نيل
الأوطار ط دار الحديث [نيل الأوطار]
[أَبْوَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا
يُسْتَحَبُّ] [بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ]
حَدِيثُ رَافِعٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَاهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ
أَنَّهُ قَالَ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ،
وَبَالَغَ أَبُو حَاتِمٍ فَقَالَ: وَعِنْدِي مِنْ طَرِيقِ
رَافِعٍ بَاطِلٌ. وَنُقِلَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ
أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَضْعَفُ أَحَادِيثِ الْبَابِ.
وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ
وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا
رُوِيَ فِي الْبَابِ. وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ
الْبُخَارِيِّ وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ تَبَعًا
لِعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ
فِي الْعِلَلِ. وَحَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَخْرَجَهُ
أَيْضًا النَّسَائِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ
وَصَحَّحَاهُ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ. وَحَدِيثُ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ مِنْ
طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ
شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ. وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ، وَفِيهِ
لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَحَدِيثُ
أُسَامَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَفِيهِ
اخْتِلَافٌ. وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ الْآخَرُ أَخْرَجَهُ
أَيْضًا النَّسَائِيّ وَهُوَ أَحَدُ أَلْفَاظِ حَدِيثِهِ
الْمُشَارِ إلَيْهِ أَوَّلًا. وَحَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ
سِنَانٍ فِي إسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ. وَقَدْ
اخْتَلَطَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ،
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ
فِيهِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى عِنْدَ النَّسَائِيّ
وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: رَفْعُهُ خَطَأٌ وَالْمَوْقُوفُ
أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلَّقَهُ
الْبُخَارِيُّ وَوَصَلَهُ أَيْضًا بِدُونِ ذِكْرِ:
«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ لَهُ» وَعَنْ بِلَالٍ
عِنْدَ النَّسَائِيّ. وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيّ
أَيْضًا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: اُخْتُلِفَ
فِيهِ عَلَى الْحَسَنِ. وَعَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ
عُمَرَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي يَزِيدَ
الْأَنْصَارِيِّ وَابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ
فِي الْكَامِلِ وَالْبَزَّارِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ
اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ بِفِطْرِ
الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا
الْقَضَاءُ وَهُمْ: عَلِيٌّ وَعَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ
وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الْوَلِيدِ
النَّيْسَابُورِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، حَكَاهُ عَنْ
هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ صَاحِبُ الْفَتْحِ، وَصَرَّحَ
بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ
وَالْمَحْجُومُ لَهُ، وَهُوَ يَرُدُّ مَا قَالَهُ
الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ الْمَغْرِبِيُّ
فِي شَرْحِ بُلُوغِ الْمَرَامِ وَصَاحِبُ ضَوْءِ
النَّهَارِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ
الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْحَاجِمَ يُفْطِرُ. وَمِنْ
الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ
وَالْمَحْجُومُ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ. قَالَ
الزَّعْفَرَانِيُّ: إنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ
بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَبِذَلِكَ قَالَ
الدَّاوُدِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ. وَذَهَبَ
الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْسِدُ
الصَّوْمَ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ
الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَابْنُهُ الْحَسَنُ
وَأَنَسٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
(4/238)
1645 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ: «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ) .
1646 - (وَعَنْ «ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ أَنَّهُ قَالَ
لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ
الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا إلَّا
مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
1647 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّمَا «نَهَى النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ فِي
الصِّيَامِ وَالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ إبْقَاءً عَلَى
أَصْحَابِهِ وَلَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَعَنْ الْعِتْرَةِ وَأَكْثَرِ
الْفُقَهَاءِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ
وَالصَّادِقِ. قَالَ الْحَازِمِيُّ: مِمَّنْ رَوَيْنَا
عَنْهُ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ سَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقَّاصٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ مَسْعُودٍ
وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَابْنُ عُمَرَ
وَأَنَسٌ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَمِنْ
التَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ الشَّعْبِيُّ وَعُرْوَةُ
وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ
وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ
وَإِبْرَاهِيمُ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُ إلَّا ابْنَ الْمُنْذِرِ.
وَأَجَابُوا عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّهَا
مَنْسُوخَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي سَتَأْتِي. وَأُجِيبَ
عَنْ ذَلِكَ بِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي شَرْحِهَا،
وَأَجَابُوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ
وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي
الْمَعْرِفَةِ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ
وَالْمَحْجُومُ» لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ،
وَرَدَّ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ
وَهُوَ مَتْرُوكٌ، وَحَكَمَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ بِأَنَّهُ
حَدِيثٌ بَاطِلٌ. قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: جَاءَ
بَعْضُهُمْ بِأُعْجُوبَةٍ، فَزَعَمَ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ: «أَفْطَرَ
الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» لِأَنَّهُمَا كَانَا
يَغْتَابَانِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَالْغِيبَةُ تُفْطِرُ
الصَّائِمَ؟ قَالَ: لَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَخْرُجُ مِنْ
مُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ بِلَا شُبْهَةٍ. وَأَجَابُوا
أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: «أَفْطَرَ
الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» أَنَّهُمَا سَيُفْطِرَانِ
بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ الْأَمْرُ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]
، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُ هَذَا
التَّأْوِيلِ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ:
مَعْنَى " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ " أَيْ
تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ، أَمَّا الْحَاجِمُ فَلِأَنَّهُ
لَا يَأْمَنُ وُصُولُ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ إلَى جَوْفِهِ
عِنْدَ الْمَصِّ، وَإِنَّمَا الْمَحْجُومُ فَلِأَنَّهُ لَا
يَأْمَنُ مِنْ ضَعْفِ قُوَّتِهِ بِخُرُوجِ الدَّمِ،
فَيَئُولُ أَمْرُهُ إلَى. أَنْ يُفْطِرَ، وَهَذَا أَيْضًا
جَوَابٌ مُتَكَلَّفٌ وَسِيَاقُ التَّصْرِيحِ بِمَا هُوَ
الْحَقُّ.
1645 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ
مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ: «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ) .
1646 - (وَعَنْ «ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ أَنَّهُ قَالَ
لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ
الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا إلَّا
مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
1647 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّمَا «نَهَى النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ فِي
الصِّيَامِ وَالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ إبْقَاءً عَلَى
أَصْحَابِهِ وَلَمْ
(4/239)
يُحَرِّمْهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد) .
1648 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ
الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَمَرَّ بِهِ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: أَفْطَرَ هَذَانِ، ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ فِي
الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ. وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ
وَهُوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ:
كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
يُحَرِّمْهُمَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد) .
1648 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَوَّلُ مَا كُرِهَتْ
الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَمَرَّ بِهِ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: أَفْطَرَ هَذَانِ، ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ فِي
الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ. وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ
وَهُوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ:
كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً) . حَدِيثُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ كَمَا
حَكَاهُ فِي التَّلْخِيصِ عَنْ بَعْضِ الْحُفَّاظِ.
الْأَوَّلُ: «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» . الثَّانِي:
«احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» . الثَّالِثُ: كَالرِّوَايَةِ
الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ. الرَّابِعُ:
كَالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا
الْمُصَنِّفُ. وَقَدْ أَخْرَجَ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ مِنْ
الْأَرْبَعَةِ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَلَهُ طُرُقٌ شَتَّى عِنْدَ
النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَجَابِرٍ.
وَالثَّانِي رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ
الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَكِنْ
أُعِلَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَسْمُوعِ الْحَكَمِ عَنْ
مِقْسَمٍ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى. وَالثَّالِثُ:
أَخْرَجَهُ مَنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ
الرَّابِعُ، وَأَعَلَّهُ أَحْمَدُ وَعَلِيُّ بْنُ
الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ
فِيهِ صَائِمٌ إنَّمَا هُوَ مُحْرِمٌ عِنْدَ أَصْحَابِ
ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هَذَا خَطَأٌ
أَخْطَأَ فِيهِ شَرِيكٌ. وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: إنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ
مُحْرِمًا صَائِمًا لِأَنَّهُ خَرَجَ فِي رَمَضَانَ فِي
غَزَاةِ الْفَتْحِ وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا انْتَهَى.
وَإِذَا صَحَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ
كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ وَقَعَ فِي
حَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَهَذَا لَا مَانِعَ مِنْهُ،
وَقَدْ صَحَّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ
مُسَافِرٌ ". وَزَادَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ " أَنَّ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ ". قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
مُفْطِرًا كَمَا صَحَّ «أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ أَرْسَلَتْ
إلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبَهُ وَهُوَ وَاقِفٌ
بِعَرَفَةَ» وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ ذَلِكَ قَدْ قَالَ
ابْنُ خُزَيْمَةَ: هَذَا الْخَبَرُ لَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ؛ لِأَنَّهُ
إنَّمَا احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ فِي سَفَرٍ لَا
فِي حَضَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا
مُقِيمًا بِبَلَدٍ.
قَالَ: وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ وَلَوْ نَوَى
الصَّوْمَ وَمَضَى عَلَيْهِ بَعْضُ النَّهَارِ، خِلَافًا
لَمَنْ أَبَى ذَلِكَ ثُمَّ احْتَجَّ لَهُ، لَكِنْ
تَعَقَّبَ عَلَيْهِ الْخَطَّابِيِّ بِأَنَّ قَوْلَهُ:
وَهُوَ صَائِمٌ دَالٌّ عَلَى بَقَاءِ الصَّوْمِ. قَالَ
الْحَافِظُ: قُلْتُ: وَلَا مَانِعَ مِنْ إطْلَاقِ ذَلِكَ
بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَالَةَ الِاحْتِجَامِ
لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إنَّمَا أَفْطَرَ
بِالِاحْتِجَامِ انْتَهَى. وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْأَوَّلُ
اعْتَرَضَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ
إسْنَادِهِ حُمَيْدٍ مَا بَيْنَ شُعْبَةَ وَثَابِتٍ
الْبُنَانِيَّ. وَقَالَ الْحَافِظُ: إنَّ الْخَلَلَ وَقَعَ
فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْبُخَارِيِّ وَبَيَّنَ
(4/240)
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَيْءِ
وَالِاكْتِحَالِ
1649 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ ذَرَعَهُ
الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
وَجْهَ ذَلِكَ.
وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَالْجَهَالَةُ
بِالصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ.
