نيل
الأوطار ط دار الحديث [نيل الأوطار]
[كِتَابُ الْقَرْضِ] [بَابُ فَضِيلَة القرض]
وَفِي فَضِيلَةِ الْقَرْضِ أَحَادِيثُ وَعُمُومِيَّاتُ
الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْحَدِيثِيَّةِ
الْقَاضِيَةِ بِفَضْلِ الْمُعَاوَنَةِ وَقَضَاءِ حَاجَةِ
الْمُسْلِمِ وَتَفْرِيجِ كُرْبَتِهِ وَسَدِّ فَاقَتِهِ
شَامِلَةٌ لَهُ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي
مَشْرُوعِيَّتِهِ قَالَ ابْنُ رِسْلَانَ: وَلَا خِلَافَ
فِي جَوَازِ سُؤَالِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا نَقْصَ
عَلَى طَالِبِهِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
لَمَا اسْتَسْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَوْقِعُهُ أَعْظَمُ
مِنْ الصَّدَقَةِ، إذْ لَا يَقْتَرِضُ إلَّا مُحْتَاجٌ اهـ
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَفِي
حَدِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَرْضَ الشَّيْءِ
مَرَّتَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ التَّصَدُّقِ بِهِ مَرَّةً
(5/272)
فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ
بَكْرَهُ فَقُلْت: إنِّي لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إلَّا
جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًّا، فَقَالَ: أَعْطِهِ إيَّاهُ
فَإِنَّ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَحْسَنَهُمْ قَضَاءً»
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ) .
2293 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إلَى
خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا: إنْ كَانَ عِنْدَكِ
تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرٌ
فَنَقْضِيَكِ» ، مُخْتَصَرٌ لِابْنِ مَاجَهْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ وَالْقَضَاءِ مِنْ
الْجِنْسِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ]
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
بِلَفْظِ: «كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقٌّ فَأَغْلَظَ لَهُ،
فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّ
لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، فَقَالَ لَهُمْ: اشْتَرُوا
لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهُ إيَّاهُ، فَقَالُوا: إنَّا لَا
نَجِدُ إلَّا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ:
فَاشْتَرُوهُ وَأَعْطُوهُ إيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ
خَيْرِكُمْ، أَوْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً»
وَسَيَأْتِي (وَفِي الْبَابِ) عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ
سَارِيَةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالْبَزَّارِ قَالَ:
«بِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بَكْرًا وَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقُلْتُ: اقْضِ
ثَمَنَ بَكْرِي، فَقَالَ: لَا أَقْضِيكَ إلَّا نَجِيبَةً،
فَدَعَانِي فَأَحْسَنَ قَضَائِي، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
فَقَالَ: اقْضِ بَكْرِي، فَقَضَاهُ بَعِيرًا» وَحَدِيثُ
أَبِي سَعِيدٍ فِي إسْنَادِهِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ ابْنُ
أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهُمَا ثِقَتَانِ،
وَبَقِيَّةُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ
قَوْلُهُ: (أَحَاسِنَكُمْ قَضَاءً) جَمْعُ أَحْسَنَ
وَرِوَايَةُ الصَّحِيحَيْنِ: " أَحْسَنَكُمْ " كَمَا
سَلَفَ وَهُوَ الْفَصِيحُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي
دَاوُد " مَحَاسِنَكُمْ " بِالْمِيمِ كَمَطْلَعٍ
وَمَطَالِعَ قَوْلُهُ: (بَكْرًا) بِفَتْحِ الْبَاءِ
الْمُوَحَّدَةِ: وَهُوَ الْفَتِيُّ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ
الْخَطَّابِيِّ: هُوَ فِي الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ
الْغُلَامِ مِنْ الذُّكُورِ، وَالْقَلُوصُ بِمَنْزِلَةِ
الْجَارِيَةِ مِنْ الْإِنَاثِ قَوْلُهُ: (رَبَاعِيًّا)
بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ: وَهُوَ
الَّذِي اسْتَكْمَلَ سِتَّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي
السَّابِعَةِ، وَفِي الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
الزِّيَادَةِ عَلَى مِقْدَارِ الْقَرْضِ مِنْ
الْمُسْتَقْرِضِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَفِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ مِنْ
الْفِقْهِ جَوَازُ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ
مَحِلِّهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَحِلُّ لَهُ
الصَّدَقَةُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ إبِلِ
الصَّدَقَةِ شَيْئًا كَانَ اسْتَسْلَفَهُ لِنَفْسِهِ،
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَسْلَفَهُ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ
مِنْ أَرْبَابِ الْمَالِ وَهَذَا اسْتِدْلَالُ
الشَّافِعِيِّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ
تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عَنْ مَحِلِّ وَقْتِهَا،
فَأَجَازَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ رَاهْوَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُعَجِّلَ
الصَّدَقَةَ سَنَةً وَاحِدَةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا
يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَهَا قَبْلَ حُلُولِ الْحَوْلِ
وَكَرِهَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
الزَّكَاةِ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَفِي
الْحَدِيثَيْنِ أَيْضًا جَوَازُ قَرْضِ الْحَيَوَانِ،
وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ
الْكُوفِيُّونَ وَالْهَادَوِيَّةُ، قَالُوا:؛ لِأَنَّهُ
(5/273)
بَابُ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ
الْوَفَاءِ وَالنَّهْيِ عَنْهَا قَبْلَهُ
2294 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ لِرَجُلٍ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ، فَجَاءَ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ:
أُعْطُوهُ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا إلَّا
سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: أُعْطُوهُ، فَقَالَ:
أَوْفَيْتَنِي أَوْفَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ خَيْرَكُمْ
أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» ) .
2295 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لِي عَلَيْهِ
دَيْنٌ، فَقَضَانِي وَزَادَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا) .
2296 - (وَعَنْ أَنَسٍ وَسُئِلَ: الرَّجُلُ مِنَّا
يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي إلَيْهِ فَقَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا
فَأُهْدِيَ إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا
يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى
بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ)
2297 - (وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَقْرَضَ فَلَا
يَأْخُذْ هَدِيَّةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي
تَارِيخِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ مَخْصُوصٌ وَقَدْ «نَهَى - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ
بِالْحَيَوَانِ» كَمَا سَلَفَ، وَيُجَابُ بِأَنَّ
الْأَحَادِيثَ مُتَعَارِضَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ
الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ كَمَا سَلَفَ وَيُجَابُ
بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُتَعَارِضَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ
بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ وَالْجَوَازِ، وَعَلَى
تَسْلِيمِ أَنَّ الْمَنْعَ هُوَ الرَّاجِحُ فَحَدِيثُ
أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وَالْعِرْبَاضِ بْنِ
سَارِيَةَ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ النَّهْيِ (وَأَمَّا
الِاسْتِدْلَال) عَلَى الْمَنْعِ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ
مِمَّا يَعْظُمُ فِيهِ التَّفَاوُتُ فَمَمْنُوعٌ وَقَدْ
اسْتَثْنَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ
الْعُلَمَاءِ قَرْضَ الْوَلَائِدِ، فَقَالُوا: لَا
يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عَارِيَّةِ الْفَرْجِ
وَأَجَازَ ذَلِكَ مُطْلَقًا دَاوُد وَالطَّبَرِيُّ
وَالْمُزَنِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد وَبَعْضُ
الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَأَجَازَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ
بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّ غَيْرَ مَا اسْتَقْرَضَهُ،
وَأَجَازَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُ
الْمَالِكِيَّةِ فِيمَنْ يَحْرُمُ وَطْؤُهُ عَلَى
الْمُسْتَقْرِضِ
وَقَدْ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ السَّلَفِ
وَالْغَزَالِيُّ عَنْ الصَّحَابَةِ النَّهْيَ عَنْ قَرْضِ
الْوَلَائِدِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: مَا نَعْلَمُ فِي
هَذَا أَصْلًا مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ
صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ
وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ انْتَهَى، وَحَدِيثُ أَبِي
سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ
لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يَقْضِيَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ،
وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُ
(5/274)
2298 - (وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي
مُوسَى قَالَ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقَالَ لِي: إنَّك بِأَرْضٍ فِيهَا
الرِّبَا فَاشٍ، فَإِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ
فَأَهْدَى إلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ
حِمْلَ قَتٍّ فَلَا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْوَفَاءِ
وَالنَّهْيِ عَنْهَا قَبْلَهُ]
حَدِيثُ أَنَسٍ فِي إسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي
إِسْحَاقَ الْهُنَائِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَفِي
إسْنَادِهِ أَيْضًا عُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ الضَّبِّيُّ
وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَالرَّاوِي عَنْهُ
إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ:
(سِنٌّ) أَيْ: جَمَلٌ لَهُ سِنٌّ مُعَيَّنٌ وَفِي حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُطَالَبَةِ
بِالدَّيْنِ إذَا حَلَّ أَجَلُهُ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ
عَلَى حُسْنِ خُلُقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَتَوَاضُعِهِ وَإِنْصَافِهِ وَقَدْ وَقَعَ
فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الصَّحِيحِ «أَنَّ الرَّجُلَ
أَغْلَظَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: دَعُوهُ
فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا» كَمَا تَقَدَّمَ،
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَرْضِ الْحَيَوَانِ،
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ
رَدِّ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمِثْلِ الْمُقْتَرَضِ
إذَا لَمْ تَقَعْ شَرْطِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ،
وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ إنْ
كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِالْعَدَدِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ
كَانَتْ بِالْوَصْفِ جَازَتْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ
حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ، فَإِنَّهُ
صَرَّحَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - زَادَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزِّيَادَةَ
كَانَتْ فِي الْعَدَدِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ
لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ قِيرَاطًا
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطَةً فِي
