أصول الفقه المسمى إجابة السائل شرح بغية الآمل

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
... أَولهَا أحكامنا الشَّرْعِيَّة ... تتبعها تَوَابِع مرعية ...

هَذَا أول الْأَبْوَاب وَالضَّمِير لَهَا وَالْأَحْكَام جمع حكم تقدم تَفْسِيره آنِفا وإضافتها إِلَيْنَا لكوننا المأمورين بهَا وَجَمعهَا لِأَنَّهَا خَمْسَة كَمَا عرفت قَرِيبا ووصفها بالشرعية لما مر ونسبت إِلَى الشَّرْع لثبوتها بِهِ إِمَّا بنقله عَن أَصله أَو بتقريره على أَصله على حد لَو نقل بَدَلا عَن إِمْسَاكه لصَحَّ كَمَا ورد الْمَنْع عَن ذبح مَا لَا يحل أكله فَإِن الشَّرْع هُنَا قرر مَا فِي الْعقل بِخِلَاف مَا ورد بِهِ الشَّرْع مطابقا لِلْعَقْلِ مِمَّا يقْضِي الْعقل فِيهِ بقضية لَا يَصح أَن يغيرها الشَّرْع كوجوب قَضَاء الدّين ورد الْوَدِيعَة وقبح الظُّلم وَنَحْو ذَلِك فَإِن هَذَا لَا يُسمى شَرْعِيًّا وَقَوله تتبعها أَي الْأَحْكَام تَوَابِع مرعية المُرَاد مَا يتبعهَا من الصِّحَّة والبطلان بل وَمن تَقْسِيم الْوَاجِب إِلَى مُخَيّر وموسع وَنَحْوهَا فَإِن هَذِه تَوَابِع الْأَحْكَام وَالْأَصْل فِي الْبَحْث هُوَ الْأَحْكَام لذاتها وَهَذِه أَقسَام وصفات لَهَا مُلَاحظَة بالتبعية

(1/30)


وَاعْلَم أَن الْأَحْكَام لَهَا نِسْبَة إِلَى الْحَاكِم وَإِلَى مَا فِيهِ الحكم وَهُوَ الْفِعْل فتسمى بِالنّظرِ إِلَى الأول إِيجَابا مثلا وَتسَمى إِذا نسبت إِلَى الثَّانِي وجوبا فهما متحدان ذاتا مُخْتَلِفَانِ اعْتِبَارا وَمن هُنَا تراهم يجْعَلُونَ أَقسَام الحكم الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم تَارَة وَالْوُجُوب وَالْحُرْمَة أُخْرَى كَمَا وَقع هُنَا وَقد رسمت باعبتار صفة الْحَاكِم وَبِاعْتِبَار متعلقاتها والناظم رسمها بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي مُوَافقَة لأصله
فَقَالَ
وَهِي وجوب حُرْمَة وَالنَّدْب
كَرَاهَة إِبَاحَة يَا ندب
فِي الْقَامُوس النّدب الْخَفِيف فِي الْحَاجة الظريف النجيب
وَلَا يخفى حسن الجناس
وعرفوها بِالَّتِي تعيقت
بهَا فَخذ رسومها كَمَا أَتَت
أَي تعلّقت بهَا قَالَ فِي الأَصْل وتعرف بمتعلقاتها
فَمَا اسْتحق الْفَاعِل الثَّوَاب
بِفِعْلِهِ وَتَركه العقابا ... فَوَاجِب وَعَكسه الْحَرَام
هَذَا هُوَ تَعْرِيف الْوَاجِب وَالْحرَام كَقَوْلِه فَمَا اسْتحق مُبْتَدأ وَكلمَة مَا مَوْصُولَة وَالْجُمْلَة صلتها والعائد أغْنى عَنهُ تَعْرِيف الْفَاعِل وَأَصله فَاعله أَو مَحْذُوف أَي عَلَيْهِ وَقَوله فَوَاجِب خَبره دخلت الْفَاء لتضمن الْمُبْتَدَأ معنى الشَّرْط وَلَك تَقْدِيره فَهُوَ وَاجِب وَالْمرَاد بالفاعل الْمُكَلف وَالثَّوَاب الْجَزَاء كَمَا فِي الْقَامُوس وَالْمرَاد بِهِ هُنَا مَا وعد الله بِهِ عباده من الْجَزَاء على فعل الْوَاجِبَات على لِسَان رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتِحْقَاق الْفَاعِل لَهُ

(1/31)


بوعد من لَا يخلف الميعاد بإثابته وَالْمرَاد مَا من شَأْنه أَن يسْتَحق عَلَيْهِ الثَّوَاب فَيدْخل فِيهِ فرض الْكِفَايَة والمخير وَبِهَذَا الْقَيْد خرج الْحَرَام وَالْمَكْرُوه والمباح لِأَنَّهَا قد دخلت فِي قَوْله وَالْحكم فَإِنَّهُ مُقَدّر أَي فَالْحكم الْوَاجِب مَا اسْتحق إِلَى آخِره ضَرُورَة أَنه جنس للخمسة فَهُوَ مُرَاد وَلِأَن كلمة مَا فِي قَوْله مَا اسْتحق بِمَعْنى فعل أَي فعل اسْتحق فَدخلت فِيهِ وَقَوله وَتَركه العقابا هُوَ من الْعَطف على معمولي عاملين مُخْتَلفين على رَأْي الْفراء وبفعله يتَعَلَّق بالثواب وَهُوَ مصدر يتَعَلَّق بِهِ الظّرْف وَتَركه مَعْمُول الْعقَاب وتقديمه عَلَيْهِ جَائِز من بَاب {فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي} وَبِهَذَا الْقَيْد خرج الْمَنْدُوب والمباح وَبِهِمَا كَانَ التَّعْرِيف جَامعا مَانِعا إِن قلت كَانَ يَكْفِي اسْتِحْقَاق الْعقَاب بِتَرْكِهِ قلت زِيَادَة قيد الثَّوَاب بِفِعْلِهِ احْتِيجَ إِلَيْهِ ليتم الِاخْتِصَار بقوله وَعَكسه الْحَرَام وَيعرف بِهِ المُرَاد وَلَو حذف مَا عرف المُرَاد بِالْعَكْسِ وَهُوَ وَجه إِيرَاده فِي الأَصْل كَذَلِك والناظم يعْتَمد عبارَة مَا نظمه فَلَا يرد أَنه كَانَ يَكْفِي أَن يُقَال الْوَاجِب مَا اسْتحق تَاركه الْعقَاب وَالْحرَام بِالْعَكْسِ على أَن الْعبارَة قد اشْتَمَلت على لطف الْمُقَابلَة بَين الْفِعْل وَالتّرْك وَالْعِقَاب وَالثَّوَاب وفيهَا من الْإِشَارَة إِلَى التَّرْغِيب والترهيب مَا يزيدها حسنا ولطفا وَلِأَنَّهُ لَا بُد من ذكر ذَلِك فِي الْمَنْدُوب وَالْمَكْرُوه والمباح فَحسن الْإِتْيَان بِهَذَا فِي الْوَاجِب وَالْحرَام ليَكُون الْكل على منوال وَاحِد وَالْمرَاد بِالْعَكْسِ اللّغَوِيّ أَي مَا يسْتَحق الثَّوَاب بِتَرْكِهِ وَالْعِقَاب بِفِعْلِهِ فَهُوَ الْحَرَام فَيخرج بالقيد الأول الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَبِالثَّانِي الْمَكْرُوه والمباح وَالْمرَاد أَن من شَأْنه عِقَاب فَاعله كَمَا أَن من شَأْن تَارِك الْوَاجِب عِقَابه فَلَا يُنَافِيهِ جَوَاز الْعَفو فَإِن ذَلِك مُقْتَض

(1/32)


للعقاب مَا لم يمْنَع مَانع الْعَفو وَالتَّوْبَة والشفاعة وَاعْلَم أَنه لَا يَشْمَل الْحَد التروك عِنْد من يَجْعَلهَا أفعالا وَيَأْتِي تَحْقِيقه إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فَائِدَة وَاعْلَم أَن كل فعل طلب الشَّارِع تَركه أَو ذمّ فَاعله أَو مقته أَو لَعنه أَو نفى محبته إِيَّاه أَو محبَّة فَاعله أَو نفي الرِّضَا بِهِ أَو الرِّضَا عَن فَاعله أَو شبه فَاعله بالبهائم أَو بالشياطين أَو جَاءَ لَهُ مَانِعا للهدى أَو استعاذ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام مِنْهُ أَو جعله سَببا لنفي الْفَلاح أَو لعذاب عَاجل أَو آجل أَو نسبه الله تَعَالَى أَو رَسُوله إِلَى عمل الشَّيْطَان أَو تزيينه أَو لعداوة الله أَو محاربته أَو الِاسْتِهْزَاء بِهِ أَو سخريته أَو دَعَا إِلَى التَّوْبَة مِنْهُ أَو وصف فَاعله بخبث أَو بضلالة أَو بِأَنَّهُ لَيْسَ من الله فِي شَيْء أَو بِأَنَّهُ لَيْسَ من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أَنه لَا يقبل من فَاعله صرفا وَلَا عدلا أَو أخبر ان من فعله قيض الله لَهُ شَيْطَانا فَهُوَ لَهُ قرين أَو جعل فعله سَببا لإزاغة قلب فَاعله أَو لصرفه عَن آيَاته وَفهم آلائه أَو يسْأَل الله تَعَالَى عَن عِلّة الْفِعْل لم فعل {تصدُّونَ عَن سَبِيل الله من آمن} {لم تلبسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ} {مَا مَنعك أَن تسْجد} فَهَذِهِ كلهَا وَنَحْوهَا تدل على الْمَنْع من الْفِعْل ودلالتها على التَّحْرِيم أظهر من دلالتها على الْكَرَاهَة وَأما نَحْو يكرههُ الله وَرَسُوله فدلالتها على التَّحْرِيم أظهر فاكثر مَا يسْتَعْمل فِي الْمحرم ... وَبعده الْمَنْدُوب يَا همام ...

الْهمام كغراب العالي الهمه كَمَا فِي الْقَامُوس وَالْمَنْدُوب لُغَة الْمَدْعُو إِلَيْهِ يُقَال ندبته لكذا فَانْتدبَ وَأَصله الْمَنْدُوب إِلَيْهِ فتوسع فِيهِ بِحَذْف حرف الْجَرّ فاستتر فِيهِ الضَّمِير ثمَّ صَار إسما لهَذَا الْقسم من الْأَحْكَام ورسموه بقوله ... مَا يسْتَحق الْأجر فِيهِ إِن فعل ...

(1/33)


خرج بِهِ الْحَرَام وَالْمَكْرُوه والمباح وَبَقِي الْوَاجِب أخرجه بقوله ... وَلَا عِقَاب إِن يكن عَنهُ غفل ...

فالمندوب مَا اسْتحق فَاعله الثَّوَاب وَلم يسْتَحق تَاركه الْعقَاب
وَاعْلَم أَن كل فعل عظمه الله تَعَالَى أَو رَسُوله أومدحه أومدح فَاعله لأَجله أَو فَرح بِهِ أَو أحبه أَو أحب فَاعله أَو رَضِي بِهِ أَو رَضِي عَن فَاعله أَو وَصفه بالطيب أَو الْبركَة أَو الْحسن أَو نَصبه سَببا لمحبته أَو لثواب عَاجل أَو آجل أَو نَصبه سَببا لذكره لعَبْدِهِ أَو لشكره أَو لهدايته إِيَّاه أَو لرضاه عَنهُ أَو لمغفرة ذَنبه أَو لتكفير سيئاته أولقبوله أَو لنظره إِلَيْهِ أَو لنصره أَو وَصفه بِأَنَّهُ قربَة أَو أقسم بِهِ أَو بفاعله كالقسم بخيل الْمُجَاهدين وإغارتها وَضحك الرب سُبْحَانَهُ من فَاعله أَو إعجابه بِهِ فَهُوَ دَلِيل على مشروعيته الْمُشْتَركَة بَين الْوُجُوب وَالنَّدْب
وَالرَّابِع وَالْخَامِس مَا فِي قَوْله ... وَعَكسه الْمَكْرُوه والمباح ... مَا فقدا فِيهِ فَلَا جنَاح ...

فالرابع الْمَكْرُوه مَا اسْتحق تَاركه الثَّوَاب وَلم يسْتَحق الْفَاعِل عَلَيْهِ الْعقَاب وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيه الْفُقَهَاء بِأَنَّهُ مَكْرُوه تَنْزِيها ويسمونه خلاف الأولى وَأما الْمَكْرُوه كَرَاهَة حظر فَإِنَّهُ دَاخل فِي قسم الْحَرَام وَلَيْسَ قسما

(1/34)


مُسْتقِلّا وَالْمرَاد بغفل عَنهُ تَركه عمدا فَلَا يتَوَهَّم من لفظ غفل أَنه من لم يعلم بِهِ إِذْ الغافل لَا يُكَلف بِشَيْء من الْأَحْكَام والقرينة على الْإِرَادَة الْمقَام فبالفصل الأول يخرج الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب والمباح وبالفصل الثَّانِي الْحَرَام وَالْخَامِس الْمُبَاح المرسوم بقوله مَا فقدا فِيهِ أَي فعل فقد فِيهِ الإثابة على فعله وَالْعِقَاب على تَركه وَلذَا قيل فَلَا جنَاح أَي لَا حرج على فَاعله وتاركه وَضمير فِيهِ للمباح وَالْمرَاد فقدا فِيهِ فعلا وتركا
وَاعْلَم أَنَّهَا تستفاد الْإِبَاحَة من كَلَام الشَّارِع من لفظ الْإِحْلَال وَرفع الْجنَاح وَالْإِذْن وَالْعَفو وَإِن شِئْت فافعل وَإِن شِئْت فَلَا تفعل وَمن الامتنان بِمَا فِي الْأَعْيَان من الْمَنَافِع وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَفْعَال نَحْو من أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا أثاثا وَنَحْوه من السُّكُوت عَن التَّحْرِيم وَمن الْإِقْرَار على الْفِعْل فِي زمن الْوَحْي وَهُوَ نَوْعَانِ إِقْرَار الرب وَإِقْرَار رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن إِقْرَار الرب حَدِيث جَابر كُنَّا نعزل وَالْقُرْآن ينزل وَمن إِقْرَار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَول حسان لعمر كنت أنْشد وَفِيه من هُوَ خير مِنْك
وَاعْلَم أَن المُرَاد من قَوْله مَا اسْتحق فَاعله الخ أَي مَا صَار حَقًا على فعله الإثابة وَصَارَ حَقًا على تَركه الْعقُوبَة وَالْحق عَلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ وَإِن كَانَ يُوَافق رَأْي الْمُعْتَزلَة لَكنا قد أَشَرنَا إِلَى تَوْجِيهه وَكَانَ الأوفى بمقام الْأَدَب أَن يُقَال الْوَاجِب مَا وعدنا بِالْإِثَابَةِ على فعله وتوعدنا بالعقاب على تَركه وَعَكسه الْحَرَام وَلَك أَن تكتفي بِمَا توعد على تَركه وَعَكسه الْحَرَام
هَذَا وَقد أورد الْجلَال فِي النظام وَسَبقه إِلَيْهِ غَيره بِأَنَّهُ دور فَلَا يعرف

(1/35)


الِاسْتِحْقَاق إِلَّا بعد معرفَة الْوُجُوب وَلَا الْوُجُوب إِلَّا بعد معرفَة الِاسْتِحْقَاق وَأجِيب بِأَن اسْتِحْقَاق الإثابة وَالْعِقَاب يعرف بتعريف الشَّارِع إِمَّا بنصه على ذَلِك وَذَلِكَ يعرف باستقراء الْأَدِلَّة وَحِينَئِذٍ فَلَا يتَوَقَّف معرفَة الِاسْتِحْقَاق على معرفَة الْوُجُوب ثمَّ إِنَّه لَو رسم الْأَمْرَانِ بقوله فِي الأول الْوَاجِب مَا أَمر بِهِ الشَّارِع وَالْحرَام مَا نهى عَنهُ مَعَ تقريرهم أَن الأَصْل فِي الْأَمر الْوُجُوب وَفِي النَّهْي الْخطر لَكَانَ رسما صَحِيحا سالما عَمَّا أوردهُ على غَيره ... وَالْفَرْض وَالْوَاجِب قد ترادفا ... والناصر الاطروش فِيهِ خالفا ...

الْخلاف بَين الْجُمْهُور والناصر وَالْحَنَفِيَّة فَذهب الْأَولونَ إِلَى ترادف اللَّفْظَيْنِ أَي يتحدان معنى كاتحاد لَيْث وَأسد وَذهب الْآخرُونَ إِلَى أَنَّهُمَا متغايران فَمَا كَانَ دَلِيله قَطْعِيا سندا وَدلَالَة سموهُ فرضا وَمَا كَانَ ظنيا سندا وَدلَالَة أَو أَحدهمَا سموهُ وَاجِبا وَقد يستعملون أَحدهمَا مَكَان الآخر وَفِي شرح الْمُخْتَصر إِن الْخلاف لَفْظِي وَقيل معنوي وَإِن تَارِك الْفَرْض يفسق بِخِلَاف تَارِك الْوَاجِب هَذَا وَأما الْحَرَام فَإِنَّهُ يرادفه الْمَحْظُور وَيُسمى مَعْصِيّة وذنبا ومزجورا عَنهُ ومتوعدا عَلَيْهِ ثمَّ أَشَارَ إِلَى تَقْسِيم الْوَاجِب إِلَى أقسامه فالقسمة الأولى هِيَ الْمشَار إِلَيْهَا بقوله ... وانقسم الْوَاجِب فِي الدرايه ...

(1/36)


بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة درى يدْرِي أَي علم وَيسْتَعْمل لما فِيهِ ضرب من الْحِيلَة وَهُوَ يُقَابل الرِّوَايَة عِنْد إِطْلَاقه ... إِلَى فروض الْعين والكفاية ...

انقسام الْوَاجِب لَهُ جهتان الأولى بِالنّظرِ إِلَى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلف فَإِن كَانَ الْفِعْل الْمَطْلُوب من الْمُكَلف لَا يسْقطهُ عَنهُ فعل مُكَلّف آخر فَفرض عين أَو يسْقطهُ فَفرض كِفَايَة فَالْأول كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي كالأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَاعْلَم أَن سنة الْكِفَايَة كفرضها قَالَ فِي جمع الْجَوَامِع وَسنة الْكِفَايَة كفرضها قَالَ الزَّرْكَشِيّ هَذَا يَقْتَضِي انقسام السّنة إِلَى كِفَايَة وَعين وَالْفرق بَينهمَا أَن سنة الْكِفَايَة يكون النّظر فِيهَا إِلَى الْفِعْل من غير نظر إِلَى الْفَاعِل كتشميت الْعَاطِس وَابْتِدَاء السَّلَام وَالْأُضْحِيَّة فِي حق الْبَيْت الْوَاحِد والجهة الثَّانِيَة أفادها قَوْله ... ثمَّ إِلَى التَّعْيِين والتخيير ...

وَهَذَا بِالنّظرِ إِلَى الْمَحْكُوم فِيهِ وَهُوَ الْفِعْل فَإِنَّهُ إِن كَانَ الْمَطْلُوب مِنْهُ إِيقَاعه بِعَيْنِه كالصلوات الْخمس فمعين وَإِلَّا فمخير بَين إِفْرَاده كخصال الْكَفَّارَة ثمَّ لَهُ تَقْسِيم آخر بِاعْتِبَار إِيقَاع الْفِعْل هُوَ المفاد بقوله ... وَمُطلق والغير فِي تحبير ...

التحبير مصدره حبره تحبيرا إِذا حسنه
فَالْوَاجِب انقسم إِلَى مُطلق وَهُوَ مَا لم يعين وقته كالنذر الْمُطلق وَقَضَاء صَوْم رَمَضَان وَإِلَى معِين وقته وَذَلِكَ كالصلوات الْخمس وَالْحج وَالصِّيَام وَقَوله ... مُؤَقّت مضيق أَو وسعا ...

(1/37)


بدل من الْغَيْر أَو بَيَان لَهُ أُتِي بِهِ لبَيَان المُرَاد بِالْغَيْر أَي غير الْمُطلق وَإِدْخَال آلَة التَّعْرِيف عَلَيْهِ شَائِع فِي عِبَارَات الْعلمَاء غير وَارِد فِي كَلَام الْعَرَب أَي وَالْوَاجِب الْمُؤَقت يَنْقَسِم أَيْضا إِلَى مضيق وقته وموسع فَالْأول هُوَ مَا لَا يَتَّسِع الْوَقْت الْمُقدر لَهُ شرعا إِلَّا لفعل الْوَاجِب وَذَلِكَ مثل الصّيام وَالثَّانِي وَهُوَ مَا يزِيد وقته على فعل الْوَاجِب وَذَلِكَ كالصلوات الْخمس وَهَذَا هُوَ الَّذِي أفيد بقوله مضيق اَوْ وسعا فمضيق مجرور صفة لمؤقت وَقد يعبر عَنهُ بِالْوَاجِبِ الموسع وَالْوَاجِب الْمضيق على سَبِيل الْمجَاز وَإِنَّمَا الْمضيق والموسع صفة للْوَقْت وَلما فرغ من تَقْسِيم الْوَاجِب بِتِلْكَ الاعتبارات أَخذ فِي بَيَان ترادف بعض الْأَلْفَاظ عِنْد بعض أهل الْأُصُول فَقَالَ
وَالْمُسْتَحب رادف التطوعا
ورادف الْمَنْدُوب الْمسنون ... أخص من كليهمَا يكون
هَا هُنَا أَلْفَاظ حكمُوا عَلَيْهَا بالترادف فَقَالُوا الْمَنْدُوب وَالْمُسْتَحب والتطوع مترادفة معنى كل مِنْهُمَا معنى الآخر فَهِيَ مَا يسْتَحق الثَّوَاب بِفِعْلِهَا وَلَا عِقَاب فِي تَركهَا وَقَوله والمسنون مُبْتَدأ خَبره أخص من كليهمَا فَإِنَّهُم

(1/38)


رسموه بِمَا أَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وواظب عَلَيْهِ فزادوا فِيهِ قيد الْمُوَاظبَة وَأَرَادُوا بِمَا أَمر بِهِ أَمر ندب فَلَا يرد الْوَاجِب فَكل مسنون مَنْدُوب وَلَا عكس وَعبر عَن ذَلِك فِي الْغَايَة بقوله مَا أَمر بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام ندبا فَإِن واظب عَلَيْهِ فمسنون وَإِلَّا فمستحب وَفِي جمع الْجَوَامِع أَنه يرادف الْمَنْدُوب أَيْضا وَإِن الْكل مَعْنَاهُ الْفِعْل الْمَطْلُوب طلبا غير جازم وَنقل عَن القَاضِي حُسَيْن أَنه يَقُول فِي الْمسنون بِمثل كَلَام النَّاظِم وَأَنه أخص لأخذ الْمُوَاظبَة فِيهِ وَاعْلَم أَن التَّقْسِيم الَّذِي فِي الْوَاجِب يجْرِي فِي الْمَنْدُوب أَيْضا فَيُشبه فرض الْعين التَّوَجُّه فَإِنَّهُ مَشْرُوع فِي الصَّلَاة بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة وَلَا يسْقط بِفعل مُكَلّف آخر فَمن تَركهَا أَو بدلهَا فقد خَالف السّنة وَمثلهَا أَيْضا الْأَذْكَار الْمعينَة عقيب الصَّلَوَات وفيهَا ومندوب الْكِفَايَة كالسلام ابْتِدَاء من جمَاعَة والتشميت للعاطس مِنْهُم على قَول من لم ير وُجُوبه على كل من السامعين وَإِن كَانَ حَدِيث إِذا عطس أحدكُم فَحَمدَ الله كَانَ حَقًا على كل من سَمعه أَن يَقُول لَهُ يَرْحَمك الله أخرجه أَحْمد والشيخان وَأَبُو دَاوُد وَابْن حبَان يَقْتَضِي وجوب تشميت كل عاطس حَامِد على كل سامع والمعين كَسنة الْفجْر مثلا فالمطلوب إيقاعها بخصوصها والمخير كالقراءة ب {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} أَو الْآيَتَيْنِ من سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالْمُطلق كَصَلَاة النَّافِلَة من حَيْثُ هِيَ وَالذكر من حَيْثُ هُوَ والمؤقت كصيام الْبيض وَيكون مضيقا كَهَذا الصّيام وموسعا كرواتب الفراض ... هَذَا وَمَا وَافق أَمر الشَّارِع ... فَهُوَ الصَّحِيح أول التوابع ...

(1/39)


تقدّمت إِشَارَة إِلَى تَوَابِع الْأَحْكَام هَذَا أَولهَا وَهُوَ تَقْسِيم للْوَاجِب بِالنّظرِ إِلَى إِيقَاعه على وقف شُرُوطه وأسبابه الْمُعْتَبرَة شرعا أَعم من أَن تكون عبَادَة أَو مُعَاملَة فانقسم بِهَذَا الِاعْتِبَار إِلَى صَحِيح وباطل الأول الصَّحِيح وَهُوَ لُغَة السَّلِيم وَاصْطِلَاحا مَا أَفَادَهُ النّظم بِأَنَّهُ الْفِعْل الَّذِي وَافق أَمر الشَّارِع أَي مَا كملت فِيهِ الشُّرُوط الَّتِي اعتبرها الشَّارِع كالصلوات بشرائطها من الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة وَغَيرهمَا وَهَذَا رسمه بِاعْتِبَار الْعِبَادَة وَأما بِاعْتِبَار الْمُعَامَلَة فالصحة فِيهَا ترَتّب الْأَثر الْمَطْلُوب مِنْهَا عَلَيْهَا وَفِي جمع الْجَوَامِع أَن الصِّحَّة مُوَافقَة الْفِعْل ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْع وَقيل فِي الْعِبَادَة إِسْقَاط الْقَضَاء وَفِي الْعُقُود ترَتّب أَثَره عَلَيْهِ وَهُوَ مَا شرع العقد لَهُ كحل الِانْتِفَاع فِي البيع
وَاعْلَم أَنه خص فِي الأَصْل التوابع بِمَا ذكر مَعَ أَن تَقْسِيم الْوَاجِب الَّذِي تقدم آنِفا هُوَ من صِفَات الحكم فَلَو عد من التوابع لَكَانَ صَحِيحا وَهُوَ امْر سهل فَإِنَّهُ اصْطِلَاح وَالْقسم الثَّانِي الْبَاطِل أَفَادَهُ مَعَ الْفَاسِد قَوْله ... نقيضه الْبَاطِل أما الْفَاسِد ... فَقيل قد رادفه فواحد ...

الْبَاطِل لُغَة الذَّاهِب وَاصْطِلَاحا نقيض الصَّحِيح وَيجْرِي فِي الْعِبَادَات والمعاملات أَيْضا فَهُوَ فيهمَا عدم ترَتّب الْأَثر الْمَقْصُود من الْفِعْل عَلَيْهِ فَفِي الْعِبَادَة عدم مُوَافقَة أَمر الشَّارِع أَو عدم سُقُوط الْقَضَاء وَفِي الْمُعَامَلَة عدم حل الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ وَأما الْفَاسِد فَفِيهِ خلاف مِنْهُم من يَقُول إِنَّه مرادف للباطل فَمَعْنَاه مَعْنَاهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْله فواحد أَي فمعناهما وَاحِد وَمن لم يقل بترادفهما رسمه بقوله ... وَقَالَ فِي تَعْرِيفه من يَنْفِي ... مَا شرع الأَصْل بِدُونِ الْوَصْف ...

أَي أَنه عرفه من يَنْفِي الترادف بَينه وَبَين الْبَاطِل ويجعله قسما مُسْتقِلّا بِأَنَّهُ الْمَشْرُوع بِأَصْلِهِ الْمَمْنُوع بوصفه وَهُوَ قَول من يثبت الْوَاسِطَة بَين الْبَاطِل

(1/40)


وَالصَّحِيح إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن يعلم أَنهم متفقون فِي الْعِبَادَات سوى الْحَج أَنه لَا وَاسِطَة فِيهَا بل إِمَّا صَحِيحَة أَو بطالة وَالْحَاصِل أَن من فسر الْفَاسِد بِعَدَمِ ارْتِفَاع وجوب الْقَضَاء كَانَ كالباطل وَمن قَالَ إِنَّه الْمَشْرُوع بِأَصْلِهِ الْمَمْنُوع بوصفه كَانَ وَاسِطَة فَيَقُول فِي الْعِبَادَات مثلا صَوْم الْعِيدَيْنِ الصَّوْم مَشْرُوع بِأَصْلِهِ وَلَكِن الْوَصْف وَهُوَ كَونه فِي ذَلِك الْيَوْم مثلا مَنعه الشَّارِع وَفِي الْمُعَامَلَات كَبيع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ إِن البيع مَشْرُوع بِأَصْلِهِ وَلَكِن الْوَصْف وَهُوَ اشْتِمَال أحد الْجَانِبَيْنِ على الزِّيَادَة مَمْنُوع فَهُوَ عِنْده خلل يُوجب ترَتّب بعض الْآثَار فَالْبيع الْفَاسِد يُوجب جَوَاز الْفَسْخ وَعدم الْملك إِلَّا بِالْقَبْضِ بإلاذن وَالْقيمَة لَا الثّمن وَأما الْبَاطِل فَلَا يَتَرَتَّب على عقد البيع عَلَيْهِ شَيْء وَجعل الْفَاسِد وَاسِطَة هومذهب الهدوية وَالْحَنَفِيَّة وَأما النَّاصِر وَالشَّافِعِيَّة فهم قَائِلُونَ بالترادف وَعدم الْوَاسِطَة وَلَهُم فِي المطولات أَمْثِلَة لَا نطول بذكرها
تَنْبِيه لم يتَعَرَّض فِي الأَصْل للإجزاء وَهُوَ عِنْدهم كالصحة فرسمه رسمها إِلَّا أَنه يخْتَص بالعبادات وَاجِبَة كَانَت أَو مَنْدُوبَة وَقيل يخْتَص بِالْوَاجِبِ ومنشأ الْخلاف وُرُوده فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ فِي الْأَضَاحِي وَمن قَالَ إِنَّهَا سنة قَالَ تتصف بِهِ السّنة وَالْوَاجِب لحَدِيث لَا تجزىء صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ وَصَححهُ وَقيل لَا يخْتَص بالعبادات بل يجرى فِي الْمُعَامَلَات كرد الْوَدِيعَة فَإِنَّهُ إِذا حجر على الْمُودع مَا أودعهُ لم يجز الرَّد عَلَيْهِ بِخِلَاف إِذا لم يحْجر عَلَيْهِ ورد بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا تَسْلِيمهَا لمستحق التَّسْلِيم فَلَيْسَ رد الْوَدِيعَة يجْرِي على وَجْهَيْن مجز وَغير مجز

(1/41)


وَيُطلق الْجَائِز فِي الْمُبَاح
وممكن وَالْكل فِي اصْطِلَاح ... كَذَا على الْمَشْكُوك ثمَّ مَا اسْتَوَى
الْفِعْل وَالتّرْك بِهِ وَلَا سوى
هَذَا فِي ذكر الْجَائِز وَمَا يُطلق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُطلق على الْمُبَاح فكلمة فِي بِمَعْنى على مثل قَوْله تَعَالَى {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} فالنظم قد أَفَادَ أَنه يُطلق الْجَائِز على أَرْبَعَة أَشْيَاء
الأول مِمَّا يُطلق عَلَيْهِ الْمُبَاح الْمُعَرّف بِمَا تقدم من رسمه
الثَّانِي الْمُمكن وَهُوَ إِمَّا مَا لَا يمْتَنع شرعا أَي مَا لَا يحرم وَهُوَ شَامِل للأربعة الْأَحْكَام الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب والمباح وَالْمَكْرُوه وَأما مَا لَا يمْتَنع عقلا كَأَن يُقَال كَون جِبْرِيل فِي أَرض جَائِز أَي لَا مَانع مِنْهُ فِي الْعقل ومثلوا مَا لَا يمْتَنع شرعا كَأَن يُقَال الْأكل بالشمال جَائِز أَي لَا مَانع عَنهُ شرعا كَذَا مثلوه بِهِ وَفِيه نظر
الثَّالِث أَن يُطلق على مَا اسْتَوَى فعله وَتَركه عقلا كَفعل الصَّبِي وَكَذَلِكَ شرعا كالمباح
وَالرَّابِع الْمَشْكُوك فِيهِ وَهُوَ مَا تَعَارَضَت فِيهِ أَمَارَات الثُّبُوت والانتفاء أَمارَة تقضي ثُبُوته وَأُخْرَى تَقْتَضِي نَفْيه فِي الْعقل أَو الشَّرْع ومثلوه فِي الْعقل بِمن يتَوَقَّف فِي أصل الْأَشْيَاء هَل على الْحَظْر أَو الْإِبَاحَة فَإِنَّهُ يَقُول بِأَنَّهُ جَائِز الْأَمريْنِ أَي الْحَظْر وَعَدَمه لِاسْتِوَائِهِمَا عِنْد تعَارض دليليهما وَفِي الشَّرْع كمن يتَوَقَّف فِي لحم الأرنب وَوُجُوب صَلَاة الْعِيدَيْنِ لتعارض أمارتي الْأَمريْنِ فيوصف بِأَنَّهُ جَائِز بِهَذَيْنِ الاعتبارين فَهَذِهِ الْأَرْبَعَة الْمعَانِي الَّتِي أفادها النّظم
وللجائز أَرْبَعَة معَان بِاعْتِبَار الْمَشْكُوك فِيهِ استوفاها فِي الفواصل فَلَا نطيل بذكرها لعدم مساس الْحَاجة إِلَيْهَا ثمَّ من تَوَابِع الحكم بِاعْتِبَار إِيقَاع الْفِعْل وَهُوَ يخْتَص بالعبادات مَا تضمنه قَوْلنَا

(1/42)


.. وَمَا أَتَى فِي وقته مِنْك ابتدا ... مُقَدرا شرعا لَهُ فَهُوَ الأدا ...

اعْلَم أَن الْعِبَادَة إِمَّا أَن يكون لَهَا وَقت معِين أَو لَا الثَّانِي لَا يُوصف بأَدَاء وَلَا قَضَاء وَلَا إِعَادَة كالنوافل الْمُطلقَة والأذكار الَّتِي لم توقت وَالْأول وَهُوَ مَا لَهُ وَقت معِين إِمَّا أَن يكون وقته الْمعِين مَحْدُود الطَّرفَيْنِ أَو لَا الثَّانِي يُوصف بِالْأَدَاءِ لَا غير كَالْحَجِّ وَلَا يُوصف بِالْقضَاءِ إِلَّا مجَازًا لأجل المشابهة للمقضي فِي الِاسْتِدْرَاك كَمَا قيل وَالْأول يُوصف بِالثَّلَاثَةِ
إِذا عرفت هَذَا فالأداء قد رسمه النَّاظِم بِمَا سمعته فَقَوله مُقَدرا حَال من وقته أَي الْفِعْل الَّذِي أَتَى مِنْك فِي وقته الْمُقدر لَهُ ابْتِدَاء هُوَ الاداء وَحمل الْأَدَاء على قَوْله مَا أَتَى صَحِيح لِأَن الْمصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول قيل وَقد صَار إِطْلَاقه عَلَيْهِ هُنَا حَقِيقَة عرفيه وَابْتِدَاء مَنْصُوب بمقدر الْمَذْكُور أَي فعل فِي وقته الْمُقدر لَهُ ابْتِدَاء فَخرج بقوله فِي وقته النَّوَافِل الْمُطلقَة وَبِقَوْلِهِ الْمُقدر لَهُ ابْتِدَاء الْقَضَاء كَصَلَاة الظّهْر مثلا فَإِن وَقتهَا الأول هُوَ الْأَدَاء وَالثَّانِي وَقت ذكرهَا إِذا نَسِيَهَا أَو نَام عَنْهَا فَإِذا أوقعهَا فِيهِ فَلَيْسَتْ بأَدَاء قلت وَلَك أَن تَقول ابْتِدَاء مَنْصُوب بأتى فَلَا تخرج عَن الْأَدَاء فَإِنَّهُ فعلهَا ابْتِدَاء عِنْد ذكرهَا فِي وَقتهَا وَقد قَالَ الشَّارِع إِنَّه لَا وَقت لَهَا إِلَّا ذَلِك فَهُوَ من قسم الْأَدَاء وَلم يفعل ثَانِيًا
وَقَوله شرعا يخرج مَا إِذا عين الْمُكَلف للْقَضَاء الموسع وقتا وَكَذَا الزَّكَاة إِذا عين الإِمَام لقبضها شهرا فَهُوَ عرفي لَا شَرْعِي وعَلى هَذَا التَّقْدِير فالإعادة من قسم الْأَدَاء وَهُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْعَضُد وَتَبعهُ الْجلَال فِي شرح الْفُصُول وَهَذَا على تَقْدِير تعلق ابْتِدَاء بمقدر وَقيل إِنَّه يتَعَلَّق بأتى أَي وَمَا أَتَى مِنْك

(1/43)


ابْتِدَاء فَتخرج الْإِعَادَة وَقَوله فِي وقته مُقَدرا تخرج النَّوَافِل الْمُطلقَة وعَلى هَذَا بنى الشَّيْخ لطف الله فِي شرح الْفُصُول وَعَلِيهِ اعْتمد صَاحب الْغَايَة فِيهِ
وَاعْلَم أَن ظَاهر الرَّسْم خُرُوج صَلَاة أدْرك مِنْهَا فاعلها رَكْعَة فِي وَقتهَا ثمَّ خرج الْوَقْت وأتى بباقيها خَارِجَة وَحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة يقْضِي بِأَنَّهَا أَدَاء وَلِهَذَا عرف الْأَدَاء فِي جمع الْجَوَامِع بقوله وَالْأَدَاء فعل بعض وَقيل كل مَا دخل وقته قبل خُرُوجه وَإِذا عرفت مِمَّا ذَكرْنَاهُ آنِفا أَن هُنَاكَ ثَلَاث صِفَات للْفِعْل فقد قدمنَا رسم الأول مِنْهَا وَهُوَ الاداء ورسم الآخرين أَفَادَهُ قَوْلنَا
وَمَا فعلت بعده استدراكا
لواجب مطلقه عراكا ... فَهُوَ القضا فِي الشَّرْع للعباده
فَهَذَا هُوَ ثَانِي الثَّلَاثَة وَهُوَ الْقَضَاء وَضمير بعده عَائِد إِلَى الْوَقْت أَي مَا فعلته بعد وَقت الاداء استدراكا إِلَى آخِره وَقيد مُطلقًا فِي قَوْله مطلقه أَي مُطلق الْوُجُوب ليُوَافق قَوْله فِي الأَصْل استدراكا لما سبق لَهُ وجوب مُطلقًا قَالَ شَارِحه وَقَوله مُطلقًا قيد للوجب أَي سَوَاء كَانَ على القَاضِي أَو على غَيره فَيدْخل فِي ذَلِك قَضَاء الْحَائِض للصَّوْم لِأَنَّهُ وَإِن لم يسْبق لَهُ وجوب عَلَيْهَا فقد سبق على غَيرهَا وَحكى ابْن الْحَاجِب أَن بعض الْأُصُولِيِّينَ فِي حَده للْقَضَاء يحذف مُطلقًا فَعَلَيهِ لَا يُسمى صَوْم الْحَائِض قَضَاء وعَلى الأول يُسمى قَضَاء

(1/44)


وَقد ثَبت حَدِيث عَائِشَة كُنَّا نؤمر بِقَضَاء الصَّوْم لَا الصَّلَاة وَالْمرَاد بِهِ الْأَدَاء وَهُوَ مَعْنَاهُ لُغَة وَالْخلاف لَفْظِي لِأَن حَالَة الْعذر يجب عَلَيْهَا ترك الصَّوْم وَحَالَة عَدمه يجب عَلَيْهِ الْإِتْيَان بِهِ اتِّفَاقًا وَعرفت أَنه خرج بقوله بعد الْأَدَاء والإعادة وَبِقَوْلِهِ استدراكا الصَّلَاة المؤداة خَارج الْوَقْت قَضَاء ثمَّ أَعَادَهَا بِجَمَاعَة على القَوْل بِأَنَّهَا تكون أَي الأولى نَافِلَة
فَإِن قلت من مَاتَ فحج عَنهُ يكون من الْأَدَاء أَو الْقَضَاء قلت قد جعلُوا الْحَج من الْمُؤَقت وَوَقته الْعُمر فَمَا فعل بعده كَانَ قَضَاء وَأما من فسد حجه فَأتى بِهِ صَحِيحا فَلَا يُسمى قَضَاء إِلَّا مجَازًا كَمَا يُطلق عَلَيْهِ الْفُقَهَاء
وَاعْلَم أَن لفظ النُّسْخَة من النّظم الأولى الَّتِي شرحها مؤلف الفواصل رَحمَه الله كَانَت بِلَفْظ السَّابِق وُجُوبه علاكا بِحَذْف قيد الْإِطْلَاق فَخرج مِنْهَا صَوْم الْحَائِض عَن أَن يُسمى قَضَاء وَهُوَ قَول بعض الْأُصُولِيِّينَ إِلَّا أَنا حولنا إِلَى مَا هُنَا ليُوَافق الأَصْل فَإِنَّهُ قيد بِالْإِطْلَاقِ لإدخال ذَلِك وَأما السَّبق فَإِنَّهُ وَإِن فَاتَ فِي الَّذِي عوضناه فَقَوله بعده يُغني عَن ذَلِك وَقيد استدراكا قيل لَا حَاجَة إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من مَفْهُوم الْقَضَاء وَإِن كَانَ عرضا لِأَن الْعرض للشَّيْء خَارج عَن ذَاته
وَالثَّالِث وَهُوَ الْإِعَادَة أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلنَا
وَخذ هديت الرَّسْم للإعادة
بِمَا فعلت ثَانِيًا وَقت الأدا ... لخلل فِيمَا أَتَى فِي الإبتدا
الْإِعَادَة هِيَ مَا فعل ثَانِيًا فِي وَقت الْأَدَاء لخلل فِي الْفِعْل الأول فَقَوله ثَانِيًا يخرج الْأَدَاء وَقَوله وَقت الْأَدَاء يخرج الْقَضَاء وَقَوله خلل فِي الأول أَي من فَوَات ركن أَو شَرط يخرج مَا لَيْسَ كَذَلِك كالمنفرد إِذا صلى ثَانِيَة مَعَ

(1/45)


الْجَمَاعَة يَعْنِي فَلَا تسمى إِعَادَة وَبَعْضهمْ رسم الْإِعَادَة بِمَا فعل ثَانِيًا فِي وقته لعذر من خلل أَو نُقْصَان فَضِيلَة وَهُوَ أَعم من الأول لشُمُوله إِعَادَة الْمُنْفَرد مَعَ الْجَمَاعَة وَلَا يخفى أَن هَذَا إِنَّمَا يتمشى على رَأْي من يَجْعَل الْفَرِيضَة هِيَ الْفِعْل الثَّانِي وعَلى صِحَة الرَّفْض شرعا وتجدد الطّلب بعده وَذَلِكَ مِمَّا لَا دَلِيل عَلَيْهِ كَمَا بَيناهُ فِي حَوَاشِي ضوء النَّهَار وَغَيره هَذَا وللحكم تَقْسِيم آخر بِاعْتِبَار وَصفه بِالرُّخْصَةِ والعزيمة أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلنَا
والرسم للرخصة والعزيمة
مَا شرعت وَمَا اقْتضى تَحْرِيمه ... بَاقٍ لعذر فَهُوَ رسم الأولى
وعكسها قرينها فِي الإملا
هَذَا بَيَان الْعَزِيمَة والرخصة فالعزيمة لُغَة الْقَصْد الْمُؤَكّد وَمِنْه عزمت على فعل كَذَا والرخصة لُغَة التَّيْسِير والتسهيل وَمِنْه رخص السّعر إِذا تيَسّر وتسهل وَهَذَا تَقْسِيم للْحكم بِاعْتِبَار مشروعيته فإمَّا أَن يشرع لعذر مَعَ بَقَاء مُقْتَضى التَّحْرِيم لولاه أَو لَا الأول الرُّخْصَة وَالثَّانِي الْعَزِيمَة فرسم الرُّخْصَة قَوْله مَا شرعت فَمَا الموصولة مُبْتَدأ وَقَوله فَهُوَ رسم الأولى خَبره وَقَوله مَا شرعت أَي مَا شرع الله للمكلف فعله كَأَكْل الْميتَة أَو تَركه كَتَرْكِ الصَّوْم وَهَذَا جنس الْحَد وَقَوله وَمَا اقْتضى تَحْرِيمه بَاقٍ فصل ثَان يخرج مَا نسخ تَحْرِيمه أَي شرعت وَدَلِيل التَّحْرِيم بَاقٍ وَقَوله وَمَا اقْتضى تَحْرِيمه مَا مَوْصُولَة وَاقْتضى صلتها وفاعله ضمير للموصول وتحريمه مفعول وباق خبر الْمَوْصُول أَي مَا شرعت وَالدَّلِيل الْمُقْتَضِي لتحريمه بَاقٍ وَهَذَا الْقَيْد يخرج بِهِ مَا نسخ من الْأَحْكَام لعذر كوجوب ثبات الْوَاحِد للعشرة
وَقَوله لعذر فصل أول وَالْمرَاد بِهِ أَمر طارىء فِي حق الْمُكَلف فَخرج

(1/46)


الحكم ابْتِدَاء وَمِنْه وجوب الْإِطْعَام فِي كَفَّارَة الظِّهَار عِنْد فقد الرَّقَبَة لِأَنَّهُ الْوَاجِب ابْتِدَاء على فَاقِد الرَّقَبَة كَمَا أَن الْإِعْتَاق هُوَ الْوَاجِب ابْتِدَاء على واجدها وَاعْلَم أَنه قد زَاد فِي مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي الرَّسْم لفظ لَوْلَا الْعذر وحذفها فِي الأَصْل الَّذِي نظمناه وحذفه فِي جمع الجوافع أَيْضا وَوجه حذفه أَنه قد تمّ الرَّسْم من دون ذكره وَوجه ذكره مِمَّن ذكره رفع إِيهَام اجْتِمَاع الضدين فِي حَالَة وَاحِدَة وَهُوَ بَقَاء مُقْتَضى التَّحْرِيم ومشروعيته للْعُذْر وَلَا خَفَاء أَن دفع الْإِيهَام لَيْسَ من وَظِيفَة الرَّسْم هَذَا
وَقد قسموا الرُّخْصَة إِلَى وَاجِبَة كَأَكْل الْميتَة للْمُضْطَر ومندوب ومباح ومكروه وبيانها وأمثلتها فِي المطولات إِلَّا أَن ظَاهر عبارَة النّظم وَالْأَصْل أَنَّهَا لَا تجْرِي إِلَّا فِي الْوَاجِب وَالْمحرم وَقد زَاد فِي الْفُصُول مَعَ بَقَاء الْمحرم أَو الْمُوجب ثمَّ لَا يخفى أَن رسم الرُّخْصَة بِمَا شرع إِلَى آخِره هُوَ الْوَاقِع فِي غَالب كتب الْأُصُول وَفِيه تسَامح لَا يخفى لِأَن الَّذِي شرع هُوَ الْفِعْل لَا الرُّخْصَة فَإِنَّهَا رفع التَّحْرِيم أَو الْكَرَاهَة عَن نَحْو أكل الْميتَة لعذر الْجُوع وَأما الْعَزِيمَة فقد أَفَادَ رسمها بقوله

(1/47)


وعكسها قرينها فِي الإملا
فَهِيَ مَا شرعت لَا لعذر مَعَ بَقَاء
مُقْتَضى التَّحْرِيم هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهر الْعَكْس وَإِلَى هُنَا انْتهى الْكَلَام فِي الحكم التكليفي وتوابعه وَلما أهمل مُصَنف الأَصْل الحكم الوضعي مَعَ عُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ زَاده النَّاظِم بقوله
وهما هُنَا زِيَادَة فِي الحكم
أهملها فِي أصل هَذَا النّظم ... قد قسموا الحكم إِلَى تَكْلِيف
وَهُوَ الَّذِي قد مر فِي تأليف ... ثمَّ إِلَى الوضعي وَهُوَ الْمَانِع
وَالشّرط والأسباب هَذَا جَامع
أَي جَامع لأقسامها وَهِي ثَلَاثَة الأول الشَّرْط أَشَارَ إِلَى تَعْرِيفه بقوله
فَإِن يُؤثر عَدمه فِي الْعَدَم
الأول بِسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَالثَّانِي بتحريكها مَفْتُوحَة
فَالشَّرْط أَو وجوده فلتعلم
قَوْله فَالشَّرْط جَزَاء قَوْله فَإِن يُؤثر أَي حَقِيقَة الشَّرْط ان يُؤثر عَدمه فِي عدم الْمَشْرُوط وَلَا يلْزم من وجوده وجود الحكم ومثلوه بالحلول فِي وجوب الزَّكَاة وَقَوله أَو وجوده عطف على قَوْله عَدمه أَي وَإِن أثر وجوده وَجَوَابه مَا يَأْتِي فِي قَوْله
بِأَنَّهُ إِن أثر الْعَدَم فقد
سموهُ بالمانع ثمَّ مَا ورد

(1/48)


فَهُوَ الثَّانِي وَهُوَ الْمَانِع ورسموه بِأَنَّهُ مَا أثر وجوده عدم الحكم وَذَلِكَ كالأبوة فِي منع الْقصاص وَقَوله ... مؤثرا وجوده الوجودا ... وَعَدَمه فِي عدم فقودا ...

يُرِيد فقودا مصدر فقدت الشَّيْء فقودا نَحْو قعدت قعُودا مؤثرا حَال من فَاعل ورد أَي وَالَّذِي ورد من المعرفات وَهِي الْأَحْكَام الوضعية مؤثرا وجوده وجود الحكم عَدمه الحكم فعدمه عطف على قَوْله وجوده أَي ومؤثرا عَدمه عدم الحكم وفقودا مفعول مؤثرا الْمُقدر أَي مؤثرا فِي عدم الحكم فقوده وَقَوله ... فالسبب الْمَعْرُوف كالزوال ... لواجب الظّهْر بِلَا مقَال ...

خبر لقَوْله مَا ورد فَهَذَا هُوَ ثالت الْأَحْكَام الوضعية وَهُوَ السَّبَب فَتحصل من هَذَا ان مَا أثر عَدمه عدم الحكم فَهُوَ الشَّرْط وَمَا أثر وجوده عدم الحكم فَهُوَ الْمَانِع وَمَا أثر وجوده وجودا لحكم وَعَدَمه عَدمه فهوالسبب فَهَذِهِ الثَّلَاثَة هِيَ الْأَحْكَام الوضعية وَهِي مُقَابلَة للخمسة التكليفية وَمن قَالَ بإدراجها فِيهَا فقد تكلّف وَلَا غنى لطَالب هَذَا الْفَنّ من مَعْرفَتهَا تَفْصِيلًا
فأولها على تَرْتِيب ذكرهَا فِي النّظم الشَّرْط وَهُوَ يُطلق على انواع المُرَاد مِنْهَا هُنَا مَا يُؤثر عَدمه فِي عدم الحكم الْمَشْرُوط ومثلوه بالحول لوُجُوب الزَّكَاة وبالطهارة فِي صِحَة الصَّلَاة وَإِن كَانَ قد نُوقِشَ فِي هَذَا الْمِثَال الآخر وَيُطلق على الشَّرْط اللّغَوِيّ وَهُوَ مَا علق بِأحد حُرُوف الشَّرْط وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي فِي بَاب التَّخْصِيص وَيُطلق على جعل الشَّيْء شرطا لشَيْء آخر كَشِرَاء الدَّابَّة بِشَرْط كَونهَا حَامِلا وَهُوَ من أبحاث علم الْفُرُوع وَالْمرَاد هُنَا الأول الَّذِي رسموه بِمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ ويعبرون عَنهُ فِي رسمه بِأَنَّهُ وصف ظَاهر منضبط يلْزم من عَدمه الْعَدَم وَلَا يلْزم من وجوده وجود وَلَا عدم لذاته واقتصرنا فِي النّظم على

(1/49)


الْقَيْد الَّذِي يتَحَقَّق بِهِ كَونه شرطا وَهُوَ عدم الحكم الْمَشْرُوط بِهِ لعدمه لِأَنَّهُ كَاف فِي تَمْيِيزه عَن أَخَوَيْهِ وهما السَّبَب وَالْمَانِع ولعلماء الْأُصُول فِي الشَّرْط تَفْصِيل وأمثلة فِي إيرادها تَطْوِيل
وَالثَّانِي الْمَانِع الْمشَار إِلَيْهِ بِأَنَّهُ مَا أثر وجوده الْعَدَم فَإِنَّهُم رسموه أَيْضا فِي الْأُصُول بقَوْلهمْ إِنَّه وصف ظَاهر منضبط يلْزم من وجوده عدم الحكم وَقد قسموه إِلَى مَانع الحكم ومانع سَبَب الحكم ومانع السَّبَب تقدم مِثَاله بالأبوة فِي مَانع الْقصاص وَمنعه هُنَا لحكمة وَهِي أَن الْأَب سَبَب لوُجُود الابْن

(1/50)


فَلَا يكون الابْن سَببا فِي عدم أَبِيه وَلَهُم هُنَا تَطْوِيل وَذكر أَمْثِلَة إِذا عرفت الْقَاعِدَة عرفت
الثَّالِث السَّبَب وَقد رسموه أَيْضا بِأَنَّهُ وصف ظَاهر منضبط يلْزم من وجوده الْوُجُود وَمن عَدمه الْعَدَم ومثلوه بالزوال لوُجُوب صَلَاة الظّهْر كَمَا أَشَرنَا إِلَى ذَلِك كُله فَهَذَا بَيَان لما ذكره مِمَّا أهمله صَاحب الأَصْل وَفِي هَذِه الثَّلَاثَة الْأَحْكَام الوضعية تفاصيل وإيرادات فِي بَيَان الفروق بَينهَا قد أَتَى بهَا فِي الفواصل وَنقل أَقْوَال الْعلمَاء فِي ذَلِك مِمَّا لَا يَخْلُو عَن تَطْوِيل وَلَا يصفو عَن كدر فَلَا يرْوى الغليل وَفِيمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ مَا يَكْفِي أهل التَّحْصِيل
فقد تحصل أَن الْأَحْكَام ثَمَانِيَة خَمْسَة تكليفية وَثَلَاثَة وضعية وتوابع الأولى الْأَدَاء والإعادة وَالْقَضَاء والرخصة والعزيمة وَالصِّحَّة والبطلان فَهَذِهِ الْمعَانِي المبحوث عَنْهَا فِيمَا سلف خَمْسَة عشر وَأما الْفَاسِد فَالْحق أَنه الْبَاطِل وَلَيْسَ قسما بِرَأْسِهِ

(1/51)