نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ط مكتبة الدعوة الإسلامية

ج / 5 ص -331-       كتاب الشفعة
1 - عن جابر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفقة‏"‏‏.‏ رواه أحممد والبخاري‏.‏ وفي لفظ ‏"‏إنما جعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الشفعة‏"‏ الحديث‏.‏ رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه‏:‏وفي لفظ ‏"‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة‏"‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏
2 - وعن أبي هريرة ‏"‏قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"إذا قسمت الدار وحدت فلا شفعة فيها‏"‏ رواه أبو داود وابن ماجه بمعناه‏.‏
3 - وعن جابر ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به‏"‏‏.‏ رواه مسلم والنسائي وأبو داود‏.‏
حديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات‏.‏ قوله ‏"‏قضى بالشفعة‏"‏ قال في الفتح الشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها وهي مأخوذة لغة من الشفع وهو الزوج وقيل من الزيادة وقيل من الإعانة‏.‏ وفي الشرع انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العوض المسمى ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إلا ما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها اه‏.‏
قوله ‏"‏في كل ما لم يقسم‏"‏ طاهر هذا العموم ثبوت الشفعة في جميع الأشياء وأنه لا فرق بين الحيوان والجماد والمنقول وغيره‏.‏ وقد ذهب إلى ذلك العترة ومالك وأبو حنيفة وأصحابه
وسياتي تفصيل الخلاف في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فإذا وقعت الحدود‏"‏ أي حصلت قسمة الحدود في المبيع واتضحت بالقسمة مواضعها قوله‏:‏ ‏"‏وصرفت‏"‏ بضم الصاد وتخفيف الراء المكسورة وقيل بتشديدها أي بينت مصارفها وكأنه من التصريف والتصرف‏.‏ قال ابن مالك معناه خلصت وبانت وهو مشتق من الصرف عنه الخلط فعلى هذا صرف مخفف الراء وعلى الأول أي التصريف والتصرف مشدد‏.‏ قوله ‏"‏فلا شفعة‏"‏ استدل به من قال أن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار وقد حكى في البحر هذا القول عن علي وعمر وعثمان وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمنر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وعبيد اللّه بن الحسن والإمامية وحكى في البحر أيضا عن العترة وأبي حنيفة وأصحابة والثوري وابن أبي ليلى وابن سيرين ثبوت الشفعة بالجوار وأجابوا عن حديث جابر بمن قاله أبو حاتم أن قوله ‏"‏إذا وقعت الحدود‏"‏ الخ مدرج من قوله ورد ذلك بأن الأصل أن كل ما ذكر في

 

ج / 5 ص -332-       الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل ورود ذلك في حديث غيره مشعر بعدم الإدراج بعدم إخراج مسلم لتلك الزيادة ويجاب عنه بأنه قد يقتصر بعض الأئمة على ذكر بعض الحديث والحكم للزيادة لا سيما وقد أخرجها مثل البخاري على أن معنى هذه الزيادة التي أدعى أهل القول الثاني ادراجها هو معنى قوله في كل ما لم يقسم ولا تفاوت إلا بكون دلالة أحدهما على هذا المعنى بالمنطوق والآخر بالمفهوم‏.‏
- احتج - أهل القول الثاني بالأحاديث الواردة في إثبات الشفعة بالجوار كحديث سمرة والشريد ابن سويدج وأبي رافع وجابر وستأتي‏.‏ وأما الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة لمطلق الشريك كما في حديث جابر المذكور من قوله في كل شركة وكما في حديث عبادة بن الصامت الآتي فلا تصلح للاحتجاج بها على ثبوت الشفعة للجار إذ لا شركة بعد القسمة وقد أجاب أهل القول الأول عن الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار بأن المراد بها الجار الأخص وهو الشريك المخالط لأن كل شيء قارب شيئا يقال له جار كما قيل لامرأة الرجل جارة لما بينهما من المخالطة وبهذا يندفع ما قيل أنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا‏.‏ قال ابن المنير ظاهر حديث أبي رافع الآتي أنه كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من منزل سعد ويدل على ذلك ما ذكره عمر بن شبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متابلتين بينهما عشرة أذرع وكانت التي على اليمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه ثم ساق الحديث الآتي فاقتضى كلامه أن سعدا كان جارا لابي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكا كذا قال الحافظ‏.‏ وقال أيضا ذكر بعض الحنفية أنه يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار لأن الجار حقيقة لأن الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك‏.‏ وأجيب بأن محل ذلك عند التجريد وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر الجمع بين حديثي جابر وأبي رافع فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقاً لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقا ثم المشارك في الشرب ثم المشارك في الطريق ثم الجار على من ليس بمجاور وأجيب بأن المفضل عليه مقدر أي الجار أحق من المشتري الذي لا جوار له‏.‏ قال في القاموس الجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم والمجير ووالمستجير والشريك في التجارة وزوج المرأة وما قرب من المنازل والمقاسم والحليف والناصر اه‏.‏
- والحاصل - أن الجار المذكور في الأحاديث الآتية إن كان يطلق على الشريك في الشيء والمجاور له بغير شركة كانت مقتضية بعمومها لثبوت الشفعة لهما جميعا وحديث جابر وأبي هريرة المذكوران يدلان على عدم ثبوت الشفعة للجار الذي لا شركة له فيخصصان عموم أحاديث الجار ولكنه يشكل على هذا الحديث الشريد بن سويد فإن قوله ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار مشعر بثبوت الشفعة لمجرد الجوار وكذلك حديث سمرة لقوله فيه ‏"‏جار الدار أحق بالدار‏"‏ فإن ظاهره أن الجوار المذكور جوار لا شركة فيه ويجاب بأن هذين الحديثين

 

ج / 5 ص -333-       لا يصلحان لمعارضة ما في الصحيح على أنه يمكن الجمع بما في حديث جابر الآتي بلفظ ‏"‏إذا كان طريقهما واحد‏"‏ فإنه يدل على أن الجوار لا يكون مقتضيا للشفعة إلا مع اتحاد الطريق لا بمجرده ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا أن قال بصحة هذا الحديث وقد قال بهذا أعني ثبوت الشفعة للجار مع اتحاد الطريق بعض الشافعية ويؤيده أن شرعية الشفعة إنما هي لدفع الضرر وهو إنما يحصل في الأغلب مع المخالط في الشيء المملوك أو في طريقه ولا ضرر على جار لم يشارك في أصل ولا طريق إلا نادرا واعتبار هذا النادر يستلزم ثبوت الشفعة للجار مع عدم الملاصقة لأن حصول الضرر قد يقع في نادر الحالات كحجب الشمس والإطلاع على العورات ونحوهما من الروائح الكريهة التي يتأذى بها ورفع الأصوات وسماع بعض المنكرات ولا قائل بثبوت الشفعة لمن كان كذلك والضرر النادر غير معتبر لأن الشارع علق الأحكام بالأمور الغالبة فعلى فرض أن الجار لغة لا يطلق إلا على من كان ملاصقا غير مشارك ينبغي تقييد الجوار باتحاد الطريق ومقتضاه أن تثبت الشفعة بمجرد الجوار وهو الحق وقد زعم صاحب المنار أن الأحاديث تقتضي ثبوت الشفعة للجار والشريك ولا منافاة بينها‏.‏ ووجه حديث جابر بتوجيه بارد والصواب ما حررناه‏.‏
قوله ‏"‏في كل شركة‏"‏ في مسلم وسنن أبي داود في كل شرك وهو بكسر الشين المعجمة وإسكان الراء من أشركته في البيع إذا جعلته لك شريكا ثم خفف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني فيقال شرك وشركة كما يقال كلم وكلمة‏.‏ قوله ‏"‏ربعة‏"‏ بفتح الراء وسكون الموحدة تأنيث ربع وهو المنزل الذي يرتبعون فيه في الربيع ثم سمى به الدار والمسكن‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏لا يحل له أن يبيع‏"‏ الخ ظاهره أنه يجب على الشريك إذا أراد البيع أن يؤذن شريكه وقد حكى مثل ذلك القرطبي عن بعض مشايخه وقال شرح الإرشاد الحديث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض على الشريك‏.‏ قال ابن الرفعة ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا ولا محيد عنه وقد قال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط‏.‏ وقال الزركشي أنه صرح به الفارقي‏.‏ قال الأذرعي أنه الذي يقتضيه نص الشافعي وحمله الجمهور من الشافعية وغيرهم على الندب وكراهة ترك الأهلام قالوا لأنه يصدق على المكروه أنه ليس بحلال وهذا إنما يتم إذا كان اسم الحلال مختصا بما كان مباحا أو مندوبا أو واجبا وهو ممنوع فإن المكروه من أقسام الحلال كما تقرر في الأصول‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به‏"‏ فيه دليل على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يؤذنه شريكه بالبيع وأما إذا أعلمه الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذه بالشفعة فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والهادوية وابن أبي ليلى والبتي وجمهور أهل العلم أن له أن يأخذه بالشفعة ولا يكون مجرد الأذن مبطلا لها‏.‏ وقال الثوري والحكم وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث ليس له أن يأخذه بالشفعة بعد وقوع الإذن منه بالبيع وعن أحمد روايتان كالمذهبين ودليل الآخرين مفهوم الشرط فإنه يقتضي عدم ثبوت الشفعة مع الإيذان مع البائع‏.‏ ودليل الأولين الأحاديث الواردة في سفعة الشريك والجار من غير تقييد وهي منطوقات لا يقاومها ذلك

 

ج / 5 ص -334-       المفهوم ويجاب بأن المفهوم المذكور صالح لتقييد تلك المطلقات عند من عمل بمفهوم الشرط من أهل العلم والترجيح إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وقد أمكن ههنا بحمل المطلق عل المقيد‏.‏
4 - وعن عبادة بن الصامت ‏"‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور‏"‏‏.‏ رواه عبد اللّه بن أحمد في المسند ويحتج بعمومه من أثبتها للشريك فيما تضره القسمة‏.‏
5 - وعن سمرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏
"‏جار الدار أحق بالدار من غيره‏"‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏
6 - وعن الشريد بن سويد قال ‏"‏قلت يا رسول اللّه أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال
"الجار أحق بسقبه ما كان‏"‏‏.‏ رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ولابن ماجه مختصر ‏"‏الشريك أحق بسقبه ما كان‏"‏‏.‏
حديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وهو من رواية إسحاق عن عبادة ولم يدركه وتشهد لصحته الأحاديث الواردة في ثبوت الشفعة فما هو أعم من الأرض والدار كحديث جابر المتقدم وكحديث ابن عباس عند البيهقي مرفوعا بلفظ
‏"‏الشفعة في كل شيء‏"‏ ورجاله ثقات الا أنه أعل بالإرسال‏.‏ وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس بروايه كما قال الحافظ ويشهد لحديث عبادة أيضا الأحاديث الواردة بثبوت الشفعة في خصوص الأرض كحديث شريد بن سويد المذكور في خصوص الدار كحديث سمرة المذكور أيضا وهكذا تشهد له الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار على العموم وحديث سمرة أخرجه أيضا البيهقي والطبراني والضياء وفي سماع الحسن عن سمرة مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه ولكنه أخرج هذا الحديث أبو بكر ابن أبي خيثمة في تاريخه والطحاوي وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والضياء عن أنس وأخرجه ابن سعد عن الشريد بن سويد بلفظ حديث سمرة المذكور وحديث الشريد بن سويد أخرجه أيضا عبد الرزاق والطيالسي والدارقطني والبيهقي قال في المعالم إن حديث الجار أحق بسقيه لم يروه أحد غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وتكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث قال وقد تكلم الناس في إسناد هذا الحديث واضطراب الرواة فيه فقال بعضهم عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع وأرسله بعضهم والأحاديث التي جاءت في نقيضه أسانيدها جياد ليس في شيء منا اضطراب‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏جار الدار أحق‏"‏ قال في شرح السنة هذه اللفظة تستعمل فيمن لا يكون غيره أحق منه والشريك بهذه الصفة أحق من غيره وليس غيره أحق منه وقد استدل بهذا القائلون بثبوت الشفعة للجار وأجاب المانعون بأنه محمول على تعهده بالأحسان والبر بسبب قرب داره كذا قال الشافعي ولا

 

ج / 5 ص -335-       يخفى بعده ولكنه ينبغي أن يقيد بما سيأتي من اتحاد الطريق ومقتضاه عدم ثبوت الشفعة بمجرد الجوار‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أحق بسقبه‏"‏ بفتح السين المهملة ويجوز فتح القاف واسكانها وهو القرب والمجاورة‏.‏ وقد استدل بهذا الحديث القائلون بثبوت شفعه الجار وأجاب المانعون بما سلف قال البغوي ليس في هذا الحديث ذكر الشفعة فيحتمل أن يكون المراد به الشفعة ويحتمل أن يكون أحق بالبر والمعونة اه ولا يخفى بعد هذا الحمل لاسيما بعد قوله ‏"‏ليس لأحد فيها شرك‏"‏ والأولى الجواب بحمل هذا المطلق على المقيد الآتي من حديث جابر ‏"‏لا يقال‏"‏ ان نفي الشرك فيها يدل على عدم اتحاد الطريق فلا يصح تقييده بحديث جابر الآتي لانا نقول إنما الشرك عن الأرض لا عن طريقها ولو سلم عدم صحة التقييد باتحاد الطريق فأحاديث إثبات الشفعة بالجوار مخصصة بما سلف ولو فرض عدم صحة التخصيص للتصريح بنفي الشركة فهي مع مافيها من المقال لا تنتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بنفي شفعة الجار الذي ليس بمشارك كما تقدم‏.‏
7 - وعن عمرو بن الشريد قال ‏"‏وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور ابن مخرمة ثم جاء أبو رافع مولى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ياسعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد واللّه ما أبتاعها فقال المسور واللّه لتبتاعنها فقال سعد واللّه ما أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول
"الجار أحق بسقبه" ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاها أياه‏"‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏
قوله ‏"‏ابتع بيتي‏"‏ بلفظ التثنية أي البيتين الكائنين في دارك‏.‏ قوله ‏"‏فقال المسور‏"‏ في رواية ان أبا رافع سأل المسوران يساعده على ذلك‏.‏ قوله ‏"‏منجمة أو مقطعة‏"‏ شك من الراوي والمراد مؤجله على أقساط معلومة‏.‏ قوله ‏"‏أربعة آلاف‏"‏ في رواية للبخاري في كتاب ترك الحيل من صحيحه أربع مائة مثقال وهو يدل على أن المثقال إذ ذاك كان بعشرة دراهم والحديث فيه مشروعية العرض على الشريك وقد تقدم الكلام على ذلك وفيه أيضا ثبوت الشفعة بالجوار وقد سلف بيانه‏.‏ قال المصنف رحمه اللّه ومعنى الخبر واللّه أعلم أنما هو الحث على عرض المبيع قبل البيع على الجار وتقديمه على غيره من الزبون كما فهمه الراوي فإنه أعرف بما سمع اه الربن الدفع ويطلق على بيع المزابنة وقد تقدم وعلى بيع المجهول بالمجهول من جنسه وعلى بيع المغابنة في الجنس الذي لا يجوز فيه الغبن أفاد معنى ذلك في القاموس‏.‏
8 - وعن عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر ‏"‏قال قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم
"الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وان كان غائبا إذا كان

 

ج / 5 ص -336-       طريقهما واحدا‏"‏‏.‏ رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏
الحديث حسنه الترمذي قال ولانعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث اه وقال الشافعي نخاف أن لا يكون محفوظا وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا اه قال المصنف رحمه اللّه تعالى وعبد الملك هذا ثقة مأمون ولكن قد أنكر عليه هذا الحديث قال شعبة سها فيه عبد الملك فإن روى حديثا مثله طرحت حديثه ثم ترك شعبة التحديث عنه وقال أحمد هذا الحديث منكر وقال ابن معين لم يروه غير عبد الملك وقد أنكروه عليه قلت ويقوى ضعفه رواية جابر الصحيحة المشهورة المذكورة في أول الباب اه ولا يخفى أنه لم يكن في شيء من كلام هؤلاء الحفاظ ما يقدح بمثله وقد احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك بن أبي سليمان وأخرج له أحاديث واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث‏.‏ قوله ‏"‏ينتظر بها‏"‏ مبني للمفعول قال ابن رسلان يحتمل انتظار الصبي بالسفعة حتى يبلغ وقد أخرج الطبراني في الصغير والأوسط عن جابر أيضا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
"الصبي على شفعته حتى يدرك فإذا أدرك فإن شاء أخذ وإن شاء ترك" وفي إسناده عبد اللّه بن بزيع‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏وان كان غائبا‏"‏ فيه دليل على أن شفعة الغائب لا تبطل وان تراخى وظاهره انه لا يجب عليه السير متى بلغه للطلب أو البعث برسول كما قال مالك وعند الهادوية انه يجب عليه ذلك إذا كان مسافة غيبته ثلاثة أيام فما دونها وإن كانت المسافة فوق ذلك لم يجب‏.‏ قوله ‏"‏إذا كان طريقهما واحدا‏"‏ فيه دليل على أن الجوار بمجرده لا تثبت به الشفعة بل لا بد معه من اتحاد الطريق ويؤيد هذا الأعتبار قوله في حديث جابر وأبي هريرة المتقدمين فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة‏.‏ وقد أسلفنا الكلام على الشفعة بمجرد الجوار‏.‏
‏ـ فائدة‏ ـ‏ من الأحاديث الواردة في الشفعة حديث ابن عمر عند ابن ماجه والبزار بلفظ ‏"‏لاشفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل عقال‏"‏ وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني وله مناكير كثيرة‏.‏ وقال الحافظ في إسناده ضعيف جدا وضعفه ابن عدي وقال ابن حبان لا أصل له‏.‏ وقال أبو زرعة منكر‏.‏ وقال البيهقي ليس بثابت وروى هذا الحديث ابن حزم عن ابن عمر أيضا بلفظ ‏"‏الشفعة كحل العقال فإن قيدها مكانه ثبت حقه وإلا فاللوم عليه‏"‏ وذكره عبد الحق في الأحكام عنه تعقبه ابن القطان بأنه لم يروه في المحلى ولعله في غير المحلى‏.‏ وأخرج عبد الرزاق من قول شريح إنما الشفعة لمن واثبها وذكره قاسم بن ثابت في دلائله ورواه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي بلا إسناد بلفظ ‏"‏الشفعة لمن واثبها‏"‏ أي بادر إليها ويُروى ‏"‏الشفعة كنشط عقال‏"‏‏.