أصول الشاشي الْفَصْل الْخَامِس فصل فِي تَعْرِيف
طَرِيق الِاسْتِعَارَة
اعْلَم أَن الِاسْتِعَارَة فِي أَحْكَام الشَّرْع مطردَة
بطريقين
أَحدهمَا لوُجُود الِاتِّصَال بَين الْعلَّة وَالْحكم
وَالثَّانِي لوُجُود الِاتِّصَال بَين السَّبَب والمحض
وَالْحكم
فَالْأول مِنْهُمَا يُوجب صِحَة الِاسْتِعَارَة من
الطَّرفَيْنِ
وَالثَّانِي يُوجب صِحَّتهَا من أحد الطَّرفَيْنِ وَهُوَ
اسْتِعَارَة الأَصْل للفرع
مِثَال الأول فِيمَا إِذا قَالَ إِن ملكت عبدا فَهُوَ حر فَملك
نصف العَبْد فَبَاعَهُ ثمَّ ملك النّصْف الآخر لم يعْتق إِذْ
لم يجْتَمع فِي ملكه كل العَبْد
وَلَو قَالَ إِن اشْتريت عبدا فَهُوَ حر فَاشْترى نصف العَبْد
فَبَاعَهُ ثمَّ
(1/56)
اشْترى النّصْف الآخر عتق النّصْف
الثَّانِي
وَلَو عَنى بِالْملكِ الشِّرَاء أَو بِالشِّرَاءِ الْملك صحت
نِيَّته بطرِيق الْمجَاز لِأَن الشِّرَاء عِلّة الْملك
وَالْملك حكمه فعمت الِاسْتِعَارَة بَين الْعلَّة والمعلول من
الطَّرفَيْنِ
(1/57)
إلاإنه فِيمَا يكون تَخْفِيفًا فِي حَقه
لَا يصدق فِي حق الْقَضَاء خَاصَّة لِمَعْنى التُّهْمَة لَا
لعدم صِحَة الِاسْتِعَارَة
وَمِثَال الثَّانِي إِذا قَالَ لامْرَأَته حررتك وَنوى بِهِ
الطَّلَاق يَصح لِأَن التَّحْرِير بحقيقته يُوجب زَوَال ملك
الْبضْع بِوَاسِطَة زَوَال ملك الرقبه فَكَانَ سَببا مَحْضا
لزوَال ملك الْمُتْعَة فَجَاز أَن يستعار عَن الطَّلَاق
الَّذِي هُوَ مزيل لملك الْمُتْعَة
وَلَا يُقَال لَو جعل مجَازًا عَن الطَّلَاق لوَجَبَ أَن يكون
الطَّلَاق الْوَاقِع بِهِ رَجْعِيًا كصريح الطَّلَاق
لأَنا نقُول لَا نجعله مجَازًا عَن الطَّلَاق بل عَن المزيل
لملك الْمُتْعَة وَذَلِكَ فِي الْبَائِن إِذْ لرجعي لَا يزِيل
ملك الْمُتْعَة عندنَا
وَلَو قَالَ لأمته طَلقتك وَنوى بِهِ التَّحْرِير لَا يَصح
لِأَن الأَصْل جَازَ أَن يثبت بِهِ الْفَرْع وَأما الْفَرْع
فَلَا يجوز أَن يثبت بِهِ الأَصْل وعَلى هَذَا نقُول
ينْعَقد النِّكَاح بِلَفْظ الْهِبَة وَالتَّمْلِيك وَالْبيع
لِأَن الْهِبَة بحقيقتها توجب ملك الرَّقَبَة وَملك الرَّقَبَة
يُوجب ملك الْمُتْعَة فِي الْإِمَاء فَكَانَت الْهِبَة سَببا
مَحْضا لثُبُوت ملك الْمُتْعَة فَجَاز أَن يستعار عَن
النِّكَاح
(1/60)
وَكَذَلِكَ لفظ التَّمْلِيك وَالْبيع لَا
ينعكس حَتَّى لَا ينْعَقد البيع وَالْهِبَة بِلَفْظ النِّكَاح
ثمَّ فِي كل مَوضِع يكون الْمحل مُتَعَيّنا لنَوْع من الْمجَاز
لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى النِّيَّة لَا يُقَال وَلما كَانَ
إِمْكَان الْحَقِيقَة شرطا لصِحَّة الْمجَاز عِنْدهمَا
(1/61)
كَيفَ يُصَار إِلَى الْمجَاز فِي صُورَة النِّكَاح بِلَفْظ
الْهِبَة مَعَ أَن تمْلِيك الْحرَّة بِالْبيعِ وَالْهِبَة
محَال
لأَنا نقُول ذَلِك مُمكن فِي الْجُمْلَة بِأَن ارْتَدَّت
وَلَحِقت بدار الْحَرْب ثمَّ سبيت وَصَارَ هَذَا نَظِير مس
السَّمَاء واخواته |