وَقَوْلُهُ: " إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ " مُتَعَلِّقٌ
بِقَوْلِهِ: نَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ
عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ هَذَا،
وَلَفْظُهُ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: إنَّمَا «نَهَى النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحِجَامَةِ
لَلصَّائِمِ وَكَرِهَهَا لِلضَّعِيفِ» أَيْ لِئَلَّا
يَضْعُفَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْآخَرُ قَالَ فِي الْفَتْحِ:
رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
«رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فِي الْحِجَامَةِ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ
خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ الْحَافِظُ:
إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنْ
اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَاسْتُشْهِدَ لَهُ
بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ. وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ
عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا
يُفْطِرْنَ: الْقَيْءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ»
وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ
أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا
الْحَدِيثُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَقَدْ رَوَاهُ
الدَّرَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرَجَّحَهُ أَبُو
حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ
وَأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، وَتَبِعَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ
عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ مَوْصُولًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ،
وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ: وَرَوَاهُ
هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدٍ مَوْصُولًا وَلَا
يَصِحُّ، وَأَخْرَجَهُ فِي السُّنَنِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ
وَهُوَ مَعْلُولٌ، وَعَنْ ثَوْبَانَ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ
الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ
الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ
عَبَّاسٍ لَا يَصْلُحُ لِنَسْخِ الْأَحَادِيثِ
السَّابِقَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ
تَأَخُّرَهُ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ عَدَمِ انْتِهَاضِ تِلْكَ
الزِّيَادَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وَإِنَّمَا ثَانِيًا فَغَايَةُ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاقِعُ بَعْدَ عُمُومٍ
يَشْمَلُهُ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا لَهُ مِنْ الْعُمُومِ
لَا رَافِعًا لِحُكْمِ الْعَامِّ، نَعَمْ حَدِيثُ ابْنِ
أَبِي لَيْلَى وَأَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْحِجَامَةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ وَلَا مُوجِبَةٍ
لِإِفْطَارِ الْحَاجِمِ وَلَا الْمَحْجُومِ، فَيُجْمَعُ
بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ
فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا وَتَزْدَادُ
الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إلَى حَدٍّ
يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِفْطَارِ، وَلَا تُكْرَهُ فِي حَقِّ
مَنْ كَانَ لَا يَضْعَفُ بِهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ
تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى،
فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: " أَفْطَرَ الْحَاجِمُ
وَالْمَحْجُومُ " عَلَى الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ
الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ.
(4/241)
قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا
فَلْيَقْضِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَيْءِ وَالِاكْتِحَالِ]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَلَهُ أَلْفَاظٌ. قَالَ
النَّسَائِيّ: وَقَفَهُ عَطَاءٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ
حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ. وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ: لَا أُرَاهُ مَحْفُوظًا، وَقَدْ رُوِيَ
مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَلَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ. وَقَالَ
أَبُو دَاوُد وَبَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَا نَرَاهُ
مَحْفُوظًا. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَنْكَرَهُ أَحْمَدُ
وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: لَيْسَ مِنْ ذَا شَيْءٌ، يَعْنِي
أَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيِّ.
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِهِمَا.
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عِنْدَ
مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ وَالشَّافِعِيِّ بِلَفْظِ: «مَنْ
اسْتَقَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَمَنْ
ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ» .
قَوْلُهُ: (مَنْ ذَرَعَهُ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هُوَ
بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ غَلَبَهُ قَوْلُهُ:
(مَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا) أَيْ اسْتَدْعَى الْقَيْءَ
وَطَلَبَ خُرُوجَهُ تَعَمُّدًا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ صَوْمُ مَنْ غَلَبَهُ
الْقَيْءُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَيَبْطُلُ
صَوْمُ مَنْ تَعَمَّدَ إخْرَاجَهُ وَلَمْ يَغْلِبْهُ
وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا
عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَزَيْدُ
بْنُ عَلِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامُ
يَحْيَى حَكَى ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْبَحْرِ. وَحَكَى
ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَعَمُّدَ
الْقَيْءِ يُفْسِدُ الصِّيَامَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ
وَعِكْرِمَةُ وَرَبِيعَةُ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ:
إنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ سَوَاءً كَانَ غَالِبًا
أَوْ مُسْتَخْرَجًا مَا لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ شَيْءٌ
بِاخْتِيَارٍ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا
بِلَفْظِ: «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ: الْقَيْءُ،
وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ
فِيهِ الْمَقَالُ الْمُتَقَدِّمُ فَلَا يَنْتَهِضُ مَعَهُ
لِلِاسْتِدْلَالِ.
وَلَوْ سُلِّمَ صَلَاحِيَّتُهُ لِذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ
كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ
وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ أَنَّ الْقَيْءَ لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا،
وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ
نَوْعٌ مِنْهُ خَاصٌّ، فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى
الْخَاصِّ، وَيُؤَيِّدُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا
أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ الْجَارُودِ وَابْنُ حِبَّانَ
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ
وَابْنُ مَنْدَهْ وَالْحَاكِمُ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي
الدَّرْدَاءِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاءَ فَأَفْطَرَ» قَالَ مَعْدَانُ
بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الرَّاوِي لَهُ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ: " فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ
دِمَشْقَ فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ
أَخْبَرَنِي، فَذَكَرَهُ، فَقَالَ: صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ
عَلَيْهِ وَضُوءَهُ " قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إسْنَادُهُ
صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ، وَتَرَكَهُ الشَّيْخَانِ لَاخْتِلَافٍ
فِي إسْنَادِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: جَوَّدَهُ حُسَيْنٌ
الْمُعَلِّمُ وَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا
حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إسْنَادِهِ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ
مَحْمُولٌ عَلَى الْقَيْءِ عَامِدًا، وَكَأَنَّهُ كَانَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَائِمًا تَطَوُّعًا،
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ وَلَا
تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ..
(4/242)
1650 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ
عَنْ النَّوْمِ، وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَفِي
إسْنَادِهِ مَقَالٌ قَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ
الرَّحْمَنِ هَذَا ضَعِيفٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ
الرَّازِيّ: هُوَ صَدُوقٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ قَالَ ابْنُ الْمُعِينِ أَيْضًا: هُوَ
مُنْكَرٌ. وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: إنَّهُ رُوِيَ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَقَلَبَ اسْمَهُ أَوَّلًا
فَقَالَ: عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ
غَلِطَ فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ، ثُمَّ النُّعْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ غَيْرُ
مَعْرُوفٍ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ
شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى فَقَالَا: إنَّ
الْكُحْلَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَخَالَفَهُمْ الْعِتْرَةُ
وَالْفُقَهَاءُ فَقَالُوا: إنَّ الْكُحْلَ لَا يُفْسِدُ
الصَّوْمَ. وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ
لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ
شُبْرُمَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى بِمَا أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ
وَالْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ» .
قَالَ: وَإِذَا وَجَدَ طَعْمَهُ فَقَدْ دَخَلَ. وَيُجَابُ
بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ الْفَضْلَ بْنَ مُخْتَارٍ وَهُوَ
ضَعِيفٌ جِدًّا.
وَفِيهِ أَيْضًا شُعْبَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ
ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الْأَصْلُ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
لَا يَثْبُتُ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ
مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
ظَبْيَانَ عَنْهُ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي أُمَامَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ
أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ. وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مَرْفُوعًا. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ
الْكُحْلَ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ
مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَحَلَ فِي رَمَضَانَ
وَهُوَ صَائِمٌ» .
وَفِي إسْنَادِهِ بَقِيَّةُ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ
هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ، وَالزُّبَيْدِيُّ الْمَذْكُورُ
اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ
عَدِيٍّ وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَرْجَمَتِهِ،
وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي
رِوَايَتِهِ، وَزَادَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَقَالَ
النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَ:
وَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ
بَقِيَّةَ عَنْ الْمَجْهُولِينَ مَرْدُودَةٌ انْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ
بِمَجْهُولٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ
الْجَبَّارِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَفَرَّقَ ابْنُ عَدِيٍّ بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ فَقَالَ: هُوَ مَجْهُولٌ،
وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَقَالَ: هُوَ ضَعِيفٌ،
وَهُمَا وَاحِدٌ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ
صَائِمٌ» قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: هَذَا
حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّهُ مُنْكَرُ
الْحَدِيثِ، وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَاهُ ابْنُ
حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ،
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَسَنَدُهُ مُقَارِبٌ. وَرَوَاهُ
ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ لَهُ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا بِلَفْظِ: «خَرَجَ عَلَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَعَيْنَاهُ مَمْلُوءَتَانِ مِنْ
(4/243)
بَابُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا
1651 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ
نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ
صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ»
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.
وَفِي لَفْظٍ «إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا، أَوْ
شَرِبَ نَاسِيًا، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ
إلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَفِي لَفْظٍ «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ
نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» قَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ
ثِقَةٌ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْإِثْمِدِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ»
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي
الْإِذْنِ فِيهِ لِمَنْ اشْتَكَتْ عَيْنُهُ وَقَالَ:
إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ
النَّبِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ. وَرَوَاهُ أَبُو
دَاوُد مِنْ فِعْلِ أَنَسٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا
بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ
بَرِيرَةَ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ فِي الطَّبَرَانِيِّ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ
لِلْبَيْهَقِيِّ.
وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ
الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ لَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَّا
بِدَلِيلٍ، وَلَيْسَ فِي الْبَابِ مَا يَصْلُحُ لِلنَّقْلِ
لَا سِيَّمَا بَعْدَ أَنْ شَدَّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ
عَضُدِهَا، وَهِيَ عَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَّةِ حَدِيثِ
الْفِطْرِ مِمَّا دَخَلَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ يَكُونُ
اكْتِحَالُ النَّبِيِّ مُخَصِّصًا لِلْكُحْلِ، وَكَذَلِكَ
عَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَّةِ حَدِيثِ الْبَابِ يَكُونُ
مَحْمُولًا عَلَى الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِ الْكُحْلِ
الْمُطَيِّبِ؛ لِأَنَّ الْمُرَوِّحَ هُوَ الْمُطَيِّبُ
فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَا طِيبَ فِيهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ
يُقَالَ: حَدِيثُ الِاكْتِحَالِ صَارِفٌ لِلْأَمْرِ عَنْ
حَقِيقَتِهِ، أَعْنِي الْوُجُوبَ، فَيَكُونُ الِاكْتِحَالُ
مَكْرُوهًا، وَلَكِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَفْعَلَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هُوَ مَكْرُوهٌ.
قَوْلُهُ: (بِالْإِثْمِدِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: وَهُوَ
حَجَرٌ لِلْكُحْلِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
[بَابُ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا]
. لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيّ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ مِنْ
رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ عَنْ
ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ
وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ إنَّ
رُوَاتَهُ كُلَّهُمْ ثِقَاتٌ. وَاللَّفْظُ الثَّانِي
أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ. قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ:
وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ تَعَقَّبَ قَوْلَ الدَّارَقُطْنِيّ
أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ
الْأَنْصَارِيِّ بِأَنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ أَيْضًا
أَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيِّ
عَنْ الْأَنْصَارِيِّ بِأَنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيّ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ
أَيْضًا، فَالْأَنْصَارِيُّ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِهِ
كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ. قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِذِكْرِ
إسْقَاطِ الْقَضَاءِ فَقَطْ لَا بِتَعْيِينِ رَمَضَانَ.
