أصول الشاشي بحث كَون أصُول الْفِقْه أَرْبَعَة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الذى أَعلَى منزلَة الْمُؤمنِينَ بكريم خطابه رفع
دَرَجَة الْعَالمين بمعاني كِتَابه وَخص المستنبطين مِنْهُم
بمزيد الْإِصَابَة وثوابه والصلوة عَليّ النَّبِي وَأَصْحَابه
وَالسَّلَام على أبي حنيفَة وأحبابه وَبعد فَإِن أصُول
الْفِقْه أَرْبَعَة كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله
وَإِجْمَاع الْأمة وَالْقِيَاس فَلَا بُد من الْبَحْث فِي كل
وَاحِد من هَذِه الأ قسام ليعلم بذلك طَرِيق تخرج الأ حكام
الْبَحْث الأول فِي كتاب الله تَعَالَى
1 - فصل فِي الْخَاص وَالْعَام
فالخاص لفظ وضع لِمَعْنى مَعْلُوم أَو لمسمى مَعْلُوم على
الِانْفِرَاد كَقَوْلِنَا فِي تَخْصِيص الْفَرد زيد وَفِي
تَخْصِيص النَّوْع رجل وَفِي تَخْصِيص الْجِنْس إِنْسَان
(1/13)
1 - 1 بحث الْعَام وَالْخَاص
وَالْعَام كل لفظ يَنْتَظِم جمعا من الْأَفْرَاد
إِمَّا لفظا كَقَوْلِنَا مُسلمُونَ ومشرقون وَإِمَّا معنى
كَقَوْلِنَا من وَمَا
وَحكم الْخَاص من الْكتاب وجوب الْعَمَل بِهِ لَا محَالة فَإِن
قابله خبر الْوَاحِد أَو الْقيَاس فَإِن أمكن الْجمع بَينهمَا
بِدُونِ تَغْيِير فِي حكم الْخَاص يعْمل بهما وَإِلَّا يعْمل
بِالْكتاب وَيتْرك مَا يُقَابله مِثَاله فِي قَوْله تَعَالَى
{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} فَإِن
لَفْظَة الثَّلَاثَة خَاص فِي تَعْرِيف عدد مَعْلُوم فَيجب
الْعَمَل بِهِ
وَلَو حمل الإ قراء على الا طهار كَمَا ذهب إِلَيْهِ
الشَّافِعِي بِاعْتِبَار أَن الطُّهْر مُذَكّر دون الْحيض وَقد
ورد الْكتاب فِي الْجمع بِلَفْظ التَّأْنِيث دلّ على أَن جمع
الْمُذكر وَهُوَ الطُّهْر لزم ترك الْعَمَل بِهَذَا الْخَاص
لِأَن من حمله على الطُّهْر لَا يُوجب ثَلَاثَة أطهار بل طهرين
وَبَعض الثَّالِث وَهُوَ الَّذِي وَقع فِيهِ الطَّلَاق فَيخرج
على هَذَا حكم الرّجْعَة فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة وزواله
وَتَصْحِيح نِكَاح الْغَيْر وإبطاله وَحكم الْحَبْس
وَالْإِطْلَاق والمسكن والإنفاق وَالْخلْع وَالطَّلَاق وَتزَوج
الزَّوْج بأختها وَأَرْبع سواهَا وَأَحْكَام الْمِيرَاث مَعَ
كَثْرَة تعدادها وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى
(1/17)
2 - 2 بحث تَقْسِيم الْعَام إِلَى قسمَيْنِ
{قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم} خَاص فِي
التَّقْدِير الشَّرْعِيّ فَلَا يتْرك الْعَمَل بِهِ
بِاعْتِبَار أَنه عقد مَالِي فَيعْتَبر بِالْعُقُودِ
الْمَالِيَّة فَيكون تَقْدِير المَال فِيهِ موكولا إِلَى رَأْي
الزَّوْجَيْنِ كَمَا ذكره الشَّافِعِي وَفرع على هَذَا أَن
التخلي لنفل الْعِبَادَة أفضل من الِاشْتِغَال بِالنِّكَاحِ
وأباح إِبْطَاله بِالطَّلَاق كَيفَ مَا شَاءَ الزَّوْج من جمع
وتفريق وأباح إرْسَال الثَّلَاث جملَة وَاحِدَة وَجعل عقد
النِّكَاح قَابلا للْفَسْخ بِالْخلْعِ وَكَذَلِكَ قَوْله
تَعَالَى {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} خَاص فِي وجود النِّكَاح
من الْمَرْأَة فَلَا يتْرك الْعَمَل بِهِ بِمَا رُوِيَ عَن
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
أَيّمَا امرآة نكحت نَفسهَا بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها
بَاطِل بَاطِل بَاطِل وَيتَفَرَّع مِنْهُ الْخلاف فِي حل
الْوَطْء وَلُزُوم الْمهْر وَالنَّفقَة وَالسُّكْنَى وَوُقُوع
الطَّلَاق وَالنِّكَاح بعد الطلقات الثَّلَاث على مَا ذهب
إِلَيْهِ قدماء أَصْحَابه بِخِلَاف مَا اخْتَارَهُ
الْمُتَأَخّرُونَ مِنْهُم
وَأما الْعَام فنوعان عَام خص عَنهُ الْبَعْض وعام لم يخص
عَنهُ شَيْء فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْخَاص فِي حق لُزُوم
الْعَمَل بِهِ لَا محَالة وعَلى هَذَا قُلْنَا إِذا قطع يَد
السَّارِق بَعْدَمَا هلك الْمَسْرُوق عِنْده لَا يجب عَلَيْهِ
الضَّمَان لِأَن الْقطع جَزَاء جَمِيع مَا اكْتَسبهُ
(1/20)
1 - 3 بحث عُمُوم كلمة مَا
إِن كلمة مَا عَامَّة تتَنَاوَل جَمِيع مَا وجد من السَّارِق
وَبِتَقْدِير إِيجَاب الضَّمَان يكون الْجَزَاء هُوَ
الْمَجْمُوع وَلَا يتْرك الْعَمَل بِالْقِيَاسِ على الْغَصْب
وَالدَّلِيل على أَن كلمة مَا عَامَّة مَا ذكره مُحَمَّد
رَحمَه الله إِذا قَالَ الْمولى لجاريته إِن كَانَ مَا فِي
بَطْنك غُلَاما فَأَنت حرَّة فَولدت غُلَاما وَجَارِيَة لَا
تعْتق وبمثله نقُول فِي قَوْله تَعَالَى {فاقرؤوا مَا تيَسّر
من الْقُرْآن} فَإِنَّهُ عَام فِي جَمِيع مَا تيَسّر من
الْقُرْآن وَمن ضَرُورَته عدم توقف الْجَوَاز على قِرَاءَة
الْفَاتِحَة وَجَاء فِي الْخَبَر أَنه قَالَ لَا صَلَاة إِلَّا
بِفَاتِحَة الْكتاب فعملنا بهما على وَجه لَا يتَغَيَّر بِهِ
حكم الْكتاب بِأَن نحمل الْخَبَر على نفي الْكَمَال حَتَّى
يكون مُطلق الْقِرَاءَة فرضا بِحكم الْكتاب وَقِرَاءَة
الْفَاتِحَة وَاجِبَة بِحكم الْخَبَر وَقُلْنَا كَذَلِك فِي
قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله
عَلَيْهِ} أَنه يُوجب حُرْمَة مَتْرُوك التَّسْمِيَة عَامِدًا
وَجَاء فِي الْخَبَر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن
مَتْرُوك التَّسْمِيَة عَامِدًا فَقَالَ
(كلوه فَإِن تَسْمِيَة الله تَعَالَى فِي قلب كل امرىء مُسلم)
فَلَا يُمكن التَّوْفِيق بينهمالأنه لَو ثَبت الْحل
بِتَرْكِهَا عَامِدًا لثبت الْحل بِتَرْكِهَا نَاسِيا
فَحِينَئِذٍ يرْتَفع حكم الْكتاب فَيتْرك الْخَبَر
(1/23)
1 - 4 بحث الْعَام الْمَخْصُوص مِنْهُ
الْبَعْض
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم}
يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ حُرْمَة نِكَاح الْمُرضعَة وَقد جَاءَ
فِي الْخَبَر
لَا تحرم المصة وَلَا المصتان وَلَا الإملاجة وَلَا الإملاجتان
فَلم يُمكن التَّوْفِيق بَينهمَا فَيتْرك الْخَبَر
(وَأما الْعَام الَّذِي خص عِنْد الْبَعْض فَحكمه) أَنه يجب
الْعَمَل بِهِ فِي الْبَاقِي مَعَ الِاحْتِمَال فَإِذا أَقَامَ
الدَّلِيل على تَخْصِيص الْبَاقِي يجوز تَخْصِيصه بِخَبَر
الْوَاحِد أَو الْقيَاس إِلَى أَن يبْقى الثُّلُث بعد ذَلِك
لَا يجوز فَيجب الْعَمَل بِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِأَن
الْمُخَصّص الَّذِي أخرج الْبَعْض عَن الْجُمْلَة لَو أخرج
بَعْضًا مَجْهُولا يثبت الِاحْتِمَال فِي كل فَرد معِين فَجَاز
أَن يكون بَاقِيا تَحت حكم الْعَام وَجَاز أَن يكون دَاخِلا
تَحت دَلِيل الْخُصُوص فَاسْتَوَى الطرفان فِي حق الْمعِين
فَإِذا أَقَامَ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ على أَنه من جملَة مَا
دخل تَحت دَلِيل الْخُصُوص ترجح جَانب نخصيصه وَإِن كَانَ
الْمُخَصّص أخرج بَعْضًا مَعْلُوما عَن الْجُمْلَة جَازَ أَن
يكون معلولا بعلة مَوْجُودَة فِي هَذَا الْفَرد الْمعِين
فَإِذا قَامَ الدَّلِيل الشَّرْعِيّ على وجود تِلْكَ الْعلَّة
فِي غير هَذَا الْفَرد الْمعِين ترجح جِهَة تَخْصِيصه فَيعْمل
بِهِ مَعَ وجود الِاحْتِمَال
(1/26)
|