ما لم يسم فاعله وفتح
الهاء.قوله: "ولتستثفر"
الاستثفار إدخال الإزار بين
الفخذين ملويًا كما في القاموس
وغيره. والحديث يدل على أن
المستحاضة ترجع إلى عادتها
المعروفة قبل الاستحاضة.ويدل
على أن الاغتسال إنما هو مرة
واحدة عند إدبار الحيضة وقد تقدم
الكلام على ذلك.ويدل على
استحباب اتخاذ الثفر ليمنع من
خروج الدم حال الصلاة وقد ورد
الأمر بالاستثفار في حديث حمنة
بنت جحش أيضًا كما سيأتي إن شاء
اللَّه.وقوله: "لتستثفر"
بسكون الثاء المثلثة بعدها فاء
مكسورة أي تشد ثوبًا على فرجها
مأخوذًا من ثفر الدابة بفتح الفاء
وهو الذي يكون تحت ذنبها.
باب العمل بالتمييز
1- عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش: "أنها
كانت تستحاض فقال لها النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم:
إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة
فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما
هو عرق".رواه أبو داود والنسائي.
الحديث رواه
ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه
الدارقطني والبيهقي والحاكم أيضًا
بزيادة: "فإنما
هو داء عرض أو ركضة من الشيطان أو
عرق انقطع" وهذا يرد إنكار ابن الصلاح
ج / 1 ص -271-
والنووي وابن الرفعة لزيادة انقطع.وقد استنكر هذا الحديث أبو
حاتم لأنه من رواية عدي بن ثابت
عن أبيه عن جده وجده لا يعرف وقد
ضعف الحديث أبو داود.قوله:
"فإنه أسود يعرف" قال ابن
رسلان في شرح السنن: أي تعرفه
النساء. قال شارح المصابيح:
هذا دليل التمييز انتهى.وهذا
يفيد أن الرواية يعرف بضم حرف
المضارعة وسكون العين المهملة
وفتح الراء. وقد روي بكسر الراء
أي له رائحة تعرفها النسا قوله:
"عرق" بكسر العين وإسكان
الراء أي إن هذا الدم الذي يجري
منك من عرق فمه في أدنى الرحم
ويسمى العاذل بكسر الذال
المعجمة. والحديث فيه دلالة على
أنه يعتبر التمييز بصفة الدم فإذا
كان متصفًا بصفة السواد فهو حيض
وإلا فهو استحاضة. وقد قال بذلك
الشافعي والناصر في حق المبتدأة
وفيه دلالة أيضًا على وجوب الوضوء
على المستحاضة لكل صلاة وسيأتي
الكلام على ذلك إن شاء اللَّه
تعالى.
باب من تحيض ستًا أو سبعًا لفقد العادة والتمييز
1- عن حمنة
بنت جحش قالت: "كنت أُستحاض
حيضة شديدة كثيرة فجئت رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت
أختي زينب بنت جحش قالت: قلت يا
رسول اللَّه إني أُستحاض حيضة
كثيرة شديدة فما ترى فيها قد
منعتني الصلاة والصيام فقال:
أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم
قالت: هو أكثر من ذلك قال:
فاتخذي ثوبًا قالت: هو أكثر من
ذلك قال: فتلجمي قالت: إنما
أثج ثجًا فقال: سآمرك بأمرين
أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر
فإن قويت عليهما فأنت أعلم فقال
لها: إنما هذه ركضة من ركضات
الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة
في علم اللَّه ثم اغتسلي حتى إذا
رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي
أربعًا وعشرين ليلة أو ثلاثًا
وعشرين ليلة وأيامها فصومي فإن
ذلك مجزيك وكذلك فافعلي في كل شهر
كما تحيض النساء وكما يطهرن
لميقات حيضهن وطهرهن وإن قويت على
أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر
فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر
جميعًا ثم تؤخري المغرب وتعجلي
العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين
الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع
الفجر وتصلين فكذلك فافعلي وصلي
وصومي إن قدرت على ذلك. وقال
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم: وهذا أعجب الأمرين
إلي".رواه
أبو داود وأحمد والترمذي
وصححاه.
ج / 1 ص -272-
الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه والدارقطني والحاكم ونقل الترمذي عن
البخاري تحسينه وفي إسناده ابن
عقيل قال البيهقي: تفرد به وهو
مختلف في الاحتجاج به.وقال ابن
منده: لا يصح بوجه من الوجوه
لأنهم أجمعوا على ترك حديث ابن
عقيل وتعقبه ابن دقيق العيد
واستنكر منه هذا الإطلاق لأن ابن
عقيل لم يقع الإجماع على ترك
حديثه فقد كان أحمد وإسحاق
والحميدي يحتجون به وقد حمل على
أن مراد ابن منده بالإجماع إجماع
من خرج الصحيح وهو كذلك.
قال ابن أبي
حاتم: سألت أبي عنه فوهنه ولم
يقو إسناده. وقال الترمذي في
كتاب العلل: إنه سأل البخاري عن
هذا الحديث فقال: هو حديث حسن
إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة
هو قديم لا أدري سمع منه ابن عقيل
أم لا.
وهذه علة
للحديث أخرى ويجاب على البخاري
بأن إبراهيم بن محمد بن طلحة مات
سنة عشر ومائة فيما قاله أبو عبيد
القاسم بن سلام وعلي بن المديني
وخليفة بن خياط وهو تابعي سمع عبد
اللَّه بن عمرو بن العاص وأبا
هريرة وعائشة وابن عقيل سمع عبد
اللَّه بن عمر وجابر بن عبد
اللَّه وأنس بن مالك والربيع بنت
معوذ فكيف ينكر سماعه من إبراهيم
بن محمد بن طلحة لقدمه وأين ابن
طلحة من هؤلاء في القدم وهم نظراء
شيوخه في الصحبة وقريب منهم في
الطبقة فينظر في صحة هذا عن
البخاري.وقال الخطابي: قد ترك
العلماء القول بهذا الحديث وأما
ابن حزم فإنه رد هذا الحديث
بأنواع من الرد ولم يعلله بابن
عقيل بل عللّه بالانقطاع بين ابن
جريج وابن عقيل وزعم أن ابن جريج
لم يسمعه من ابن عقيل وبينهما
النعمان بن راشد قال وهو ضعيف.
ورواه أيضًا عن ابن عقيل شريك
وزهير بن محمد وكلاهما ضعيف.
وقال أيضًا: عمر بن طلحة الذي
رواه إبراهيم بن محمد بن طلحة عنه
غير مخلوق لا يعرف لطلحة ابن اسمه
عمر. وقد رد ابن سيد الناس ما
قاله قال: أما الانقطاع بين ابن
جريج وابن عقيل فقد روي من طريق
زهير بن محمد عن ابن عقيل وأما
تضعيفه لزهير هذا فقد أخرج له
الشيخان محتجين به في صحيحيهما.
وقال أحمد: مستقيم الحديث وقال
أبو حاتم: محله الصدق وفي حفظه
شيء وحديثه بالشام أنكر من حديثه
بالعراق وقال البخاري في تاريخه
الصغير: ما روي عنه أهل الشام
فإنه مناكير وما روي عنه أهل
البصرة فإنه صحيح. وقال عثمان
الدارمي: ثقة صدوق وله أغاليط
وقال يحيى: ثقة وقال ابن عدي:
وأهل الشام حيث رووا عنه أخطئوا
عليه وأما حديثه ههنا فمن رواية
أبي عامر العقدي عنه وهو بصري
فهذا من حديث أهل العراق وأما عمر
بن طلحة الذي ذكره فلم يسق الحديث
من طريقه بل من طريق عمران بن
طلحة وقد نبه الترمذي على أنه لم
يقل في هذا الإسناد أحد من الرواة
إلا ابن جريج وأن غيره يقول عمران
وهو الصواب. وأما شريك الذي
ضعفه أيضًا فرواه ابن ماجه عن ابن
عقيل من طريقه وشريك مخرج له في
الصحيح. ومن جملة علل الحديث ما
نقله أبو داود عن أحمد أنه قال:
إن في الباب حديثين وثالثًا في
النفس منه شيء ثم فسر أبو داود
الثالث بأنه حديث حمنة ويجاب عن
ذلك بأن الترمذي قد نقل عن أحمد
تصحيحه نصًا وهو أولى مما ذكره
أبو داود لأنه لم ينقل التعيين عن
أحمد وإنما هو شيء وقع له ففسر به
كلام أحمد وعلى فرض أنه من كلام
أحمد فيمكن
ج / 1 ص -273-
أن يكون قد كان في نفسه من الحديث شيء ثم ظهرت له صحته. قوله:
"أنعت لك الكرسف" أي أصف لك
القطن. قوله: "فتلجمي"
قال في الصحاح والقاموس اللجام ما
تشد به الحائض قال الخليل:
معناه افعلي فعلًا يمنع سيلان
الدم واسترساله كما يمنع اللجام
استرسال الدابة.وأما الاستثفار
فهو أن تشد فرجها بخرقة عريضة
توثق طرفيها في حقب تشده في وسطها
بعد أن تحتشي كرسفًا فيمنع ذلك
الدم.وقوله:ا "إنما أثج
ثجًا" الثج السيلان وقد استعمل
في الحلب في الإناء يقال حلب فيه
ثجًا واستعمل مجازًا في الكلام
يقال للمتكلم مثجاج بكسر
الميم.قوله: "ركضة من ركضات
الشيطان" أصل الركض الضرب
بالرجل والإصابة بها وكأنه أراد
الإضرار بالمرأة والأذى بمعنى أن
الشيطان وجد بذلك سبيلًا إلى
التلبيس عليها في أمر دينها
وطهرها وصلاتها حتى أنساها بذلك
عادتها فصار في التقدير كأنه ركض
بآلة. قوله: "فتحيضي"
بفتح التاء الفوقية والحاء
المهملة والياء المشددة أي اجعلي
نفسك حائضًا. والحديث استدل به
من قال إنها ترجع المستحاضة إلى
الغالب من عادة النساء ولكنه كما
عرفت مداره على ابن عقيل وليس
بحجة ولو كان حجة لأمكن الجمع
بينه وبين الأحاديث القاضية
بالرجوع إلى عادة نفسها والقاضية
بالرجوع إلى التمييز بصفات الدم
وذلك بأن يحمل هذا الحديث على عدم
معرفتها لعادتها وعدم إمكان
التمييز بصفات الدم. واستدل به
أيضًا من قال إنها تجمع بين
الصلاتين بغسل واحد وإليه ذهب ابن
عباس وعطاء والنخعي روى ذلك عنهم
ابن سيد الناس في شرح الترمذي.
قال ابن العربي: والحديث في ذلك
صحيح فينبغي أن يكون مستحبًا
انتهى.وعلى فرض صحة الحديث فهذا
جمع حسن لأنه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم علق الغسل بقوتها فيكون
ذلك قرينة دالة على عدم الوجوب.
وكذا قوله: في الحديث أيهما
فعلت أجزأ عنك. قال المصنف رحمه
اللَّه: فيه أن الغسل ككل صلاة
لا يجب بل يجزئها الغسل لحيضها
الذي تجلسه وأن الجمع للمرض جائز
وأن جمع الفريضتين لها بطهارة
واحدة جائز وأن تعيين العدد من
الستة والسبعة باجتهادها لا
بتشهيها لقوله: صلى اللَّه عليه
وآله وسلم
"حتى إذا رأيت أن قد طهرت واستنقيت" انتهى.
باب الصفرة والكدرة بعد العادة
1- عن أم عطية قالت: "كنا لا نعد الصفرة
والكدرة بعد الطهر
شيئًا".رواه أبو داود
والبخاري ولم يذكر بعد الطهر.
الحديث
أخرجه أيضًا الحاكم وأخرجه
الإسماعيلي في مستخرجه بلفظ:
"كنا لا نعد الكدرة والصفرة
شيئًا" يعني في الحيض وللدارمي
بعد الغسل. قال الحافظ: ووقع
في النهاية والوسيط زيادة في هذا
وراء العادة وهي زيادة باطلة وأما
ما روي من حديث عائشة بلفظ:
"كنا لا نعد الصفرة والكدرة
حيضًا" فقال النووي في شرح
المهذب: لا أعلم من رواه بهذا
اللفظ.والحديث يدل على أن
الصفرة والكدرة بعد الطهر ليستا
من الحيض وأما في وقت الحيض فهما
حيض وقد نسب
ج / 1 ص -274-
القول بذلك في البحر إلى زيد بن علي والهادي والمؤيد باللَّه وأبي
طالب وأبي حنيفة ومحمد ومالك
والليث والعنبري.وفي رواية عن
القاسم وعن الناصر وعن الشافعي
قال في البحر مستدلًا لهم: إذ
هو أذى ولقوله: تعالى {حَتَّى يَطْهُرْنَ }
ولقوله: صلى اللَّه عليه وآله
وسلم لحمنة
"إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت
فصلي"
وفي رواية عن القاسم ليس حيضًا
إذا توسطه الأسود لحديث:
"إذا رأيت الدم الأسود فأمسكي عن الصلاة حتى إذا كان الصفرة فتوضئي
وصلي"
ولحديث الباب. وعورضا بقوله:
صلى اللَّه عليه وآله وسلم لعائشة
"لا تصلي حتى تري القصة البيضاء" وقوله:ا "كنا
نعد الكدرة والصفرة في أيام الحيض
حيضًا" ولكونهما أذى خرج من الرحم فأشبه الدم. وفي رواية عن الناصر
والشافعي وهو مروي عن أبي يوسف
أنهما حيض بعد الدم لأنهما من
آثاره لا قبله ورد بأن الفرق تحكم
وفي رواية عن الشافعي إن رأتهما
في العادة فحيض وإلا فلا هذا حاصل
ما في البحر.وحديث الباب إن كان
له حكم الرفع كما قال البخاري
وغيره من أئمة الحديث أن المراد
كنا في زمانه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم مع علمه فيكون تقريرًا
منه ويدل بمنطوقه أنه لا حكم
للكدرة والصفرة بعد الطهر
وبمفهومه أنهما وقت الحيض حيض كما
ذهب إليه الجمهور.
2- وعن
عائشة رضي اللَّه عنها: "أن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال في المرأة التي ترى ما
يريبها بعد الطهر
إنما هو عرق أو قال عروق".رواه
أحمد وأبو داود وابن ماجه.
الحديث
إسناده في سنن ابن ماجه هكذا
حدثنا محمد بن يحيى عن عبيد
اللَّه بن موسى عن شيبان عن يحيى
ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أم
بكر عن عائشة وأم بكر لا يعرف
حالها وبقية الإسناد ثقات.
والحديث حسنه المنذري وهو من
الأدلة الدالة على عدم الاعتبار
بما ترى المرأة بعد الطهر وقد
تقدم الخلاف فيه.قوله:
"يريبها" بفتح الياء أي شك
فيه هل هو حيض أم لا يقال رابني
الشيء يريبني إذا شككت فيه.
باب وضوء المستحاضة لكل صلاة
1- عن عدي
بن ثابت عن أبيه عن جده: "عن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
قال في المستحاضة:
تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل
وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي".رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسن.
الحديث لم
يحسنه الترمذي كما ذكره المصنف بل
سكت عنه.قال ابن سيد الناس في
شرحه: وسكت الترمذي عن هذا
الحديث فلم يحكم بشيء وليس من باب
الصحيح ولا ينبغي أن يكون من باب
الحسن لضعف راويه عن عدي بن ثابت
وهو أبو اليقظان واسمه عثمان بن
عمير بن قيس الكوفي وهو الذي يقال
له عثمان ابن أبي حميد وعثمان ابن
أبي زرعة وعثمان أبو اليقظان
واعشي ثقيف كله واحد.قال يحيى
بن معين: ليس حديثه بشيء وقال
أبو حاتم: ترك ابن مهدي حديثه
وقال أبو حاتم
ج / 1 ص -275-
حاتم أيضًا: إنه ضعيف الحديث منكر الحديث كان شعبة لا
يرضاه.وقال أبو أحمد الحاكم:
ليس بالقوي عندهم ولم يرضه يحيى
بن سعيد وقال النسائي: ليس
بالقوي وقال الدارقطني: ضعيف
وقال ابن حبان: اختلط حتى لا
يدري ما يقول لا يجوز الاحتجاج
به.قال الترمذي: سألت محمدًا
يعني البخاري عن هذا الحديث
فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن
جده جد عدي بن ثابت ما اسمه فلم
يعرف محمدًا اسمه وذكرت لمحمد قول
يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم
يعبأ به وقال الدمياطي في عدي
المذكور: هو عدي بن أبان بن
ثابت بن قيس بن الحطيم الأنصاري
ووهم من قال اسم جده دينار وعدي
هذا من الثقات المخرج لهم في
الصحيح وثقه أحمد بن حنبل. وقال
أبو حاتم: صدوق.وقال أبو داود
في سننه: حديث عدي بن ثابت
والأعمش عن حبيب وأيوب وأبي
العلاء كلها لا يصح منها شيء وذكر
في آخر الباب الإشارة إلى صحة
حديث قمير عن عائشة ومداره على
أيوب بن مسكين وفيه خلاف وقد
اضطرب أيضًا فرواه عن ابن شبرمة
عنها مرفوعًا وعن حجاج عنها
موقوفًا. وكذلك رواه الثوري عن
فراس عن الشعبي عن قمير موقوفًا
ذكره المزي في الأطراف.والحديث
يدل على أن المستحاضة تغتسل لكل
صلاة وقد تقدم الكلام على
ذلك.ويدل أيضًا أنها تتوضأ عند
كل صلاة وقد ذهب إلى ذلك الشافعي
وحكي عن عروة بن الزبير وسفيان
الثوري وأحمد وأبي ثور واستدلوا
بحديث الباب وبالحديث الذي سيأتي
بعده وبما ثبت في رواية للبخاري
بلفظ: "وتوضأ لكل صلاة"
وغير ذلك.وذهبت العترة وأبو
حنيفة إلى أن طهارتها مقدرة
بالوقت فلها أن تجمع بين فريضتين
وما شاءت من النوافل بوضوء
واحد.واستدل لهم في البحر بحديث
فاطمة بنت أبي حبيش وفيه: "أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
قال لها:
وتوضئي لوقت كل صلاة".وستعرف
قريبًا أن الرواية لكل صلاة لا
لوقت كل صلاة كما زعمه ـ فإن قيل
ـ إن الكلام على حذف مضاف والمراد
لوقت كل صلاة فيجاب بما قاله في
الفتح من أنه مجاز يحتاج إلى دليل
فالحق أنه يجب عليها الوضوء لكل
صلاة لكن لا بهذا الحديث بل بحديث
فاطمة الآتي وبما في حديث أسماء
بلفظ:
"وتتوضأ فيما بين ذلك"
وقد تقدم وبما ثبت في رواية
البخاري من حديث عائشة وقد تقدم
وسيأتي.
2- وعن
عائشة قالت: "جاءت فاطمة بنت
أبي حبيش إلى النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم فقالت: إني
امرأة أُستحاض فلا أطهر أفأدع
الصلاة فقال لها:
لا اجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم
اغتسلي وتوضئي لكل صلاة ثم صلي
وإن قطر الدم على الحصير".رواه أحمد وابن ماجه.
الحديث
أخرجه أيضًا الترمذي وأبو داود
والنسائي وابن حبان ورواه مسلم في
الصحيح بدون قوله:
"وتوضئي لكل صلاة"
وقال في آخره حرف تركنا ذكره قال
البيهقي: هو قوله:
"وتوضئي" وتركها لأنها زيادة غير محفوظة وقد روى هذه الزيادة من تقدم.
وكذا رواها الدارمي والطحاوي
وأخرجها أيضًا البخاري وقد أعل
الحديث بأن حبيبًا لم يسمع من
عروة بن الزبير وإنما
ج / 1 ص -276-
سمع من عروة المزني فإن كان عروة المذكور في الإسناد عروة بن
الزبير كما صرح بذلك ابن ماجه
وغيره فالإسناد منقطع لأن حبيب
ابن أبي ثابت مدلس وإن كان عروة
هو المزني فهو مجهول.وفي الباب
عن جابر رواه أبو يعلى بإسناد
ضعيف والبيهقي وعن سودة بنت زمعة
رواه الطبراني.والحديث يدل على
وجوب الوضوء لكل صلاة وقد تقدم
الكلام فيه. ويدل على أن الغسل
لا يجب إلا مرة واحدة عند انقضاء
الحيض وكذلك الحديث الذي قبله يدل
على ذلك وقد تقدم البحث فيه في
مواضع.
باب
تحريم وطء الحائض في الفرج وما
يباح منها
1- عن أنس
بن مالك: "أن اليهود كانوا
إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها
ولم يجامعوها في البيوت فسأل
أصحاب النبي النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم فأنزل اللَّه عز
وجل
{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا
النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ }
إلى آخر الآية فقال رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم:
اصنعوا كل شيء إلا النكاح"
وفي لفظ:
"إلا الجماع".رواه الجماعة إلا البخاري.
قوله:
"فسأل" السائل عن ذلك أسيد بن
الحضير وعباد بن بشر. وقيل إن
السائل عن ذلك هو أبو الدحداح
قاله الواقدي والصواب الأول كما
في الصحيح.والحديث يدل على
حكمين: تحريم النكاح وجواز ما
سواه."أما الأول" فبإجماع
المسلمين وبنص القرآن العزيز
والسنة الصريحة ومستحله كافر وغير
المستحل إن كان ناسيًا أو جاهلًا
لوجود الحيض أو جاهلًا لتحريمه أو
مكرهًا فلا إثم عليه ولا كفارة
وإن وطئها عامدًا عالمًا بالحيض
والتحريم مختارًا فقد ارتكب معصية
كبيرة نص على كبرها الشافعي ويجب
عليه التوبة وسيأتي الخلاف في
وجوب الكفارة."وأما الثاني"
أعني جواز ما سواه فهو قسمان
القسم الأول المباشرة فيما فوق
السرة وتحت الركبة بالذكر أو
القبلة أو المعانقة أو اللمس أو
غير ذلك وذلك حلال باتفاق العلماء
وقد نقل الإجماع على الجواز
جماعة.
وقد حكي عن
عبيدة السلماني وغيره أنه لا
يباشر شيئًا منها بشيء منه وهو
كما قال النووي غير معروف ولا
مقبول ولو صح لكان مردود
بالأحاديث الصحيحة وبإجماع
المسلمين قبل المخالف وبعده.
القسم الثاني فيما بين السرة
والركبة في غير القبل والدبر
وفيها ثلاثة وجوه لأصحاب الشافعي
الأشهر منها التحريم. والثاني
عدم التحريم مع الكراهة.
والثالث إن كان المباشر يضبط نفسه
عن الفرج إما شدة ورع أو لضعف
شهوة جاز وإلا لم يجز وقد ذهب إلى
الوجه الأول مالك وأبو حنيفة وهو
قول أكثر العلماء منهم سعيد بن
المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان
بن يسار وقتادة وممن ذهب إلى
الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي
والنخعي والحاكم والثوري
والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن
الحسن وأصبغ وإسحاق بن راهويه
وأبو ثور وابن المنذر
وداود.وحديث الباب يدل على
الجواز لتصريحه بتحليل كل شيء
ج / 1 ص -277-
مما عدا النكاح فالقول بالتحريم سدًا للذريعة لما كان الحوم حول
الحمى مظنة للوقوع فيه لما ثبت في
الصحيحين من حديث النعمان بن بشير
مرفوعًا بلفظ:
"من وقع الحمى يوشك أن يواقعه"
وله ألفاظ عندهما وعند غيرهما
ويشير إلى هذا حديث
"لك ما فوق الإزار"
وحديث عائشة الآتي لما فيه من
الأمر للمباشرة بأن تأتزر.
وقوله:ا في رواية لهما
"وأيكم يملك إربه كما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
يملك إربه".
2- وعن
عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم: "أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
كان إذا أراد من الحائض شيئًا
ألقى على فرجها شيئًا".رواه
أبو داود.
3- وعن
مسروق بن أجدع قال: "سألت
عائشة رضي اللَّه عنها ما للرجل
من امرأته إذا كانت حائضًا
قالت: كل شيء إلا
الفرج".رواه البخاري في
تاريخه.
4- وعن حزام
بن حكيم عن عمه: "أنه سأل
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم:
ما يحل لي من امرأتي وهي حائض
قال: لك ما فوق الإزار".رواه أبو داود قلت عمه هو عبد اللَّه بن سعد.
حديث عكرمة
إسناده في سنن أبي داود هكذا
حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد
ابن سلمة عن أيوب عن عكرمة فذكره
ورجال إسناده ثقات محتج بهم في
الصحيح وقد سكت عنه أبو داود
والمنذري وقد قال ابن الصلاح
والنووي وغيرهما: إنه يجوز
الاحتجاج بما سكت عنه أبو داود
وصرح أبو داود في نفسه أنه لا
يسكت إلا عن الحديث الصالح
للاحتجاج ويشهد له حديث الأمر
بالإتزار وحديث
"لك ما فوق الإزار"
وأما حديث مسروق عن عائشة فهو مثل
حديث أنس بن مالك السابق المتفق
عليه. وأما حديث حزام بن حكيم
فأورده الحافظ في التلخيص ولم
يتكلم عليه وإسناده في سنن أبي
داود فيه صدوقان وبقيته
ثقات.وقد روى أبو داود من حديث
معاذ بن جبل نحوه وقال: ليس
بالقوي وفي إسناده بقية عن سعيد
بن عبد اللَّه الأغطش. ورواه
الطبراني من رواية إسماعيل بن
عياش عن سعيد بن عبد اللَّه
الخزاعي فإن كان هو الأغطش فقد
توبع بقية وبقيت جهالة حال
سعيد. قال الحافظ: لا نعرف
أحدًا وثقه وأيضًا عبد الرحمن بن
عائذ راويه عن معاذ قال أبو
حاتم: روايته عن علي مرسلة وإذا
كان كذلك فعن معاذ أشد
إرسالا.والحديث الأول يدل على
جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحل
دون محل من سائر البدن غير الفرج
لكن مع وضع شيء على الفرج يكون
حائلًا بينه وبين ما يتصل به من
الرجل.والحديث الثاني يدل على
جواز الاستمتاع بما عدا
الفرج.والحديث الثالث يدل على
جواز الاستمتاع بما فوق الإزار من
الحائض وعدم جوازه بما عداه فمن
أجاز التخصيص بمثل هذا المفهوم
خصص به عموم كل شيء المذكور في
حديث أنس وعائشة ومن لم يجوز
التخصيص به فهو
ج / 1 ص -278-
لا يعارض المنطوق الدال على الجواز والخلاف في جوازه وعدمه قد سبق
في أول الباب.
5- وعن
عائشة: "قالت كانت إحدانا إذا
كانت حائضًا فأراد رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن
يباشرها أمرها أن تأتزر بإزار في
فور حيضتها ثم يباشرها".متفق
عليه قال الخطابي: فور الحيض
أوله ومعظمه.
قوله:
"أن يباشرها" المراد
بالمباشرة هنا التقاء البشرتين لا
الجماع.قوله: "أن تأتزر"
في رواية للبخاري "تتزر" قال
في الفتح: والأولى أفصح.
والمراد بالإتزار أن تشد إزارًا
تستر سرتها وما تحتها
والركبة.قوله: "في فور
حيضتها" هو بفتح الفاء وإسكان
الواو. ومعناه كما قال الخطابي
كما ذكره المصنف. وقال
القرطبي: وفور الحيضة معظم صبها
من فوران القدر وغليانها والكلام
على فقه الحديث قد تقدم.
باب كفارة من أتى حائضًا
1- عن ابن عباس: "عن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم
في الذي يأتي امرأته وهي حائض
يتصدق بدينار أو بنصف دينار".رواه
الخمسة وقال أبو داود: هكذا
الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف
دينار. وفي لفظ للترمذي:
"إذا كان دمًا أحمر فدينار وإن
كان دمًا أصفر فنصف دينار".
وفي رواية لأحمد: "أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
جعل في الحائض تصاب دينارًا فإن
أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم
تغتسل فنصف دينار كل ذلك عن النبي
صلى اللَّه عليه وآله
وسلم.الرواية الأولى رواها
أيضًا الدارقطني وابن الجارود وكل
رواتها مخرج لهم في الصحيح إلا
مقسمًا الراوي عن ابن عباس فانفرد
به البخاري لكن ما أخرج له إلا
حديثًا واحدًا.وقد صحح حديث
الباب الحاكم وابن القطان وابن
دقيق العيد. وقال أحمد: ما
أحسن حديث عبد الحميد عن مقسم عن
ابن عباس فقيل: تذهب إليه
فقال: نعم. وقال أبو داود:
وهي الرواية الصحيحة وربما لم
يرفعه شعبة. وقال قاسم بن
أصبغ: رفعه غندر قال الحافظ:
والاضطراب في إسناد هذا الحديث
ومتنه كثير جدًا ويجاب عنه بما
ذكره أبو الحسن بن القطان وهو ممن
قال بصحة الحديث أن الإعلال
بالاضطراب خطأ. والصواب أن ينظر
إلى رواية كل راو بحسبها. ويعلم
ما خرج عنه فيها. فإن صح من
طريق قبل ولا يضره أن يروى من طرق
أخر ضعيفة. فهم إذا قالوا روي
فيه بدينار وروي بنصف دينار.
وروي باعتبار صفات الدم. وروي
دون اعتبارها. وروي باعتبار أول
الحيض وآخره. وروي دون ذلك.
وروي بخمسي دينار. وروي بعتق
نسمة. وهذا عند التدين والتحقيق
لا يضره. ثم أخذ في تصحيح حديث
عبد الحميد. وأكثر أهل العلم
زعموا أن هذا الحديث مرسل أو
موقوف على ابن عباس.
قال
الخطابي: والأصح أنه متصل مرفوع
لكن الذمم بريئة إلا أن تقوم
الحجة بشغلها. ويجاب عن دعوى
الاختلاف في رفعه
ج / 1 ص -279-
ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي رفعوه عن شعبة
وكذلك وهب بن جرير وسعيد بن عامر
والنضر بن شميل وعبد الوهاب بن
عطاء الخفاف.
قال ابن سيد
الناس: من رفعه عن شعبة أجل
وأكثر وأحفظ ممن وقفه. وأما قول
شعبة أسنده إلى الحكم مرة ووقفه
مرة فقد أخبر عن المرفوع والموقوف
أن كلًا عنده ثم لو تساوى رافعوه
مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح
فيه.قال أبو بكر الخطيب:
اختلاف الروايتين في الرفع والوقف
لا يؤثر في الحديث ضعفًا وهو مذهب
أهل الأصول لأن إحدى الروايتين
ليست مكذبة للأخرى والأخذ
بالمرفوع أخذ بالزيادة وهي واجبة
القبول.قال الحافظ: وقد أمعن
ابن القطان القول في تصحيح هذا
الحديث والجواب عن طرق الطعن فيه
بما يراجع منه. وأقر ابن دقيق
العيد تصحيح ابن القطان وقواه في
الإمام وهو الصواب فكم من حديث قد
احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر
مما في هذا كحديث بئر بضاعة وحديث
القلتين ونحوهما.وفي ذلك ما يرد
على النووي في دعواه في شرح
المهذب والتنقيح والخلاصة أن
الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في
تصحيحه وأن الحق أنه ضعيف
باتفاقهم وتبع النووي في بعض ذلك
ابن الصلاح.وأما الرواية
الثانية من حديث الباب فأخرجها مع
الترمذي البيهقي والطبراني
والدارقطني وأبو يعلى والدارمي
بعضهم من طريق سفيان عن خصيف وعلي
بن بذيمة وعبد الكريم ثلاثتهم عن
مقسم وبعضهم من طريق أبي جعفر
الرازي عن عبد الكريم عن مقسم
وخصيف فيه مقال وعبد الكريم مختلف
فيه وقيل مجمع على تركه وعلي بن
بذيمة فيه أيضًا مقال.وأما
الرواية الثالثة من حديث الباب
فقد أخرج نحوها البيهقي من حديث
ابن جريج عن عطاء عن ابن
عباس.والحديث يدل على وجوب
الكفارة على من وطئ امرأته وهي
حائض وإلى ذلك ذهب ابن عباس
والحسن البصري وسعيد بن جبير
وقتادة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في
الرواية الثانية عنه والشافعي في
قوله: القديم واختلف هؤلاء في
الكفارة فقال الحسن وسعيد: عتق
رقبة وقال الباقون: دينار أو
نصف دينار على اختلاف منهم في
الحال الذي يجب فيه الدينار أو
نصف الدينار بحسب اختلاف الروايات
واحتجوا بحديث الباب.وقال عطاء
وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي
ومكحول والزهري وأبو الزناد
وربيعة وحماد ابن أبي سليمان
وأيوب السختياني وسفيان الثوري
والليث بن سعد ومالك وأبو حنيفة
وهو الأصح عن الشافعي وأحمد في
إحدى الروايتين وجماهير من
السلف: إنه لا كفارة عليه بل
الواجب الاستغفار والتوبة وأجابوا
عن الحديث بما سبق من المطاعن.
قالوا: والأصل البراءة فلا
ينتقل عنها إلا بحجة وقد عرفت
انتهاض الرواية الأولى من حديث
الباب فالمصير إليها متحتم وعرفت
بما أسلفناه صلاحيتها للحجية
وسقوط الإعتلالات الواردة
عليها.قال المصنف بعد أن ساق
الحديث: وفيه تنبيه على تحريم
الوطء قبل الغسل انتهى
ج / 1 ص -280-
باب الحائض لا تصوم ولا تصلي وتقضي الصوم دون الصلاة
1- عن أبي
سعيد في حديث له: "أن النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال
للنساء:
أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة
الرجل قلن: بلى قال: فذلكن من
نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل
ولم تصم قلن: بلى قال: فذلكن
من نقصان دينها".مختصر من البخاري.
الحديث
أخرجه مسلم من حديثه وأخرجه أيضًا
مسلم من حديث ابن عمر بلفظ:
"تمكث الليالي ما تصلي وتفطر في
شهر رمضان فهذا نقصان دينها" واتفقا عليه من حديث أبي هريرة وأخرجه الحاكم في المستدرك من
حديث ابن مسعود قوله: "لم تصل
ولم تصم" فيه إشعار بأن منع
الحائض من الصوم والصلاة كان
ثابتًا بحكم الشرع قبل ذلك
المجلس.والحديث يدل على عدم
وجوب الصوم والصلاة على الحائض
حال حيضها وهو إجماع.ويدل على
أن العقل يقبل الزيادة والنقصان
وكذلك الإيمان وليس المراد من ذكر
نقصان عقول النساء لومهن على ذلك
لأنه مما لا مدخل لاختيارهن فيه
بل المراد التحذير من الافتتان
بهن وليس نقص الدين منحصر فيما
يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك
قاله في الفتح ورواه عن النووي
لأنه أمر نسبي فالكامل مثلًا ناقص
عن الأكمل ومن ذلك الحائض لا تأثم
بترك صلاتها زمن الحيض لكنها
ناقصة عن المصلي. وهل تثاب على
هذا الترك لكونها مكلفة به كما
يثاب المريض على النوافل التي كان
يعملها في صحته وشغل بالمرض
عنها.قال النووي: الظاهر أنها
لا تثاب والفرق بينها وبين المريض
أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها
مع أهليته والحائض ليست
كذلك.قال الحافظ: وعندي في
كون هذا الفرق مستلزمًا لكونها لا
تثاب وقفة.
2- وعن
معاذة قالت: "سألت عائشة
فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم
ولا تقضي الصلاة قالت: كان
يصيبنا ذلك مع رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وسلم فنؤمر بقضاء
الصوم ولا نؤمر بقضاء
الصلاة".رواه الجماعة.
نقل ابن
المنذر والنووي وغيرهما إجماع
المسلمين على أنه لا يجب على
الحائض قضاء الصلاة ويجب عليها
قضاء الصيام.وحكى ابن عبد البر
عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا
يوجبون على الحائض قضاء الصلاة
وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به
فأنكرت عليه أم سلمة قال
الحافظ: لكن استقر الإجماع على
عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره
ومستند الإجماع هذا الحديث الصحيح
ولكن الاستدلال بعدم الأمر على
عدم وجوب القضاء قد ينازع فيه
لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام
على وجوب القضاء والأولى
الاستدلال بما عند الإسماعيلي من
وجه آخر بلفظ: "فلم نكن
نقضي" ذكر معناه في الفتح ولا
تتم المنازعة في الاستدلال بعدم
الأمر على عدم وجوب القضاء إلا
بعد تسليم أن القضاء يجب بدليل
الأداء أو وجود دليل يدل على وجوب
قضاء الصلاة دلالة تندرج تحتها
الحائض والكل ممنوع.وقد ذهب
الجمهور كما قاله النووي إلى أنه
لا يجب القضاء على الحائض إلا
بدليل جديد. قال النووي في شرح
مسلم: قال العلماء والفرق
ج / 1 ص -281-
بينهما يعني الصوم والصلاة أن الصلاة كثيرة متكررة فيشق قضاؤها
بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة
مرة واحدة وربما كان الحيض يومًا
أو يومين.واعلم أنه لا حجة
للخوارج إلا ما أسلفنا من أن عدم
الأمر لا يستلزم عدم وجوب القضاء
والاكتفاء بأدلة القضاء فإن
أرادوا بأدلة القضاء حديث:
"من نام عن صلاته أو نسيها" فأين هو من محل النزاع وإن أرادوا غيره فما هو وأيضًا أدلة
القضاء كافية في الصوم فلأي شيء
أمرهن الشارع به دونها والخوارج
لا يستحقون المطاولة والمقاولة لا
سيما في مثل هذه المقالة الخارقة
للإجماع الساقطة عند جميع
المسلمين بلا نزاع لكنه لما رفع
من شأنها بعض المتأخرين لمحبة
الأغراب التي جبل عليها ذكرنا
طرفًا من الكلام في المسألة.وقد
اختلف السلف فيمن طهرت من الحيض
بعد صلاة العصر وبعد صلاة العشاء
هل تصلي الصلاتين أو الأخرى.قال
المصنف رحمه اللَّه: وعن ابن
عباس أنه كان يقول: "إذا طهرت
الحائض بعد العصر صلت الظهر
والعصر وإذا طهرت بعد العشاء صلت
المغرب والعشاء" وعن عبد الرحمن
بن عوف قال: "إذا طهرت الحائض
قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر
والعصر وإذا طهرت قبل الفجر صلت
المغرب والعشاء" رواهما سعيد بن
منصور في سننه والأثرم وقال:
قال أحمد: عامة التابعين يقولون
بهذا القول إلا الحسن وحده
انتهى.
باب سؤر الحائض ومؤاكلتها
- 1عن عائشة
قالت: "كنت أشرب وأنا حائض
فأناوله النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ
فيشرب وأتعرق العرق وأنا حائض
فأناوله النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم فيضع فاه على موضع
فيَّ".رواه الجماعة إلا
البخاري والترمذي.
قوله:
"أتعرق العرق" العرق بعين
مهملة مفتوحة وراء ساكنة بعدها
قاف العظم وتعرقه أكل ما عليه من
اللحم ذكر معنى ذلك في
القاموس.والحديث يدل على أن ريق
الحائض طاهر ولا خلاف فيه فيما
أعلم وعلى طهارة سؤرها من طعام أو
شراب ولا أعلم فيه خلافًا.
2- وعن عبد
اللَّه بن سعد قال: "سألت
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
عن مواكلة الحائض قال:
واكلها".رواه أحمد
والترمذي.
الحديث قال
الترمذي: حديث حسن غريب.
وأخرجه أيضًا أبو داود رواته كلهم
ثقات وإنما غربه الترمذي لأنه
تفرد به العلاء بن الحارث عن حكيم
بن حزام وحكيم بن حزام عن عمه عبد
اللَّه بن سعد.وفي الباب ما
تقدم عن أنس عند مسلم بلفظ:
"اصنعوا كل شيء إلا النكاح"
وهو شاهد لصحة حديث الباب.
وكذلك حديث عائشة السابق. قال
ابن سيد الناس في شرح حديث
الباب: لما اعتضد به ارتقى في
مراتب التحسين إلى مرتبة لم تكن
له لولاه.والحديث يدل على جواز
مواكلة الحائض قال الترمذي: وهو
قول عامة أهل العلم لم يروا
بمواكلة الحائض بأسًا. قال ابن
سيد الناس في شرحه: وهذا مما
أجمع الناس عليه وهكذا نقل
الإجماع محمد بن جرير الطبري.
وأما قوله تعالى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } فالمراد اعتزلوا وطئهن.
ج / 1 ص -282-
باب وطء المستحاضة
1- عن عكرمة
عن حمنة بنت جحش: "أنها كانت
تستحاض وكان زوجها يجامعها".
2- وعنه
أيضًا قال: "كانت أم حبيبة
تستحاض وكان زوجها
يغشاها".رواهما أبو داود
وكانت أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن
عوف كذا في صحيح مسلم. وكانت
حمنة تحت طلحة بن عبيد
اللَّه.أما حديثه الأول فأخرجه
أيضًا البيهقي قال النووي:
وإسناده حسن. وأما حديثه الثاني
ففي إسناده معلى وهو ثقة وكان
أحمد لا يروي عنه لأنه كان ينظر
في الرأي وفي سماع عكرمة بن عمار
من حمنة ومن أم حبيبة نظر قاله
المنذري.وهما يدلان على جواز
مجامعة المستحاضة ولو حال جريان
الدم وهو قول الجمهور وحكاه ابن
المنذر عن ابن عباس وابن المسيب
والحسن البصري وعطاء وسعيد بن
جبير وقتادة وحماد بن سليمان وبكر
بن عبد اللَّه المزني والأوزاعي
والثوري ومالك وإسحاق والشافعي
وأبي ثور واستدلوا بما في
الباب.وقال النخعي والحكم:
إنه لا يأتيها زوجها وكرهه ابن
سيرين وروي عن أحمد المنع
أيضًا.ولعل أهل القول الأول
يقيدون ذلك بأن لا تعلم بالإمارات
أو العادة أن ذلك الدم دم الحيض
وفي احتجاجهم بروايتي عكرمة نظر
لأن غايتهما أنه فعل صحابي ولم
ينقل فيه التقرير من النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم ولا الأذن
له بذلك ولكنه ينبغي التعويل في
الاستدلال على أن التحريم إنما
يثبت بدليل ولم يرد في ذلك شرع
يقتضي المنع منه.وقد استدل
القائلون بعدم الجواز أيضًا بما
رواه الخلال بإسناده إلى عائشة
قالت: "المستحاضة لا يغشاها
زوجها" قالوا: ولأن بها أذى
فيحرم وطؤها كالحائض وقد منع
اللَّه من وطء الحائض معللا
بالأذى والأذى موجود في المستحاضة
فثبت التحريم في حقها. |