وَقَدْ
(4/244)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
مَرْفُوعًا: «مَنْ أَكَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا
فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ» . قَالَ الْحَافِظُ:
وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ صَالِحٌ
لِلْمُتَابَعَةِ، فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْحَدِيثِ بِهَذِهِ
الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَيَصْلُحُ
لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاحْتِجَاجُ فِي
كَثِيرٍ. مِنْ الْمَسَائِلِ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي
الْقُوَّةِ، وَيُعْتَضَدُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ أَفْتَى
بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ
لَهُمْ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَزْمٍ
وَغَيْرُهُمَا، مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنِ ثَابِتٍ
وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ هُوَ مُوَافِقٌ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا
كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] ، فَالنِّسْيَانُ
لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْقُلُوبِ وَمُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ
فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ بِعَمْدِ الْأَكْلِ لَا
بِنِسْيَانِهِ انْتَهَى. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا
الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَلَا
يُفْسَدُ صَوْمُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا
كَفَّارَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى
وَالْقَاسِمِيَّةُ: إنَّ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَقَدْ
بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ. وَاعْتَذَرَ
بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ خَبَرٌ
وَاحِدٌ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ وَهُوَ اعْتِذَارٌ
بَاطِلٌ. وَالْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي
الصِّيَامِ، وَلَوْ فُتِحَ بَابُ رَدِّ الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ بِمِثْلِ هَذَا لَمَا بَقِيَ مِنْ الْحَدِيثِ
إلَّا الْقَلِيلُ وَلَرَدَّ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى
التَّطَوُّعِ، حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ عَنْ ابْنِ
شَعْبَانَ، وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ الْقِصَارِ وَاعْتَذَرَ
بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ تَعْيِينُ رَمَضَانَ
وَهُوَ حَمْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاعْتِذَارٌ فَاسِدٌ
يَرُدُّهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ
التَّصْرِيحِ بِالْقَضَاءِ. وَمِنْ الْغَرَائِبِ تَمَسُّكُ
بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ وَوُجُوبِ
الْقَضَاءِ بِمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْمُجَامِعِ
بِلَفْظِ: " وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ " قَالَ: وَلَمْ
يَسْأَلْهُ هَلْ جَامَعَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا؟ وَهَذَا
يَرُدُّهُ مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ
عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِلَفْظِ: فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُبْ
إلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرْهُ وَتَصَدَّقْ وَاقْضِ يَوْمًا
مَكَانَهُ» وَالتَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ إنَّمَا
يَكُونَانِ عَنْ الْعَمْدِ لَا عَنْ الْخَطَأِ، وَأَيْضًا
بَعْدَ تَسْلِيمِ تَنْزِيلِ تَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ
مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ يَكُونُ حَدِيثُ الْبَابِ
مُخَصِّصًا لَهُ فَلَمْ يَبْقَ مَا يُوجِبُ تَرْكَ
الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ.
وَأَمَّا اعْتِذَارُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ
الْحَدِيثِ بِأَنَّ الصَّوْمَ قَدْ فَاتَ رُكْنُهُ وَهُوَ
مِنْ بَابِ الْمَأْمُورَاتِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ
النِّسْيَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَأْمُورَاتِ،
فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ غَايَةَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ
الْمُدَّعَاةِ أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الدَّلِيلِ
فَيَكُونُ حَدِيثُ الْبَابِ مُخَصِّصًا لَهَا. قَوْلُهُ:
(فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ) هُوَ كِنَايَةٌ
عَنْ عَدَمِ الْإِثْمِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مِنْ
اللَّهِ كَانَ الْإِثْمُ مُنْتَفِيًا. قَوْلُهُ: (مَنْ
أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ) ظَاهِرٌ يَشْمَلُ
الْمُجَامِعَ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِهِمْ لَمْ
يَنْظُرْ إلَى هَذَا الْعُمُومِ وَقَالَ: إنَّهُ مُلْحَقٌ
بِمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، وَبَعْضُهُمْ مَنَعَ مِنْ
الْإِلْحَاقِ لِقُصُورِ حَالَةِ الْمُجَامِعِ عَنْ حَالَةِ
الْآكِلِ وَالشَّارِبِ.
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَدَمُ
الْفَرْقِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
عَنْ أُمِّ إِسْحَاقَ «إنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأُتِيَ
بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَأَكَلَتْ مَعَهُ، ثُمَّ
تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا صَائِمَةٌ،
(4/245)
بَابُ التَّحَفُّظِ مِنْ الْغِيبَةِ
وَاللَّغْوِ وَمَا يَقُولُ إذَا شُتِمَ
1652 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ يَوْمُ
صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا
يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ
فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ؛ وَاَلَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ
عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ
فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ
بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
1653 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ
لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ
لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيُّ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
فَقَالَ لَهَا ذُو الْيَدَيْنِ: الْآنَ بَعْدَ مَا
شَبِعْتِ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتِمِّي صَوْمَكِ فَإِنَّمَا هُوَ
رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْكِ» .
[بَابُ التَّحَفُّظِ مِنْ الْغِيبَةِ وَاللَّغْوِ وَمَا
يَقُولُ إذَا شُتِمَ]
قَوْلُهُ: (فَلَا يَرْفُثُ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا،
وَيَجُوزُ فِي مَاضِيه التَّثْلِيثُ، وَالْمُرَادُ بِهِ
هُنَا الْكَلَامُ الْفَاحِشُ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى
بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْفَاءِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى
الْجِمَاعِ وَعَلَى مُقَدِّمَاتِهِ، وَعَلَى ذِكْرِ ذَلِكَ
مَعَ النِّسَاءِ أَوْ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ
مِنْهَا.
وَفِيهِ رِوَايَةٌ " وَلَا يَجْهَلْ " أَيْ لَا يَفْعَلُ
شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْجَهْلِ كَالصِّيَاحِ
وَالسَّفَهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصْخَبْ) الصَّخَبُ: هُوَ الرَّجَّةُ
وَاضْطِرَابُ الْأَصْوَاتِ لِلْخِصَامِ. قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ: لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ غَيْرَ
يَوْمِ الصَّوْمِ يُبَاحُ فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا
الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ يَتَأَكَّدُ
بِالصَّوْمِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَاتَلَهُ) يُمْكِنُ
حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ
بِالْقَتْلِ اللَّعْنُ، فَيَرْجِعُ إلَى مَعْنَى
الشَّتْمِ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ قَاتَلَهُ وَشَاتَمَهُ
عَلَى الْمُفَاعِلَةِ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ مَأْمُورٌ
بِأَنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَقَعُ
ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى إذَا جَاءَ مُتَعَرِّضًا
لِمُقَاتَلَتِهِ أَوْ مُشَاتَمَتِهِ كَأَنْ يَبْدَأَهُ
بِقَتْلٍ أَوْ شَتْمٍ اقْتَضَتْ الْعَادَةُ أَنْ
يُكَافِئَهُ عَلَيْهَا، فَالْمُرَادُ بِالْمُفَاعَلَةِ
إرَادَةُ غَيْرِ الصَّائِمِ ذَلِكَ مِنْ الصَّائِمِ،
وَقَدْ تُطْلَقُ الْمُفَاعَلَةُ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ
مِنْ وَاحِدٍ كَمَا يُقَالُ: عَالَجَ الْأَمْرَ
وَعَانَاهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَبْعَدُ مَنْ
حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ: الْمُرَادُ إذَا
بَدَرَتْ مِنْ الصَّائِمِ مُقَابَلَةُ الشَّتْمِ بِشَتْمٍ
عَلَى مُقْتَضَى الطَّبْعِ فَلْيَنْزَجِرْ عَنْ ذَلِكَ.
وَمِمَّا يُبْعِدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ: "
فَإِنْ شَتَمَهُ أَحَدٌ ". قَوْلُهُ: (وَإِنِّي امْرُؤٌ
صَائِمٌ) فِي رِوَايَةٍ لَابْنُ خُزَيْمَةَ
(4/246)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
بِزِيَادَةِ: " وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فَاجْلِسْ " وَمِنْ
الرُّوَاةِ مَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ " إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ
مَرَّتَيْنِ " وَاخْتَلَفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ "
إنِّي صَائِمٌ " هَلْ يُخَاطِبُ بِهَا الَّذِي يَشْتُمُهُ
وَيُقَاتِلُهُ أَوْ يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ،
وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْمُتَوَلِّي وَنَقَلَهُ
الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ
فِي الْأَذْكَارِ الْأَوَّلَ. وَقَالَ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ: كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنٌ، وَالْقَوْلُ
بِاللِّسَانِ أَقْوَى، وَلَوْ جَمَعَهَا لَكَانَ حَسَنًا.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: إنْ كَانَ رَمَضَانُ فَلْيَقُلْ
بِلِسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَلْيَقُلْهُ فِي
نَفْسِهِ. وَادَّعَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ مَوْضِعَ
الْخِلَافِ فِي التَّطَوُّعِ، وَأَمَّا فِي الْفَرْضِ
فَلْيَقُلْهُ بِلِسَانِهِ قَطْعًا. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ) هَذَا الْقَسَمُ لِقَصْدِ
التَّأْكِيدِ. قَوْلُهُ: (لَخُلُوفُ) بِضَمِّ
الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا
فَاءٌ. قَالَ عِيَاضٌ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ
وَبَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُ بِفَتْحِ الْخَاءِ. قَالَ
الْخَطَّابِيِّ: وَهُوَ خَطَأٌ، وَحُكِيَ عَنْ
الْقَابِسِيِّ الْوَجْهَيْنِ، وَبَالَغَ النَّوَوِيُّ فِي
شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ فَتْحُ
الْخَاءِ. وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ لِذَلِكَ بِأَنَّ
الْمَصَادِرَ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى فَعُولٍ بِفَتْحِ
أَوْلِهِ قَلِيلَةٍ، ذَكَرَهَا سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ.
وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا، وَالْخُلُوفُ: تَغَيُّرُ
رَائِحَةِ الْفَمِّ قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ
مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ
الْمَازِرِيُّ: هُوَ مَجَازٌ لِأَنَّهَا جَرَتْ الْعَادَةُ
بِتَقْرِيبِ الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ مِنَّا،
فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِتَقْرِيبِ الصَّائِمِ مِنْ اللَّهِ،
فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ
الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ: أَيْ يَقْرَبُ إلَيْهِ أَكْثَرَ
مِنْ تَقْرِيبِ الْمِسْكِ إلَيْكُمْ، وَإِلَى ذَلِكَ
أَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَإِنَّمَا جُعِلَ مِنْ
بَابِ الْمَجَازِ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ
عَنْ اسْتِطَابَةِ الرَّوَائِحِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ
صِفَاتِ الْحَيَوَانِ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ
عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ الْمَعْنَى: إنَّ حُكْمَ الْخُلُوفِ وَالْمِسْكِ
عِنْدَ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ مَا عِنْدَكُمْ. وَقِيلَ:
الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ يُجَازِيهِ فِي الْآخِرَةِ
فَتَكُونُ نَكْهَتُهُ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ كَمَا
يَأْتِي " الْمَكْلُومُ وَرِيحُ جُرْحِهِ يَفُوحُ مِسْكًا
". قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ
صَاحِبَهُ يَنَالُ مِنْ الثَّوَابِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ
رِيحِ الْمِسْكِ، حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْضًا.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مِنْ الْمَغَارِبَةِ: إنَّ
الْخُلُوفَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ الْمِسْكِ حَيْثُ
نَدَبَ إلَيْهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَمَجَالِسِ
الذِّكْرِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ
هَلْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ
بِالْأَوَّلِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَبِالثَّانِي ابْنُ
عَبْدِ السَّلَامِ.
وَاحْتَجَّ ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ
حِبَّانَ بِلَفْظِ: " فَمُ الصَّائِمِ حِينَ يُخْلِفُ مِنْ
الطَّعَامِ " وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَبِمَا
أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي
مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ
جَابِرٍ بِلَفْظِ: «فَإِنَّ خُلُوفَ أَفْوَاهِهِمْ حِينَ
يُمْسُونَ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ. وَاحْتَجَّ
ابْنُ الصَّلَاحِ أَيْضًا بِأَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ مَا
ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ
السَّلَامِ عَلَى مَا قَالَهُ بِمَا فِي مُسْلِمٍ
وَأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ: " أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ هَذِهِ
الزِّيَادَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى
هَذَا الْخِلَافِ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ السِّوَاكُ
لَلصَّائِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْهُ فِي
مَوْضِعِهِ. قَوْلُهُ:
(4/247)
بَابُ الصَّائِمِ يَتَمَضْمَضُ أَوْ
يَغْتَسِلُ مِنْ الْحَرِّ
1654 - (عَنْ عُمَرَ قَالَ: «هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ
وَأَنَا صَائِمٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا
عَظِيمًا، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟
قُلْتُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: فَفِيمَ» ؟ رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد) .
1655 - (وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُبُّ الْمَاءَ
عَلَى رَأْسِهِ مِنْ الْحَرِّ وَهُوَ صَائِمٌ» . رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
«لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ إذَا أَفْطَرَ» ) . . . إلَخْ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ فَرِحَ بِزَوَالِ جُوعِهِ
وَعَطَشِهِ حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ وَهَذَا
الْفَرَحُ طَبِيعِيٌّ، وَهُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ.
وَقِيلَ: إنَّ فَرَحَهُ لِفِطْرِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ
حَيْثُ إنَّهُ تَمَامُ صَوْمِهِ وَخَاتِمَةُ عِبَادَتِهِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا مَانِعَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى
مَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَ فَفَرَحُ كُلِّ أَحَدٍ
بِحَسَبِهِ لَاخْتِلَافِ مَقَامَاتِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ،
فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فَرَحُهُ مُبَاحًا وَهُوَ
الطَّبِيعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا
وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِتَمَامِ الْعِبَادَةِ بِالْفَرَحِ
وَالْمُرَادُ بِالْفَرَحِ إذَا لَقِيَ رَبَّهُ أَنَّهُ
يَفْرَحُ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْجَزَاءِ
وَالثَّوَابِ. قَوْلُهُ: (الزُّورِ وَالْعَمَلَ) زَادَ
الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ: " وَالْجَهْلَ " وَأَخْرَجَ
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: " مَنْ لَمْ يَدَعْ
الْخَنَى وَالْكَذِبَ " قَالَ الْحَافِظُ: وَرِجَالُهُ
ثِقَاتٌ، وَالْمُرَادُ بِالزُّورِ: الْكَذِبُ. قَوْلُهُ:
(فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ) . . . إلَخْ قَالَ ابْنُ
بَطَّالٍ: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ
يَدَعَ صِيَامَهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ
قَوْلِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ، قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَلَا مَفْهُومَ لِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا
يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فَلَيْسَ
لِلَّهِ إرَادَةٌ فِي صِيَامِهِ، فَوَضَعَ الْحَاجَةَ
مَوْضِعَ الْإِرَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي
حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ: بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ
عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ كَمَا يَقُولُ الْمُغْضَبُ لِمَنْ
رَدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا طَلَبَهُ مِنْهُ فَلَمْ يَقُمْ
بِهِ لَا حَاجَةَ لِي فِي كَذَا.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ
أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى صِيَامِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ
ثَوَابَ الصِّيَامِ لَا يَقُومُ فِي الْمُوَازَنَةِ
بِإِثْمِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ. وَاسْتَدَلَّ
بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ
تُنْقِصُ ثَوَابَ الصَّوْمِ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهَا
صَغَائِرُ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ.
[بَابُ الصَّائِمِ يَتَمَضْمَضُ أَوْ يَغْتَسِلُ مِنْ
الْحَرِّ]
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ
وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ إلَّا
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ
وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَالْحَدِيثُ
(4/248)
بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ
لِلصَّائِمِ إلَّا لِمَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ
1656 - (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ
صَائِمٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
1657 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ
صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ كَانَ
أَمْلَكَكُمْ لَإِرْبِهِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا
النَّسَائِيّ.
وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ
صَائِمٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الثَّانِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ
رِجَالُ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (هَشَشْتُ) بِشِينَيْنِ
مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ نَشِطَتْ وَارْتَحْتُ، وَالْهَشَاشُ
فِي الْأَصْلِ: الِارْتِيَاحُ وَالْخِفَّةُ وَالنَّشَاطُ،
كَذَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَ لَوْ
تَمَضْمَضْتَ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى فِقْهٍ
بَدِيعٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَا تُنْقِصُ
الصَّوْمَ وَهِيَ أَوَّلُ الشُّرْبِ وَمِفْتَاحُهُ،
فَكَذَلِكَ الْقُبْلَةُ لَا تُنْقِصُهُ وَهِيَ مِنْ
دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَأَوَائِلِهِ الَّتِي تَكُونُ
مِفْتَاحًا لَهُ، وَالشُّرْبُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَمَا
يُفْسِدُهُ الْجِمَاعُ، فَكَمَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ
أَوَائِلَ الشُّرْبِ لَا تُفْسِدُ الصِّيَامَ كَذَلِكَ
أَوَائِلَ الْجِمَاعِ لَا تُفْسِدُهُ، وَسَيَأْتِي
الْخِلَافُ فِي التَّقْبِيلِ. قَوْلُهُ: (يَصُبُّ الْمَاءَ
عَلَى رَأْسِهِ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَكْسِرَ الْحَرَّ بِصَبِّ
الْمَاءِ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ كُلِّهِ، وَقَدْ
ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا
بَيْنَ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ
وَالْمُبَاحَةِ.
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ
لِلصَّائِمِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ دُخُولِ
الصَّائِمِ الْحَمَّامَ، وَمَعَ كَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ
مَحَلِّ النِّزَاعِ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ كَمَا قَالَ
الْحَافِظُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ
الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
لِحَدِيثِ الْأَمْرِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ إلَّا
أَنْ يَكُونَ صَائِمًا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَاخْتُلِفَ إذَا
دَخَلَ مِنْ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَى
جَوْفِهِ خَطَأٌ، فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ
وَالْقَاسِمِيَّةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ
قَوْلَيْهِ وَالْمُزَنِيِّ: إنَّهُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ
وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّاصِرُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى
وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ
كَالنَّاسِي. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَفْسُدُ
الصَّوْمُ بَعْدَ الثَّلَاثِ الْمَرَّاتِ. وَقَالَ
الصَّادِقُ: يَفْسُدُ إذَا كَانَ التَّمَضْمُضُ لِغَيْرِ
قُرْبَةٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيِّ:
إنَّهُ يَفْسُدُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِفَرِيضَةٍ.
(4/249)
وَعَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ:
أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ
لَهُ: سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ
غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا
تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي
لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ، وَفِيهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ حُجَّةٌ) .
1659 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتَاهُ
آخَرُ فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ
شَيْخٌ، وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ» . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إلَّا
لِمَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ]
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد
وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ، وَفِي
إسْنَادِهِ أَبُو الْعَنْبَسِ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ
سَكَتُوا عَنْهُ. وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ: مَقْبُولٌ،
وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ
مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ
أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
قَوْلُهُ: (كَانَ يُقَبِّلُهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْبِيلُ لِلصَّائِمِ وَلَا يَفْسُدُ
بِهِ الصَّوْمُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا خِلَافَ
أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إلَّا إنْ أَنْزَلَ بِهَا
وَلَكِنَّهُ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ أَفْتَى
بِإِفْطَارِ مَنْ قَبَّلَ. وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ
قَوْمٍ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ، وَقَدْ قَالَ بِكَرَاهَةِ
التَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَوْمٌ
وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه الْقُبْلَةَ
وَالْمُبَاشَرَةَ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ
عَنْ قَوْمٍ تَحْرِيمَهُمَا، وَأَبَاحَ الْقُبْلَةَ
مُطْلَقًا قَوْمٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ
الْمَنْقُولُ صَحِيحًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
سَعِيدٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَائِفَةٌ
وَبَالَغَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فَقَالَ: إنَّهَا
مُسْتَحَبَّةٌ. وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ الشَّابِّ
وَالشَّيْخِ، فَأَبَاحُوهَا لِلشَّيْخِ دُونَ الشَّابِّ
تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي
الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
وَغَيْرِهِمَا، وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ مَنْ يَمْلِكُ
نَفْسَهُ وَمَنْ لَا يَمْلِكُ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي
الْبَابِ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ وَالشَّافِعِيُّ،
وَلَكِنَّهُ لَيْسَ إلَّا قَوْلٌ لِعَائِشَةَ، نَعَمْ
نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِلشَّابِّ وَإِذْنُهُ لِلشَّيْخِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ التَّقْبِيلُ لِمَنْ خَشِيَ أَنْ تَغْلِبَهُ
الشَّهْوَةُ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ
التَّقْبِيلِ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَحْرِيمِ
التَّقْبِيلِ عَلَى مَنْ كَانَ تَتَحَرَّكُ بِهِ
شَهْوَتُهُ، وَالشَّابُّ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ. وَيُعَارِضُ
حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَهْوَى النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُقَبِّلَنِي، فَقُلْتُ:
إنِّي صَائِمَةٌ، فَقَالَ: وَأَنَا صَائِمٌ فَقَبَّلَنِي»
وَعَائِشَةُ كَانَتْ شَابَّةٌ حِينَئِذٍ، إلَّا أَنْ
يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصًّا
(4/250)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
بِالرِّجَالِ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ
وَالنِّسَاءَ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ. وَيُمْكِنُ
أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلِمَ مِنْ حَالِ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَا
تَتَحَرَّكُ شَهْوَتُهَا بِالتَّقْبِيلِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَمَسُّ
شَيْئًا مِنْ وَجْهِهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ» فَدَلَّ عَلَى
أَنَّهُ كَانَ يُجَنِّبُهَا ذَلِكَ إذَا صَامَتْ
تَنْزِيهًا مِنْهُ لَهَا عَنْ تَحَرُّكِ الشَّهْوَةِ
لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بِمِثْلِهِ. وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ
عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَذْكُورُ عَلَى جَوَازِ
التَّقْبِيلِ لِلصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ
الشَّابِّ وَغَيْرِهِ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخَصُّ
مِنْهُ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ. وَاحْتَجَّ
مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ التَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ
مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ}
[البقرة: 187] قَالُوا: فَمَنَعَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فِي
هَذِهِ الْآيَةِ نَهَارًا. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ
الْمُبِينُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَبَاحَ
الْمُبَاشَرَةَ نَهَارًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَةِ: الْجِمَاعُ لَا مَا
دُونَهُ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا، وَغَايَةُ مَا فِي
الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةً فِي كُلِّ مُبَاشَرَةٍ
مُخَصَّصَةٍ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أُذِنَ بِهِ، وَالْمُرَادُ
بِالْمُبَاشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ
أَعَمُّ مِنْ التَّقْبِيلِ مَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى حَدِّ
الْجِمَاعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: " كَانَ يُقَبِّلُ
وَيُبَاشِرُ " مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ،
لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فِي الْأَصْلِ الْتِقَاءُ
الْبَشَرَتَيْنِ. وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَاشَرَ
الصَّائِمُ أَوْ قَبَّلَ أَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ
أَمْذَى، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ: يَقْضِي
إذَا أَنْزَلَ فِي غَيْرِ النَّظَرِ، وَلَا قَضَاءَ فِي
الْإِمْذَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ: يَقْضِي فِي
كُلِّ ذَلِكَ وَيُكَفِّرُ إلَّا فِي الْإِمْذَاءِ
فَيَقْضِي فَقَطْ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْإِنْزَالَ
أَقْصَى مَا يُطْلَبُ فِي الْجِمَاعِ مِنْ الِالْتِذَاذِ
فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ
عُلِّقَتْ بِالْجِمَاعِ فَقَطْ.
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجِبُ
الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ،
أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، أَمْذَى أَمْ لَمْ يُمْذِ،
وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَى عَبْدُ
الرَّزَّاقِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ
امْرَأَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ. قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ
قُدَامَةَ، إنْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ بِلَا
خِلَافٍ، كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ حَكَى ابْنُ
حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَوْ أَنْزَلَ وَقَوَّى
ذَلِكَ وَذَهَبَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِأَرَبِهِ) بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ: أَيْ
حَاجَتِهِ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ
الرَّاءِ: أَيْ عُضْوِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ، وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ
الْبُخَارِيُّ بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ التَّفْسِيرِ
انْتَهَى.
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
يُقَبِّلُهَا وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» قَالَ الْحَافِظُ:
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْتَلِعْ رِيقَهُ الَّذِي خَالَطَهُ
رِيقُهَا. وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عِنْدَ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ قَبَّلَ
امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَمَرَ امْرَأَتَهُ
فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ،
فَقَالَ زَوْجُهَا: رَخَّصَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ
أَشْيَاءَ، فَرَجَعَتْ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ
بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَتْقَاكُمْ» وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ
لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ.
(4/251)
بَابُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَهُوَ
صَائِمٌ
1660 - (عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةَ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا
جُنُبٌ فَأَصُومُ. فَقَالَ: لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي
لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ
وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد) .
1661 - (وَعَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ
يَصُومُ فِي رَمَضَانَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
1662 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ
جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ لَا حُلُمٍ ثُمَّ لَا يُفْطِرُ وَلَا
يَقْضِي» . أَخْرَجَاهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَهُوَ صَائِمٌ]
هَذِهِ الْأَحَادِيثُ اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ قَالَ: إنَّ
مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ وَلَا قَضَاءَ
عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ أَنْ تَكُونَ الْجَنَابَةُ
عَنْ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ
الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ
الْعِيدِ: إنَّهُ صَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا أَوْ
كَالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَا يُخَالِفُ أَحَادِيثَ الْبَابِ، فَأَخْرَجَ
الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ
لَهُ» وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْعَمَلِ بِحَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ هَذَا بَعْضُ التَّابِعِينَ كَمَا نَقَلَهُ
التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
عَنْ طَاوُسٍ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَهُوَ أَحَدُ
قَوْلَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ
يَصِحَّ عَنْهُ لِأَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ رَوَاهُ عَنْهُ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُهَزَّمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَحَكَى
ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
يُتِمُّ صَوْمَهُ ثُمَّ يَقْضِيهِ. وَرَوَى عَبْدُ
الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَ قَوْلِهِمَا. قَالَ فِي
الْفَتْحِ: وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ
الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ إيجَابُ الْقَضَاءِ،
وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ الطَّحَاوِيُّ اسْتِحْبَابَهُ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ. وَعَنْ
النَّخَعِيّ إيجَابَ الْقَضَاءِ فِي الْفَرْضِ دُونَ
التَّطَوُّعِ.
وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ
كُلَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْجُنُبِ، وَأَمَّا
الْمُحْتَلِمُ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ.
وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ
أَفْتَى مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا مِنْ احْتِلَامٍ أَنْ
يُفْطِرَ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ عِنْدَ النَّسَائِيّ
أَيْضًا «مَنْ احْتَلَمَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ وَاقَعَ
أَهْلَهُ
(4/252)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا
يَصُمْ» وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مَنْ أَصْبَحَ
جُنُبًا يُفْطِرُ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ
مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَرَدَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ
الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَبِأَنَّ
حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
يَقْتَضِي عَدَمَ اخْتِصَاصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَمْرُ إرْشَادٍ إلَى الْأَفْضَلِ، فَإِنَّ
الْأَفْضَلَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَوْ
خَالَفَ جَازَ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى
بَيَانِ الْجَوَازِ. وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ هَذَا
الْجَمْعَ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ
الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ
هُوَ سُلُوكُ طَرِيقِ التَّرْجِيحِ. وَعَنْ ابْنِ
الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِ سُلُوكُ النَّسْخِ وَبِالنَّسْخِ
قَالَ الْخَطَّابِيِّ. وَقَوَّاهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ
بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ
الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] ،
يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْوَطْءِ فِي لَيْلَةِ الصَّوْمِ
وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْوَقْتُ الْمُقَارِنُ لِطُلُوعِ
الْفَجْرِ فَيَلْزَمُ إبَاحَةَ الْجِمَاعِ فِيهِ، وَمِنْ
ضَرُورَتِهِ أَنْ يُصْبِحَ فَاعِلُ ذَلِكَ جُنُبًا وَلَا
يَفْسُدُ صَوْمُهُ. وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ
الرَّجُلِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: " قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَهِيَ إنَّمَا نَزَلَتْ
عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَابْتِدَاءُ فَرْضِ
الصِّيَامِ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَيُؤَيِّدُ
دَعْوَى النَّسْخِ رُجُوعُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
الْفَتْوَى بِذَلِكَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ "
أَنَّهُ لَمَّا أُخْبِرَ بِمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ
وَعَائِشَةُ فَقَالَ: هُمَا أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَفِي رِوَايَةِ
ابْنُ جُرَيْجٍ فَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَمَّا كَانَ
يَقُولُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيّ
أَنَّهُ رَجَعَ، وَكَذَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
أَحَالَ بِذَلِكَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَوَقَعَ
نَحْوُ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ
حَدَّثَهُ بِذَلِكَ الْفَضْلُ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ
أُسَامَةُ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: " كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ مَنْ
أَصْبَحَ جُنُبًا فَقَدْ أَفْطَرَ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ
كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ " فَقَالَ الْحَافِظُ: لَا
يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ مِنْ
رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَمِنْ
حُجَجِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ التَّرْجِيحِ مَا قَالَهُ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ صَحَّ وَتَوَاتَرَ حَدِيثُ
عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي
هُرَيْرَةَ فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ
يُفْتِي بِذَلِكَ، وَأَيْضًا رِوَايَةُ اثْنَيْنِ
مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا سِيَّمَا
وَهُمَا زَوْجَتَانِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالزَّوْجَاتُ أَعْلَمُ
بِأَحْوَالِ الْأَزْوَاجِ، وَأَيْضًا رِوَايَتُهُمَا
مُوَافِقَةٌ لِلْمَنْقُولِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
مَدْلُولِ الْآيَةِ وَلِلْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنَّ
الْغُسْلَ شَيْءٌ وَجَبَ بِالْإِنْزَالِ وَلَيْسَ فِي
فِعْلِهِ شَيْءٌ يُحَرَّمُ عَلَى الصَّائِمِ، فَإِنَّ
الصَّائِمَ قَدْ يَحْتَلِمُ بِالنَّهَارِ فَيَجِب عَلَيْهِ
الْغُسْلُ وَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بَلْ يُتِمُّهُ
إجْمَاعًا قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْضِي) عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ
إلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَمْ نَجِدْهُ فِي
الْبُخَارِيِّ، بَلْ هُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ
فَيُنْظَرُ ذَلِكَ.
(4/253)
بَابُ كَفَّارَةِ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ
رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ
1663 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُل إلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا
أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي
رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟
قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ
تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا:
قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، قَالَ:
تَصَدَّقَ بِهَذَا، قَالَ: فَهَلْ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟
فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجَ إلَيْهِ
مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَقَالَ: اذْهَبْ
فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَفِي لَفْظِ
ابْنِ مَاجَهْ قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً، قَالَ: لَا
أَجِدُهَا، قَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ،
قَالَ: لَا أُطِيقُ، قَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا»
وَذَكَرَهُ.
وَفِيهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ.
وَلِابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي دَاوُد فِي رِوَايَةٍ: " وَصُمْ
يَوْمًا مَكَانَهُ " وَفِي لَفْظٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ
فِيهِ «فَقَالَ: هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ، فَقَالَ: مَا
أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي» . وَذَكَرَهُ،
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ كَفَّارَةِ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ رَمَضَانَ
بِالْجِمَاعِ]
. فِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ،
وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
قَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ مُعَلَّى
بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَذَكَرَ
الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْحَاكِمَ نَظَرَ فِي كِتَابٍ
مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ فَلَمْ يَجِدْ هَذِهِ
اللَّفْظَةَ، يَعْنِي " هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ "
وَأَخْرَجَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَكَرَ
أَنَّهَا أُدْخِلَتْ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ فِي
حَدِيثِهِ وَأَنَّ أَصْحَابَهُ لَمْ يَذْكُرُوهَا. قَالَ
الْحَافِظُ: وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ
رِوَايَةِ سَلَامَةَ بْنِ رَوْحٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ قَوْلُهُ: (جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ
فِي الْمُبْهَمَاتِ: إنَّ اسْمَهُ سَلْمَانُ أَوْ سَلَمَةُ
بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ
عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ
أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ: سَلْمَانُ بْنُ
صَخْرٍ. قَوْلُهُ: (هَلَكْتُ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى
أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مَجَازٌ عَنْ
عِصْيَانِ الْمُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ
الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ مَجَازًا، فَلَا يَكُونُ فِي
الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى
النَّاسِي وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَحْمَدُ
وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهَا تَجِبُ عَلَى
النَّاسِي، وَاسْتَدَلُّوا بِتَرْكِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِاسْتِفْصَالِ وَهُوَ يَنْزِلُ
مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْجَوَابُ
أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ حَالُهُ بِقَوْلِهِ: " هَلَكْتُ
وَاحْتَرَقْتُ " وَأَيْضًا وُقُوعُ النِّسْيَانِ فِي
الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي
(4/254)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
غَايَةِ الْبُعْدِ. قَوْلُهُ: (وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي)
فِي رِوَايَةٍ: " أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ "
وَبِهَذَا اسْتَدَلَّتْ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ
الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ
بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا
الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَقَالُوا: لَا كَفَّارَةَ
إلَّا فِي الْجِمَاعِ. قَوْلُهُ: (رَقَبَةً) اسْتَدَلَّتْ
الْحَنَفِيَّةُ بِإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى جَوَازِ
إخْرَاجِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ
بِأَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي
كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ،
وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي الْأُصُولِ.
قَوْلُهُ: (سِتِّينَ مِسْكِينًا) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ
الْعِيدِ: أَضَافَ الْإِطْعَامَ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ
أَطْعَمَ إلَى سِتِّينَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَوْجُودًا
فِي حَقِّ مَنْ أَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ عَشَرَةَ
أَيَّامٍ مَثَلًا، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَتْ
الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ الْجَمِيعَ
مِسْكِينًا وَاحِدًا فِي سِتِّينَ يَوْمًا كَفَى،
وَيَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ. قَوْلُهُ: " فَأَطْعِمْهُ
أَهْلَكَ " وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْجِمَاعِ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ
فَقَالَ: لَا تَجِبُ، مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهَا لَوْ
كَانَتْ وَاجِبَةً لَمَا سَقَطَتْ بِالْإِعْسَارِ.
وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ السُّقُوطِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِيهِ
أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ
بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْخِصَالِ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا
الْإِطْعَامُ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ
الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ
هَذِهِ الثَّلَاثِ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يُجْزِئُ
إهْدَاءُ الْبَدَنَةِ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ
مُرْسَلًا. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَذَّبَ مَنْ نَقَلَ
عَنْهُ ذَلِكَ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ
الْكَفَّارَةَ بِالْخِصَالِ الثَّلَاثِ عَلَى
التَّرْتِيبِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نَقَلَهُ مِنْ أَمْرٍ بَعْدَ عَدَمِهِ إلَى أَمْرٍ آخَرَ،
وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ التَّخْيِيرِ، وَنَازَعَ عِيَاضٌ
فِي ظُهُورِ دَلَالَةِ التَّرْتِيبِ فِي السُّؤَالِ عَنْ
ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ مِثْلَ هَذَا السُّؤَالِ قَدْ
يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَقَرَّرَهُ
ابْنُ الْمُنِيرِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: إنَّ
تَرْتِيبَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ عَلَى
الثَّانِي بِالْفَاءِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّخْيِيرِ
مَعَ كَوْنِهَا فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ وَجَوَابِ
السُّؤَالِ فَتَنَزُّلُهُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ، وَإِلَى
الْقَوْلِ بِالتَّرْتِيبِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى
التَّرْتِيبِ وَالتَّخْيِيرِ وَاَلَّذِينَ رَوَوْا
التَّرْتِيبَ أَكْثَرُ وَمَعَهُمْ الزِّيَادَةُ. وَجَمَعَ
الْمُهَلَّبُ وَالْقُرْطُبِيُّ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ
بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ
بَعِيدٌ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَالْمَخْرَجَ
مُتَّحِدٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَجَمَعَ
بَعْضُهُمْ بِحَمْلِ التَّرْتِيبِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ
وَالتَّخْيِيرِ عَلَى الْجَوَازِ وَعَكَسَهُ بَعْضُهُمْ.
قَوْلُهُ: (فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ لِلْأَكْثَرِ عَلَى
الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالرَّجُلُ الْآتِي لَمْ
يُسَمَّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ " وَفِي أُخْرَى
لِلدَّارَقُطْنِيِّ " رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ قَوْلُهُ:
(بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ
وَالرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ، وَفِي رِوَايَةِ
الْقَابِسِيِّ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَقَدْ أُنْكِرَ
ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ كَمَا قَالَ
عِيَاضٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ: الْإِسْكَانُ لَيْسَ
بِمُنْكَرٍ وَهُوَ الزِّنْبِيلُ، وَالزِّنْبِيلُ: هُوَ
الْمِكْتَلُ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الْمِكْتَلُ يُشْبِهُ
الزِّنْبِيلَ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا. وَوَقَعَ
عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي
(4/255)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْأَوْسَطِ: أَنَّهُ «أُتِيَ بِمِكْتَلٍ فِيهِ عِشْرُونَ
صَاعًا فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا» وَفِي إسْنَادِهِ
لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَوَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ
عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَفِي
مُسْلِمٍ عَنْهَا " فَجَاءَهُ عِرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ
" قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّمْرَ كَانَ
فِي عَرَقٍ لَكِنَّهُ كَانَ فِي عَرَقَيْنِ فِي حَالِ
التَّحْمِيلِ عَلَى الدَّابَّةِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ،
فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْآتِيَ بِهِ لَمَّا وَصَلَ أَفْرَغَ
أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ، فَمَنْ قَالَ عَرَقَانِ أَرَادَ
ابْتِدَاءَ الْحَالِ، وَمَنْ قَالَ عَرَقٌ أَرَادَ مَا آلَ
عَلَيْهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي تَقْدِيرِ الْإِطْعَامِ
حَدِيثُ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ "
يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ "
وَفِيهِ " فَأُتِيَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا فَقَالَ:
أَطْعِمْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا " وَكَذَا عِنْدَ
الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ
الْحَافِظُ: مَنْ قَالَ عِشْرُونَ أَرَادَ أَصْلَ مَا
كَانَ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَرَادَ
قَدْرَ مَا يَقَعُ بِهِ الْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ:
(تَصَدَّقْ بِهَذَا) اسْتَدَلَّ بِهِ وَبِمَا قَبْلَهُ
مَنْ قَالَ: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ
فَقَطْ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ
مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ:
تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي
الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُطَاوِعَةِ وَالْمُكْرَهَةِ،
وَهَلْ هِيَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الرَّجُلِ؟ وَاسْتَدَلَّ
الشَّافِعِيُّ بِسُكُوتِهِ عَنْ إعْلَامِ الْمَرْأَةِ فِي
وَقْتِ الْحَاجَةِ وَتَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْهَا لَا
يَجُوزُ، وَرَدَّ بِأَنَّهَا لَمْ تَعْتَرِفْ وَلَمْ
تَسْأَلْ فَلَا حَاجَةَ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ احْتِمَالِ
أَنْ تَكُونَ مُكْرَهَةً كَمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ
قَوْلُهُ: فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ " هَلَكْتُ
وَأَهْلَكْتُ ". قَوْلُهُ: (فَهَلْ عَلَى أَفْقَرِ مِنَّا)
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْأَمْرِ لَهُ
بِالتَّصَدُّقِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ
فَقِيرًا قَوْلُهُ: (فَمَا بَيْن لَابَتَيْهَا)
بِالتَّخْفِيفِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ: وَهِيَ الْحَرَّةُ،
وَالْحَرَّةُ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا حِجَارَةٌ سُودٌ،
يُقَالُ: لَابَةٌ وَلُوبَةٌ وَنَوْبَةٌ بِالنُّونِ،
حَكَاهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ
اللُّغَةِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الْمَدِينَةِ: أَيْ
مَا بَيْنَ حَرَّتَيْ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ: (فَضَحِكَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
قِيلَ: سَبَبُ ضَحِكِهِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ حَالِ
الرَّجُلِ حَيْثُ جَاءَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ رَاغِبًا
فِي فِدَائِهَا مَهْمَا أَمْكَنَهُ، فَلَمَّا وَجَدَ
الرُّخْصَةَ طَمِعَ فِي أَنْ يَأْكُلَ مَا أُعْطِيهِ فِي
الْكَفَّارَةِ وَقِيلَ: ضَحِكَ مِنْ بَيَانِ الرَّجُلِ فِي
مَقَاطِعِ كَلَامِهِ وَحُسْنِ بَيَانِهِ وَتَوَسُّلِهِ
إلَى مَقْصُودِهِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ
ضَحِكٌ يَزِيدُ عَلَى التَّبَسُّمِ فَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ
فِي صِفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ
ضَحِكَهُ كَانَ التَّبَسُّمَ عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِهِ.
قَوْلُهُ: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى
سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْسَارِ لِمَا تَقَرَّرَ
مِنْ أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ فِي النَّفْسِ وَالْعِيَالِ،
وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - اسْتِقْرَارَهَا فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ
يَسَارِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ،
وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ،
قَالُوا: وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى
سُقُوطِهَا عَنْ الْمُعْسِرِ، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ
عَلَى اسْتِقْرَارِهَا عَلَيْهِ، قَالُوا: أَيْضًا:
وَاَلَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ لَيْسَ
عَلَى سَبِيلِ الْكَفَّارَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ
بِالْأَهْلِ الْمَذْكُورِينَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ
نَفَقَتُهُمْ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ،
وَرَدَّ بِمَا وَقَعَ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي رِوَايَةٍ:
بِالْعِيَالِ، وَفِي أُخْرَى:
(4/256)
بَابُ كَرَاهِيَةِ الْوِصَالِ
1664 - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوِصَالِ،
فَقَالُوا: إنَّكَ تَفْعَلُهُ، فَقَالَ: إنِّي لَسْتُ
كَأَحَدِكُمْ إنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي
وَيَسْقِينِي» .
1665 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إيَّاكُمْ
وَالْوِصَالَ، فَقِيلَ إنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: إنِّي
أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلُفُوا
مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ» ) .
1666 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «نَهَاهُمْ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ
رَحْمَةً لَهُمْ، فَقَالَ إنَّكَ تُوَاصِلُ، فَقَالَ:
إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي
وَيَسْقِينِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ) .
1667 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:
«لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ
فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرَ، قَالُوا: إنَّك تُوَاصِلُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي
أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِي»
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد) .
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.
. وَعَنْ بَشِيرِ ابْنِ الْخَصَاصِيَةِ عِنْدَ أَحْمَدَ.
بِلَفْظِ «إنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
مِنْ الْإِذْنِ لَهُ بِالْأَكْلِ، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ
عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ
يُفَرِّقَ الْكَفَّارَةَ فِيهِمْ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ،
وَقَدْ طَوَّلَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ.
قَوْلُهُ: (وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) يَعْنِي مَكَانَ
الْيَوْمِ الَّذِي جَامَعَ فِيهِ. قَالَ الْحَافِظُ:
وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي رِوَايَةِ أَبِي
أُوَيْسٍ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ
كُلِّهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ
مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ
الزُّهْرِيِّ. وَحَدِيثُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِي
الصَّحِيحِ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ بِغَيْرِ هَذِهِ
الزِّيَادَةِ. وَحَدِيثُ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي
الصَّحِيحِ بِدُونِهَا، وَوَقَعَتْ الزِّيَادَةُ أَيْضًا
فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَنَافِعِ بْنِ
جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ.
وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ الْأَرْبَعِ يُعْرَفُ
أَنَّ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَصْلًا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ
الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ،
وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ بِالْقَضَاءِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ
الذِّكْرِ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ
الْعَدَمَ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِمَا كَمَا
تَقَدَّمَ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْيَوْمِ عَدَمُ
اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ.
(4/257)
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ: إنَّمَا
يَفْعَلُ ذَلِكَ النَّصَارَى» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا
الطَّبَرَانِيُّ وَسَعِيدُ بْنِ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ
حُمَيْدٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي
الْأَوْسَطِ. وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ
أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ بِلَفْظِ: «نَهَى النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحِجَامَةِ
وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا» وَقَدْ تَقَدَّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ كَرَاهِيَةِ الْوِصَالِ]
. قَوْلُهُ: (يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) قَالَ فِي
الْفَتْحِ: اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ هُوَ عَلَى
حَقِيقَتِهِ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ كَرَامَةً لَهُ فِي لَيَالِي صِيَامِهِ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّهُ
لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا، وَبِأَنَّ
قَوْلَهُ: " أَظَلُّ " يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ فِي
النَّهَارِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ
الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ " أَبِيتُ " دُونَ " أَظَلُّ "،
وَعَلَى تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ فَلَيْسَ حَمْلُ الطَّعَامِ
وَالشَّرَابِ عَلَى الْمَجَازِ بِأَوْلَى مِنْ حَمْلِ
لَفْظِ ظَلَّ عَلَى الْمَجَازِ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَا
يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَا يُؤْتَى بِهِ
الرَّسُولُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ مِنْ طَعَامِ
الْجَنَّةِ وَشَرَابِهَا لَا يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ
الْمُكَلَّفِينَ. وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: هُوَ
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ فِي تِلْكَ
الْحَالِ كَحَالَةِ النَّائِمِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ
الشِّبَعُ وَالرَّيُّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ،
وَيَسْتَمِرُّ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ فَلَا
يَبْطُلُ بِذَلِكَ صَوْمُهُ وَلَا يَنْقَطِعُ وِصَالُهُ
وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ مَجَازٌ عَنْ لَازِمِ
الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْقُوَّةُ، فَكَأَنَّهُ
قَالَ: يُعْطِينِي قُوَّةَ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ، وَهَذَا
هُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ)
وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مَرَّتَيْنِ، وَفِي
رِوَايَةٍ لِمَالِكٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِسْنَادُهَا
صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (فَاكْلُفُوا) بِسُكُونِ الْكَافِ
وَبِضَمِّ اللَّامِ: أَيْ احْمِلُوا مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي
ذَلِكَ مَا تُطِيقُونَ. وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ
أَنَّهُ قَالَ: هُوَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَلَا يَصِحُّ
لُغَةً. قَوْلُهُ: (رَحْمَةً لَهُمْ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ
قَالَ: إنَّ الْوِصَالَ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى تَحْرِيمِ الْوِصَالِ. وَعَنْ
الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ: التَّحْرِيمُ، وَالْكَرَاهَةُ،
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ
الْجُمْهُورُ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ: " رَحْمَةً "
لَا يَمْنَعُ التَّحْرِيمَ، فَإِنَّ مِنْ رَحْمَتِهِ
لَهُمْ أَنْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ أَدِلَّةِ
الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ وَاصَلَ
بِأَصْحَابِهِ لَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ
الْوِصَالِ فَوَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ
رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ
كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا»
هَكَذَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مُوَاصَلَتَهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ بَعْدَ
نَهْيِهِ لَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ تَقْرِيرًا بَلْ تَقْرِيعًا
وَتَنْكِيلًا. وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِأَجْلِ
مَصْلَحَةِ النَّهْيِ فِي تَأْكِيدِ زَجْرِهِمْ؛
لِأَنَّهُمْ إذَا بَاشَرُوا ظَهَرَتْ لَهُمْ حِكْمَةُ
النَّهْيِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى قَبُولِهِمْ لِمَا
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَلَلِ فِي الْعِبَادَةِ
وَالتَّقْصِيرِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ وَأَرْجَحُ
مِنْ وَظَائِفِ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ. وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ
غَيْرُ مُحَرَّمٍ حَدِيثُ الرَّجُلِ مِنْ الصَّحَابَةِ
الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ
يُحَرِّمْ الْوِصَالَ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ
وَالطَّبَرَانِيُّ
(4/258)
بَابُ آدَابِ الْإِفْطَارِ وَالسُّحُورِ
1668 - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا
أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ وَغَابَتْ
الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» ) .
1669 - (وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَزَالُ
النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِمَا) .
1670 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَقُولُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إلَيَّ
أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ وَلَيْسَ
بِالْعَزِيمَةِ» وَمِنْهَا إقْدَامُ الصَّحَابَةِ عَلَى
الْوِصَالِ بَعْدَ النَّهْيِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا
لِلتَّحْرِيمِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى
جَوَازِهِ مَعَ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْمًا، وَذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الصَّحَابَةِ
أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ، وَمِنْ التَّابِعِينَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ
التَّيْمِيُّ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ
وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ
الْأَدِلَّةُ الَّتِي ذَكَرُوهَا صَارِفَةٌ لِلنَّهْيِ
عَنْ الْوِصَالِ عَنْ حَقِيقَتِهِ، وَذَهَبَتْ
الْهَادَوِيَّةُ إلَى كَرَاهَةِ الْوِصَالِ مَعَ عَدَمِ
النِّيَّةِ وَحُرْمَتِهِ مَعَ النِّيَّةِ.
وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إلَى
جَوَازِ الْوِصَالِ إلَى السَّحَرِ لِحَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ. وَمِثْلُهُ مَا
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
يُوَاصِلُ مِنْ سَحَرٍ إلَى سَحَرٍ» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، فَإِنْ كَانَ
اسْمُ الْوِصَالِ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى إمْسَاكِ جَمِيعِ
اللَّيْلِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ
كَانَ يَصْدُقُ عَلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فَيُبْنَى
الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَيَكُونُ الْمُحَرَّمُ مَا
زَادَ عَلَى الْإِمْسَاكِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ.
[بَابُ آدَابِ الْإِفْطَارِ وَالسُّحُورِ]
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ
حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ
وَصَحَّحَهُ إنَّهَا «سُئِلَتْ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ
الصَّلَاةَ، وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ
وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، فَقَالَتْ: أَيُّهُمَا يُعَجِّلُ
الْإِفْطَارَ
(4/259)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ؟ فَقِيلَ لَهَا: عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَتْ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَالْآخَرُ أَبُو
مُوسَى.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي
دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ
الْفِطْرَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
يُؤَخِّرُونَ» .
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ ابْنِ
حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي
عَلَى سُنَّتِي مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بِفِطْرِهَا
النُّجُومَ» . وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ
وَسَيَأْتِي. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ أَشَارَ
إلَيْهِمَا التِّرْمِذِيُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:
أَحَادِيثُ تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ
صِحَاحٌ مُتَوَاتِرَةٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ الْحَافِظُ: صَحِيحٌ عَنْ
عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ الْأَوْدِيِّ قَالَ: «كَانَ
أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَسْرَعَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا»
قَوْلُهُ: (إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ) زَادَ الْبُخَارِيُّ
فِي رِوَايَةٍ " مِنْ هَاهُنَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ
قِبَلَ الْمَشْرِقِ " وَالْمُرَادُ وُجُودُ الظُّلْمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَدْبَرَ النَّهَارُ) زَادَ الْبُخَارِيُّ
فِي رِوَايَةٍ: " مِنْ هَاهُنَا " يَعْنِي مِنْ جِهَةِ
الْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ: (وَغَابَتْ الشَّمْسُ) فِي
رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ " ذَكَرَ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ وَهِيَ وَإِنْ
كَانَتْ مُتَلَازِمَةً فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهَا قَدْ
تَكُونُ فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُتَلَازِمَةٍ، فَقَدْ
يَظُنُّ إقْبَالَ اللَّيْلِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَلَا
يَكُونُ قُبَالَهُ حَقِيقَةً بَلْ لِوُجُودِ أَمْرٍ
يُغَطِّي ضَوْءَ الشَّمْسِ وَكَذَلِكَ إدْبَارُ
النَّهَارِ، فَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ
قَوْلَهُ: (فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) أَيْ دَخَلَ فِي
وَقْتِ الْفِطْرِ كَمَا يُقَالُ أَنْجَدَ: إذَا أَقَامَ
بِنَجْدٍ، وَأَتْهَمَ: إذَا أَقَامَ بِتِهَامَةَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَقَدْ صَارَ
مُفَطِّرًا فِي الْحُكْمِ لِكَوْنِ اللَّيْلِ لَيْسَ
ظَرْفًا لِلصِّيَامِ الشَّرْعِيِّ. وَقَالَ ابْنُ
خُزَيْمَةَ: هُوَ لَفْظُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ:
أَيْ فَلْيُفْطِرْ، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي
رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: " فَقَدْ حَلَّ
الْإِفْطَارُ ". قَوْلُهُ: (مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)
زَادَ أَبُو ذَرٍّ فِي حَدِيثِهِ " وَأَخَّرُوا السُّحُورَ
" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَيَأْتِي. وَمَا ظَرْفِيَّةٌ:
أَيْ مُدَّةَ فِعْلِهِمْ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِلسُّنَّةِ
وَوُقُوفًا عِنْدَ حَدِّهَا. قَالَ الْمُهَلِّبُ:
وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يُزَادَ فِي النَّهَارِ
مِنْ اللَّيْلِ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ
وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ اهـ. وَأَيْضًا فِي
تَأْخِيرِهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ
يُفْطِرُونَ عِنْدَ ظُهُورِ النُّجُومِ، وَقَدْ كَانَ
الشَّارِعُ يَأْمُرُ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ
وَأَقْوَالِهِمْ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ
بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ،
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ بِأَنَّ مُعَجِّلَ
الْإِفْطَارِ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إلَيْهِ، فَلَا
يَرْغَبُ عَنْ الِاتِّصَافِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا مَنْ
كَانَ حَظُّهُ مِنْ الدِّينِ قَلِيلًا كَمَا تَفْعَلُهُ
الرَّافِضَةُ، وَلَا يَجِبُ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ لِمَا
تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ إذْنِ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُوَاصَلَةِ
إلَى السَّحَرِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
(4/260)
1671 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ
لَمْ تَكُنْ رُطَبًا فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ
تَمْرًا حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ) .
