نيل
الأوطار ط دار الحديث [نيل الأوطار]
[كِتَابُ الْعِتْقِ] [بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْعِتْق]
حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِي
الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيِّ وَعَنْ أَبِي مُوسَى عِنْدَ أَحْمَدَ
وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ
الْحَاكِمِ وَعَنْ وَاثِلَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْضًا
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عِنْدَهُ أَيْضًا
قَوْلُهُ: (كِتَابُ الْعِتْقِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ
الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ، وَهُوَ زَوَالُ
الْمِلْكِ وَثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ:
يُقَالُ: عَتَقَ يَعْتِقُ عِتْقًا، بِكَسْرِ أَوَّلِهِ
وَيُفْتَحُ، وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً، قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ: وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَتَقَ
الْفَرَسُ: إذَا سَبَقَ، وَعَتَقَ الْفَرْخُ: إذَا طَارَ،
لِأَنَّ الرَّقِيقَ يَخْلُصُ مِنْهُ بِالْعِتْقِ
وَيَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ.
قَوْلُهُ: (مُسْلِمَةٌ) هَذَا مُقَيِّدٌ لِبَاقِي
الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ
الْمَذْكُورَ إلَّا مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: " مَنْ
أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً " وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ
قَيْدِ الْإِسْلَامِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ مُعْتِقَ
الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ مُثَابٌ عَلَى الْعِتْقِ
وَلَكِنَّهُ لَيْسَ كَثَوَابِ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ
قَوْلُهُ: (حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ) اسْتَشْكَلَهُ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ: الْفَرْجُ لَا يَتَعَلَّقُ
بِهِ ذَنْبٌ يُوجِبُ النَّارَ إلَّا الزِّنَا،
(6/94)
2593 - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
«قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ
أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ، وَالْجِهَادُ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ
أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا
وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا» )
2594 - (وَعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ: «أَنَّهَا
أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَهَا وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا
فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي
أَعْتَقْت وَلِيدَتِي؟ قَالَ: أَوْ فَعَلْت؟ قَالَتْ:
نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتَهَا
أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِمَا وَفِي الثَّانِي دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
تَبَرُّعِ الْمَرْأَةِ بِدُونِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَأَنَّ
صِلَةَ الرَّحِمِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ) .
2595 - (وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَرَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
فَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ الصَّغَائِرِ
كَالْمُفَاخَذَةِ لَمْ يُشْكِلْ عِتْقُهُ مِنْ النَّارِ
بِالْعِتْقِ وَإِلَّا فَالزِّنَا كَبِيرَةٌ لَا تُكَفَّرُ
إلَّا بِالتَّوْبَةِ قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ: أَنَّ الْعِتْقَ يُرَجَّحُ عِنْدَ
الْمُوَازَاةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُرَجِّحًا لِحَسَنَاتِ
الْمُعْتِقِ تَرْجِيحًا يُوَازِي سَيِّئَةَ الزِّنَا اهـ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِالْفَرْجِ
بَلْ يَأْتِي فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَالْيَدِ
فِي الْغَصْبِ مَثَلًا قَوْلُهُ: (أَيُّمَا امْرِئٍ
مُسْلِمٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ
مُخْتَصٌّ بِمَنْ كَانَ مِنْ الْمُعْتِقِينَ مُسْلِمًا،
فَلَا أَجْرَ لِلْكَافِرِ فِي عِتْقِهِ إلَّا إذَا
انْتَهَى أَمْرُهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَسَيَأْتِي
قَوْلُهُ: (فِكَاكُهُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا
لُغَةٌ: أَيْ كَانَتَا خُلَاصَةً. قَوْلُهُ: (يُجْزَى)
بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْعِتْقَ مِنْ الْقُرَبِ الْمُوجِبَةِ لِلسَّلَامَةِ مِنْ
النَّارِ، وَأَنَّ عِتْقَ الذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ
الْأُنْثَى وَقَدْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى تَفْضِيلِ عِتْقِ
الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ
بِأَنَّ عِتْقَهَا يَسْتَلْزِمُ حُرِّيَّةَ وَلَدِهَا
سَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَمُجَرَّدُ
هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ مَا
وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ فِكَاكِ
الْمُعْتَقِ إمَّا رَجُلًا أَوْ امْرَأَتَيْنِ، وَأَيْضًا
عِتْقُ الْأُنْثَى رُبَّمَا أَفْضَى فِي الْغَالِبِ إلَى
ضَيَاعِهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى التَّكَسُّبِ
بِخِلَافِ الذَّكَرِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي قَوْلِهِ: " أَعْتَقَ اللَّهُ
بِكُلِّ عُضْوٍ عُضْوًا مِنْهُ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ
يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي الرَّقَبَةِ نُقْصَانٌ
لِتَحْصِيلِ الِاسْتِيعَابِ وَأَشَارَ الْخَطَّابِيِّ إلَى
أَنَّهُ يُغْتَفَرُ الْبَعْضُ الْمَجْبُورُ بِمَنْفَعَتِهِ
كَالْخَصِيِّ مَثَلًا وَاسْتَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ
وَغَيْرُهُ وَقَالَ: لَا يُشَكُّ فِي أَنَّ عِتْقَ
الْخَصِيِّ وَكُلَّ نَاقِصٍ فَضِيلَةٌ، لَكِنَّ الْكَامِلَ
أَوْلَى.
(6/95)
أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
مِنْ صَدَقَةٍ وَعَتَاقٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ، هَلْ لِي فِيهَا
مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ: أَسْلَمْت عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ
خَيْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى
أَنَّ الْحَرْبِيَّ يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَمَتَى نَفَذَ
فَلَهُ وَلَاؤُهُ بِالْخَيْرِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
قَوْلُهُ: (الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَالْجِهَادُ) قَالَ
النَّوَوِيُّ: ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْجِهَادَ
بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجَّ وَذَكَرَ
الْعِتْقَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِالصَّلَاةِ
ثُمَّ الْبِرُّ ثُمَّ الْجِهَادُ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ
ذَكَرَ السَّلَامَةَ مِنْ الْيَدِ وَاللِّسَانِ قَالَ
الْعُلَمَاءُ: اخْتِلَافُ الْأَجْوِبَةِ فِي ذَلِكَ
بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَاحْتِيَاجِ الْمُخَاطَبِينَ
وَذِكْرِ مَا لَا يَعْلَمُهُ السَّائِلُ وَالسَّامِعُونَ
وَتَرْكِ مَا عَلِمُوهُ
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ
لَفْظَةَ " مِنْ " مُرَادَةٌ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ
أَعْقَلُ النَّاسِ، وَالْمُرَادُ مِنْ أَعْقَلِهِمْ
وَمِنْهُ حَدِيثُ " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ "
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ خَيْرَ
النَّاسِ اهـ قَوْلُهُ: (أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا)
أَيْ اغْتِبَاطُهُمْ بِهَا أَشَدُّ، فَإِنَّ عِتْقَ مِثْلِ
ذَلِكَ مَا يَقَعُ غَالِبًا إلَّا خَالِصًا، وَهُوَ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى
تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَوْلُهُ:
(وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ "
أَعْلَاهَا ثَمَنًا " بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ
رِوَايَةُ النَّسَائِيّ أَيْضًا، وللكشميهني بِالْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ، وَكَذَا النَّسَفِيُّ
قَالَ ابْنُ قُرْقُولٍ: مَعْنَاهُ مُتَقَارِبٌ،
وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ كَمَا هُنَا قَالَ النَّوَوِيُّ:
مَحَلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ
يَعْتِقَ رَقَبَةً وَاحِدَةً، أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَ
شَخْصٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ
بِهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا فَوَجَدَ رَقَبَةً نَفِيسَةً
وَرَقَبَتَيْنِ مَفْضُولَتَيْنِ، فَالرَّقَبَتَانِ
أَفْضَلُ قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّ
الْوَاحِدَةَ السَّمِينَةَ فِيهَا أَفْضَلُ، لِأَنَّ
الْمَطْلُوبَ هُنَا فَكُّ الرَّقَبَةِ وَهُنَاكَ طَيِّبُ
اللَّحْمِ قَالَ الْحَافِظُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ
ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَرُبَّ
شَخْصٍ وَاحِدٍ إذَا عَتَقَ انْتَفَعَ بِالْعِتْقِ
أَضْعَافَ مَا يَحْصُلُ مِنْ النَّفْعِ لِعِتْقِ أَكْثَرَ
عَدَدًا مِنْهُ وَرُبَّ مُحْتَاجٍ إلَى كَثْرَةِ اللَّحْمِ
لِتَفْرِقَتِهِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ الَّذِينَ
يَنْتَفِعُونَ بِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ
بِطَيِّبِ اللَّحْمِ، فَالضَّابِطُ أَنَّ مَهْمَا كَانَ
أَكْثَرَ نَفْعًا كَانَ أَفْضَلُ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ
كَثُرَ وَاحْتُجَّ بِهِ لِمَالِكٍ فِي أَنَّ عِتْقَ
الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ إذَا كَانَتْ أَعْلَى ثَمَنًا
مِنْ الْمُسْلِمَةِ أَفْضَلُ، وَخَالَفَهُ أَصْبَغُ
وَغَيْرُهُ وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " أَعْلَى
ثَمَنًا " مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ
تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ
قَوْلُهُ: (أَشَعَرْت) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ
وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مِنْ الشُّعُورِ
قَوْلُهُ: (وَفِي الثَّانِي دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
تَبَرُّعِ الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ) قَدْ قَدَّمْنَا
الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي
تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا وَمَالِ زَوْجِهَا
مِنْ كِتَابِ الْهِبَةِ قَوْلُهُ: (أَسْلَمْت عَلَى مَا
سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا
فَعَلَهُ الْكَافِرُ حَالَ كُفْرِهِ مِنْ الْقُرَبِ
يُكْتَبُ لَهُ إذَا أَسْلَمَ فَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ
مُخَصِّصًا لِحَدِيثِ: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا
قَبْلَهُ» وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ
الصَّلَاةِ، وَجَبُّ ذُنُوبِ الْكَافِرِ بِالْإِسْلَامِ
أَيْضًا مَشْرُوطٌ بِأَنْ يُحْسِنَ فِي الْإِسْلَامِ لِمَا
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قُلْنَا يَا
(6/96)
بَابُ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَشَرَطَ
عَلَيْهِ خِدْمَةً
2596 - (عَنْ سَفِينَةَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:
«أَعْتَقَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ وَشَرَطَتْ عَلَيَّ أَنْ
أَخْدُمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- مَا عَاشَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي
لَفْظٍ: كُنْت مَمْلُوكًا لِأُمِّ سَلَمَةَ، «فَقَالَتْ:
أُعْتِقُكَ وَأَشْتَرِطُ عَلَيْك أَنْ تَخْدُمَ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا
عِشْتَ، فَقُلْت: لَوْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا
فَارَقْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَا عِشْت، فَأَعْتَقَتْنِي وَاشْتَرَطَتْ
عَلَيَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ
لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ
أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُوخِذَ بِالْأَوَّلِ
وَالْآخِرِ» وَحَدِيثُ حَكِيمٍ الْمَذْكُورُ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُ يَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ الْكَافِرِ فِي حَالِ
كُفْرِهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ،
وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَصِلَةُ الرَّحِمِ
[بَابُ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَقَالَ: لَا
بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ
وَفِي إسْنَادِهِ سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ أَبُو حَفْصٍ
الْأَسْلَمِيُّ، وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو
دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ
الرَّازِيّ: شَيْخٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ
بِهِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ
الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ:
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَعْتَقَهُ
سَيِّدُهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ سِنِينَ أَنَّهُ لَا
يَتِمُّ عِتْقُهُ إلَّا بِخِدْمَتِهِ
قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا،
فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُثْبِتُ الشَّرْطَ فِي مِثْلِ
هَذَا وَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ فَقَالَ: يَشْتَرِي هَذِهِ
الْخِدْمَةَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي اشْتَرَطَ لَهُ، قِيلَ
لَهُ: يَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ؟ قَالَ: نَعَمْ اهـ
وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: هَذَا وَعْدٌ عُبِّرَ عَنْهُ
بِاسْمِ الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ
وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يُصَحِّحُونَ إيقَاعَ
الشَّرْطِ بَعْدَ الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا
يُلَاقِي مِلْكًا، وَمَنَافِعُ الْحُرِّ لَا يَمْلِكُهَا
غَيْرُهُ إلَّا فِي إجَارَةٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا
قَالَ فِي الْبَحْرِ: مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: اخْدِمْ
أَوْلَادِي فِي ضَيْعَتِهِمْ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا
مَضَتْ فَأَنْتَ حُرٌّ عَتِيقٌ بِاسْتِكْمَالِ ذَلِكَ
إجْمَاعًا لِحُصُولِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتِ قَالَ: قُلْت:
وَلَوْ خَدَمَهُمْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الضَّيْعَةِ إذْ
الْقَصْدُ الْخِدْمَةُ لَا مَكَانُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ
فَرَّقَ السِّنِينَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَضُرَّ قَالَ
الْإِمَامُ يَحْيَى: وَلِلسَّيِّدِ فِيهِ قَبْلَ
الْوَفَاةِ كُلُّ تَصَرُّفٍ إجْمَاعًا
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ
قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: وَتَلْزَمُهُ الْخِدْمَةُ
إجْمَاعًا إذْ قَدْ وَهَبَهَا السَّيِّدُ لَهُمْ قَالَ
الْهَادِي: وَيَعْتِقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ
يَخْدُمْ إذَا عُلِّقَ بِمُضِيِّهَا حَيْثُ قَالَ: فَإِذَا
مَضَتْ قَالَ: وَإِذَا مَاتَ الْأَوْلَادُ قَبْلَ
الْخِدْمَةِ وَمُضِيِّ السِّنِينَ بَطَلَ الْعِتْقُ
لِبُطْلَانِ شَرْطِهِ وَقِيلَ:
(6/97)
بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ
مَحْرَمٍ
2597 - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا
يَجْزِي وَلَدٌ عَنْ وَالِدِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ
مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ» رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ) .
2598 - (وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ
مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» رَوَاهُ
الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ:
" فَهُوَ عَتِيقٌ " وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ مَوْقُوفًا مِثْلُ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَرَوَى
أَنَسٌ: «أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لَنَا
فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ،
فَقَالَ: لَا تَدَعُوا مِنْهُ دِرْهَمًا» رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ
فِي الْغَنِيمَةِ ذُو رَحِمٍ لِبَعْضِ الْغَانِمِينَ
وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ لَمْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ
الْعَبَّاسَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
إنْ كَانَ لَهُمْ أَوْلَادٌ عَتَقَ بِخِدْمَتِهِمْ إذْ
يَعُمُّهُمْ اللَّفْظُ لَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ.
[بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ]
حَدِيثُ سَمُرَةَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ:
لَمْ يَرْوِهِ إلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ
مِنْ حَمَّادٍ، وَلَكِنَّ الرَّفْعَ مِنْ الثِّقَةِ
زِيَادَةٌ لَوْلَا مَا فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ
سَمُرَةَ مِنْ الْمَقَالِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ
الْمَدِينِيِّ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ: لَا يَصِحُّ وَأَثَرُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ
أَيْضًا النَّسَائِيّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ
عَنْهُ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فَإِنَّ مَوْلِدَهُ بَعْدَ
مَوْتِ عُمَرَ بِنَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا عِنْدَ
النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ
وَالْحَاكِمِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ
مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ضَمْرَةٍ
عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ
عَنْهُ قَالَ النَّسَائِيّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَا
نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ غَيْرَ ضَمْرَةَ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ يُتَابَعْ ضَمْرَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدَ
أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّهُ وَهْمٌ
فَاحِشٌ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَهِمَ فِيهِ ضَمْرَةُ،
وَالْمَحْفُوظُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثُ النَّهْيِ
عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ وَقَدْ رَدَّ
الْحَاكِمُ هَذَا وَقَالَ: إنَّهُ رَوَى مِنْ طَرِيقِ
ضَمْرَةَ الْحَدِيثَيْنِ بِالْإِسْنَادِ الْوَاحِدِ،
وَضَمْرَةُ هَذَا وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ
وَغَيْرُهُ وَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الشَّيْخَانِ
(6/98)
بَابُ أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ
عَتَقَ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
وَقَدْ صَحَّحَ حَدِيثَهُ هَذَا ابْنُ حَزْمٍ وَعَبْدُ
الْحَقِّ وَابْنُ الْقَطَّانِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَجْزِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: أَيْ لَا
يُكَافِئُهُ بِمَا لَهُ مِنْ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ إلَّا
بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ
لَا يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ
الْعِتْقِ، وَبِهِ قَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ وَخَالَفَهُمْ
غَيْرُهُمْ فَقَالُوا إنَّهُ يَعْتِقُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ
قَوْلُهُ: (ذَا رَحِمٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ
الْحَاءِ، وَأَصْلُهُ مَوْضِعُ تَكْوِينِ الْوَلَدِ ثُمَّ
اُسْتُعْمِلَ لِلْقَرَابَةِ فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ مَنْ
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَسَبٌ يُوجِبُ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ
قَوْلُهُ: (مَحْرَمٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ
الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ،
وَيُقَالُ: مُحَرَّمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ
وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمَحْرَمُ مَنْ
لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ مِنْ الْأَقَارِبِ كَالْأَبِ
وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ
أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
وَأَحْمَدُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ
عَلَيْهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ
وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ
عَلَيْهِ الْأَوْلَادُ وَالْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَلَا
يَعْتِقُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ مِنْ قَرَابَتِهِ وَذَهَبَ
مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ الْوَلَدُ
وَالْوَالِدُ وَالْإِخْوَةُ وَلَا يَعْتِقُ غَيْرُهُمْ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي
بَنِي الْأَعْمَامِ أَنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ بِحَقِّ
الْمِلْكِ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ
بِأَنَّ غَيْرَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ قَرَابَةٌ
لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا رَدُّ الشَّهَادَةِ وَلَا تَجِبُ
بِهَا النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، فَأَشْبَهَ
قَرَابَةَ ابْنِ الْعَمِّ وَبِأَنَّهُ لَا يُعَصِّبُهُ
فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ كَابْنِ الْعَمِّ،
وَبِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ عَلَيْهِ
بِالْقَرَابَةِ لَمُنِعَ مِنْ بَيْعِهِ إذَا اشْتَرَاهُ،
وَهُوَ مُكَاتَبٌ كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَلَا يَخْفَى
أَنَّ نَصْبَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ فِي مُقَابَلَةِ
حَدِيثِ سَمُرَةَ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مِمَّا لَا
يَلْتَفِتُ إلَيْهِ مُنْصِفٌ، وَالِاعْتِذَارُ عَنْهُمَا
بِمَا فِيهِمَا مِنْ الْمَقَالِ الْمُتَقَدِّمِ سَاقِطٌ
لِأَنَّهُمَا يَتَعَاضَدَانِ فَيَصْلُحَانِ لِلِاحْتِجَاجِ
وَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ
لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ قَوْلُهُ: (لِابْنِ
أُخْتِنَا) بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَالْمُرَادُ
أَنَّهُمْ أَخْوَالُ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّ
أُمَّ الْعَبَّاسِ هِيَ نُتَيْلَةُ بِالنُّونِ
وَالْفَوْقِيَّةِ مُصَغَّرًا بِنْتُ جِنَانَ بِالْجِيمِ
وَالنُّونِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَإِنَّمَا
أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
مِنْهُمْ لِأَنَّهَا سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ
أُحَيْحَةَ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا وَهِيَ مِنْ بَنِي
النَّجَّارِ وَمِثْلُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ
الْهِجْرَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: " نَزَلَ عَلَى أَخْوَالِهِ بَنِي النَّجَّارِ "
وَأَخْوَالِهِ حَقِيقَةً إنَّمَا هُمْ بَنُو زُهْرَةَ
وَبَنُو النَّجَّارِ هُمْ أَخْوَالُ جَدِّهِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا مَنْ قَالَ:
إنَّهُ لَا يَعْتِقُ ذُو الرَّحِمِ عَلَى رَحِمِهِ، وَقَدْ
تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ: بَابُ إذَا
أُسِرَ أَخُو الرَّجُلِ أَوْ عَمُّهُ هَلْ يُفَادَى؟ قَالَ
فِي الْفَتْحِ: قِيلَ: إنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ
التَّرْجَمَةِ إلَى تَضْعِيفِ مَا وَرَدَ فِيمَنْ مَلَكَ
ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ
(6/99)
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو: «أَنَّ زِنْبَاعًا أَبَا رَوْحٍ وَجَدَ غُلَامًا
لَهُ مَعَ جَارِيَةٍ لَهُ، فَجَدَعَ أَنْفَهُ وَجَبَّهُ،
فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ؟ قَالَ: زِنْبَاعٌ،
فَدَعَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: كَانَ
مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ فَأَنْتَ
حُرٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَوْلَى مَنْ
أَنَا؟ فَقَالَ: مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَأَوْصَى
بِهِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَمَّا قُبِضَ جَاءَ إلَى أَبِي
بَكْرٍ فَقَالَ: وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: نَعَمْ، تَجْرِي
عَلَيْكَ النَّفَقَةُ وَعَلَى عِيَالِكَ، فَأَجْرَاهَا
عَلَيْهِ حَتَّى قُبِضَ فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ
جَاءَهُ فَقَالَ: وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: نَعَمْ، أَيْنَ
تُرِيدُ؟ قَالَ: مِصْرَ، قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى
صَاحِبِ مِصْرَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْضًا يَأْكُلُهَا»
رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ
الصَّيْرَفِيِّ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صَارِخًا، فَقَالَ لَهُ: مَالَكَ قَالَ: سَيِّدِي رَآنِي
أُقَبِّلُ جَارِيَةً لَهُ فَجَبَّ مَذَاكِيرِي، فَقَالَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
عَلَيَّ بِالرَّجُلِ، فَطُلِبَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ» رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَزَادَ قَالَ: «عَلَى مَنْ
نُصْرَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تَقُولُ أَرَأَيْت
إنْ اسْتَرَقَّنِي مَوْلَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَى كُلِّ
مُؤْمِنٍ أَوْ مُسْلِمٍ» وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَقْعَدَ
أَمَةً لَهُ فِي مَقْلَى حَارٍّ فَأَحْرَقَ عَجُزَهَا،
فَأَعْتَقَهَا عُمَرُ وَأَوْجَعَهُ ضَرْبًا. حَكَاهُ
أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ:
وَكَذَلِكَ أَقُولُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ]
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ
شُعَيْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ فِي
حَدِيثِهِ، وَفِي إسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ
وَهُوَ ثِقَةٌ وَلَكِنَّهُ مُدَلِّسٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِ
أَحْمَدَ ثِقَاتٌ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ
وَأَثَرُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ
بِلَفْظِ: " إنَّ وَلِيدَةَ أَتَتْ عُمَرَ وَقَدْ
ضَرَبَهَا سَيِّدُهَا بِنَارٍ فَأَصَابَهَا بِهَا
فَأَعْتَقَهَا عَلَيْهِ " وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ
فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:
«مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ
أَنْ يَعْتِقَهُ» وَعَنْ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ عِنْدَ
مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ قَالَ: «كُنَّا
بَنِي مُقَرِّنٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَنَا إلَّا
خَادِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا، فَبَلَغَ
ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
فَقَالَ: أَعْتِقُوهَا» وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ قِيلَ
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهُ
لَا خَادِمَ لِبَنِي مُقَرِّنٍ غَيْرَهَا، قَالَ:
فَلِيَسْتَخْدِمُوهَا
(6/100)
بَابُ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي
عَبْدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهَا فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا»
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْجَامِعِ وَبَيَّضَ
لَهُمَا وَكِلَاهُمَا بِلَفْظِ: «مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ
عَتَقَ عَلَيْهِ» وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ
عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ: «كُنْت أَضْرِبُ
غُلَامًا بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْت صَوْتًا مِنْ خَلْفِي
إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ
أَقْدَرُ عَلَيْك مِنْك عَلَى هَذَا الْغُلَامِ وَفِيهِ:
قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ،
فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْك النَّارُ، أَوْ
لَمَسَّتْك النَّارُ»
وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُثْلَةَ مِنْ
أَسْبَابِ الْعِتْقِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ: هَلْ يَقَعُ
الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِهَا أَمْ لَا؟ فَحُكِيَ فِي
الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ وَالْهَادِي وَالْمُؤَيَّدِ
بِاَللَّهِ وَالْفَرِيقَيْنِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ
بِمُجَرَّدِهَا، بَلْ يُؤْمَرُ السَّيِّدُ بِالْعِتْقِ
فَإِنْ تَمَرَّدَ فَالْحَاكِمُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَدَاوُد وَالْأَوْزَاعِيُّ:
بَلْ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِهَا.
وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْأَكْثَرِ أَنَّ
مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ لَمْ يَعْتِقُ وَعَنْ
الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ
لِلْمَالِكِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ
الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ
ذَلِكَ الْعِتْقَ لَيْسَ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا هُوَ
مَنْدُوبٌ رَجَاءَ الْكَفَّارَةِ وَإِزَالَةِ إثْمِ
اللَّطْمِ وَذَكَرَ مِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى عَدَمِ
الْوُجُوبِ إذْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَهُمْ بِأَنْ يَسْتَخْدِمُوهَا وَرُدَّ بِأَنَّ إذْنَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ
بِاسْتِخْدَامِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ،
بَلْ الْأَمْرُ قَدْ أَفَادَ الْوُجُوبَ وَالْإِذْنُ
بِالِاسْتِخْدَامِ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ وُجُوبًا
مُتَرَاخِيًا إلَى وَقْتِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا،
وَلِذَا أَمَرَهُمْ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ
بِالتَّخْلِيَةِ لَهَا
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ
أَنَّهُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ
إعْتَاقٌ بِشَيْءٍ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْمَوْلَى مِنْ
مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَفِيفِ، يَعْنِي اللَّطْمَ
الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ:
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا كَثُرَ مِنْ ذَلِكَ وَشَنُعَ مِنْ
ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ لِغَيْرِ مُوجِبٍ أَوْ تَحْرِيقٍ بِنَارٍ
أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ إفْسَادِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ إلَى
عِتْقِ الْعَبْدِ بِذَلِكَ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ
وَيُعَاقِبُهُ السُّلْطَانُ عَلَى فِعْلِهِ، وَقَالَ
سَائِرُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ اهـ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الَّذِي
أَطْلَقَهُ النَّوَوِيُّ مُقَيَّدٌ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ
الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّطْمَ
وَالضَّرْبَ يَقْتَضِيَانِ الْعِتْقَ مِنْ غَيْرَ فَرْقٍ
بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمَشْرُوعِ
وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ
الْعُلَمَاءِ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّهُ
يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ
لِلتَّأْدِيبِ، وَلَكِنْ لَا يُجَاوِزُ بِهِ عَشَرَةَ
أَسْوَاطٍ وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ
خَادِمَهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ» فَأَفَادَ أَنَّهُ
يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي غَيْرِهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْإِذْنُ
لِسَيِّدِ الْأَمَةِ بِحَدِّهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ
تَقْيِيدِ مُطْلَقِ الضَّرْبِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ هَذَا بِمَا وَرَدَ مِنْ الضَّرْبِ
الْمَأْذُونِ بِهِ، فَيَكُونُ الْمُوجِبُ لِلْعِتْقِ هُوَ
مَا عَدَاهُ
(6/101)
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ
أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ
يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ
قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ
وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ
عَلَيْهِ مَا عَتَقَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَزَادَ: «وَرَقَّ مَا بَقِيَ» وَفِي
رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ قُوِّمَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ
قِيمَةُ عَدْلٍ لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، ثُمَّ عَتَقَ
عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا» وَفِي
رِوَايَةٍ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ،
فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعْتِقُ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ
أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ
يَعْتِقَ كُلَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرُ ثَمَنِهِ
يُقَامُ قِيمَةَ عَدْلٍ وَيُعْطِي شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ
وَيُخْلِي سَبِيلَ الْمُعْتَقِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي
مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْ
الْمَالِ مَا بَلَغَ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ
عَتِيقٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَفِي
رِوَايَةٍ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ عَتَقَ
مَا بَقِيَ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ
ثَمَنَ الْعَبْدِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد)
2601 - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِي
الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ يَكُونُ بَيْنَ شُرَكَاءٍ،
فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ يَقُولُ: قَدْ
وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إذَا كَانَ لِلَّذِي
أَعْتَقَ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ يُقَوِّمُ مِنْ
مَالِهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ وَيَدْفَعُ إلَى الشُّرَكَاءِ
أَنْصِبَاءَهُمْ، وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ،
يُخْبِرُ بِذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
2602 - (وَعَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ
رَجُلًا مِنْ قَوْمِنَا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ
مَمْلُوكِهِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَعَلَ خَلَاصَهُ
عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَقَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ شَرِيكٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِي لَفْظٍ: «هُوَ
حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ،
وَلِأَبِي دَاوُد مَعْنَاهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . .
(6/102)
2603 - (وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «كَانَ لَهُمْ غُلَامٌ
يُقَالُ لَهُ: طَهْمَانُ أَوْ ذَكْوَانُ، فَأَعْتَقَ
جَدُّهُ نِصْفَهُ، فَجَاءَ الْعَبْدُ إلَى النَّبِيِّ،
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: تُعْتَقُ فِي عِتْقِكَ، وَتُرَقُّ فِي رِقِّكَ، قَالَ:
فَكَانَ يَخْدُمُ سَيِّدَهُ حَتَّى مَاتَ» رَوَاهُ
أَحْمَدُ) .
2604 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ
أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ
خَلَاصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ
قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اُسْتُسْعِيَ
فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ غَيْرَ مَشْقُوقٍ
عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ]
حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ
وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ النَّسَائِيّ: أَرْسَلَهُ سَعِيدُ
بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَسَاقَهُ عَنْهُ مُرْسَلًا وَقَالَ
هِشَامٌ: وَسَعِيدٌ أَثْبَتُ مِنْ هَمَّامٍ فِي قَتَادَةَ
وَحَدِيثُهُمَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَأَبُو الْمَلِيحِ
اسْمُهُ عَامِرٌ وَيُقَالُ: عُمَرُ وَيُقَالُ: زَيْدٌ،
وَهُوَ ثِقَةٌ مُحْتَجٌّ بِحَدِيثِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ،
وَأَبُو أُسَامَةَ بْنُ عُمَيْرٍ هُذَلِيُّ بَصْرِيٌّ لَهُ
صُحْبَةٌ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا رَوَى عَنْهُ
غَيْرَ ابْنِهِ أَبِي الْمَلِيحِ، وَقَوَّى الْحَافِظُ فِي
الْفَتْحِ إسْنَادَ حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ:
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ
سَمُرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي
مَمْلُوكٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ وَلَيْسَ لِلَّهِ
شَرِيكٌ» .
وَحَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ فِي مَجْمَعِ
الزَّوَائِدِ: هُوَ مُرْسَلٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ بِلَفْظٍ: " وَإِلَّا
فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا عَتَقَ " وَمَا أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ
ابْنِ التِّلِبِّ بِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ عَنْ
أَبِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ
مَمْلُوكٍ فَلَمْ يَضْمَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ لَمْ يَذْكُرْ السِّعَايَةَ
اهـ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ
السِّعَايَةَ وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ
سَعِيدٍ فَذَكَرَ فِيهِ السِّعَايَةَ وَقَالَ
الْبُخَارِيُّ: رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فَلَمْ
يَذْكُرْ فِيهِ السِّعَايَةَ وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ:
اضْطَرَبَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي السِّعَايَةِ
مَرَّةً يَذْكُرُهَا وَمَرَّةً لَا يَذْكُرُهَا، فَدَلَّ
عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ
وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ، وَتَفْسِيرُهُ
عَلَى مَا ذَكَرَهُ هَمَّامٌ وَبَيَّنَهُ قَالَ: وَيَدُلُّ
عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، يَعْنِي الَّذِي
فِيهِ: " وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا عَتَقَ "
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: رَوَى شُعْبَةُ
(6/103)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ
السِّعَايَةَ وَقَالَ النَّسَائِيّ: أَثْبَتَ أَصْحَابُ
قَتَادَةَ شُعْبَةُ وَهَمَّامٌ عَلَى خِلَافِ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ وَصَوَّبَ رِوَايَتَهُمَا قَالَ: وَقَدْ
بَلَغَنِي أَنَّ هَمَّامًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ
قَتَادَةَ، فَجَعَلَ قَوْلَهُ: " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مَالٌ. . . إلَخْ " مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ وَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: أَحَادِيثُ هَمَّامٍ عَنْ
قَتَادَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ
كَتَبَهُ إمْلَاءً قَالَ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ:
مَا أَحْسَنَ مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ وَضَبَطَهُ فَصَّلَ
قَوْلَ قَتَادَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوا
السِّعَايَةَ أَثْبَتُ مِمَّنْ ذَكَرَهَا وَقَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ
الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُمَا: مَنْ أَسْقَطَ السِّعَايَةَ
أَوْلَى مِمَّنْ ذَكَرَهَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ؛ قَدْ
اجْتَمَعَ هَهُنَا شُعْبَةُ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ
وَعِلْمِهِ بِمَا سَمِعَ مِنْ قَتَادَةَ وَمَا لَمْ
يَسْمَعْ وَهِشَامٌ مَعَ فَضْلِ حِفْظِهِ وَهَمَّامٌ مَعَ
صِحَّةِ كِتَابِهِ وَزِيَادَةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا لَيْسَ
مِنْ الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
عَرُوبَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي إدْرَاجِ السِّعَايَةِ فِي
الْحَدِيثِ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ أَنَّ أَبَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ الْمُقْرِي قَالَ:
رَوَاهُ هَمَّامٌ وَزَادَ فِيهِ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ
وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ وَمَيَّزَهُ مِنْ
كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ
الِاسْتِسْعَاءِ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ
قَتَادَةَ، وَقَدْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ رِوَايَةَ سَعِيدِ
بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَلَكِنَّهُ قَدْ تَابَعَ سَعِيدًا
عَلَى ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ جَمَاعَةٌ كَمَا ذَكَرَ
ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ، وَمِنْهُمْ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ،
وَمِنْهُمْ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ،
وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ أَحَدُ شُيُوخِ
الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ
طَهْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ وَفِيهَا ذِكْرُ السِّعَايَةِ
وَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ
كَمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ
قَتَادَةَ أَبَانُ كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد
وَرَوَاهُ أَيْضًا مُوسَى بْنُ خَلَفٍ عَنْ قَتَادَةَ
كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْخَطِيبُ وَرَوَاهُ أَيْضًا
شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ رَجَّحَ رِوَايَةَ سَعِيدٍ
لِلسِّعَايَةِ، وَرَفَعَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ
دَقِيقِ الْعِيدِ، قَالُوا: لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي
عَرُوبَةَ أَعْرَفُ بِحَدِيثِ قَتَادَةَ لِكَثْرَةِ
مُلَازَمَتِهِ لَهُ وَكَثْرَةِ أَخْذِهِ عَنْهُ، وَإِنْ
كَانَ هَمَّامٌ وَهِشَامٌ أَحْفَظَ مِنْهُ، لَكِنَّهُ لَمْ
يُنَافِ مَا رَوَيَاهُ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَا مِنْ
الْحَدِيثِ عَنْ بَعْضِهِ، وَلَيْسَ الْمَجْلِسُ
مُتَّحِدًا حَتَّى يَتَوَقَّفَ فِي زِيَادَةِ سَعِيدٍ،
وَلِهَذَا صَحَّحَ صَاحِبَا الصَّحِيحَيْنِ كَوْنَ
الْجَمِيعِ مَرْفُوعًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا مَا
أُعِلَّ بِهِ حَدِيثُ سَعِيدٍ مِنْ كَوْنِهِ اخْتَلَطَ
أَوْ تَفَرَّدَ بِهِ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّهُ فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ مَنْ سَمِعَ
مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ كَيَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ
وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ وَآخَرُونَ مَعَهُمْ لَا
نُطِيلُ بِذِكْرِهِمْ، وَهَمَّامٌ هُوَ الَّذِي انْفَرَدَ
بِالتَّفْضِيلِ.
وَهُوَ الَّذِي خَالَفَ الْجَمِيعَ فِي الْقَدْرِ
الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ
وَاقِعَةَ عَيْنٍ، وَهُمْ جَعَلُوهُ حُكْمًا عَامًّا،
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْهُ كَمَا يَنْبَغِي
وَالْعَجِيبُ مِمَّنْ طَعَنَ فِي رَفْعِ الِاسْتِسْعَاءِ
بِكَوْنِ هَمَّامٍ جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَلَمْ
يَطْعَنْ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِسْعَاءِ
وَهُوَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " وَإِلَّا
فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ " بِكَوْنِ أَيُّوبَ
جَعَلَهُ مِنْ
(6/104)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
قَوْلِ نَافِعٍ وَمَيَّزَهُ كَمَا صَنَعَ هَمَّامٌ
سَوَاءٌ، فَلَمْ يَجْعَلُوهُ مُدْرَجًا كَمَا جَعَلُوا
حَدِيثَ هَمَّامٍ مُدْرَجًا مَعَ كَوْنِ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ وَافَقَ أَيُّوبَ فِي ذَلِكَ، وَهَمَّامٌ لَمْ
يُوَافِقْهُ أَحَدٌ، وَقَدْ جَزَمَ بِكَوْنِ حَدِيثِ
نَافِعٍ مُدْرَجًا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ وَآخَرُونَ
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَانِ
مَرْفُوعَانِ وِفَاقًا لِصَاحِبَيْ الصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ
الْمَوَّاقِ: وَالْإِنْصَافُ أَنْ لَا يُوهِمَ
الْجَمَاعَةَ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ
يَكُونَ سَمِعَ قَتَادَةَ يُفْتِي بِهِ، فَلَيْسَ بَيْنَ
تَحْدِيثِهِ بِهِ مَرَّةً وَفُتْيَاهُ أُخْرَى مُنَافَاةٌ
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَ عَنْ
قَتَادَةَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ
الرَّفْعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَعْنِي قَوْلَهُ: "
وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا عَتَقَ " إنَّ
الَّذِي رَفَعَهُ مَالِكٌ وَهُوَ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ
نَافِعٍ مِنْ أَيُّوبَ، وَقَدْ تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ، وَلَا شَكَّ
أَنَّ الرَّفْعَ زِيَادَةٌ مُعْتَبَرَةٌ لَا يَلِيقُ
إهْمَالُهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَعِلْمِ
الِاصْطِلَاحِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ
الْحَدِيثِ مِنْ الْإِعْلَالِ لِطَرِيقِ الرَّفْعِ
بِالْوَقْفِ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى لَا يَنْبَغِي
التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ مُسْتَنَدٌ وَلَا
سِيَّمَا بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ الزِّيَادَةِ
الَّتِي لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً مَعَ تَعَدُّدِ مَجَالِسِ
السَّمَاعِ.
فَالْوَاجِبُ قَبُولُ الزِّيَادَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ
فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،
وَظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضُ، وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ لَا
كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ
وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ
بِأَنَّ مَعْنَاهُمَا أَنَّ الْمُعْسِرَ إذَا أَعْتَقَ
حِصَّتَهُ لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ،
بَلْ تَبْقَى حِصَّةُ شَرِيكِهِ عَلَى حَالِهَا وَهِيَ
الرِّقُّ، ثُمَّ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي عِتْقِ
بَقِيَّتِهِ فَيَحْصُلُ ثَمَنُ الْجُزْءِ لِشَرِيكِ
سَيِّدِهِ وَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ وَيَعْتِقُ وَجَعَلُوهُ
فِي ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ.
وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ
بِاخْتِيَارِهِ لِقَوْلِهِ: غَيْرُ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ
فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ بِأَنْ
يُكَلَّفَ الْعَبْدُ الِاكْتِسَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى
يَحْصُلَ ذَلِكَ لَحَصَلَ لَهُ غَايَةُ الْمَشَقَّةِ
وَهِيَ لَا تَلْزَمُ فِي الْكِتَابَةِ بِذَلِكَ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَهَذِهِ
مِثْلُهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا يَبْقَى بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ بَعْدَ هَذَا الْجَمْعِ مُعَارَضَةٌ
أَصْلًا قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ إلَّا
أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَبْقَى الرِّقُّ فِي
حِصَّةِ الشَّرِيكِ إذَا لَمْ يَخْتَرْ الْعَبْدُ
الِاسْتِسْعَاءَ فَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ
الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ
عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ غَنِيًّا أَوْ عَلَى مَا
إذَا كَانَ جَمِيعُهُ لَهُ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ
وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ التِّلِبِّ
الَّذِي تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى
الْمُعْسِرِ وَإِلَّا لَتَعَارَضَا وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ
بِطَرِيقٍ أُخْرَى فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ:
الْمُرَادُ بِالِاسْتِسْعَاءِ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَمِرُّ
فِي حِصَّةِ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ رَقِيقًا فَيَسْعَى فِي
خِدْمَتِهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الرِّقِّ
قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " غَيْرُ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ "
أَيْ مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا
يُكَلِّفُهُ مِنْ الْخِدْمَةِ فَوْقَ حِصَّةِ الرِّقِّ،
وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثَ إسْمَاعِيلِ بْنِ أُمَيَّةَ
الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنَّهُ يَرُدُّ
عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَأَبِي
دَاوُد بِلَفْظِ: " وَاسْتَسْعَى فِي قِيمَتِهِ
لِصَاحِبِهِ " وَاحْتَجَّ
(6/105)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
مَنْ أَبْطَلَ السِّعَايَةَ بِحَدِيثِ «الرَّجُلِ الَّذِي
أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمَالِيكٍ عِنْدَ مَوْتِهِ
فَجَزَّأَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ أَقْرَعَ
بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» .
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّبَرُّعَاتِ الْمَرِيضُ
مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الِاسْتِسْعَاءَ لَوْ
كَانَ مَشْرُوعًا لَنُجِّزَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
عِتْقُ ثُلُثِهِ وَاسْتَسْعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ
لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَ
السِّعَايَةَ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَيُحْتَمَلُ
أَنْ تَكُونَ قَبْلَ مَشْرُوعِيَّةِ السِّعَايَةِ،
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ السِّعَايَةُ مَشْرُوعَةٌ فِي
غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ «أَنَّ رَجُلًا
مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ
مَوْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَأَعْتَقَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ثُلُثَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ»
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ مِنْ حَدِيثٍ، وَفِيهِ: «وَلَيْسَ عَلَى
الْعَبْدِ شَيْءٌ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ
بِصُورَةِ الْيَسَارِ لِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: "
وَلَهُ وَفَاءٌ " وَالسِّعَايَةُ إنَّمَا هِيَ فِي صُورَةِ
الْإِعْسَارِ
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْأَخْذِ بِالسِّعَايَةِ إذَا كَانَ
الْمُعْتَقُ مُعْسَرًا أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ
وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ
فِي رِوَايَةٍ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَآخَرُونَ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْأَكْثَرُ: يَعْتِقُ جَمِيعُهُ فِي
الْحَالِ وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي تَحْصِيلِ قِيمَةِ
نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ:
ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ
بِمَا دَفَعَهُ إلَى الشَّرِيكِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَحْدَهُ: يُتَخَيَّرُ بَيْنَ السِّعَايَةِ وَبَيْنَ
عِتْقِ نَصِيبِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَعْتِقُ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً إلَّا النَّصِيبُ الْأَوَّلُ
فَقَطْ
وَعَنْ عَطَاءٍ: يُتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ ذَلِكَ
وَبَيْنَ إبْقَاءِ حِصَّتِهِ فِي الرِّقِّ وَخَالَفَ
الْجَمِيعَ زُفَرُ فَقَالَ: يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَتُقَوَّمُ
حِصَّةُ الشَّرِيكِ فَتُؤْخَذُ إنْ كَانَ الْمُعْتَقُ
مُوسِرًا وَتَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا
وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ
الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ
فَيُنْظَرُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ
الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَبْقَى نَصِيبُ شَرِيكِ
الْمُعْسِرِ رَقِيقًا
وَعَنْ النَّاصِرِ أَنَّهُ يَسْعَى الْعَبْدُ مُطْلَقًا
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْعَى عَنْ الْمُعْسِرِ وَلَا
يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَالْمُوسِرُ يُخَيِّرُ شَرِيكَهُ
بَيْنَ تَضْمِينِهِ أَوْ السِّعَايَةِ أَوْ إعْتَاقِ
نَصِيبِهِ كَمَا مَرَّ
وَعَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى
الْمُعْتَقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً تُرَادُ
لِلْوَطْءِ فَيَضْمَنُ مَا أَدْخَلَ عَلَى شَرِيكِهِ
فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ وَعَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّ
الْقِيمَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لِلْعَبِيدِ دُونَ
الْإِمَاءِ قَوْلُهُ: (قِيمَةَ عَدْلٍ) بِفَتْحِ
الْعَيْنِ: أَيْ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نَقْصَ
قَوْلُهُ: (لَا وَكْسَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ
الْكَافِ بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ: أَيْ لَا نَقْصَ
وَالشَّطَطُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ
مُكَرَّرَةٌ: وَهُوَ الْجَوْرُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى
الْقِيمَةِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: شَطَّنِي فُلَانٌ إذَا شَقَّ
عَلَيْك وَظَلَمَك حَقَّكَ قَوْلُهُ: (أَوْ شِرْكًا لَهُ
فِي مَمْلُوكٍ) الشِّرْكُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ
وَسُكُونِ الرَّاءِ: الْحِصَّةُ وَالنَّصِيبُ قَالَ ابْنُ
دَقِيقِ الْعِيدِ: هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ قَوْلُهُ:
(شِقْصًا) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ
الْقَافِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ شَقِيصًا
بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الْقَافِ، وَالشِّقْصُ
(6/106)
بَابُ التَّدْبِيرِ
2605 - (عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا
لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَاحْتَاجَ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ
يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بِكَذَا وَكَذَا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ» مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ وَكَانَ
مُحْتَاجًا وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَبَاعَهُ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَمَانِ
مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَعْطَاهُ فَقَالَ: اقْضِ دَيْنَكَ،
وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالَكَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ) .
2606 - (وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْأَحْنَفِ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ أَعْتَقَ غُلَامًا
لَهُ عَنْ دُبُرٍ وَكَاتَبَهُ، فَأَدَّى بَعْضًا وَبَقِيَ
بَعْضٌ وَمَاتَ مَوْلَاهُ، فَأَتَوْا ابْنَ مَسْعُودٍ
فَقَالَ: مَا أَخَذَ فَهُوَ لَهُ، وَمَا بَقِيَ فَلَا
شَيْءَ لَكُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
وَالشَّقِيصُ مِثْلُ النِّصْفِ وَالنَّصِيفُ: وَهُوَ
الْقَلِيلُ مِنْ شَيْءٍ، وَقِيلَ: هُوَ النَّصِيبُ
قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا
[بَابُ التَّدْبِيرِ]
حَدِيثُ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ
حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ
بِأَلْفَاظٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ
بِلَفْظِ: «الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ» وَرَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ، وَالْحُفَّاظُ يُوقِفُونَهُ عَلَى ابْنِ
عُمَرَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ:
«الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ جُزْءٌ
مِنْ الثُّلُثِ» وَفِي إسْنَادِهِ عُبَيْدُ بْنُ حَسَّانَ
وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي
الْعِلَلِ: الْأَصَحُّ وَقْفُهُ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ:
لَا يُعْرَفُ إلَّا بِعَلِيِّ بْنِ ظَبْيَانَ وَهُوَ
مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الْمَوْقُوفُ
أَصَحُّ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الْمَرْفُوعُ ضَعِيفٌ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ وَقَدْ
رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَعَنْ
أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ
عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَجَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الثُّلُثِ» وَرَوَى
الشَّافِعِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّهَا
بَاعَتْ مُدَبَّرَةً سَحَرَتْهَا "
قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا) فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَبُو
مَذْكُورٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالْغُلَامُ اسْمُهُ يَعْقُوبُ
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: أَبُو
مَذْكُورٍ أَعْتَقَ غُلَامًا يُقَالُ لَهُ: يَعْقُوبُ» اهـ
وَهُوَ يَعْقُوبُ الْقِسْطِيُّ كَمَا فِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ
قَوْلُهُ: (عَنْ دُبُرٍ) بِضَمِّ الدَّالِ
وَالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْعِتْقُ فِي دُبُرِ الْحَيَاةِ
كَأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ
بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ؛
وَسُمِّيَ السَّيِّدُ مُدَبِّرًا بِصِيغَةِ اسْمِ
الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ دَبَّرَ أَمْرَ دُنْيَاهُ
بِاسْتِخْدَامِهِ ذَلِكَ الْمُدَبَّرِ وَاسْتِرْقَاقِهِ
وَدَبَّرَ أَمْرَ آخِرَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ وَتَحْصِيلِ
أَجْرِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ نُعَيْمُ
بْنُ النَّحَّامِ بِالنُّونِ
(6/107)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ لَقَبُ
وَالِدِ نُعَيْمٍ
وَقِيلَ: إنَّهُ لَقَبٌ لِنُعَيْمٍ، وَظَاهِرُ
الرِّوَايَةِ خِلَافُ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى
جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ
تَقْيِيدٍ بِالْفِسْقِ وَالضَّرُورَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَهُ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَكْثَرِ
الْفُقَهَاءِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا
وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَرُوِيَ عَنْ
الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
بَيْعُ الْمُدَبَّرِ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا لَا
الْمُدَبَّرُ تَدْبِيرًا مُقَيَّدًا نَحْوُ أَنْ يَقُولَ:
إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَفُلَانٌ حُرٌّ، فَإِنَّهُ
يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ فَيَجُوزُ
الرُّجُوعُ فِيهِ كَمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا
وَقَالَ أَحْمَدُ: يَمْتَنِعُ بَيْعُ الْمُدَبَّرَةِ دُونَ
الْمُدَبَّرِ وَقَالَ اللَّيْثُ: يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ
شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي عِتْقَهُ وَقَالَ ابْنُ
سِيرِينَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا مِنْ نَفْسِهِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ
إلَّا إذَا كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ فَيُبَاعُ لَهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ أَوْ
ظَاهِرٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بَاعَهُ
لِيُنْفِقَهُ سَيِّدُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ
يَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ النَّسَائِيّ الَّتِي ذَكَرَهَا
الْمُصَنِّفُ، نَعَمْ، لَا وَجْهَ لِقَصْرِ جَوَازِ
الْبَيْعِ عَلَى حَاجَةِ قَضَاءِ الدَّيْنِ، بَلْ يَجُوزُ
الْبَيْعُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْحَاجَاتِ،
وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ قَدْ تَضَمَّنَتْ أَنَّ
الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ كَانَ مُحْتَاجًا لِلْبَيْعِ لِمَا
عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ لِمُطْلَقِ
الْحَاجَةِ عَطَاءٌ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ
وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ، كَمَا حُكِيَ
ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي الْبَحْرِ، وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ
دَقِيقِ الْعِيدِ، فَقَالَ: مَنْ مَنَعَ الْبَيْعَ
مُطْلَقًا كَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَيْهِ، لِأَنَّ
الْمَنْعَ الْكُلِّيَّ يُنَاقِضُهُ الْجَوَازُ
الْجُزْئِيُّ، وَمَنْ أَجَازَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ
فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: قُلْت بِالْحَدِيثِ فِي الصُّورَةِ
الَّتِي وَرَدَ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِهِ
فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ وَأَجَابَ مَنْ
أَجَازَهُ مُطْلَقًا بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ: "
وَكَانَ مُحْتَاجًا " لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْحُكْمِ،
وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِبَيَانِ السَّبَبِ فِي الْمُبَادَرَةِ
لِبَيْعِهِ لِيُبَيِّنَ لِلسَّيِّدِ جَوَازَ الْبَيْعِ
وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ إيمَاءً إلَى
الْمُقْتَضِي لِجَوَازِ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ: "
فَاحْتَاجَ " وَبِقَوْلِهِ: " اقْضِ دَيْنَكَ وَأَنْفِقْ
عَلَى عِيَالِكَ " لَا يُقَالُ: الْأَصْلُ جَوَازُ
الْبَيْعِ وَالْمَنْعُ مِنْهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ،
وَلَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ حَدِيثُ الْبَابِ، لِأَنَّ
غَايَتَهُ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ وَقَعَ لِلْحَاجَةِ وَلَا
دَلِيلَ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِي غَيْرِهِ، بَلْ مُجَرَّدُ
ذَلِكَ الْأَصْلِ كَافٍ فِي الْجَوَازِ لِأَنَّا نَقُولُ:
قَدْ عَارَضَ ذَلِكَ الْأَصْلَ إيقَاعُ الْعِتْقِ
الْمُعَلَّقِ فَصَارَ الدَّلِيلُ بَعْدَهُ عَلَى مُدَّعِي
الْجَوَازِ، وَلَمْ يَرِدْ الدَّلِيلُ إلَّا فِي صُورَةِ
الْحَاجَةِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ
وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْهَادَوِيَّةُ مِنْ جَوَازِ
بَيْعِ الْمُدَبَّرِ لِلْفِسْقِ كَمَا يَجُوزُ
لِلضَّرُورَةِ، فَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ إلَّا مَا
تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ بَيْعِهَا لِلْمُدَبَّرَةِ
الَّتِي سَحَرَتْهَا، وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ
الدَّعْوَى لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ لِمَا
قَرَّرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَ
الصَّحَابِيِّ وَفِعْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَاعْلَمْ
أَنَّهَا قَدْ اتَّفَقَتْ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى
أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ، إلَّا مَا
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ
الْأَنْصَارِ دَبَّرَ غُلَامًا لَهُ فَمَاتَ» وَكَذَلِكَ
رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ أَحْمَدُ
(6/108)
بَابُ الْمُكَاتَبِ
2607 - (عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ
تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ
مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ:
ارْجِعِي إلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ
عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ،
فَذَكَرَتْ بَرِيرَةُ ذَلِكَ لِأَهْلِهَا فَأَبَوْا
وَقَالُوا: إنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ
فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونُ لَنَا وَلَاؤُكِ، فَذَكَرْتُ
ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي،
فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، ثُمَّ قَامَ
فَقَالَ: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا
لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، مَنْ اشْتَرَطَ
شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ
شَرَطَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ
وَأَوْثَقُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ:
«جَاءَتْ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي
عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ»
الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْحُمَيْدِيُّ
وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَوَجَّهَ
الْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ بِأَنَّ
أَصْلَهَا «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ
مَمْلُوكَهُ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ، فَمَاتَ فَدَعَا بِهِ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَبَاعَهُ مِنْ نُعَيْمٍ» كَذَلِكَ رَوَاهُ مَطَرٌ
الْوَرَّاقُ عَنْ عُمَرَ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَقَوْلُهُ: " فَمَاتَ " مِنْ
بَقِيَّةِ الشَّرْطِ: أَيْ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْحَدَثِ،
وَلَيْسَ إخْبَارًا عَنْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ مَاتَ،
فَحُذِفَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَوْلُهُ: " إنْ
حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ " فَوَقَعَ الْغَلَطُ بِسَبَبِ ذَلِكَ
اهـ
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي
مَعْنَاهُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّدْبِيرِ، وَذَلِكَ
مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ
يَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ؛
فَذَهَبَ الْفَرِيقَانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ
وَالْحَنَفِيَّةِ وَمَالِكٍ وَالْعِتْرَةِ، وَهُوَ
مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ
الثُّلُثِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَهُوَ حُرٌّ
مِنْ الثُّلُثِ " وَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ
الْبَصْرِيُّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ
وَدَاوُد وَمَسْرُوقٌ إلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ
الْمَالِ قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ
الَّتِي يُخْرِجُهَا الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ فِي حَالِ
حَيَاتِهِ
وَاعْتَذَرُوا عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ
الْأَوَّلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ الْمُتَقَدِّمِ
وَلَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوَصِيَّةِ،
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِالْوَصِيَّةِ أَشْبَهُ مِنْهُ
بِالْهِبَةِ لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ مِنْ
الْمُشَابَهَةِ التَّامَّةِ. قَوْلُهُ: (مَا أَخَذَ فَهُوَ
لَهُ وَمَا بَقِيَ فَلَا شَيْءَ لَكُمْ) اسْتَدَلَّ بِهِ
الْقَاضِي زَيْدٌ وَالْهَادَوِيَّةُ عَلَى أَنَّ
الْكِتَابَةَ لَا يَبْطُلُ بِهَا التَّدْبِيرُ، وَيَعْتِقُ
الْعَبْدُ عِنْدَهُمْ بِالْأَسْبَقِ مِنْهُمَا
وَقَالَ الْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ: لَا تَصِحُّ
الْكِتَابَةُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ فَلَا
تَصِحُّ إلَّا حَيْثُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَرُدَّ بِأَنَّ
ذَلِكَ تَعْجِيلٌ لِلْعِتْقِ مَشْرُوطٌ
(6/109)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ الْمُكَاتَبِ]
قَوْلُهُ: (بَابُ الْمُكَاتَبِ) بِفَتْحِ
الْفَوْقَانِيَّةِ: مَنْ تَقَعُ لَهُ الْكِتَابَةُ،
وَبِكَسْرِهَا: مَنْ تَقَعُ مِنْهُ وَالْكِتَابَةُ
بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا قَالَ الرَّاغِبُ:
اشْتِقَاقُهَا مِنْ كَتَبَ بِمَعْنَى أَوْجَبَ، وَمِنْهُ
قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:
183] أَوْ بِمَعْنَى جَمَعَ وَضَمَّ، وَمِنْهُ كَتَبَ
الْخَطَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ
مَأْخُوذَةً مِنْ مَعْنَى الِالْتِزَامِ، وَعَلَى
الثَّانِي تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنْ الْخَطِّ لِوُجُودِهِ
عِنْدَ عَقْدِهَا غَالِبًا قَالَ الرُّويَانِيُّ:
الْكِتَابَةُ إسْلَامِيَّةٌ وَلَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: كَانَتْ الْكِتَابَةُ
مُتَعَارَفَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَقَرَّهَا
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ
ابْنُ خُزَيْمَةَ وَقَدْ كَانُوا يُكَاتِبُونَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ قَوْلُهُ: (أَنَّ
بَرِيرَةَ) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ هَذَا الِاسْمِ
وَبَيَانُ اشْتِقَاقِهِ فِي بَابِ مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا
بِشَرْطِ أَنْ يَعْتِقَهُ مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ،
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا طَرَفٌ مِنْ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ
فِي بَابِ أَنَّ مَنْ شَرَطَ الْوَلَاءَ أَوْ شَرَطَ
شَرْطًا فَاسِدًا مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ أَيْضًا
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحَبُّوا،. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ
عَائِشَةَ طَلَبَتْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهَا إذَا
بَذَلَتْ جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ
إذْ لَوْ وَقَعَ لَكَانَ اللَّوْمُ عَلَى عَائِشَةَ
بِطَلَبِهَا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهَا
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ بِلَفْظٍ يُزِيلُ
الْإِشْكَالَ فَقَالَ: " أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عِدَّةً
وَاحِدَةً وَأُعْتِقُكِ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْت "
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وُهَيْبٍ عَنْ هِشَامٍ، فَعُرِفَ
بِذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَهَا شِرَاءً
صَحِيحًا ثُمَّ تَعْتِقَهَا، إذْ الْعِتْقُ فَرْعُ ثُبُوتِ
الْمِلْكِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي "
وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ هُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ: "
ارْجِعِي إلَى أَهْلِكِ ": السَّادَةُ، وَالْأَهْلُ فِي
الْأَصْلِ: الْآلُ، وَفِي الشَّرْعِ: مَنْ تَلْزَمُ
نَفَقَتُهُ قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ) هُوَ
مِنْ الْحِسْبَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ
تَحْتَسِبُ الْأَجْرَ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا يَكُونُ لَهَا
وَلَاءٌ
قَوْلُهُ: (فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي رِوَايَةٍ
لِلْبُخَارِيِّ: " فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَنِي " وَفِي أُخْرَى
لَهُ: " فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بَلَغَهُ " قَوْلُهُ:
(ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي) هُوَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ «لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ» قَوْلُهُ: (عَلَى
تِسْعِ أَوَاقٍ) فِي رِوَايَةٍ مُعَلَّقَةٍ
لِلْبُخَارِيِّ: " خَمْسُ أَوَاقٍ نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي
خَمْسِ سِنِينَ " وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ رِوَايَةُ
التِّسْعِ، وَقَدْ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ
رِوَايَةَ الْخَمْسِ غَلَطٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ
التِّسْعَ أَصْلٌ وَالْخَمْسُ كَانَتْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ
وَبِهَذَا جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْمُحِبُّ
الطَّبَرِيُّ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي تِلْكَ
الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ: " وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ
كِتَابَتِهَا شَيْئًا " وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا كَانَتْ
حَصَّلَتْ الْأَرْبَعَ الْأَوَاقِي قَبْلَ أَنْ
تَسْتَعِينَ ثُمَّ جَاءَتْهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا
خَمْسٌ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُجَابُ بِأَنَّ الْخَمْسَ هِيَ
الَّتِي كَانَتْ اُسْتُحِقَّتْ عَلَيْهَا بِحُلُولِ
نَجْمِهَا مِنْ جُمْلَةِ التِّسْعِ الْأَوَاقِي
الْمَذْكُورَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ
لِلْبُخَارِيِّ ذَكَرَهَا فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ
بِلَفْظِ: " فَقَالَ أَهْلُهَا: إنْ شِئْت أَعْطَيْت مَا
يَبْقَى " وَقَدْ قَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَى
هَذَا الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ مِنْ كِتَابِ
الْبَيْعِ فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ، وَلَهُ فَوَائِدٌ أُخَرُ
خَارِجَةٌ عَنْ الْمَقْصُودِ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ:
أَكْثَرَ
(6/110)
2608 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ
بِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ
أُوقِيَّاتٍ فَهُوَ رَقِيقٌ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
النَّسَائِيّ وَفِي لَفْظٍ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا
بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد) .
2609 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ
لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي
فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَيُحْمَلُ
الْأَمْرُ بِالِاحْتِجَابِ عَلَى النَّدْبِ) .
2610 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُودَى الْمُكَاتَبُ
بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ وَمَا بَقِيَ دِيَةَ
الْعَبْدِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ) .
2611 - (وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«يُودَى الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى» رَوَاهُ
أَحْمَدُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
النَّاسُ مِنْ تَخْرِيجِ الْوُجُوهِ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ
حَتَّى بَلَغُوهَا نَحْوَ مِائَةِ وَجْهٍ وَقَالَ
النَّوَوِيُّ: صَنَّفَ فِيهِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ
جَرِيرٍ تَصْنِيفَيْنِ كَبِيرَيْنِ أَكْثَرَا فِيهِمَا
مِنْ اسْتِنْبَاطِ الْفَوَائِدِ.
2608 - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ كُوتِبَ بِمِائَةِ
أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أُوقِيَّاتٍ فَهُوَ
رَقِيقٌ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَفِي
لَفْظٍ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ
مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
2609 - (وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ
لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي
فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا
النَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَيُحْمَلُ
الْأَمْرُ بِالِاحْتِجَابِ عَلَى النَّدْبِ) .
2610 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يُودَى الْمُكَاتَبُ
بِحِصَّةِ مَا أَدَّى دِيَةَ الْحُرِّ وَمَا بَقِيَ دِيَةَ
الْعَبْدِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ) .
2611 - (وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«يُودَى الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى» رَوَاهُ
أَحْمَدُ) .
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ،
أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ
التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ أَجِدْ
أَحَدًا رَوَى هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَمْرًا وَلَمْ أَرَ مَنْ
رَضَيْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُثْبِتُهُ، وَعَلَى هَذَا
فُتْيَا الْمُفْتِينَ وَأَخْرَجَهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي
أَيْضًا النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ،
وَحَسَّنَ الْحَافِظُ إسْنَادَهُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ،
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَفِيهِ
مَقَالٌ وَقَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ اهـ وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا
عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
وَلَمْ يَسْمَعْ عَنْهُ، كَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ
وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ أَرَ
أَحَدًا مِمَّنْ رَضَيْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُثْبِتُ
وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: أَرَادَ هَذَا وَحَدِيثَ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ، يَعْنِي الَّذِي قَبْلَهُ اهـ وَهُوَ مِنْ
رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ
سَلَمَةَ عَنْهَا وَقَدْ صَرَّحَ مَعْمَرٌ بِسَمَاعِ
الزُّهْرِيِّ مِنْ نَبْهَانَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ
خُزَيْمَةَ عَنْ نَبْهَانَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَحَدِيثُ
ابْنِ عَبَّاسٍ سَكَتَ
(6/111)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ، وَهُوَ عِنْدَ
النَّسَائِيّ مُسْنَدٌ وَمُرْسَلٌ، وَرِجَالُ إسْنَادِهِ
عِنْدَ أَبِي دَاوُد ثِقَاتٌ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد لِأَنَّهُ
قَالَ فِي السُّنَنِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ مَا لَفْظُهُ: وَرَوَاهُ، يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ
عَبَّاسٍ، وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ
عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وَجَعَلَهُ إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ مِنْ
قَوْلِ عِكْرِمَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ
طُرُقٍ
قَوْلُهُ: (فَهُوَ رَقِيقٌ) أَيْ تَجْرِي عَلَيْهِ
أَحْكَامُ الرِّقِّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ
الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ رِقٌّ مَمْلُوكٌ، وَكُلُّ
مَمْلُوكٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَالْوَصِيَّةُ
بِهِ، وَهُوَ الْقَدِيمُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ،
وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: بِيعَتْ
بَرِيرَةُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ
فَفِيهِ أَبْيَنُ بَيَانٍ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ قَالَ:
وَلَا أَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ، قَالَ: وَلَا
أَعْلَمُ دَلِيلًا عَلَى عَجْزِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ
فِي الْجَدِيدِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنَّهُ
لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَبِهِ قَالَتْ الْعِتْرَةُ،
قَالُوا: لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ
تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ، وَتَأَوَّلَ
الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ بَرِيرَةَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ
قَدْ عَجَزَتْ وَكَانَ بَيْعُهَا فَسْخًا لِكِتَابَتِهَا،
وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ
قَوْلُهُ: (فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ) ظَاهِرُ الْأَمْرِ
الْوُجُوبُ إذَا كَانَ مَعَ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمَالِ
مَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ
لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حُرًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ
سَلَّمَهُ إلَى مَوْلَاتِهِ وَقِيلَ: إنَّهُ مَحْمُولٌ
عَلَى النَّدْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أُمَّ سَلَمَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْ
مُكَاتَبِهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي
لِتَعْظِيمِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَصًّا
بِهِنَّ، ثُمَّ قَالَ: وَمَعَ هَذَا فَاحْتِجَابُ
الْمَرْأَةِ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرَاهَا وَاسِعٌ،
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْ رَجُلٍ قَضَى
أَنَّهُ أَخُوهَا، وَذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ
لِلِاحْتِيَاطِ وَأَنَّ الِاحْتِجَابَ مِمَّنْ لَهُ أَنْ
يَرَاهَا مُبَاحٌ اهـ
وَالْقَرِينَةُ الْقَاضِيَةُ بِحَمْلِ هَذَا الْأَمْرِ
عَلَى النَّدْبِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ
الْمُكَاتَبِ قَبْلَ تَسْلِيمِ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ
حُكْمُ الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ
إلَى سَيِّدَتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ السَّلَفِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}
[النور: 31] وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنْهُمْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِلْعَبْدِ النَّظَرُ إلَى سَيِّدَتِهِ وَمِنْ
مُتَمَسَّكَاتِهِمْ لِذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَغُرَّنَّكُمْ آيَةُ
النُّورِ، فَالْمُرَادُ بِهَا الْإِمَاءُ قَالَ فِي
الْبَحْرِ: وَخَصَّهُنَّ بِالذِّكْرِ لِتَوَهُّمِ
مُخَالَفَتِهِنَّ لِلْحَرَائِرِ فِي قَوْله تَعَالَى:
{أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] اهـ وَقَدْ تَمَسَّكَ
بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ جُمْهُورُ أَهْلِ
الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالُوا:
حُكْمُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ تَسْلِيمِ جَمِيعِ مَالِ
الْكِتَابَةِ حُكْمُ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ
مِنْ الْإِرْثِ وَالْأَرْشِ وَالدِّيَةِ وَالْحَدِّ
وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ
الْمُكَاتَبِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْ مَالِ
الْكِتَابَةِ، وَتَتَبَعَّضُ الْأَحْكَامُ الَّتِي
يُمْكِنُ تَبَعُّضُهَا فِي حَقِّهِ بِحَدِيثِ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ
قَدَّمْنَا فِي بَابِ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضَهُ مِنْ
كِتَابِ الْفَرَائِضِ أَقْوَالًا فِي الْمُكَاتَبِ الَّذِي
قَدْ أَدَّى بَعْضَ
(6/112)
2612 - (وَعَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ: أَنَّ
سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْمُكَاتَبَةَ،
وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إلَى
عُمَرَ فَقَالَ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ عُمَرُ
بِالدِّرَّةِ وَتَلَا عُمَرُ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ) .
2613 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ:
اشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِسُوقِ ذِي
الْمَجَازِ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَدِمَتْ
فَكَاتَبَتْنِي عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ،
فَأَذْهَبْتُ إلَيْهَا عَامَّةَ الْمَالِ ثُمَّ حَمَلْتُ
مَا بَقِيَ إلَيْهَا، فَقُلْتُ: هَذَا مَالُكِ
فَاقْبِضِيهِ، فَقَالَتْ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى آخُذَهُ
مِنْكِ شَهْرًا بِشَهْرٍ وَسَنَةً بِسَنَةٍ، فَخَرَجْتُ
بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: ارْفَعْهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ،
ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهَا: هَذَا مَالُكِ فِي بَيْتِ الْمَالِ
وَقَدْ عَتَقَ أَبُو سَعِيدٍ، فَإِنْ شِئْتِ فَخُذِي
شَهْرًا بِشَهْرٍ، وَسَنَةً بِسَنَةٍ، قَالَ: فَأَرْسَلَتْ
فَأَخَذَتْهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
مَالِ كِتَابَتِهِ قَوْلُهُ: (يُودَى الْمُكَاتَبُ)
بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ
مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ: أَيْ يُؤَدِّي الْجَانِي
عَلَيْهِ مِنْ دِيَتِهِ أَوْ أَرْشِهِ لِمَا كَانَ مِنْهُ
حُرًّا بِحِسَابِ دِيَةِ الْحُرِّ وَأَرْشِهِ وَلِمَا
كَانَ مِنْهُ عَبْدًا بِحِسَابِ دِيَةِ الْعَبْدِ
وَأَرْشِهِ
2612 - (وَعَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ: أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْمُكَاتَبَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ
الْمَالِ فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ:
كَاتِبْهُ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ
وَتَلَا عُمَرُ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ
خَيْرًا} [النور: 33] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ) .
2613 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ:
اشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِسُوقِ ذِي
الْمَجَازِ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَدِمَتْ
فَكَاتَبَتْنِي عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ،
فَأَذْهَبْتُ إلَيْهَا عَامَّةَ الْمَالِ ثُمَّ حَمَلْتُ
مَا بَقِيَ إلَيْهَا، فَقُلْتُ: هَذَا مَالُكِ
فَاقْبِضِيهِ، فَقَالَتْ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى آخُذَهُ
مِنْكِ شَهْرًا بِشَهْرٍ وَسَنَةً بِسَنَةٍ، فَخَرَجْتُ
بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: ارْفَعْهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ،
ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهَا: هَذَا مَالُكِ فِي بَيْتِ الْمَالِ
وَقَدْ عَتَقَ أَبُو سَعِيدٍ، فَإِنْ شِئْتِ فَخُذِي
شَهْرًا بِشَهْرٍ، وَسَنَةً بِسَنَةٍ، قَالَ: فَأَرْسَلَتْ
فَأَخَذَتْهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) .
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ
ابْنِهِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا
الْبَيْهَقِيُّ وَأَوْرَدَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ
وَسَكَتَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (أَنَّ سِيرِينَ) هُوَ وَالِدُ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ،
وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو، وَكَانَ مِنْ سَبْي عَيْنِ
التَّمْرِ، اشْتَرَاهُ أَنَسٌ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ
وَرَوَى عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ
حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَمُوسَى بْنُ أَنَسٍ
الرَّاوِي عَنْهُ لَمْ يُدْرِكْ وَقْتَ سُؤَالِ سِيرِينَ
الْكِتَابَةَ مِنْ أَنَسٍ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
مُتَّصِلٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَرَادَنِي سِيرِينَ عَلَى
الْمُكَاتَبَةِ فَأَبَيْت، فَأَتَى عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَنْ قَالَ
بِوُجُوبِ الْكِتَابَةِ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ
عَنْ مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ وَزَادَ الْقُرْطُبِيُّ
مَعَهُمَا وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَتْ
الظَّاهِرِيَّةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَحَكَاهُ فِي
الْبَحْرِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَقَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ إذَا
طَلَبَهَا الْعَبْدُ وَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَجُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَأَجَابُوا عَنْ
الْآيَةِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا مَا قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ
الْإِصْطَخْرِيُّ: إنَّ الْقَرِينَةَ الصَّارِفَةَ
لِلْأَمْرِ الْمَذْكُورَةَ آخِرَ الْآيَةِ، أَعْنِي
(6/113)
بَابُ مَا جَاءَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ
2614 - (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ وَطِئَ
أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ
مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي لَفْظٍ:
«أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ
مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ - أَوْ قَالَ -: مِنْ
بَعْدِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
2615 - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذُكِرَتْ أُمُّ
إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا»
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
قَوْله تَعَالَى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}
[النور: 33] فَإِنَّهُ وَكَلَ الِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ
إلَى الْمَوْلَى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا رَأَى
عَدَمَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ
غَيْرُ وَاجِبٍ وَقَالَ غَيْرُهُ: الْكِتَابَةُ عَقْدُ
غَرَرٍ، فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا تَجُوزَ، فَلَمَّا
وَقَعَ الْإِذْنُ فِيهَا كَانَ أَمْرًا بَعْدَ مَنْعٍ
وَالْأَمْرُ بَعْدَ الْمَنْعِ لِلْإِبَاحَةِ، وَلَا
يَرُدُّ عَلَى هَذَا كَوْنُهَا مُسْتَحَبَّةً، لِأَنَّ
اسْتِحْبَابَهَا ثَبَتَ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ
وَكَسْبَهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ
الْأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ، لِأَنَّ
قَوْلَهُ: " خُذْ كَسْبِي وَأَعْتِقْنِي " يَصِيرُ
بِمَنْزِلَةِ أَعْتِقْنِي بِلَا شَيْءٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ
وَاجِبٍ اتِّفَاقًا وَأَجَابَ عَنْ الْآيَةِ فِي الْبَحْرِ
بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُعَاوَضَاتِ صَرْفُهَا عَنْ
الظَّاهِرِ كَالتَّخْصِيصِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْقِيَاسَ
الْمَذْكُورَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ فِي
مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ
بِالْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْأَصْلُ الْمَعْلُومُ
مِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ وَهُوَ صَالِحٌ لِلصَّرْفِ
لَا لِلْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ إلْحَاقُ أَصْلٍ بِفَرْعٍ
حَتَّى يُرَدَّ بِمَا ذُكِرَ وَاسْتَدَلَّ بِفِعْلِ عُمَرَ
الْمَذْكُورِ فِي قِصَّةِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ
مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّنْجِيمَ فِي الْكِتَابَةِ
وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالنَّاصِرُ
وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ
وَالْهَادِي وَأَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو طَالِبٍ إلَى
اشْتِرَاطِ التَّأْجِيلِ وَالتَّنْجِيمِ وَاسْتَدَلُّوا
عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ
الضَّمِّ وَهُوَ ضَمُّ بَعْضِ النُّجُومِ إلَى بَعْضٍ،
وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّمُّ نَجْمَانِ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ
عَنْ عَلِيٍّ بِلَفْظِ: " إذَا تَتَابَعَ عَلَى
الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ فَلَمْ يُؤَدِّ نُجُومَهُ رُدَّ
إلَى الرِّقِّ " وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا
يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ،
أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ، وَأَمَّا
ثَانِيًا فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ
عَلَى جِهَةِ الْحَتْمِ وَالتَّأْجِيلِ فِي الْأَصْلِ
إنَّمَا جُعِلَ لِأَجْلِ الرِّفْقِ بِالْعَبْدِ لَا
بِالسَّيِّدِ، فَإِذَا قَدَرَ الْعَبْدُ عَلَى
التَّعْجِيلِ وَتَسْلِيمِ الْمَالِ دَفْعَةً فَكَيْفَ
يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؟ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّنْجِيمَ
جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا حُكِيَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ
وَأَمَّا كَوْنُهُ شَرْطًا أَوْ وَاجِبًا فَلَا مُسْتَنَدَ
لَهُ
(6/114)
2616 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
«جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إنَّا نُصِيبُ سَبْيًا فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ
فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَإِنَّكُمْ
لَتَفْعَلُونَ ذَلِكُمْ، لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا
تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا لَيْسَ نَسَمَةٌ كَتَبَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَخْرُجَ إلَّا وَهِيَ
خَارِجَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ)
2617 - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ
أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ وَلَا
يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا السَّيِّدُ
مَا دَامَ حَيًّا، وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
[بَابُ مَا جَاءَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ]
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ
وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَهُ طُرُقٌ وَفِي إسْنَادِهِ
الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ
ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ رَجَّحَ جَمَاعَةٌ وَقْفَهُ عَلَى
عُمَرَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ
وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا:
«أُمُّ الْوَلَدِ حُرَّةٌ وَإِنْ كَانَ سُقْطًا»
وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ: وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي فِي إسْنَادِهِ أَيْضًا حُسَيْنُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا
كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ: وَلَهُ عِلَّةٌ
وَرَوَاهُ مَسْرُوقٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ
خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
فَعَادَ الْحَدِيثُ إلَى عُمَرَ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأُمِّ
إبْرَاهِيمَ: أَعْتَقَكِ وَلَدُكِ» وَهُوَ مُعْضِلٌ
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ هَذَا بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ
ثِقَاتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَهُ مِنْ طَرِيقِ
قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ
الْجَزَرِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ
مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ مُصْعَبٍ وَهُوَ
ابْنُ سَعِيدٍ الْمِصِّيصِيِّ وَفِيهِ ضَعْفٌ
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تَصِيرُ
حُرَّةً إذَا وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، وَسَيَأْتِي
الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ قَرِيبًا وَالْخِلَافُ فِيهِ
وَأُمُّ الْوَلَدِ: هِيَ الْأَمَةُ الَّتِي عَلِقَتْ مِنْ
سَيِّدِهَا بِحَمْلٍ وَوَضَعَتْهُ مُخْتَلِفًا وَادَّعَاهُ
2616 - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُصِيبُ
سَبْيًا فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي
الْعَزْلِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ذَلِكُمْ، لَا
عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا
لَيْسَ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ
تَخْرُجَ إلَّا وَهِيَ خَارِجَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ) الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ
الْعَزْلِ عَنْ الْإِمَاءِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ
حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي
الْعَزْلِ مِنْ كِتَابِ الْوَلِيمَةِ وَالْبِنَاءِ
وَيَأْتِي شَرْحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَالِكَ
فَإِنَّهُ الْمَوْضِعُ الْأَلْيَقُ بِهِ، وَفِي مُطْلَقِ
الْعَزْلِ خِلَافٌ طَوِيلٌ
وَكَذَلِكَ فِي خُصُوصِ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ أَوْ
الْأَمَةِ أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ، وَسَيَأْتِي هُنَالِكَ
مَبْسُوطًا بِمَعُونَةِ اللَّهِ، وَلَعَلَّ مُرَادَ
الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِيرَادِ الْحَدِيثِ
الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ: فَنُحِبُّ الْأَثْمَانَ عَلَى
مَنْعِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ
2617 - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ
أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ وَلَا
يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا السَّيِّدُ
مَا دَامَ حَيًّا، وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ»
(6/115)
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَرَوَاهُ
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ
آخَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ
أَصَحُّ)
2618 - (وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ
سَمِعَهُ يَقُولُ: كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِينَا أُمَّهَاتِ
أَوْلَادِنَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِينَا حَيٌّ لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ) .
2619 - (وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «بِعْنَا
أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ،
فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا وَجْهُ
هَذَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبَاحًا ثُمَّ نَهَى عَنْهُ
وَلَمْ يَظْهَرْ النَّهْيُ لِمَنْ بَاعَهَا، وَلَا عَلِمَ
أَبُو بَكْرٍ بِمَنْ بَاعَ فِي زَمَانِهِ لِقِصَرِ
مُدَّتِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِأَهَمِّ أُمُورِ الدِّينِ
ثُمَّ ظَهَرَ ذَلِكَ زَمَنَ عُمَرَ فَأَظْهَرَ النَّهْيَ
وَالْمَنْعَ، وَهَذَا مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا فِي
الْمُتْعَةِ قَالَ: «كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ
مِنْ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى نَهَانَا عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ
عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَإِنَّمَا
وَجْهُهُ مَا سَبَقَ لِامْتِنَاعِ النَّسْخِ بَعْدَ
وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-) .
2620 - ( «وَعَنْ الْخَطَّابِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّهِ
قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي سَلَامَةُ بِنْتُ مَعْقِلٍ قَالَتْ:
كُنْتُ لِلْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو وَلِي مِنْهُ غُلَامٌ،
فَقَالَتْ لِي امْرَأَتُهُ: الْآنَ تُبَاعِينَ فِي
دَيْنِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:
مَنْ صَاحِبُ تَرِكَةِ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو؟ قَالُوا:
أَخُوهُ أَبُو الْيَسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو فَدَعَاهُ
فَقَالَ: لَا تَبِيعُوهَا وَأَعْتِقُوهَا فَإِذَا
سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ قَدْ جَاءَنِي فَأْتُونِي
أُعَوِّضْكُمْ، فَفَعَلُوا، فَاخْتَلَفُوا فِيمَا
بَيْنَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ قَوْمٌ: أُمُّ
الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُعَوِّضْكُمْ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ حُرَّةٌ قَدْ أَعْتَقَهَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَفِي كَانَ الِاخْتِلَافُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي
مُسْنَدِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَلَيْسَ إسْنَادُهُ
بِذَلِكَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي
الْمُوَطَّأِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ أَصَحُّ)
2618 - (وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ
سَمِعَهُ يَقُولُ: كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِينَا أُمَّهَاتِ
أَوْلَادِنَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِينَا حَيٌّ لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ) .
2619 - (وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «بِعْنَا
أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ،
فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا» رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا وَجْهُ
هَذَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبَاحًا ثُمَّ نَهَى عَنْهُ
وَلَمْ يَظْهَرْ النَّهْيُ لِمَنْ بَاعَهَا، وَلَا عَلِمَ
أَبُو بَكْرٍ بِمَنْ بَاعَ فِي زَمَانِهِ لِقِصَرِ
مُدَّتِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِأَهَمِّ أُمُورِ الدِّينِ
ثُمَّ ظَهَرَ ذَلِكَ زَمَنَ عُمَرَ فَأَظْهَرَ النَّهْيَ
وَالْمَنْعَ، وَهَذَا مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا فِي
الْمُتْعَةِ قَالَ: «كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ
مِنْ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الْأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى نَهَانَا عَنْهُ عُمَرُ فِي شَأْنِ
عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَإِنَّمَا
وَجْهُهُ مَا سَبَقَ لِامْتِنَاعِ النَّسْخِ بَعْدَ
وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-) .
2620 - ( «وَعَنْ الْخَطَّابِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّهِ
قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي سَلَامَةُ بِنْتُ مَعْقِلٍ قَالَتْ:
كُنْتُ لِلْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو وَلِي مِنْهُ غُلَامٌ،
فَقَالَتْ لِي امْرَأَتُهُ: الْآنَ تُبَاعِينَ فِي
دَيْنِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:
مَنْ صَاحِبُ تَرِكَةِ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو؟ قَالُوا:
أَخُوهُ أَبُو الْيَسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو فَدَعَاهُ
فَقَالَ: لَا تَبِيعُوهَا وَأَعْتِقُوهَا فَإِذَا
سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ قَدْ جَاءَنِي فَأْتُونِي
أُعَوِّضْكُمْ، فَفَعَلُوا، فَاخْتَلَفُوا فِيمَا
بَيْنَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ قَوْمٌ: أُمُّ
الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُعَوِّضْكُمْ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ حُرَّةٌ قَدْ أَعْتَقَهَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَفِي كَانَ الِاخْتِلَافُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي
مُسْنَدِهِ، قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَلَيْسَ إسْنَادُهُ
بِذَلِكَ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَقَالَ:
الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى عُمَرَ وَكَذَا قَالَ عَبْدُ
الْحَقِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِلْمَامِ: الْمَعْرُوفُ
فِيهِ الْوَقْفُ وَاَلَّذِي رَفَعَهُ ثِقَةٌ قِيلَ: وَلَا
يَصِحُّ مُسْنَدًا
وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُهُ
(6/116)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
الثَّانِي أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ
وَالْحَاكِمُ.
وَحَدِيثُ سَلَامَةَ بِنْتِ مَعْقِلٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا
أَبُو دَاوُد.
وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ،
وَفِيهِ مَقَالٌ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ أَحْسَنُ
شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ هَذَا بَعْدَ
أَنْ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ وَفِي
الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِنَحْوِ
حَدِيثِ جَابِرٍ الْآخَرِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الطُّرُقِ أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي بَيْعَ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَافِظُ:
إنَّهُ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ
طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى
ذَلِكَ، يَعْنِي الِاطِّلَاعَ وَالتَّقْرِيرَ
قَوْلُهُ: (قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) قَدْ رُوِيَ نَحْوُ
هَذَا الْكَلَامِ عَنْ الْخَطَّابِيِّ فَقَالَ: يُحْتَمَلُ
أَنْ يَكُونَ بَيْعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَانَ
مُبَاحًا ثُمَّ نَهَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ
ذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ نَهَاهُمْ
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ) سَيَأْتِي
الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى قَوْلُهُ: (عَنْ الْخَطَّابِ بْنِ صَالِحٍ) هُوَ
الْمَدَنِيُّ مَوْلَى الْأَنْصَارِ مَعْدُودٌ فِي
الثِّقَاتِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ
وَمِائَةٍ، وَسَلَامَةُ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ: وَهِيَ
امْرَأَةٌ مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ، وَالْحُبَابُ بِضَمِّ
الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ
الْمُوَحَّدَةِ وَأَبُو الْيَسْرِ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ
وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُهُ: كَعْبٌ، يُعَدُّ فِي
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ أَنْصَارِيٌّ
بَدْرِيٌّ عَقَبِيٌّ
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ
الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْبَابِ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ وَقَدْ حَكَى ابْنُ
قُدَامَةَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا
يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ
الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ الرُّجُوعُ
عَنْ الْمُخَالَفَةِ، كَمَا حَكَى ذَلِكَ ابْنُ رَسْلَانَ
فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ
الْآخَرِ إلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: "
سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ
عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ،
ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدُ أَنْ يُبَعْنَ، قَالَ عُبَيْدَةُ:
فَقُلْتُ: فَرَأْيُكَ وَرَأْيُ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ
أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ "
وَهَذَا الْإِسْنَادُ مَعْدُودٌ فِي أَصَحِّ
الْأَسَانِيدِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ
أَيُّوبَ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
وَرَوَى ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْكَافِي أَنَّ عَلِيًّا
لَمْ يَرْجِعْ رُجُوعًا صَرِيحًا إنَّمَا قَالَ
لِعُبَيْدَةَ وَشُرَيْحٍ: " اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ
تَقْضُونَ فَإِنِّي أَكْرَهُ الْخِلَافَ " وَهَذَا وَاضِحٌ
فِي أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ اجْتِهَادِهِ، وَإِنَّمَا
أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يَقْضُوا بِاجْتِهَادِهِمْ
الْمُوَافِقِ لِرَأْيِ مَنْ تَقَدَّمَ قَالَ ابْنُ
قُدَامَةَ أَيْضًا: وَقَدْ رَوَى صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ
أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ بَيْعَهُنَّ، وَقَدْ بَاعَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَصِحُّ
مَعَ الْكَرَاهَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ
مِنْهَا عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ قَالَ: " جَاءَ رَجُلَانِ إلَى ابْنِ عُمَرَ
فَقَالَ: " مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتُمَا؟ قَالَا: مِنْ
قِبَلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَأَحَلَّ لَنَا أَشْيَاءَ
كَانَتْ
(6/117)
كِتَابُ النِّكَاحِ بَابُ الْحَثِّ
عَلَيْهِ وَكَرَاهَةِ تَرْكِهِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[نيل الأوطار]
تُحَرَّمُ عَلَيْنَا، قَالَ: مَا أَحَلَّ لَكُمْ؟ قَالَا:
أَحَلَّ لَنَا بَيْعَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، قَالَ:
أَتَعْرِفَانِ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ فَإِنَّهُ نَهَى أَنْ
تُبَاعَ أَوْ تُوَرَّثَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا مَا كَانَ
حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَمِنْ
الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الْبَيْعِ النَّاصِرُ
وَالْبَاقِرُ وَالصَّادِقُ وَالْإِمَامِيَّةُ وَبِشْرٌ
الْمَرِيسِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُطَهَّرِ وَوَلَدُهُ
الْمُزَنِيّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَقَتَادَةُ،
وَلَكِنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَاقِرِ
وَالصَّادِقِ وَالْإِمَامِيَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ
بَيْعُهَا فِي حَيَاةِ سَيِّدِهَا، فَإِنْ مَاتَ وَلَهَا
مِنْهُ وَلَدٌ بَاقٍ عَتَقَتْ عِنْدَهُمْ
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ
رُوِيَ فِي جَامِعِ آلِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ
إبْرَاهِيمَ أَنَّ مَنْ أُدْرِكَ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ
يَكُونُوا يُثْبِتُونَ رِوَايَةَ بَيْعِ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ
الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ
مُطْلَقًا وَهُوَ مُجَازَفَةٌ ظَاهِرَةٌ وَادَّعَى بَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ تَحْرِيمَ بَيْعِهِنَّ قَطْعِيٌّ
وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْقَطْعَ بِالتَّحْرِيمِ إنْ
كَانَ لِأَجْلِ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالتَّحْرِيمِ
فَفِيهَا مَا عَرَفْتَ مِنْ الْمَقَالِ السَّالِفِ، وَإِنْ
كَانَ لِأَجْلِ الْإِجْمَاعِ الْمُدَّعَى فَفِيهِ مَا
عَرَفْتَ، وَكَيْفَ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ ذَلِكَ
وَالْخِلَافُ مَا زَالَ مُنْذُ أَيَّامِ الصَّحَابَةِ إلَى
الْآنَ
وَقَدْ تَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ بِحَدِيثَيْ
جَابِرٍ الْمَذْكُورَيْنِ وَحَدِيثِ سَلَامَةَ، وَقَدْ
عَرَفْتَ أَنَّ حَدِيثَيْ جَابِرٍ لَيْسَ فِيهِمَا مَا
يَدُلُّ عَلَى اطِّلَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْبَيْعِ وَتَقْرِيرِهِ كَمَا
تَقَدَّمَ عَنْ الْبَيْهَقِيّ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: " فَلَا
نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا " الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالنُّونِ
الَّتِي لِلْجَمَاعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ بِالْيَاءِ
التَّحْتِيَّةِ لَكَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى
التَّقْرِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَامَةَ فَدَلَالَتُهُ
عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهُمْ عَنْ
الْبَيْعِ وَأَمَرَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ وَتَعْوِيضُهُمْ
عَنْهَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ
يُجَوِّزُ بَيْعَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَوَّضَهُمْ
لَمَّا رَأَى مِنْ احْتِيَاجِهِمْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ
طَوِيلَةُ الذَّيْلِ وَقَدْ أَفْرَدَهَا ابْنُ كَثِيرٍ
بِمُصَنَّفٍ مُسْتَقِلٍّ
وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ،
وَذَكَرَ أَنَّ جُمْلَةَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَقْوَالِ
لِلْعُلَمَاءِ ثَمَانِيَةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحُكْمَ
بِعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ جَوَازِ
بَيْعِهَا، فَلَوْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ الْقَاضِيَةُ
بِأَنَّهَا تَصِيرُ حُرَّةً بِالْوِلَادَةِ لَكَانَتْ
دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ فِيهَا
مَا سَلَفَ، وَالْأَحْوَطُ اجْتِنَابُ الْبَيْعِ لِأَنَّ
أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُمُورِ
الْمُشْتَبِهَةِ وَالْمُؤْمِنُونَ وَقَّافُونَ عِنْدَهَا
كَمَا أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(6/118)
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ
مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ
لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رَوَاهُ
الْجَمَاعَةُ) .
2622 - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «رَدَّ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ
أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا» ) .
2623 - (وَعَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
أُصَلِّي وَلَا أَنَامُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصُومُ
وَلَا أُفْطِرُ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: مَا بَالُ
أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، لَكِنِّي أَصُومُ
وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ
النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا)
2624 - (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي
ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ:
تَزَوَّجْ، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا
نِسَاءً رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ) .
2625 - (وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ، وَقَرَأَ قَتَادَةُ {وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ
أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ |