أصول السرخسي فصل فِي بَيَان تَقْسِيم الْعَلامَة
الْعَلامَة أَنْوَاع أَرْبَعَة عَلامَة هِيَ دلَالَة الْوُجُود
فِيمَا كَانَ مَوْجُودا قبله
وَمِنْه علم الثَّوْب وَمِنْه علم الْعَسْكَر وَهَذَا حد
الْعَلامَة الْمَحْضَة
وعلامة هِيَ بِمَعْنى الشَّرْط وَذَلِكَ الْإِحْصَان فِي حكم
الرَّجْم كَمَا بَينا
وعلامة هِيَ عِلّة فقد بَينا أَن الْعِلَل الشَّرْعِيَّة
بِمَنْزِلَة العلامات للْأَحْكَام فَإِنَّهَا غير مُوجبَة
بذواتها شَيْئا بل بِجعْل الشَّرْع إِيَّاهَا مُوجبَة وعلامة
تَسْمِيَة ومجازا وَهِي علل الْحَقَائِق الْمُعْتَبرَة بذواتها
على مَا نبينها فِي موضعهَا
وَقد جعل الشَّافِعِي عجز الْقَاذِف عَن إِقَامَة أَرْبَعَة من
الشُّهَدَاء عَلامَة لبُطْلَان شَهَادَة الْقَاذِف لَا شرطا
حَتَّى قَالَ الْقَذْف مُبْطل شَهَادَته قبل ظُهُور عَجزه عَن
إِقَامَة الشُّهُود ثمَّ ظُهُور الْعَجز يعرف لنا هَذَا الحكم
فَكَانَ عَلامَة بِخِلَاف الْجلد فَإِنَّهُ فعل يُقَام على
الْقَاذِف فَكَانَ الْعَجز فِيهِ شرطا لِأَن إِقَامَة الْحَد
يصير مُضَافا إِلَيْهِ وجودا عِنْده فَأَما سُقُوط شَهَادَته
أَمر حكمي فَيثبت بِنَفس الْقَذْف لِأَنَّهُ كَبِيرَة لما
فِيهِ من إِشَاعَة الْفَاحِشَة وهتك ستر الْعِفَّة على
الْمُسلم فَالْأَصْل فِي النَّاس هُوَ الْعِفَّة عَن الزِّنَا
والتمسك بِالْأَصْلِ وَاجِب حَتَّى يتَبَيَّن خِلَافه
وَبِاعْتِبَار هَذَا الأَصْل كَانَ الْقَذْف كَبِيرَة فَيكون
بِمَنْزِلَة سَائِر الْكَبَائِر فِي ثُبُوت سمة الْفسق
وَسُقُوط الشَّهَادَة بِنَفسِهَا
وَلَكنَّا نقُول الْعَجز عَن إِقَامَة أَرْبَعَة من
الشُّهَدَاء شَرط لإِقَامَة الْجلد ولإبطال شَهَادَة الْقَاذِف
وَالْحكم الْمُعَلق بِالشّرطِ لَا يكون ثَابتا قبل وجود
الشَّرْط وَهَذَا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فعل خُوطِبَ
الإِمَام بإقامته على الْقَاذِف وَأَحَدهمَا مَعْطُوف على
الآخر كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة
وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} ثمَّ هَذَا الْعَجز
الَّذِي هُوَ شَرط يثبت بِمَا ثَبت بِهِ الْعَجز عَن دفع
سَائِر الْحجَج فِي إِلْزَام الحكم بهَا وَذَلِكَ بِأَن يمهله
على قدر مَا يرى إِلَى آخر الْمجْلس أَو إِلَى الْمجْلس
الثَّانِي وَالَّذِي قَالَ الْقَذْف كَبِيرَة قُلْنَا هَذِه
الصّفة للقذف غير ثَابت بِنَفسِهِ مُسْتَحقّا شرعا بِدَلِيل
أَنه يتَمَكَّن من إثْبَاته بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ فِي نَفسه
خبر متميل بَين الصدْق
(2/331)
وَالْكذب وَقد يتَعَيَّن فِيهِ معنى
الْحِسْبَة إِذا كَانَ الزَّانِي مصرا غير تائب وللقاذف شُهُود
يشْهدُونَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا ليقام عَلَيْهِ الْحَد وَكَيف
يكون نفس الْقَذْف كَبِيرَة وَقد تتمّ بِهِ الْحجَّة مُوجبا
للرجم فَإِن الشُّهُود على الزِّنَا قذفة فِي الْحَقِيقَة ثمَّ
كَانَت شَهَادَتهم حجَّة لإِيجَاب الرَّجْم فَعرفنَا أَن مَا
ادَّعَاهُ الْخصم من الْمَعْنى الَّذِي يَجْعَل بِهِ نفس
الْقَذْف مسْقطًا للشَّهَادَة بحث لَا يُمكن تحقيقة
وَبَعْدَمَا ظهر عَجزه عَن إِقَامَة الشُّهُود إِنَّمَا تسْقط
شَهَادَته بِسَبَب ظُهُور عَجزه وَهُوَ من حَيْثُ الظَّاهِر
حَتَّى إِن بعد إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ وَبطلَان شَهَادَته
لَو أَقَامَ أَرْبَعَة من الشُّهَدَاء على زنا الْمَقْذُوف
فَإِن الشَّهَادَة تكون مَقْبُولَة حَتَّى يُقَام الْحَد على
الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَيصير الْقَاذِف مَقْبُول الشَّهَادَة
إِن لم يتقادم الْعَهْد وَإِن تقادم الْعَهْد يصير مَقْبُول
الشَّهَادَة أَيْضا وَإِن كَانَ لَا يُقَام الْحَد على
الْمَشْهُود عَلَيْهِ
أورد ذَلِك فِي الْمُنْتَقى رِوَايَة عَن أبي يُوسُف أَو
مُحَمَّد هَذَا قَول أَحدهمَا وَفِي قَول الآخر لَا تقبل
الشَّهَادَة بعد إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ لِأَن إِقَامَة
الْحَد على الْقَاذِف حكم يكذب الشُّهُود فِي شَهَادَتهم على
الْمَقْذُوف بِالزِّنَا وكل شَهَادَة جرى الحكم بتعين جِهَة
الْكَذِب فِيهَا لَا تكون مَقْبُولَة أصلا كالفاسق إِذا شهد
فِي حَادِثَة فَردَّتْ شَهَادَته ثمَّ أَعَادَهَا بعد
التَّوْبَة وَالله المجزي لمن اتَّقى وَأحسن
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب أَهْلِيَّة
الْآدَمِيّ لوُجُوب الْحُقُوق لَهُ وَعَلِيهِ وَفِي
الْأَمَانَة الَّتِي حملهَا الْإِنْسَان - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ رَضِي الله عَنهُ فَهَذِهِ
الْأَهْلِيَّة نَوْعَانِ أَهْلِيَّة الْوُجُوب وأهلية
الْأَدَاء فَأَما أَهْلِيَّة الْوُجُوب وَإِن كَانَ يدْخل فِي
فروعها تَقْسِيم فأصلها وَاحِد وَهُوَ الصلاحية لحكم الْوُجُوب
فَمن كَانَ فِيهِ هَذِه الصلاحية كَانَ أَهلا للْوُجُوب
عَلَيْهِ وَمن لَا فَلَا
وأهلية الْأَدَاء نَوْعَانِ كَامِل وقاصر
(2/332)
فالكامل مَا يلْحق بِهِ الْعهْدَة والتبعية
والقاصر مَا لَا يلْحق بِهِ ذَلِك
فنبدأ بِبَيَان أَهْلِيَّة الْوُجُوب
فَنَقُول أصل هَذِه الْأَهْلِيَّة لَا يكون إِلَّا بعد ذمَّة
صَالِحَة لكَونهَا محلا للْوُجُوب فَإِن الْمحل هُوَ الذِّمَّة
وَلِهَذَا يُضَاف إِلَيْهَا وَلَا يُضَاف إِلَى غَيرهَا بِحَال
وَلِهَذَا اخْتصَّ بِهِ الْآدَمِيّ دون سَائِر الْحَيَوَانَات
الَّتِي لَيست لَهَا ذمَّة صَالِحَة
ثمَّ الذِّمَّة فِي اللُّغَة هُوَ الْعَهْد قَالَ تَعَالَى
{لَا يرقبون فِي مُؤمن إِلَّا وَلَا ذمَّة} وَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَام وَإِن أرادوكم أَن تعطوهم ذمَّة الله فَلَا تعطوهم
وَمِنْه يُقَال أهل الذِّمَّة للمعاهدين وَالْمرَاد بِهَذَا
الْعَهْد مَا أَشَارَ الله تَعَالَى فِي قَوْله {وَإِذ أَخذ
رَبك من بني آدم} والجنين مَا دَامَ مجننا فِي الْبَطن لَيست
لَهُ ذمَّة صَالِحَة لكَونه فِي حكم جُزْء من الْأُم وَلكنه
مُنْفَرد بِالْحَيَاةِ معد ليَكُون نفسا لَهُ ذمَّة فباعتبار
هَذَا الْوَجْه يكون أَهلا لوُجُوب الْحق لَهُ من عتق أَو
إِرْث أَو نسب أَو وَصِيَّة ولاعتبار الْوَجْه الأول لَا يكون
أَهلا لوُجُوب الْحق عَلَيْهِ فَأَما بَعْدَمَا يُولد فَلهُ
ذمَّة صَالِحَة وَلِهَذَا لَو انْقَلب على مَال إِنْسَان
فأتلفه كَانَ ضَامِنا لَهُ وَيلْزمهُ مهر امْرَأَته بِعقد
الْوَلِيّ عَلَيْهِ وَهَذِه حُقُوق تثبت شرعا
ثمَّ بعد هَذَا زعم بعض مَشَايِخنَا أَن بِاعْتِبَار صَلَاحِية
الذِّمَّة يثبت وجوب حُقُوق الله تَعَالَى فِي حَقه من حِين
يُولد
وَإِنَّمَا يسْقط مَا يسْقط بعد ذَلِك بِعُذْر الضَّمَان لدفع
الْحَرج
قَالَ لِأَن الْوُجُوب بِأَسْبَاب هِيَ الْوُجُوب شرعا وَقد
تقدم بَيَانهَا وَتلك الْأَسْبَاب متقررة فِي حَقه وَالْمحل
صَالح للْوُجُوب فِيهِ فَيثبت الْوُجُوب بِاعْتِبَار السَّبَب
وَالْمحل وَهَذَا لِأَن الْوُجُوب خبر لَيْسَ للْعَبد فِيهِ
اخْتِيَار حَتَّى يعْتَبر فِيهِ عقله وتمييزه بل هُوَ ثَابت
عِنْد وجود السَّبَب علينا شرعا شِئْنَا أَو أَبينَا قَالَ
تَعَالَى {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه}
وَالْمرَاد بالعنق الذِّمَّة وَإِنَّمَا يعْتَبر تَمْيِيزه أَو
تمكنه من الْأَدَاء فِي وجوب الْأَدَاء وَذَلِكَ حكم وَرَاء
أصل الْوُجُوب أَلا ترى أَن النَّائِم والمغمى عَلَيْهِ يثبت
حكم وجوب الصَّلَاة فِي حَقّهمَا بِوُجُود النّسَب مَعَ عدم
التَّمْيِيز والتمكن من الْأَدَاء للْحَال ثمَّ يتَأَخَّر وجوب
الْأَدَاء إِلَى الانتباه والإفاقة وَهَذَا
(2/333)
لِأَن الله تَعَالَى لما خلق الْإِنْسَان
لحمل أَمَانَته أكْرمه بِالْعقلِ والذمة ليَكُون بهَا أَهلا
لوُجُوب حُقُوق الله تَعَالَى عَلَيْهِ ثمَّ أثبت لَهُ
الْعِصْمَة وَالْحريَّة والمالكية ليبقى فيتمكن من أَدَاء مَا
حمل من الْأَمَانَة ثمَّ هَذِه الْحُرِّيَّة والعصمة والمالكية
ثَابِتَة للمرء من حِين يُولد الْمُمَيز وَغير الْمُمَيز فِيهِ
سَوَاء فَكَذَلِك الذِّمَّة الصَّالِحَة لوُجُوب الْحُقُوق
فِيهَا ثَابتا لَهُ من حِين يُولد يَسْتَوِي فِيهِ الْمُمَيز
وَغير الْمُمَيز ثمَّ كَمَا يثبت الْوُجُوب بِوُجُود السَّبَب
شرعا فِي مَحَله تثبت الْحُرْمَة يَعْنِي الْحُرْمَة
بِالنّسَبِ وَالرّضَاع والمصاهرة وَتلك الْحُرْمَة تثبت فِي حق
الْمُمَيز وَغير الْمُمَيز لوُجُود السَّبَب بعد صَلَاحِية
الْمحل وَإِن كَانَ ذَلِك حكما شَرْعِيًّا فَكَذَلِك الْوُجُوب
ثمَّ وجوب الْأَدَاء بعد هَذَا يكون بِالْأَمر الثَّابِت
بِالْخِطَابِ وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بعد اعْتِدَال الْحَال
وَالْعلم بِهِ وَقد بَينا أَن الْمُطَالبَة بأَدَاء الْوَاجِب
غير أصل الْوُجُوب وَهُوَ تَأْوِيل الحَدِيث الْمَرْوِيّ (رفع
الْقَلَم عَن ثَلَاث) فَالْمُرَاد بالقلم الْحساب وَذَلِكَ
يَنْبَنِي على وجوب الْأَدَاء (دون أصل الْوُجُوب كَمَا فِي
الدّين الْمُؤَجل إِنَّمَا تكون المحاسبة بعد وجوب الْأَدَاء)
بِمُضِيِّ الْأَجَل وأصل الْوُجُوب ثَابت لوُجُود سَببه
وَزعم بعض مَشَايِخنَا أَن الْوُجُوب لَا يثبت إِلَّا بعد
اعْتِدَال الْحَال بِالْبُلُوغِ عَن عقل لِأَن الْمُوجب هُوَ
الله تَعَالَى لما خَاطب بِهِ عباده من الْأَمر وَالنَّهْي
وَحكم هَذَا الْخطاب لَا يثبت فِي حق الْمُخَاطب مَا لم يعلم
بِهِ علما مُعْتَبرا فِي الْإِلْزَام شرعا وَذَلِكَ إِنَّمَا
يكون بعد اعْتِدَال الْحَال
وَمن جعل السَّبَب مُوجبا فقد أخلى صِيغَة الْأَمر عَن حكمه
لِأَن حكم الْأَمر الْمُطلق الْوُجُوب واللزوم وَإِذا كَانَ
الْوُجُوب ثَابتا بِالسَّبَبِ قبل ثُبُوت الْخطاب فِي حَقه لم
يبْق لِلْأَمْرِ حكم فَيُؤَدِّي هَذَا إِلَى القَوْل بِأَنَّهُ
لَا فَائِدَة فِي أوَامِر الله تَعَالَى ونواهيه وَأي قَول
أقبح من هَذَا وَلِأَنَّهُ لَا يفهم من الْوُجُوب شَيْء سوى
وجوب الْأَدَاء وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بعد اعْتِدَال
الْحَال وَهُوَ حكم الْأَمر بالِاتِّفَاقِ فَعرفنَا أَن
الْوُجُوب كَذَلِك فَكَانَت الْأَسْبَاب بِمَنْزِلَة العلامات
فِي حَقنا لنعرف بظهورها الْوُجُوب بِحكم
(2/334)
الْأَمر وَقد بَينا أَن الحكم غير مُضَاف
إِلَى الْعَلامَة وجوبا وَلَا وجودا
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن الْوُجُوب لفائدة رَاجِعَة إِلَى
الْعباد فَإِن الله يتعالى عَن أَن تلْحقهُ الْمَنَافِع
والمضار أَي يُوصف بِالْحَاجةِ إِلَى إِيجَاب حق على عَبده
لنَفسِهِ والفائدة للعباد مَا يكون لَهُم بِهِ من الْجَزَاء
وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بِالْأَدَاءِ الَّذِي يكون عَن
اخْتِيَار من العَبْد فإثبات الْوُجُوب بِدُونِ أَهْلِيَّة
وجوب الْأَدَاء وَبِدُون تصور الْأَدَاء يكون إِثْبَات حكم
شَرْعِي هُوَ خَال من الْفَائِدَة وَالْقَوْل بِهِ لَا يجوز
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وكلا الطَّرِيقَيْنِ عِنْدِي غير مرضِي
لما فِي الطَّرِيق الأول من مُجَاوزَة الْحَد فِي الغلو وَفِي
الطَّرِيق الثَّانِي من مُجَاوزَة الْحَد فِي التَّقْصِير
فَإِن القَوْل بِأَنَّهُ لَا عِبْرَة للأسباب الَّتِي جعلهَا
الشَّرْع سَببا لوُجُوب حُقُوقه على سَبِيل الِابْتِلَاء
للعباد ولتعظيم بعض الْأَوْقَات أَو الْأَمْكِنَة وتفضيلها على
بعض نوع تَقْصِير وَالْقَوْل بِأَن الْوُجُوب ثَابت بِنَفس
السَّبَب من غير اعْتِبَار مَا هُوَ حكم الْوُجُوب نوع غلو
وَلَكِن الطَّرِيق الصَّحِيح أَن يَقُول بِأَن بعد وجوب
السَّبَب وَالْمحل لَا يثبت الْوُجُوب إِلَّا بِوُجُود
الصلاحية لما هُوَ حكم الْوُجُوب لِأَن الْوُجُوب غير مُرَاد
ذمَّة لعَينه بل لحكمه فَكَمَا لَا يثبت الْوُجُوب إِذا وجد
السَّبَب بِدُونِ نفس الْمحل فَكَذَلِك لَا يثبت إِذا وجد
السَّبَب وَالْمحل بِدُونِ حكم وَهَذَا لِأَن بِدُونِ الحكم
لَا يكون مُفِيدا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة فَإِن
فَائِدَة الحكم فِي الدُّنْيَا تَحْقِيق معنى الِابْتِلَاء
وَفِي الْآخِرَة الْجَزَاء وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الحكم ونعني
بِهَذَا الحكم وجوب الْأَدَاء وَوُجُود الْأَدَاء عِنْد
مُبَاشرَة العَبْد عَن اخْتِيَار حَتَّى يظْهر بِهِ الْمُطِيع
من العَاصِي فَيتَحَقَّق الِابْتِلَاء الْمَذْكُور فِي قَوْله
تَعَالَى {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} وَكَذَلِكَ
المجازاة فِي الْآخِرَة يَنْبَنِي على هَذَا كَمَا قَالَ
تَعَالَى {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَهَذَا لِأَن
الْوُجُوب خبر لَا اخْتِيَار فِيهِ للْعَبد كَمَا قَالُوا
وَإِنَّمَا ينَال العَبْد الْجَزَاء على مَا لَهُ فِيهِ
اخْتِيَار فَتبين أَن
(2/335)
الْوُجُوب بِدُونِ حكمه غير مُفِيد فَلَا
يجوز القَوْل بِثُبُوتِهِ شرعا وَلِهَذَا قُلْنَا إِن قتل
الْأَب ابْنه لَا يكون مُوجبا للْقصَاص وَالسَّبَب هُوَ الْعمد
الْمَحْض مَوْجُود وَالْمحل مَوْجُود وَلَكِن لِانْعِدَامِ
فَائِدَة الْوُجُوب وَهُوَ التَّمَكُّن من الِاسْتِيفَاء فَإِن
الْوَلَد لَا يكون مُتَمَكنًا من أَن يقْصد قتل أَبِيه شرعا
بِحَال
قُلْنَا لَا يثبت الْوُجُوب أصلا وَهَذَا أعدل الطّرق فَفِيهِ
اعْتِبَار السَّبَب فِي ثُبُوت الْوُجُوب بِهِ إِذا كَانَ
مُوجبا حكمه وَقد جعله الشَّرْع كَذَلِك وَفِيه اعْتِبَار
الْأَمر لإِثْبَات مَا هُوَ حكم الْوُجُوب بِهِ وَهُوَ لُزُوم
الْأَدَاء أَو إِسْقَاط الْوَاجِب بِهِ عَن نَفسه
وَمن تَأمل صِيغَة الْأَوَامِر ظهر لَهُ أَن مُوجبهَا مَا
قُلْنَا فَإِنَّهُ قَالَ {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا
الزَّكَاة} وَالْإِقَامَة والإيتاء هُوَ إِسْقَاط الْوَاجِب
بِالْأَدَاءِ
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر
فليصمه} وَقَوله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج} فَإِن مُبَاشرَة
فعل الصَّوْم وإتمام الْحَج يكون إِسْقَاط الْوَاجِب وَالْأَمر
لإلزام ذَلِك
ثمَّ على هَذَا الطَّرِيق يتَبَيَّن التَّقْسِيم فِي الْحُقُوق
فَنَقُول أما حُقُوق الْعباد فَمَا يكون فِيهِ غرما أَو عوضا
كَالثّمنِ فِي البيع فالوجوب ثَابت فِي حق الصَّبِي الَّذِي
لَا يعقل لوُجُود سَببه وَثُبُوت حكمه وَهُوَ وجوب الْأَدَاء
بوليه الَّذِي هُوَ نَائِب عَنهُ لِأَن الْمَقْصُود المَال
هُنَا دون الْفِعْل فَإِن المُرَاد بِهِ رفع الخسران بِمَا
يكون جبرانا لَهُ أَو حُصُول الرِّبْح وَذَلِكَ بِالْمَالِ
يكون وَأَدَاء وليه كأدائه فِي حُصُول هَذَا الْمَقْصُود بِهِ
وَمَا كَانَ مِنْهُ صلَة لَهُ شبه المؤونة كَنَفَقَة
الزَّوْجَات والأقارب فوجوبه ثَابت فِي حَقه عِنْد وجود سَببه
لِأَن فِي حق نَفَقَة الزَّوْجَات معنى العوضية وَفِي نَفَقَة
الْأَقَارِب معنى مؤونة الْيَسَار وَالْمَقْصُود إِزَالَة
حَاجَة الْمُنفق عَلَيْهِ بوصول كِفَايَته إِلَيْهِ وَذَلِكَ
بِالْمَالِ يكون وَأَدَاء الْوَلِيّ فِيهِ كأدائه فَعرفنَا أَن
الْوُجُوب فِيهِ غير خَال عَن الْحِكْمَة
(2/336)
وَمَا يكون صلَة لَهُ شبه الْجَزَاء لَا
يثبت وُجُوبه فِي حَقه أصلا وَذَلِكَ كتحمل الْعقل فَإِنَّهُ
صلَة وَلكنهَا شبه الْجَزَاء على ترك حفظ السَّفِيه وَالْأَخْذ
على يَد الظَّالِم وَلِهَذَا يخْتَص بِرِجَال الْعَشِيرَة
الَّذين هم من أهل هَذَا الْحِفْظ دون النِّسَاء فَلَا يثبت
ذَلِك فِي حق الصَّبِي أصلا
وَكَذَلِكَ مَا يكون جَزَاء بطرِيق الْعقُوبَة كَالْقَتْلِ
لأجل الرِّدَّة بطرِيق الغرامة كالعقل لَا يثبت وُجُوبه فِي
حَقه أصلا لِانْعِدَامِ مَا هُوَ حكم الْوُجُوب فِي حَقه
فَأَما فِي حُقُوق الله تَعَالَى فَنَقُول وجوب الْإِيمَان
بِاللَّه تَعَالَى فِي حق الصَّبِي الَّذِي لَا يعقل لَا يُمكن
القَوْل بِهِ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّة لحكم الْوُجُوب
وَذَلِكَ الْأَدَاء وجوبا أَو وجودا فِي حَقه فَمَا كَانَ
القَوْل بِالْوُجُوب هُنَا إِلَّا نَظِير القَوْل بِالْوُجُوب
بِاعْتِبَار السَّبَب بِدُونِ الْمحل كَمَا فِي حق الْبَهَائِم
وَذَلِكَ لَا يجوز القَوْل بِهِ
وَكَذَلِكَ الْعِبَادَات الْمَحْضَة البدني والمالي فِي ذَلِك
سَوَاء لِأَن حكم الْوُجُوب لَا يثبت فِي حَقه بِحَال فَلَا
يثبت الْوُجُوب وَبَيَانه أَن الْوُجُوب أَفعَال يتَحَقَّق فِي
مباشرتها معنى الِابْتِلَاء وتعظيم حق الله تَعَالَى وَلَا
تصور لذَلِك من الصَّبِي الَّذِي لَا يعقل بِنَفسِهِ وَلَا
يحصل ذَلِك بأَدَاء وليه لِأَن ثُبُوت الْولَايَة عَلَيْهِ
يكون جبرا بِغَيْر اخْتِيَاره وبمثله لَا يصير هُوَ متقربا
حَقِيقَة وَلَا حكما فَلَو جعلنَا أَدَاء الْوَالِي كأدائه
فِيمَا هُوَ مَالِي كَانَ يتَبَيَّن بِهِ أَن الْمَقْصُود هُوَ
المَال لَا الْفِعْل وَذَلِكَ مِمَّا لَا يجوز القَوْل بِهِ
فَلهَذَا لَا يثبت فِي حَقه وجوب الصَّلَاة وَالزَّكَاة
وَالصَّوْم وَالْحج يقرره أَنه لَو كَانَ الْوُجُوب ثَابتا
ثمَّ سُقُوط الحكم لدفع الْحَرج بِعُذْر الصَّبِي لَكَانَ
يَنْبَغِي أَن يُقَال إِذا أنْفق الْأَدَاء مِنْهُ كَانَ
مُؤديا للْوَاجِب كَصَوْم الشَّهْر فِي حق الْمَرِيض
وَالْمُسَافر وَالْجُمُعَة فِي حق الْمُسَافِر إِنَّه إِذا
أدّى كَانَ موديا للْوَاجِب وبالاتفاق لَا يكون هُوَ مُؤديا
للْوَاجِب وَإِن تصور مِنْهُ مَا هُوَ ركن هَذِه الْعبارَات
فَعرفنَا أَن الْوُجُوب غير ثَابت أصلا
وَكَذَلِكَ فَإِن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ فِي صَدَقَة
الْفطر لرجحان معنى الْعِبَادَة والقربة فِيهَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رَضِي الله عَنْهُمَا
فِيهَا معنى المؤونة فَيثبت الْوُجُوب
(2/337)
فِي حَقه بِحكمِهِ وَهُوَ الْأَدَاء من
مَاله بِاعْتِبَار الْأَهْلِيَّة الْقَاصِر الذى يكون
بِوَاسِطَة الولى مُضَافا إِلَيْهِ وَإِن كَانَت الْولَايَة
عَلَيْهِ ثابته لَا بِاخْتِيَارِهِ
وَكَذَلِكَ الْعشْر وَالْخَرَاج فَإِن وجوبهما عَلَيْهِ لما
هُوَ حكم الْوُجُوب هُوَ الْأَدَاء بالولى الذى هُوَ قَائِم
مقَامه فِي أَدَاء المؤونات فَإِن معنى الْقرْبَة فِي ذَلِك
غير مَقْصُود وَإِذا خرج معنى الْقرْبَة من أَن يكون مَقْصُودا
ظهر أَن المَال هُوَ الْمَقْصُود فِيهِ وَأَدَاء الولى فِي
ذَلِك كأدائه
وَأما الْعُقُوبَات فَلَا يثبت وُجُوبهَا فِي حَقه أصلا مَا
كَانَ لله خَالِصا وَمَا كَانَ مختلطا بِحَق الْعباد على مَا
بَينا فِي تَقْسِيم فِيمَا سبق وَلَيْسَ الْوُجُوب نَظِير
الْحُرْمَة فِي حَقه إِلَّا بعد أَهْلِيَّته لحكم الْحُرْمَة
وَالْوُجُوب ينبغى أَن يكون بمثابته
وَهَذَا نَظِير مَا قُلْنَا إِن الْكَافِر لَا يكون أَهلا
لوُجُوب حُقُوق الله تَعَالَى الثَّابِتَة بِالْخِطَابِ
عَلَيْهِ من الْعِبَادَات لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْل لأَدَاء
هَذِه الْوَاجِبَات مَعَ الْإِصْرَار على الْكفْر وَلَا هُوَ
أهل لما هُوَ فَائِدَة الْأَدَاء وَهُوَ نيل الثَّوَاب بِهِ
فِي الْآخِرَة فَلَا يثبت الْوُجُوب فِي حَقه أصلا بِخِلَاف
الحرمات وَوُجُوب الْإِيمَان ثَابت فِي حَقه لوُجُود حكم
وَهُوَ وجوب الْأَدَاء وَتحقّق الْأَدَاء مِنْهُ وَلَا يجوز
إِثْبَات وجوب الْعِبَادَات فِي حَقه بِشَرْط تَقْدِيم
الْإِيمَان على الْأَدَاء الذى هُوَ الحكم لِأَن الْإِيمَان
هُوَ الأَصْل فِيمَا ينَال بِهِ الْفَوْز والسعادة الأبدية فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلَا يجوز أَن يَجْعَل شرطا مقتضيا
لغيره
وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا بلغ الصبى فِي بعض الشَّهْر لَا
يلْزمه قَضَاء مَا مضى لِأَن الْوُجُوب لم يكن ثَابتا فِي حَقه
لِانْعِدَامِ حكمه وَهُوَ وجوب الْأَدَاء فِي الْحَال أَو فِي
الثَّانِي بِاعْتِبَار مَا يلْحقهُ من الْحَرج فِي ذَلِك فَلم
يثبت الْوُجُوب أصلا حَتَّى لَو أدّى فِي الْحَال أَو بعد
الْبلُوغ كَانَ متنفلا ابْتِدَاء لَا مُؤديا للْوَاجِب
وَكَذَلِكَ الْجُنُون إِذا امْتَدَّ حَتَّى كَانَ مستوعبا
للشهر أَو زَائِدا على الْيَوْم وَاللَّيْلَة فِي حكم
الصَّلَاة فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الْقَضَاء لِأَن الْوُجُوب لم
يكن فِي حَقه لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّته لحكم الْوُجُوب بِسَبَب
الْحَرج الذى يلْحقهُ فِي ذَلِك وَإِن كَانَ دون ذَلِك كَانَ
الْوُجُوب ثَابتا لوُجُود
(2/338)
حكمه وَهُوَ الْأَدَاء فِي الْحَال إِن
تصور أَو فِي الثَّانِي وَهُوَ بعد الْإِفَاقَة حَتَّى إِذا
نوى الصَّوْم بِاللَّيْلِ ثمَّ جن وَلم يتَنَاوَل شَيْئا
حَتَّى مضى الْيَوْم كَانَ مُؤديا للْفَرض وَيلْزمهُ الْقَضَاء
إِذا لم يستوعب الْجُنُون الشَّهْر كُله كَمَا ثَبت الْوُجُوب
فِي حَقه بِاعْتِبَار حكمه إِذْ لَيْسَ فِيهِ كَبِير حرج
وَكَذَلِكَ الصَّوْم فِي حق الْحَائِض فَإِن الْوُجُوب ثَابت
لوُجُود حكمه وَهُوَ الْأَدَاء فِي الثَّانِي من غير حرج
وَوُجُوب الصَّلَاة فِي حَقّهَا غير ثَابت لِانْعِدَامِ حكمه
وَهُوَ الْأَدَاء فِي الثَّانِي لما يلْحقهَا فِيهِ من الْحَرج
وَكَذَلِكَ فِي حق النَّائِم الْوُجُوب الثَّابِت فِي حق
الصَّوْم وَالصَّلَاة لوُجُود حكمه وَهُوَ الْقَضَاء بعد
الانتباه إِذْ لَيْسَ فِيهِ كَبِير حرج
والمغمى عَلَيْهِ فِي حكم الصَّوْم كَذَلِك
وَكَذَلِكَ فِي حكم الصَّلَاة إِذا لم يرد على يَوْم وَلَيْلَة
فَإِن زَاد على ذَلِك لم يثبت الْوُجُوب فِي حَقه لِانْعِدَامِ
حكمه فَعرفت أَنه تخرج الْحُقُوق كلهَا مُسْتَقِيمًا على
الطَّرِيق الذى اخترناه
بقى الْكَلَام فِي وجوب الْإِيمَان على الصبى الْعَاقِل الذى
يَصح مِنْهُ الْأَدَاء قَالَ رضى الله عَنهُ كَانَ شَيخنَا
الإِمَام شمي الدّين الحلوانى رَحمَه الله يَقُول بِالْوُجُوب
فِي حَقه لوُجُود الصلاحية لحكمه وَهُوَ الْأَدَاء والمؤدى مهه
يكون فرضا وَالْأَدَاء الذى هُوَ فرض مَا يكون فِيهِ إِسْقَاط
الْوَاجِب أَلا ترى أَنه لَو آمن فِي هَذِه الْحَالة لم يلْزمه
تَجْدِيد الْإِقْرَار بعد بُلُوغه فَعرفنَا أَن أَدَاء
الْفَرْض قد تحقق مِنْهُ فِي حَالَة الصغر وَهَذَا لِأَن مَا
هُوَ حكم الْوُجُوب فِي الْعِبَادَات لَا يثبت فِي حَقه نظرا
لَهُ وَهُوَ أَن لَا يبْقى عَلَيْهِ تبعة إِذا امْتنع من
الْأَدَاء لما يلْحقهُ فِيهِ من الْمَشَقَّة وَفِي الْإِيمَان
بعد مَا صَار بِحَال يَصح مِنْهُ الْأَدَاء لَو أثبتنا
الْوُجُوب فِي حَقه انْتفع بِهِ فَإِن الْجَزَاء الذى ينَال
بأَدَاء الْوَاجِب ضعف مَا ينَال بأَدَاء مَا لَيْسَ بِوَاجِب
فَمن هَذَا الطَّرِيق يثبت حكم الْوُجُوب فِي حَقه
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لَو أسلمت امْرَأَته وَأبي هُوَ
الْإِسْلَام بعد مَا عرض عَلَيْهِ القاضى فَإِنَّهُ يفرق
بَينهمَا وَلَو لم يثبت حكم الْوُجُوب فِي حَقه لم يفرق
بَينهمَا إِذا امْتنع مِنْهُ
قَالَ رضى الله عَنهُ وَالأَصَح عندى أَنه غير ثَابت
(2/339)
فِي حَقه وَإِن عقل مَا لم يعتدل حَاله
بِالْبُلُوغِ فَإِن بِاعْتِبَار عقله يصحح الْأَدَاء مِنْهُ
وَصِحَّة الْأَدَاء تستدعي كَون الحكم مَشْرُوعا وَلَا تستدعي
كَونه وَاجِب الْأَدَاء فَعرفنَا بِهَذَا أَن حكم الْوُجُوب
وَهُوَ وجوب الْأَدَاء مَعْدُوم فِي حَقه (وَقد بَينا أَن
الْوُجُوب لَا يثبت بِاعْتِبَار السَّبَب وَالْمحل بِدُونِ حكم
الْوُجُوب) إِلَّا أَنه إِذا أدّى يكون الْمُؤَدِّي فرضا لِأَن
بِوُجُود الْأَدَاء صَار مَا هُوَ حكم الْوُجُوب مَوْجُودا
بِمُقْتَضى الْأَدَاء (وَإِنَّمَا لم يكن الْوُجُوب ثَابتا
لِانْعِدَامِ الحكم فَإِذا صَار مَوْجُودا بِمُقْتَضى
الْأَدَاء) كَانَ الْمُؤَدى فرضا بِمَنْزِلَة العَبْد فَإِن
وجوب الْجُمُعَة فِي حَقه غير ثَابت حَتَّى إِنَّه إِن أذن
لَهُ الْمولى أَو حضر الْجَامِع مَعَ الْمولى كَانَ بِهِ أَن
لَا يُؤَدِّي وَلَكِن إِذا أدّى كَانَ الْمُؤَدى فرضا لِأَن
مَا هُوَ حكم الْوُجُوب صَار مَوْجُودا بِمُقْتَضى الْأَدَاء
وَإِنَّمَا لم يكن الْوُجُوب ثَابتا لِانْعِدَامِ حكمه
وَكَذَلِكَ الْمُسَافِر إِذا أدّى الْجُمُعَة كَانَ مُؤديا
للغرض مَعَ أَن وجوب الْجُمُعَة لم يكن ثَابتا فِي حَقه قبل
الْأَدَاء بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذكرنَا وَالله أعلم
فصل فِي بَيَان أَهْلِيَّة الْأَدَاء
قَالَ رَضِي الله عَنهُ هَذِه الْأَهْلِيَّة نَوْعَانِ
قَاصِرَة وكاملة فالقاصرة بِاعْتِبَار قُوَّة الْبدن وَذَلِكَ
مَا يكون للصَّبِيّ الْمُمَيز قبل أَن يبلغ أَو الْمَعْتُوه
بعد الْبلُوغ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة الصَّبِي من حَيْثُ إِن
لَهُ أصل الْعقل وَقُوَّة الْعَمَل بِالْبدنِ وَلَيْسَ لَهُ
صفة الْكَمَال فِي ذَلِك حَقِيقَة وَلَا حكما
والكاملة تبتنى على قدرتين قدرَة فهم الْخطاب وَذَلِكَ يكون
بِالْعقلِ وقدرة الْعَمَل بِهِ وَذَلِكَ بِالْبدنِ
ثمَّ يبتنى على الْأَهْلِيَّة القاصرة صِحَة الْأَدَاء وعَلى
الْكَامِلَة وجوب الْأَدَاء وَتوجه الْخطاب بِهِ لِأَن الله
تَعَالَى قَالَ {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَقبل
التَّمْيِيز والتمكن من الْأَدَاء لَا وَجه لإِثْبَات
التَّكْلِيف بِالْأَدَاءِ لِأَنَّهُ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق
وَقد نفى الله تَعَالَى ذَلِك بِهَذِهِ الْآيَة وَلَا تصور
تَعَالَى وَبعد وجود أصل الْعقل والتمكن من الْأَدَاء قبل
كَمَاله فِي إِلْزَام الْأَدَاء حرج قَالَ الله تَعَالَى {مَا
يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج} وَقَالَ للْأَدَاء على
الْوَجْه الْمَشْرُوع وَهُوَ
(2/340)
أَن يكون على قصد التَّقَرُّب إِلَى الله
تَعَالَى {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت
عَلَيْهِم} وَفِي إِلْزَام خطاب الْأَدَاء قبل إِكْمَال الْعقل
من معنى الْإِضْرَار والحرج مَا لَا يخفى
ثمَّ أصل الْعقل يعرف بالعيان وَذَلِكَ نَحْو أَن يخْتَار
الْمَرْء فِي أَمر دُنْيَاهُ وأخراه مَا يكون أَنْفَع لَدَيْهِ
وَيعرف بِهِ مستوى عَاقِبَة الْأَمر فِيمَا يَأْتِيهِ ويذره
ونقصانه يعرف بالتجربة والامتحان وَبعد الترقي عَن دَرَجَة
النُّقْصَان ظَاهرا تَتَفَاوَت أَحْوَال الْبشر فِي صفة
الْكَمَال فِيهِ على وَجه يتَعَذَّر الْوُقُوف عَلَيْهِ
فَأَقَامَ الشَّرْع اعْتِدَال الْحَال بِالْبُلُوغِ عَن عقل
مقَام كَمَال الْعقل حَقِيقَة فِي بِنَاء إِلْزَام الْخطاب
عَلَيْهِ تيسيرا عل الْعباد ثمَّ صَار صفة الْكَمَال الَّذِي
يتَوَهَّم وجوده قبل هَذَا الْحَد سَاقِط الِاعْتِبَار
وَبَقَاء توهم النُّقْصَان بعد هَذَا الْحَد كَذَلِك على مَا
بَينا أَن السَّبَب الظَّاهِر مَتى قَامَ مقَام الْمَعْنى
الْبَاطِن للتيسير دَار الحكم مَعَه وجودا وعدما وأيد هَذَا
كُله قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رفم الْقَلَم عَن
ثَلَاث) وَالْمرَاد بالقلم الْحساب والحساب إِنَّمَا يكون بعد
لُزُوم الْأَدَاء فَدلَّ أَن ذَلِك لَا يثبت إِلَّا بالأهلية
الْكَامِلَة وَهُوَ اعْتِدَال الْحَال بِالْبُلُوغِ عَن عقل
وعَلى هَذَا قُلْنَا مَا يكون من حُقُوق الله تَعَالَى فَهُوَ
صَحِيح الْأَدَاء عِنْد وجود الْأَهْلِيَّة القاصرة
وَذَلِكَ أَنْوَاع فَمِنْهَا مَا يكون صفة الْحسن مُتَعَيّنا
فِيهِ على وَجه لَا يحْتَمل غَيره وَصفَة كَونه مَشْرُوعا
مُتَعَيّن فِيهِ على وَجه لَا يحْتَمل أَن لَا يكون مَشْرُوعا
بِحَال وَذَلِكَ نَحْو الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى فَإِنَّهُ
صَحِيح من الصَّبِي الْعَاقِل فِي أَحْكَام الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة جَمِيعًا لوُجُود حَقِيقَته بعد وجود
الْأَهْلِيَّة للْأَدَاء فَإِن حَقِيقَته يكون بالتصديق
بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَمن رَجَعَ إِلَى
نَفسه علم أَنه فِي مثل هَذِه الْحَالة كَانَ يعْتَقد وحدانية
الله تَعَالَى بِقَلْبِه وَالْإِقْرَار مِنْهُ مسموع لَا يشك
فِيهِ وَلَا فِي كَونه صَادِقا فِيمَا يقر بِهِ وَالْحكم
بِوُجُود الشَّيْء يبتنى على وجود حَقِيقَته
(2/341)
قَالَ فِيمَن وطيء جَارِيَة امْرَأَته
فَإِن طاوعته فَهِيَ لَهُ وَعَلِيهِ مثلهَا وَإِن استكرهها
فَهِيَ حرَّة وَعَلِيهِ مثلهَا فَإِن الْقيَاس الصَّحِيح يرد
هَذَا الحَدِيث ويتبين أَنه كالمخالف للْكتاب وَالسّنة
الْمَشْهُورَة وَالْإِجْمَاع ثمَّ هَذَا النَّوْع من الْقُصُور
لَا يتَوَهَّم فِي الرَّاوِي إِذا كَانَ فَقِيها لِأَن ذَلِك
لَا يخفى عَلَيْهِ لقُوَّة فقهه فَالظَّاهِر أَنه إِنَّمَا روى
الحَدِيث بِالْمَعْنَى عَن بَصِيرَة فَإِنَّهُ علم سَمَاعه من
رَسُول الله كَذَلِك مُخَالفا للْقِيَاس وَلَا تُهْمَة فِي
رِوَايَته فكأنا سمعنَا ذَلِك من رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فيلزمنا ترك كل قِيَاس بمقابلته وَلِهَذَا قلت
رِوَايَة الْكِبَار من فُقَهَاء الصَّحَابَة رَضِي الله
عَنْهُم أَلا ترى إِلَى مَا روى عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ
صَحِبت ابْن مَسْعُود سِنِين فَمَا سمعته يروي حَدِيثا إِلَّا
مرّة وَاحِدَة فَإِنَّهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَخذه البهر وَالْفرق وَجعلت فَرَائِضه
ترتعد فَقَالَ نَحْو هَذَا أَو قَرِيبا مِنْهُ أَو كلَاما
هَذَا مَعْنَاهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول كَذَا فَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن الْوُقُوف على مَا
أَرَادَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَعَاني
كَلَامه كَانَ عَظِيما عِنْدهم فَلهَذَا قلت رِوَايَة
الْفُقَهَاء مِنْهُم فَإِذا صحت الرِّوَايَة عَنْهُم فَهُوَ
مقدم على الْقيَاس وَمَعَ هَذَا كُله فالكبار من أَصْحَابنَا
يعظمون رِوَايَة هَذَا النَّوْع مِنْهُم ويعتمدون قَوْلهم
فَإِن مُحَمَّدًا رَحمَه الله ذكر عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله
أَنه أَخذ بقول أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي مِقْدَار
الْحيض وَغَيره وَكَانَ دَرَجَة أبي هُرَيْرَة فَوق دَرَجَته
فَعرفنَا بِهَذَا أَنهم مَا تركُوا الْعَمَل بروايتهم إِلَّا
عِنْد الضَّرُورَة لانسداد بَاب الرَّأْي من الْوَجْه الَّذِي
قَررنَا
فَأَما الْمَجْهُول فَإِنَّمَا نعني بِهَذَا اللَّفْظ من لم
يشْتَهر بطول الصُّحْبَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِنَّمَا عرف بِمَا روى من حَدِيث أَو حديثين نَحْو
وابصة بن معبد وَسَلَمَة بن المحبق وَمَعْقِل بن سِنَان
الْأَشْجَعِيّ رَضِي الله عَنْهُم وَغَيرهم وَرِوَايَة هَذَا
النَّوْع على خَمْسَة أوجه أَحدهَا أَن يشْتَهر لقبُول
الْفُقَهَاء رِوَايَته وَالرِّوَايَة عَنهُ وَالثَّانِي أَن
يسكتوا عَن الطعْن فِيهِ بعد مَا يشْتَهر وَالثَّالِث أَن
يَخْتَلِفُوا فِي الطعْن فِي رِوَايَته وَالرَّابِع أَن يطعنوا
فِي رِوَايَته من غير خلاف بَينهم فِي ذَلِك وَالْخَامِس أَن
لَا تظهر رِوَايَته وَلَا الطعْن فِيهِ فِيمَا بَينهم أما من
قبل السّلف مِنْهُ رِوَايَته وجوزوا النَّقْل عَنهُ
(2/342)
فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَشْهُورين فِي
الرِّوَايَة لأَنهم مَا كَانُوا متهمين بالتقصير فِي أَمر
الدّين وَمَا كَانُوا يقبلُونَ الحَدِيث حَتَّى يَصح عِنْدهم
أَنه يرْوى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإمَّا
أَن يكون قبولهم لعلمهم بعدالته وَحسن ضَبطه أَو لِأَنَّهُ
مُوَافق لما عِنْدهم مِمَّا سَمِعُوهُ من رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَو من بعض الْمَشْهُورين يرْوى عَنهُ
وَكَذَلِكَ إِن سكتوا عَن الرَّد بعد مَا اشْتهر رِوَايَته
عِنْدهم لِأَن السُّكُوت بعد تحقق الْحَاجة لَا يحل إِلَّا على
وَجه الرِّضَا بالمسموع فَكَانَ سكوتهم عَن الرَّد دَلِيل
التَّقْرِير بِمَنْزِلَة مَا لَو قبلوه وردوا عَنهُ وَكَذَلِكَ
مَا اخْتلفُوا فِي قبُوله وَرِوَايَته عَنهُ عندنَا لِأَنَّهُ
حِين قبله بعض الْفُقَهَاء الْمَشْهُورين مِنْهُم فَكَأَنَّهُ
روى ذَلِك بِنَفسِهِ وَبَيَان هَذَا فِي حَدِيث معقل بن سِنَان
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى لبروع بنت واشق
الأشجعية بِمهْر مثلهَا حِين مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا وَلم يسم
لَهَا صَدَاقا فَإِن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قبل
رِوَايَته وسر بِهِ لما وَافق قَضَاءَهُ قَضَاء رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي رَضِي الله عَنهُ رده فَقَالَ
مَاذَا نصْنَع بقول أَعْرَابِي بوال على عقبه حسبها الْمِيرَاث
لَا مهر لَهَا فَلَمَّا اخْتلفُوا فِيهِ فِي الصَّدْر الأول
أَخذنَا بروايته لِأَن الْفُقَهَاء من الْقرن الثَّانِي كعلقمة
ومسروق وَالْحسن وَنَافِع بن جُبَير قبلوا رِوَايَته فَصَارَ
معدلا بِقبُول الْفُقَهَاء رِوَايَته وَكَذَلِكَ أَبُو الْجراح
صَاحب راية الأشجعيين صدقه فِي هَذِه الرِّوَايَة وَكَأن عليا
رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا لم يقبل رِوَايَته لِأَنَّهُ كَانَ
مُخَالفا للْقِيَاس عِنْده وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
قبل رِوَايَته لِأَنَّهُ كَانَ مُوَافقا للْقِيَاس عِنْده
فَتبين بِهَذَا أَن رِوَايَة مثل هَذَا فِيمَا يُوَافق
الْقيَاس يكون مَقْبُولًا ثمَّ الْعَمَل يكون بالرواية وَأما
إِذا ردوا عَلَيْهِ رِوَايَته وَلم يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِك
فَإِنَّهُ لَا يجوز الْعَمَل بروايته لأَنهم كَانُوا لَا
يتهمون برد الحَدِيث الثَّابِت عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بترك الْعَمَل بِهِ وترجيح الرَّأْي
بِخِلَافِهِ عَلَيْهِ فاتفاقهم على الرَّد دَلِيل على أَنهم
كذبوه فِي هَذِه الرِّوَايَة وَعَلمُوا أَن ذَلِك وهم مِنْهُ
وَلَو قَالَ الرَّاوِي أوهمت لم يعْمل بروايته فَإِذا ظهر
دَلِيل ذَلِك مِمَّن هُوَ فَوْقه أولى وَبَيَان هَذَا فِي
حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس فَإِن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَا
نَدع كتاب رَبنَا وَلَا سنة نَبينَا بقول امْرَأَة لَا نَدْرِي
أصدقت أم كذبت قَالَ عِيسَى
(2/343)
يسترق والاسترقاق عُقُوبَة على وَجه
الْجَزَاء على الْكفْر فَإِن الْكفَّار حِين أَنْكَرُوا
وحدانية الله تَعَالَى جازاهم على ذَلِك فجعلهم عبيد عبيده
وَفِي الاسترقاق إِتْلَاف حكمي بطرِيق الْجَزَاء لم يثبت
اسْتِحْقَاقه فَكيف لَا يثبت اسْتِحْقَاق الْإِتْلَاف
الْحَقِيقِيّ إِذا صحت ردته شرعا قُلْنَا أما الضَّرْب إِذا
أَسَاءَ الْأَدَب فَهُوَ تَأْدِيب للرياضة فِي الْمُسْتَقْبل
وَلَيْسَ بجزاء على الْفِعْل الْمَاضِي مِنْهُ بطرِيق
الْعقُوبَة بِمَنْزِلَة ضرب الدَّوَابّ للتأديب وَقد ورد
الشَّرْع بِهِ فَقَالَ (تضرب الدَّابَّة على النفار وَلَا تضرب
على العثار) وَأما الاسترقاق فَلَيْسَ بطرِيق الْجَزَاء
وَلَكِن مَا كَانَ مُبَاحا غير مَعْصُوم وَهُوَ مَحل
التَّمَلُّك كالصيود وذراري أهل الْحَرْب بِهَذِهِ الصّفة
فَإِن قيل فقد قُلْتُمْ الْعِصْمَة للآدمي أصل ثمَّ زَوَال
هَذِه الْعِصْمَة الثَّابِتَة كَرَامَة تكون بطرِيق الْجَزَاء
قُلْنَا لَا كَذَلِك وَلَكِن زَوَال هَذِه الْعِصْمَة كزوال
صفة الصِّحَّة الَّتِي هِيَ نعْمَة بِالْمرضِ وَصفَة الْحَيَاة
بِالْمَوْتِ وَصفَة الْغنى بِملك المَال بالفقر بِهَلَاك
المَال وَأحد لَا يَقُول إِن ذَلِك جَزَاء بطرِيق الْعقُوبَة
فَأَما مَا يتَرَدَّد من حُقُوق الله تَعَالَى وَيحْتَمل أَن
لَا يكون مَشْرُوعا فِي بعض الْأَوْقَات أَو لَا يكون حسنا فِي
بعض الْأَوْقَات فَإِنَّهُ يثبت حكم صِحَة الْأَدَاء فِيهِ قبل
الْبلُوغ بِاعْتِبَار الْأَهْلِيَّة القاصرة وَلَا يثبت وجوب
الْأَدَاء المالي والبدني فِيهِ سَوَاء كَالصَّلَاةِ
وَالصَّوْم وَالزَّكَاة وَالْحج عندنَا فَإِن فِي وجوب
الْأَدَاء قبل اعْتِدَال الْحَال إِلْزَام الْعهْدَة وَفِي
صِحَة الْأَدَاء فِيمَا كَانَ مِنْهُ بدنيا مَحْض الْمَنْفَعَة
لِأَنَّهُ يعْتَاد أداءها فَلَا يشق ذَلِك عَلَيْهِ بعد
الْبلُوغ وَلِهَذَا صَحَّ مِنْهُ التَّنَفُّل بِجِنْس هَذِه
الْعِبَادَات بعد أَدَاء مَا هُوَ مَشْرُوع بِصفة
الْفَرْضِيَّة فِي حق الْبَالِغين وَمَا كَانَ مِنْهُ ماليا
فَفِي صِحَة الْأَدَاء مِنْهُ إِضْرَار بِهِ فِي العاجل
بِاعْتِبَار نُقْصَان ملكه فيبتنى ذَلِك على الْأَهْلِيَّة
الْكَامِلَة ثمَّ لَيْسَ من ضَرُورَة صِحَة أَدَاء البدني
اللُّزُوم فَإِن من شرع فِي صَوْم أَو صَلَاة على ظن أَنَّهَا
عَلَيْهِ ثمَّ تبين أَنَّهَا لَيست عَلَيْهِ يَصح مِنْهُ
الْإِتْمَام مَعَ انعدام صفة اللُّزُوم حَتَّى إِذا فسد لَا
يجب الْقَضَاء وَفِي الْحَج إِذا شرع بِالظَّنِّ ثمَّ تبين
أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ تنعدم صفة اللُّزُوم حَتَّى إِذا أحْصر
فتحلل لم يلْزمه الْقَضَاء وَيصِح الْإِتْمَام مِنْهُ بعد
انْتِفَاء صفة اللُّزُوم
والخصم
(2/344)
يفرق بَين المالي والبدني فِي هَذَا
النَّوْع بِاعْتِبَار أَن المالي يقبل النِّيَابَة فِي
الْأَدَاء فَيتَوَجَّه الْخطاب بِالْأَدَاءِ فِي حَقه على أَن
يَنُوب الْوَلِيّ عَنهُ فِي الْأَدَاء والبدني لَا يحْتَمل
هَذِه النِّيَابَة فَلَو توجه عَلَيْهِ الْخطاب بِهِ لحقه
الْعهْدَة بِسَبَبِهِ فَرُبمَا يعجز عَن الْأَدَاء لصغره ثمَّ
يتضاعف عَلَيْهِ وجوب الْأَدَاء بعد الْبلُوغ فيلحقه الْحَرج
فلدفع الْحَرج قُلْنَا لَا يثبت فِي حَقه خطاب الْأَدَاء
فِيمَا هُوَ بدني وَهَذَا لَا معنى لَهُ لِأَن الْوَاجِب فِي
الْمَوْضِعَيْنِ الْفِعْل فالإقامة والإيتاء كل وَاحِد
مِنْهُمَا فعل وَقد بَينا أَن هَذَا الْفِعْل لَازم بطرِيق
الْقرْبَة وَذَلِكَ لَا يتَحَقَّق بأَدَاء الْوَلِيّ إِذْ
الْولَايَة ثَابِتَة عَلَيْهِ شرعا بِغَيْر اخْتِيَاره وبمثل
هَذِه الْولَايَة لَا تتأدى الْعِبَادَة
ثمَّ هُوَ لَا يلْزمه الْخطاب بِالْإِيمَان كَمَا هُوَ
مَذْهَبنَا وَلَو كَانَ الْمَعْنى فِيهِ الْحَرج الَّذِي
يلْحقهُ بتضاعف الْأَدَاء بعد الْبلُوغ لَكَانَ الْخطاب
بِالْإِيمَان يثبت فِي حَقه لِأَنَّهُ بدني وَلَا يتضاعف وجوب
الْأَدَاء عَلَيْهِ بعد الْبلُوغ لتوجه الْخطاب فِي حَالَة
الصغر بل يَنْبَنِي عَلَيْهِ صِحَة الْأَدَاء فرضا على مذْهبه
وَقد جوز مثل هَذَا فِي الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة لتوفير
الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ إِذا صلى فِي أول الْوَقْت
ثمَّ بلغ فِي آخِره فَإِن الْمُؤَدى يجوز عَن الْفَرْض لِأَن
سُقُوط الْخطاب لِمَعْنى النّظر وَمعنى النّظر هُنَا فِي توجه
الْخطاب عَلَيْهِ فِي أول الْوَقْت حَتَّى لَا تلْزمهُ
الْإِعَادَة
وَكَذَلِكَ قَالَ إِذا أحرم بِالْحَجِّ ثمَّ بلغ قبل الْوُقُوف
فَإِن حجه يكون عَن الْفَرْض لِأَن معنى النّظر هُنَا فِي
إِلْزَام الْخطاب إِيَّاه سَابِقًا على الْإِحْرَام فَكَانَ
يَنْبَغِي أَن يَقُول مثل هَذَا فِي الْإِيمَان
وَنحن أثبتنا هَذَا فِي الصَّلَاة وَالْإِحْرَام لِأَن توجه
الْخطاب لما كَانَ لَا يثبت إِلَّا بعد الْبلُوغ مَقْصُورا
عَلَيْهِ فالمؤدي قبله إِذا كَانَ بِحَيْثُ يتَرَدَّد بَين
الْفَرْض وَالنَّفْل لَا يُمكن أَن يَجْعَل فرضا بِحَال
أَرَأَيْت لَو صلى رجل بعد زَوَال الشَّمْس أَربع رَكْعَات قبل
نزُول فَرضِيَّة الظّهْر ثمَّ نزلت فَرضِيَّة الظّهْر قبل
مُضِيّ الْوَقْت أَكَانَ ذَلِك جَائِزا عَن فَرْضه هَذَا شَيْء
لَا يَقُول بِهِ أحد
وعَلى هَذَا قُلْنَا إِحْرَامه صَحِيح بِاعْتِبَار
الْأَهْلِيَّة القاصرة وَلَكِن لَا تلْزمهُ الْكَفَّارَات
بارتكاب الْمَحْظُورَات
(2/345)
لِأَن فِي ذَلِك ضَرَرا فيبتنى على
الْأَهْلِيَّة الْكَامِلَة
والخصم يَقُول لما صَحَّ إِحْرَامه لزمَه الْجَزَاء بارتكاب
الْمَحْظُورَات
وَكَذَلِكَ سَائِر الْكَفَّارَات على أَصله إِلَّا كَفَّارَة
الْيَمين فَإِنَّهُ لَا تلْزمهُ لِأَن السَّبَب وَهُوَ
الْيَمين لَا يتَحَقَّق مِنْهُ شرعا وَأما الْقَتْل بتحقق
مِنْهُ وَقد تقدم بَيَان هَذَا النَّوْع فِيمَا يكون حَقًا لله
تَعَالَى بطرِيق الْجَزَاء كحرمان الْمِيرَاث وَغَيره
ثمَّ على هَذَا الأَصْل تبتنى الْمُعَامَلَات الَّتِى يبتنى
عَلَيْهَا حُقُوق الْعباد فَإِنَّهَا تَنْقَسِم ثَلَاثَة
أَقسَام
مَا يتمخض مَنْفَعَة وَمَا يتمخض ضَرَرا وَمَا يتَرَدَّد بَين
النفعة والمضرة
فَأَما مَا يتمحض مَنْفَعَة فنحو الإصطياد والإكتساب والإحتطاب
فَإِنَّهُ مَشْرُوع بِاعْتِبَار الْأَهْلِيَّة القاصرة فِي حق
الصبى مُفِيد لحكمه
وَكَذَلِكَ قبُول الْهِبَة وَالصَّدَََقَة وَالْقَبْض عندنَا
فَإِن ذَلِك يتمحض مَنْفَعَة فَيكون ثَابتا فِي حَقه بالأهلية
القاصرة
وَكَذَلِكَ لَو آجر الصبى نَفسه لعمل فَإِنَّهُ يَصح هَذَا
العقد مِنْهُ لاسْتِحْقَاق الْأجر الْمُسَمّى بِقدر مَا يُقيم
من الْعَمَل من غير أَن يتَعَلَّق بِشَرْط السَّلامَة من
الْعَمَل بِخِلَاف العَبْد الْمَحْجُور إِذا آجر نَفسه فوجوب
الْأُجْرَة هُنَاكَ تتَعَلَّق بِشَرْط السَّلامَة من الْعَمَل
وَفِي حكم لُزُوم تَسْلِيم النَّفس لَا يَجْعَل مُبَاشرَة
العقد من الصبى مُعْتَبرا قبل إِذن الولى لِأَن فِي ذَلِك معنى
الضَّرَر وإنمات يبتنى على الْأَهْلِيَّة القاصرة مَا يتمحض
مَنْفَعَة لَهُ كَمَا فِي حُقُوق الله تَعَالَى
وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا توكل عَن الْغَيْر بِالطَّلَاق
وَالْعتاق فَإِنَّهُ يَصح ذَلِك مِنْهُ لِأَنَّهُ يتمحض
مَنْفَعَة فِي حَقه لَا يشوبه ضَرَر فَإِن حَظه من ذَلِك صِحَة
عِبَارَته شرعا وصلاحيته لبِنَاء الحكم عَلَيْهِ وَهَذَا أعظم
وُجُوه الْمَنْفَعَة عِنْد الْعُقَلَاء خص الله تَعَالَى بِهِ
بنى آدم وَمن عَلَيْهِم بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {خلق
الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} وَقَالَ عَلَيْهِ السلامت
الْمَرْء بأصغريه بِقَلْبِه وَلسَانه وَقَالَ الْقَائِل ...
لِسَان الْفَتى نصف وَنصف فُؤَاده ... فَلم يبْق إِلَّا صُورَة
اللَّحْم وَالدَّم ... فَعرفنَا أَن معرفَة الْبَيَان وَصِحَّة
الْعبارَة من أعظم وُجُوه الإنتفاع بِهِ وَلِهَذَا صححنا
مِنْهُ التَّوَكُّل عَن الْغَيْر بِالْبيعِ وَالشِّرَاء لَهُ
فَإِن ذَلِك مَحْض مَنْفَعَة فِي حَقه لِأَنَّهُ يصير بِهِ
مهتديا إِلَى التَّصَرُّفَات عَارِفًا بمواضع الْغبن والخسران
ليتحرز مِنْهُ عِنْد حَاجته إِلَيْهِ وَقد أَشَارَ الله
تَعَالَى إِلَى ذَلِك بقوله {وابتلوا الْيَتَامَى} وَلَا
تلْزمهُ الْعهْدَة بِهَذَا التَّصَرُّف إِذْ لم يكن
(2/346)
مَأْذُونا لِأَن فِي إِلْزَام الْعهْدَة
معنى الضَّرَر وبالأهلية القاصرة إِنَّمَا يثبت فِي حَقه مَا
يتمحض مَنْفَعَة
فَإِن قيل أَلَيْسَ أَنه لَا يَصح مِنْهُ أَدَاء الشَّهَادَة
وَفِي تَصْحِيح عِبَارَته فِي أَدَاء الشَّهَادَة تمحض
الْمَنْفَعَة فِي حَقه قُلْنَا صِحَة أَدَاء الشَّهَادَة ينبنى
على أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وَذَلِكَ ينبنى على الْأَهْلِيَّة
الْكَامِلَة لِأَنَّهَا إِثْبَات الْولَايَة على الْغَيْر فِي
الْإِلْزَام بِغَيْر رِضَاهُ وَبِدُون الْأَهْلِيَّة
الْكَامِلَة لَا يثبت هَذِه الْولَايَة
وعَلى هَذَا الأَصْل قَالَ مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ يَصح
أَمَان الصبى الْمُمَيز وَإِن لم يكن مَأْذُونا فِي الْقِتَال
لِأَنَّهُ ينبنى على الْعبارَة وَفِي تَصْحِيح عِبَارَته شرعا
فِي هَذَا الحكم مَحْض الْمَنْفَعَة وَلَيْسَ فِيهِ إِلْزَام
الْغَيْر شَيْئا فَإِن النبذ بعد الْأمان صَحِيح والإلزام
بِحكم عقد يتَعَلَّق بِهِ اللُّزُوم وَبِهَذَا الطَّرِيق يَصح
من الْبَالِغ وَإِن لم يكن لَهُ ولَايَة الْإِلْزَام على
الْغَيْر بعقدة
وَلَكِن أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رضى الله عَنْهُمَا
قَالَا فِي تَصْحِيح الْأمان معنى الضَّرَر من حَيْثُ إِنَّه
يلْزمه الْكَفّ عَن الْقِتَال والسبى إِلَى وَقت النبذ
والأهلية القاصرة لَا تكفى لذَلِك فَأَما الْبَالِغ فقد وجدت
الْأَهْلِيَّة الْكَامِلَة فِي حَقه وَهُوَ يلْزم نَفسه أَولا
لِأَنَّهُ من أهل الْقِتَال يملك مُبَاشَرَته بِنَفسِهِ فيلتزم
الْكَفّ عَن ذَلِك بالأمان ثمَّ يتَعَدَّى الحكم إِلَى غَيره
بِاعْتِبَار أَنه لَا يحْتَمل التحرى وَفِي حق الصبى لَا يُوجد
هَذَا فَإِنَّهُ لَا يملك مُبَاشرَة الْقِتَال بِنَفسِهِ
فَهُوَ بالأمان يلْزم غَيره الْكَفّ عَن الْقِتَال وَلَا
يلْتَزم شَيْئا وعَلى هَذَا قَالَ فِي السّير الْكَبِير لَو
قَاتل الصبى الْمَحْجُور أَو العَبْد الْمَحْجُور
(2/347)
اسْتحق الرضخ لِأَن ذَلِك مَحْض مَنْفَعَة
يثبت بالأهلية القاصرة كالاحتطاب والاحتشاش وَيَنْبَغِي أَن
يكون هَذَا على أصل الْخصم أَيْضا فَإِنَّهُ يَقُول كل
مَنْفَعَة من هَذَا الْجِنْس يصلح لَهُ بوليه فَإِنَّهُ لَا
يكون أَهلا لتَحْصِيل ذَلِك لنَفسِهِ بِنَفسِهِ وَمَا لَا يحصل
لَهُ بوليه يكون هُوَ أَهلا لتحصيله ذَلِك لنَفسِهِ
وَفِي قبُول الْهِبَة وَالصَّدَََقَة لَهُ قَولَانِ فِي
أَحدهمَا لَا يَصح ذَلِك مِنْهُ بِنَفسِهِ وَيصِح من الْوَلِيّ
ذَلِك فِي حَقه وَفِي القَوْل الآخر على عكس هَذَا
ثمَّ اسْتِحْقَاق الرضخ بِسَبَب الْقِتَال مَحْض مَنْفَعَة لَا
يُمكن تَحْصِيله لَهُ من قبل الْوَلِيّ بمباشرته سَببه
فَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل هُوَ أَهلا لتحصيله لنَفسِهِ بمباشرته
سَببه
فَأَما مَا هُوَ ضَرَر مَحْض فنحو إبِْطَال الْملك فِي
الطَّلَاق وَالْعتاق وَنقل الْملك بِالْهبةِ وَالصَّدَََقَة
فَإِنَّهُ مَحْض ضَرَر فِي العاجل لَا يشوبه مَنْفَعَة
وَلِهَذَا يَنْبَنِي صِحَّته شرعا على الْأَهْلِيَّة
الْكَامِلَة فَلَا يثبت بالأهلية القاصرة حَتَّى لَا يملكهُ
الصَّبِي بِنَفسِهِ وَلَا بِوَاسِطَة الْوَلِيّ إِذا بَاشر
ذَلِك فِي حَقه
وَزعم بعض مَشَايِخنَا أَن هَذَا الحكم غير مَشْرُوع فِي حق
الصَّبِي أصلا حَتَّى إِن امْرَأَته لَا تكون محلا للطَّلَاق
قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا عِنْدِي وهم فَإِن الطَّلَاق
يملك بِملك النِّكَاح إِذْ لَا ضَرَر فِي إِثْبَات أصل الْملك
وَإِنَّمَا الضَّرَر فِي الْإِيقَاع حَتَّى إِذا تحققت
الْحَاجة إِلَى صِحَة إِيقَاع الطَّلَاق من جِهَته لدفع
الضَّرَر كَانَ صَحِيحا وَبِهَذَا يتَبَيَّن فَسَاد قَول من
يَقُول إِنَّا لَو أثبتنا ملك الطَّلَاق فِي حَقه كَانَ
خَالِيا عَن حكمه وَهُوَ ولَايَة الْإِيقَاع وَالسَّبَب
الْخَالِي عَن حكمه غير مُعْتَبر شرعا كَبيع الْحر وَطَلَاق
الْبَهِيمَة فَإِن الحكم ثَابت فِي حَقه عِنْد الْحَاجة حَتَّى
إِذا أسلمت امْرَأَته وَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَأبى فرق
بَينهمَا وَكَانَ ذَلِك طَلَاقا فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد
رَضِي الله عَنْهُمَا وَإِذا ارْتَدَّ وَقعت الْفرْقَة بَينه
وَبَين امْرَأَته وَكَانَ طَلَاقا فِي قَول مُحَمَّد وَإِذا
وجدته امْرَأَته مجبوبا فخاصمت فِي ذَلِك فرق بَينهمَا
وَلم يبين فِي الْجَامِع أَن هَذِه الْفرْقَة تكون بِطَلَاق أم
لَا
وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا إِنَّهَا تكون بِطَلَاق اكْتِفَاء
(2/348)
بالأهلية القاصرة عِنْد تحقق الْحَاجة
إِلَى دفع الضَّرَر عَنْهَا
وَقَالَ بَعضهم هَذِه تكون بِغَيْر طَلَاق لِأَن الصَّبِي
الْمُمَيز والرضيع الَّذِي لَا يعقل فِي هَذَا الحكم سَوَاء
وينعدم فِي حق الرَّضِيع الْأَهْلِيَّة القاصرة والكاملة
جَمِيعًا
وَإِذا كَاتب الْأَب أَو الْوَصِيّ نصيب الصَّغِير من عبد
مُشْتَرك بَينه وَبَين غَيره وَاسْتوْفى بدل الْكِتَابَة صَار
الصَّبِي معتقا بِنَصِيبِهِ حَتَّى يضمن قيمَة نصيب شَرِيكه
إِن كَانَ مُوسِرًا وَهَذَا الضَّمَان لَا يجب إِلَّا
بِالْإِعْتَاقِ فَيَكْفِي بالأهلية القاصرة فِي جعله معتقا
للْحَاجة إِلَى دفع الضَّرَر عَن الشَّرِيك فَعرفنَا أَن الحكم
ثَابت فِي حَقه عِنْد الْحَاجة فَأَما بِدُونِ الْحَاجة لَا
يَجْعَل ثَابتا لِأَن الِاكْتِفَاء بالأهلية القاصرة لتوفير
الْمَنْفَعَة على الصَّبِي وَهَذَا الْمَعْنى لَا يتَحَقَّق
فِيمَا هُوَ ضَرَر مَحْض
فَأَما مَا يتَرَدَّد بَين الْمَنْفَعَة وَالضَّرَر فنحو
الْمُعَاوَضَات كَالْبيع وَالشِّرَاء وَالنِّكَاح وَهَذَا
ثَابت فِي حق الصَّبِي عِنْد مُبَاشرَة الْوَلِيّ أَو عِنْد
الْمُبَاشرَة بِإِذن الْوَلِيّ لِأَن معنى توفير الْمَنْفَعَة
فِيهِ متوهم وَكَذَلِكَ معنى الضَّرَر وَلَا ينْدَفع معنى
الضَّرَر إِلَّا بِالرَّأْيِ الْكَامِل وَذَلِكَ يحصل عِنْد
مُبَاشرَة الْوَلِيّ أَو عِنْد مُبَاشرَة الصَّبِي بعد استطلاع
رَأْي الْوَلِيّ فَإِذا انْدفع توهم الضَّرَر الْتحق بِمَا
تتمخض فِيهِ الْمَنْفَعَة فَيكون للصَّبِيّ فِيهِ عبارَة
صَحِيحَة بالأهلية القاصرة وَهَذَا لِأَن بِهَذِهِ
الْأَهْلِيَّة اعْتبرت عِبَارَته فِي تَصْحِيح التَّصَرُّف
شرعا فِي حق الْغَيْر فَلِأَن يعْتَبر فِي حق نَفسه كَانَ أولى
وَالْمعْنَى فِيهِ مَا بَينا أَن فِي تَصْحِيح عِبَارَته نوع
مَنْفَعَة لَا تحصل لَهُ تِلْكَ الْمَنْفَعَة بِمُبَاشَرَة
الْوَلِيّ ثمَّ فِيهِ فتح طَرِيق يحصل الْمَقْصُود عَلَيْهِ من
وَجْهَيْن أَحدهمَا بمباشرته بِنَفسِهِ وَالْآخر بِمُبَاشَرَة
الْوَلِيّ فَيكون ذَلِك أَنْفَع مِنْهُ إِذا كَانَ الطَّرِيق
وَاحِدًا وَقد بَينا أَن بالأهلية القاصرة يثبت مَا فِيهِ
توفير الْمَنْفَعَة عَلَيْهِ
ثمَّ على أصل أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لما صَار الرَّأْي
الْقَاصِر فِي حَقه مجبورا بانضمام رَأْي الْوَلِيّ إِلَيْهِ
التحقق بالبالغ حَتَّى نفذ تصرفه بِالْغبنِ الْفَاحِش مَعَ
الْأَجَانِب كَمَا ينفذ من الْبَالِغ وَلما انْدفع معنى توهم
الضَّرَر بِرَأْي الْوَلِيّ جعل بِمَنْزِلَة مَا لَو انْدفع
ذَلِك بِرَأْيهِ الْكَامِل بعد الْبلُوغ فَينفذ تصرفه
بِالْغبنِ الْفَاحِش
(2/349)
مَعَ الْأَجَانِب وَعِنْدَهُمَا لما كَانَ
نُفُوذ هَذَا التَّصَرُّف مِنْهُ بِاعْتِبَار رأى الولى وَجب
اعْتِبَار رأية الْعَام برأية الْخَاص وَهُوَ مَا إِذا بَاشر
التَّصَرُّف بِنَفسِهِ فكمالا ينفذ التَّصَرُّف بِالْغبنِ
الْفَاحِش من الولى بمباشرته فَكَذَلِك لَا ينفذ بِمُبَاشَرَة
الصبى بعد إِذن الولى لَهُ
وَمَا قَالَه أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أوجه فَإِن إِقْرَار
الصبى بعد إِذن الولى لَهُ صَحِيح وَإِن كَانَ الولى لَا يملك
الْإِقْرَار عَلَيْهِ بِنَفسِهِ
وَفِي تصرفه بِالْغبنِ الْفَاحِش مَعَ الْأَقَارِب
رِوَايَتَانِ عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي إِحْدَاهمَا يَصح
لما قُلْنَا من الْوَجْهَيْنِ وَفِي الثَّانِيَة لَا يَصح
لِأَن شُبْهَة النِّيَابَة قَائِمَة فِي تصرفه لبَقَاء ولَايَة
الولى فِي الْحجر عَلَيْهِ مَتى شَاءَ وَلِأَنَّهُ وجد أصل
الرأى لَهُ بِنَفسِهِ وَلم تُوجد صفة الْكَمَال فَكَانَ هُوَ
بِاعْتِبَار الأَصْل متصرفا لنَفسِهِ كَالْبَالِغِ
وَبِاعْتِبَار الصّفة هُوَ كَالثَّابِتِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ
يملك التَّصَرُّف بِالْغبنِ مَعَ الْأَجَانِب بِاعْتِبَار
الأَصْل وَلَا يملك التَّصَرُّف بِالْغبنِ مَعَ الْأَقَارِب
بِاعْتِبَار الْوَصْف لِأَن التُّهْمَة تتمكن فِي حق
الْأَقَارِب دون الْأَجَانِب وَلِهَذَا قُلْنَا إِن تَدْبيره
ووصيته لَا تكون صَحِيحَة لِأَنَّهُ إِزَالَة الْملك مُضَافا
إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَيعْتَبر بِإِزَالَة الْملك فِي
حَالَة الْحَيَاة بطرِيق التَّبَرُّع من حَيْثُ إِنَّه ضَرَر
مَحْض
وَلَا يُقَال بِأَنَّهُ يَزُول الْملك عَنهُ بِمَوْتِهِ وَإِن
لم يوص فِيهِ يَنْعَدِم معنى الضَّرَر فِي وَصيته لِأَن
الزَّوَال بِالْمَوْتِ يكون إِلَى الْوَارِث وَكَانَ ذَلِك
لتوفير الْمَنْفَعَة على الْمُورث فَإِن نقل ملكه إِلَى
أَقَاربه عِنْد استغنائه عَنهُ يكون أولى عِنْده من النَّقْل
إِلَى الْأَجَانِب وَهُوَ بالإيصاء يتْرك هَذَا الْأَفْضَل
ويبذله لغيره وَهَذَا يكون فِيهِ ضَرَر لَا محَالة وَلَكِن
بالأهلية الْكَامِلَة يملك مثل هَذَا التَّصَرُّف كَمَا يملك
الطَّلَاق بعد النِّكَاح وبالأهلية القاصرة لَا يملك وعَلى
هَذَا قُلْنَا إِذا وَقعت الْفرْقَة بَين الزَّوْجَيْنِ
وَبَينهمَا صبى مُمَيّز فَإِنَّهُ لَا يُخَيّر فِيمَا بَين
الْأَبَوَيْنِ وَلَا تعْتَبر عِبَارَته فِي هَذَا الإختبار
شرعا لِأَنَّهُ يتَرَدَّد بَين الْمَنْفَعَة وَالضَّرَر فَلَا
ينتفى معنى الضَّرَر بانضمام رأى الولى إِلَى رَأْيه فِي ذَلِك
مَعَ أَنه يتَعَيَّن فِيهِ جَانب الضَّرَر بِاعْتِبَار
(2/350)
الظَّاهِر لِأَنَّهُ إِنَّمَا يخْتَار من
لَا يثقفه وَلَا يؤاخذه بالآداب وَلَكِن يتْركهُ خليع العذار
لقلَّة نظرة فِي عواقب الْأُمُور
وكما لَا يعْتَبر اخْتِيَاره فِي هَذَا لَا يعْتَبر اخْتِيَار
وليه فِي هَذِه الْحَالة أَبوهُ وَأَبوهُ فِي هَذَا الإختيار
يعْمل لنَفسِهِ فَلَا يصلح أَن يكون نَاظرا فِيهِ لوَلَده
وَقد يجوز أَن لَا يعْتَبر قَوْله فِي ذَلِك وَلَا قَول أَبِيه
كَمَا قَالَ فِي السّير الْكَبِير إِذا كَانَ فِي رهن
الْمُشْركين عِنْد الْمُسلمين صبيان فأسلموا ثمَّ رَضوا بردهمْ
على الْمُشْركين لاسترداد رهن الْمُسلمين مِنْهُم لَا يعْتَبر
رضاهم فِي ذَلِك وَلَا رِضَاء آبَائِهِم فَلَا يردون بِخِلَاف
رهن الرِّجَال الْبَالِغين فَهَذَا نوع اخْتِيَار مِنْهُ ثمَّ
لَا يعْتَبر عِبَارَته فِيهِ وَلَا عبارَة وليه لِأَنَّهُ ينبى
على الْأَهْلِيَّة الْكَامِلَة بِمَنْزِلَة التَّصَرُّف الذى
يتمحض ضَرَرا
فَإِن قيل فقد ذكر فِي الْإِقْرَار وَالسير الْكَبِير أَن
الصبى الْعَاقِل إِذا كَانَ مَجْهُول الْحَال فَأقر على نَفسه
بِالرّقِّ فَإِنَّهُ يَصح إِقْرَاره
وَفِي هَذَا اعْتِبَار عِبَارَته فِيمَا يتمحض ضَرَرا فِي حَقه
وَهُوَ إبِْطَال الْحُرِّيَّة وتبدل صفة الْمَالِكِيَّة
بالمملوكية
قُلْنَا ثُبُوت الرّقّ هُنَا لَيْسَ بعبارته وَلَكِن بِدَعْوَى
ذى الْيَد أَنه عبدلى لِأَن عِنْد معارضته إِيَّاه بِدَعْوَى
الْحُرِّيَّة لَا تتقرر يَده عَلَيْهِ الصبى الذى لَا يعقل
إِذا كَانَ فِي يَده فَقَالَ هُوَ عبدى أَو لِأَن الْحُرِّيَّة
إِنَّمَا تثبت لَهُ إِذا ادّعى الْحُرِّيَّة وَلَا يُمكن أَن
يَجْعَل بِإِقْرَارِهِ الرّقّ مُدعيًا للحرية بِوَجْه فَكَانَ
هَذَا نَظِير مَا قُلْنَا فِي صِحَة ردته نَعُوذ بِاللَّه من
حَيْثُ إِنَّه مَعَ جَهله بِاللَّه لَا يُمكن أَن يَجْعَل
عَالما بِهِ حَتَّى يكون مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ
وَلَا يسْتَقرّ مَذْهَب الشافعى رَحمَه الله فِي هَذِه
(2/351)
الْفُصُول على شَيْء مَعْلُوم فَإِنَّهُ
يعْتَبر عِبَارَته فِي الِاخْتِيَار بَين الْأَبَوَيْنِ لإلزام
الحكم بِهِ وَلَا يعْتَبر عِبَارَته فِي الحكم بِإِسْلَامِهِ
إِذا سمع مِنْهُ الْإِقْرَار بِهِ وَلَا شكّ أَن الْمَنْفَعَة
فِي هَذَا أظهر فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَتعْتَبر
عِبَارَته فِي الْوَصِيَّة وَالتَّدْبِير وَلَا تعْتَبر فِي
صِحَة البيع وَالشِّرَاء وَمعنى الْمَنْفَعَة فِيهِ أظهر
مِنْهُ فِي الْوَصِيَّة وَإِنَّمَا لَهُ حرف وَاحِد يطرده فِي
جَمِيع هَذِه الْفُصُول وَهُوَ أَن كل مَنْفَعَة يُمكن تحصليها
لَهُ بِمُبَاشَرَة وليه لَا تعْتَبر عِبَارَته فِي ذَلِك وَمَا
لَا يُمكن تَحْصِيله بِهِ بِمُبَاشَرَة وليه تعْتَبر عِبَارَته
فِيهِ فالمنفعة الْمَقْصُودَة من البيع وَالشِّرَاء يُمكن
تَحْصِيلهَا بِهِ بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ وَالْمَنْفَعَة
الْمَطْلُوبَة بِالْوَصِيَّةِ لَا يُمكن تَحْصِيلهَا بِهِ
بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ وَكَذَلِكَ الْمَنْفَعَة الَّتِي لَهُ
بِاخْتِيَار أحد الْأَبَوَيْنِ لَا يُمكن تَحْصِيلهَا لَهُ
بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ فَتعْتَبر عِبَارَته فِي ذَلِك
وَالْمَنْفَعَة الْمَطْلُوبَة بِالْإِسْلَامِ يُمكن
تَحْصِيلهَا بِهِ بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ فَإِنَّهُ يصير
مُسلما بِإِسْلَام أحد الْأَبَوَيْنِ تبعا وَإِن كَانَ عَاقِلا
فَلَا تعْتَبر عِبَارَته فِي ذَلِك
وَقرر الشَّافِعِي رَحمَه الله هَذَا من طَرِيق الْفِقْه
فَقَالَ كَونه موليا عَلَيْهِ سمة الْعَجز وَكَونه وليا دَلِيل
الْقُدْرَة وَبَينهمَا مُغَايرَة على سَبِيل المضادة فَلَا
يجوز اجْتِمَاعهمَا
قَالَ الشَّافِعِي وَلِهَذَا لَا أصحح ردته بِنَفسِهِ لِأَن
حكم الرِّدَّة فِي حَقه لما كَانَ يثبت بطرِيق التّبعِيَّة
لِلْأَبَوَيْنِ يسْقط اعْتِبَار مُبَاشَرَته لذَلِك بِنَفسِهِ
ثمَّ قرر الشَّافِعِي رَحمَه الله هَذَا فَقَالَ إِذا أسلم أحد
أَبَوَيْهِ يحكم بِإِسْلَامِهِ مَعَ كَونه مُعْتَقدًا للكفر
بِنَفسِهِ فَإِذا كَانَ لَا يعْتَبر اعْتِقَاده فِي
اسْتِدَامَة مَا كَانَ ثَابتا فِي حَقه فَلِأَن لَا يعْتَبر
اعْتِقَاده فِي إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا كَانَ أولى
وَلَكنَّا نقُول هَذَا شَيْء نطرده من غير أَن نتبين صِحَّته
بِدَلِيل شَرْعِي فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاة بَين تَحْصِيل
مَنْفَعَة لَهُ بِوَاسِطَة الْوَلِيّ فِي حَالَة وَبَين
تَحْصِيل تِلْكَ الْمَنْفَعَة لَهُ بمباشرته بِنَفسِهِ فِي
حَالَة أُخْرَى أَلا ترى أَنه يصير مُسلما بِإِسْلَام أَبِيه
تَارَة وبإسلام أمه أُخْرَى وَإِنَّمَا تتَحَقَّق هَذِه
(الْمُنَافَاة) فِي حَالَة وَاحِدَة وَنحن إِذا جَعَلْنَاهُ
مُسلما بِإِسْلَام نَفسه لَا نجعله تبعا فِي تِلْكَ الْحَالة
وَفِي الْحَال الَّذِي يكون تبعا لِأَبَوَيْهِ لَا يكون مُسلما
بِإِسْلَام نَفسه وَمَا هَذَا إِلَّا نَظِير العَبْد يكون تبعا
لمَوْلَاهُ فِي السّفر وَالْإِقَامَة فِي حَالَة وَاحِدَة
(2/352)
وَيكون أصلا بِنَفسِهِ فِي حَالَة وَهُوَ
إِذا خلى الْمولى بَينه وَبَين ذَلِك وَهَذَا لما فِي تَصْحِيح
عِبَارَته من تَحْصِيل مَنْفَعَة مَقْصُودَة لَهُ لَا يحصل
ذَلِك بِمُبَاشَرَة الْوَلِيّ بِمَا فِي توسيع الطّرق عَلَيْهِ
من الْمَنْفَعَة الَّتِي لَا تحصل إِذا كَانَ جِهَة
الْإِصَابَة وَاحِدًا عينا وَإِذا أسلم أحد أَبَوَيْهِ
فَإِنَّمَا نجعله مُسلما تبعا لِأَنَّهُ فِي نَفسه غير
مُعْتَقد شَيْئا وَلَا واصف لشَيْء سوى ذَلِك حَتَّى لَو علم
أَنه مُعْتَقد للكفر بِأَن وصف ذَلِك نجعله مُرْتَدا ونجعل
حكمه كَحكم من أسلم بِنَفسِهِ ثمَّ ارْتَدَّ (نعود بِاللَّه
تَعَالَى) بعد ذَلِك
فَهَذَا تَمام الْبَيَان فِيمَا يَنْبَنِي على الْأَهْلِيَّة
القاصرة والكاملة وَالله أعلم بِالْحَقِيقَةِ وَالصَّوَاب
وَفِي نِهَايَة نُسْخَة المكتبة الأحمدية تمّ الْكتاب ونجز
وَهَذَا آخِره وَوَافَقَ الْفَرَاغ من كِتَابَته يَوْم
الثُّلَاثَاء الْعشْرين من شهر ربيع الأول سنة أَربع
وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة على يَد العَبْد الْفَقِير إِلَى ربه
الْمُعْتَرف بِذَنبِهِ الراجي عَفْو ربه عمر بن أَحْمد بن
مُحَمَّد الجرهمي الْحَنَفِيّ عَفا الله تَعَالَى عَنْهُم
أَجْمَعِينَ تكرما بِالْمَدْرَسَةِ المقدمية الجولينية
الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق المحروسة رحم الله واقفها وَنور ضريحه
الْحَمد لله رب الْعَالمين وصلواته على خير خلقه مُحَمَّد
وَآله وَصَحبه وَسَلَامه
(2/353)
|