1672 - (وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى
تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ
فَإِنَّهُ طَهُورٌ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
النَّسَائِيّ) .
1673 - (وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ،
وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
1671 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ عَلَى
رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ
رُطَبًا فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمْرًا حَسَا
حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ) .
1672 - (وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى
تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ
فَإِنَّهُ طَهُورٌ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
النَّسَائِيّ) .
1673 - (وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ،
وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
حَدِيثُ أَنَسٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ الْبَزَّارُ: لَا يُعْلَمُ رُوَاةٌ عَنْ ثَابِتٍ
عَنْ أَنَسٍ إلَّا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ
أَيْضًا: رَوَاهُ النُّشَيْطِيُّ فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ
وَضُعِّفَ حَدِيثُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: تَفَرَّدَ
بِهِ جَعْفَرٌ عَنْ ثَابِتٍ. وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ
بِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، تَابَعَهُ عَمَّارُ بْنُ هَارُونَ
وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّشَيْطِيُّ. قَالَ
الْحَافِظُ: وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَنْ إبْرَاهِيمَ
بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ ثَابِتٍ
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى
ثَلَاثِ تَمَرَاتٍ أَوْ شَيْءٍ لَمْ تُصِبْهُ النَّارُ»
وَعَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ
الْحَدِيثِ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ
يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إذَا كَانَ صَائِمًا لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَأْتِيَهُ
بِرُطَبٍ وَمَاءٍ فَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، وَإِذَا لَمْ
يَكُنْ رُطَبٌ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِتَمْرٍ
وَمَاءٍ» وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مِسْكِينُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَعَنْهُ
زَكَرِيَّا بْنُ عُمَرَ.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَجَدَ
التَّمْرَ فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ
التَّمْرَ فَلْيُفْطِرْ عَلَى الْمَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ»
وَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ، وَصَحَّحَهُ
أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِمَعْنَاهُ، وَإِسْنَادُهُ
ضَعِيفٌ. وَحَدِيثُ مُعَاذٍ مُرْسَلٌ لِأَنَّهُ لَمْ
يُدْرِكْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ
وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ
ضَعِيفٍ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَادَ: «ذَهَبَ
(4/261)
1674 - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
يَقُولُ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَخَّرُوا
السُّحُورَ وَعَجَّلُوا الْفِطْرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
1675 - (وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي
السُّحُورِ بَرَكَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا
دَاوُد) .
1676 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ
الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ
شَاءَ اللَّهُ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إسْنَادُهُ
حَسَنٌ. وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
«كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إذَا أَفْطَرَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ لَكَ
صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ» وَإِسْنَادُهُ
ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ فِيهِ دَاوُد بْنُ الزِّبْرِقَانِ
وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: «إنَّ لِلصَّائِمِ دَعْوَةً لَا
تُرَدُّ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا أَفْطَرَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي
وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي.
وَحَدِيثَا أَنَسٍ وَسُلَيْمَانَ يَدُلَّانِ عَلَى
مَشْرُوعِيَّةِ الْإِفْطَارِ بِالتَّمْرِ، فَإِنْ عُدِمَ
فَبِالْمَاءِ وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ مِنْ التَّمْرِ أَوْلَى مِنْ
الْيَابِسِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ إنْ وُجِدَ، وَإِنَّمَا
شُرِعَ الْإِفْطَارُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حُلْوٌ،
وَكُلُّ حُلْوٍ يُقَوِّي الْبَصَرَ الَّذِي يَضْعَفُ
بِالصَّوْمِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي
الْمُنَاسِبَةِ وَبَيَانِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ. وَقِيلَ:
لِأَنَّ الْحُلْوَ لَا يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيَرِقُ
الْقَلْبَ، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ كَوْنَهُ حُلْوًا،
وَالْحُلْو لَهُ ذَلِكَ التَّأْثِيرُ فَيُلْحَقُ بِهِ
الْحَلَوِيَّاتُ كُلُّهَا، أَمَّا مَا كَانَ أَشَدَّ
مِنْهُ حَلَاوَةً فَبِفَحْوَى الْخِطَابِ، وَمَا كَانَ
مُسَاوِيًا لَهُ فَبِلَحْنِهِ. وَحَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ
زُهْرَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ
لِلصَّائِمِ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ إفْطَارِهِ بِمَا
اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّعَاءِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ
مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ قَوْلُهُ: (حَسَا حَسَوَاتٍ)
أَيْ شَرِبَ شَرَبَاتٍ، وَالْحَسْوَةُ: الْمَرَّةُ
الْوَاحِدَةُ
1674 - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ «لَا تَزَالُ
أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَخَّرُوا السُّحُورَ وَعَجَّلُوا
الْفِطْرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
1675 - (وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي
السُّحُورِ بَرَكَةً» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا
دَاوُد) .
1676 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ
الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ) .
حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي إسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ
أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ
النَّسَائِيّ وَأَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ بِنَحْوِ
حَدِيثِ أَنَسٍ.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالْبَزَّارِ
بِنَحْوِهِ أَيْضًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ
النَّسَائِيّ بِنَحْوِهِ أَيْضًا. وَعَنْ
(4/262)
أَبْوَابُ مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ
وَأَحْكَامِ الْقَضَاءِ
بَابُ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ
1677 - (عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو
الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ
كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: إنَّ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ
شِئْتَ فَأَفْطِرْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) .
1678 - (وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
قُرَّةَ بْنِ إيَاسٍ الْمُزَنِيّ عِنْدَ الْبَزَّارِ
نَحْوُهُ أَيْضًا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ
مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ: «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ
السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ، وَبِقَيْلُولَةِ
النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» وَلَهُ شَاهِدٌ فِي
عِلَلِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ، وَتَشْهَدُ لَهُ
رِوَايَةٌ لِابْنِ دَاسَّةَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ بِلَفْظِ: «نِعْمَ سُحُورُ
الْمُؤْمِنِ مِنْ التَّمْرِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ
ابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ
عَنْهُ: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ»
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: «إنَّهُ
كَانَ بَيْنَ تَسَحُّرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَدُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ قَدْرَ مَا
يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً» وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ
الْبُخَارِيِّ بِنَحْوِهِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ
أَحْمَدَ بِلَفْظِ: «السُّحُورُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ،
وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ،
فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
الْمُتَسَحِّرِينَ» وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ
طَرِيقٍ أُخْرَى «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِلُقْمَةٍ»
قَوْلُهُ: (مَا أَخَّرُوا السُّحُورَ) أَيْ مُدَّةَ
تَأْخِيرِهِمْ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَأْخِيرِ
السُّحُورِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ
الْبَرِّ أَنَّ أَحَادِيثَ تَأْخِيرِ السُّحُورِ صِحَاحٌ
مُتَوَاتِرَةٌ قَوْلُهُ: (فَإِنَّ فِي السُّحُورِ
بَرَكَةً) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا. قَالَ فِي
الْفَتْحِ: لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَرَكَةِ الْأَجْرُ
وَالثَّوَابُ فَيُنَاسِبُ الضَّمَّ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ،
أَوْ الْبَرَكَةُ كَوْنُهُ يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ
وَيَنْشَطُ لَهُ وَيُخَفِّفُ الْمَشَقَّةَ فِيهِ
فَيُنَاسِبُ الْفَتْحَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يَتَسَحَّرُ
بِهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّسَحُّرِ،
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى
نَدْبِيَّةِ السُّحُورِ انْتَهَى. وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَعَنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ وَاصَلُوا، وَمِنْ
مُقَوِّيَاتِ مَشْرُوعِيَّةِ السُّحُورِ مَا فِيهِ مِنْ
الْمُخَالَفَةِ لَأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ لَا
يَتَسَحَّرُونَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّسَحُّرُ
مَا يَتَنَاوَلُهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ
مَشْرُوبٍ وَلَوْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي
الْأَحَادِيثِ.
(4/263)
حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إنْ كَانَ أَحَدُنَا
لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ،
وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ» ) .
1679 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَرَأَى
زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا
هَذَا؟ قَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ
الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» ) .
1680 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا
الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» ) .
1681 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ
الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ وَذَلِكَ عَلَى
رَأْسَ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدِمِهِ
الْمَدِينَةَ، فَسَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
إلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى إذَا بَلَغَ
الْكَدِيدَ، وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ،
أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ» . مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَهُ مَعْنَى حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَا
تَارِيخِ الْخُرُوجِ) .
1682 - (وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ
أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ مِنِّي
قُوَّةً عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ
جُنَاحٌ؟ فَقَالَ: هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى،
فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ
يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى
فَضِيلَةِ الْفِطْرِ) .
1683 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ قَالَا:
«سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَصُومُ الصَّائِمُ وَيُفْطِرُ
الْمُفْطِرُ فَلَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
1684 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «سَافَرْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ، قَالَ: فَنَزَلْنَا
مَنْزِلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ
عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . .
(4/264)
لَكُمْ، فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا
مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ:
إنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى
لَكُمْ فَأَفْطِرُوا، فَكَانَتْ عَزْمَةٌ فَأَفْطَرْنَا،
ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتَنَا نَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي السَّفَرِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو
دَاوُد) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ |