نيل
الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة
الإسلامية كتاب العيدين
العيد مشتق من العود فكل
عيد يعود بالسرور وإنما جمع على أعياد بالياء
للفرق بينه وبين أعواد الخشب وقيل غير ذلك.
وقيل أصله عود بكسر العين وسكون الواو فقلبت
الواو ياء لانكسار ما قبلها مثل ميعاد وميقات
وميزان. قال الخليل: وكل يوم مجمع كأنهم
عادوا إليه. وقال ابن الأنباري: يسمى
عيدًا للعود في الفرح والمرح. وقيل سمي
عيدًا لأن كل إنسان يعود فيه إلى قدر منزلته
فهذا يضيف وهذا يضاف. وهذا يَرحم وهذا يُرحم
وقيل سمي عيدًا لشرفه من العيد وهو محل كريم
مشهور في العرب تنسب إليه الإبل العيدية .
باب التجمل
للعيد وكراهة حمل السلاح فيه إلا لحاجة
1 - عن ابن عمر رضي
اللَّه عنهما قال: "وجد عمر حلة من إستبرق
تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال: يا رسول
اللَّه ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد
فقال:
إنما هذه لباس من لا خلاق له".
متفق عليه.
ج / 3 ص -284-
2 - وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي
اللَّه تعالى عنهما: "أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم كان يلبس برد حبرة في كل
عيد".
رواه الشافعي.
3 - وعن سعيد بن جبير
رضي اللَّه عنه قال: "كنت مع ابن عمر حين
أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه فلزقت قدمه
بالركاب فنزلت فنزعتها وذلك بمنى فبلغ الحجاج
فجاء يعوده فقال الحجاج: لو نعلم من
أصابك. فقال ابن عمر: أنت أصبتني.
قال: وكيف. قال: حملت السلاح في يوم لم
يكن يحمل فيه وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن
السلاح يدخل الحرم".
رواه البخاري وقال:
قال الحسن: نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد
إلا أن يخافوا عدوًا.
حديث جعفر بن محمد رواه
الشافعي عن شيخه إبراهيم بن محمد عن جعفر
وإبراهيم بن محمد المذكور لا يحتج بما تفرد به
ولكنه قد تابعه سعيد بن الصلت عن جعفر بن محمد
عن أبيه عن جده عن ابن عباس به كذا أخرجه
الطبراني. قال الحافظ: فظهر أن إبراهيم لم
يتفرد به وأن رواية إبراهيم مرسلة.
وفي الباب عن جابر عند
ابن خزيمة: "أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيدين
وفي الجمعة".
قوله: "من إستبرق"
في رواية للبخاري: "رأى حلة سيراء"
والإستبرق ما غلظ من الديباج والسيراء قد تقدم
الكلام عليه في اللباس.
قوله: "ابتع هذه
فتجمل" في رواية للبخاري: "ابتع هذه
تجمل بها" وفي رواية: "ابتع هذه
وتجمل".
قوله: "للعيد
والوفد" في لفظ للبخاري للجمعة مكان
العيد. قال الحافظ: وكلاهما صحيح وكان ابن
عمر ذكرهما معًا فاقتصر كل راو على أحدهما.
قوله: "إنما هذه
لباس من لا خلاق له" الخلاق النصيب. وفيه
دليل على تحريم لبس الحرير وقد تقدم بسط
الكلام على ذلك في اللباس. ووجه الاستدلال
بهذا الحديث على مشروعية التجمل للعيد تقريره
صلى اللَّه عليه وآله وسلم لعمر على أصل
التجمل للعيد وقصر الإنكار على من لبس مثل تلك
الحلة لكونها كانت حريرًا. وقال الداودي:
ليس في الحديث دلالة على ذلك. وأجاب ابن
بطال بأنه كان معهودًا عندهم أن يلبس المرء
أحسن ثيابه للجمعة وتبعه ابن التين والاستدلال
بالتقرير أولى كما تقدم.
قوله: "برد حبرة"
كعنبة ضرب من برود اليمن كما في القاموس.
قوله: "أخمص قدمه"
الأخمص بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم بعدها
صاد مهملة باطن القدم وما رق من أسفلها.
وقيل هو ما لا تصيبه الأرض عند المشي من
باطنها.
قوله: "بالركاب"
أي وهي في راحلته.
قوله: "فنزعتها"
ذكر الضمير مؤنثًا مع أنه أعاده على السنان
وهو مذكر لأنه أراد الحديدة ويحتمل أنه أراد
القدم.
قوله: "فبلغ
الحجاج" أي ابن يوسف الثقفي وكان إذ ذاك
أميرًا على الحجاز وذلك بعد قتل عبد اللَّه بن
الزبير سنة ثلاث وسبعين.
قوله: "فجاء
يعوده" في رواية للبخاري فجعل يعوده وفي
رواية الإسماعيلي فأتاه.
قوله: "لو نعلم"
لو للتمني ويحتمل أن تكون شرطية والجواب محذوف
لدلالة السياق عليه ويرجح ذلك ما أخرجه ابن
سعد بلفظ:
ج / 3 ص -285-
"لو نعلم من أصابك عاقبناه" وله من وجه
آخر: "لو أعلم الذي أصابك لضربت
عنقه".
قوله: "أنت
أصبتني" نسبة الفعل إلى الحجاج لكونه سببًا
فيه. وحكى الزبير في الأنساب أن عبد الملك
لما كتب إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر شق
عليه وأمر رجلا معه حربة يقال إنها كانت
مسمومة فلصق ذلك الرجل به فأمر الحربة على
قدمه فمرض منها أيامًا ثم مات وذلك في سنة
أربع وسبعين وقد ساق هذه القصة في الفتح ولم
يتعقبها وصدور مثلها غير بعيد من الحجاج فإنه
صاحب الأفاعيل التي تبكي لها عيون الإسلام
وأهله.
قوله: "حملت
السلاح" أي فتبعك أصحابك في حمله.
قوله: "في يوم لم
يكن يحمل فيه" هذا محل الدليل على كراهة حمل
السلاح يوم العيد وهو مبني على أن قول الصحابي
كان يفعل كذا على البناء للمجهول له حكم الرفع
وفيه خلاف معروف في الأصول.
قوله: "قال الحسن
نهوا أن يحملوا السلاح" قال الحافظ: لم
أقف عليه موصولًا إلا أن ابن المنذر قد ذكر
نحوه عن الحسن وفيه تقييد لإطلاق قول ابن عمر
أنه لا يحمل وقد ورد مثله مرفوعًا مقيدًا وغير
مقيد فروى عبد الرزاق بإسناد مرسل قال: نهى
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن
يخرج بالسلاح يوم العيد وروى ابن ماجه بإسناد
ضعيف عن ابن عباس: "أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم نهى أن يلبس السلاح في بلاد
الإسلام في العيدين إلا أن يكون بحضرة
العدو".
وهذا كله في العيدين
فأما الحرم فروى مسلم عن جابر قال: "نهى
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن
يحمل السلاح بمكة" وسيأتي الجمع بينه وبين
أحاديث دخوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم مكة
بالسلاح في باب المحرم يتقلد بالسيف من كتاب
الحج.
باب الخروج إلى
العيد ماشيًا والتكبير فيه وما جاء في خروج
النساء
1 - عن علي عليه السلام رضي اللَّه تعالى عنه
قال: "من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيًا
وأن يأكل شيئًا قبل أن يخرج".
رواه الترمذي وقال:
حديث حسن.
2 - وعن أم عطية رضي
اللَّه عنها قالت: "أمرنا رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم أن نخرجهن في الفطر
والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور فأما
الحيض فيعتزلن الصلاة" وفي لفظ: "المصلى
ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت: يا رسول
اللَّه إحدانا لا يكون لها جلباب قال:
لتلبسها أختها من جلبابها".
رواه الجماعة. وليس
للنسائي فيه أمر الجلباب. ولمسلم وأبي داود
في رواية: "والحيض يكن خلف الناس يكبرن مع
الناس" وللبخاري: "قالت أم عطية كنا
نؤمر أن نخرج الحيض فيكبرن بتكبيرهن".
3 - وعن ابن عمر رضي
اللَّه تعالى عنهما: "أنه كان إذا غدا إلى
المصلى كبر فرفع صوته بالتكبير" وفي
رواية: "كان يغدو إلى المصلى يوم
ج / 3 ص -286-
الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر حتى يأتي المصلى
ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الإمام ترك
التكبير".
رواهما الشافعي.
حديث علي أخرجه أيضًا
ابن ماجه وفي إسناده الحارث الأعور وقد اتفقوا
على أنه كذاب كما قال النووي في الخلاصة.
ودعوى الاتفاق غير صحيحة فقد روى عثمان ابن
سعيد الدارمي عن ابن معين أنه قال فيه:
ثقة. وقال النسائي مرة: ليس به بأس.
ومرة: ليس بالقوي. وروى عباس الدوري عن
ابن معين أنه قال: لا بأس به.
وقال أبو بكر ابن أبي
داود كان أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس
تعلم الفرائض من علي نعم كذبه الشعبي وأبو
إسحاق السبيعي وعلي بن المديني. وقال أبو
زرعة: لا يحتج به. وقال ابن حبان: كان
غاليًا في التشيع واهيًا في الحديث. وقال
الدارقطني: ضعيف. وضرب يحيى بن سعيد وعبد
الرحمن بن مهدي على حديثه. قال في
الميزان: والجمهور على توهين أمره مع
روايتهم لحديثه في الأبواب قال: وحديثه في
السنن الأربع والنسائي مع تعنته في الجراح قد
احتج وقوى أمره قال: وكان من أوعية العلم
.
ـ وفي الباب ـ عن ابن
عمر عند ابن ماجه قال: "كان رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخرج إلى العيد
ماشيًا ويرجع ماشيًا" وفي إسناده عبد الرحمن
بن عبد اللَّه بن عمر العمري كذبه أحمد.
وقال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي: متروك.
وقال البخاري: ليس ممن يروى عنه.
وعن سعد القرظ عند ابن
ماجه أيضًا بنحو حديث ابن عمر وفي إسناده
أيضًا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ
عن أبيه عن جده وقد ضعفه ابن معين وأبوه سعد
بن عمار قال في الميزان: لا يكاد يعرف وجده
عمار بن سعد قال فيه البخاري: لا يتابع على
حديثه وذكره ابن حبان في الثقات. وعن أبي
رافع عند ابن ماجه أيضًا: "أن رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يأتي العيد
ماشيًا" وفي إسناده مندل بن علي ومحمد بن
عبد اللَّه بن أبي رافع. ومندل متكلم فيه
وقد ضعفه أحمد. وقال ابن معين: لا بأس
به. ومحمد قال البخاري: منكر الحديث وقال
ابن معين ليس بشيء. وعن سعد بن أبي وقاص عند
البزار في مسنده: "أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم كان يخرج إلى العيد ماشيًا
ويرجع في طريق غير الطريق الذي خرج منه" وفي
إسناده خالد بن إلياس ليس بالقوي كذا قال
البزار. وقال ابن معين والبخاري: ليس
بشيء. وقال أحمد والنسائي: متروك. وحديث
أم عطية أخرجه من ذكر المصنف.
ـ وفي الباب ـ عن ابن
عباس عند ابن ماجه: "أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم كان يخرج بناته ونساءه في
العيدين" وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو
مختلف فيه. وقد رواه الطبراني من وجه آخر.
وعن جابر عند أحمد
قال: "كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم يخرج في العيدين ويخرج أهله" وفي
إسناده الحجاج المذكور.
وعن ابن عمر عند
الطبراني في الكبير قال: "قال رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم:
ليس للنساء نصيب في الخروج إلا المضطرة ليس
لها خادم إلا في العيدين الأضحى والفطر" وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك.
وعن ابن عمرو بن العاص
عند الطبراني أيضًا: "أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم أمر بإخراج العواتق والحيض"
وفي إسناده يزيد بن شداد وعتبة بن عبد اللَّه
وهما مجهولان قاله أبو حاتم الرازي.
وعن عائشة عند ابن أبي
شيبة في المصنف وأحمد في المسند أنها
ج / 3 ص -287-
قالت: "قد كانت الكعاب تخرج لرسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من خدرها في
الفطر والأضحى" قال العراقي: ورجاله رجال
الصحيح ولكنه من رواية أبي قلابة عن عائشة.
وقد قال ابن أبو حاتم: إنها مرسلة. وفيه
أن أبا قلابة أدرك علي بن أبي طالب عليه
السلام. وقد قال أبو حاتم: إن أبا قلابة
لا يعرف له تدليس.
ولعائشة حديث آخر عند
الطبراني في الأوسط قالت: "سئل رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: هل تخرج
النساء في العيدين قال:
نعم
قيل: فالعواتق قال:
نعم فإن لم يكن لها ثوب تلبسه فلتلبس ثوب صاحبتها" وفي إسناده مطيع بن ميمون قال ابن عدي: له حديثان غير محفوظين.
قال العراقي: وله هذا الحديث فهو ثالث.
وقال فيه علي بن المديني: ذاك شيخ عندنا
ثقة.
وعن عمرة أخت عبد اللَّه
بن رواحة عند أحمد وأبي يعلى والطبراني في
الكبير: "أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم قال:
وجب الخروج على كل ذات نطاق"
زاد أبو يعلى يعني في العيدين وقال فيه:
"سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم" وهو من رواية امرأة من عبد القيس
عنها.
والأثر الذي ذكره المصنف
عن ابن عمر أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي
مرفوعًا وموقوفًا وصحح وقفه.
قوله: "من السنة أن
يخرج ماشيًا" فيه مشروعية الخروج إلى صلاة
العيد والمشي إليها وترك الركوب وقد روى
الترمذي ذلك عن أكثر أهل العلم. وحديث الباب
وإن كان ضعيفًا فما ذكرنا من الأحاديث الواردة
بمعناه تقويه وهذا حسنه الترمذي. وقد استدل
العراقي لاستحباب المشي في صلاة العيد بعموم
حديث أبي هريرة المتفق عليه: "أن النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون" فهذا عام في كل صلاة تشرع فيها الجماعة كالصلوات الخمس والجمعة
والعيدين والكسوف والاستسقاء. قال: وقد
ذهب أكثر العلماء إلى أنه يستحب أن يأتي إلى
صلاة العيد ماشيًا فمن الصحابة عمر بن الخطاب
وعلي ابن أبي طالب. ومن التابعين إبراهيم
النخعي وعمر بن عبد العزيز. ومن الأئمة
سفيان الثوري والشافعي وأحمد وغيرهم. وروي
عن الحسن البصري أنه كان يأتي صلاة العيد
راكبًا ويستحب أيضًا المشي في الرجوع كما في
حديث ابن عمر وسعد القرظ وروى البيهقي في حديث
الحارث عن علي أنه قال: "من السنة أن تأتي
العيد ماشيًا ثم تركب إذا رجعت".
قال العراقي: وهذا
أمثل من حديث ابن عمر وسعد القرظ وهو الذي
ذكره أصحابنا يعني الشافعية.
قوله: "وأن يأكل"
فيه استحباب الأكل قبل الخروج إلى الصلاة وهذا
مختص بعيد الفطر وأما عيد النحر فيؤخر الأكل
حتى يأكل من أضحيته لما سيأتي في الباب الذي
بعد هذا.
قوله: "العواتق"
جمع عاتق وهي المرأة الشابة أول ما تدرك.
وقيل هي التي لم تبن من والديها ولم تزوج بعد
إدراكها وقال ابن دريد: هي التي قاربت
البلوغ.
قوله: "وذوات
الخدور" جمع خدر بكسر الخاء المعجمة وهو
ناحية في البيت يجعل عليها ستر فتكون فيه
الجارية البكر وهي المخدرة أي خدرت في
الخدر.
قوله: "لا يكون لها
جلباب" الجلباب بكسر الجيم وبتكرار الموحدة
وسكون اللام قيل هو الإزار والرداء وقيل
الملحفة. وقيل المقنعة تغطي بها المرأة
رأسها وظهرها. وقيل هو الخمار.
والحديث وما في معناه من
الأحاديث قاضية بمشروعية خروج النساء في
العيدين إلى المصلى من غير فرق بين البكر
والثيب والشابة والعجوز
ج / 3 ص -288-
والحائض وغيرها ما لم تكن معتدة أو كان في
خروجها فتنة أو كان لها عذر.
وقد اختلف العلماء في
ذلك على أقوال:
أحدها:
أن ذلك مستحب وحملوا الأمر فيه على الندب ولم
يفرقوا بين الشابة والعجوز وهذا قول أبي حامد
من الحنابلة والجرجاني من الشافعية وهو ظاهر
إطلاق الشافعي.
القول الثاني:
التفرقة بين الشابة والعجوز قال العراقي:
وهو الذي عليه جمهور الشافعية تبعًا لنص
الشافعي في المختصر.
والقول الثالث:
أنه جائز غير مستحب لهن مطلقًا وهو ظاهر كلام
الإمام أحمد فيما نقله عنه ابن قدامة.
والرابع:
أنه مكروه وقد حكاه الترمذي عن الثوري وابن
المبارك وهو قول مالك وأبي يوسف وحكاه ابن
قدامة عن النخعي ويحيى بن سعيد الأنصاري.
وروى ابن أبي شيبة عن النخعي أنه كره للشابة
أن تخرج إلى العيد.
القول الخامس:
إنه حق على النساء الخروج إلى العيد حكاه
القاضي عياض عن أبي بكر وعلي وابن عمر. وقد
روى ابن أبي شيبة عن أبي بكر وعلي أنهما
قالا: حق على كل ذات نطاق الخروج إلى
العيدين انتهى.
والقول بكراهة الخروج
على الإطلاق رد للأحاديث الصحيحة بالآراء
الفاسدة وتخصيص الشواب يأباه صريح الحديث
المتفق عليه وغيره.
قوله: "يكبرن مع
الناس" وكذلك قوله
"يشهدن الخير ودعوة المسلمين" يرد ما قاله الطحاوي أن خروج النساء إلى العيد كان في صدر الإسلام
لتكثير السواد ثم نسخ. وأيضًا قد روى ابن
عباس خروجهن بعد فتح مكة وقد أفتت به أم عطية
بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بمدة
كما في البخاري.
قوله: "إذا غدا إلى
المصلى كبر" فيه إن صح رفعه دليل على
مشروعية التكبير حال المشي إلى المصلى. وقد
روى أبو بكر النجاد عن الزهري أنه قال:
"كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخرج
يوم الفطر فيكبر من حين يخرج من بيته حتى يأتي
المصلى" وهو عند ابن أبي شيبة عن الزهري
مرسلا بلفظ:
"فإذا قضى الصلاة قطع التكبير"
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة
مرفوعًا:
"زينوا أعيادكم بالتكبير"
وإسناده غريب كما قال الحافظ.
وقد روى البيهقي عن ابن
عمر: "أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
كان يرفع صوته بالتكبير والتهليل حال خروجه
إلى العيد يوم الفطر حتى يأتي المصلى" وقد
أخرجه أيضًا الحاكم. قال البيهقي: وهو
ضعيف. وأخرجه موقوفًا على ابن عمر قال:
وهذا الموقوف صحيح.
قال الناصر: إن تكبير
الفطر واجب لقوله تعالى
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا
هَدَاكُمْ }
والأكثر على أنه سنة وهو من خروج الإمام من
بيته للصلاة إلى ابتداء الخطبة عند الأكثر
وسيأتي الكلام على تكبير التشريق.
باب استحباب
الأكل قبل الخروج في الفطر دون الأضحى
1 - عن أنس رضي اللَّه
عنه قال: "كان النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات
ويأكلهن وترًا".
رواه أحمد والبخاري.
2 - وعن بريدة رضي
اللَّه عنه قال: "كان رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى
يأكل ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع".
رواه
ج / 3 ص -289-
ابن ماجه والترمذي وأحمد وزاد: "فيأكل
من أضحيته".
ولمالك في الموطأ عن
سعيد بن المسيب: "أن الناس كانوا يأمرون
بالأكل قبل الغدو يوم الفطر".
الحديث الأول أخرجه
أيضًا ابن حبان والحاكم. والحديث الثاني
أخرجه أيضًا ابن حبان والدارقطني والحاكم
والبيهقي وصححه ابن القطان.
ـ وفي الباب ـ عن علي
عند الترمذي وابن ماجه وقد تقدم. وعن ابن
عباس عند الطبراني في الكبير والدارقطني
بلفظ: "من السنة أن لا يخرج حتى يطعم
ويخرج صدقة الفطر" وفي إسناده الحجاج ابن
أرطأة وهو مختلف فيه. وفي لفظ: "من
السنة أن يطعم قبل أن يخرج" رواه البزار.
قال العراقي: وإسناده حسن. وفي لفظ:
"أن ابن عباس قال: إن استطعتم أن لا يغدو
أحدكم يوم الفطر حتى يطعم فليفعل" رواه
الطبراني.
وعن أبي سعيد عند أحمد
والبزار وأبي يعلى والطبراني قال: "كان
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يفطر
يوم الفطر قبل الخروج" قال العراقي:
وإسناده جيد. زاد الطبراني من وجه آخر:
"ويأمر الناس بذلك" وعن جابر بن سمرة عند
البزار في مسنده قال: "كان النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم إذا كان يوم الفطر أكل
قبل أن يخرج سبع تمرات وإذا كان يوم الأضحى لم
يطعم شيئًا" وفي إسناده ناصح أبو عبد اللَّه
وهو لين الحديث وقد ضعفه ابن معين والفلاس
والبخاري وأبو داود وابن حبان. وعن سعيد بن
المسيب مرسلا عند مالك في الموطأ باللفظ الذي
ذكره المصنف. وعن صفوان بن سليم مرسلًا عند
الشافعي: "أن الرجل كان يطعم قبل أن يخرج
إلى الجبانة ويأمر به" وعن السائب بن يزيد
عند ابن أبي شيبة قال: "مضت السنة أن نأكل
قبل أن نغدو يوم الفطر" وعن رجل من الصحابة
عند ابن أبي شيبة أنه كان يؤمر بالأكل يوم
الفطر قبل أن نأتي المصلى.
وعن ابن عمر عند العقيلي
وضعفه قال: "كان رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يغدي
أصحابه من صدقة الفطر".
قوله: "كان صلى
اللَّه عليه وآله وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى
يأكل تمرات" لفظ الإسماعيلي وابن حبان
والحاكم: "ما خرج يوم فطر حتى يأكل تمرات
ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أقل من ذلك أو
أكثر وترًا" وهي أصرح في المداومة على
ذلك. قال المهلب: الحكمة في الأكل قبل
الصلاة أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي
العيد فكأنه أراد سد هذه الذريعة وقال غيره:
لما وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب
تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر اللَّه
سبحانه أشار إلى ذلك ابن أبي حمزة. وقال ابن
قدامة: لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم
الفطر اختلافًا كذا في الفتح.
قال الحافظ: وقد روى
ابن أبي شيبة عن ابن مسعود التخيير فيه. وعن
النخعي أيضًا مثله. قال: والحكمة في
استحباب التمر فيه لما في الحلو من تقوية
البصر الذي يضعفه الصوم ولأن الحلو مما يوافق
الإيمان ويعبر به المنام ويرق القلب وهو أسر
من غيره ومن ثم استحب بعض التابعين أن يفطر
على الحلو مطلقًا كالعسل رواه ابن أبي شيبة عن
معاوية بن قرة وابن سيرين وغيرهما.
وقد أخرج الترمذي عن
سلمان: "إذا أفطر
ج / 3 ص -290-
أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فإن لم يجد
فليفطر على ماء فإنه طهور".
قوله: "ويأكلهن وترًا" هذه الزيادة أوردها البخاري
تعليقًا ووصلها أحمد بن حنبل وغيره.
ـ والحكمة ـ في جعلهن
وترًا الإشارة إلى الوحدانية وكذلك كان يفعل
صلى اللَّه عليه وآله وسلم في جميع أموره
تبركًا بذلك كذا في الفتح.
قوله: "ولا يأكل يوم
الأضحى حتى يرجع" في رواية للترمذي:
"ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" ورواه أبو
بكر الأثرم بلفظ: "حتى يضحي" وقد خصص
أحمد بن حنبل استحباب تأخير الأكل في عيد
الأضحى بمن له ذبح.
ـ والحكمة ـ في تأخير
الفطر يوم الأضحى أنه يوم تشرع فيه الأضحية
والأكل منها فشرع له أن يكون فطره على شيء
منها قاله ابن قدامة. قال الزين ابن
المنير: وقع أكله صلى اللَّه عليه وآله وسلم
في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج
صدقتهما الخاصة بهما بإخراج صدقة الفطر قبل
الغدو إلى المصلى وإخراج صدقة الأضحية بعد
ذبحها.
باب مخالفة
الطريق في العيد والتعييد في الجامع للعذر
1 - عن جابر رضي اللَّه عنه قال: "كان النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا كان يوم عيد
خالف الطريق".
رواه البخاري.
2 - وعن أبي هريرة رضي
اللَّه عنه قال: "كان النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم إذا خرج إلى العيد يرجع في غير
الطريق الذي خرج فيه".
رواه أحمد ومسلم
والترمذي.
3 - وعن ابن عمر رضي
اللَّه عنهما: "أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في
طريق آخر".
رواه أبو داود وابن
ماجه.
حديث أبي هريرة أخرجه
أيضًا ابن حبان والحاكم وقد عزاه المصنف إلى
مسلم ولم نجد له موافقًا على ذلك ولا رأينا
الحديث في صحيح مسلم. وقد رجح البخاري في
صحيحه حديث جابر المذكور في الباب على حديث
أبي هريرة وقال: إنه أصح.
وحديث ابن عمر رجال
إسناده عند ابن ماجه ثقات. وكذلك عند أبي
داود رجاله رجال الصحيح وفيه عبد اللَّه بن
عمر العمري وفيه مقال. وقد أخرج له مسلم وقد
رواه أيضًا الحاكم.
ـ وفي الباب ـ عن أبي
رافع عند ابن ماجه وقد تقدم في باب الخروج إلى
العيد ماشيًا. وعن سعد بن أبي وقاص عند
البزار في مسنده وقد تقدم أيضًا هنالك.
وعن بكر بن مبشر عند أبي
داود قال: "كنت أغدو مع أصحاب النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم يوم الفطر ويوم الأضحى
فنسلك بطن بطحان حتى نأتي المصلى فنصلي مع
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم
نرجع من بطن بطحان إلى بيوتنا" قال ابن
السكن: وإسناده صالح.
وعن سعد القرظ وقد تقدم
في باب الخروج إلى العيد ماشيًا أيضًا.
وعن عبد الرحمن بن حاطب
عند الطبراني في الكبير قال: "رأيت النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم يأتي العيد يذهب في
طريق ويرجع في آخر" وفي إسناده خالد بن
إلياس وهو ضعيف.
وعن معاذ بن عبد الرحمن
التيمي عن أبيه عن جده عند الشافعي: "أنه
رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
ج / 3 ص -291-
رجع من المصلى في يوم عيد فسلك على النجارين
من أسفل السوق حتى إذا كان عند مسجد الأعرج
الذي هو موضع البركة التي بالسوق قام فاستقبل
فج أسلم فدعا ثم انصرف" قال الشافعي: فأحب
أن يصنع الإمام مثل هذا وأن يقف في موضع فيدعو
اللَّه مستقبل القبلة. وفي إسناد الحديث
إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وثقه الشافعي
وضعفه الجمهور.
وأحاديث الباب تدل على
استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق
والرجوع في طريق أخرى للإمام والمأموم وبه قال
أكثر أهل العلم كما في الفتح.
ـ وقد اختلف ـ في الحكمة
في مخالفته صلى اللَّه عليه وآله وسلم الطريق
في الذهاب والرجوع يوم العيد على أقوال
كثيرة. قال الحافظ: اجتمع لي منها أكثر من
عشرين قولًا. قال القاضي عبد الوهاب
المالكي: ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب
وأكثرها دعاوى فارغة اهـ قال في الفتح: فمن
ذلك أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان وقيل
سكانهما من الجن والإنس. وقيل ليسوي بينهما
في مزية الفضل بمروره أو في التبرك به أو لتشم
رائحة المسك من الطريق التي يمر بها لأنه كان
معروفًا بذلك. وقيل لأن طريقه إلى المصلى
كانت على اليمين فلو رجع منها لرجع إلى جهة
الشمال فرجع من غيرها وهذا يحتاج إلى دليل.
وقيل لإظهار شعار الإسلام فيهما. وقيل
لإظهار ذكر اللَّه تعالى وقيل ليغيظ المنافقين
واليهود. وقيل ليرهبهم بكثرة من معه ورجحه
ابن بطال. وقيل حذرًا من كيد الطائفتين أو
إحداهما وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم
يكرره. قال ابن التين: وتعقب أنه لا يلزم
من مواظبته على مخالفة الطريق المواظبة على
طريق منها معين لكن في رواية الشافعي من طريق
المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب مرسلا: "أنه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يغدو يوم العيد
إلى المصلى من الطريق الأعظم ويرجع من الطريق
الآخر" وهذا لو ثبت لقوي بحث ابن التين.
وقيل فعل ذلك ليعمهم بالسرور به والتبرك
بمروره ورؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم
في الاستفتاء أو التعليم أو الإقتداء أو
الاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم أو غير
ذلك وقيل ليزور أقاربه الأحياء والأموات.
وقيل ليصل رحمه وقيل للتفاؤل بتغيير الحال إلى
المغفرة والرضا. وقيل كان في ذهابه يتصدق
فإذا رجع لم يبق معه شيء فرجع من طريق آخر
لئلا يرد من سأله وهذا ضعيف جدًا مع احتياجه
إلى الدليل. وقيل فعل ذلك لتخفيف الزحام
وهذا رجحه الشيخ أبو حامد وأيده المحب الطبري
بما رواه البيهقي من حديث ابن عمر فقال فيه
ليسع الناس وتعقب بأنه ضعيف وبأن قوله يسع
الناس يحتمل أن يفسر ببركته وفضله وهو الذي
رجحه ابن التين. وقيل كان طريقه التي يتوجه
منها أبعد من التي يرجع فيها فأراد تكثير
الأجر بتكثير الخطا في الذهاب وأما في الرجوع
فليسرع إلى منزله وهذا اختيار الرافعي وتعقب
بأنه يحتاج إلى دليل وبأن أجر الخطا يكتب في
الرجوع أيضًا كما ثبت في حديث أُبيِّ بن كعب
عند الترمذي وغيره فلو عكس ما قال لكان له
اتجاه ويكون سلوك الطريق القريبة للمبادرة إلى
فعل الطاعة وإدراك الفضيلة أول الوقت. وقيل
إن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له
فريقان منهم وقال ابن أبي حمزة: هو في معنى
قول يعقوب لبنيه {لا
تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ }
وأشار إلى أنه
ج / 3 ص -292-
فعل ذلك حذر إصابة العين. وأشار صاحب
الهدى إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من
الأشياء المحتملة القريبة انتهى كلام الفتح.
4 - وعن أبي هريرة رضي
اللَّه عنه: "أنهم أصابهم مطر في يوم عيد
فصلى بهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
صلاة العيد في المسجد".
رواه أبو داود وابن
ماجه.
الحديث أخرجه أيضًا
الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري وقال في
التلخيص: إسناده ضعيف انتهى وفي إسناده رجل
مجهول وهو عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة
الفروي المدني قال فيه الذهبي في الميزان:
لا يكاد يعرف وقال: هذا حديث منكر وقال ابن
القطان: لا أعلم عيسى هذا مذكورًا في شيء من
كتب الرجال ولا في غير هذا الإسناد.
"الحديث" يدل على أن
ترك الخروج إلى الجبانة وفعل الصلاة في المسجد
عند عروض عذر المطر غير مكروه وقد اختلف هل
الأفضل فعل صلاة العيد في المسجد أو الجبانة
فذهبت العترة ومالك إلى أن الخروج إلى الجبانة
أفضل واستدلوا على ذلك بما ثبت من مواظبته صلى
اللَّه عليه وآله وسلم على الخروج إلى الصحراء
وذهب الشافعي والإمام يحيى وغيرهما إلى أن
المسجد أفضل. قال في الفتح: قال الشافعي
في الأم: بلغنا أن رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم كان يخرج في العيدين إلى
المصلى بالمدينة وهكذا من بعده إلا من عذر مطر
ونحوه وكذا عامة أهل البلدان إلا أهل مكة ثم
أشار الشافعي إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق
أطراف مكة قال: فلو عمر بلد وكان مسجد أهله
يسعهم في الأعياد لم أر أن يخرجوا منه فإن لم
يسعهم كرهت الصلاة فيه ولا إعادة. قال
الحافظ: ومقتضى هذا أن العلة تدور على الضيق
والسعة لا لذات الخروج إلى الصحراء لأن
المطلوب حصول عموم الاجتماع فإذا حصل في
المسجد مع أولويته كان أولى انتهى.
وفيه أن كون العلة الضيق
والسعة مجرد تخمين لا ينتهض للاعتذار عن
التأسي به صلى اللَّه عليه وآله وسلم في
الخروج إلى الجبانة بعد الاعتراف بمواظبته صلى
اللَّه عليه وآله وسلم على ذلك. وأما
الاستدلال على أن ذلك هو العلة بفعل الصلاة في
مسجد مكة فيجاب عنه باحتمال أن يكون ترك
الخروج إلى الجبانة لضيق أطراف مكة لا للسعة
في مسجدها.
باب وقت صلاة
العيد
1 - عن عبد اللَّه بن
بسر صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم: "أنه خرج مع الناس يوم عيد فطر أو
أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال: إنا كنا قد
فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح".
رواه أبو داود وابن
ماجه.
2 - وللشافعي في حديث
مرسل: "أن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم كتب إلى عمرو بن
ج / 3 ص -293-
حزم وهو بنجران
أن عجل الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس".
الحديث الأول سكت عنه
أبو داود والمنذري ورجال إسناده عن أبي داود
ثقات.
والحديث الثاني رواه
الشافعي عن شيخه إبراهيم بن محمد عن أبي
الحويرث وهو كما قال المصنف مرسل وإبراهيم بن
محمد ضعيف عند الجمهور كما تقدم. وقال
البيهقي: لم أر له أصلًا في حديث عمرو بن
حزم.
ـ وفي الباب ـ عن جندب
عند أحمد بن حسن البناء في كتاب الأضاحي
قال: "كان النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين
والأضحى على قيد رمح" أورده الحافظ في
التلخيص ولم يتكلم عليه. قوله: "حين
التسبيح" قال ابن رسلان: يشبه أن يكون
شاهدًا على جواز حذف اسمين مضافين والتقدير
وذلك حين وقت صلاة التسبيح كقوله تعالى
{فَإِنَّهَا
مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }
أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب
وقوله "{فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} أي من أثر حافر فرس الرسول. وقوله "حين التسبيح" يعني ذلك
الحين حين وقت صلاة العيد فدل ذلك على أن صلاة
العيد سبحة ذلك اليوم انتهى.
وحديث عبد اللَّه بن بسر
يدل على مشروعية التعجيل لصلاة العيد وكراهة
تأخيرها تأخيرًا زائدًا على الميعاد.
وحديث عمرو بن حزم يدل
على مشروعية تعجيل الأضحى وتأخير الفطر ولعل
الحكمة في ذلك ما تقدم من استحباب الإمساك في
صلاة الأضحى حتى يفرغ من الصلاة فإنه ربما كان
ترك التعجيل لصلاة الأضحى مما يتأذى به منتظر
الصلاة لذلك وأيضًا فإنه يعود إلى الاشتغال
بالذبح لأضحيته بخلاف عيد الفطر فإنه لا إمساك
ولا ذبيحة.
وأحسن ما ورد من
الأحاديث في تعيين وقت صلاة العيدين حديث جندب
المتقدم. قال في البحر: وهي من بعد انبساط
الشمس إلى الزوال ولا أعرف فيه خلافًا
انتهى.
باب صلاة العيد
قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يقرأ فيها
1 - عن ابن عمر رضي
اللَّه عنهما قال: "كان رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر يصلون
العيدين قبل الخطبة".
رواه الجماعة إلا أبا
داود.
وفي الباب عن جابر عند
البخاري ومسلم وأبي داود قال: "خرج النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم الفطر فصلى قبل
الخطبة".
وعن ابن عباس عند
الجماعة إلا الترمذي قال: "شهدت العيد مع
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأبي بكر
وعمر وعثمان فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة"
وفي لفظ: "أشهد على رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم لصلى قبل الخطبة".
وعن أنس عند البخاري
ومسلم: "أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم صلى يوم النحر ثم خطب".
وعن البراء عند البخاري
ومسلم وأبي داود قال: خطبنا النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم يوم الأضحى بعد
الصلاة".
وعن جندب عند البخاري
ومسلم قال: "صلى النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم يوم النحر ثم خطب ثم ذبح".
وعن أبي سعيد عند
البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه قال:
"خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
يوم أضحى أو فطر
ج / 3 ص -294-
إلى المصلى فصلى ثم انصرف فقام فوعظ
الناس" الحديث.
وعن عبد اللَّه بن
السائب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه
قال: "شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال:
إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن
أحب أن يذهب فليذهب"
قال أبو داود: وهو مرسل. وقال النسائي:
هذا خطأ والصواب مرسل.
وعن عبد اللَّه ابن
الزبير عند أحمد أنه قال: "حين صلى قبل
الخطبة ثم قام يخطب
أيها الناس كل سنة اللَّه وسنة رسوله"
قال العراقي: وإسناده جيد.
وأحاديث الباب تدل على
أن المشروع في صلاة العيد تقديم الصلاة على
الخطبة قال القاضي عياض: هذا هو المتفق عليه
بين علماء الأمصار وأئمة الفتوى ولا خلاف بين
أئمتهم فيه وهو فعل النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم والخلفاء الراشدين من بعده إلا ما
روي أن عمر في شطر خلافته الآخر قدم الخطبة
لأنه رأى من الناس من تفوته الصلاة وليس بصحيح
ثم قال: وقد فعله ابن الزبير في آخر
أيامه.
وقال ابن قدامة: لا
نعلم فيه خلافًا بين المسلمين إلا عن بني أمية
قال: وعن ابن عباس وابن الزبير أنهما فعلاه
ولم يصح عنهما قال: ولا يعتد بخلاف بني أمية
لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم ومخالف
لسنة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
الصحيحة.
وقد أنكر عليهم فعلهم
وعد بدعة ومخالفًا للسنة. وقال العراقي:
إن تقديم الصلاة على الخطبة قول العلماء كافة
وقال: إن ما روي عن عمر وعثمان وابن الزبير
لم يصح عنهم أما رواية ذلك عن عمر فرواها ابن
أبي شيبة أنه لما كان عمر وكثر الناس في زمانه
فكان إذا ذهب ليخطب ذهب أكثر الناس فلما رأى
ذلك بدأ بالخطبة وختم بالصلاة قال: وهذا
الأثر وإن كان رجاله ثقات فهو شاذ مخالف لما
ثبت في الصحيحين عن عمر من رواية ابنه عبد
اللَّه وابن عباس وروايتهما عنه أولى قال:
وأما رواية ذلك عن عثمان فلم أجد لها
إسنادًا.
وقال القاضي أبو بكر ابن
العربي: يقال إن أول من قدمها عثمان وهو كذب
لا يلتفتون إليه انتهى. ويرده ما ثبت في
الصحيحين من رواية ابن عباس عن عثمان كما
تقدم. وقال الحافظ في الفتح: إنه روى ابن
المنذر ذلك عن عثمان بإسناد صحيح إلى الحسن
البصري قال: أول من خطب الناس قبل الصلاة
عثمان. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون عثمان
فعل ذلك أحيانًا وقال بعد أن ساق الرواية
المتقدمة عن عمر وعزاها إلى عبد الرزاق وابن
أبي شيبة وصحح إسنادها: إنه يحمل على أن ذلك
وقع منه نادرًا.
قال العراقي: وأما فعل
ابن الزبير فرواه ابن أبي شيبة في المصنف
وإنما فعل ذلك لأمر وقع بينه وبين ابن عباس
ولعل ابن الزبير كان يرى ذلك جائزًا وقد تقدم
عن ابن الزبير أنه صلى قبل الخطبة وثبت في
صحيح مسلم عن عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن
الزبير أول ما بويع له أنه لم يكن يؤذن للصلاة
يوم الفطر فلا تؤذن لها قال: فلم يؤذن لها
ابن الزبير يومه وأرسل إليه مع ذلك إنما
الخطبة بعد الصلاة وأن ذلك قد كان يفعل قال:
فصلى ابن الزبير قبل الخطبة. قال الترمذي:
ويقال إن أول من خطب قبل الصلاة مروان بن
الحكم انتهى. وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية
طارق بن شهاب عن أبي سعيد قال: أول من بدأ
بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان. وقيل
أول من فعل ذلك معاوية حكاه القاضي عياض
وأخرجه الشافعي عن ابن عباس بلفظ:
ج / 3 ص -295-
"حتى قدم معاوية فقدم الخطبة" ورواه عبد
الرزاق عن الزهري بلفظ: "أول من أحدث
الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية" وقيل
أول من فعل ذلك زياد بالبصرة في خلافة معاوية
حكاه القاضي عياض أيضًا.
وروى ابن المنذر عن ابن
سيرين أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة قال:
ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان لأن
كلًا من مروان وزياد كان عاملًا لمعاوية فيحمل
على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله.
قال العراقي: الصواب
أن أول من فعله مروان بالمدينة في خلافة
معاوية كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي سعيد
الخدري قال: ولم يصح فعله عن أحد من الصحابة
لا عمر ولا عثمان ولا معاوية ولا ابن الزبير
انتهى. وقد عرفت صحة بعض ذلك فالمصير إلى
الجمع أولى. وقد اختلف في صحة صلاة العيدين
مع تقدم الخطبة ففي مختصر المزني عن الشافعي
ما يدل على عدم الاعتداد بها. وكذا قال
النووي في شرح المهذب إن ظاهر نص الشافعي أنه
لا يعتد بها قال وهو الصواب.
2 - وعن جابر بن سمرة
رضي اللَّه عنه قال: "صليت مع النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم العيد غير مرة ولا
مرتين بغير أذان ولا إقامة".
رواه أحمد ومسلم وأبو
داود والترمذي.
3 - وعن ابن عباس وجابر
رضي اللَّه عنهم قالا: "لم يكن يؤذن يوم
الفطر ولا يوم الأضحى".
متفق عليه. ولمسلم عن
عطاء قال أخبرني جابر "أن لا أذان لصلاة يوم
الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا
إقامة ولا نداء ولا شيء لا نداء يومئذٍ ولا
إقامة".
وفي الباب عن سعد بن أبي
وقاص عند البزار في مسنده: "أن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم صلى العيد بغير أذان
ولا إقامة وكان يخطب خطبتين قائمًا يفصل
بينهما بجلسة".
وعن البراء بن عازب عند
الطبراني في الأوسط: "أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم صلى في يوم الأضحى بغير
أذان ولا إقامة".
وعن أبي رافع عند
الطبراني في الكبير: "أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم كان يخرج إلى العيد ماشيًا
بغير أذان ولا إقامة" وفي إسناده مندل وفيه
مقال قد تقدم.
ـ وأحاديث الباب ـ تدل
على عدم شرعية الأذان والإقامة في صلاة
العيدين. قال العراقي: وعليه عمل العلماء
كافة. وقال ابن قدامة في المغني: ولا نعلم
في هذا خلافًا ممن يعتد بخلافه إلا أنه روي عن
ابن الزبير أنه أذن وأقام قال: وقيل إن أول
من أذن في العيدين زياد. انتهى.
وروى ابن أبي شيبة في
المصنف بإسناد صحيح عن ابن المسيب قال: أول
من أحدث الأذان في العيد معاوية وقد زعم ابن
العربي أنه رواه عن معاوية من لا يوثق به.
قوله: "لا إقامة ولا
نداء ولا شيء" فيه أنه لا يقال أمام صلاة
العيد شيء من الكلام لكن روى الشافعي عن
الزهري قال: "كان رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يأمر المؤذن في العيدين فيقول
الصلاة جامعة" قال في
ج / 3 ص -296-
الفتح: وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة
الكسوف لثبوت ذلك فيها انتهى. وأخرج هذا
الحديث البيهقي من طريق الشافعي.
4 - وعن سمرة رضي اللَّه
عنه: "أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
كان يقرأ في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى وهل
أتاك حديث الغاشية".
رواه أحمد.
5 - ولابن ماجه من حديث
ابن عباس وحديث النعمان بن بشير مثله وقد سبق
حديث النعمان لغيره في الجمعة. وعن أبي واقد
الليثي: "وسأله عمر ما كان يقرأ به رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الأضحى
والفطر فقال: كان يقرأ فيهما بق والقرآن
المجيد واقتربت الساعة".
رواه الجماعة إلا
البخاري.
حديث سمرة أخرجه أيضًا
ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في
الكبير. والحديث عند أبي داود والنسائي إلا
أنهما قالا الجمعة بدل العيد.
وحديث ابن عباس الذي
أشار إليه المصنف لفظه كلفظ حديث سمرة وفي
إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف.
ولابن عباس حديث آخر عند البزار في مسنده:
"أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان
يقرأ في العيدين بعم يتساءلون وبالشمس
وضحاها" وفي إسناده أيوب بن سيار قال فيه
ابن معين: ليس بشيء وقال ابن المديني
والجوزجاني: ليس بثقة وقال النسائي:
متروك. ولابن عباس أيضًا حديث ثالث عند أحمد
قال: "صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم العيدين ركعتين لا يقرأ فيهما إلا
بأم الكتاب لم يزد عليها شيئًا" وفي إسناده
شهر بن حوشب وهو مختلف فيه.
وحديث النعمان الذي أشار
إليه المصنف أيضًا في باب ما يقرأ في صلاة
الجمعة وقد تقدم حديث النعمان هذا لسمرة بن
جندب في الجمعة في الباب المذكور بدون ذكر
العيدين. وحديث أبي واقد أخرجه من ذكرهم
المصنف.
ـ وفي الباب ـ عن أنس
عند ابن أبي شيبة في المصنف عن مولى لأنس قد
سماه قال: "انتهيت مع أنس يوم العيد حتى
انتهينا إلى الزاوية فإذا مولى له يقرأ في
العيد بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث
الغاشية فقال أنس: إنهما للسورتان اللتان
قرأ بهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم".
وعن عائشة عند الطبراني
في الكبير والدارقطني: "أن رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى بالناس يوم
الفطر والأضحى فكبر في الركعة الأولى سبعًا
وقرأ
{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ }
وفي الثانية خمسًا وقرأ {اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ }"
وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال مشهور.
وأكثر أحاديث الباب تدل
على استحباب القراءة في العيدين بسبح اسم ربك
الأعلى والغاشية وإلى ذلك ذهب أحمد بن حنبل
وذهب الشافعي إلى استحباب القراءة فيهما بق
واقتربت لحديث أبي واقد واستحب ابن مسعود
القراءة فيهما بأوساط المفصل من
ج / 3 ص -297-
غير تقييد بسورتين معينتين.
وقال أبو حنيفة
والهادوية: ليس فيه شيء مؤقت. وروى ابن
أبي شيبة أن أبا بكر قرأ في يوم عيد بالبقرة
حتى رأيت الشيخ يمتد من طول القيام. وقد جمع
النووي بين الأحاديث فقال: كان في وقت يقرأ
في العيدين بق واقتربت وفي وقت بسبح وهل أتاك
وقد سبقه إلى مثل ذلك الشافعي.
ـ ووجه الحكمة ـ في
القراءة في العيدين بالسور المذكورة أن في
سورة سبح الحث على الصلاة وزكاة الفطر على ما
قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز في
تفسير قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى } فاختصت الفضيلة بها كاختصاص الجمعة بسورتها. وأما الغاشية
فللموالاة بين سبح وبينها كما بين الجمعة
والمنافقين. وأما سورة ق واقتربت فنقل
النووي في شرح مسلم عن العلماء أن ذلك لما
اشتملتا عليه من الأخبار بالبعث والأخبار عن
القرون الماضية وإهلاك المكذبين وتشبيه بروز
الناس في العيد ببرزوهم في البعث وخروجهم من
الأجداث كأنهم جراد منتشر.
وقد استشكل بعضهم سؤال
عمر لأبي واقد الليثي عن قراءة النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم في العيد مع ملازمة عمر
[في الأصل تكرار لقوله "لأبي واقد الليثي
عن قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في
العيد مع ملازمة عمر"، وقد تم حذف التكرار
كما هو في النص أعلاه. نظام سبعة] له في
الأعياد وغيرها. قال النووي: قالوا يحتمل
أن عمر شك في ذلك فاستثبته أو أراد إعلام
الناس بذلك أو نحو ذلك. قال العراقي:
ويحتمل أن عمر كان غائبًا في بعض الأعياد عن
شهوده وأن ذلك الذي شهده أبو واقد كان في عيد
واحد أو أكثر قال ولا عجب أن يخفى على الصاحب
الملازم بعض ما وقع من مصحوبه كما في قصة
الاستئذان ثلاثًا. وقول عمر خفي عليَّ هذا
من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
ألهاني الصفق بالأسواق انتهى.
باب عدد
التكبيرات في صلاة العيد ومحلها
1 - عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده: "أن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعًا
في الأولى وخمسًا في الآخرة ولم يصل قبلها ولا
بعدها".
رواه أحمد وابن ماجه.
وقال أحمد: أنا أذهب إلى هذا. وفي
رواية: قال: "قال النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم:
التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما
كلتيهما"
رواه أبو داود والدارقطني.
2 - وعن عمرو بن عوف
المزني رضي اللَّه عنه: "أن النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم كبر في العيدين في
الأولى سبعًا قبل القراءة وفي الثانية خمسًا
قبل القراءة".
رواه الترمذي وقال: هو
أحسن شيء في هذا الباب عن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم. ورواه ابن ماجه ولم يذكر
القراءة لكنه رواه وفيه القراءة كما سبق من
حديث سعد المؤذن.
حديث عمرو بن شعيب قال
العراقي: إسناده صالح. ونقل الترمذي في
العلل المفردة عن البخاري
ج / 3 ص -298-
أنه قال: إنه حديث صحيح.
وحديث عمرو بن عوف أخرجه
أيضًا الدارقطني وابن عدي والبيهقي وفي إسناده
كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن
جده قال الشافعي وأبو داود: إنه ركن من
أركان الكذب. وقال ابن حبان: له نسخة
موضوعة عن أبيه عن جده وقد تقدم الكلام
عليه. قال الحافظ في التلخيص: وقد أنكر
جماعة تحسينه على الترمذي وأجاب النووي في
الخلاصة عن الترمذي في تحسينه فقال: لعله
اعتضد بشواهد وغيرها انتهى. قال العراقي:
والترمذي إنما تبع في ذلك البخاري فقد قال في
كتاب العلل المفردة: سألت محمد بن إسماعيل
عن هذا الحديث فقال: ليس في هذا الباب شيء
أصح منه وبه أقول انتهى.
وحديث سعد المؤذن وهو
سعد القرظ أخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن
عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن أبيه عن
جده: "أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم كان يكبر في العيدين في الأولى
سبعًا قبل القراءة وفي الآخرة خمسًا قبل
القراءة" قال العراقي: وفي إسناده ضعف.
ـ وفي الباب ـ عن أبي
موسى الأشعري وحذيفة عند أبي داود أن سعيد بن
العاص سألهما كيف كان رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر فقال أبو
موسى: كان يكبر أربعًا تكبيره على الجنازة
فقال حذيفة: صدق قال البيهقي: خولف راويه
في موضعين في رفعه وفي جواب أبي موسى والمشهور
أنهم أسندوه إلى ابن مسعود فأفتاهم بذلك ولم
يسنده إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم.
وعن عبد الرحمن بن عوف
عند البزار في مسنده قال: "كان رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم تخرج له
العنزة في العيدين حتى يصلي إليها فكان يكبر
ثلاث عشرة تكبيرة وكان أبو بكر وعمر يفعلان
ذلك" وفي إسناده الحسن البجلي وهو لين
الحديث. وقد صحح الدارقطني إرسال هذا
الحديث.
وعن ابن عباس عند
الطبراني في الكبير: "أن رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم كان يكبر في العيدين
ثنتي عشرة تكبيرة في الأولى سبعًا وفي الآخرة
خمسًا" وفي إسناده سليمان بن أرقم وهو
ضعيف.
وعن جابر عند البيهقي
قال: "مضت السنة أن يكبر للصلاة في
العيدين سبعًا وخمسًا".
وعن ابن عمر عند البزار
والدارقطني قال: "قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم:
التكبير في العيدين في الركعة الأولى سبع
تكبيرات وفي الآخرة خمس تكبيرات" وفي إسناده فرج بن فضالة وثقه أحمد وقال البخاري ومسلم: منكر
الحديث.
وعن عائشة عند أبي
داود: "أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في
الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس
تكبيرات" وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
وذكر الترمذي في كتاب العلل أن البخاري ضعف
هذا الحديث وزاد ابن وهب في هذا الحديث "سوى
تكبيرتي الركوع" وزاد إسحاق "سوى تكبيرة
الافتتاح" ورواه الدارقطني أيضًا.
ـ وقد اختلف ـ العلماء
في عدد التكبيرات في صلاة العيد في الركعتين
وفي موضع التكبير على عشرة أقوال:
أحدها:
أنه يكبر في الأولى سبعًا قبل القراءة وفي
الثانية خمسًا قبل القراءة. قال العراقي:
وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين
والأئمة قال: وهو مروي عن عمر وعلي وأبي
هريرة وأبي سعيد وجابر وابن عمر وابن عباس
وأبي أيوب وزيد بن ثابت وعائشة وهو قول
الفقهاء السبعة من أهل المدينة وعمر بن عبد
العزيز والزهري ومكحول وبه يقول مالك
والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق قال الشافعي
والأوزاعي
ج / 3 ص -299-
وإسحاق وأبو طالب وأبو العباس: إن السبع
في الأولى بعد تكبيرة الإحرام.
القول الثاني:
أن تكبيرة الإحرام معدودة من السبع في الأولى
وهو قول مالك وأحمد والمزني وهو قول
المنتخب.
القول الثالث:
إن التكبير في الأولى سبع وفي الثانية سبع روي
ذلك عن أنس بن مالك والمغيرة بن شعبة وابن
عباس وسعيد بن المسيب والنخعي.
القول الرابع:
في الأولى ثلاث بعد تكبيرة الإحرام قبل
القراءة وفي الثانية ثلاث بعد القراءة وهو
مروي عن جماعة من الصحابة ابن مسعود وأبي موسى
وأبي مسعود الأنصاري وهو قول الثوري وأبي
حنيفة.
والقول الخامس:
يكبر في الأولى ستًا بعد تكبيرة الإحرام وقبل
القراءة وفي الثانية خمسًا بعد القراءة وهو
إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل ورواه صاحب
البحر عن مالك.
القول السادس:
يكبر في الأولى أربعًا غير تكبيرة الإحرام وفي
الثانية أربعًا وهو قول محمد بن سيرين وروى عن
الحسن ومسروق والأسود والشعبي وأبي قلابة
وحكاه صاحب البحر عن ابن مسعود وحذيفة وسعيد
بن العاص.
القول السابع:
كالقول الأول إلا أنه يقرأ في الأولى بعد
التكبير ويكبر في الثانية بعد القراءة حكاه في
البحر عن القاسم والناصر.
القول الثامن:
التفرقة بين عيد الفطر والأضحى يكبر في الفطر
إحدى عشرة ستًا في الأولى وخمسًا في الثانية
وفي الأضحى ثلاثًا في الأولى وثنتين في
الثانية وهو مروي عن علي بن أبي طالب كما في
مصنف ابن أبي شيبة ولكنه من رواية الحارث
الأعور عنه.
القول التاسع:
التفرقة بينهما على وجه آخر وهو أن يكبر في
الفطر إحدى عشرة تكبيرة وفي الأضحى تسعًا وهو
مروي عن يحيى بن يعمر.
القول العاشر:
كالقول الأول إلا أن محل التكبير يعد القراءة
وإليه ذهب الهادي والمؤيد باللَّه وأبو
طالب.
ـ احتج أهل القول الأول
ـ بما في الباب من الأحاديث المصرحة بعدد
التكبير وكونه قبل القراءة. قال ابن عبد
البر: وروي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم من طريق حسان أنه كبر في العيدين سبعًا
في الأولى وخمسًا في الثانية من حديث عبد
اللَّه بن عمرو وابن عمرو وجابر وعائشة وأبي
واقد وعمرو بن عوف المزني ولم يرو عنه من وجه
قوي ولا ضعيف خلاف هذا وهو أولى ما عمل به
انتهى.
وقد تقدم في حديث عائشة
عند الدارقطني سوى تكبيرة الافتتاح وعند أبي
داود سوى تكبيرتي الركوع وهو دليل لمن قال إن
السبع لا تعد فيها تكبيرة الافتتاح والركوع
والخمس لا تعد فيها تكبيرة الركوع.
ـ واحتج أهل القول
الثاني ـ بإطلاق الأحاديث المذكورة في الباب
وأجابوا عن حديث عائشة بأنه ضعيف كما تقدم.
وأما أهل القول الثالث
فلم أقف لهم على حجة. قال العراقي: لعلهم
أرادوا بتكبيرة القيام من الركعة الأولى
وتكبيرة الركوع في الثانية وفيه بعد انتهى.
ـ واحتج أهل القول
الرابع ـ بحديث أبي موسى وحذيفة المتقدم وفتيا
ابن عباس السابقة قالوا لأن الأربع المذكورة
في الحديث جعلت تكبيرة الإحرام منها وهذا
التأويل لا يجري في الثانية وقد تقدم ما في
حديث أبي موسى وصرح الخطابي بأنه ضعيف ولم
يبين وجه الضعف وضعفه البيهقي في المعرفة بعبد
الرحمن بن ثابت بن ثوبان وقد ضعف ثابتًا يحيى
بن معين وضعفه غير واحد بأن راويه عن أبي موسى
هو أبو عائشة ولا يعرف ولا نعرف اسمه. ورواه
ج / 3 ص -300-
البيهقي من رواية مكحول عن رسول أبي موسى
وحذيفة عنهما. قال البيهقي: هذا الرسول
مجهول.
ولم يحتج أهل القول
الخامس بما يصلح للاحتجاج.
ـ واحتج أهل القول
السادس ـ بحديث أبي موسى وحذيفة المتقدم وقد
تقدم ما فيه.
ـ واحتج أهل القول
السابع ـ بما روي عن ابن مسعود: "أن النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم والى بين القراءتين
في صلاة العيد" ذكر هذا الحديث في الانتصار
ولم أجده في شيء من كتب الحديث.
ـ واحتج أهل القول
الثامن ـ على التفرقة بين عيد الفطر والأضحى
بما تقدم من رواية ذلك عن علي وهو مع كونه غير
مرفوع في إسناده الحارث الأعور وهو ممن لا
يحتج به.
وأما القول التاسع فلم
يأت القائل به بحجة.
ـ واحتج أهل القول
العاشر ـ بما ذكره في البحر من أن ذلك ثابت في
رواية لابن عمر وثابت من فعل علي عليه السلام
ولا أدري ما هذه الرواية التي عن ابن عمر وقد
ذكر في الانتصار الدليل على هذا القول فقال:
والحجة على هذا ما روى عبد اللَّه بن عمرو بن
العاص أن الرسول صلى اللَّه عليه وآله وسلم
كبر سبعًا في الأولى وخمسًا في الثانية
القراءة قبلهما كلاهما وهو عكس الرواية التي
ذكرها المصنف عنه وذكرها غيره فينظر هل وافق
صاحب الانتصار على ذلك أحد من أهل هذا الشأن
فإني لم أقف على شيء من ذلك مع أن الثابت في
أصل الانتصار لفظ بعدهما مكان قبلهما ولكنه
وقع التضبيب على الأصل في حاشية بلفظ قبلهما
فلا مخالفة حينئذ.
ـ وأرجح هذه الأقوال ـ
أولها في عدد التكبير وفي محل القراءة. وقد
وقع الخلاف هل المشروع الموالاة بين تكبيرات
صلاة العيد أو الفصل بينها بشيء من التحميد
والتسبيح ونحو ذلك فذهب مالك وأبو حنيفة
والأوزاعي إلى أنه يوالي بينها كالتسبيح في
الركوع والسجود قالوا: لأنه لو كان بينها
ذكر مشروع لنقل كما نقل التكبير.
وقال الشافعي: إنه يقف
بين كل تكبيرتين يهلل ويمجد ويكبر واختلف
أصحابه فيما يقوله بين التكبيرتين فقال
الأكثرون: يقول سبحان اللَّه والحمد للَّه
ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر وقال
بعضهم: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقيل
غير ذلك.
وقال الهادي وبعض أصحاب
الشافعي: إنه يفصل بينها يقول اللَّه أكبر
كبيرًا والحمد للّه كثيرًا وسبحان اللَّه بكرة
وأصيلا.
وقال الناصر والمؤيد
باللَّه والإمام يحيى: إنه يقول لا إله إلا
اللَّه إلى آخر الدعاء الطويل الذي رواه
الأمير الحسين قال في الشفاء عن علي عليه
السلام وروى في البحر عن مالك أنه يفصل
بالسكوت.
وقد اختلف في حكم تكبير
العيدين فقالت الهادوية إنه فرض وذهب من عداهم
إلى أنه سنة لا تبطل الصلاة بتركه عمدًا ولا
سهوًا. قال ابن قدامة: ولا أعلم فيه
خلافًا قالوا وإن تركه لا يسجد للسهو. وروي
عن أبي حنيفة ومالك أنه يسجد للسهو والظاهر
عدم وجوب التكبير كما ذهب إليه الجمهور لعدم
وجدان دليل يدل عليه.
ج / 3 ص -301-
باب لا صلاة قبل العيد ولا بعدها
1 - عن ابن عباس رضي
اللَّه عنهما قال: "خرج النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل
قبلهما ولا بعدهما".
رواه الجماعة وزادوا إلا
الترمذي وابن ماجه: "ثم أتى النساء وبلال
معهن فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تصدق بخرصها
وسخابها".
2 - وعن ابن عمر رضي
اللَّه عنه: "أنه خرج يوم عيد فلم يصل
قبلها ولا بعدها وذكر أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم فعله".
رواه أحمد والترمذي
وصححه. وللبخاري عن ابن عباس أنه كره الصلاة
قبل العيد.
3 - وعن أبي سعيد رضي
اللَّه عنه: "عن النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم أنه كان لا يصلي قبل العيد شيئًا
فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين".
رواه ابن ماجه وأحمد
بمعناه.
حديث ابن عمر أخرجه
أيضًا الحاكم وهو صحيح كما قال الترمذي وله
طريق أخرى عند الطبراني في الأوسط وفيها جابر
الجعفي وهو متروك. وحديث أبي سعيد أخرجه
أيضًا الحاكم وصححه وحسنه الحافظ في الفتح وفي
إسناده عبد اللَّه بن محمد بن عقيل وفيه
مقال.
ـ وفي الباب ـ عن عبد
اللَّه بن عمرو بن العاص عند ابن ماجه بنحو
حديث ابن عباس. وعن علي عند البزار من طريق
الوليد بن سريع مولى عمرو بن حريث قال:
"خرجنا مع أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب
في يوم عيد فسأله قوم من أصحابه عن الصلاة قبل
صلاة العيد وبعدها فلم يرد عليهم شيئًا ثم جاء
قوم فسألوه فما رد عليهم شيئًا فلما انتهينا
إلى الصلاة فصلى بالناس فكبر سبعًا وخمسًا ثم
خطب الناس ثم نزل فركب فقالوا: يا أمير
المؤمنين هؤلاء قوم يصلون قال: فما عسيت أن
أصنع سألتموني عن السنة أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها فمن
شاء فعل ومن شاء ترك أتروني أمنع قومًا يصلون
فأكون بمنزلة من منع عبدًا إذا صلى".
قال العراقي: وفي
إسناده إبراهيم بن محمد بن النعمان الجعفي لم
أقف على حاله وباقي رجاله ثقات.
وعن ابن مسعود عند
الطبراني في الكبير قال: "ليس من السنة
الصلاة قبل خروج الإمام يوم العيد" ورجاله
ثقات.
وعن كعب بن عجرة عند
الطبراني في الكبير أيضًا من طريق عبد الملك
بن كعب بن عجرة قال: "خرجت مع كعب بن عجرة
يوم العيد إلى المصلى فجلس قبل أن يأتي الإمام
ولم يصل حتى انصرف الإمام والناس ذاهبون كأنهم
عنق نحو المسجد فقلت: ألا ترى فقال: هذه
بدعة وترك للسنة" وفي رواية له: "أن
كثيرًا مما يرى جفاء وقلة علم أن هاتين
الركعتين سبحة هذا اليوم حتى تكون الصلاة
تدعوك" وإسناده جيد كما قال العراقي.
وعن ابن أبي أوفى عند
الطبراني في الكبير أيضًا أنه أخبر: "أن
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يصل
قبل العيد ولا بعدها" وفي إسناده قائد أبي
الورقاء وهو متروك.
قوله: "لم يصل قبلها
ولا بعدها" فيه وفي بقية أحاديث الباب دليل
على كراهة الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها وإلى
ذلك ذهب أحمد بن حنبل قال ابن قدامة: وهو
مذهب ابن عباس وابن عمر قال: وروي ذلك عن
علي وابن مسعود وحذيفة وبريدة وسلمة بن الأكوع
وجابر وابن أبي أوفى. وقال به شريح وعبد
اللَّه بن مغفل
ج / 3 ص -302-
ومسروق والضحاك والقاسم وسالم ومعمر وابن
جريج والشعبي ومالك وروي عن مالك أنه قال:
لا يتطوع في المصلى قبلها ولا بعدها وله في
المسجد روايتان.
وقال الزهري: لم أسمع
أحدًا من علمائنا يذكر أن أحدًا من سلف هذه
الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها.
قال ابن قدامة: وهو
إجماع كما ذكرنا عن الزهري وعن غيره انتهى.
ويرد دعوى الإجماع ما حكاه الترمذي عن طائفة
من أهل العلم من الصحابة وغيرهم أنهم رأوا
جواز الصلاة قبل العيد وبعدها وروى ذلك
العراقي عن أنس بن مالك وبريدة بن الحصيب
ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد اللَّه بن
مسعود وعلي ابن أبي طالب وأبي برزة قال: وبه
قال من التابعين إبراهيم النخعي وسعيد ابن
جبير والأسود بن يزيد وجابر بن زيد والحسن
البصري وأخوه سعيد بن أبي الحسن وسعيد بن
المسيب وصفوان بن محرز وعبد الرحمن بن أبي
ليلى وعروة ابن الزبير وعلقمة والقاسم بن محمد
ومحمد بن سيرين ومكحول وأبو بردة ثم ذكر من
روى ذلك عن الصحابة المذكورين من أئمة الحديث
قال: وأما أقوال التابعين فرواها ابن أبي
شيبة وبعضها في المعرفة للبيهقي انتهى.
ومما يدل على فساد دعوى
ذلك الإجماع ما رواه ابن المنذر عن أحمد أنه
قال الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها والبصريون
يصلون قبلها لا بعدها والمدنيون لا قبلها ولا
بعدها. قال في الفتح: وبالأول قال
الأوزاعي والثوري والحنفية وبالثاني قال الحسن
البصري وجماعة وبالثالث قال الزهري وابن جريج
وأحمد وأما مالك فمنعه في المصلى وعنه في
المسجد روايتان انتهى.
وحمل الشافعي أحاديث
الباب على الإمام قال: فلا يتنفل قبلها ولا
بعدها وأما المأموم فمخالف له في ذلك نقل ذلك
عنه البيهقي في المعرفة وهو نصه في الأم.
وقال النووي في شرح مسلم: قال الشافعي
وجماعة من السلف: لا كراهة في الصلاة قبلها
ولا بعدها قال الحافظ: إن حمل كلامه على
المأموم وإلا فهو مخالف لنص الشافعي.
ـ وقد أجاب القائلون ـ
بعدم كراهة الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها عن
أحاديث الباب بأجوبة منها جواب الشافعي
المتقدم. ومنها ما قاله العراقي في شرح
الترمذي من أنه ليس فيها نهي عن الصلاة في هذه
الأوقات ولكن لما كان صلى اللَّه عليه وآله
وسلم يتأخر مجيئه إلى الوقت الذي يصلي بهم فيه
ويرجع عقب الخطبة روى عنه من روى من أصحابه
أنه كان لا يصلي قبلها ولا بعدها ولا يلزم من
تركه لذلك لاشتغاله بما هو مشروع في حقه من
التأخر إلى وقت الصلاة أن غيره لا يشرع ذلك له
ولا يستحب فقد روى عنه غير واحد من الصحابة
أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يكن يصلي
الضحى وصح ذلك عنهم وكذلك لم ينقل عنه أنه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم صلى سنة الجمعة قبلها
لأنه إنما كان يؤذن للجمعة بين يديه وهو على
المنبر.
قال البيهقي: يوم
العيد كسائر الأيام والصلاة مباحة إذا ارتفعت
الشمس حيث كان المصلى ويدل على عدم الكراهة
حديث أبي ذر قال: "قال النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم: الصلاة خير موضوع فمن شاء
استكثر ومن شاء استقل" رواه ابن حبان في
صحيحه والحاكم في صحيحه.
قال الحافظ في الفتح:
والحاصل أن صلاة العيد لم تثبت لها سنة قبلها
ولا بعدها خلافًا لمن قاسها على الجمعة وأما
مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن
كان ذلك في وقت الكراهة في
ج / 3 ص -303-
جميع الأيام انتهى. وكذا قال العراقي في
شرح الترمذي وهو كلام صحيح جار على مقتضى
الأدلة فليس في الباب ما يدل على منع مطلق
النفل ولا على منع ما ورد فيه دليل يخصه كتحية
المسجد إذا أقيمت صلاة العيد في المسجد وقد
قدمنا الإشارة إلى مثل هذا في باب تحية المسجد
نعم في التلخيص ما لفظه: وروى أحمد من حديث
عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا: "لا صلاة يوم العيد قبلها ولا بعدها" فإن صح هذا كان دليلا على المنع مطلقًا لأنه نفى في قوة النهي وقد
سكت عليه الحافظ فينظر فيه.
قوله: "فجعلت
المرأة" المراد بالمرأة جنس النساء.
قوله: "تصدق
بخرصها" هو الحلقة الصغيرة من الحلي. وفي
القاموس الخرص بالضم ويكسر حلقة الذهب والفضة
أو حلقة القرط أو الحلقة الصغيرة من الحلي
انتهى.
قوله: "وسخابها"
بسين مهملة مكسورة بعدها خاء معجمة وهو خيط
تنظم فيه الخرزات. وفي القاموس أن السخاب
ككتاب قلادة من سك وقرنفل ومحلب بلا جوهر
انتهى.
ولهذا الحديث ألفاظ
مختلفة وفيه استحباب وعظ النساء وتعليمهن
أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن
واستحباب حثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في
مجلس منفرد.
باب خطبة العيد
وأحكامها
1 - عن أبي سعيد رضي اللَّه عنه قال: "كان
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخرج يوم
الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به
الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس
جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وإن
كان يريد أن يقطع بعثًا أو يأمر بشيء أمر به
ثم ينصرف".
متفق عليه.
قوله: "إلى
المصلى" هو موضع بالمدينة معروف قال في
الفتح: بينه وبين باب المسجد ألف ذراع قاله
عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان
الكتاني صاحب مالك.
قوله: "وأول شيء
يبدأ به الصلاة" فيه أن السنة تقديم الصلاة
على الخطبة وقد تقدم الكلام على ذلك
مبسوطًا.
قوله: "ثم ينصرف
فيقوم مقابل الناس" في رواية ابن حبان:
"فينصرف إلى الناس قائمًا في مصلاه" ولابن
خزيمة في رواية مختصرة: "خطب يوم عيد على
رجليه".
قوله: "فيعظهم
ويوصيهم" فيه استحباب الوعظ والتوصية في
خطبة العيد. قوله: "وإن كان يريد أن
يقطع بعثًا" أي يخرج طائفة من الجيش إلى جهة
من الجهات.
وهذا الحديث يدل على أنه
لم يكن في المصلى في زمانه صلى اللَّه عليه
وآله وسلم منبر ويدل على ذلك ما عند البخاري
وغيره في هذا الحديث أن أبا سعيد قال: فلم
تزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير
المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذ
منبر بناه كثير بن الصلت. الحديث.
2 - وعن طارق بن شهاب
رضي اللَّه عنه قال: "أخرج مروان
ج / 3 ص -304-
المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة
فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة أخرجت
المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه وبدأت
بالخطبة قبل الصلاة فقال أبو سعيد: أما هذا
فقد أدى ما عليه سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يقول:
من رأى منكرًا فإن استطاع أن يغيره فليغيره
بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع
فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه.
قوله: "أخرج مروان
المنبر" الخ هذا يؤيد ما مر من أن مروان أول
من فعل ذلك ووقع في المدونة لمالك. ورواه
عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال: "أول من
خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن
عفان" قال الحافظ: يحتمل أن يكون عثمان
فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان.
قوله: "فبدأ بالخطبة
قبل الصلاة" قد قدمنا الكلام على هذا في باب
صلاة العيد قبل الخطبة. وقد اعتذر مروان عن
فعله لما قال له أبو سعيد غيرتم واللَّه كما
في البخاري بقوله إن الناس لم يكونوا يجلسون
لنا بعد الصلاة فجعلتها قبلها. قال في
الفتح: وهذا يشعر بأن مروان فعل ذلك باجتهاد
منه. وقال في موضع آخر: لكن قيل إنهم
كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع الخطبة
لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في
مدح بعض الناس فعلى هذا إنما راعى مصلحة
نفسه.
قوله: "فقام رجل"
في المهمات أنه عمارة بن رؤيبة. وقال في
الفتح: يحتمل أن يكون هو أبا مسعود كما في
رواية عبد الرزاق. وفي البخاري ومسلم أن أبا
مسعود أنكر على مروان أيضًا فيمكن أن يكون
الإنكار من أبي سعيد وقع في أول الأمر ثم
تعقبه الإنكار من الرجل المذكور.
ويؤيد ذلك ما عند
البخاري في حديث أبي سعيد بلفظ: "فإذا
مروان يريد أن يرتقيه يعني المنبر قبل أن يصلي
فجذبت بثوبه فجذبني فارتفع فخطب فقلت له:
غيرتم واللَّه فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما
تعلم فقلت: ما أعلم واللَّه خير مما لا
أعلم" وفي مسلم: "فإذا مروان ينازعني
يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو
الصلاة فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء
بالصلاة فقال: لا يا أبا سعيد قد ترك ما
تعلم فقلت: كلا والذي نفسي بيده لا تأتون
بخير مما أعلم ثلاث مرات ثم انصرف".
والحديث فيه مشروعية
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد إن
استطاع ذلك وإلا فباللسان وإلا فبالقلب وليس
وراء ذلك من الإيمان شيء.
3 - وعن جابر رضي اللَّه
عنه قال: "شهدت مع النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة
بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئًا على بلال
فأمر بتقوى اللَّه وحث على الطاعة ووعظ الناس
وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن
وذكرهن".
رواه مسلم والنسائي.
وفي لفظ لمسلم: "فلما فرغ نزل فأتى النساء
فذكرهن".
ج / 3 ص -305-
الحديث فيه تقديم صلاة العيد على الخطبة
وترك الأذان والإقامة لصلاة العيد وقد تقدم
بسط ذلك وفيه استحباب الوعظ والتذكير في خطبة
العيد واستحباب وعظ النساء وتذكيرهن وحثهن على
الصدقة إذا لم يترتب على ذلك مفسدة وخوف فتنة
على الواعظ أو الموعوظ أو غيرهما وفيه أيضًا
تمييز مجلس النساء إذا حضرن مجامع الرجال لأن
الاختلاط ربما كان سببًا للفتنة الناشئة عن
النظر أو غيره.
قوله: "فلما فرغ
نزل" قال القاضي عياض: هذا النزول كان في
أثناء الخطبة. قال النووي: وليس كما قال
إنما نزل إليهن بعد خطبة العيد وبعد انقضاء
وعظ الرجال وقد ذكره مسلم صريحًا في حديث جابر
كما في اللفظ الذي أورده المصنف وهو صريح أنه
أتاهن بعد فراغ خطبة الرجال. قال المصنف
رحمه اللَّه تعالى: وقوله: "نزل" يدل
على أن خطبته كانت على شيء عال انتهى.
4 - وعن سعد المؤذن رضي
اللَّه عنه قال: "كان النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر
التكبير في خطبة العيدين".
رواه ابن ماجه.
5 - وعن عبيد اللَّه بن
عبد اللَّه بن عتبة رضي اللَّه عنه قال:
"السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين
يفصل بينهما بجلوس".
رواه الشافعي.
الحديث الأول هو من
رواية عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ
المؤذن عن أبيه عن جده وعبد الرحمن ضعيف.
وقد أخرج نحوه البيهقي من حديث عبيد اللَّه
ابن عبد اللَّه بن عتبة قال: "السنة أن
تفتتح الخطبة بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع
تكبيرات تترى" وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه
آخر عن عبيد اللَّه وعبيد اللَّه المذكور أحد
فقهاء التابعين وليس قول التابعي من السنة
ظاهرًا في سنة النبي صلى اللَّه عليه وآله
وسلم وقد قال باستحباب التكبير على الصفة
المذكورة في الخطبة كثير من أهل العلم.
قال ابن القيم: وأما
قول كثير من الفقهاء إنه تفتتح خطبة الاستسقاء
بالاستغفار وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم
فيها سنة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
البتة والسنة تقتضي خلافه وهو افتتاح جميع
الخطب بالحمد. والحديث الثاني يرجحه القياس
على الجمعة. وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه
تابعي كما عرفت فلا يكون قوله "من السنة"
دليلا على أنها سنة النبي صلى اللَّه عليه
وآله وسلم كما تقرر في الأصول.
وقد ورد في الجلوس بين
خطبتي العيد حديث مرفوع رواه ابن ماجه عن جابر
وفي إسناده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف.
6 - وعن عطاء عن عبد
اللَّه بن السائب رضي اللَّه عنهما قال:
"شهدت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
العيد فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب فمن
ج / 3 ص -306-
أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب
فليذهب".
رواه النسائي وابن ماجه
وأبو داود.
الحديث قال أبو داود:
هو مرسل. وقال النسائي: هذا خطأ والصواب
أنه مرسل وفيه أن الجلوس لسماع خطبة العيد غير
واجب. قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: وفيه
بيان أن الخطبة سنة إذ لو وجبت وجب الجلوس لها
انتهى.
وفيه أن تخيير السامع لا
يدل على عدم وجوب الخطبة بل على عدم وجوب
سماعها إلا أن يقال إنه يدل من باب الإشارة
لأنه إذا لم يجب سماعها لا يجب فعلها وذلك لأن
الخطبة خطاب ولا خطاب إلا لمخاطب فإذا لم يجب
السماع على المخاطب لم يجب الخطاب وقد اتفق
الموجبون لصلاة العيد وغيرهم على عدم وجوب
خطبته ولا أعرف قائلا يقول بوجوبها.
باب استحباب
الخطبة يوم النحر
1 - عن الهرماس بن زياد رضي اللَّه عنه قال:
"رأيت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب
الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى
بمنى".
رواه أحمد وأبو داود.
2 - وعن أبي أمامة رضي
اللَّه عنه قال: "سمعت خطبة النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم بمنى يوم النحر".
رواه أبو داود.
3 - وعن عبد الرحمن بن
معاذ التميمي رضي اللَّه عنه قال: "خطبنا
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ونحن
بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن
في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ
الجمار فوضع إصبعيه السبابتين ثم قال بحصا
الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد
وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل
الناس بعد ذلك".
رواه أبو داود والنسائي
بمعناه.
الأحاديث الثلاثة سكت
عنها أبو داود والمنذري ورجال إسناد الحديث
الأول ثقات وكذلك رجال إسناد الحديث الثاني
وكذلك رجال إسناد الحديث الثالث.
ـ وفي الباب ـ عن رافع
بن عمرو المزني عند أبي داود والنسائي. وعن
أبي سعيد عند النسائي وابن ماجه وابن حبان
وأحمد. وعن ابن عباس عند البخاري وله حديث
آخر عند الطبراني. وعن أبي كاهل الأحمسي عند
النسائي وابن ماجه وعن أبي بكرة وسيأتي. وعن
ابن عمر عند البخاري. وعن ابن عمرو بن العاص
عند البخاري أيضًا وغيره. وعن جابر عند
أحمد. وعن أبي حرة الرقاشي عن عمه عند أحمد
أيضًا. وعن كعب ابن عاهم عند الدارقطني.
وأحاديث الباب تدل على
مشروعية الخطبة في يوم النحر وهي ترد على من
زعم أن يوم النحر لا خطبة فيه للحاج وأن
المذكور في
ج / 3 ص -307-
أحاديث
الباب إنما هو من قبيل الوصايا العامة لا أنه
خطبة من شعار الحج. ووجه الرد أن الرواة
سموها خطبة كما سموا التي وقعت بعرفات خطبة.
وقد اتفق على مشروعية الخطبة بعرفات ولا دليل
على ذلك إلا ما روي عنه صلى اللَّه عليه وآله
وسلم أنه خطب بعرفات.
والقائلون بعدم مشروعية الخطبة يوم النحر هم
المالكية والحنفية وقالوا: خطب الحج ثلاث:
سابع ذي الحجة ويوم عرفة وثاني يوم النحر.
ووافقهم الشافعي إلا أنه قال بدل ثاني النحر
ثالثه وزاد خطبة رابعة وهي يوم النحر قال
وبالناس إليها حاجة ليعملوا أعمال ذلك اليوم
من الرمي والذبح والحلق والطواف.
واستدل بأحاديث الباب وتعقبه الطحاوي بأن
الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج لأنه لم
يذكر فيها شيئًا من أعمال الحج وإنما ذكر
وصايا عامة كما تقدم قال: ولم ينقل أحد أنه
علمهم فيها شيئًا مما يتعلق بالحج يوم النحر
فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج.
وقال ابن القصار: إنما فعل ذلك من أجل تبليغ
ما ذكره لكثرة الجمع الذي اجتمع من أقاصي
الدنيا فظن الذي رآه أنه خطب قال: وأما ما
ذكره الشافعي أن بالناس حاجة إلى تعليمهم
أسباب التحلل المذكورة فليس بمتعين لأن الإمام
يمكنه أن يعلمهم إياها بمكة أو يوم عرفة
انتهى.
وأجيب بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم نبه في
الخطبة المذكورة على تعظيم يوم النحر وعلى
تعظيم عشر ذي الحجة وعلى تعظيم البلد
الحرام. وقد جزم الصحابة المذكورون بتسميتها
خطبة كما تقدم فلا تلتفت إلى تأويل غيرهم.
وما ذكره من إمكان تعليم ما ذكر يوم عرفة يعكر
عليه كونه يرى مشروعية الخطبة ثاني يوم النحر
وكان يمكن أن يعلموا يوم التروية جميع ما يأتي
بعده من أعمال الحج لكن لما كان في كل يوم
أعمال ليست في غيره شرع تجديد التعليم بحسب
تجدد الأسباب وقد بين الزهري وهو عالم أهل
زمانه أن الخطبة ثاني يوم النحر نقلت من خطبة
يوم النحر وإن ذلك من عمل الأمراء يعني بني
أمية كما أخرج ذلك ابن أبي شيبة عنه وهذا وإن
كان مرسلا لكنه معتضد بما سبق وبان به أن
السنة الخطبة يوم النحر لا ثانيه.
وأما قول الطحاوي أنه لم يعلمهم شيئًا من
أسباب التحلل فيرده ما عند البخاري من حديث
ابن عمرو بن العاص أنه شهد النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم يخطب يوم النحر وذكر فيه
السؤال عن تقديم بعض المناسك. وثبت أيضًا في
بعض أحاديث الباب: "أن النبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم قال:
خذوا عني مناسككم"
فكأنه وعظهم وأحال في تعليمهم على تلقي ذلك من
أفعاله.
قوله: "ونحن بمنى" أيام منى أربعة أيام
يوم النحر وثلاثة أيام بعده وأحاديث الباب
مصرحة بيوم النحر فيحمل المطلق على المقيد.
ويتعين يوم النحر.
قوله: "ثم قال بحصا الخذف" فيه استعارة
القول للفعل وهو كثير في السنة والمراد أنه
وضع إحدى السبابتين على الأخرى ليريهم أنه
يريد حصا الخذف والخذف بالخاء والذال
المعجمتين ويروى بالحاء المهملة والأول
أصوب.
قال الجوهري في فصل الحاء المهملة: حذفته
بالعصا أي رميته بها وفي فصل الخاء المعجمة:
الخذف بالحصا الرمي به بالأصابع وسيأتي ذكر
مقدار حصا الخذف في باب استحباب الخطبة يوم
النحر من كتاب الحج لأن المصنف رحمه اللَّه
سيكرر هذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب
جميعها هنالك وسنشرح هنالك ما لم نتعرض لشرحه
ههنا من ألفاظ هذه الأحاديث.
ج / 3 ص -308-
4 - وعن أبي بكرة رضي اللَّه عنه قال:
"خطبنا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم
النحر فقال:
أتدرون أي يوم هذا قلنا: اللَّه ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه
سيسميه بغير اسمه قال:
أليس يوم النحر قلنا: بلى قال:
أي شهر هذا قلنا: اللَّه ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه
فقال:
أليس ذا الحجة قلنا: بلى قال:
أي بلد هذا قلنا: اللَّه ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه
فقال: أليست البلدة
قلنا: بلى قال:
فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم
ألا هل بلغت قالوا: نعم قال:
اللَّهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ
أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب
بعضكم رقاب بعض".
رواه أحمد والبخاري.
قوله: "أتدرون أي
يوم هذا قلنا اللَّه ورسوله أعلم" في
البخاري من حديث ابن عباس أنهم قالوا:
"يوم حرام" وقالوا عند سؤاله عن الشهر شهر
حرام وعند سؤاله عن البلد بلد حرام. وعند
البخاري أيضًا من حديث ابن عمر بنحو حديث أبي
بكرة إلا أنه ليس فيه قوله فسكت في الثلاثة
المواضع. وقد جمع بين حديث ابن عباس وحديث
الباب ونحوه بتعدد الواقعة قال في الفتح:
وليس بشيء لأن الخطبة يوم النحر إنما تشرع مرة
واحدة وقد قال في كل منهما أن ذلك كان يوم
النحر وقيل في الجمع بينهما إن بعضهم بادر
بالجواب وبعضهم سكت. وقيل في الجمع إنهم
فوضوا الأمر أولًا كلهم بقولهم اللَّه ورسوله
أعلم فلما سكت أجابه بعضهم دون بعض. وقيل
وقع السؤال في الوقت الواحد مرتين بلفظين فلما
كان في حديث أبي بكرة فخامة ليست في حديث ابن
عباس لقوله فيه أتدرون سكتوا عن الجواب بخلاف
حديث ابن عباس لخلوه عن ذلك أشار إلى هذا
الكرماني. وقيل في حديث ابن عباس اختصار
بينته رواية أبي بكرة فكأنه أطلق قولهم قالوا
يوم حرام باعتبار أنهم قرروا ذلك حيث قالوا
بلى قال الحافظ: وهذا جمع حسن.
ـ والحكمة ـ في سؤاله
صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الثلاثة وسكوته
بعد كل سؤال منها ما قاله القرطبي من أن ذلك
كان لاستحضار فهومهم وليقبلوا عليه بكليتهم
ويستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه ولذلك قال بعد
هذا فإن دماءكم الخ مبالغة في بيان تحريم هذه
الأشياء اهـ ومناط التشبيه في قوله "كحرمة
يومكم هذا" وما بعده ظهوره عند السامعين لأن
تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتًا في
نفوسهم مقررًا عندهم بخلاف الأنفس والأموال
والأعراض فكانوا يستبيحونها في الجاهلية فطرأ
الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه
أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم فلا يرد
كونه المشبه به أخفض رتبة من المشبه لأن
الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون
قبل تقرير الشرع.
قوله: "أليست
البلدة" كذا
ج / 3 ص -309-
وقع بتأنيث البلدة. وفي رواية للبخاري:
"أليس بالبلدة الحرام" وفي أخرى له:
"أليس بالبلدة الحرام"
قال الخطابي: يقال إن البلدة اسم خاص لمكة
وهي المراد بقوله عز وجل
{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ } وقال الطيبي: المطلق محمول على الكامل وهي الجامعة للخير
المستحقة للكمال.
قوله: "فإن دماءكم
وأموالكم عليكم حرام" هكذا ساقه البخاري في
الحج وذكره في كتاب العلم بزيادة
"وأعراضكم"
وكذا ذكر هذه الزيادة في الحج من حديث ابن
عباس ومن حديث ابن عمر وهو على حذف مضاف أي
سفك دماءكم وأخذ أموالكم وسلب أعراضكم.
والعرض بكسر العين موضع المدح والذم من
الإنسان سواء كان سلفه أو نفسه.
قوله: "اللَّهم
اشهد" إنما قال ذلك لأنه كان فرضًا عليه أن
يبلغ فأشهد اللَّه تعالى على أداء ما أوجبه
عليه.
قوله: "فرب مبلغ"
بفتح اللام أي رب شخص بلغه كلامي فكان أحفظ له
وأفهم لمعناه من الذي نقله له. قال
المهلب: فيه أنه يأتي في آخر الزمان من يكون
له من الفهم والعلم ما ليس لمن تقدمه إلا أن
ذلك يكون في الأقل لأن رب موضوعة للتقليل.
قال الحافظ: هي في
الأصل كذلك إلا أنها استعملت في التكثير بحيث
غلب على الاستعمال الأول قال: لكن يؤيد أن
التقليل هنا مراد أنه وقع في رواية للبخاري
بلفظ:
"عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه"
وقوله أوعى من سامع نعت لمبلغ والذي يتعلق به
رب محذوف وتقديره يوجد أو يكون ويجوز على مذهب
الكوفيين في أن رب اسم أن تكون هي مبتدأ وأوعى
الخير فلا حذف ولا تقدير.
قوله: "فلا ترجعوا
بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" قال
النووي في شرح مسلم: في معناه سبعة أقوال:
أحدها:
أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق.
والثاني:
المراد كفر النعمة وحق الإسلام.
والثالث:
أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه.
والرابع:
أنه فعل كفعل الكفار.
والخامس:
المراد حقيقة الكفر ومعناه لا تكفروا بل دوموا
مسلمين.
والسادس:
حكاه الخطابي وغيره أن المراد بالكفار
المتكفرون بالسلاح يقال تكفر الرجل بسلاحه إذا
لبسه. قال الأزهري في كتاب تهذيب اللغة:
يقال للابس السلاح كافر.
والسابع:
معناه لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا قتال
بعضكم بعضًا قاله الخطابي.
قال النووي: وأظهر
الأقوال الرابع وهو اختيار القاضي عياض قال:
والرواية يضرب برفع الباء هذا هو الصواب وهكذا
رواه المتقدمون والمتأخرون وبه يصح المقصود
هنا. ونقل القاضي عياض أن بعض العلماء ضبطه
بإسكان الباء والصواب الضم وكذا قال أبو
البقاء أنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر
أي أن ترجعوا يضرب. والمراد بقوله بعدي أي
بعد فراقي من موقفي هذا كذا قال الطبري أو
يكون صلى اللَّه عليه وآله وسلم تحقق أن هذا
الأمر لا يكون في حياته فنهاهم عنه بعد
مماته.
والحديث فيه استحباب
الخطبة يوم النحر وقد تقدم الكلام على ذلك
وفيه وجوب تبليغ العلم وتأكيد تحريم تلك
الأمور وتغليظها بأبلغ ما يمكن وفيه غير ذلك
من الفوائد.
ج / 3 ص -310-
باب حكم الهلال إذا غم ثم علم به من آخر
النهار
1 - عن عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار رضي
اللَّه عنهم قالوا: "غم علينا هلال شوال
فأصبحنا صيامًا فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا
عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم
أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر الناس أن يفطروا
من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد".
رواه الخمسة إلا
الترمذي.
الحديث أخرجه أيضًا ابن
حبان في صحيحه وصححه ابن المنذر وابن السكن
وابن حزم والخطابي وابن حجر في بلوغ المرام
وعلق الشافعي القول به على صحته. وقال ابن
عبد البر: أبو عمير مجهول. قال الحافظ:
كذا قال وقد عرفه من صحح له اهـ. وقول
المصنف عن عمير لعله من سقط القلم وهو أبو
عمير كما في سائر كتب هذا الفن.
والحديث دليل لمن قال إن
صلاة العيد تصلى في اليوم الثاني إن لم يتبين
العيد إلا بعد خروج وقت صلاته وإلى ذلك ذهب
الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة
وأبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي. ومن أهل
البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد باللَّه
وأبو طالب وقيد ذلك أبو طالب بشرط أن يكون ترك
الصلاة في اليوم الأول للبس كما في الحديث ورد
بأن كون الترك للبس إنما هو للنبي صلى اللَّه
عليه وآله وسلم ومن معه لا للركب لأنهم تركوا
الصلاة في يوم العيد عمدًا بعد رؤيتهم للهلال
بالأمس فأمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم
لهم كما في رواية أبي داود يدل على عدم الفرق
بين عذر اللبس وغيره كما ذهب إلى ذلك الباقون
فإنهم لا يفرقون بين اللبس وغيره من الأعذار
إما لذلك وإما قياسًا لها عليه.
وظاهر الحديث أن الصلاة
في اليوم الثاني أداء لا قضاء وروى الخطابي عن
الشافعي أنهم إن علموا بالعيد قبل الزوال صلوا
وإلا لم يصلوا يومهم ولا من الغد لأنه عمل في
وقت فلا يعمل في غيره قال: وكذا قال مالك
وأبو ثور. قال الخطابي: سنة النبي صلى
اللَّه عليه وآله وسلم أولى بالإتباع. وحديث
أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب اهـ.
وحكى في شرح القدوري عن
الحنفية أنهم إذا لم يصلوها في اليوم الثاني
حتى زالت الشمس صلوها في اليوم الثالث فإن لم
يصلوها فيه حتى زالت الشمس سقطت سواء كان لعذر
أو لغير عذر اهـ.
والحديث وارد في عيد
الفطر فمن قال بالقياس ألحق به عيد الأضحى.
وقد استدل بأمره صلى
اللَّه عليه وآله وسلم للركب أن يخرجوا إلى
المصلى لصلاة العيد الهادي والقاسم وأبو حنيفة
على أن صلاة العيد من فرائض الأعيان وخالفهم
في ذلك الشافعي وجمهور أصحابه قال النووي:
وجماهير العلماء فقالوا إنها سنة وبه قال زيد
بن علي والناصر والإمام يحيى وقال أبو سعيد
الاصطخري من الشافعية: إنها فرض كفاية وحكاه
المهدي في البحر عن الكرخي وأحمد بن حنبل وأبي
طالب وأحد قولي الشافعي.
واستدل القائلون بأنها
سنة بحديث: "هل عليَّ غيرها قال:
لا إلا أن تطوع" وقد قدمنا في باب تحية المسجد الجواب عن هذا الاستدلال مبسوطًا
فراجعه.
ـ واستدل القائلون ـ
أنها فرض كفاية بأنها شعار كالغسل والدفن
وبالقياس على صلاة الجنازة بجامع التكبيرات
والظاهر ما قاله الأولون لأنه قد انضم إلا
ملازمته صلى اللَّه عليه وآله وسلم لصلاة
العيد على جهة الاستمرار وعدم
ج / 3 ص -311-
إخلاله
بها الأمر بالخروج إليها بل ثبت كما تقدم أمره
صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالخروج للعواتق
والحيض وذوات الخدور وبالغ في ذلك حتى أمر من
لها جلباب أن تُلبس من لا جلباب لها ولم يأمر
بذلك في الجمعة ولا في غيرها من الفرائض بل
ثبت الأمر بصلاة العيد في القرآن كما صرح بذلك
أئمة التفسير في تفسير قول اللَّه تعالى
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } فقالوا: المراد صلاة العيد ونحر الأضحية. ومن مقويات القول
بأنها فرض إسقاطها لصلاة الجمعة كما تقدم
والنوافل لا تسقط الفرائض في الغالب.
2 - وعن عائشة قالت: "قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس".
رواه الترمذي وصححه.
3 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: "أن
النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: الصوم يوم
يصومون والفطر يوم يفطرون والأضحى يوم
يضحون".
رواه الترمذي أيضًا.
وهو لأبي داود وابن ماجه إلا فصل الصوم.
الحديث الأول أخرجه أيضًا الدارقطني وقال:
وقفه عليها هو الصواب. والحديث الثاني حسنه
الترمذي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال
إسناده ثقات قال الترمذي: وفسر بعض أهل
العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم
والفطر مع الجماعة وعظيم الناس. وقال
الخطابي في معنى الحديث: إن الخطأ مرفوع عن
الناس فيما كان سبيله الاجتهاد فلو أن قومًا
اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم
يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن
الشهر كان تسعًا وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماض
لا شيء عليهم من وزر أو عيب وكذلك في الحج إذا
أخطؤوا يوم عرفة ليس عليهم إعادة. وقال
غيره: فيه الإشارة إلى أن يوم الشك لا يصام
احتياطًا وإنما يصوم يوم يصوم الناس. وقيل
فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر
بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم به ويفطر
دون من لم يعلم. وقيل إن الشاهد الواحد إذا
رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته أنه لا
يكون هذا صومًا له كما لم يكن للناس ذكر هذه
الأقوال المنذري في مختصر السنن.
وقد ذهب إلى الأخير محمد بن الحسن الشيباني
قال: إنه يتعين على المنفرد برؤية هلال
الشهر حكم الناس في الصوم والحج وإن خالف ما
تيقنه وروى مثل ذلك عن عطاء والحسن والخلاف في
ذلك للجمهور فقالوا: يتعين عليه حكم نفسه
فيما تيقنه وفسروا الحديث بمثل ما ذكر
الخطابي. وقيل في معنى الحديث: إنه إخبار
بأن الناس يتحزبون أحزابًا ويخالفون الهدي
النبوي فطائفة تعمل بالحساب وعليه أمة من
الناس وطائفة يقدمون الصوم والوقوف بعرفة
وجعلوا ذلك شعارًا وهم الباطنية وبقي الهدى
النبوي الفرقة التي لا تزال ظاهرة على الحق
فهي المرادة بلفظ الناس في الحديث وهي السواد
الأعظم ولو كانت قليلة العدد.
ج / 3 ص -312-
باب الحث على الذكر والطاعة في أيام العشر
وأيام التشريق
1 - عن ابن عباس رضي
اللَّه عنهما قال: "قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم:
ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى اللَّه
عز وجل من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا: يا رسول اللَّه ولا الجهاد في سبيل اللَّه قال:
ولا الجهاد في سبيل اللَّه إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بشيء من
ذلك".
رواه الجماعة إلا مسلمًا والنسائي.
2 - وعن ابن عمر رضي
اللَّه عنه قال: "قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم:
ما من أيام أعظم عند اللَّه سبحانه ولا أحب
إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا
فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
رواه أحمد.
3 - وعن نبيشة الهذلي
رضي اللَّه عنه قال: "قال رسول اللَّه صلى
اللَّه عليه وآله وسلم:
أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر اللَّه عز
وجل".
رواه أحمد ومسلم والنسائي. قال البخاري: وقال ابن عباس
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق قال: وكان ابن عمر
وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر
يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. قال: وكان
عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد
فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتَجّ [في
الأصل ـ يرتج مِنَى ـ والصحيح ـ ترتج منى ـ
كما هو في النص أعلاه. نظام سبعة] مِنَى
تكبيرًا.
حديث ابن عمر أخرجه
أيضًا ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب
وأخرجه أيضًا الطبراني في الكبير عن ابن
عباس.
قوله: "ما من أيام
العمل الصالح فيها" في لفظ للبخاري:
"ما العمل الصالح في أيام" وفي رواية كريمة عن الكشمينهي: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه" قال في الفتح: وهذا يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على
العمل في هذه الأيام إن فسرت بأنها أيام
التشريق وعلى ذلك جرى بعض شراح البخاري وزعم
أن البخاري فسر الأيام المبهمة في هذا الحديث
بأنها أيام التشريق وفسر العمل بالتكبير لكونه
أورد الآثار المذكورة المتعلقة بالتكبير
فقط. وقال ابن أبي حمزة: الحديث دال على
أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في
غيرها قال: ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد
كما في حديث عائشة ولا ما صح من قوله إنها
أيام أكل وشرب كما في حديث الباب لأن ذلك لا
يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات
وهو ذكر اللَّه تعالى ولم يمتنع فيها إلا
الصوم قال: وسر كون العبادات فيها أفضل من
غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على
غيرها وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب فصار
للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها.
قال الحافظ: وهو توجيه
حسن إلا أن المنقول يعارضه والسياق الذي وقع
في رواية كريمة شاذ مخالف لما
ج / 3 ص -313-
رواه أبو ذر وهو من الحفاظ عن الكشمهيني وهو
شيخ كريمة بلفظ: "ما
العمل في أيام أفضل منها في هذه العشر"
وكذا أخرجه أحمد وغيره عن غندر عن شعبة
بالإسناد المذكور. ورواه أبو داود الطيالسي
في مسنده عن شعبة فقال: "في
أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة" وكذا رواه الدارمي عن سعيد بن الربيع عن
شعبة. ووقع في رواية وكيع باللفظ الذي ذكره
المصنف وكذا رواه ابن ماجه من طريق أبي معاوية
عن الأعمش ورواه الترمذي من رواية أبي معاوية
وقال من هذه الأيام العشر. وقد ظن بعض الناس
أن قوله في حديث الباب يعني أيام العشر تفسير
من بعض الرواة لكن ما ذكرنا من رواية الطيالسي
وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر وكذا وقع في
رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ:
"ما من عمل أزكى عند اللَّه وأعظم أجرًا من
خير يعمله في عشر الأضحى" وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان:
"ما من أيام أفضل عند اللَّه من عشر ذي الحجة" ومن جملة الروايات المصرحة بالعشر حديث ابن عمر المذكور في الباب
فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب عشر ذي
الحجة.
قوله: "ولا الجهاد
في سبيل اللَّه" يدل على تقرر أفضلية الجهاد
عندهم وكأنهم استفادوا من قوله صلى اللَّه
عليه وآله وسلم في جواب من سأله عن عمل يعدل
الجهاد فقال: لا أجده كما في البخاري من
حديث أبي هريرة.
قوله: "إلا رجل"
هو على حذف مضاف أي إلا عمل رجل.
قوله: "ثم لم يرجع
بشيء من ذلك" أي فيكون أفضل من العامل في
أيام العشر أو مساويًا له. قال ابن بطال:
هذا اللفظ يحتمل أمرين أن لا يرجع بشيء من
ماله وإن رجع هو وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن
رزقه اللَّه الشهادة وتعقبه الزين ابن المنير
بأن قوله لم يرجع بشيء يستلزم أن يرجع بنفسه
ولا بد انتهى.
قال الحافظ: وهو تعقب
مردود فإن قوله لم يرجع بشيء نكرة في سياق
النفي فتعم ما ذكر. وقد وقع في رواية
الطيالسي وغندر وغيرهما عن شعبة وكذا في أكثر
الروايات فلم يرجع من ذلك بشيء قال: والحاصل
أن نفي الرجوع بالشيء لا يستلزم إثبات الرجوع
بغير شيء بل هو على الاحتمال كما قال ابن بطال
انتهى.
ومبنى هذا الاختلاف على
توجيه النفي المذكور إلى القيد فقط كما هو
الغالب فيكون هو المنتفي دون الرجوع الذي هو
المقيد أو توجيهه إلى القيد والمقيد فينتفيان
معًا. ويدل على الثاني ما عند ابن أبي عوانة
بلفظ:
"إلا من عقر جواده وأهريق دمه" وفي رواية له: "إلا
من لا يرجع بنفسه ولا ماله"
وفي حديث جابر:
"إلا من عفر وجهه التراب".
والحديث فيه تفضيل أيام
العشر على غيرها من السنة وتظهر فائدة ذلك
فيمن نذر بصيام أفضل الأيام وقد تقدم الجمع
بين حديث أبي هريرة عند مسلم:
"خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة" وبين الأحاديث الدالة على أن غيره أفضل منه.
ـ والحكمة ـ في تخصيص
عشر ذي الحجة بهذه المزية اجتماع أمهات
العبادة فيها الحج والصدقة والصيام والصلاة
ولا يتأتى ذلك في غيرها وعلى هذا هل يختص
الفضل بالحاج أو يعم المقيم فيه احتمال.
وقال ابن بطال: المراد بالعمل في أيام
التشريق التكبير فقط لأنه ثبت أنها أيام أكل
وشرب وبعال. وثبت تحريم صومها وورد فيها
إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك فدل على تفريغها
لذلك مع الحض على الذكر والمشروع منه فيها
التكبير فقط وتعقبه الزين بأن العمل إنما يفهم
ج / 3 ص -314-
منه عند الإطلاق العبادة وهي لا تنافي
استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر فإن
ذلك لا يستغرق اليوم والليلة.
وقال الكرماني: الحث
على العمل في أيام التشريق لا ينحصر في
التكبير بل المتبادر إلى الذهن منه أنه
المناسك من الرمي وغيره الذي يجتمع مع الأكل
والشرب انتهى. والذي يجتمع مع الأكل والشرب
لكل أحد من العبادة الزائدة على مفروضات اليوم
والليلة هو الذكر المأمور به وقد فسر بالتكبير
كما قال ابن بطال. وأما المناسك فمختصة
بالحاج. ويؤيد ذلك ما وقع في حديث ابن عمر
المذكور في الباب من الأمر بالإكثار فيها من
التهليل والتكبير. وفي البيهقي من حديث ابن
عباس: "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير" ووقع من الزيادة في حديث ابن عباس:
"وإن صيام يوم منها يعدل سنة والعمل بسبعمائة ضعف" وللترمذي عن أبي هريرة:
"يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل
ليلة فيها بقيام ليلة القدر" لكن إسناده ضعيف وكذا إسناد حديث ابن عباس.
قوله: "قال ابن
عباس" هذا الأثر وصله عبد بن حميد وفيه
الأيام المعدودات أيام التشريق والأيام
المعلومات أيام العشر. وروى ابن مردويه عن
ابن عباس أن الأيام المعلومات التي قبل يوم
التروية ويوم التروية ويوم عرفة والمعدودات
أيام التشريق. قال الحافظ: وإسناده صحيح
وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق.
وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس أيضًا أن
المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ورجح
الطحاوي هذا لقوله تعالى
{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا
رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}
فإنه يشعر بأن المراد أيام النحر قال في
الفتح: وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر
معلومات ولا أيام التشريق معدودات بل تسمية
أيام التشريق معدودات متفق عليه لقوله تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} الآية وهكذا قال المهدي في البحر إن أيام التشريق هي الأيام
المعدودات إجماعًا. وقيل إنها سميت معدودات
لأنها إذا زيد عليها شيء عد ذلك حصرًا أي في
حكم حصر العدد. وقد وقع الخلاف في أيام
التشريق فمقتضى كلام أهل اللغة والفقه أن أيام
التشريق ما بعد يوم النحر على اختلافهم هل هي
ثلاثة أو يومان لكن ما ذكره من سبب تسميتها
بذلك يقتضي دخول يوم العيد فيها. وقد حكى
أبو عبيد أن فيه قولين:
أحدهما: لأنهم كانوا
يشرقون فيها لحوم الأضاحي يقددونها ويبرزونها
للشمس. ثانيهما: لأنها كلها أيام تشريق
لصلاة يوم النحر فصارت تبعًا ليوم النحر
قال: وهذا أعجب القولين إلى أن قال
الحافظ: وأظنه أراد ما حكاه غيره أن أيام
التشريق سميت بذلك لأن صلاة العيد إنما تصلى
بعد أن تشرق الشمس.
وعن ابن الأعرابي قال:
سميت بذلك لأن الهدايا والضحايا لا تنحر حتى
تشرق الشمس. وعن يعقوب بن السكيت قال: هو
من قول الجاهلية أشرق ثبير كيما نغير أي ندفع
للنحر. قال الحافظ: وأظنهم أخرجوا يوم
العيد منها لشهرته بلقب يخصه وهو العيد وإلا
فهي في الحقيقة تبعًا له في التسمية كما تبين
من كلامهم. ومن ذلك حديث علي عليه السلام:
"لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع"
أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفًا
ومعناه لا صلاة جمعة ولا صلاة عيد قال: وكان
أبو حنيفة يذهب بالتشريق
ج / 3 ص -315-
في هذا إلى التكبير في دبر الصلاة يقول:
لا تكبير إلا على أهل الأمصار قال: وهذا لم
نجد أحدًا يعرفه ولا وافقه عليه صاحباه ولا
غيرهما ومن ذلك حديث من ذبح قبل التشريق فليعد
أي قبل صلاة العيد رواه أبو عبيد من مرسل
الشعبي ورجاله ثقات وهذا كله يدل على أن يوم
العيد من أيام التشريق.
قوله: "وكان ابن عمر
وأبو هريرة" الخ قال الحافظ: لم أره
موصولًا وقد ذكره البيهقي معلقًا عنهما وكذا
البغوي.
قوله: "وكان عمر"
الخ وصله سعيد بن منصور وأبو عبيد. وقوله
"ترتج" بتثقيل الجيم أي تضطرب وتتحرك وهي
مبالغة في اجتماع رفع تكبير التشريق عن النبي
صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند البيهقي
والدارقطني أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كبر
بعد صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر آخر أيام
التشريق. وفي إسناده عمرو بن بشر وهو متروك
عن جابر الجعفي وهو ضعيف عن عبد الرحمن بن
سابط قال البيهقي: لا يحتج به عن جابر بن
عبد اللَّه وروي من طريق أخرى مختلفة أخرجها
الدارقطني مدارها على عبد الرحمن المذكور
واختلف فيها في شيخ جابر الجعفي. ورواه
الحاكم من وجه آخر عن فطر بن خليفة عن أبي
الفضل عن علي وعمار قال: وهو صحيح وصح من
فعل عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود وأخرج
الدارقطني عن عثمان أنه كان يكبر من ظهر يوم
النحر إلى صبح يوم الثالث من أيام التشريق.
وأخرج أيضًا هو والبيهقي عن ابن عمر وزيد بن
ثابت أنهما كانا يفعلان ذلك وجاء عن ابن عمر
خلاف ذلك رواه ابن أبي شيبة. وأخرج
الدارقطني عن جابر وابن عباس أنهما كانا
يكبران ثلاثًا ثلاثًا بسندين ضعيفين. وقال
ابن عبد البر في الاستذكار: صح عن عمر وعلي
وابن مسعود أنهم كانوا يكبرون ثلاثًا ثلاثًا
اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر. وقد
حكى في البحر الإجماع على مشروعية تكبير
التشريق إلا عن النخعي قال: ولا وجه له.
وقد اختلف في محله فحكى في البحر عن علي وابن
عمر والعترة والثوري وأحمد بن حنبل وأبي يوسف
ومحمد وأحد أقوال الشافعي أن محله عقيب كل
صلاة من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق.
وقال عثمان بن عفان وابن عباس وزيد بن علي
ومالك والشافعي في أحد أقواله: بل من ظهر
النحر إلى فجر الخامس. وقال الشافعي في أحد
أقواله: بل من مغرب يوم النحر إلى فجر
الخامس. وقال أبو حنيفة: من فجر عرفة إلى
عصر النحر وقال داود والزهري وسعيد بن جبير:
من ظهر النحر إلى عصر الخامس. قال في
الفتح: وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع
فمنهم من خص التكبير على أعقاب الصلوات.
ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل.
ومنهم من خصه بالرجال دون النساء وبالجماعة
دون المنفرد وبالمؤداة دون المقضية وبالمقيم
دون المسافر وساكن المصر دون القربة. قال:
وللعلماء أيضًا اختلاف في ابتدائه وانتهائه
فقيل من صبح يوم عرفة وقيل من ظهره وقيل من
عصره وقيل من صبح يوم النحر وقيل من ظهره في
الانتهاء إلى ظهر يوم النحر. وقيل إلى عصره
وقيل إلى ظهر ثانيه. وقيل إلى صبح آخر أيام
التشريق. وقيل إلى ظهره. وقيل إلى عصره.
قال: حكى هذه الأقوال كلها النووي إلا
الثاني من الانتهاء. وقد رواه البيهقي عن
أصحاب ابن مسعود ولم يثبت في شيء من ذلك
ج / 3 ص -316-
عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حديث.
وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن
مسعود أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى
أخرجهما ابن المنذر وغيره. وأما صفة التكبير
فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند
صحيح عن سلمان قال: كبروا اللَّه أكبر
اللَّه أكبر اللَّه أكبر كبيرًا. ونقل عن
سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى
أخرجه الفريابي في كتاب العيدين من طريق يزيد
بن أبي الزناد عنهم وهو قول الشافعي وزاد
وللَّه الحمد. وقيل يكبر ثلاثًا ويزيد لا
إله إلا اللَّه وحده لا شريك له الخ. وقيل
يكبر ثنتين بعدهما لا إله إلا اللَّه واللَّه
أكبر اللَّه أكبر وللَّه الحمد جاء ذلك عن عمر
وابن مسعود وبه قال أحمد وإسحاق وقد أحدث في
هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها انتهى
كلام الفتح.
وقد استحسن البعض زيادات
في تكبير التشريق لم ترد عن السلف وقد استوفى
ذلك الإمام المهدي في البحر. والظاهر أن
تكبير التشريق لا يختص استحبابه بعقب الصلوات
بل هو مستحب في كل وقت من تلك الأيام كما يدل
على ذلك الآثار المذكورة. |