نيل
الأوطار ط دار الحديث [نيل الأوطار]
[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]
حَدِيثُ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ بِنَحْوِهِ النَّسَائِيّ
وَابْنُ حِبَّانَ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْجَارُودِ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ
الْحَسَنِ عَنْهُ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنْهُ خِلَافٌ
وَلَفْظُهُ «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ
لَهُ» وَحَدِيثُ سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ
وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَعَلَّهُ بِالْإِرْسَالِ
فَقَالَ: وَرُوِيَ مُرْسَلًا، وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيّ
إرْسَالَهُ أَيْضًا وَقَدْ اُخْتُلِفَ مَعَ تَرْجِيحِ
الْإِرْسَالِ مَنْ هُوَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي رُوِيَ مِنْ
طَرِيقِهِ؟ فَقِيلَ: جَابِرٌ، وَقِيلَ: عَائِشَةُ،
وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَرَجَّحَ
الْحَافِظُ الْأَوَّلَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ،
وَفِي إسْنَادِهِ زَمْعَةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ ابْنُ
أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي
مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ،
وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ
(5/361)
بَابُ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ
الْمَاءِ
2400 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا
فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ «لَا يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ
لِيُبَاعَ بِهِ الْكَلَأُ» وَلِلْبُخَارِيِّ: «لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
أَسْمَرَ بْنِ مُضَرِّسٍ صَحَّحَهُ الضِّيَاءُ فِي
الْمُخْتَارَةِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ: لَا أَعْلَمُ بِهَذَا
الْإِسْنَادِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ: (مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً) الْأَرْضُ
الْمَيْتَةُ: هِيَ الَّتِي لَمْ تُعْمَرْ، شُبِّهَتْ
عِمَارَتُهَا بِالْحَيَاةِ وَتَعْطِيلُهَا بِالْمَوْتِ،
وَالْإِحْيَاءُ أَنْ يَعْمِدَ شَخْصٌ إلَى أَرْضٍ لَمْ
يَتَقَدَّمْ مِلْكٌ عَلَيْهَا لِأَحَدٍ فَيُحْيِيَهَا
بِالسَّقْيِ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ أَوْ
الْبِنَاءِ فَتَصِيرُ بِذَلِكَ مِلْكَهُ كَمَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ
وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ
الْإِحْيَاءُ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ
أَوَبِغَيْرِ إذْنِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بُدَّ
مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ وَعَنْ مَالِكٍ: يَحْتَاجُ إلَى
إذْنِ الْإِمَامِ فِيمَا قَرُبَ مِمَّا لِأَهْلِ
الْقَرْيَةِ إلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ مَرْعًى وَنَحْوِهِ،
وَبِمِثْلِهِ قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ قَوْلُهُ: (مَنْ
أَحَاطَ حَائِطًا) فِيهِ أَنَّ التَّحْوِيطَ عَلَى
الْأَرْضِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْتَحَقُّ بِهِ مِلْكُهَا،
وَالْمِقْدَارُ الْمُعْتَبَرُ مَا يُسَمَّى حَائِطًا فِي
اللُّغَةِ قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ)
قَالَ فِي الْفَتْحِ: رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ بِتَنْوِينِ
عِرْقٍ وَظَالِمٍ نَعْتٌ لَهُ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى
صَاحِبِ الْعِرْقِ: أَيْ: لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ
أَوْ إلَى الْعِرْقِ: أَيْ: لَيْسَ لِعِرْقٍ ذِي ظَالِمٍ
وَيُرْوَى بِالْإِضَافَةِ وَيَكُونُ الظَّالِمُ صَاحِبَ
الْعِرْقِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعِرْقِ الْأَرْضَ،
وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَالْأَزْهَرِيُّ وَابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُمْ، وَبَالَغَ
الْخَطَّابِيِّ فَغَلَّطَ رِوَايَةَ الْإِضَافَةِ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ يَكُونُ ظَاهِرًا
وَيَكُونُ بَاطِنًا فَالْبَاطِنُ مَا احْتَفَرَهُ
الرَّجُلُ مِنْ الْآبَارِ أَوْ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ
الْمَعَادِنِ، وَالظَّاهِرُ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ مَنْ غَرَسَ أَوْ
زَرَعَ أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ فِي أَرْضٍ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَلَا شُبْهَةٍ. قَوْلُهُ: (مَنْ عَمَرَ أَرْضًا) بِفَتْحِ
الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَوَقَعَ فِي
الْبُخَارِيِّ " مَنْ أَعْمَرَ " بِزِيَادَةِ الْهَمْزَةِ
فِي أَوَّلِهِ وَخُطِّئَ رَاوِيهَا وَقَالَ ابْنُ
بَطَّالٍ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَرَ فَسَقَطَتْ
التَّاءُ مِنْ النُّسْخَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ سُمِعَ
فِيهِ الرُّبَاعِيُّ، يُقَالُ: أَعْمَرَ اللَّهُ بِكَ
مَنْزِلَكَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مَنْ
أُعْمِرَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ: أَيْ: أَعْمَرَهُ غَيْرُهُ
قَالَ الْحَافِظُ: وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ
الْإِمَامُ قَوْلُهُ: (يَتَعَادَوْنَ يَتَخَاطُّونَ)
الْمُعَادَاةُ: الْإِسْرَاعُ بِالسَّيْرِ، وَالْمُرَادُ
بِقَوْلِهِ يَتَخَاطُّونَ: يَعْمَلُونَ عَلَى الْأَرْضِ
عَلَامَاتٍ بِالْخُطُوطِ وَهِيَ تُسَمَّى الْخِطَطَ
وَاحِدَتُهَا خِطَّةٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَأَصْلُ
الْفِعْلِ يَتَخَاطَطُونَ فَأُدْغِمَتْ الطَّاءُ فِي
الطَّاءِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ فِي حَدِيثِ
أَسْمَرَ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي
حَدِيثِ عَائِشَةَ: " لَيْسَتْ لِأَحَدٍ " أَيْ: مِنْ
الْمُسْلِمِينَ فَلَا حُكْمَ لِتَقَدُّمِ الْكَافِرِ،
أَمَّا إذَا كَانَ حَرْبِيًّا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا
الذِّمِّيُّ فَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ
(5/362)
تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا
بِهِ فَضْلَ الْكَلَإِ» )
2401 - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُمْنَعَ
نَقْعُ الْبِئْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ)
2402 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ أَوْ
فَضْلَ كَلَئِهِ مَنَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَضْلَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ)
2403 - (وَعَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى
بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي النَّخْلِ أَنْ لَا
يُمْنَعَ نَقْعُ بِئْرٍ، وَقَضَى بَيْنَ أَهْلِ
الْبَادِيَةِ أَنْ لَا يُمْنَعَ فَضْلُ مَاءٍ لِيُمْنَعَ
بِهِ الْكَلَأُ» رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي
الْمُسْنَدِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ]
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ
بْنُ رَاشِدٍ الْخُزَاعِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ وَقَدْ
ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ، لَكِنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ
يَشْهَدُ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ
بَعْدَهُ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لِصِحَّتِهَا حَدِيثُ جَابِرٍ
عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ»
وَحَدِيثُ إيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَهْلِ
السُّنَنِ بِنَحْوِهِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ
أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيِّ: هُوَ عَلَى شَرْطِهِمَا،
وَلَكِنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي إسْنَادِهِ
لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَقَدْ رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَرَوَاهُ فِي الْكَبِيرِ
مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بِلَفْظٍ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي
خَالِدٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ،
وَكَذَا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ: (فَضْلُ
الْمَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ،
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «وَلَا يُمْنَعُ فَضْلُ مَاءٍ
بَعْدَ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ» قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى مَاءِ
الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ
وَكَذَلِكَ فِي الْمَوَاتِ إذَا كَانَ لِقَصْدِ
التَّمَلُّكِ
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي
الْقَدِيمِ وَحَرْمَلَةَ، أَنَّ الْحَافِرَ يَمْلِكُ
مَاءَهَا وَأَمَّا الْبِئْرُ الْمَحْفُورَةُ فِي
الْمَوَاتِ لِقَصْدِ الِارْتِفَاقِ لَا التَّمَلُّكِ،
فَإِنَّ الْحَافِرَ لَا يَمْلِكُ مَاءَهَا بَلْ يَكُونُ
أَحَقَّ بِهِ إلَى أَنْ يَرْتَحِلَ وَفِي الصُّورَتَيْنِ
يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ،
وَالْمُرَادُ حَاجَةُ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَزَرْعِهِ
وَمَاشِيَتِهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ، وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ
بِالْمَوَاتِ، وَقَالُوا فِي الْبِئْرِ الَّتِي لَا
تُمْلَكُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ فَضْلِهَا وَأَمَّا
الْمَاءُ الْمُحْرَزُ فِي
(5/363)
بَابُ النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ
وَشُرْبِ الْأَرْضِ الْعُلْيَا قَبْلَ السُّفْلَى إذَا
قَلَّ الْمَاءُ أَوْ اخْتَلَفُوا فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْإِنَاءِ فَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِهِ لِغَيْرِ
الْمُضْطَرِّ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ:
وَالْمَاءُ عَلَى أَضْرُبٍ: حَقٌّ إجْمَاعًا
كَالْأَنْهَارِ غَيْرِ الْمُسْتَخْرَجَةِ وَالسُّيُولِ
وَمِلْكٌ إجْمَاعًا يُحْرَزُ فِي الْجِرَارِ وَنَحْوِهَا
وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَاءِ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ
وَالْقَنَاةِ الْمُحْتَفَرَةِ فِي الْمِلْكِ اهـ
وَالْقَنَاةُ: هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ الْكِظَامَةُ
الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ
فِي ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ
أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أَحَقُّ بِمَائِهِ حَتَّى يَرْوِيَ
قَالَ الْحَافِظُ: وَمَا نَفَاهُ مِنْ الْخِلَافِ هُوَ
عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَاءَ يُمْلَكُ، فَكَأَنَّ
الَّذِينَ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ يُمْلَكُ وَهُمْ
الْجُمْهُورُ هُمْ الَّذِينَ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي
ذَلِكَ
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِتَوَجُّهِ النَّهْيِ إلَى الْفَضْلِ
عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمَاءِ الَّذِي لَا فَضْلَ فِيهِ،
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ
قَوْلُهُ: (لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ) بِفَتْحِ الْكَافِ
وَاللَّامِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَقْصُورَةٌ: وَهُوَ
النَّبَاتُ رَطْبُهُ وَيَابِسُهُ، وَالْمَعْنَى أَنْ
يَكُونَ حَوْلَ الْبِئْرِ كَلَأٌ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ
غَيْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَصْحَابَ الْمَوَاشِي رَعْيُهُ
إلَّا إذَا مُكِّنُوا مِنْ سَقْيِ بَهَائِمِهِمْ مِنْ
تِلْكَ الْبِئْرِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُوا بِالْعَطَشِ
بَعْدَ الرَّعْيِ فَيَسْتَلْزِمُ مَنْعُهُمْ مِنْ الْمَاءِ
مَنْعَهُمْ مِنْ الرَّعْيِ، وَإِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ الْبَذْلُ
بِمَنْ لَهُ مَاشِيَةٌ وَيُلْحَقُ بِهِ الرُّعَاةُ إذَا
احْتَاجُوا إلَى الشُّرْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَهُمْ
مِنْ الشُّرْبِ امْتَنَعُوا مِنْ الرَّعْيِ هُنَاكَ،
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يُمْكِنُهُمْ حَمْلُ الْمَاءِ
لِأَنْفُسِهِمْ لِقِلَّةِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْهُ
بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ،
وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ الزَّرْعُ عِنْدَ مَالِكٍ
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ قَالَتْ
الْحَنَفِيَّةُ، الِاخْتِصَاصُ بِالْمَاشِيَةِ، وَفَرَّقَ
الشَّافِعِيُّ فِيمَا حَكَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْهُ بَيْنَ
الْمَوَاشِي وَالزَّرْعِ بِأَنَّ الْمَاشِيَةَ ذَاتُ
أَرْوَاحٍ يُخْشَى مِنْ عَطَشِهَا مَوْتُهَا بِخِلَافِ
الزَّرْعِ، وَبِهَذَا أَجَابَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ
وَاسْتُدِلَّ لِمَالِكٍ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ
لِإِطْلَاقِهِ وَعَدَمِ تَقْيِيدِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ
يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ
يَكُنْ هُنَاكَ كَلَأٌ يُرْعَى فَلَا مَانِعَ مِنْ
الْمَنْعِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيِّ:
وَالنَّهْيُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِلتَّنْزِيهِ وَهُوَ
مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ يَصْرِفُ النَّهْيَ عَنْ مَعْنَاهُ
الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ التَّحْرِيمُ قَالَ فِي الْفَتْحِ:
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وُجُوبُ بَذْلِهِ مَجَّانًا، وَبِهِ
قَالَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ: لِصَاحِبِهِ طَلَبُ
الْقِيمَةِ مِنْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ كَمَا فِي طَعَامِ
الْمُضْطَرِّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ
جَوَازُ الْبَيْعِ حَالَةَ امْتِنَاعِ الْمُحْتَاجِ مِنْ
بَذْلِ الْقِيمَةِ وَرُدَّ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ
فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَذْلُ
وَتَثْبُتُ لَهُ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَبْذُولِ
لَهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ مِنْهُ مَتَى
أَمْكَنَ وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ رِوَايَةَ " لَا
يُبَاعُ فَضْلُ الْمَاءِ " وَرِوَايَةَ " النَّهْيِ عَنْ
بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ " يَدُلَّانِ عَلَى تَحْرِيمِ
الْبَيْعِ، وَلَوْ جَازَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ لَجَازَ
لَهُ الْبَيْعُ.
قَوْلُهُ: (نَقْعُ الْبِئْرِ) أَيْ: الْمَاءُ الْفَاضِلُ
فِيهَا عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ الْكَائِنِ
فِي الْبِئْرِ كَمَا لَا يَجُوزُ مَنْعُ فَضْلِ مَاءِ
النَّهْرِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَالنَّقْعُ
بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ بَعْدَهَا عَيْنٌ
مُهْمَلَةٌ
(5/364)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُمْنَعُ
الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
2405 - (وَعَنْ أَبِي خِرَاشٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ:
فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ فِيهِ «وَثَمَنُهُ حَرَامٌ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ وَشُرْبِ الْأَرْضِ
الْعُلْيَا قَبْلَ السُّفْلَى إذَا قَلَّ الْمَاءُ أَوْ
اخْتَلَفُوا فِيهِ]
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ: إسْنَادُهُ
صَحِيحٌ وَحَدِيثُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ أَبُو
نُعَيْمٍ فِي الصَّحَابَةِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي خِرَاشٍ
وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّجُلَ وَقَدْ سُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ
عَنْهُ فَقَالَ: أَبُو خِرَاشٍ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْحَافِظُ:
وَهُوَ كَمَا قَالَ فَقَدْ سَمَّاهُ أَبُو دَاوُد فِي
رِوَايَتِهِ حِبَّانَ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ الشَّرْعَبِيُّ
تَابِعِيٌّ مَعْرُوفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ
الْمَرَامِ: وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ
فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ
وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ وَفِي الْبَابِ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْخَطِيبِ وَزَادَ: " وَالْمِلْحُ "
وَفِيهِ عَبْدُ الْحَكَمِ بْنُ مَيْسَرَةَ وَرَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَهُ عِنْدَهُ طُرُقٌ
أُخْرَى وَعَنْ بُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا عِنْدَ أَبِي
دَاوُد، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ
وَالْعَارِيَّةِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إقْطَاعِ
الْمَعَادِنِ وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ
«أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ
الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمِلْحُ
وَالْمَاءُ وَالنَّارُ» الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ
الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ بِلَفْظِ «خَصْلَتَانِ لَا
يَحِلُّ مَنْعُهُمَا: الْمَاءُ وَالنَّارُ» قَالَ أَبُو
حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ عِنْدَ الْعُقَيْلِيِّ فِي
الضُّعَفَاءِ نَحْوُ حَدِيثِ بُهَيْسَةَ
قَوْلُهُ: (الْمَاءُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّاسَ
شَرِكَةٌ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ
فَرْقٍ بَيْنَ الْمُحْرَزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ
فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُحْرَزَ فِي
الْجِرَارِ وَنَحْوِهَا مِلْكٌ إجْمَاعًا، وَمِنْ لَازِمِ
الْمِلْكِ الِاخْتِصَاصُ وَعَدَمُ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ
غَيْرِ مُنْحَصِرَيْنِ كَمَا يَقْضِي بِهِ الْحَدِيثُ،
فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْإِجْمَاعُ كَانَ مُخَصِّصًا
لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَأَمَّا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَقَدْ
تَقَدَّمَ أَنَّهُ حَقٌّ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتُلِفَ فِي
مَاءِ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْكَظَائِمِ، فَعِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَأَبِي الْعَبَّاسِ
وَأَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ حَقٌّ لَا مِلْكٌ وَاسْتَدَلُّوا
بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَقَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى
وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَبَعْضُ
أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ:
(5/365)
2406 - (وَعَنْ عُبَادَةَ «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى
فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنْ السَّيْلِ أَنَّ الْأَعْلَى
يَشْرَبُ قَبْلَ الْأَسْفَلِ، وَيُتْرَكُ الْمَاءُ إلَى
الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَاءُ إلَى الْأَسْفَلِ
الَّذِي يَلِيهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ
الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ» رَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ)
2407 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَضَى فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ أَنْ يُمْسَكَ
حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسَلَ الْأَعْلَى
عَلَى الْأَسْفَلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
إنَّهُ مِلْكٌ، وَقَاسُوهُ عَلَى الْمَاءِ الْمُحْرَزِ فِي
الْجِرَارِ وَنَحْوِهَا وَرُدَّ بِأَنَّهُ بِالسُّيُولِ
أَشْبَهُ مِنْهُ بِمَاءِ الْجَرَّةِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي
الْبَحْرِ: فَصْلٌ: وَمَنْ احْتَفَرَ بِئْرًا أَوْ نَهْرًا
فَهُوَ أَحَقُّ بِمَائِهِ إجْمَاعًا وَإِنْ بَعُدَتْ
مِنْهُ أَرْضُهُ وَتَوَسَّطَ غَيْرُهَا اهـ
وَاخْتُلِفَ فِي مَاءِ الْبِرَكِ، فَقِيلَ: حَقٌّ،
وَقِيلَ: مِلْكٌ قَوْلُهُ: (وَالنَّارُ) قِيلَ: الْمُرَادُ
بِهَا الشَّجَرُ الَّذِي يَحْتَطِبُهُ النَّاسُ، وَقِيلَ:
الْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِصْبَاحُ مِنْهَا
وَالِاسْتِضَاءَةُ بِضَوْئِهَا وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا
الْحِجَارَةُ الَّتِي تُورِي النَّارَ إذَا كَانَتْ فِي
مَوَاتِ الْأَرْضِ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَا
الضَّوْءَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ
صَاحِبُهُ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَا
الْحِجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ
بِهَا الشَّجَرَ فَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي
الْحَطَبِ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ (وَالْكَلَأُ) قَدْ
تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا
وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْخَلَا وَالْحَشِيشِ؛ لِأَنَّ
الْخَلَا مُخْتَصٌّ بِالرَّطْبِ مِنْ النَّبَاتِ
وَالْحَشِيشَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَالْكَلَأَ
يَعُمُّهُمَا، قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْكَلَإِ هُنَا هُوَ
الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ
كَالْأَوْدِيَةِ وَالْجِبَالِ وَالْأَرَاضِيِ الَّتِي لَا
مَالِكَ لَهَا
وَأَمَّا مَا كَانَ قَدْ أُحْرِزَ بَعْدَ قَطْعِهِ فَلَا
شَرِكَةَ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قِيلَ وَأَمَّا
النَّابِتُ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ
وَالْمُتَحَجِّرَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ، فَقِيلَ: مُبَاحٌ
مُطْلَقًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَقِيلَ:
تَابِعٌ لِلْأَرْضِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهَا،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَاعْلَمْ
أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَنْتَهِضُ بِمَجْمُوعِهَا
فَتَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْأُمُورِ
الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
إلَّا بِدَلِيلٍ يُخَصُّ بِهِ عُمُومُهَا لَا بِمَا هُوَ
أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا كَالْأَحَادِيثِ الْمَاضِيَةِ
بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا
بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا
أَعَمَّ إنَّمَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا بَعْدَ
ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَثُبُوتُهُ فِي الْأُمُورِ
الثَّلَاثَةِ مَحَلُّ النِّزَاعِ
حَدِيثُ عُبَادَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ
وَالطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ وَحَدِيثُ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي
(5/366)
بَابُ الْحِمَى لِدَوَابِّ بَيْتِ الْمَالِ
2408 - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ لِلْخَيْلِ
خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّقِيعُ
بِالنُّونِ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الْفَتْحِ: إنَّ إسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنٌ،
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ «أَنَّهُ قَضَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ أَنَّ الْأَعْلَى
يُرْسَلُ إلَى الْأَسْفَلِ وَيُحْبَسُ قَدْرُ
الْكَعْبَيْنِ» وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِالْوَقْفِ
وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو
دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي
حَاتِمٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّهُ
سَمِعَ كُبَرَاءَهُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ
قُرَيْشٍ كَانَ لَهُ سَهْمٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ،
فَخَاصَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي مَهْزُورٍ السَّيْلِ الَّذِي يَقْسِمُونَ
مَاءَهُ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمَاءَ إلَى
الْكَعْبَيْنِ لَا يَحْبِسُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ»
قَوْلُهُ: (مَهْزُورٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ
الْهَاءِ بَعْدهَا زَايٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ وَاوٌ
سَاكِنَةٌ ثُمَّ رَاءٌ: وَهُوَ وَادِي بَنِي قُرَيْظَةَ
بِالْحِجَازِ قَالَ الْبَكْرِيُّ فِي الْمُعْجَمِ: هُوَ
وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: مَوْضِعُ
سُوقِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ قَدْ تَصَدَّقَ بِهِ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَقْطَعَهُ عُثْمَانَ بْنَ
الْحَارِثِ بْنِ الْحَكَمِ أَخَا مَرْوَانَ، وَأَقْطَعَ
مَرْوَانَ فَدَكَ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ
وَالْمُنْذِرِيُّ: أَمَّا مَهْرُوزٌ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ
عَلَى الزَّايِ: فَمَوْضِعُ سُوقِ الْمَدِينَةِ،
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْلَى
تَسْتَحِقُّ أَرْضُهُ الشُّرْبَ بِالسَّيْلِ وَالْغَيْلِ
وَمَاءِ الْبِئْرِ قَبْلَ الْأَرْضِ الَّتِي تَحْتَهَا،
وَأَنَّ الْأَعْلَى يُمْسِكُ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ
إلَى الْكَعْبَيْنِ: أَيْ: كَعْبَيْ رِجْلِ الْإِنْسَانِ
الْكَائِنَيْنِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ
ثُمَّ يُرْسِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ:
إنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ قَلِيلَا فَحَدُّهُ أَنْ يَعُمَّ
أَرْضَ الْأَعْلَى إلَى الْكَعْبَيْنِ فِي النَّخِيلِ
وَإِلَى الشِّرَاكِ فِي الزَّرْعِ لِقَضَائِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي خَبَرِ
عُبَادَةَ يَعْنِي: الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ قَالَ:
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِلزُّبَيْرِ «اسْقِ أَرْضَكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ»
فَقِيلَ: عُقُوبَةٌ لِخَصْمِهِ وَقِيلَ: بَلْ هُوَ
الْمُسْتَحَقُّ، وَكَانَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّفَضُّلِ، فَإِنْ كَانَتْ
الْأَرْضُ بَعْضُهَا مُطْمَئِنٌّ فَلَا يَبْلُغُ بَعْضُهَا
الْكَعْبَيْنِ إلَّا وَهُوَ فِي الْمُطْمَئِنِّ أَوْ
الرُّكْبَتَيْنِ، قَدَّمَ الْمُطْمَئِنَّ إلَى
الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ حَبَسَهُ وَسَقَى بَاقِيَهَا قَالَ
أَبُو طَالِبٍ: الْعِبْرَةُ بِالْكِفَايَةِ لِلْأَعْلَى
اهـ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ قَالَ
ابْنُ التِّينِ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ أَنْ
يُمْسِكَ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَخَصَّهُ ابْنُ كِنَانَةَ
بِالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ، قَالَ: وَأَمَّا الزَّرْعُ
فَإِلَى الشِّرَاكِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الْأَرَاضِي
مُخْتَلِفَةٌ فَيُمْسَكُ لِكُلِّ أَرْضٍ مَا يَكْفِيهَا،
وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ
الْحُكْمِ فِي حَالِ الْغَضَبِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ
(5/367)
2409 - (وَعَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حَمَى النَّقِيعَ، وَقَالَ: لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْهُ: «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ، وَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ»
وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى سَرِفَ وَالرَّبَذَةَ) .
2410 - (وَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ
اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى
الْحِمَى، فَقَالَ: يَا هَنِيُّ اُضْمُمْ جَنَاحَكَ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ
دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ
الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّايَ،
وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ،
فَإِنَّهُمَا إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إلَى
نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَرَبُّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبُّ
الْغُنَيْمَةِ إنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِي
بِبَنِيهِ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:
أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَكَ، فَالْمَاءُ
وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ،
وَاَيْمُ اللَّهِ إنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ
ظَلَمْتُهُمْ إنَّهَا لَبِلَادُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا
فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي
الْإِسْلَامِ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا
الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شَيْئًا رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْحِمَى لِدَوَابِّ بَيْتِ الْمَالِ]
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ،
وَحَدِيثُ الصَّعْبِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ: " حِمَى النَّقِيعِ " مِنْ
قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَى الْحَدِيثَ النَّسَائِيّ
فَذَكَرَ الْمَوْصُولَ فَقَطْ، أَعْنِي قَوْلَهُ: «لَا
حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» وَيُؤَيِّدُ مَا
قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ إنَّ أَبَا دَاوُد أَخْرَجَهُ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ
فَذَكَرَهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ وَقَدْ وَهِمَ الْحَاكِمُ
فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ،
وَتَبِعَ الْحَاكِمَ فِي وَهْمِهِ أَبُو الْفَتْحِ
الْقُشَيْرِيِّ فِي الْإِلْمَامِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي
الْمَطْلَبِ وَأَثَرُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
الشَّافِعِيُّ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا
قَوْلُهُ: (حِمَى النَّقِيعِ) أَصْلُ الْحِمَى عِنْدَ
الْعَرَبِ أَنَّ الرَّئِيسَ مِنْهُمْ كَانَ إذَا نَزَلَ
مَنْزِلًا مُخْصِبًا اسْتَعْوَى كَلْبًا عَلَى مَكَان
عَالٍ، فَإِلَى حَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ
كُلِّ جَانِبٍ، فَلَا يَرْعَى فِيهِ غَيْرُهُ وَيَرْعَى
هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فِيمَا سِوَاهُ، وَالْحِمَى: هُوَ
الْمَكَانُ الْمَحْمِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُبَاحِ،
وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ الْإِحْيَاءِ فِي ذَلِكَ
الْمَوَاتِ لِيَتَوَفَّرَ فِيهِ الْكَلَأُ، وَتَرْعَاهُ
مَوَاشٍ مَخْصُوصَةٌ وَيُمْنَعُ غَيْرُهَا وَالنَّقِيعُ
هُوَ بِالنُّونِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَحَكَى
الْخَطَّابِيِّ أَنَّ بَعْضَهُمْ صَحَّفَهُ فَقَالَ
بِالْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ
(5/368)
بَاب مَا جَاءَ فِي إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا مِنْ الْمَدِينَةِ، وَقَدْرُهُ
مِيلٌ فِي ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ
وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ، وَأَصْلُ النَّقِيعِ كُلُّ
مَوْضِعٍ يُسْتَنْقَعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَهَذَا النَّقِيعُ
الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ نَقِيعِ
الْخُضُمَّاتِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ أَسْعَدُ بْنُ
زُرَارَةَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَ
الْحَافِظُ
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ:
إنَّهُمَا وَاحِدٌ، قَالَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَوْلُهُ:
(لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ) قَالَ
الشَّافِعِيُّ: يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْحَدِيثِ شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ لِلْمُسْلِمِينَ
إلَّا مَا حَمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ مَعْنَاهُ: إلَّا عَلَى مِثْلِ مَا
حَمَاهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَأَحَدٍ مِنْ
الْوُلَاةِ بَعْدَهُ أَنْ يَحْمِيَ " وَعَلَى الثَّانِي
يَخْتَصُّ الْحِمَى بِمَنْ قَامَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ
الْخَلِيفَةُ خَاصَّةً
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَخَذَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ
مِنْ هَذَا أَنَّ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ،
وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ
إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ اهـ وَمِنْ أَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ مَنْ أَلْحَقَ بِالْخَلِيفَةِ وُلَاةَ
الْأَقَالِيمِ قَالَ الْحَافِظُ: وَمَحَلُّ الْجَوَازِ
مُطْلَقًا أَنْ لَا يَضُرَّ بِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ اهـ
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِلْخَيْلِ
" خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِلْإِمَامِ عَلَى فَرْضِ إلْحَاقِهِ بِالنَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْمِيَ
لِنَفْسِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْهَادَوِيَّةُ،
قَالُوا: بَلْ يَحْمِي لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرِ
أَنْعَامِهِمْ، وَلَا سِيَّمَا أَنْعَامِ مَنْ ضَعُفَ
مِنْهُمْ عَنْ الِانْتِجَاعِ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ فِي
الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ
بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْمَنْعِ مِنْ
الْحِمَى، وَالْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِجَوَازِ
الْإِحْيَاءِ مُعَارَضَةٌ، وَمَنْشَأُ هَذَا الظَّنِّ
عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّ
الْحِمَى أَخَصُّ مِنْ الْإِحْيَاءِ مُطْلَقًا.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ
مُعَارَضَةٌ، فَالْحِمَى الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا يُحْمَى
مِنْ الْمَوَاتِ الْكَثِيرَةِ الْعُشْبِ لِنَفْسِهِ
خَاصَّةً كَفِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِحْيَاءُ
الْمُبَاحُ مَا لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ
شَامِلَةً فَافْتَرَقَا قَالَ: وَإِنَّمَا تُعَدُّ أَرْضُ
الْحِمَى مَوَاتَا لِكَوْنِهَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا
مِلْكٌ لِأَحَدٍ، لَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْعَامِرَةَ لِمَا
فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُ: (وَأَنَّ
عُمَرَ حَمَى سَرِفَ) لَفْظُ الْبُخَارِيِّ " الشَّرَفُ "
بِالتَّعْرِيفِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالشَّرَفُ بِفَتْحِ
الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ فِي
الْمَشْهُورِ، وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ عِنْدَ
الْبُخَارِيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ
وَقَالَ فِي مُوَطَّإِ ابْنِ وَهْبٍ: بِفَتْحِ
الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ، قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُ
رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ أَوْ أَصْلَحَهُ وَهُوَ الصَّوَابُ
وَأَمَّا شَرَفُ: فَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ مَكَّةَ وَلَا
يَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَوْلُهُ:
(وَالرَّبَذَةُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ
بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " أَنَّ عُمَرَ حَمَى الرَّبَذَةَ
لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ " قَوْلُهُ: (هُنَيًّا) بِضَمِّ
الْهَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ
قَوْلُهُ: (الصُّرَيْمَةُ) تَصْغِيرُ صِرْمَةَ وَهِيَ مَا
بَيْنَ الْعِشْرِينَ إلَى الثَّلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ،
أَوْ مِنْ الْعَشْرِ إلَى الْأَرْبَعِينَ مِنْهَا
(5/369)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَقْطَعَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ مَعَادِنَ
الْقَبَلِيَّةِ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا وَحَيْثُ
يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قُدْسٍ، وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّ
مُسْلِمٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَرَوَيَاهُ
أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ)
2412 - (وَعَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ: «أَنَّهُ وَفَدَ
إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
اسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ، فَقَطَعَ لَهُ فَلَمَّا أَنْ
وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا
أَقْطَعْت لَهُ؟ إنَّمَا أَقْطَعْتَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ،
قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ قَالَ: وَسَأَلَهُ عَمَّا
يُحْمَى مِنْ الْأَرَاكِ، فَقَالَ: مَا لَمْ تَنَلْهُ
خِفَافُ الْإِبِلِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " أَخْفَافُ الْإِبِلِ " قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ: يَعْنِي: أَنَّ
الْإِبِلَ تَأْكُلُ مُنْتَهَى رُءُوسِهَا وَيُحْمَى مَا
فَوْقَهُ) .
2413 - (وَعَنْ بُهَيْسَةَ قَالَتْ: «اسْتَأْذَنَ أَبِي
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَجَعَلَ يَدْنُو مِنْهُ وَيَلْتَزِمُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ
مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمَاءُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ:
الْمِلْحُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ
الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: أَنْ تَفْعَلَ
الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَاب مَا جَاءَ فِي إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ]
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إسْنَادِهِ أَبُو أُوَيْسٍ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْرَجَ لَهُ
مُسْلِمٌ فِي الشَّوَاهِدِ وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ لَيْسَ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ غَيْرُ
ثَوْرٍ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الَّذِي أَشَارَ
إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي إسْنَادِهِ ابْنُ ابْنِهِ
كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا
يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ.
وَحَدِيثُ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ ابْنُ
الْقَطَّانِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّضْعِيفِ كَوْنُهُ فِي
إسْنَادِهِ السَّبَّائِيُّ الْمَازِنِيُّ قَالَ ابْنُ
عَدِيٍّ: أَحَادِيثُهُ مُظْلِمَةٌ مُنْكَرَةٌ.
وَحَدِيثُ بُهَيْسَةَ أَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ
الْقَطَّانِ بِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ وَتُعُقِّبَ
بِأَنَّهُ ذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فِي
الصَّحَابَةِ، وَلِحَدِيثِهَا شَوَاهِدُ قَدْ تَقَدَّمَتْ
فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ عِنْدَ
الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمَاعُونِ
قَوْلُهُ: (الْقَبَلِيَّةُ) مَنْسُوبَةٌ إلَى قَبَلَ
بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ: وَهِيَ نَاحِيَةٌ
مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ
خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد
مَعَادِنُ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ
الْفَرْعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ
(5/370)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
هَذَا التَّفْسِيرِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الزَّرْعِ
وَالْمَعْدِنِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ
إقْطَاعِ بِلَالٍ تَقَدَّمَ هُنَالِكَ بِلَفْظٍ غَيْرِ مَا
هُنَا وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْقَبَلُ مُحَرَّكَةٌ
نَشْرٌ مِنْ الْأَرْضِ يَسْتَقْبِلُكَ، أَوْ رَأْسُ كُلِّ
أَكَمَةٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ مُجْتَمَعِ رَمْلٍ،
وَالْمَحَجَّةُ: الْوَاضِحَةُ اهـ
قَوْلُهُ: (جَلْسِيَّهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ
اللَّامِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا يَاءُ
النَّسَبِ، وَالْجَلْسُ: كُلُّ مُرْتَفِعٍ مِنْ الْأَرْضِ،
وَيُطْلَقُ عَلَى أَرْضِ نَجْدٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ
قَوْلُهُ: (وَغَوْرِيَّهَا) بِفَتْحِ الْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ
نِسْبَةً إلَى غَوْرٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: إنَّ
الْغَوْرَ يُطْلَقُ عَلَى مَا بَيْنَ ذَاتِ عِرْقٍ إلَى
الْبَحْرِ وَكُلِّ مَا انْحَدَرَ مَغْرِبَا عَنْ
تِهَامَةَ، وَمَوْضِعٌ مُنْخَفِضٌ بَيْنَ الْقُدْسِ
وَحُورَانَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي عَرْضِ
فَرْسَخَيْنِ، وَمَوْضِعٌ فِي دِيَارِ بَنِي سُلَيْمٍ،
وَمَاءٌ لِبَنِي الْعَدَوِيَّةِ اهـ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا
الْمَوَاضِعُ الْمُرْتَفِعَةُ وَالْمُنْخَفِضَةُ مِنْ
مَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ قَوْلُهُ: (مِنْ قُدْسٍ) بِضَمِّ
الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدهَا سِينٌ
مُهْمَلَةٌ: وَهُوَ جَبَلٌ عَظِيمٌ بِنَجْدٍ كَمَا فِي
الْقَامُوسِ
وَقِيلَ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي يَصْلُحُ
لِلزَّرْعِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ: (الْعِدُّ)
بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ
الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمَاءُ
الَّذِي لَهُ مَادَّةٌ لَا تَنْقَطِعُ كَمَاءِ الْعَيْنِ
اهـ وَجَمْعُهُ أَعْدَادٌ، وَقِيلَ الْعِدُّ: مَا يُجْمَعُ
وَيُعَدُّ، وَرَدَّهُ الْأَزْهَرِيُّ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَلِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إقْطَاعُ
الْمَعَادِنِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِقْطَاعِ: جَعْلُ بَعْضِ
الْأَرَاضِي الْمَوَاتِ مُخْتَصَّةً بِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ
سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مَعْدِنًا أَوْ أَرْضًا لِمَا
سَيَأْتِي فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْبَعْضُ أَوْلَى بِهِ مِنْ
غَيْرِهِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَوَاتِ
الَّتِي لَا يَخْتَصُّ بِهَا أَحَدٌ، وَهَذَا أَمْرٌ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: حَكَى عِيَاضٌ أَنَّ الْإِقْطَاعَ
تَسْوِيغُ الْإِمَامِ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَيْئًا لِمَنْ
يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ
فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا لِمَنْ
يَرَاهُ مَا يَحُوزُهُ، إمَّا بِأَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهُ
فَيُعْمِرَهُ، وَإِمَّا بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ غَلَّتَهُ
مُدَّةً قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي
يُسَمَّى فِي زَمَانِنَا هَذَا إقْطَاعَا، وَلَمْ أَرَ
أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى
طَرِيقٍ فِقْهِيٍّ مُشْكِلٌ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ
أَنَّهُ يَحْصُلُ لِلْمُقْطَعِ بِذَلِكَ اخْتِصَاصٌ
كَاخْتِصَاصِ الْمُتَحَجِّرِ وَلَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُ
الرَّقَبَةَ بِذَلِكَ، وَبِهَذَا جَزَمَ الطَّبَرِيُّ
وَادَّعَى الْأَذْرَعِيُّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ
تَخْصِيصِ الْإِمَامِ بَعْضَ الْجُنْدِ بِغَلَّةِ أَرْضِهِ
إذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ، هَكَذَا فِي الْفَتْحِ
وَحَكَى صَاحِبُ الْفَتْحِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ التِّينِ
أَنَّهُ إنَّمَا يُسَمَّى إقْطَاعَا إذَا كَانَ مِنْ
أَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ مِنْ الْفَيْءِ
وَلَا يُقْطَعُ مِنْ حَقِّ مُسْلِمٍ وَلَا مُعَاهِدٍ
قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْطَاعُ تَمْلِيكًا وَغَيْرَ
تَمْلِيكٍ، وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ إقْطَاعُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّورَ
بِالْمَدِينَةِ قَالَ الْحَافِظُ: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى
مَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا، وَوَصَلَهُ
الطَّبَرِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ
الدُّورَ» ، يَعْنِي: أَنْزَلَ الْمُهَاجِرِينَ فِي دُورِ
الْأَنْصَارِ بِرِضَاهُمْ قَوْلُهُ: (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ. . . إلَخْ) ذَكَرَ الْخَطَّابِيِّ
(5/371)
بَابُ إقْطَاعِ الْأَرَاضِي
2414 - (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثٍ
ذَكَرَتْهُ قَالَتْ: «كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ
أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأْسِي وَهُوَ
مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي سَفَرِ الْمَرْأَةِ الْيَسِيرِ
بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) .
2415 - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَقْطَعَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزُّبَيْرَ حُضْرَ
فَرَسِهِ، وَأَجْرَى الْفَرَسَ حَتَّى قَامَ، ثُمَّ رَمَى
بِسَوْطِهِ فَقَالَ: أَقْطِعُوهُ حَيْثُ بَلَغَ السَّوْطُ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد)
2416 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: «خَطَّ لِي
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
دَارًا بِالْمَدِينَةِ بِقَوْسٍ وَقَالَ: أَزِيدُكَ»
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
2417 - (وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَهُ أَرْضًا
بِحَضْرَمَوْتَ، وَبَعَثَ مُعَاوِيَةَ لِيُقْطِعَهَا
إيَّاهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)
2418 - (وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ: أَقَطَعَنِي رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ أَرْضَ كَذَا وَكَذَا فَذَهَبَ
الزُّبَيْرُ إلَى آلِ عُمَرَ فَاشْتَرَى نَصِيبَهُ
مِنْهُمْ، فَأَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: إنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَهُ وَعُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ أَرْضَ كَذَا وَكَذَا، وَإِنِّي
اشْتَرَيْت نَصِيبَ آلِ عُمَرَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: عَبْدُ
الرَّحْمَنِ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ)
2419 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَنْصَارَ لِيُقْطِعَ
لَهُمْ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
فَقَالَ: إنَّمَا يُحْمَى مِنْ الْأَرَاكِ مَا بَعُدَ عَنْ
حَضْرَةِ الْعِمَارَةِ فَلَا تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ
الرَّائِحَةُ إذَا أُرْسِلَتْ فِي الرَّعْيِ اهـ
وَحَدِيثُ بُهَيْسَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ
مَنْعُ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ
فِي الْمَاءِ، وَأَمَّا الْمِلْحُ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ
عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا كَانَ فِي مَعْدِنِهِ أَوْ
قَدْ انْفَصَلَ عَنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَمِيعِ
أَنْوَاعِهِ الصَّالِحَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا
(5/372)
يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ فَعَلْت فَاكْتُبْ
لَإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَلَمْ يَكُنْ
ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي
أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي» رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ إقْطَاعِ الْأَرَاضِي]
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ وَفِيهِ مَقَالٌ، وَهُوَ أَخُو عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ
حُرَيْثٍ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ،
وَحَسَّنَ إسْنَادَهُ الْحَافِظُ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد
«أَزِيدُكَ أَزِيدُكَ» مَرَّتَيْنِ
وَحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو
دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ
وَالطَّبَرَانِيُّ.
وَحَدِيثُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ أَجِدْهُ
لِغَيْرِ أَحْمَدَ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي بَابِ
الْإِقْطَاعِ مِنْ مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ مَعَ أَنَّهُ
يَذْكُرُ كُلَّ حَدِيثٍ لِأَحْمَدَ خَارِجٍ عَنْ
الْأُمَّهَاتِ السِّتِّ قَوْلُهُ: (مِنْ أَرْضِ
الزُّبَيْرِ. . . إلَخْ) يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ
الْأَرْضُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ
كِتَابِ الْخُمُسِ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ «أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي
النَّضِيرِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَسْمَاءَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ نَخْلًا» قَوْلُهُ:
(حُضْرَ فَرَسِهِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: وَهُوَ الْعَدْوُ.
قَوْلُهُ: (وَبَعَثَ مُعَاوِيَةَ) أَيْ: النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ:
(لِيُقْطِعَ لَهُمْ الْبَحْرَيْنِ) قَالَ الْخَطَّابِيِّ:
يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَوَاتَ مِنْهَا
لِيَتَمَلَّكُوهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ
أَرَادَ الْعَامِرَ مِنْهَا لَكِنْ فِي حَقِّهِ مِنْ
الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَرَكَ أَرْضَهَا فَلَمْ
يَقْسِمْهَا
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَضُرِبَتْ عَلَى
أَهْلِهَا الْجِزْيَةُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَخُصَّهُمْ بِتَنَاوُلِ
جِزْيَتِهَا، وَبِهِ جَزَمَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي
وَوَجَّهَهُ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّ أَرْضَ الصُّلْحِ لَا
تُقْسَمُ فَلَا تُمَلَّكُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي
يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَرَادَ أَنْ يَخُصَّ الْأَنْصَارَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ
الْبَحْرَيْنِ، أَمَّا النَّاجِزُ يَوْمَ عَرَضَ ذَلِكَ
عَلَيْهِمْ فَهُوَ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا
صَالَحُوا عَلَيْهَا وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ
الْفُتُوحُ فَخَرَاجُ الْأَرْضِ أَيْضًا، وَقَدْ وَقَعَ
مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي
عِدَّةِ أَرَاضٍ بَعْدَ فَتْحِهَا وَقَبْلَ فَتْحِهَا
مِنْهَا إقْطَاعُهُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ بَيْتَ
إبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا فُتِحَتْ فِي عَهْدِ عُمَرَ نَجَّزَ
ذَلِكَ لِتَمِيمٍ، وَاسْتَمَرَّ فِي أَيْدِي ذُرِّيَّتِهِ
مِنْ ابْنَتِهِ رُقَيَّةَ وَبِيَدِهِمْ كِتَابٌ مِنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِذَلِكَ وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ سَعْدٍ
وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهِمَا
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ذَلِكَ) يَعْنِي:
بِسَبَبِ قِلَّةِ الْفُتُوحِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ بَطَّالٍ
فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ فِعْلَ ذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ كَانَ أَقْطَعَ الْمُهَاجِرِينَ أَرْضَ بَنِي
النَّضِيرِ قَوْلُهُ: (أَثَرَةً) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ
وَالْمُثَلَّثَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَشَارَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ إلَى مَا وَقَعَ
مِنْ اسْتِئْثَارِ الْمُلُوكِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى
الْأَنْصَارِ بِالْأَمْوَالِ، وَالتَّفْضِيلِ بِالْعَطَاءِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ،
وَفِيهِ مَا كَانَتْ فِيهِ الْأَنْصَارُ مِنْ الْإِيثَارِ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَمَا وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ:
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَأَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ
الْأَئِمَّةِ إقْطَاعُ الْأَرَاضِي وَتَخْصِيصُ بَعْضٍ
دُونَ بَعْضٍ
(5/373)
بَابُ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ
الْمُتَّسِعَةِ لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ
2420 - (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إيَّاكُمْ
وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ
فِيهَا، فَقَالَ: إذَا أَبَيْتُمْ إلَّا الْمَجْلِسَ
فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قَالُوا: وَمَا حَقُّ
الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ،
وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ
بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ) .
2421 - (وَعَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«لَأَنْ يَحْمِلَ أَحَدُكُمْ حَبْلًا فَيَحْتَطِبَ، ثُمَّ
يَجِيءَ فَيَضَعَهُ فِي السُّوقِ فَيَبِيعَهُ، ثُمَّ
يَسْتَغْنِيَ بِهِ فَيُنْفِقَهُ عَلَى نَفْسِهِ خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ
مَنَعُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
بِذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ
عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
الْإِقْطَاعِ غَيْرُ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَالْبَابِ
الَّذِي قَبْلَهُ
مِنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ صَخْرَ بْنَ أَبِي الْعَيْلَةَ
الْبَجَلِيَّ الْأَحْمَسِيَّ مَاءً لِبَنِي سُلَيْمٍ
لَمَّا هَرَبُوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَتَرَكُوا ذَلِكَ
الْمَاءَ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِمْ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ
مَذْكُورَةٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد» وَمِنْهَا مَا
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ
الْجُهَنِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَزَلَ فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ تَحْتَ
دَوْمَةٍ، فَأَقَامَ ثَلَاثًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى تَبُوكَ،
وَأَنَّ جُهَيْنَةَ لَحِقُوهُ بِالرَّحَبَةِ، فَقَالَ
لَهُمْ: مَنْ أَهْلُ ذِي الْمَرْوَةِ، فَقَالُوا: بَنُو
رِفَاعَةَ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَالَ: قَدْ أَقْطَعْتهَا
لِبَنِي رِفَاعَةَ، فَاقْتَسَمُوهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ
بَاعَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَمْسَكَ فَعَمِلَ» وَمِنْهَا
عِنْدَ أَبِي دَاوُد عَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ
قَالَتْ: «قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقَدَّمَ صَاحِبِي،
يَعْنِي: حُرَيْثَ بْنَ حَسَّانَ وَافِدَ بَكْرِ بْنِ
وَائِلٍ، فَبَايَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى
قَوْمِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اُكْتُبْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَنِي تَمِيمٍ بِالدَّهْنَاءِ أَنْ لَا
يُجَاوِزَهَا إلَيْنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا مُسَافِرٌ
أَوْ مُجَاوِرٌ، فَقَالَ: اُكْتُبْ لَهُ يَا غُلَامُ
بِالدَّهْنَاءِ، فَلَمَّا رَأَيْته قَدْ أَمَرَ لَهُ بِهَا
شُخِصَ بِي وَهِيَ وَطَنِي وَدَارِي، فَقُلْت: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنَّهُ لَمْ يَسْأَلْك السَّوِيَّةَ مِنْ
الْأَرْضِ إذْ سَأَلَكَ، إنَّمَا هَذِهِ الدَّهْنَاءُ
عِنْدَكَ مَقِيدُ الْجَمَلِ وَمَرْعَى الْغَنَمِ وَنِسَاءُ
بَنِي تَمِيمٍ وَأَبْنَاؤُهَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَقَالَ:
أَمْسِكْ يَا غُلَامُ صَدَقَتْ الْمِسْكِينَةُ،
الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ يَسَعُهُمَا الْمَاءُ
وَالشَّجَرُ وَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى الْفَتَّانِ» يَعْنِي:
الشَّيْطَانَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ
مُخْتَصَرًا وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَالطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ
الدُّورَ وَأَقْطَعَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِيمَنْ أَقْطَعَ»
وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ
[بَابُ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ الْمُتَّسِعَةِ
لِلْبَيْعِ وَغَيْرِهِ]
حَدِيثُ الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا
بِنَحْوِ مَا هُنَا، وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى
مِثْلِ مَعْنَاهُ
(5/374)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي
بَابِ مَا جَاءَ فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ
وَالْمَسْأَلَةِ مِنْ أَبْوَابِ الزَّكَاةِ
قَوْلُهُ: (إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ) بِالنَّصْبِ عَلَى
التَّحْذِيرِ قَوْلُهُ: (مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا
بُدٌّ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّحْذِيرَ
لِلْإِرْشَادِ لَا لِلْوُجُوبِ، إذْ لَوْ كَانَ
لِلْوُجُوبِ لَمْ يُرَاجِعُوهُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ وَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ سَدَّ
الذَّرَائِعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَا عَلَى الْحَتْمِ؛
لِأَنَّهُ نَهَى أَوَّلًا عَنْ الْجُلُوسِ حَسْمًا
لِلْمَادَّةِ، فَلَمَّا قَالُوا: (مَا لَنَا مِنْ
مَجَالِسِنَا بُدٌّ) ذَكَرَ لَهُمْ الْمَقَاصِدَ
الْأَصْلِيَّةَ لِلْمَنْعِ، فَعُرِفَ أَنَّ النَّهْيَ
الْأَوَّلَ لِلْإِرْشَادِ إلَى الْأَصْلَحِ وَيُؤْخَذُ
مِنْهُ أَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ
الْمَصْلَحَةِ لِنَدْبِهِ أَوَّلًا إلَى تَرْكِ الْجُلُوسِ
مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ لِمَنْ عَمِلَ بِحَقِّ
الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي طَلَبِ
السَّلَامَةِ آكَدُ مِنْ الطَّمَعِ فِي الزِّيَادَةِ
قَالَ الْحَافِظُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ رَجَوْا وُقُوعَ
النَّسْخِ تَخْفِيفًا لَمَّا شَكَوْا مِنْ شِدَّةِ
الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، يَعْنِي: فَلَا يَكُونُ
قَوْلُهُمْ الْمَذْكُورُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ
التَّحْذِيرَ الَّذِي فِي قُوَّةِ الْأَمْرِ لِلْإِرْشَادِ
قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ
يَعْمُرَ، وَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهَا عَزِيمَةٌ قَوْلُهُ:
(إذَا أَبَيْتُمْ إلَّا الْمَجْلِسَ) فِي رِوَايَةٍ
لِلْبُخَارِيِّ " فَإِذَا أَتَيْتُمْ إلَى الْمَجْلِسِ "
قَوْلُهُ: (غَضُّ الْبَصَرِ. . . إلَخْ) زَادَ أَبُو
دَاوُد فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَإِرْشَادُ
السَّبِيلِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ» وَزَادَ
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ «وَإِغَاثَةُ
الْمَلْهُوفِ» وَزَادَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ «وَأَعِينُوا عَلَى الْحُمُولَةِ» وَزَادَ
الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ
«وَذِكْرُ اللَّهِ كَثِيرًا» وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ
أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ «وَاهْدُوا
الْأَغْنِيَاءَ، وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ» وَجَاءَ فِي
حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ مِنْ الزِّيَادَةِ «وَحُسْنُ
الْكَلَامِ» وَقَدْ نَظَمَ الْحَافِظُ هَذِهِ الْآدَابَ
فَقَالَ:
جَمَعْت آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوسَ عَلَى الطَّرِيقِ
... مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْخَلْقِ إنْسَانَا
أَفْشِ السَّلَامَ وَأَحْسِنْ فِي الْكَلَامِ ...
وَشَمِّتْ عَاطِسًا وَسَلَامًا رُدَّ إحْسَانَا
فِي الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ وَأَغِثْ ...
لَهْفَانَ وَاهْدِ سَبِيلًا وَاهْدِ حَيْرَانَا
بِالْعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَنْ نُكْرٍ وَكُفَّ أَذًى ...
وَغُضَّ طَرْفًا وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا
وَالْعِلَّةُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الْجُلُوسِ عَلَى
الطُّرُقِ مَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ
بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ،
وَلِحُقُوقِ اللَّهِ وَالْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَا
تَلْزَمُ غَيْرَ الْجَالِسِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ
وَقَدْ أَشَارَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِغَضِّ النَّظَرِ
إلَى السَّلَامَةِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ بِمَنْ
يَمُرُّ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ وَبِكَفِّ الْأَذَى
إلَى السَّلَامَةِ مِنْ الِاحْتِقَارِ وَالْغِيبَةِ
وَبِرَدِّ السَّلَامِ إلَى إكْرَامِ الْمَارِّ،
وَبِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ
الْمُنْكَرِ إلَى اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ مَا يُشْرَعُ
وَتَرْكِ جَمِيعِ مَا لَا يُشْرَعُ وَعَلَى هَذَا
النَّمَطِ بَقِيَّةُ الْآدَابِ الَّتِي أَشَرْنَا
إلَيْهَا، وَلِكُلٍّ مِنْهَا شَاهِدٌ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ
وَقَدْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي
كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَحَدِيثُ الزُّبَيْرِ قَدْ
سَبَقَ شَرْحُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ
(5/375)
بَابُ مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ
سَيَّبَهَا أَهْلُهَا رَغْبَةً عَنْهَا
2422 - (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا أَنْ
يَعْلِفُوهَا فَسَيَّبُوهَا فَأَخَذَهَا فَأَحْيَاهَا
فَهِيَ لَهُ» ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَقُلْتُ لَهُ:
عَمَّنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ)
2423 - (وَعَنْ الشَّعْبِيِّ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«مَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمُهْلَكَةٍ فَأَحْيَاهَا رَجُلٌ
فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا
لِقَوْلِهِ فِيهِ " فَيَضَعُهُ فِي السُّوقِ فَيَبِيعُهُ "
فَإِنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ فِي
السُّوقِ لِلْبَيْعِ، وَلَا يَخْلُو غَالِبُ الْأَسْوَاقِ
مِنْ كَثْرَةِ الطُّرُقِ فِيهِ
[بَابُ مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ سَيَّبَهَا أَهْلُهَا
رَغْبَةً عَنْهَا]
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِي إسْنَادِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنِ حُمَيْدٍ وَقَدْ وُثِّقَ وَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ،
فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، يَعْنِي: لَا أَعْرِفُ تَحْقِيقَ
أَمْرِهِ وَأَمَّا جَهَالَةُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ
أَبْهَمَهُمْ الشَّعْبِيُّ فَغَيْرُ قَادِحَةٍ فِي
الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ مَجْهُولَهُمْ مَقْبُولٌ عَلَى مَا
هُوَ الْحَقُّ، وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ
مُسْتَقِلَّةٍ وَالشَّعْبِيُّ قَدْ لَقِيَ جَمَاعَةً مِنْ
الصَّحَابَةِ حَكَى الذَّهَبِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ
ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَكَى مَنْصُورُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
" أَدْرَكْت خَمْسَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ:
عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ".
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي مَعَ إرْسَالِهِ فِيهِ عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ الْمَذْكُورُ قَوْلُهُ:
(فَسَيَّبُوهَا) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " مَنْ تَرَكَ
دَابَّةً " يُؤْخَذُ مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ يَجُوزُ
لِمَالِكِ الدَّابَّةِ التَّسْيِيبُ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا
عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا
وَقَدْ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَالِكِ
الدَّابَّةِ أَنْ يَعْلِفَهَا أَوْ يَبِيعَهَا أَوْ
يُسَيِّبَهَا فِي مَرْتَعٍ، فَإِنْ تَمَرَّدَ أُجْبِرَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: بَلْ يُؤْمَرُ
اسْتِصْلَاحًا لَا حَتْمًا كَالشَّجَرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ
ذَاتَ الرُّوحِ تُفَارِقُ الشَّجَرِ وَالْأَوْلَى إذَا
كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَنْ
يَذْبَحَهَا مَالِكُهَا وَيُطْعِمَهَا الْمُحْتَاجِينَ
قَالَ ابْنُ رِسْلَانَ: وَأَمَّا الدَّابَّةُ الَّتِي
عَجَزَتْ عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لِزَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا
فَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهَا تَسْيِيبُهَا بَلْ يَجِبُ
عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا قَوْلُهُ: (فَأَحْيَاهَا) يَعْنِي:
بِسَقْيِهَا وَعَلْفِهَا وَخِدْمَتِهَا، وَهُوَ مِنْ بَابِ
الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]
قَوْلُهُ: (فَهِيَ لَهُ) أَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَحْمَدُ
وَاللَّيْثُ وَالْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ، فَقَالُوا: مَنْ
تَرَكَ دَابَّةً بِمُهْلَكَةٍ فَأَخَذَهَا
(5/376)
كِتَابُ الْغَصْبِ وَالضَّمَانَاتِ بَابُ
النَّهْيِ عَنْ جِدِّهِ وَهَزْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
إنْسَانٌ فَأَطْعَمَهَا وَسَقَاهَا وَخَدَمَهَا إلَى أَنْ
قَوِيَتْ عَلَى الْمَشْيِ وَالْحَمْلِ عَلَى الرُّكُوبِ
مَلَكَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالِكُهَا تَرَكَهَا لَا
لِرَغْبَةٍ عَنْهَا بَلْ لِيَرْجِعَ إلَيْهَا أَوْ ضَلَّتْ
عَنْهُ، وَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ
وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ لِمَالِكِهَا الْأَوَّلِ،
وَيَغْرَمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْآخِذُ وَقَالَ
الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّ مِلْكَ صَاحِبِهَا لَمْ
يَزُلْ عَنْهَا بِالْعَجْزِ، وَسَبِيلُهَا سَبِيلُ
اللُّقَطَةِ، فَإِذَا جَاءَ رَبُّهَا وَجَبَ عَلَى
وَاجِدهَا رَدُّهَا عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا أُنْفِقَ
عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ قَوْلُهُ:
(بِمُهْلَكَةٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ اللَّامِ اسْمٌ
لِمَكَانِ الْإِهْلَاكِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فِي
قَوْله تَعَالَى: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ}
[النمل: 49] وَقَرَأَ حَفْصٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ
اللَّامِ
(5/377)
عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ جَادًّا
وَلَا لَاعِبًا، وَإِذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ
فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ)
2425 - (وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ
مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ» رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ، وَعُمُومُهُ حُجَّةٌ فِي السَّاحَةِ،
الْغَصْبُ يُبْنَى عَلَيْهَا، وَالْعَيْنُ تَتَغَيَّرُ
صِفَتُهَا أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ) .
2426 - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
قَالَ: «حَدَّثَنَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَامَ
رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إلَى حَبْلٍ
مَعَهُ، فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ
يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
ـــــــــــــــــــــــــــــ |