الْعَقْدِ فَتَحْرُمُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى مِقْدَارِ
الدَّيْنِ جَوَازُ الْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ
الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّشْوَةِ فَلَا
تَحِلُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثَا أَنَسٍ
الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَابِ وَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَلْمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ
وَالْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَتْ لِأَجْلِ
التَّنْفِيسِ فِي أَجَلِ الدَّيْنِ، أَوْ لِأَجْلِ
رِشْوَةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ، أَوْ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ
لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَنْفَعَةٌ فِي مُقَابِلِ دَيْنِهِ
فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرِّبَا أَوْ
رِشْوَةٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ عَادَةٍ جَارِيَةٍ
بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ التَّدَايُنِ
فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِغَرَضٍ أَصْلًا
فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ عِنْدَ
الْقَضَاءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَا إضْمَارٍ فَالظَّاهِرُ
الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي
الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي رَافِعٍ
وَالْعِرْبَاضِ وَجَابِرٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ:
يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ أَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ
مِمَّا أَخَذَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ،
يَعْنِي: قَوْلَهُ: «إنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ
قَضَاءً» وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حِلِّ الْقَرْضِ
الَّذِي يَجُرُّ إلَى الْمُقْرِضِ نَفْعًا مَا أَخْرَجَهُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ
عُبَيْدٍ مَوْقُوفًا بِلَفْظِ: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ
مَنْفَعَةً فَهُوَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الرِّبَا»
وَرَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
(5/275)
كِتَابُ الرَّهْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
سَلَامٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ وَرَوَاهُ
الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَفْظِ: «إنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَرْضٍ
جَرَّ مَنْفَعَةً» وَفِي رِوَايَةٍ: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ
مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» وَفِي إسْنَادِهِ سُوَارُ بْنُ
مُصْعَبٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ قَالَ عُمَرُ بْنُ زَيْدٍ فِي
الْمُغْنِي: لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ
وَوَهِمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فَقَالَا:
إنَّهُ صَحَّ، وَلَا خِبْرَةَ لَهُمَا بِهَذَا الْفَنِّ،
وَأَمَّا إذَا قَضَى الْمُقْتَرِضُ الْمُقْرِضَ دُونَ
حَقِّهِ وَحَلَّلَهُ مِنْ الْبَقِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ
جَائِزًا وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى جَوَازِ
ذَلِكَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي دَيْنِ أَبِيهِ، وَفِيهِ: "
فَسَأَلْتُهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَةَ حَائِطِي
وَيُحَلِّلُوا أَبِي " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سَأَلَ لَهُ غَرِيمَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ
بَطَّالٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ دُونَ الْحَقِّ
بِغَيْرِ مُحَالَلَةٍ، وَلَوْ حَلَّلَهُ مِنْ جَمِيعِ
الدَّيْنِ جَازَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، فَكَذَلِكَ إذَا
حَلَّلَهُ مِنْ بَعْضِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ حِمْلَ
قَتٍّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ
الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ الْجَافُّ مِنْ النَّبَاتِ
الْمَعْرُوفُ بِالْفِصْفِصَةِ بِكَسْرِ الْفَاءَيْنِ
وَإِهْمَالِ الصَّادَيْنِ، فَمَا دَامَ رَطْبًا فَهُوَ
الْفِصْفِصَةُ، فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ الْقَتُّ،
وَالْفِصْفِصَةُ: هِيَ الْقَضْبُ الْمَعْرُوفُ، وَسُمِّيَ
بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُجَزُّ وَيُقْطَعُ، وَالْقَتُّ
كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ عُرِّبَتْ، فَإِذَا قُطِعَتْ
الْفِصْفِصَةُ كُبِسَتْ وَضُمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ
إلَى أَنْ تَجِفَّ وَتُبَاعَ لِعَلَفِ الدَّوَابِّ كَمَا
فِي بِلَادِ مِصْرَ وَنَوَاحِيهَا.
(5/276)
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «رَهَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعًا عِنْدَ يَهُودِيٍّ
بِالْمَدِينَةِ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ
مَاجَهْ) .
2300 - (وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ
يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ»
وَفِي لَفْظٍ: «تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ
يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»
أَخْرَجَاهُمَا وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ
مَاجَهْ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ
مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ
وَمُعَامَلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ |