أصول الفقه لابن مفلح المفهوم
الدلالة:
منطوق: وهو ما دل عليه اللفظ في محل النطق.
والمفهوم: ما دل عليه لا في محل النطق.
....................
والمنطوق:
صريح: وهو ما وضع اللفظ له.
وغير الصريح: ما يلزم عنه:
فإِن (1) قصده المتكلم -وتوقف صدقه عليه نحو: (رفع عن أمتي
الخطأ)، أو الصحة العقلية (2) نحو: (واسأل القرية) (3)، أو
الصحة الشرعية نحو: "أعتق عبدك عني على مائة"؛ لاستدعائه سبق
الملك لتوقف العتق عليه- فدلالة اللفظ عليه دلالة اقتضاء.
وإن لم يتوقف -واقترن الملفوظ به بحكم لو لم يكن لتعليله
استبعد من الشارع مثله- فتنبيه وإِيماء. وسيأتي في القياس (4).
__________
(1) في (ب): فإنه.
(2) نهاية 107أمن (ظ).
(3) سورة يوسف: آية 82.
(4) في ص 1259.
(3/1056)
وإن لم يقصد فدلالة إِشارة، كما رواه عبد
الرحمن بن أبي حاتم الرازي في سننه عنه - عليه السلام -:
(النساء ناقصات عقل ودين)، قيل: وما نقصان دينهن؟ قال: (تمكث
إِحداهن شطر عمرها لا تصلي) (1). لم
__________
(1) أخرج البخاري في صحيحه 1/ 64، 3/ 35 من حديث أبي سعيد
مرفوعاً: (... أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال:
فذلك من نقصان دينها). وأخرجه مسلم في صحيحه/ 86 - 87 من حديث
ابن عمر، وفيه: (وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا
نقصان الدين).
أما لفظ: (تمكث إِحداهن شطر عمرها لا تصلي) فقد قال ابن الجوزي
في التحقيق 1/ 201: ذكره أصحابنا، وهذا لفظ لا أعرفه. وأقره
صاحب التنقيح عليه. وقال الشيرازي في المهذب: لم أجده بهذا
اللفظ إِلا في كتب الفقه. قال النووي: حديث باطل لا يعرف.
فانظر: المجموع شرح المهذب 2/ 389. وقال ابن حجر في التلخيص 1/
162: لا أصل له بهذا اللفظ، قال الحافظ أبو عبد الله بن منده
-فيما حكاه عنه ابن دقيق العيد في الإِمام-: "ذكر بعضهم هذا
الحديث، ولا يثبت بوجه من الوجوه"، وقال البيهقي في المعرفة:
"هذا حديث يذكره بعض فقهائنا، وقد تطلبته كثيراً فلم أجده في
شيء من كتب الحديث، ولم أجد له إِسنادًا"، وقال المنذري: "لم
يوجد له إِسناد بحال"، وأغرب الفخر ابن تيمية في شرح الهداية
لأبي الخطاب، فنقل عن القاضي أبي يعلى أنه قال: ذكره عبد
الرحمن بن أبي حاتم البستي في كتاب السنن له. كذا قال، وابن
أبي حاتم ليس بستيا، وإنما هو رازي، وليس له كتاب يقال له:
السنن. وراجع: كشف الخفاء 1/ 379 - 380، والمقاصد الحسنة/ 1 -
165.
وقال الزركشي في المعتبر/ 70 ب: زعم جماعة من الحفاظ -منهم:
البيهقي- أنه بهذا اللفظ لا أصل له ... وقد ذكرت في الذهب
الإِبريز أصله.
(3/1057)
يقصد - عليه السلام - بيان أكثر الحيض وأقل
(1) الطهر، لكنه لزم من اقتضاء المبالغة (2) ذكر ذلك.
وكذا: (وحمله وفصاله (3) ثلاثون شهرًا) (4) مع: (وفصاله في
عامين) (5) يلزم أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
وكذا: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) (6) يلزم منه جواز الإِصباح
جنبًا. ومثله: (فالآن باشروهن) إِلى (حتى يتبين لكم) (6).
وسَمَّى في العدة (7) الإِضمار مفهوم الخطاب وفحواه ولحنه (8).
وسماه في التمهيد (9) لحن الخطاب، قال (10): ومعنى الخطاب
القياس.
قال -هو (11) وابن عقيل (12) -: والنص هو الصريح، لا
__________
(1) في (ب): وأكثر.
(2) في نقصان دينهن.
(3) نهاية 311 من (ح).
(4) سورة الأحقاف: آية 15.
(5) سورة لقمان: آية 14.
(6) سورة البقرة: آية 187.
(7) انظر: العدة/ 152 - 153.
(8) نهاية 150 ب من (ب).
(9) انظر: التمهيد/ 4 أ.
(10) انظر: التمهيد/ 4 ب.
(11) انظر: المرجع السابق / 2أ- ب.
(12) انظر: الواضح 1/ 8أ، 22أ، 124 ب، 126أ.
(3/1058)
يعدل [عنه] (1) إِلا بنسخ.
وفي العدة (2): الصريح في حكم وإن احتمل غيره.
واختار (3) في الروضة (4): ما أفاد بنفسه بلا احتمال أو احتمال
لا دليل عليه. قال: وقد يطلق على الظاهر، ولا مانع منه؛ فإِنه
(5) في اللغة: الظهور. قال (6): وما فهم منه التعليل يسمى:
إِيماء وإشارة وفحوى الكلام ولحنه. والله أعلم.
* * *
والمفهوم: [مفهوم] (7) موافقة، ومفهوم مخالفة.
فالأول: أن يكون المسكوت موافقاً في الحكم -ويسمى: فحوى الخطاب
ولحن الخطاب، قال الآمدي (8): "أي معنى الخطاب"، وسماه في
العدة (9)
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(2) انظر: العدة/ 138.
(3) في (ب): واختاره.
(4) انظر: روضة الناظر/ 177.
(5) يعني: النص.
(6) انظر: المرجع السابق/ 262 - 263.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 66.
(9) انظر: العدة/ 153.
(3/1059)
كالإِضمار، ومثله في التمهيد (1) أيضًا
(2)، وسماه في الروضة (3): فحواه -كتحريم الضرب من قوله: (فلا
تقل لهما أفٍّ) (4)، وكالجزاء بما فوق المثقال من قوله: (فمن
يعمل مثقال ذرة خيرًا يره) (5)، وكتأدية ما دون القنطار من
قوله: (يؤده إليك) وعدم الآخر (6) من: (لا يؤده إِليك) (7)،
وهذا تنبيه بالأعلى، وما قبله بالأدنى، فلهذا: الحكم في
المسكوت أولى منه في الملفوظ.
ويعرف الحكم في المسكوت بمعرفة المعنى المقصود من الحكم في
النطق، وأنه أولى فيه.
.....................
وهو حجة -ذكره بعضهم إِجماعًا- لتبادر فهم العقلاء.
واختلف النقل عن داود (8).
.....................
__________
(1) انظر: التمهيد / 4أ.
(2) في (ح): أيضًا في التمهيد.
(3) انظر: روضة الناظر/ 263.
(4) سورة الإِسراء: آية 23.
(5) سورة الزلزلة: آية 7.
(6) في (ب): الآخرة.
(7) سورة آل عمران: آية 75.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 67، والمسودة/ 346.
(3/1060)
ثم: دلالته لفظية عند القاضي (1) والحنفية
(2) والمالكية (3) وبعض الشافعية (4) وجماعة من المتكلمين
والظاهرية (5) -قال بعض أصحابنا (6): (7) نص عليه أحمد في
مواضع- واختاره ابن عقيل (8)، وذكره عن أصحابنا، واختاره
الآمدي (9) وغيره؛ لفهمه لغة قبل شرع القياس، ولاندراج أصله في
فرعه نحو: "لا تعطه ذرة" (10).
واحتج ابن عقيل (11) وغيره: بأنه لا يحسن الاستفهام، ويشترك في
__________
(1) انظر: العدة/ 480 وما بعدها، 205 أ- ب، والتمهيد/ 160أ،
وروضة الناظر/ 263.
(2) انظر: أصول السرخسي 1/ 241، وكشف الأسرار 1/ 73، وتيسير
التحرير 1/ 94، وفواتح الرحموت 1/ 410، وفتح الغفار 2/ 45.
(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 108، والإِشارات/ 92، ونشر
البنود 1/ 96.
(4) انظر: اللمع/ 25، والتبصرة/ 227، والآيات البينات 2/ 20،
وشرح المحلي 1/ 243.
(5) انظر: الأحكام لابن حزم/ 1210 وما بعدها، والتبصرة/ 227.
(6) انظر: المسودة/ 389.
(7) نهاية 312 من (ح).
(8) انظر: الواضح 2/ 149.
(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 68.
(10) في (ب): ذرة ابن عقيل واحتج ابن عقيل ...
(11) انظر: الواضح 2/ 49 أ- ب، 52 ب.
(3/1061)
فهمه (1) اللغوي وغيره بلا قرينة -وضعف ابن
عقيل (2) وغيره ما حكوه عن قوم "أنه مستفاد من اللفظ": أنه لم
يلفظ به (3)، ولهذا افتقر إِلى استدلال وعلم قصد المتكلم
وسياقه- ويفهم بأول وهلة.
فقيل (4) له: لو قال لمدعي دينارًا (*): "لا يستحق عَلَيَّ
حبَّة" لم يجبه (5).
فقال (6): لأنه لا يكتفى في دفع الدعوى بظاهر بل بنص، ولهذا لو
حلف "والله إِني لصادق فيما ادعيته عليه" أو حلف المنكر "إنه
لكاذب فيما ادعاه عَلَيّ" لم يُقبل.
وخالفه بعض أصحابنا (7)، فقال: إِنه (8) يعم من باب الفحوى،
إِلا أن يقال: يعم حقيقة عرفية (9).
__________
(1) نهاية 151 أمن (ب).
(2) انظر: الواضح 2/ 50 ب، 51 ب.
(3) نهاية 107 ب من (ظ).
(*) كذا في النسخ. ولعل الصواب: دينار.
(4) انظر: الواضح 2/ 52 ب.
(5) يعني: ولو كان مستفادًا من فحوى اللفظ لكان قد أجابه.
(6) انظر: الواضح 2/ 52 ب- 53 أ.
(7) انظر: المسودة/ 172.
(8) يعني: قوله -مثلاً-: لا يستحق علي حبَّة.
(9) يعني: لا من باب الفحوى.
(3/1062)
ولنا وجهان (1) في اللعان في اعتبار قوله:
"فيما رميتها به" (2).
وعند ابن أبي موسى (3) وأبي الحسن (3) الخرزي وأبي الخطاب (4)
والحلواني (5) وغيرهم من أصحابنا والشافعي (6) وأكثر أصحابه:
هو قياس جلي؛ لأنه لم يلفظ به، وإنما حكم بالمعنى المشترك.
رد: المعنى شرط لدلالة الملفوظ عليه لغة (7)، بخلاف القياس
(8).
وقال بعض أصحابنا (9): إِن قصد التنبيه (10) فليس قياساً؛ لأنه
__________
(1) انظر: المغني 8/ 87. والفروع 5/ 509.
(2) بعد قوله: (لمن الصادقين) سورة النور: آية 6.
(3) انظر: المسودة/ 348
(4) في التمهيد/ 160أ: رجح أنه قياس الأولى. وفيه / 101أ: صرح
بأن التنبيه ليس بقياس. وفي المسودة/ 346: حكى عنه أنه مستفاد
من اللفظ، ثم حكى عنه فيها/ 348: أنه قياس. وانظر: التمهيد/
76أ.
(5) انظر: المسودة/ 348.
(6) انظر: اللمع/ 27، والتبصرة/ 227، والإبهاج 2/ 19، والآيات
البينات 2/ 20، وشرح المحلي 1/ 242. وحكاه -عن الشافعي- ابن
برهان وأبو الطيب الطبري.
فانظر: المسودة/ 346 - 347.
(7) لا أنه يثبت به الحكم فيكون قياسًا. انظر: فواتح الرحموت
1/ 411.
(8) ومن ثم قال به النافي للقياس.
(9) انظر: المسودة/ 347.
(10) بالأدنى على الأعلى.
(3/1063)
المراد (1)، وإن قصد الأدنى فقياس، كاحتجاج
أحمد في رهن المصحف عند الذمي: بنهيه (2) - عليه السلام - عن
السفر بالقرآن إِلى أرض العدو، مخافة أن تناله أيديهم، فهذا
قاطع، واحتجاجه -في أن لا شفعة لذمي على مسلم- بقوله في
الصحيحين: (وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إِلى أضيقه (3))،
فهذا مظنون.
وزعم أبو محمَّد البغدادي (4) من أصحابنا في جدله: ليس فيه
قطعي.
وأما "إِذا ردت شهادة الفاسق فالكافر أولى" فقيل: ظني، وقيل
فاسد.
وكذا إِيجاب الكفارة [في قتل العمد واليمين الغموس.
ومن الفاسد نحو: "إِذا] (5) جاز السلم مؤجلاً فحالّ أولى؛
لبُعْده من الغرر (6)
__________
(1) يعني: بالخطاب.
(2) أخرج البخاري في صحيحه 4/ 56، ومسلم في صحيحه/ 1490 - 1491
عن ابن عمر: أن رسول الله نهى أن يسافر بالقرآن إِلى أرض
العدو.
(3) هذا الحديث رواه أبو هريرة مرفوعًا. أخرجه مسلم في صحيحه/
1707، وأبو داود في سننه 5/ 383 - 384، والترمذي في سننه 4/
142 وقال: حسن صحيح، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود
1/ 362)، وأحمد في مسنده 2/ 263.
ولم أجده في صحيح البخاري، وإنما وجدته قد أخرجه في الأدب
المفرد/ 378، 380.
(4) انظر: المسودة/ 348.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(6) في (ح): العرض.
(3/1064)
وهو (1) المانع"، والحكم (2) لا يثبت
لانتفائه (3) بل لمقتضيه، وهو الارتفاق (4) بالأجل (5).
* * *
مفهوم المخالفة: أن يكون المسكوت مخالفاً للمنطوق في الحكم.
ويسمى (6): دليل الخطاب.
.......................
وشرطه -عند القائلين [به] (7) -: أن لا تظهر أولوية ولا مساواة
في المسكوت، فيكون موافقة.
ولا خرج مخرج الأغلب -ذكره الآمدي (8) اتفاقاً- نحو: (وربائبكم
اللاتي في حجوركم) (9)، (فإِن خفتم ألا يقيما) (10)، وقوله:
(أيما
__________
(1) يعني: الغرر.
(2) هذا بيان وجه فساده.
(3) يعني: لانتفاء المانع.
(4) في لسان العرب 11/ 409: ارتفق به: ترفق به، وانتفع به.
(5) فإِذا انعدم الأجل انعدم الرفق.
(6) نهاية 151 ب من (ب).
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(8) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 100.
(9) سورة النساء: آية 23.
(10) سورة البقرة: آية 229.
(3/1065)
امرأة (1) نكحت نفسها بغير إِذن وليها).
وقال أبو المعالي (2): له مفهوم؛ ترجيحًا لما أشعر به اللفظ
على القرينة العرفية.
وقال بعض أصحابنا (3): يظهر أنه من مسالك التأويل، فيخف على
المتأول ما يبديه (4) من الدليل العاضد.
فعلى الأول: لا يعم (*)، ولهذا احتج العلماء من أصحابنا (5)
وغيرهم لداود (6) -على اختصاص تحريم الربيبة بالحجر- بالآية،
وأجابوا: لا حجة فيها؛ لخروجها على الغالب.
وفي المغني (7): تجوز خطبة مسلم على ذمي.
فقيل له: النهي (8) على الغالب.
__________
(1) نهاية 311 من (ح).
(2) انظر: البرهان/ 477 - 478.
(3) انظر: المسودة / 362. وقد ورد هذا الكلام في البرهان/ 477.
(4) في المسودة: ما يبذله.
(*) كذا في النسخ. ولعل الصواب: يعم.
(5) انظر: المغني 7/ 111.
(6) في (ظ): كداود.
(7) انظر: المغني 7/ 46.
(8) أخرج البخاري في صحيحه 7/ 19، ومسلم في صحيحه/ 1029 عن أبي
هريرة أن النبي قال: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه).
(3/1066)
فقال: هو خاص بالسلم، وإلحاق غيره به إِنما
يصح إِذا كان مثله.
واحتج في الانتصار -على نشر الحرمة بلبن الميتة- بقوله:
(وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) (1)، فقيل له: الآية حجتنا؛
لاقتضائها تعلق التحريم بفعلها للإِرضاع، فقال: عَلَّقه (2)
لأنه الغالب كالربيبة، ولهذا: لو حلب منها ثم سقي نشر.
وأجاب أبو (3) الفتح بن المني من أصحابنا -من احتج لصحة النكاح
(4) بلا إِذن (5) بالمفهوم-: بأن المفهوم ليس بحجة على أصلنا،
ثم: هذا خرج مخرج الغالب، فيعم ويصير كقوله: (وربائبكم اللاتي
في حجوركم) (6)، لما خرج مخرج الغالب عَمّ. كذا قال.
وشرطه -أيضًا-: أن لا يخرج جوابًا لسؤال -ذكره صاحب (7) المحرر
من أصحابنا في صلاة التطوع من شرحه (8) اتفاقاً، وذكر القاضي
(9)
__________
(1) سورة النساء: آية 23.
(2) نهاية 108 أمن (ظ).
(3) في (ب): وأبو.
(4) في (ح): نكاح.
(5) كذا في النسخ. ولعل الصواب: بالأذن.
(6) سورة النساء: آية 23.
(7) انظر: المسودة/ 361.
(8) يعني: شرح الهداية لأبي الخطاب.
(9) في الجزء الذي صنفه في المفهوم. انظر: المسودة/ 361.
(3/1067)
احتمالين- ولا لحادثة كما (1) روي أنه مر
بشاة ميمونة فقال: (دباغها طهورها)، ولا لتقدير جهل المخاطب
بأن علم وجوب زكاة المعلوفة لا السائمة، ولا لرفع خوف كالقول
-للخائف عن ترك الصلاة (2) أول الوقت (3) -: جاز ترك الصلاة
أول الوقت" (4)، وغير ذلك مما يقتضي تخصيصه بالذكر.
وقال بعض أصحابنا (5): إِن تقدم ما يقتضي التخصيص من سؤال أو
حاجة إِلى بيان -كقوله: (إِن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا
وصية لوارث) - فلا مفهوم له، واحتج [به] (6) القاضي وغيره من
المالكية والشافعية على الوصية للقاتل (7)، هي دلالة ضعيفة.
هذا كلامه، وهو حسن.
واحتج في الروضة (8) للمفهوم: بسؤاله - عليه السلام -: "ما
يلبس المحرم من الثياب (9) "؟، وبقوله (10) - عليه السلام -:
(يقطع الصلاة
__________
(1) في (ح): كما لو روي.
(2) في (ح): للصلاة.
(3) نهاية 152أمن (ب).
(4) 314 من (ح).
(5) انظر: المسودة/ 361.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) في (ب): للقايل.
(8) انظر: روضة الناظر/ 267.
(9) فقال الرسول: (لا يلبس القميص ولا العمامة ...) الحديث.
أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 35، 2/ 137، ومسلم في صحيحه/ 834 -
835 من حديث ابن عمر مرفوعًا.
(10) في (ب): ويقول.
(3/1068)
الكلب الأسود)، فسأله أبو ذر: "ما بال
الأسود من الأحمر من الأصفر؟ " فقال: (شيطان) (1).
وقد قال أحمد (2) -عن (لا وصية لوارث) -: يدل على أن الوصية
لمن لا يرث.
* * *
والمفهوم أقسام
مفهوم الصفة: أن يقترن بعام صفة خاصة كقوله: (في الغنم في
سائمتها الزكاة) (3).
قال به أحمد (4) ومالك (5) والشافعي (6) وأكثر أصحابهم، وذكره
في
__________
(1) هذا الحديث رواه أبو ذر مرفوعًا. أخرجه مسلم في صحيحه/
365، وأبو داود في سننه 1/ 450 - 451، والترمذي في سننه 1/ 212
وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 2/ 63 - 64، وابن ماجه في
سننه/ 306، وأحمد في مسنده 5/ 149.
(2) انظر: العدة/ 449.
(3) هذا جزء من حديث رواه أنس مرفوعًا، وهو الحديث الذي روي في
كتاب أبي بكر، وفيه بيّن أحكام الزكاة التي فرضها رسول الله.
أخرجه البخاري في صحيحه 2/ 118، وأبو داود في سننه 2/ 214 -
221، والنسائي في سننه 5/ 18 - 21، 27 - 29، والدارقطني في
سننه 2/ 113 - 116، والحاكم في مستدركه 1/ 390 - 392، والبيهقي
في سننه 4/ 86. وانظر: نصب الراية 2/ 335 - 337.
(4) انظر: العدة/ 449.
(5) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 270.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72.
(3/1069)
الروضة (1) عن أكثر المتكلمين.
ثم: مفهومه عند الجميع: لا زكاة في معلوفة الغنم؛ لِتعلّق
الحكم بالسوم والغنم، فهما العلة.
ولنا وجه -واختاره ابن عقيل (2)، وذكره القاضي (3) ظاهر (4)
كلام أحمد-: لا زكاة في معلوفة كل حيوان -وقاله بعض الشافعية
(5) - بناء على أن السوم العلة.
فعلى هذا قال القاضي (*): يلزم (6) لا زكاة في غير سائمة الغنم
من حيوان وغيره، وقد لا يلزم.
وهل يعتبر البحث عما يعارضه؟ هو كالعموم، ذكره في التمهيد (7)
وغيره.
وزعم الآمدي (8): (9) أنه لا يعتبر عند من قال به.
__________
(1) انظر: روضة الناظر/ 264.
(2) انظر: الواضح 2/ 66أ.
(3) انظر: العدة/ 473 - 474.
(4) في (ب): ظاهره.
(*) انظر: العدة/ 474.
(5) انظر: المحصول 1/ 2/ 249، ونهاية السول 1/ 319.
(6) يعني: على هذا القول.
(7) انظر: التمهيد / 74 أ.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 77.
(9) نهاية 315 من (ح).
(3/1070)
وإن كانت الصفة غير مقصودة فلا مفهوم،
كقوله: (لا جناح عليكم إِن طلقتم النساء) الآية (1)، أراد: نفي
الحرج عمن طلق ولم يمس، وإيجاب المتعة تبعاً (2)، ذكره القاضي
(3) وغيره من المتكلمين (4).
ولم يقل بمفهوم الصفة أبو حنيفة (5) وأصحابه وجماعة من
المالكية (6) وابن داود (7) وابن سريج (8) والقفال وابن
الباقلاني (9) وأبو المعالي (10)
__________
(1) سورة البقرة: آية 236.
(2) فصار كأنه مذكور ابتداء من غير تعليق على صفة.
(3) انظر: المسودة/ 363 - 364.
(4) نهاية 152 ب من (ب).
(5) انظر: أصول السرخسي 1/ 256، وكشف الأسرار 2/ 256، وتيسير
التحرير 1/ 98، 103، وفواتح الرحموت 1/ 414.
(6) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 270.
(7) انظر: العدة/ 454.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72.
(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72، والمنتهى لابن الحاجب/ 109.
(10) قال في البرهان/ 466 - 469: إِذا كانت الصفات مناسبة
للأحكام المنوطة بالموصوف بها مناسبة العلل لمعلولاتها فذكرها
يتضمن انتفاء الحكم عند انتفائها كقوله: (في سائمة الغنم
زكاة)، وكل صفة لا يفهم منها مناسبة للحكم فالموصوف بها
كالملقب بلقبه، والقول في تخصيصه بالذكر كالقول في تخصيص
المسميات بألقابها، فقول القائل: "زيد يشبع إِذا أكل" كقوله:
"الأبيض يشبع"؛ إِذ لا أثر للبياض، فيما ذكركما لا أثر للتسمية
بـ "زيد" فيه.
(3/1071)
والغزالي (1) والشاشي (2) (3) وأكثر
المعتزلة (4) وأبو الحسن التميمي (5) من أصحابنا والآمدي (6)،
وقال في الانتصار (7) في مسألة الولي: "هو (8) إِحدى
الروايتين"، وذكره في التمهيد (9) عن أكثر المتكلمين.
واختلف النقل عن الأشعري (10).
وأثبته أبو عبد الله البصري (11) إِن كان للبيان كـ "السائمة"،
أو للتعليم
__________
(1) انظر: المستصفى 2/ 192.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72.
(3) هو: أبو بكر فخر الإِسلام محمَّد بن أحمد بن الحسين بن
عمر، فقيه أصولي، من كبار أئمة الشافعية، توفي سنة 507 هـ. من
مؤلفاته: حلية العلماء.
انظر: العبر 4/ 13، ووفيات الأعيان 3/ 356، وتبيين كذب
المفترى/ 306، وطبقات الشافعية للسبكي 6/ 80، وتذكرة الحفاظ/
1241.
(4) انظر: المعتمد/ 162، والإِحكام للآمدي 3/ 72.
(5) انظر: العدة/ 455.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 85.
(7) انظر: المسودة/ 351.
(8) نهاية 108 ب من (ظ).
(9) انظر: التمهيد/ 72 ب.
(10) انظر: العدة / 454، والبرهان/ 450، والمستصفى 2/ 191،
والإِحكام للآمدي 3/ 72، والمسودة/ 351.
(11) انظر: المعتمد/ 166 - 169، والإِحكام للآمدي 3/ 72.
(3/1072)
كـ "تحالف المتبايعين إِذا اختلفا"، أو دخل
ما عدا الصفة تحتها كـ "الحكم بالشاهدين" يدخل شاهد واحد، وإلا
فلا.
الوجه الأول: لو لم يدل لغة لما فهمه أهلها؛ قال - عليه السلام
- (لَيّ الواجد يُحِل عرضه وعقوبته) -حديث حسن رواه أحمد وأبو
داود والنسائي وابن ماجه (1) - أي: مطل الغني.
وفي الصحيحين (2): (مطل الغني ظلم).
وفيهما: الآن يمتلئ جوف [أحدكم] (3) قيحاً خير له من أن يمتلئ
شعرا) (4).
قال أبو عبيد (5) في الأول: يدل أن لَيَّ من ليس بواجد لا يحل
عقوبته
__________
(1) من حديث الشريد بن سويد الثقفي مرفوعًا. فانظر: مسند أحمد
4/ 222، وسنن أبي داود 4/ 45 - 46، وسنن النسائي 7/ 316 - 317،
وسنن ابن ماجه/ 811. وعلقه البخاري في صحيحه 3/ 118: ويذكر عن
النبي: (لي الواجد يحل عقوبته وعرضه).
(2) من حديث أبي هريرة مرفوعاً. فانظر: صحيح البخاري 3/ 94،
118، وصحيح مسلم/ 1197.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 36 - 37 من حديث ابن عمر وأبي
هريرة مرفوعًا، ومسلم في صحيحه/ 1769 - 1770 من حديث أبي هريرة
وسعد وأبي سعيد مرفوعًا.
(5) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 2/ 174 - 175، والعدة/ 463.
(3/1073)
وعرضه، وفي الثاني (1): مثله (2).
وقيل له في الثالث: المراد (2) الهجاء وهجاء النبي عليه (3)
السلام، فقال: لو (4) كان كذلك لم (5) يكن (6) لِذِكْر
الامتلاء معنى؛ لأن قليله كذلك (7).
فألزم أبو عبيد من تقدير الصفة المفهوم، قَدّر الامتلاء صفة
للهجاء، وهو -والشافعي- من أئمة اللغة.
وذكره (8) (9) الآمدي (10) قول جماعة من أهل العربية.
فالظاهر أنهم فهموا ذلك لغة، فتثبت (11) اللغة به، واحتمال
البناء على
__________
(1) وهو قوله: (مطل الغني ظلم).
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 73، والمنتهى لابن الحاجب / 109.
(3) في (ب): علي.
(4) في (ب): له.
(5) في (ب): لن.
(6) نهاية 316 أمن (ح).
(7) فقد فهم أبو عبيد من ذكر الامتلاء أن ما عداه بخلافه.
(8) في (ب): وذكر.
(9) يعني: القول بالمفهوم.
(10) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 72.
(11) في (ب): فثبتت. ولم تنقط الكلمة في (ظ).
(3/1074)
الاجتهاد مرجوح، [وإنما ذكره في كتب اللغة
لا الأحكام، وهي نقل] (1).
وقد حكاه القاضي (2) عن أبي عمرو بن العلاء وثعلب، وأن أبا
عبيد حكى عن العرب القول به.
عورض بمذهب الأخفش؛ قال (3): قول القائل: "ما جاءني غير (4)
زيد" لا يدل على مجيء زيد.
رد: بمنع ثبوته، ثم: [هو (5)] (6) نحوي، ثم: من ذكرناهم أكثر،
وبعضهم أفضل، ثم: المثبِت أولى.
وأيضًا: لو لم يدل كان تخصيص محل النطق بالذكر بلا فائدة، وهو
ممتنع من آحاد البلغاء، فالشارع أولى.
واعترض: بأن هذا إِثبات للوضع بما (7) فيه من الفائدة،
والفائدة مترتبة عليه (8).
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) في الجزء الذي ألفه في المفهوم. انظر: المسودة / 360.
(3) انظر: العدة/ 464، والإحكام للآمدي 3/ 73 - 74، والمنتهى
لابن الحاجب/ 109.
(4) نهاية 153أمن (ب).
(5) يعني: الأخفش.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) يعني: بسبب ما فيه من الفائدة.
(8) فلا يثبت الوضع بما فيه من الفائدة.
(3/1075)
رد: يعرف بالاستقراء: إِذا لم يكن للفظ
فائدة غير واحدة تعينت إِرادتها به.
وبأن دلالة الإِيماء ثبتت بالاستبعاد -كما سبق (1) في الصريح
(2) - فهذا أولى.
واعترض: بمفهوم اللقب.
رد: بأنه حجة، ثم (3) فائدته حصول الكلام به؛ لأنه (4) يختل
بعدمه (5)، بخلاف الصفة، أو لم يحضره المسكوت، أو قياس في
اللغة.
واعترض: فائدته (6) تقوية دلالة ما جعل الوصف وصفاً له، حتى لا
يُتوهم تخصيصه.
رد: بأن (7) هذا إِذا كان الاسم المقيد بالصفة عامًا (8)، ولا
قائل به.
__________
(1) في ص 1056.
(2) كذا في النسخ. ولعله: (في غير الصريح) يعني: في المنطوق
غير الصريح.
(3) يعني: على تسليم أنه ليس حجة.
(4) يعني: الكلام.
(5) يعني: اللقب.
(6) يعني: فائدة ذكر الوصف.
(7) يعني: إِنما يكون هذا إِذا كان الاسم ... إِلخ.
(8) مثل: الغنم.
(3/1076)
ثم (1): الفرض: لا شيء يقتضي (2) تخصيصه
سوى المخالفة، كذا أجاب بعضهم (3).
والآمدي (4) إِنما اعترض بأن فائدته معرفة حكم المنطوق
والمسكوت بنصين مختلفين؛ لأنه أدل (5)، للخلاف (6) في العموم
وإمكان تخصيص محل الصفة وغيره باجتهاد، وليس مراد التخصيص.
وجوابه: أن العموم لغة العرب، والخلاف فيه حادث، فمثل هذا لا
يقصد.
ثم: العرب لا تقصد قطع التوهُّم، ولهذا تتكلم بالحقيقة مع توهم
(7) غيرها.
واعترض: فائدته ثواب الاجتهاد بالقياس، فإِن تخصيصه يشعر بأنه
علة.
__________
(1) يعني: لو سلم العموم في بعض الصور فهو خارج عن محل النزاع؛
لأن الفرض ... إِلخ.
(2) نهاية 316 ب من (ح).
(3) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 109، ومختصر 25/ 175.
(4) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 78.
(5) على المقصود من التعميم.
(6) في (ب): للخلال.
(7) نهاية 109 أمن (ظ).
(3/1077)
رد: إِن ساوى الفرع الأصل خرج (1)، وإلا
فهو مما لا فائدة له سوى المخالفة.
وفيه نظر (2)؛ لأنه لا يخرج إِلا مع ثبوته لغة، والقياس يثبته
عقلاً.
وأجاب في التمهيد (3): الكلام في اللغة، وقال أيضًا: الظاهر ما
ذكرنا.
وأجاب في الروضة (4): النبي - عليه السلام - بعث لتبيين
الأحكام، والاجتهاد ثبت ضرورة.
وأيضًا: الترتيب يدل على العلِّيَّة، وانتفاؤها يدل على انتفاء
معلولها.
واستدل: لو لم يدل (5) لزم مشاركة المسكوت للمنطوق؛ لعدم واسطة
بينهما، ولا مشاركة اتفاقا.
رد: بالمنع (6)، فلا يدل على حصر (7) ولا اشتراك، وبأنه يجري
في اللقب.
وأما لفظ "السائمة" فلا يتناول المعلوفة اتفاقا (8).
__________
(1) عن محل النزاع؛ لأننا شرطنا عدم المساواة وعدم رجحان
المسكوت عنه.
(2) نهاية 153 ب من (ب).
(3) انظر: التمهيد/ 73 ب، 74 أ- ب.
(4) انظر: روضة الناظر/ 269.
(5) في (ح): لو لم يكن.
(6) ضرب على (بالمنع) في (ظ).
(7) يعني: على مفهوم المخالفة.
(8) وليس محل النزاع.
(3/1078)
واستدل: لو لم يدل لم تنفر الشافعية من
قول: "الفقهاء الحنفية فضلاء".
رد: النفرة لتركهم على الاحتمال، كتقديم (1) الحنفية عليهم، أو
لتوهم ذلك من يرى المفهوم.
واستدل: بما في الصحيحين: أنه - عليه السلام - لما قام يصلي
على (2) عبد الله بن أبي (3) فقال (4) له عمر، فقال: (خَيَّرني
الله، وسأزيد على السبعين)، وفي البخاري: (خُيِّرت، فاخترت، لو
أعلم أني إِن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها) (5)، ففهم
أن ما زاد بخلافه.
رد: بالمنع؛ لأن الآية (6) مبالغة في أن السبعين وما فوقها
سواء.
وقال: (لأزيدن) استمالة للاحياء (7)، أو فَهْم لبقاء وقوع
المغفرة بالزيادة على أصله في الجواز قبل الآية.
__________
(1) يعني: كما تنفر من التقديم.
(2) نهاية 317 من (ح).
(3) هو: المنافق عبد الله بن أبي بن سلول، توفي سنة 9 هـ.
انظر: البداية والنهاية 5/ 34.
(4) كذا في النسخ. ولعل الصواب: قال
(5) انظر: ص 575 من هذا الكتاب.
(6) سورة التوبة: آية 80.
(7) وترغيبا لهم في الدين.
(3/1079)
ويجاب: بأنه خلاف الظاهر.
قال ابن عقيل (1): "لم يقصد فيها (2)، بل بعد هذا في سورة
المنافقين (3) ".
وفيه نظر.
واستدل: بقول يعلى (4) بن أمية لعمر: (فليس عليكم جناح أن
تقصروا) (5)، فقد أَمِن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه،
فسألت (6) النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال (7): (صدقة تصدق
الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته)، رواه مسلم (8)، فَفَهِما عدم
القصر لعدم الخوف، وأقر عليه السلام.
__________
(1) انظر: الواضح 2/ 58 أ.
(2) يعني: لم يقصد فيها الإِياس.
(3) سورة المنافقون: آية 6.
(4) هو: الصحابي أبو صفوان التميمي الحنظلي.
(5) سورة النساء: آية 101.
(6) في (ب): فسأل.
(7) في (ب): ... وسلم صدقة فقال تصدق.
(8) انظر: صحيح مسلم/ 478. وأخرجه أبو داود في سننه/ 712،
والترمذي في سننه 4/ 309 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 3/
116 - 117، وابن ماجه في سننه / 339، والدارمي في سننه 1/ 292
- 293، وأحمد في مسنده 1/ 25، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/
415. وراجع: نصب الراية 2/ 190.
(3/1080)
رد: لا يتعين من المفهوم، لجواز استصحابهما
(1) وجوب الإِتمام، فعَجِبا لمخالفة الأصل.
أجيب: لم يدل القرآن على أنه الأصل.
وعند المخالف: الأصل القصر، وقد قال عمر: "صلاة السفر ركعتان
تمام غير قصر على لسان محمَّد - صلى الله عليه وسلم -" -حديث
حسن رواه أحمد والنسائي وابن ماجه (2) - وفي الصحيحين (3) عن
عائشة: "فرضت ركعتين، فأُقرّت صلاة السفر، وأُتمّت صلاة
الحضر"، وفي مسلم (4) عن ابن عباس: "فرضت في الحضر أربعًا وفي
السفر ركعتين".
ثم: هو خلاف الظاهر.
واستدل: دلالته على المسكوت فيه فائدة، فهو أولى تكثيرًا
للفائدة،
__________
(1) نهاية 154أمن (ب).
(2) انظر: مسند أحمد 1/ 37، وسنن النسائي 3/ 111، 1118، 183،
وسنن ابن ماجه/ 338. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (انظر. موارد
الظمآن/ 144)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 421، والطيالسي
في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 124).
(3) انظر: صحيح البخاري 2/ 44، وصحيح مسلم/ 478.
(4) انظر: صحيح مسلم/ 279. وأخرجه النسائي في سننه 3/ 118 -
119، وابن ماجه في سننه/ 339، وأحمد في مسنده 1/ 355، والطحاوي
في شرح معاني الآثار 1/ 421.
(3/1081)
وهي (1) تدل على الوضع على ما سبق (2) في
المجمل في: "اللفظ لمعنى تارة ولمعنيين أخرى".
ورد: بأنه دور؛ لتوقف دلالته على (3) المسكوت (4) على الوضع،
وهو (5) على تكثير الفائدة، وهي على دلالته على المسكوت.
أجيب: يلزم في كل موضع، فيقال: دلالة اللفظ تتوقف على الوضع،
وهو على الفائدة لوضع اللفظ لها، وهي على الدلالة لعدم الفائدة
بعدم اللفظ.
وبأن دلالة اللفظ على المسكوت تتوقف على تعقل تكثير الفائدة،
لا على حصولها، وتعقلها لا يتوقف (6) بل حصولها.
واستدل: لو لم يكن مخالفاً لم تكن السبع -فيما رواه مسلم (7):
__________
(1) يعني: تكثير الفائدة.
(2) في ص 1012 - 1013.
(3) نهاية 318 من (ح).
(4) نهاية 109 ب من (ظ).
(5) يعني: الوضع.
(6) على الدلالة.
(7) من حديث أبي هريرة مرفوعًا. فانظر: صحيح مسلم/ 234. وأخرجه
البخاري في صحيحه 1/ 41 بلفظ: (إِذا شرب الكلب في إِناء أحدكم
فليغسله سبعًا). وأخرجه أبو داود في سننه 1/ 57، والترمذي في
سننه 1/ 61 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 1/ 52 - 54، وابن
ماجه في سننه/ 130.
(3/1082)
(طهور إِناء أحدكم إِذا ولغ فيه الكلب أن
يغسله سبعًا) - مطهرة، لتطهيره بما دونها.
رد: لا يلزم، لجواز عدم الطهارة فيما دونها بدليل.
وجوابه: خلاف الظاهر، والأصل عدمه.
ومثله: "خمس رضعات يحرمن". رواه مسلم (1).
واحتج ابن عقيل (2) وغيره: بأنه إِجماع الصحابة؛ فإِن بعضهم لم
يَرَ الغسل بدون إِنزال (3)؛ لقوله: (الماء من الماء) (4)،
وخالفهم غيرهم بأنه منسوخ.
__________
(1) أخرج مسلم في صحيحه/ 1075 عن عائشة قالت: كان فيما أنزل من
القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات ...
وأخرجه أبو داود في سننه 2/ 551 - 552، والترمذي في سننه 2/
409، والنسائي في سننه 6/ 100، وابن ماجه في سننه 625.
(2) انظر: الواضح 2/ 54أ - ب.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه/ 62، ومسلم في صحيحه/ 271 - 272،
وابن أبي شيبة في مصنفه 1/ 89، وعبد الرزاق في مصنفه 1/ 248،
والبيهقي في سننه 1/ 66.
(4) أخرجه مسلم في صحيحه/ 269، وأبو داود في سننه 1/ 148،
وأحمد في مسنده 3/ 29، والبيهقي في سننه 1/ 167 من حديث أبي
سعيد مرفوعاً. وأخرجه النسائي في سننه 1/ 115، وابن ماجه في
سننه/ 199، وأحمد في مسنده 5/ 416، والدارمي في سننه 1/ 159 من
حديث أبي أيوب مرفوعًا.
(3/1083)
وجه الثاني: لو ثبت لثبت بدليل، وهو: عقلي
أو نقلي إِلى (1) آخره.
رد: تثبت (*) اللغة بالآحاد -وذكره بعض أصحابنا (2) عن
الجمهور، وذكره ابن عقيل (3) عن جماعة (4) العلماء- لأن
التواتر في البعض تحكّم لا قائل به، وفي الجميع متعذر، فيتعطل
أكثر الكتاب والسنة واللغة، وهو فوق (5) محذور قبول خبر (6)
الواحد، وذكر الآمدي (7): لم تزل العلماء عليه.
وذكره أبو الفرج المقدسي من أصحابنا إِجماع (8) أهل اللغة، وأن
عندنا تثبت بالعقل، وذكره الآمدي (9) منعاً.
وذكر (10) القاضي (11) في مسألة العموم عن السِّمْناني (12):
لا تثبت بالآحاد.
__________
(1) نهاية 154 ب من (ب).
(*) في (ب): ثبتت.
(2) انظر: المسودة/ 564.
(3) انظر: الواضح 2/ 62 ب.
(4) في (ظ): جماعة من العلماء.
(5) في (ب) و (ظ): فرق.
(6) في (ظ): الخبر.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 81.
(8) في (ب): إِجماعًا.
(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 80 - 81.
(10) في (ظ): وذكره.
(11) انظر: المسودة/ 564.
(12) هو: أبو جعفر محمَّد بن أحمد بن محمَّد، فقيه حنفي أشعري،
أصله من سمنان العراق، ولد سنة 361 هـ، ونشأ ببغداد، وولي
القضاء بالموصل إِلى أن توفي بها سنة 444 هـ.
انظر: تبيين كذب المفترى/ 259، والجواهر المضية 2/ 21، ونكت
الهميان/ 237.
(3/1084)
وفي التمهيد (1): (2) ثبت ذلك باستقراء
كلامهم ومعرفة مرادهم، وفهمته الصحابة وهم أهل اللسان.
قالوا: لو ثبت لثبت في الخبر؛ لتقييد كل منهما بصفة نحو: "في
الغنم (3) السائمة" أو "زيد الطويل في [الدار] (4) ". (5)
رد: بالتزامه (6)، وقاله في العدة (7) والتمهيد (8)، وذكر ابن
عقيل (9) أن المذهب القول به في الخبر وفي الأسماء والحكم (10)
كالاستثناء والتخصيص، ثم فرق -هو (11) وغيره- بين الأمر والخبر
بأنه (12) قد لا يعلم غيره، ويقصد بالأمر البيان والتمييز.
__________
(1) انظر: التمهيد / 74أ.
(2) هذا رد على دليلهم.
(3) في المنتهى لابن الحاجب/ 111: رأيت الغنم السائمة. وفي
مختصره 2/ 179: في الشام الغنم السائمة.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(5) نهاية 319 من (ح).
(6) في (ب): لتزامه.
(7) انظر: العدة/ 476 - 477.
(8) انظر: التمهيد/ 74 ب.
(9) انظر: الواضح 2/ 63 ب.
(10) كتضحية بحيوان بعينه يدل على نفي التضحية عن غيره.
(11) انظر: الواضح 2/ 63 ب-164 أ.
(12) يعني: المخبر.
(3/1085)
وبأن هذا قياس لغة، وقال بعضهم (1): ليس
به.
وفرق بعض (2) أصحابنا (3) بين أسماء الأعلام والأجناس.
وفرق في التمهيد (4): بأنه لا يخبر عنه لئلا ينضر.
وفرق بعضهم (5): بأن الخبر لا يلزم (6) عدم حصوله للمسكوت؛ لأن
له خارجياً، بخلاف الحكم، فإِنه إِذا لم يدل على المخالفة لم
يحصل للمسكوت؛ لأنه [لا] (7) خارجي له.
قالوا: لو (8) دل امتنع: "أَدِّ (9) زكاة السائمة والمعلوفة"؛
لعدم الفائدة، وللتناقض، كما يمتنع: "لا تقل لهما أف
واضربهما".
رد: الفائدة عدم تخصيص المعلوفة باجتهاد، والتناقض في القاطع
(10).
__________
(1) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 111، ومختصره 2/ 179.
(2) في (ب): بعضهم أصحابنا.
(3) انظر: المسودة/ 361.
(4) انظر: التمهيد/ 74 ب.
(5) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 111.
(6) من دلالته على أن المسكوت غير مخبر به.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب). وقد مسح من (ظ).
(8) في (ب): له.
(9) في (ب) و (ظ): إِذ.
(10) فلا تناقض في الظواهر، ودلالة المفهوم ظاهر.
(3/1086)
قالوا: لو دل لما ثبت خلافه للتعارض،
والأصل عدمه، وقد ثبت في نحو: (لا تأكلوا الربا (1) أضعافاً
مضاعفة) (2)، واعتمد عليه الآمدي (3)، وعلى بيان دليل (4)،
والأصل (5) عدمه.
رد: هو دليل ظاهر عارضه قاطع، والأصل (6) يخالف لدليل.
قال: لو كان دليلاً لم يبطل ببطلان المنطوق.
رد: ذكر القاضي (7) وجهين، قال: وبطلانه أشبه -جزم به في
الروضة (8) في نسخ المنطوق- لأنه فرعه، وعَدَمه كالخطابين،
واختاره ابن فُورك.
قالوا: لو دل لم يحسن الاستفهام.
رد: ذكر أصحابنا منعاً كالصريح (9) وتسليمًا لرفع الاحتمال،
وجزم به
__________
(1) نهاية 155 أمن (ب).
(2) سورة آل عمران: آية 130.
(3) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 85.
(4) يعني: دليل للمفهوم.
(5) نهاية 110 أمن (ظ).
(6) وهو عدم التعارض.
(7) انظر: العدة/ 472 - 473.
(8) انظر: روضة الناظر/ 88.
(9) في (ب): لصريح.
(3/1087)
في الواضح (1)؛ لأن معنى الخطاب (2) مقدم
عليه عند جمهور العلماء، ويحسن الاستفهام فيه نحو: "لا تشرب
الخمر؛ لأنه يوقع العداوة"، فيقول: "فهل أشرب النبيذ؟ "، ولا
ينكر أحد استفهامه هذا.
وفي التمهيد (3): يحتمل أن [لا] (4) يحسن (5)، ولهذا يحسن
الإِنكار عليه.
ويتوجه تخريج حُسْن إِنكاره على الخلاف.
قال: ليس في اللغة كلمة تفيد أمرين متضادين (6).
رد: بالمنع؛ بدليل: الغاية، والأمر بشيء نهي عن ضده، والمشترك.
ثم: لم تفده من طريق واحد.
* * *
التقسيم - نحو: (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن
(7)) -:
__________
(1) انظر: الواضح 2/ 63أ.
(2) وهو القياس.
(3) انظر: التمهيد/ 75 أ-ب.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(5) يعني: الاستفهام.
(6) نهاية 320 من (ح).
(7) هذا الحديث رواه ابن عباس مرفوعاً. أخرجه مسلم في صحيحه/
1037، وأبو داود في سننه 2/ 577، والترمذي في سننه 2/ 387
وقال: حسن صحيح، والنسائي في=
(3/1088)
كالذي قبله -ذكره في الروضة (1) - لأن
الحكم لو عَمّ انتفت الفائدة (2).
* * *
الصفة (3) العارضة المجردة (4) -كقوله: "السائمة فيها الزكاة"-
كالصفة المقترنة بالعام عند أصحابنا وغيرهم، وذكره الآمدي (5)
وغيره، مع أن الأول أقوى دلالة عندهم، مع أن ظاهر كلام جماعة
من أصحابنا وغيرهم: التسوية.
وقال [به] (6) أبو المعالي (7) مع مناسبة الصفة للحكم، وإلا
فليس بحجة.
وذكره بعض أصحابنا (8) ظاهر اختيار القاضي في موضع.
* * *
__________
=سننه 6/ 84، 85، وابن ماجه في سننه/ 601، والدارمي في سننه 2/
63، ومالك في الموطأ/ 524، والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 321
- 322)، والدارقطني في سننه 3/ 239 - 320.
(1) انظر: روضة الناظر/ 274.
(2) يعني: فائدة التقسيم.
(3) انظر: المسودة/ 353، وشرح الكوكب المنير 3/ 504، والإحكام
للآمدي 3/ 87.
(4) عن الموصوف.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 87.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(7) انظر: البرهان/ 466 وما بعدها.
(8) انظر: المسودة/ 360.
(3/1089)
مفهوم (1) الشرط: نحو: (وإن كن أولات حمل)
(2).
وهو أقوى من الصفة، فلهذا قال به ابن سريج وغيره من الشافعية
(3) والكرخي وغيره من الحنفية (4) وأبو الحسين (5) البصري.
ولم يقل [به] (6) الجرجاني (7) وغيره من الحنفية (8) -وهو أشهر
لهم- وابن الباقلاني (9) والآمدي (10)، وحكاه صاحب المحصول
(11) عن أكثر المعتزلة.
القائل به: ما سبق (12).
__________
(1) نهاية 155 ب من (ب).
(2) سورة الطلاق: آية 6.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 88.
(4) انظر: كشف الأسرار 2/ 271، وفواتح الرحموت 1/ 421 - 422.
(5) انظر: المعتمد/ 152.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(7) انظر: العدة/ 454.
(8) انظر: أصول السرخسي 1/ 260، وكشف الأسرار 2/ 271، وتيسير
التحرير 1/ 100، وفواتح الرحموت 1/ 421.
(9) انظر: المحصول 1/ 2/ 205، والمنتهى لابن الحاجب/ 111، وشرح
تنقيح الفصول/ 270.
(10) انظر: الإِحكام للآمدى 3/ 88.
(11) انظر: المحصول 1/ 2/ 205.
(12) في (ح): ما سبق في مفهوم الشرط.
(3/1090)
ولأنه يلزم من عدم الشرط عدم المشروط.
فإِن قيل: يحتمل أنه سبب لمسبَّب، فلا تلازم.
رد: خلاف الظاهر.
ثم: إِن قيل باتحاد السبب فأولى بالنفي؛ لأنه موجب للمسبَّب،
وإن (1) قيل بتعدده فالأصل عدمه (2).
وقوله (3): (إِن أردن تحصّناً (4)) أي: تعفُّفًا، شرط إِرادته
في الإِكراه لا في تحريمه؛ لاستحالة الإِكراه إِلا عند
إِرادته، وإلا (5) فهي تبغي طبعًا (6).
وقيل: النهي لسبب؛ قال جابر: "كان عبد الله بن أبيّ يقول
لجارية (7) له: اذهبي فابغنا (8) شيئًا، فنزلت الآية" (9).
__________
(1) في (ظ): فإِن.
(2) يعني: عدم غير ذلك السبب.
(3) هذا جواب اعتراض مقدر، وهو: أن قوله: (ولا تكرهوا فتياتكم
على البغاء إِن أردن تحصنا) لو ثبت مفهوم الشرط فيه لثبت جواز
الإِكراه عند عدم إِرادة التحصن، والإِكراه عليه غير جائز بحال
من الأحوال إِجماعًا.
(4) سورة النور: آية 33.
(5) يعني: إِن لم يردن التحصن.
(6) فلا إِكراه.
(7) نهاية 321 من (ح).
(8) كذا في النسخ. وفي صحيح مسلم: فابغينا.
(9) أخرجه مسلم في صحيحه/ 2320، والطبري في تفسيره 18/ 103،
والواحدي في أسباب النزول / 187. وراجع: تفسير ابن كثير 3/
288، وفتح القدير 4/ 31.
(3/1091)
وقيل: عارض ظاهر الآية إِجماع قطعي.
وبنى صاحب المحصول (1) الخلاف على أصل، وهو أن عندنا وعند
الشافعية: الشرط (2) مانع من الحكم، وعند الحنفية (3): من
انعقاد السبب، فالتعليق سبب، وعندهم: عند وجود (4) الشرط،
فعدمُ الحكم مضاف إِلى انتفاء شرطه مع وجود سببه، وعندهم: إِلى
عدم سببه، وقالوا: شرط الخيار في البيع خلاف القياس؛ لعدم
إِمكان تعليق البيع؛ لأنه [إيجاب] (5)، والغرض التدارك، فجعل
داخلاً على الحكم لمنع اللزوم، وقالوا: لو علق طلاقها بقيامها
ثم قال: "إِن طلقتها فعبدي حر" -ثم قامت- فالقياس: "يعتق (6)
"؛ لأنه طلقها، لكن تركناه؛ لأن الأيمان تحمل على العرف
والعادة إِنما يعقد يمينه (7) على ما يمكنه الامتناع منه (8)،
وبنوا على هذا صحة
__________
(1) انظر: المحصول 1/ 2/ 205، ولم أجد فيه ما ذكر هنا.
والمذكور -بتفاصيله- قد أورده فخر الإِسلام البزدوي في أصوله
(انظر: كشف الأسرار 2/ 271 وما بعدها)، فيظهر أن المؤلف وجد
هذا الكلام منسوبًا للفخر، فظنه الفخر الرازي. والله أعلم.
(2) يعني: عدم الشرط.
(3) انظر: أصول السرخسي 1/ 260 وما بعدها، وكشف الأسرار 2/ 271
وما بعدها، وتيسير التحرير 1/ 119 وما بعدها، وفواتح الرحموت
1/ 423 وما بعدها.
(4) نهاية 110 ب من (ظ).
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(6) في (ب): تعتق.
(7) كقوله: إِن طلقتها ... إِلخ.
(8) والطلاق هنا لا يمكنه الامتناع منه؛ لأنه معلق بالقيام.
(3/1092)
تعليق (1) الطلاق بالملك (2) وامتناع تعجيل
كفارة اليمين (3) وأن طول الحرة لا يمنع من نكاح الأمة.
وبنى صاحب المحصول (4) الخلاف في الصفة على هذا؛ لمنعها من عمل
اللفظ المطلق، فهي كالشرط، وعند الحنفية (5): غايتها علة، ولا
أثر لها في النفي.
* * *
مفهوم الغاية -نحو: (حتى تنكح) (6) - أقوى من الشرط، فلهذا قال
به من لا يقول به كقوم من الحنفية (7) وعبد الجبار (8)
المعتزلي.
__________
(1) نهاية 156أمن (ب).
(2) نحو: إِن تزوجتك فأنت طالق.
(3) بعد اليمين وقبل الحنث.
(4) اختار الفخر الرازي في مسألة الصفة مذهب الحنفية، فانظر:
المحصول 1/ 2/ 229. وما ذكره المؤلف -هنا- قد ذكره فخر
الإِسلام البزدوي في أصوله (انظر: كشف الأسرار 2/ 256 وما
بعدها)، فيظهر لي أن المؤلف وجد هذا الكلام منسوبًا للفخر،
فظنه الفخر الرازي. والله أعلم.
(5) انظر: أصول السرخسي 1/ 258.
(6) سورة البقرة: آية 230.
(7) انظر: تيسير التحرير 1/ 105، وفواتح الرحموت 1/ 432.
(8) انظر: المعتمد/ 157.
(3/1093)
وأكثر الحنفية (1) (2) وجماعة من الفقهاء
والمتكلمين والتميمي (3) من أصحابنا -ذكره عنه (4) ابن شهاب من
أصحابنا- والآمدي (5) وغيرهم: على المنع.
قال الحنفية (6): هو من قبيل الإِشارة، وهي: ما (7) استفيد من
اللفظ غير مقصود به -كما سبق (8) - لا المفهوم.
القائل به: ما سبق في الصفة.
واستدل: بأن معنى "صوموا إِلى أن تغيب الشمس": "صوموا صوماً
آخره غيبوبة الشمس"، فلو وجب صوم بعدها كانت وسطاً لا آخراً.
ورده الآمدي (9): بأن هذا معناه، وإنما الخلاف: هل نفي الحكم
بعد الغاية لازم من التقييد بها؛ وهي غاية للصوم المأمور به
أولاً (10)، وإنما تصير
__________
(1) انظر: تيسير التحرير 1/ 100، وفواتح الرحموت 1/ 432.
(2) في (ب): وأكثر الحنفية وجماعة من الحنفية وجماعة من
الفقهاء والمتكلمين ...
(3) لعله: أبو الحسن التميمي.
(4) في (ب): عن.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 92.
(6) انظر: فواتح الرحموت 1/ 432.
(7) نهاية 322 من (ح).
(8) في ص 1057.
(9) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 93.
(10) فلا يلزم من وجود صوم بعد الغاية أن تصير الغاية وسطاً.
(3/1094)
وسطاً لو استند الصوم بعدها إِلى الخطاب
قبلها، وليس كذلك.
وجوابه: أن هذا ظاهر التقييد ما لم يعارضه دليل، ولهذا يتبادر
إِلى الفهم ولا يحسن الاستفهام فيما بعدها.
وسلم الآمدي (1) أنه لا يحسن، لكن لعدم دلالة اللفظ عليه (2).
وفيه نظر؛ لاحتماله [له] (3) عنده.
وقال ابن عقيل (4): لا يحسن التصريح بأن ما بعدها كما قبلها.
وهو خلاف ما في التمهيد (5) فيه وفي الشرط، ونقض بهما (6) في
الصفة.
وقال الآمدي (7): لا مانع منه (8) إِجماعًا.
* * *
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 93.
(2) حيث إِن ما بعد الغاية غير متعرض له بنفي ولا إِثبات.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(4) انظر: الواضح 2/ 56أ.
(5) انظر: التمهيد/ 74 ب.
(6) يعني: التصريح بأن ما بعد الغاية كما قبلها وأن الحكم بدون
الشرط كما هو مع الشرط.
(7) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 92.
(8) يعني: من ورود الخطاب فيما بعد الغاية بمثل الحكم السابق
قبل الغاية.
(3/1095)
مفهوم العدد الخاص (1) -كـ (ثمانين جلدة)
(2) - قال به أحمد وأكثر أصحابه ومالك (3) وداود (4) وبعض
الشافعية (5)، وذكره أبو المعالي (6) عن الشافعي، واختياره:
أنه من قسم الصفات -وكذا قال أبو الطيب (7) وغيره- لأن قَدْر
الشيء صفته.
ونفاه الحنفية (8) والمعتزلة (9) والأشعرية (10) وأكثر
الشافعية، واختاره القاضي (11) في جزء صنقه في المفهوم، وذكره
أبو الخطاب (12) عن أبي إِسحاق (13) من أصحابنا في (14) مسألة:
"الزيادة على النص هل هي نسخ؟ ".
__________
(1) نهاية 156 ب من (ب).
(2) سورة النور: آية 4.
(3) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 270.
(4) نقله في العدة/ 453، والمسودة/ 358. وذكر ابن حزم في
الأحكام/ 1153: أن جمهور أصحابهم قال: دليل الخطاب ليس بحجة.
(5) انظر: المنخول/ 209، ونهاية السول 1/ 324.
(6) انظر: البرهان/ 453، 454.
(7) انظر: المسودة/ 352.
(8) انظر: تيسير التحرير 1/ 100، وفواتح الرحموت 1/ 432.
(9) انظر: المعتمد/ 157.
(10) انظر: المحصول 1/ 2/ 216، والإِحكام للآمدي 3/ 94.
(11) انظر: المسودة/ 359. وقد تردد فيها ذكر هذا الجزء للقاضي.
(12) انظر: التمهيد / 102 ب.
(13) الذي وجدته في التمهيد -في هذا الموضع-: عن أبي الحسن
التميمي.
(14) نهاية 323 من (ح).
(3/1096)
القائل به: ما سبق (1) في الصفة من قوله:
(لأزيدن على السبعين) (2).
ولئلا يعرى عن فائدة.
* * *
مفهوم اللقب (3): حجة عند أكثر أصحابنا، وذكروه (4) عن أحمد،
وقاله مالك (5) وداود (6)، واختاره أبو بكر الدقاق وغيره من
الشافعية، ذكره أبو المعالي (7).
ونفاه أكثر العلماء، واختاره القاضي (8) في الجزء الذي صنفه
(9)، وابن عقيل (10) في تقسيم الأدلة، وصاحب الروضة (11)،
وقال: ولو كان مشتقًا كالطعام.
__________
(1) في ص 1079 - 1080.
(2) نهاية 111 أمن (ظ).
(3) أي: الاسم. قال في تيسير التحرير 1/ 131: المراد باللقب
-هنا- ما ليس بصفة.
(4) في (ظ): وذكره.
(5) انظر: شرح تنقيح الفصول/ 270.
(6) نقله في العدة/ 453. وقد ذكر ابن حزم في الإِحكام/ 1153:
أن جمهور أصحابهم قال: دليل الخطاب ليس بحجة.
(7) انظر: البرهان/ 453 - 454، واللمع/ 28، والإحكام للآمدي 3/
95.
(8) انظر: المسودة/ 359.
(9) في المفهوم.
(10) انظر: الواضح 1/ 131 أ-ب.
(11) انظر: روضة الناظر/ 275.
(3/1097)
وقيده بعض أصحابنا (1) بغير المشتق.
قال بعض أصحابنا (1): فيصير في المشتق اللازم كالطعام -هل هو
من الصفة أو اللقب؟ - وجهان.
وقال صاحب المحرر (2) وغيره من أصحابنا -وقال: أشار إِليه أبو
الطيب في موضع-: إِنه حجة بعد سابقة ما يعمه -كقوله: (وترابها
طهوراً) بعد قوله: (جعلت لي الأرض مسجدًا (3))، وكما لو قيل:
يا رسول الله، [هل] (4) في بهيمة الأنعام زكاة؟ فقال: "في
الإِبل زكاة"، أو: هل نبيع الطعام بالطعام (5)؟ فقال: "لا
تبيعوا البر بالبر"- تقوية للخاص بالعام كالصفة بالموصوف. قال:
وأكثر ما جاء عن أحمد في مفهوم اللقب لا يخرج عن هذا.
وجعله (6) بعض أصحابنا (7) حجة في اسم جنس لا اسم عين؛ لأن
__________
(1) انظر: المسودة/ 352.
(2) انظر: المرجع السابق / 352 - 353.
(3) هذا الحديث رواه حذيفة بن اليمان مرفوعًا. أخرجه مسلم في
صحيحه/ 371، والدارقطني في سننه 1/ 175 - 176، وابن خزيمة في
صحيحه 1/ 133، وأبو عوانة في مسنده 1/ 303، والبيهقي في سننه
1/ 213.
وراجع: التلخيص الحبير 1/ 148 - 149، ونصب الراية 1/ 158 -
159.
(4) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(5) يعني: متفاضلاً.
(6) نهاية 157 أمن (ب).
(7) انظر: المسودة/ 359.
(3/1098)
خطاب الشارع إِنما يجيء عاما لا مشخصًا.
وجه الأول: لو تعلق الحكم بالعام لم يتعلق بالخاص؛ (1) لأنه
(2) أخصر وأعم.
ولأنه يميز مسماه كالصفة.
فإِن قيل: الصفة يجوز جعلها علة.
قيل: وكذا الاسم، فالتراب علة.
واحتج ابن عقيل (3): لو قال لمن يخاصمه: "ما أمي بزانية" فهم
نسبة الزنا إِلى أمه، وحُدّ عند مالك (4) وأحمد.
رد هذا: للقرينة.
القائل "ليس بحجة" (5): ما سبق (6) من الفرق بينه وبين الصفة.
واستدل: يلزم كفر من قال: "محمَّد رسول الله" و"زيد موجود"
ظاهرًا.
__________
(1) هذا تعليل لعدم تعليقه بالخاص.
(2) يعني: التعليق بالعام.
(3) انظر: الواضح 2/ 64 ب.
(4) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 112.
(5) نهاية 324 من (ح).
(6) في ص 1076.
(3/1099)
رد: لا يكفر؛ لأنه لم يتنبه للدلالة أو لم
يُرِدْها.
واستدل: يلزم إِبطال القياس، لظهور الأصل في مخالفة الفرع له
ظاهرًا.
رد: سبق (1) في تخصيص العام بالمفهوم: يقدم القياس، أو
يتعارضان.
وسبق (2) في الصفة: أن مع المساواة لا مفهوم.
وأجاب في العدة (3): يبطل بالصفة تمنع (4) القياس (5)، كذا هنا
(6).
وأجاب أيضًا (7) -وفي التمهيد (8) -: بأنه يدل لغة وبمنعه
شرعًا وبأنه حجة ما لم يُسقط القياس.
واستدل: لو دل لم يحسن الخبر عن أكل زيد إِلا بعد علمه بنفيه
عن غيره.
رد: للقرينة.
واستدل: لا يدل على نفيه عن عمرو.
__________
(1) في ص 962 وما بعدها.
(2) في ص 1078.
(3) انظر: العدة/ 477.
(4) في (ب): بمنع.
(5) فيما عداها.
(6) يمنع الاسم القياس فيما عداه، ولا فرق بينهما.
(7) انظر: العدة/ 477.
(8) انظر: التمهيد/ 72 ب.
(3/1100)
أجاب في التمهيد (1) بمنعه إِن أخبر عنهما
نحو: دعوتهما فأكل زيد.
ثم: هذا في الخبر بخلاف التكليف.
* * *
إِذا خص نوع بالذكر بحكم مدح أو ذم -أو غيره مما لا يصلح
للمسكوت- فله مفهوم، كقوله: (كلا إِنهم عن ربهم يومئذٍ
لمحجوبون) (2)، فالحجاب عذاب، فلا يحجب من لا يعذب، ولو حجب
الجميع لم يكن عذابًا.
قال مالك (3): لما حجب أعداءه تجلى لأوليائه حتى رأوه (4).
وقال الشافعي (5): لما حجب قومًا بالسخط دل على أن قوماً يرونه
بالرضا.
وكذا احتج بها أحمد (6) وغيره في الرؤية.
__________
(1) انظر: المرجع السابق.
(2) سورة المطففين: آية 15.
(3) انظر: زاد المسير 9/ 56، وتفسير القرطبي 19/ 261.
(4) نهاية 157 ب من (ب).
(5) انظر: أحكام القرآن للشافعي 1/ 40، وزاد المسير 9/ 56،
وتفسير القرطبي 19/ 261، وتفسير ابن كثير 4/ 485 - 486.
(6) انظر: الرد على الجهمية والزنادقة/ 129.
(3/1101)
وقال الزجاج (1): لولا ذلك لم يكن فيها
فائدة، ولا خَسّت منزلتهم بحجبهم.
* * *
إِذا اقتضى الحال أو (2) اللفظ عموم الحكم لو عم (3) فتخصيص
بعضٍ بالذكر (4) له مفهوم (5)، كقوله: (وفضلناهم على كثير)
(6)، و (ألم تر أن الله (7) يسجد له) إِلى قوله: (وكثير من
الناس) (8)، ذكره بعض أصحابنا (9) وغيرهم (10).
* * *
__________
(1) انظر: زاد المسير 9/ 56، وتفسير القرطبي 19/ 261.
(2) نهاية 111 ب من (ظ).
(3) يعني: الحكم.
(4) مع قيام المقتضي للبعض الآخر.
(5) يعني: يكون دليلاً على انتفاء الحكم فيه.
(6) سورة الإِسراء: آية 70.
(7) جاء أول الآية في النسخ هكذا (لله يسجد).
(8) سورة الحج: آية 18.
(9) انظر: المسودة/ 364.
(10) نهاية 325 من (ح).
(3/1102)
فعله - عليه السلام - له دليل، ذكره
أصحابنا، منهم: القاضي (1)، وأخذوه من قول أحمد (2): لا يصلى
على ميت بعد شهر؛ لحديث أم (3) سعد (4).
وضَعَّف هذه الدلالة بعض أصحابنا (5) وغيرهم.
وأكثر كلام ابن عقيل (6) مثله، وجَوَّز أن المستند استصحاب
الحال، وقال: ليس للفعل صيغة تخص ولا تعم فضلاً أن نجعل لها
دليل خطاب.
* * *
وذكر بعضهم ضهوم قِران العطف. وسبقت المسألة في العموم (7).
__________
(1) و (2) انظر: العدة/ 478.
(3) هي: الصحابية عمرة بنت مسعود بن قيس، والدة سعد بن عبادة.
(4) أخرج الترمذي في سننه 2/ 251 - وسكت عنه- والبيهقي في سننه
4/ 48 - 49 عن سعيد بن المسيب -مرسلاً-: أن أم سعد ماتت
والشعبي غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر. قال
البيهقي: وهو مرسل صحيح. قال: ورواه سويد بن سعيد عن يزيد بن
زريع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس موصولاً ...
والمشهور: عن قتادة عن ابن المسيب عن النبي مرسلاً. وحكى أبو
داود عن أحمد أنه قيل له: حدث به سويد عن يزيد بن زريع، قال:
لا تحدث بمثل هذا.
(5) انظر: المسودة/ 353.
(6) انظر: الواضح 2/ 68 أ-ب، والمسودة/ 353.
(7) في ص 856.
(3/1103)
مسألة
" إنما" تفيد الحصر نطقًا عند صاحب التمهيد (1) والروضة (2)
والفخر إِسماعيل (3) وغيرهم، وقاله الجرجاني (4) وغيره من
الحنفية (5) والغزالي (6) وغيره من الشافعية (7).
وعند ابن عقيل (8) والحلواني (9) من أصحابنا: تفيده بالمفهوم،
وقاله بعض الشافعية وجماعة من المتكلمين، وذكره في العدة (10)،
وذكر في العمدة (11) احتمالين (12).
__________
(1) انظر: التمهيد/ 4 ب، 75 ب.
(2) انظر: روضة الناظر/ 271.
(3) انظر: المسودة/ 354.
(4) انظر: العدة/ 479، والمسودة/ 354.
(5) انظر: تيسير التحرير 1/ 132، وفواتح الرحموت 1/ 434.
(6) انظر: المستصفى 2/ 207.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 97.
(8) انظر: الواضح 2/ 69أ.
(9) انظر: المسودة/ 354.
(10) انظر: العدة/ 205، 478 - 479.
(11) العمدة: كتاب في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى. انظر: مقدمة
تحقيق العدة/ 10.
(12) انظر: المسودة/ 354.
(3/1104)
وعند أكثر (1) الحنفية (2): لا تفيد الحصر،
وتؤكد الإِثبات، واختاره بعض أصحابنا (3) والآمدي (4) وغيرهما
(5).
القائل بالحصر: تبادر الفهم بلا دليل.
عورض: هذا لو انحصر دليل الحصر في "إِنما".
وجوابه: الأصل عدم غيره، والفرض فيه.
واحتج ابن عباس على إِباحة (6) ربا الفضل (7) بقوله - عليه
السلام -: (إِنما الربا في النسيئة) (8) -وشاع في الصحابة ولم
ينكر، وعُدِل إِلى دليل- وهو في الصحيحين، لكن فيهما: (لا ربا
إِلا في النسيئة) (9).
__________
(1) ضرب على (أكثر) في (ب) و (ظ).
(2) قال في تيسير التحرير 1/ 132: "نسب للحنفية"، ثم تعقبه.
وانظر: فواتح الرحموت 1/ 434.
(3) انظر: البلبل/ 125.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 97.
(5) في (ب): وغيره.
(6) نهاية 158 أمن (ب).
(7) تقدمت مسألة إِباحة ابن عباس لربا الفضل في ص 507.
(8) أخرجه مسلم في صحيحه/ 1218، والنسائي في سننه 7/ 28، وابن
ماجه في سننه / 759، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/ 64 من
حديث أسامة مرفوعًا.
(9) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 74 - 75، والنسائي في سننه 7/
281، وأحمد في مسنده 5/ 202، والطحاوي في شرح معاني الآثار 4/
64 من حديث أسامة مرفوعاً=
(3/1105)
واستدل: بأن "إِن" للإِثبات، و"ما" للنفي.
رد: تحكم؛ لأن "ما" لها أقسام.
ثم: يلزم نفي طلب المجد في قول امرئ القيس (1):
ولكنما أسعى لمجد مؤثَل (2)
وهو يناقض ما قبله وما بعده.
ثم: "ما" -هنا- زائدة عند النحاة (3)، تكف "إِنّ" عن العمل.
وبأن كلا منهما له صدر الكلام فلا يجمع بينهما، كـ "لام
الابتداء" مع (4) "إِنّ"، لكن تدخل، "لام الابتداء (5) " على
خبرها، وتدخل عليه "ما"
__________
=وأخرجه مسلم في صحيحه/ 1217 - 1218 بلفظ: (الربا في النسيئة)
وبلفظ: (إِنما الربا في النسيئة). وانظر: فتح الباري 4/ 381.
(1) هو: امرؤ القيس بن حجر بن عمرو الكندي، الشاعر الجاهلي
المشهور. انظر: الشعر والشعراء 1/ 52 - 86، وتهذيب الأسماء
واللغات 1/ 1/ 125، والمزهر 2/ 443.
(2) هذا صدر بيت عجزه:
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي.
وهو من قصيدة مطلعها:
ألا عِمْ صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يَعِمَنْ من كان في
العُصُر الخالي
فانظر: ديوان امرئ القيس / 39.
والمؤثل: المثمر الذي له أصل، وهو الكثير أيضًا.
(3) انظر: المقتضب 1/ 54، 2/ 363.
(4) في (ب): من.
(5) في (ظ): الابتنا.
(3/1106)
إِن كان جملة، و"إِنّ" لتأكيد مضمونها.
وفي التمهيد (1) والروضة (2) وغيرهما: "إِنما" كأداة
الاستثناء.
رد: عين الدعوى.
القائل بعدمه: "إِنما زيد قائم" بمعنى: "إِن زيدًا قائم" (3)،
و"ما" زائدة، فهي كالعدم.
ولأنها ترد للحصر وغيره، فيلزم منه المجاز أو الاشتراك، وهما
خلاف الأصل.
رد: بما سبق، ويخالف الأصل بدليل.
مسألة
مثل قوله: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (4))، وقول
القائل:
__________
(1) انظر: التمهيد/ 4 ب، 75 ب.
(2) انظر: روضة الناظر/ 271.
(3) نهاية 326 من (ح).
(4) هذا جزء من حديث رواه علي مرفوعاً. أخرجه أبو داود في
سننه/ 49 - 50، والترمذي في سننه 1/ 5 - وقال: هذا الحديث أصح
شيء في هذا الباب وأحسن- وابن ماجه في سننه/ 101، والطحاوي في
شرح معاني الآثار 1/ 273، والبيهقي في سننه 2/ 173، 379، وأحمد
في مسنده 1/ 123، 129، والدارقطني في سننه 1/ 360، وابن أبي
شيبة في مصنفه 1/ 229. ورواه أبو سعيد مرفوعًا. أخرجه الترمذي
في سننه 1/ 151، وابن أبي شيبة في مصنفه 1/ 229، وابن ماجه في
سننه/ 101، والبيهقي في سننه 2/ 280، والدارقطني في سننه 1/
359. وراجع: نصب الراية 1/ 307 - 308.
(3/1107)
"العالم زيد وصديقي زيد" -ولا قرينة عهد-
يفيد الحصر نطقًا (1)، على كلام القاضي في تعليقه في قوله (2):
(الشفعة فيما لم يقسم)، واختاره صاحب الروضة (3) والمحرر (4)
من أصحابنا -وذكره قول المحققين- وأبو المعالي (5) والغزالي
(6) وجماعة.
وقيل: يفيده بالفهوم، ولهذا احتج ابن عقيل (7) -أن المفهوم
حجة- بأن الصحابة احتجت (8) بقوله: (الماء من الماء) على أنه
لا غسل بغير إِنزال.
وعند الحنفية (9) -أو أكثرهم- وابن الباقلاني (10) والآمدي
(11) وغيرهم: لا يفيد الحصر.
__________
(1) في (ظ): قطعاً.
(2) في (ب): قول.
(3) انظر: روضة الناظر/ 272.
(4) انظر: المسودة/ 363.
(5) انظر: البرهان/ 478.
(6) انظر: المستصفى 2/ 207.
(7) انظر: الواضح 2/ 54 أ - ب، والمسودة/ 363.
(8) نهاية 112 أمن (ظ).
(9) انظر: تيسير التحرير 1/ 134، وفواتح الرحموت 1/ 434.
(10) انظر: المستصفى 2/ 207، والإِحكام للآمدي 3/ 98.
(11) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 98.
(3/1108)
القائل بالحصر: التعريف (1) باللام
والإِضافة للاستغراق، وخبر المبتدأ يجب كونه مساويا للمبتدأ أو
أعم، لا يجوز أخص نحو: "الحيوان إِنسان"، ولهذا احتجت به
الصحابة.
وسلمه الآمدي (2) لو ثبت أن اللام للجنس، لكن هي ظاهرة في
البعض.
وجوابه: ما سبق (3) في عمومها.
واستدل: لو لم يفده لأخبر عن الأعم بالأخص، لتعذر كون اللام
للجنس لعدم صدق "كل عالم زيد" و"كل صديقي زيد"، ولا قرينة عهد،
فوجب جعله لمعهود ذهني بمعنى: الكامل والمنتهي في العلم
والصداقة.
رد: المعروف جعله لمعهود بعضي نحو: أكلت الخبز.
ثم: بتسليمه (4)، واللام للمبالغة، فلا حصر (5).
ونص سيبويه (6) في "زيد الرجل": اللام للمبالغة، أي: الكامل في
الرجولية.
__________
(1) نهاية 158 ب من (ب).
(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 98.
(3) في ص 769 - 770.
(4) يعني: تسليم ما ذكرتم.
(5) في (ح): ولا حصر.
(6) انظر: المنتهى لابن الحاجب/ 112.
(3/1109)
ويلزم الخصم الحصر بما ذكره في "زيد
العالم" (1).
فإِن قال: اللام فيه للماهية، فيخبر بالأعم عن الأخص.
فجوابه: (2) شرطه (3) تنكير الأعم (4) ليعم على البدل.
فإِن قال: اللام فيه للعهد بقرينة تقديم "زيد".
فجوابه: يمنع منه استقلاله (5) بالتعريف، وإلا لتوقف تعريفه
على تقديم (6) قرينة "زيد".
القائل بعدمه: ما سبق: لو أفاده لأفاده عكسه.
وأيضاً: لكان التقديم يغير مدلول نفس الموضوع والمحمول.
وجواب: منع أن الدلالة لا تختلف بالتركيب.
__________
(1) في (ح): شرط.
(2) فيقال: يلزم الأخبار بالعام عن الخاص ... إِلخ.
(3) يعني: شرط جواز الأخبار بالأعم عن الأخص.
(4) نهاية 327 من (ح).
(5) يعني: وجوب استقلاله.
(6) في (ح) و (ظ): تقدم.
(3/1110)
النسخ
لغة (1): الرفع والإِزالة "نسخت الشمس الظل"، والنقل "نسخت
النحل (2) " (3)، ومنه: المناسخات في المواريث.
فعند أصحابنا وأبي الحسين (4) وغيرهم: حقيقة في الأول.
وعند القفال (5) الشافعي: في الثاني.
وعند ابن الباقلاني (5) والغزالي (6) وغيرهما: مشترك.
.....................
وشرعًا: رفع حكم شرعي بقول الشارع (7) أو فعله متراخيًا.
فيخرج: مباح (8) بحكم الأصل، والرفع لعدم الفهم (9)، وبنحو:
صَلِّ إِلى آخر الشهر.
__________
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 424.
(2) في (ح): النخل.
(3) إذا نقلته من خلية إِلى أخرى.
(4) انظر: المعتمد/ 394.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 102.
(6) انظر: المستصفى 1/ 107.
(7) نهاية 159 أمن (ب).
(8) يعني: رفع مباح.
(9) يعني: بالنوم والغفلة مثلاً.
(3/1111)
والمراد بـ "الحكم" ما تعلق بالمكلف بعد
وجوده أهلاً، فالتكليف المشروط بالعقل عدم عند عدمه.
فلا يرد: الحكم قديم، فلا يرتفع.
ولا ينتقض عكسه بتخصيص متأخر؛ لأنه بيان لا رفع عند أصحابنا
وغيرهم، خلافاً لبعضهم.
وهذا معنى حدّ أبي الخطاب (1)، وزاد: "رفع مِثْل الحكم"؛ لئلا
يرد البَدَاء -وهو ظهور ما لم يكن- لأنه رفع نفس الحكم، وقال:
على وجه لولاه لكان ثابتًا.
وأبطله الآمدي (2): بأن إِزالة المِثْل قبل وجوده وبعد عدمه
محال، وكذا معه؛ لأنها إِعدام.
وفيه نظر، لكن يلزم منع نسخ أمر مقيد بمرة قبل فعله.
وقال بعض أصحابنا: منع استمرار [حكم] (3) خطاب شرعي بخطاب شرعي
متراخ عنه.
وهو مراد الآمدي (4) بحدّه.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 93أ - ب.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 104.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(4) انظر: المرجع السابق 3/ 107.
(3/1112)
وكذا في الروضة (1): رفع حكم ثابت بخطاب
[بخطاب] (2) متراخ عنه.
وقال القاضي (3): بيان انقضاء (4) مدة العبادة (5) التي ظاهرها
الإِطلاق، أو: بيان ما لم يرد باللفظ العام في الأزمان.
وقال -أيضاً- (6): إِخراج ما لم يرد باللفظ العام في الأزمان،
مع تراخيه عنه.
وغَلّط من قال: "ما أريد (7) باللفظ"؛ لإِفضائه إِلى البَدَاء.
وهو خلاف ما قاله في النسخ قبل الوقت (8) وما قاله أكثر
الأصحاب وغيرهم.
وقال أبو المعالي (9): لفظ قال على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم
الأول.
__________
(1) انظر: روضة الناظر/ 69.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب) و (ظ).
(3) انظر: العدة/ 155 - 156.
(4) نهاية 328 من (ح).
(5) نهاية 112 ب من (ظ).
(6) انظر: العدة / 778 - 779.
(7) يعني: إِخراج ما أريد باللفظ.
(8) انظر: العدة/ 810 - 811، والمسودة/ 195.
(9) انظر: البرهان/ 1297.
(3/1113)
فيرد: أن اللفظ دليل النسخ لا نفسه.
ونقض طرده بقول العدل: "نُسِخ حكم كذا"، وعكسه (1): بفعله عليه
السلام.
ثم: حاصله: "اللفظ الدال على النسخ (2) "؛ لأنه فَسَّر "شرط
دوام الحكم" بانتفاء النسخ، فانتفاء شرط (3) دوامه (4) حصوله
(5). (6)
وقال ابن الباقلاني (7) وابن عقيل (8) والغزالي (9): خطاب قال
على ارتفاع حكم ثابت بخطاب متقدم، على وجه لولاه لكان ثابتًا،
مع تراخيه عنه.
وأُورد: الثلاث السابقة على أبي المعالي، وأن قوله: "على وجه
إِلى آخره" زيادة.
__________
(1) نهاية 159 ب من (ب).
(2) فيكون تعريفًا للشيء بنفسه.
(3) شرط دوامه: هو انتفاء النسخ.
(4) يعني: دوام الحكم.
(5) قوله (حصوله) خبر لقوله (فانتفاء).
(6) يعني: حصول النسخ.
(7) انظر الإِحكام للآمدي 3/ 105، والمنتهى لابن الحاجب/ 113.
(8) انظر: الواضح 1/ 44 ب- 45 أ.
(9) انظر: المستصفى 1/ 107.
(3/1114)
وأجاب الآمدي (1) عن الأول: بمنع أن النسخ
ارتفاع الحكم، بل (2) نفس الرفع -وهو الفعل- صفة الرافع، وهو
الخطاب الدال على الارتفاع -ومستلزم له (3) - وهو الانفعال صفة
المرفوع المفعول، على نحو فسخ العقد وانفساخه، وأن فعله - عليه
السلام - لا يدل على الارتفاع، بل على الخطاب الدال عليه،
والزيادة لا تخل بصحة الحد، وفيها فائدة.
وحكي عن الفقهاء (4): النص الدال على انتهاء أمد الحكم الشرعي
مع التأخر عن زمن وروده.
فيرد: الأول والثالث.
فإِن فرّوا من "الرفع (5) " -لِقِدم الحكم وتعلقه (6) عقلاً
-فانتهاء أمد الوجوب [ينافي بقاء الوجوب] (*) على المكلف، وهو
معنى الرفع.
وإن فروا -لأنه لا يرتفع تعلق بمستقبل- لزم منع النسخ قبل
الفعل (7).
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 106 - 107.
(2) تكرر (بل) في (ب).
(3) يعني: للارتفاع.
(4) انظر: البرهان/ 1293.
(5) إِلى الانتهاء.
(6) يعني: وقدم تعلقه.
(*) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(7) وهو خلاف مذهبهم.
(3/1115)
وإن فروا -لأنه ينافي (1) أمد تعلق الحكم
بالمستقبل المظنون دوامه- فلا بد من زوال التعلق، فصح إِطلاق
الرفع عليه.
وقالت المعتزلة (2): خطاب قال على أن مِثْل الحكم الثابت بالنص
المتقدم زائل على وجه لولاه لكان ثابتًا.
فيرد: ما على الغزالي.
وأورد: الأمر المقيد بمرة ينسخ قبل فعله (3). وهم يمنعونه (4).
وفي الواضح (5): حَدُّهم يصرح بأن الناسخ يزيل ما ثبت بالخطاب
الأول، وكلهم يقول: "ما أزاله لم يثبت بالأول، ولو ثبت به لم
يجز زواله (6) [للبَدَاء] (7) على الله"، وهذه مناقضة.
* * *
__________
(1) في المنتهى لابن الحاجب 1/ 13، ومختصره بشرح العضد 2/ 186،
187: لأنه بيان أمد ... إِلخ.
(2) انظر: المعتمد/ 395، 396، 397، والبرهان/ 1294.
(3) ولم يتناوله الحد.
(4) يعني: لا يجيزون نسخه.
(5) انظر: الواضح 1/ 46أ.
(6) نهاية 160أمن (ب).
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(3/1116)
والناسخ -حقيقة- هو: الله عندنا وعند
الأشعرية (1)، وطريق معرفته عند (2) المعتزلة (3).
مسألة
أهل الشرائع على جواز النسخ عقلاً ووقوعه شرعًا.
وخالف أكثر اليهود (4) في الجواز، وأبو مسلم (5) الأصفهاني في
الوقوع (6).
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 108.
(2) نهاية 329 من (ح).
(3) انظر: المعتمد / 369، والإحكام للآمدي 3/ 108.
(4) قال العطار في حاشيته على شرح المحلي على جمع الجوامع 2/
121: نبه البلقيني على أن حكايته خلاف اليهود في كتب أصول
الفقه مما لا يليق؛ لأن الكلام في أصول الفقه فيما هو مقرر في
الإسلام وفي اختلاف الفرق الإسلامية، أما حكايته خلاف الكفار
فالمناسب ذكرها في أصول الدين.
(5) هو: محمَّد بن بحر، معتزلي متكلم بليغ، ولد سنة 254 هـ،
وتوفي سنة 322 هـ.
من مؤلفاته: جامع التأويل لمحكم التنزيل، وهو كتاب في التفسير
على مذهب المعتزلة.
انظر: فرق وطبقات المعتزلة/ 299، ولسان الميزان/ 895، وطبقات
المفسرين للداودي 2/ 106.
(6) كثرت النقول عن أبي مسلم في مسألة جواز النسخ وعدمه، فقيل:
يمنعه بين الشرائع، في الشريعة الواحدة، وقيل: في القرآن خاصة،
وحرر ابن السبكي في رفع الحاجب 2/ 132 ب المسألة، وردّ الخلاف
فيها إِلى الخلاف اللفظي، فقال: الإِنصاف أن الخلاف=
(3/1117)
لنا: القطع بعدم استحالة تكليف في وقت (1)
ورفعه.
وإن قيل: "أفعال الله متابعة لمصالح العباد -كالمعتزلة-"
فالمصلحة قد تختلف باختلاف الأوقات.
وفي التوراة: أنه أمر آدم بتزويج بناته من بنيه، وقد حرم ذلك.
واستدل: بتحريم السبت، وكان مباحًا، وبجواز الختان مطلقًا، ثم
وجب في ثامن الولادة عندهم، وبجواز جمع الأختين، ثم حرم.
رد: رفع مباح الأصل ليس بنسخ إِجماعًا.
قالوا: لو صح بطل قول موسى المتواتر: إِن شريعته مؤبدة.
__________
=بين أبي مسلم والجماعة لفظي؛ وذلك أن أبا مسلم يجعل ما كان
مُغَيّا في علم الله تعالى كما هو مُغَيّا باللفظ، ويسمي
الجميع تخصيصًا، ولا فرق عنده بين أن يقول: "وأتموا الصيام
إِلى الليل" وأن يقول: "صوموا مطلقًا"، وعلمه محيط بأنه سينزل:
"لا تصوموا وقت الليل"، والجماعة يجعلون الأول تخصيصًا والثاني
نسخًا، ولو أنكر أبو مسلم النسخ بهذا المعنى لزمه إِنكار شريعة
المصطفى، وإنما يقول: كانت شريعة السابقين مغياة إِلى مبعثه
عليه السلام، وبهذا يتضح لك الخلاف الذي حكاه بعضهم في أن هذه
الشريعة مخصصة للشرائع أو ناسخة، وهذا معنى الخلاف. انتهى كلام
ابن السبكي، وهو من أدرى الناس بكلام الأصفهاني؛ إِذ قد وقف
على تفسيره واطلع على آرائه كما ذكر ذلك في رفع الحاجب.
انظر: تعليق الدكتور -محمَّد حسن هيتو- على التبصرة/ 251،
وراجع: شرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 88 - 89.
(1) نهاية 113أمن (ظ).
(3/1118)
رد: موضوع؛ للقطع -عادة- بأنه لو صح عارضوا
به محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، ولَمَا أسلم علماؤهم كابن
سلام (1) وكعب (2) ووهب (3).
ثم: المراد نحو التوحيد، أو: مؤبدة ما لم تنسخ.
قالوا: إِن نسخ لحكمة ظهرت بعد أن لم تكن فهو البَدَاء، وإلا
فعبث (4)، ولا يجوز البداء على الله -وهو تجدّد العلم- إِلا
عند الرافضة، وهو كفر، ومن كذبهم حكايته (5) عن موسى بن جعفر
(6)
__________
(1) هو: الصحابي أبو يوسف عبد الله بن سلام.
(2) هو: أبو إِسحاق كعب بن ماتع الحميري، المعروف بكعب
الأحبار، قال ابن حجر: أدرك النبي رجلاً، وأسلم في خلافة أبي
بكر، وقيل: في زمن النبي، والراجح أن إِسلامه كان في خلافة
عمر. أ. هـ. كان يهوديًا قبل إِسلامه، وتوفي بحمص سنة 32 هـ.
انظر: الإِصابة 5/ 647.
(3) هو: أبو عبد الله وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني
الذماري، عالم أهل اليمن، تابعي حافظ، كان عنده من علم أهل
الكتاب شيء كثير، فإِنه صرف عنايته إِلى ذلك، وكان ثقة واسع
العلم ينظر بكعب الأحبار في زمانه، توفي بصنعاء سنة 116 هـ،
وكان مولده سنة 34 هـ.
انظر: حلية الأولياء 4/ 23، والعبر 1/ 143، وتذكرة الحفاظ/
100، وتهذيب التهذيب 11/ 166، وشذرات الذهب 1/ 50.
(4) ضرب على (وإلا فعبث) في (ب) و (ظ)، ثم كتب متأخرًا على ما
سيأتي في الصفحة التالية.
(5) في (ظ): حكايتهم.
(6) هو: أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن
علي بن=
(3/1119)
وعن علي (1)، وذكره ابن عقيل (2) عن
المختار (3) وغيره، وأن بعضهم جَوّزه فيما لم يطلعنا عليه (4).
رد: إِن سلم اعتبار المصلحة فهو لحكمة علمها قديمًا تكون عند
نسخه؛ لاختلاف الأوقات والأحوال، فلم يظهر ما لم يكن.
__________
=أبي طالب، الكاظم، توفي ببغداد سنة 183 هـ.
انظر: تاريخ بغداد 13/ 27، ووفيات الأعيان 2/ 131، وصفة الصفوة
1/ 103، والبداية والنهاية 10/ 183.
(1) انظر: الواضح 2/ 223أ، والإِحكام للآمدى 3/ 109 - 110.
(2) انظر: الواضح 2/ 223 ب.
(3) هو: أبو إِسحاق المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، من
زعماء الثائرين على بني أمية، ولد سنة اهـ، وسكن البصرة بعد
علي، ولما قتل الحسين سنة 61 هـ انحرف المختار عن عبيد الله بن
زياد -أمير البصرة- فقبض عليه ابن زياد وجلده، ثم نفاه إِلى
الطائف، ولما مات يزيد بن معاوية سنة 64 هـ -وقام عبد الله بن
الزبير في المدينة يطلب الخلافة- ذهب إِليه المختار وعاهده، ثم
خرج إِلى الكوفة فتتبع قتلة الحسين، واشتهر أمره، واستبد
بالسلطة، فقاتله مصعب بن الزبير- أمير البصرة بالنيابة عن
أخيه- حتى قتله سنة 67 هـ بالكوفة.
انظر: تاريخ الأمم والملوك 7/ 58، 93، 112، 130، 133، 140،
146، والكامل في التاريخ 4/ 168، 211، 246، 258، 267،
والإِصابة 6/ 349.
(4) في (ب) و (ظ): لم يطلعنا عليه، وإلا فعبث. وسبقت الإِشارة
إلى هذا في هامش 4 من الصفحة السابقة.
(3/1120)
قالوا: إِنْ قيد الأول بوقت فلا نسخ؛
لانتهائه بانتهاء وقته (1)، وإن دل على التأبيد فلا نسخ؛
لاجتماع الإِخبار بالتأبيد ونفيه، وهو تناقض، ولأنه يؤدي إِلى
تعذر الإِخبار بالتأبيد لاحتمال النسخ، وإلى أنه لا يوثق
بتأبيد حكم، وإلى نسخ شريعتكم.
رد: مطلق، فيدل على تعلق الوجوب، لا على البقاء ونفيه.
ثم: لو دل على التأبيد فالأمر بشيء في المستقبل أبداً لا
يستلزم دوامه، بل إِن الفعل فيه (2) متعلق الوجوب (3)، فزوال
التعلق به بنسخ ليس مناقضة كالموت، إِنما التناقض في خبره
ببقاء الوجوب أبدًا ثم ينسخه.
ونسخ شريعتنا محال؛ للتواتر بأن محمدًا خاتم النبيين.
قالوا: لو جاز لكان قبل الفعل، ولا رفع لما لم يوجد، ولا بعده
لعدمه، ولا معه، وإلا ارتفع حال وجوده.
رد: المراد زوال التكليف الثابت بعد أن لم يكن (4)، كزواله
بالموت، لا ارتفاع الفعل.
قالوا: إِن عُلِم دوامه أبدًا فلا نسخ، أو إِلى مدة معينة
فارتفاع الحكم بوجود غايته ليس بنسخ.
__________
(1) نهاية 160 ب من (ب).
(2) يعني: في المستقبل أبدًا.
(3) نهاية 330 من (ح).
(4) يعني: بعد أن لم يكن التكليف قد ثبت.
(3/1121)
رد: يعمله مستمراً إِلى وقت ارتفاعه
بالنسخ، وعلمه بارتفاعه به يحقق النسخ (1).
ولنا -على الأصفهاني-: الإِجماع أن شريعتنا ناسخة لما خالفها.
ونسخ [التوجه] (2) إِلى بيت المقدس (3)، وتقديم الصدقة
لمناجاته عليه السلام (4)، وصوم عاشوراء (5)، وغيره.
__________
(1) لا يمنعه.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(3) قال تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة
ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم
شطره) سورة البقرة: آية 144.
وقد أخرج خبر نسخ التوجه إِلى بيت المقدس البخاري في صحيحه 1/
84، ومسلم في صحيحه/ 374 من حديث البراء بن عازب.
(4) قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إِذا ناجيتم الرسول
فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلكم خير لكم وأطهر فإِن لم تجدوا
فإن الله غفور رحيم * أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات
فإِذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) سورة المجادلة:
الآيتان 12، 13.
وخبر نسخ تقديم الصدقة: أخرجه الترمذي في سننه 5/ 80 - 81،
والطبري في تفسيره 28/ 14 - 16، ومجاهد في تفسير5/ 660 - 661.
وانظر: أسباب النزول للواحدي/ 234 - 235، والمعتبر 179أ- ب.
(5) نسخ صوم عاشوراء: أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 43، ومسلم في
صحيحه/ 792 من حديث عائشة مرفوعًا.
(3/1122)
مسألة
بيان الغاية المجهولة -كقوله: (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله
لهن سبيلاً) (1) - اختلف كلام أصحابنا وغيرهم: هل هو نسخ أم
لا؟ والأظهر النفي.
مسألة (2)
يجوز النسخ قبل الفعل بعد دخول الوقت، ذكره القاضي (3) وابن
عقيل (4) إِجماعًا، وفي التمهيد (5): "لا أعلم فيه خلافاً"،
قال: ولا فرق -عقلاً- بين (6) أن يعصَي أو يطيع.
وجزم بعضهم بالمنع (7)؛ لعصيانه.
....................
__________
(1) سورة النساء: آية 15.
(2) نهاية 113 ب من (ظ).
(3) انظر: العدة/ 807.
(4) انظر: الواضح 2/ 264أ.
(5) انظر: التمهيد / 95 ب- 96أ.
(6) نهاية 161 أمن (ب).
(7) يعني: منع النسخ.
(3/1123)
ويجوز قبل وقت الفعل عند أصحابنا، وذكره
القاضي (1) ظاهر قول أحمد: "إِذا شاء الله نسخ من كتابه ما
أحبّ" -وفيه نظر- وقاله الأشعرية (2) وأكثر الشافعية، وذكره
الآمدي (3) قول أكثر الفقهاء.
ومنعه أكثر الحنفية (4) والمعتزلة (5)
ولأبي الحسن (6) التميمي من أصحابنا قولان.
لنا: ما تواتر (7) -وفي الصحيحين (8) وغيرهما- من نسخ فرض
__________
(1) انظر: العدة/ 807.
(2) انظر: اللمع/ 33، والتبصرة/ 260، والمنخول 297، والمستصفى
1/ 112، والإِحكام للآمدي 3/ 126.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 126.
(4) نقل عن جمهورهم القول بالجواز. فانظر: أصول السرخسي 2/ 63،
وتيسير التحرير 3/ 87، ومسلم الثبوت (فواتح الرحموت 2/ 61).
وقال في فواتح الرحموت -بعد أن حكى صاحب السلم القول بالمنع عن
بعض الحنفية-: بل رؤسائهم كالكرخي والماتريدي والجصاص
والدبوسي، قال: وقولهم هو الحق المتلقى بالقبول.
(5) انظر: المعتمد/ 407.
(6) انظر: العدة/ 808. والمسودة/ 207.
(7) في (ح) و (ظ): ما تواترا وفي.
(8) أخرجه البخاري في صحيحه 1/ 74 - 75، 4/ 109 - 110، 135 -
136، ومسلم في صحيحه/ 145 وما بعدها، والترمذي في سننه 1/ 137،
والنسائي في سننه=
(3/1124)
خمسين [صلاة] (1) في السماء ليلة الإِسراء
بخمس قبل تمكّنه - عليه السلام - من الفعل.
والإِسراء يقظة (2) عند أحمد وأصحابه وعامة السلف والخلف، وهو
ظاهر الأخبار.
وفي فنون ابن عقيل: إِن الرواية عن أحمد اختلفت فيه. كذا قال.
وفي رواية شريك (3): "وهو نائم". رواه البخاري (4).
__________
=1/ 217 وما بعدها، وابن ماجه في سننه/ 448، وأحمد في مسنده 3/
149، 5/ 144 من حديث أنس مرفوعًا.
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(2) انظر: تفسير الطبري 15/ 13، وشرح الطحاوية/ 246، والمعراج
للقشيري/ 65، وتفسير القرطبي 10/ 208، وفتح الباري 13/ 484.
(3) هو: أبو عبد الله شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي
-وقيل: الليثي- المدني، تابعي روى عن أنس وسعيد بن المسيب
وعكرمة وغيرهم، وعنه الثوري ومالك والدراوردي وغيرهم، توفي سنة
144 هـ. قال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو داود: ثقة، وذكره
ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: إِذا روي عنه ثقة فإِنه
ثقة. قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ.
انظر: ميزان الاعتدال 2/ 269، وتهذيب التهذيب 4/ 337، وتقريب
التهذيب 1/ 351.
(4) أخرج البخاري في صحيحه 9/ 149 - 150 ... عن شريك قال: سمعت
أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول الله من مسجد الكعبة: إِنه
جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إِليه وهو نائم في المسجد الحرام
... وفي آخره: واستيقظ وهو في المسجد الحرام.=
(3/1125)
وأنكرها العلماء، ثم: يحتمل أول وصول الملك
إِليه.
وفي الواضح (1): من منعه يقظة منع ذلك.
ولا يجوز النسخ قبل علم المكلف بالمأمور [به] (2)؛ لعدم
الفائدة باعتقاد الوجوب (3) والعزم على الفعل.
وجوزه الآمدي (4)؛ لعدم مراعاة الحِكَم في أفعاله تعالى.
__________
=وأخرجه مسلم في صحيحه/ 148 باللفظ السابق إِلى قوله: "وهو
نائم في المسجد الحرام"، ثم قال: وساق الحديث بقصته نحو حديث
ثابت البناني، وقدم فيه وأخر وزاد ونقص.
ونقل ابن حجر في فتح الباري 13/ 484 عن عبد الحق قال: زاد فيه
-يعني شريكًا- زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد
روى الإسراء جماعة من الحفاظ فلم يأت أحد منهم بما أتى به
شريك، وشريك ليس بالحافظ. ثم ذكر ابن حجر ما خالفت فيه رواية
شريك غيره من المشهورين -ومن ذلك كونه مناماً- وأفاض في ذلك.
وقال ابن القيم في زاد المعاد 2/ 55: وقد غلَّط الحفاظ شريكًا
في ألفاظ من أحاديث الإسراء.
(1) انظر: الواضح/ 2/ 267 ب.
(2) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(3) نهاية 331 من (ح).
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 132.
(3/1126)
وفي البخاري (1) عن أبي هريرة: أنه - عليه
السلام - بعثه في بعث، وقال: (إِن وجدتم فلانًا وفلاناً
فأحرقوهما بالنار)، ثم قال -حين أردنا الخروج-: (إِن النار لا
يعذب بها إِلا الله، فإِن وجدتموهما فاقتلوهما).
وأمر -عليه [السلام] (2) - بكسر قدور من لحم حمر إِنسية، فقال
[رجل] (3): أو نغسلها؟ فقال: (اغسلوا). متفق عليه (4).
ولأحمد (5): أنه - عليه السلام - بعث أبا بكر يبلغ "براءة"،
فسار ثلاثاً (6)، ثم قال لعلي: (الحقه وبلّغها أنت).
وأيضًا: كما يجوز رفعه بالموث وغيره.
__________
(1) انظر: صحيح البخاري 4/ 61. وأخرجه أبو داود في سننه 3/
125، والترمذي في سننه 3/ 67 وقال: حسن صحيح، والدارمي في سننه
2/ 141، وأحمد في مسنده 2/ 307.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه 3/ 136، ومسلم في صحيحه/ 1540 من
حديث سلمة بن الأكوع.
(5) أخرجه أحمد في مسنده 1/ 3 من حديث أبي بكر. وأخرج -نحوه-
الترمذي في سننه 4/ 339 من حديث أنس -وقال: حسن غريب من حديث
أنس- والطبري في تفسيره 14/ 106، 108 - 109 (ط: دار المعارف)
من حديث زيد بن يثيع وأبي جعفر محمَّد بن علي بن حسين بن علي
والسدي.
(6) نهاية 161 ب من (ب).
(3/1127)
ولأن كل نسخ قبل الفعل؛ لاستحالته بعده
-لتحصيل الحاصل- ومعه؛ لامتناع الفعل ونفيه.
واحتج أصحابنا وغيرهم: بأن إِبراهيم أمر بذبح الولد بإِجماع
علماء النقل، بدليل: (افعل ما تؤمر) (1)، ولإِقدامه عليه،
ونُسِخ قبل وقته، وإلا لعصى بتأخيره.
رد: لم ينسخ؛ لأن الأمر قائم لم ينته، ولم يحصل بمحله للفداء
لا للنسخ.
وجوابه: منع بقاء الأمر بذبحه، بل نسخ بالفداء.
وسلّم الآمدي (2): أنه نسخ، لكن بعد تمكنه، وإنما يكون قبله
(3) لو اقتضى الأمر الفور (4) وتضيّق وقت الإِمكان.
ورد: لو كان موسعًا قضت العادة بتأخيره (5) رجاء نسخه أو موته
لِعِظَم الأمر، ولم يمنع (6) رفع تعلق الوجوب بالمستقبل لبقاء
الأمر على المكلف (7) لعدم
__________
(1) سورة الصافات: آية 102.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 129.
(3) يعني: قبل تمكنه.
(4) في (ب): الفوت.
(5) ولم يقدم عليه.
(6) يعني: لو كان موسعًا لم يمنع ... إِلخ.
(7) نهاية 114 أمن (ظ).
(3/1128)
فعله، وبقاء الأمر هو المانع عندهم (1).
قال: لم يؤمر، ولهذا قال: (إِني أرى في المنام) (2)، أو أُمر
بمقدمات الذبح؛ لقوله: (صَدقْتَ الرؤيا) (3).
رد: منام النبي وحي.
وأراد بـ (أرى): رأيت، ولهذا أقدم.
وقيل: (افعل ما تؤمر) (4) أي: ما أُمرت، أو وقتاً بعد وقت.
ولو أُمر بمقدماته (5) لم يقل: (أذبحك) (6)، ولم يحتج إِلى
فداء.
وصَدَّق الرؤيا باعتقاد جازم وبكل فعل أمكنه.
وهو (7) جواب قولهم: "ذبحه والتحم"، مع أنه كان يشتهر لأنه
معجزه (8).
قال: صفّح عنقه بنحاس منعه منه.
__________
(1) من النسخ، فإِذا نسخ عنه فقد نسخ تعلق الوجوب بالمستقبل،
وجاز ما قال بامتناعه.
(2) سورة الصافات: آية 102.
(3) سورة الصافات: آية 105.
(4) سورة الصافات: آية 102.
(5) نهاية 332 من (ح).
(6) الصافات: آية 102.
(7) يعني: لو كان ذبحه لم يحتج إِلى فداء.
(8) في (ح): معجز.
(3/1129)
رد: فيكون تكليفًا بما لا يطاق، ونسخاً قبل
الفعل، وكان يشتهر.
قالوا: إِن أمر بالفعل وقت (1) نسخه توارد النفي والإِثبات،
وإلا فلا نسخ (2) لعدم رفع شيء.
رد: يبطل بـ "صُمْ رمضان" ونسخه فيه.
وبأنه ليس مأمورا ذلك الوقت (3) بل قبله، وانقطع (4) بالناسخ
عند وقته (5) كالموت.
مسألة
يجوز نسخ أمر مقيد بالتابيد -نحو: "صوموا أبداً"- عند الجمهور؛
لأنه يجوز في المطلق -وظاهره التأبيد- ولو قبل الوقت، فمثله
هذا، والعادة والعرف التأكيد للمبالغة نحو: "الزمْ فلاناً أو
السوق أبدًا"، وكما يجوز تخصيص عموم مؤكد بـ "كل".
قالوا: متناقض؛ لأن التأبيد للدوام، والناسخ بيان انتهائه
ويقطعه، فالمنافاة ثابتة بين تكليفين ضرورة، بخلاف قطعه
بالموت.
__________
(1) في (ظ): قبل.
(2) نهاية 162 أمن (ب).
(3) أي: وقت النسخ.
(4) يعني: وانقطع التكليف.
(5) يعني: وقت الناسخ.
(3/1130)
رد: بمنع التأبيد عرفاً.
وبالإِلزام بتخصيص عموم مؤكد. والجواب واحد.
قالوا: كالخبر.
وجوابه: اختلفوا في نسخه: فمنعه جمهور الفقهاء والأصوليين،
واختاره جماعة من أصحابنا، منهم: أبو بكر بن الأنباري (1) وابن
الجوزي (2)، وجزم به في الروضة (3).
وجوزه قوم، ولعلهم أرادوا ما قاله القاضي (4): إِن صَحَّ
تَغَيُّره -كالخبر عن زيد بأنه مؤمن وكافر- جاز نسخه، وإِلا
فلا، كصفات الله وخبر ما كان وما يكون؛ لأنه الذي يفضي إِلى
الكذب، واختاره بعض أصحابنا (5)، ويخرج عليه نسخ المحاسبة بما
في النفوس في قوله: (وإِن تبدوا ما في أنفسكم) (6) كقول جماعة
من الصحابة (7) والتابعين، فهو في مسلم (8)
__________
(1) انظر: زاد المسير 1/ 344، والمسودة/ 197.
(2) من قوله (واختاره جماعة) إِلى قوله (الجوزي) ورد في (ح)
بعد قوله (الروضة).
(3) انظر: روضة الناظر/ 73.
(4) انظر: العدة/ 825.
(5) انظر: المسودة/ 196.
(6) سورة البقرة: آية 284.
(7) انظر: تفسير الطبري 6/ 103 - 112، ط: دار المعارف، وفتح
الباري 8/ 206.
(8) انظر: صحيح مسلم/ 115 - 116. وأخرجه أحمد في مسنده 2/ 412،
والطبري في تفسيره 3/ 95.
(3/1131)
عن أبي هريرة وفي البخاري (1) عن ابن عمر.
وذكر ابن عقيل (2) كالأول، ثم اختار: إِن تعلَّق بمستقبل جاز
فيه نوع احتمال كعفو في وعيد وصفة (3) وشرط (4)، حتى وقع في
"الأبد" خلاف وأنه أبد (5) من الآباد، ولا احتمال في ماض.
وكذا قال بعض الشافعية (6): يجوز خلافاً لأبي هاشم (7)،
لاحتمال: "لأعاقبنه (8) أبدًا"، ثم يقول: "أردت سنة". كذا قال.
وِإيهام الكذب (9) لا يمنع كالأمر البداء (10).
__________
(1) انظر: صحيح البخاري 6/ 33.
(2) انظر: الواضح 2/ 240أ، ب، 241 أ- ب.
(3) نهاية 162 ب من (ب).
(4) يعني: يقع الخبر من الله مطلقًا، ويكشف البيان عن أنه أراد
به خبرًا على صفة وشرط نحو: (إِن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى)
مشروط بقوله: (ولا تقربا هذه الشجرة)؛ لأنه عرى وبدت له سوأته.
(5) في معجم مقاييس اللغة 1/ 34: الأبد: الدهر، ؤجمعه: آباد.
(6) كالبيضاوي في منهاجه. انظر: نهاية السول 2/ 177.
(7) انظر: المعتمد/ 420.
(8) في (ب): لا عاقبته.
(9) نهاية 114 ب من (ظ).
(10) يعني: كإِيهام الأمر البداء.
(3/1132)
فلو قيد (1) الخبر بالتأبيد لم يجز، خلافاً
للآمدي (2).
وفي التمهيد (3): إِفادة الدوام (4) فيهما (5) لا يمنع من دليل
أن المراد به غير ظاهره كالعموم، ثم: مطلق الخبر كالمقيد
بالتأييد، فالأمر مثله (6)، ثم: مطلق الأمر يُنسخ، فكذا مقيده.
وجواز تأبيد التكليف بلا غاية مبني على وجوب الجزاء، وجوزه ابن
عقيل (7) وغيره، وأنه قول الفقهاء والأشعرية (8)، وخالف بعض
أصحابنا والمعتزلة (9).
__________
(1) في (ب): قيل.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 135.
(3) انظر: التمهيد/ 95 أ.
(4) نهاية 333 من (ح).
(5) يعني: الأمر والخبر المقيد بن بالتأبيد.
(6) يعني: يجب أن يكون مطلق الأمر مثل المقيد بالتأبيد.
(7) انظر: المسودة/ 55، وقال: حكاه ابن عقيل في أواخر كتابه.
وانظر: الواضح 2/ 16 ب- 17 أ.
(8) انظر: المعتمد/ 413 - 415.
(9) انظر: البرهان/ 1313.
(3/1133)
مسألة
الجمهور: جواز النسخ من غير بدل.
ومنعه بعضهم؛ وذكره أبو المعالي (1) عن جمهور المعتزلة.
ومنعه بعضهم في العبادة، بناء على أن النسخ يجمع معنى الرفع
والنقل.
لنا: ما اعتمد عليه في إِثبات النسخ.
ولأنه نسخ تقديم الصدقة أمام المناجاة وتحريم ادخار (2) لحوم
الأضاحي (3).
وفي البخاري (4): أنه كان إِذا دخل وقت الفطر -فنام قبل أن
يفطر-
__________
(1) انظر: البرهان/ 1313.
(2) في (ب): الادخار.
(3) كذا -أيضًا- في مختصر ابن الحاجب 2/ 193. وقال الزركشي في
المعتبر/ 76 أ: واعلم أن في جعل هذا من النسخ نظرًا، وإنما هو
من باب ارتفاع الحكم لارتفاع علته، وعَوْده إِذا عادت، لا من
باب النسخ الذي إِذا ارتفع لا يعود أبدًا، ولهذا قال - عليه
السلام -: (إِنما نهيتكم من أجل الدافة)، فدل على أنه لم يرفعه
أبدًا، فلو قدم على أهل بلد محتاجون في زمن الأضحية امتنع
الادخار، وعلى هذا نص الشافعي في الأم؛ فإِنه قال: فإِذا دفت
الدافة ثبت النهي عن إِمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وإذا لم
تدف الدافة فالرخصة ثابتة بالأ كل والتزود والادخار. هذا
كلامه.
(4) هذا الحديث رواه البراء بن عازب. أخرجه البخاري في صحيحه
3/ 28، وأبو داود في سننه 2/ 737، والترمذي في سننه 4/ 278 -
279 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 4/ 147 - 148، والدارمي
في سننه 1/ 337 - 338.
(3/1134)
حرم الطعام والشراب وإتيان النساء إِلى
الليلة الآتية، ثم نسخ (1).
واحتج الآمدي (2) على عادته: أنه لو فرض وقوعه لم يلزم منه
محال.
ورده بعض أصحابنا وغيرهم: بأنه مجرد دعوى، وأن إِمكان هذا ذهني
بمعنى عدم العلم بالامتناع، ليس إِمكانه خارجيًا بمعنى العلم
به خارجًا؛ فإِنه يكون للعلم بوجوده أو نظيره (3) أو أولى منه
كما يذكر في القرآن.
قالوا: (نأتِ بخير منها أو مثلها) (4).
رد: الخلاف في الحكم لا في اللفظ (5)، ثم (6): ليس عامًا في كل
حكم، ثم: مخصوص بما سبق (7)، ثم: يكون نسخه بغير بدل خيرًا
لمصلحة علمها، ثم: إِنما تدل الآية أنه لم يقع لا أنه لا يجوز.
__________
(1) بقوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) إِلى قوله: (من
الفجر) سورة البقرة: آية 187.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 135.
(3) نهاية 163 أمن (ب).
(4) سورة البقرة: آية 106.
(5) ومراد الآية: نأت بلفظ خير منها.
(6) يعني: على تسليم أن معناها: نأت بحكم.
(7) مما نسخ إِلى غير بدل.
(3/1135)
مسألة
الجمهور: جواز النسخ بأثقل، خلافاً لبعض الشافعية (1) وابن
داود (2) وغيره من الظاهرية (3)، وذكره ابن برهان (4) عن
المعتزلة.
ومنعه قوم شرعًا، وقوم عقلاً.
لنا: ما سبق.
ووقع كنسخ تخيير (5) الصحيح بين صوم رمضان والفدية بصومه (6)،
وعاشوراء برمضان، والحبس في البيوت (7) بالحد (8)، والصفح عن
__________
(1) انظر: التبصرة / 258، والإِحكام للآمدي 3/ 137.
(2) انظر: العدة/ 786، والمسودة/ 201.
(3) حكاه ابن حزم عن قوم من أصحابهم، ثم خَطَّأهم، فانظر:
الإِحكام له / 602.
(4) انظر: المسودة/ 201. وفي الوصول لابن برهان/ 52أ: عن بعض
المتكلمين.
(5) نهاية 334 من (ح).
(6) أخرجه البخاري في صحيحه (انظر: فتح الباري 8/ 181)، ومسلم
في صحيحه/ 802 عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت (وعلى الذين
يطيقونه فدية طعام مسكين) -سورة البقرة: آية 184 - كان من أراد
أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها، فنسختها.
(7) في سورة النساء: آية 15.
(8) قال تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة
جلدة) سورة النور: آية 2.
وأخرج النسخ بهذه الآية الطبرى في تفسيره 8/ 74 - ط: دار
المعارف - وأبو داود في سننه 4/ 569 عن ابن عباس.=
(3/1136)
الكفار (1) بقتل مقاتلهم (2) ثم بقتالهم
كافة (3).
قال: أبعد من المصلحة وأشق.
رد: لازم في ابتداء التكليف.
وإن اعتبرت المصلحة فقد تكون في الأثقل كمرض (4) وغيره.
قالوا: (نأتِ بخير منها) (5)، قال ابن عباس (6): "بأيسر على
__________
=وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله: (خذوا عني خذوا عني
قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة،
والثيب بالثيب جلد مائة والرجم).
أخرجه مسلم في صحيحه/ 1316 - 1317، وأبو داود في سننه 4/ 569 -
571، والترمذي في سننه 2/ 445 وقال: صحيح، وابن ماجه في سننه/
852، والدارمي في سننه 2/ 101، وأحمد في مسنده 3/ 476،
والشافعي (انظر: بدائع المنن 2/ 286)، والطيالسي في مسنده
(انظر: منحة المعبود 1/ 298)، والطبري في تفسيره 8/ 76 وما
بعدها، ط: دار المعارف.
(1) في سورة الزخرف: آية 89.
(2) في سورة البقرة: الآيتان 190، 191.
(3) في سورة التوبة: آية 36.
(4) بعد صحة.
(5) سورة البقرة: آية 106.
(6) انظر: زاد المسير 1/ 128. وأخرج الطبري في تفسيره 2/ 481
عن ابن عباس: (نأت بخير منها أو مثلها) يقول: خير لكم في
المنفعة وأرفق بكم. وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي.
راجع: الدر المنثور 1/ 104.
(3/1137)
الناس"، وقال غيره (1): (أو مثلها) أي: في
الثواب، والحكمة في تبديلها الاختبار (2).
وجوابه: ما سبق في التي قبلها (3).
وإن ثبت عن ابن عباس فمعناه: "غالبًا"؛ لما سبق (4)، وهو خير
باعتبار الثواب (5)، وقاله القاضي (6) [أيضًا] (7)، وقال: وفي
بعضه من الإِعجاز أكثر من بعض.
وقال ابن عقيل (8) هذا والذي قبله، قال: كالمرسِل واحد،
والمرسَلون بعضهم أفضل.
وقال القاضي -أيضًا-: لا يجوز أن يتفاضل ثوابه، وجميعه صفة
لله.
__________
(1) انظر: زاد المسير 1/ 128.
(2) في (ب): الاختيار.
(3) من أن الخلاف في الحكم لا في اللفظ، ومراد الآية: اللفظ.
(4) من ثبوت النسخ بالأثقل.
(5) نهاية 115 أمن (ظ).
(6) انظر: العدة/ 787، 792.
(7) ما بين المعقوفتين من (ح).
(8) انظر: الواضح 2/ 237 ب- 238أ، 247 ب.
(3/1138)
مسألة
يجوز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه عند العلماء، خلافاً لبعض
المعتزلة (1).
ولم يخالفوا في نسخهما معاً، خلافًا لما حكاه الآمدي (2) عنهم.
لنا (3): ما سبق.
ولأن التلاوة حكم، وما تعلق بها من الأحكام حكم آخر، فجاز
نسخهما ونسخ أحدهما كغيرهما.
وأيضًا: وقع؛ عن عمر: "كان فيما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها
وعقلناها، ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجمنا
بعده، ثم إِنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن (4) لا
ترغبوا عن آبائكم، فإِنه كُفْر بكم أن ترغبوا عن آبائكم". متفق
عليه (5).
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 141. وما ذكر أبو الحسين في
المعتمد/ 418 موافق لقول الجمهور.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 141.
(3) نهاية 163 ب من (ب).
(4) في (ظ): لئلا.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه 8/ 168 - 169. وأخرجه مسلم في
صحيحه/ 1317 دون قوله: ثم إِنا كنا نقرأ ... الحديث.
(3/1139)
ولمالك والشافعي وابن ماجه (1): "الشيخ
والشيخة إِذا زنيا فارجموهما ألبتة".
قال في الواضح (2): علّقه على الشيخين لإِحصانهما غالبًا.
وسبق (3) في العمل بالشاذ: "متتابعات".
ونسخ آية الاعتداد (4) بالحول (5)، (6) وحبس الزواني بالحد.
__________
(1) انظر: الموطأ/ 824، وبدائع المنن 2/ 283 - 284، وسنن ابن
ماجه/ 853 - 854.
وأخرج أحمد في مسنده 5/ 132، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد
الظمآن/ 435) من حديث أبي بن كعب: لقد قرأنا فيها -أي: في سورة
الأحزاب- آية الرجم: "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة
نكالاً من الله والله عزيز حكيم". وفي إِسناده: عاصم بن أبي
النجود، وقد ضعف.
وأخرج أحمد في مسنده 5/ 183، والدارمي في سننه 2/ 100، والحاكم
في مستدركه 4/ 360 عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله يقول:
الشيخ والشيخة إِذا زنيا فارجموهما البتة. قال الحاكم: حديث
صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص.
(2) انظر: الواضح 1/ 53 أ.
(3) في ص 314 من هذا الكتاب.
(4) نهاية 335 من (ح).
(5) سورة البقرة: آية 240.
(6) بآية الاعتداد بأربعة أشهر وعشراً. سورة البقرة: آية 234.
(3/1140)
وعن عائشة: "كان فيما نزل من القرآن عشر
رضعات يُحَرِّمْن، ثم نُسِخ بخمس". رواه مسلم.
وفي جواز مس محدث ما نسخ لفظه -وتلاوة جنب له- قولان لنا
ولغيرنا.
وجه ابن عقيل (1) المنع؛ لبقاء حرمته كبيت المقدس، نسخ كونه
قبلة، وحرمته باقية، والجواز، لعدم (2) حرمة كتبه في المصحف.
قالوا: التلاوة مع حكمها متلازمان كالعلم مع العالِمية والحركة
مع المتحرِّكية والمنطوق مع المفهوم.
رد: العلم هو العالمية، والحركة هي المتحركية.
ومنع أن المنطوق لا ينفك عن المفهوم.
سلمنا المغايرة (3) وأن المنطوق لا ينفك، فالتلاوة أمارة الحكم
ابتداء لا دوامًا، فلا يلزم من نفيها نفيه (4)، وبالعكس.
قالوا: بقاء التلاوة يوهم بقاء الحكم، فيؤدي إِلى التجهيل
وإبطال فائدة القرآن.
__________
(1) انظر: الواضح 2/ 234أ.
(2) في (ب) و (ظ): كعدم.
(3) بين العلم والعالمية، وبين الحركة والمتحركية.
(4) يعني: فلا يلزم من نفي التلاوة نفي الحكم.
(3/1141)
رد: مبني على التحسين، ثم: لا جهل مع
الدليل للمجتهد، وفرض المقلِّد التقليد، والفائدة: الإِعجاز
وصحة الصلاة به.
مسألة (1)
سبق (2) نسخ الخبر في نسخ الأمر المقيد بالتأبيد.
وقال الآمدي (3): نسخ تلاوة خبر ماض أو مستقبل وتكليف (4)
الإِخبار به -تغيَّر مدلوله أوْ لا- جائز بلا خلاف.
ويجوز نسخ تكليفنا بالإِخبار عما لا يتغير بتكليفنا بالإِخبار
بنقيضه.
ومنعه المعتزلة (5)؛ بناء على التحسين العقلي ورعاية المصلحة
في أفعاله تعالى.
ونسخ مدلول خبر لا يتغير محال إِجماعًا، وإلا جاز (6) عند عبد
الجبار وأبي عبد الله وأبي الحسين (7) من المعتزلة والآمدي
(8)،
__________
(1) نهاية 164 أمن (ب).
(2) في ص 1131.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 144.
(4) يعني: ونسخ تكليف الإخبار به.
(5) انظر: المعتمد/ 419.
(6) نهاية 115 ب من (ظ).
(7) انظر: المعتمد/ 419، والإِحكام للآمدي 3/ 144.
(8) انظر: الأحكام للآمدى 3/ 145.
(3/1142)
لتكرُّر (1) مدلوله كما في الأمر، وكالخبر
بمعنى الأمر.
ومنعه ابن الباقلاني (2) والجبائية (3) وجماعة من الفقهاء
والمتكلمين.
ومنعه بعضهم في الخبر الماضي (4).
مسألة
يجوز نسخ القرآن بالقرآن، والسنة المتواترة بمثلها، والآحاد
بمثلها وبالمتواتر.
......................
ويجوز نسخ المتواتر بالآحاد عقلاً، ذكره الآمدي (5) اتفاقًا.
وذكر الباجي (6) المالكي فيه خلافا.
ولا يجوز شرعًا، ذكره ابن برهان (7) وأبو المعالي (8)
إِجماعًا.
__________
(1) فيكون عائد، فالناسخ يكون مبيناً لإخراج بعض ما تناوله
اللفظ.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 144، والمنتهى لابن الحاجب/ 117.
(3) انظر: المعتمد/ 420.
(4) نهاية 336 من (ح).
(5) انظر: الإِحكام للآمدى 3/ 146.
(6) انظر: إِحكام الفصول/ 54أ.
(7) انظر: الوصول لابن برهان/ 55 ب، والمسودة / 206.
(8) انظر: البرهان/ 1311.
(3/1143)
وجوزه داود (*) والظاهرية.
وقيل: يجوز زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واختاره الباجي
(1)، قال: لا يجوز بعده إِجماعًا.
........................
ولا يجوز نسخ القرآن بالآحاد.
وجزم القاضي (2) بجوازه في مسألة تخصيصه به، وقال: "نص أحمد
على هذا؛ قال: يجب العمل به، ثم ذكر قصة قباء، وخبر الخمر (3)
أهْرَقوها ولم ينظروا (4) غيره (5) "، قال: فاحتج بقصة قباء
وأن الصحابة أخذت بالخبر وإن كان فيه نسخ.
وكذا ابن (6) عقيل (7)، وأنه مذهب أحمد، وقال: "وهي تشبه مذهبه
__________
(*) انظر: الإِحكام لابن حزم/ 617، والوصول لابن برهان/ 55 ب،
والإِحكام للآمدي 3/ 146.
(1) انظر: إِحكام الفصول/ 54أ، والإِشارات/ 74.
(2) انظر: العدة/ 554.
(3) في (ب) و (ظ): الحمر.
(4) ينظروا: بمعنى ينتظروا. انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 444،
ولسان العرب 7/ 73.
(5) هذا الخبر رواه أنس. أخرجه البخاري في صحيحه 7/ 105، ومسلم
في صحيحه/ 1570 - 2572.
(6) نهاية 164 ب من (ب).
(7) انظر: الواضح 1/ 48 أ- ب، 2/ 146 أ.
(3/1144)
في إِثبات الصفات بها، وهو أكثر من النسخ"،
وقرره في فنونه (1)، وقال -فيه (2) وفي القياس-: يصير كأن
الشارع قال: "اقطعوا بحكم كلامي ما لم يضاده خبر واحد أو
قياس"، هذا هو التحقيق، وبناه على أن العمل بهما (3) قطعي.
وذكر أبو الخطاب (4) النسخ بالآحاد عن بعض الظاهرية، وقال: في
هذه المسألة نظر؛ لأن دليل المخالف فيها قوي ظاهر.
وقال بعض أصحابنا: الأصح عن أحمد وقوعه. كذا قال.
وقال في قراءة الفاتحة من الانتصار (5) -وقاله القاضي (6) -:
الثابت باليقين كان يحتمل الرفع بخبر واحدٍ زمنه عليه السلام؛
لأنه ثابت لعدم (7) دلالة الرفع، فيرتفع بأدنى دليل، ألا ترى
إِلى قصة قباء.
وذكر (8) ابن الباقلاني (9) -فيما ذكر ابن حاتم في اللامع (10)
-: "أن
__________
(1) انظر: المسودة/ 203.
(2) يعني: في خبر الواحد.
(3) يعني: بخبر الواحد والقياس.
(4) انظر: التمهيد / 99 ب، 100أ.
(5) انظر: الانتصار 1/ 216أ، والمسودة/ 205.
(6) انظر: المسودة/ 205.
(7) يعني: ثبوته إِنما كان لعدم دلالة دليل على الرفع.
(8) في (ظ): وذكره.
(9) نهاية 337 من (ح).
(10) انظر: المسودة / 204.
(3/1145)
الآحاد التي قامت الحجة على ثبوتها
كالمتواتر هنا، وعن أبي يوسف المنع بها" (1).
قال بعض أصحابنا (2): هذا يقتضي أن من أصله (3) أن بعض الآحاد
كالمتواتر (4).
احتج المانع: بما سبق (5) في منع التخصيص به.
وأيضًا: قاطع، فلا يرفع بالظن.
رد: خبر الواحد دلالته قطعية، فيرفع دلالة ظنية (6).
فإِن قيل: فيكون مخصِّصاً.
رد: يكون نسخاً إِذا ورد بعد العمل بقرآن أو متواتر عامين.
واحتج ابن عقيل (7): بأن رد الصحابة لبعض قراءة ابن مسعود
تنبيه لرد روايته في نسخه.
__________
(1) يعني: بالآحاد، وقال: لا يجوز إِلا بأخبار متواترة.
(2) انظر: المسودة/ 204.
(3) يعني: أصل الباقلاني.
(4) في (ب): كالتواتر.
(5) في ص 959.
(6) وهي البقاء.
(7) انظر: الواضح 2/ 261 ب.
(3/1146)
احتج (1) المجوز: بقصة قباء السابقة (2) في
خبر الواحد.
رد: يحتمل أنه - عليه السلام - كان (3) وعدهم أو أخبرهم بنسخه
إِذا جاءهم رسوله، أو أعلن الناس به، وهم بقرب مسجده.
وأيضًا: سبق (4): أنه كان يبعث الآحاد لتبليغ الأحكام.
رد: إِن كان منها ناسخ لمتواتر فمعلوم بالقرائن.
وأيضًا: (قل لا أجد في ما أوحي إِليّ مُحَرَّماً) (5) نُسِخ
بنهيه عن كل ذي ناب من السباع (6).
رد: ليس فيها إِباحة الجميع (7)، وبالتخصيص، وبأن (لا أجد)
للحال (8)، وتحريم مباح الأصل ليس بنسخ.
__________
(1) نهاية 116أمن (ظ).
(2) في ص 507.
(3) نهاية 165 أمن (ب).
(4) في ص 511.
(5) سورة الأنعام: آية 145.
(6) نهى الرسول عن كل ذي ناب من السباع: أخرجه البخاري في
صحيحه 7/ 96 من حديث أبي ثعلبة الخشني، ومسلم في صحيحه 1533 -
1534 من حديث أبي ثعلبة وابن عباس، وأبو داود في سننه 4/ 151،
159 - 160 من حديث خالد بن الوليد وأبي ثعلبة وابن عباس،
والترمذي في سننه 3/ 60 من حديث أبي ثعلبة، والنسائي في سننه
7/ 200 - 201، 206 من حديث أبي ثعلبة وابن عباس، وابن ماجه في
سننه / 1077 من حديث أبي ثعلبة وابن عباس.
(7) في (ب): والجميع.
(8) في (ح): (وبأن معناها لا أجد الآن)، وكتب فوقها: وبأن (لا
أجد) للحال.
(3/1147)
مسألة
يتعين الناسخ بعلم تأخره (1) -زاد بعض أصحابنا: أو ظنِّه- أو
بقوله -عليه السلام-: "هذا ناسخ"، أو معناه نحو: (كنت نهيتكم
عن زيارة القبور فزورها) (2)، أو بالإِجماع، أو بقول (3)
الراوي: "كان هذا وقت كذا، وهذا وقت كذا"، وتقدُّم أحدهما
معلوم.
وإن قال الصحابي: "هذه (4) الآية منسوخة" لم يُقبل حتى يخبر
بماذا نُسِخت، قال القاضي (5): "أومأ إِليه أحمد، كقول الحنفية
والشافعية (6) ".
وذكر ابن عقيل (7) رواية: يُقبل كقول بعضهم؛ لعلمه فلا احتمال.
__________
(1) في (ح): تأخيره.
(2) هذا جزء من حديث رواه بريدة مرفوعًا. أخرجه مسلم في صحيحه/
672، 1564، وأبو داود في سننه 3/ 558، 4/ 97 - 98، والترمذي في
سننه 2/ 259 - وقال: حسن صحيح- والنسائي في سننه 4/ 89.
وقد أخرجه ابن ماجه في سننه/ 501 من حديث ابن مسعود مرفوعًا.
وأخرجه مالك في الموطأ/ 485، والشافعي (انظر: بدائع المنن 1/
220) من حديث أبي سعيد مرفوعًا.
(3) في (ح): أو يقول.
(4) نهاية 338 من (ح).
(5) انظر: العدة/ 835 - 836.
(6) انظر: اللمع/ 36.
(7) انظر: الواضح 2/ 270أ.
(3/1148)
وقاله بعض أصحابنا (1) إِن كان هناك نص
يخالفها، عملاً بالظاهر.
.....................
وإن قال: "نزلت هذه بعد هذه" قُبِل، ذكره القاضي (2) وغيره،
وهو ظاهر قول من سبق، وجزم به بعض الشافعية (3).
وجزم الآمدي (4) بالمنع؛ لتضمنه (5) نسخ متواتر بآحاد.
وذكر (*) بعضهم تردداً؛ للعلم بنسخ أحدهما (6)، وخبر الواحد
معين للناسخ (7).
وذكر الباجي (8) المالكي قولاً: إِنْ ذكر الناسخ لم يقع به
نسخ، وإلا وقع.
.........................
وإن قال: "هذا الخبر منسوخ" فكالآية.
__________
(1) انظر: المسودة/ 230.
(2) انظر: العدة/ 832.
(3) كالبيضاوي في منهاجه. انظر: نهاية السول 2/ 193.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 181.
(5) في (ب): كتضمنه.
(*) في (ظ): وذكره.
(6) كذا في النسخ. ولعلها: إِحداهما.
(7) في (ب): الناسخ.
(8) انظر: إِحكام الفصول / 54أ.
(3/1149)
وجزم أبو الخطاب (1): يُقبل، كالرواية
الثانية. (2)
......................
وإن قال: "كان كذا ونسِخ" قُبِل قوله في النسخ في قياس مذهبنا
-قاله بعض أصحابنا (3) - وقاله الحنفية (4).
وقال (5) ابن برهان (6): لا يقبل عندنا. وجزم به الآمدي (7).
وقال القاضي (8): خبر الواحد إِذا أخبر به صحابي وقال: "منسوخ"
قُبِل عند من يجوّز رواية الخبر بالمعنى، وإِلا فلا.
......................
ولا يثبت كون الحكم منسوخًا بقبليته في المصحف.
ولا كونه ناسخًا بحداثة الصحابي، ولا بتأخر إِسلامه -خلافاً
للروضة (9) فيه (10) - ولا بموافقته للأصل، ولا بعقل وقياس.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 127 ب.
(2) نهاية 165 ب من (ب).
(3) انظر: المسودة/ 231.
(4) انظر: فواتح الرحموت 2/ 95.
(5) في (ب): وقاله.
(6) انظر: الوصول لابن برهان / 157، والمسودة/ 231.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 181.
(8) انظر: العدة/ 837.
(9) انظر: روضة الناظر/ 89.
(10) يعني: في حالة تأخر إسلامه.
(3/1150)
وإِذا لم يعلم وقف أو يتخير. ويأتي (1).
.................
مسألة
ويعتبر: تأخر الناسخ، وإلا فاستثناء أو تخصيص.
والتعارض، فلا نسخ إِن أمكن الجمع.
ومن قال: "نُسِخ صوم عاشوراء برمضان" فالمراد: [وافق] (2) نسخ
عاشوراء فرض رمضان، فحصل النسخ معه لا به.
وأن (3) لا يكون أضعف من المنسوخ.
وفي التمهيد (4): اشترطه أصحابنا كنسخ قرآن بآحاد (5). كذا قال
(6).
مسألة
مذهب الأئمة الأربعة وعامة الفقهاء والمتكلمين: جواز نسخ السنة
بالقرآن.
__________
(1) في ص 1501 - 1502.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(3) في (ظ): أن لا يكون.
(4) انظر: التمهيد/ 94أ.
(5) نهاية 339 من (ح).
(6) نهاية 117 ب من (ظ).
(3/1151)
وعن أحمد (1) والشافعي (2) وبعض الشافعية
(3): المنع.
لنا: لا يلزم عنه محال لذاته، والأصل عدم مانع لغيره (4).
ووجوب التوجه إِلى بيت المقدس -وتأخيره صلاة الخوف يوم الخندق
(5)، وتحريم المباشرة ليلاً في رمضان، وصوم عاشوراء- نُسِخ
بالقرآن.
عورض: بجواز نسخه بسنة وافقت القرآن.
رد: خلاف الظاهر، والأصل عدمه، وبأنه يمنع تعيين ناسخ (6).
وأيضًا: القرآن أعلى.
__________
(1) انظر: المسودة/ 206.
(2) انظر: الرسالة/ 108، والإِحكام للآمدي 3/ 150.
(3) انظر: اللمع/ 35، والتبصرة/ 272.
(4) في (ح): كغيره.
(5) تأخير صلاة الخوف يوم الخندق: رواه أبو سعيد الخدري. أخرجه
النسائي في سننه 2/ 17، والدارمي في سننه 1/ 296، وأحمد في
مسنده 3/ 25، والشافعي (انظر: بدائع المنن 1/ 55)، وابن خزيمة
في صحيحه 2/ 99، وابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 94).
ثم نسخ تأخيرها بالقرآن، قال تعالى: (فإِن خفتم فرجالاً أو
ركبانًا) سورة البقرة: آية 239، وقال تعالى: (وإذا كنت فيهم
فأقمتَ لهم الصلاة) الآية. سورة النساء: آية 102. وانظر: تفسير
الطبري 5/ 237، 9/ 141 ط: دار المعارف.
(6) يعني: لو صح ما ذكر لما أمكن تعيين ناسخ أبداً؛ لتطرق مثل
ذلك الاحتمال إِليه، وهو خلاف الإِجماع.
(3/1152)
قالوا: (لتبين للناس) (1)، (2) والنسخ رفع.
رد: معناه: "لتبلغ"، ثم: النسخ بيان، ثم: ليس (3) فيه منع
النسخ (4). (5)
قالوا: مُنَفِّر عنه عليه [السلام] (6).
رد: يبطل بأصل النسخ (7)، ولا نفرة مع العلم بأنه مبلغ.
قالوا: يشترط كون الناسخ من جنس المنسوخ.
رد: بالمنع، قال في التمهيد (8): ولهذا يُنْسخ حكم العقل
بالشرع، وهم لا يسمونه نسخًا، والنسخ رفع، وقد وجد.
ثم (8): ليس الكلام في الأسماء (9).
__________
(1) سورة النحل: آية 44.
(2) فالرسول عمله البيان.
(3) نهاية 166 أمن (ب).
(4) في (ب) و (ظ): للنسخ.
(5) يعني: كونه مبينًا لا ينفي كونه ناسخًا أيضاً؛ لأنه قد
يكون مبينًا لما ثبت من الأحكام ناسخًا لما ارتفع منها، ولا
منافاة بينهما.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(7) فلو امتنع نسخ السنة بالقرآن -لدلالته على أن ما شرعه
أولاً غير مرضي- لامتنع نسخ القرآن بالقرآن والسنة بالسنة، وهو
خلاف إجماع القائلين بالنسخ.
(8) انظر: التمهيد/ 100 أ.
(9) فالناسخ -هنا- من جنس المنسوخ، وإن اختلف الاسم، فالكل
وحي.
(3/1153)
مسألة
يجوز -عقلاً- نسخ قرآن بخبر مواتر، قاله القاضي (1)، وقال:
ظاهر كلام أحمد منعه.
واختلفت الشافعية (2)، قال ابن الباقلاني (3): منهم من منعه
تبع القدرية في الأصلح.
....................
ويجوز شرعًا في رواية عن أحمد -اختارها أبو الخطاب (4) - وقاله
أكثر الفقهاء والمتكلمين (5)، منهم: الحنفية (6) وأكثر
المالكية (7).
ثم: قيل: وقع، واختاره ابن عقيل (8)، وذكره في المغني (9) عن
أصحابنا في حد الزنا.
__________
(1) انظر: العدة/ 801، وروضة الناظر/ 84.
(2) انظر: اللمع/ 35، والإِحكام للآمدي 3/ 153.
(3) انظر: المسودة/ 204.
(4) انظر: التمهيد/ 97 ب.
(5) نهاية 340 من (ح).
(6) انظر: أصول السرخسي 2/ 67، وكشف الأسرار 3/ 167.
(7) انظر: الإِشارات/ 71، والمنتهى لابن الحاجب/ 118، وشرح
تنقيح الفصول/ 313.
(8) انظر: الواضح 2/ 246 ب، 260 أ.
(9) انظر: المغني 9/ 34.
(3/1154)
وقيل: لا، واختاره أبو الخطاب (1).
ومنعه أحمد (2) في الأشهر عنه -واختاره ابن أبي موسى (3)
والقاضي (4) وصاحب الروضة (5) - وقاله الشافعي (6) وأكثر
أصحابه وأكثر الظاهرية (7).
وجه الأول: ما سبق: لا يلزم عنه محال.
وأيضاً: (لتبين للناس) (8).
وللقطع بأن القاطع يرفع القاطع، ولا أثر للفضل، ككلام النبي
المسموع منه والمتواتر.
واستدل: بأن (لا وصية لوارث) نَسَخ الوصية للوالدين والأقربين
(9)،
__________
(1) انظر: التمهيد/ 99 أ.
(2) انظر: العدة/ 788.
(3) انظر: المسودة/ 202.
(4) انظر: العدة/ 788.
(5) انظر: روضة الناظر/ 84 - 85.
(6) انظر: الرسالة/ 106، والتبصرة/ 264، والإِحكام للآمدي 3/
153.
(7) كذا -أيضًا- حكى عنهم الآمدي في الإِحكام 3/ 153. والذي
ذكره ابن حزم في الإِحكام/ 617 هو الجواز.
(8) سورة النحل: آية 44.
(9) قال الزركشي في المعتبر/ 178: في جعل هذا -يعني: النسخ بـ
(لا وصية لوارث) - من نسخ القرآن بالسنة وأنه أبطل الوصية
للأقربين نظر من وجهين:=
(3/1155)
ورجم المحصن نسخ الجلد (1).
أجيب: آحاد (2).
وبنسخ الوصية بآية الميراث (3)، أو بقوله بعدها: (تلك حدود
الله) (4) إِلى قوله: (ومن يعص الله) الآية (5).
والجلد لم ينسخ، أو دل عدم فعله على ناسخ.
__________
=أحدهما: أنه من نسخ القرآن بالقرآن، والناسخ آية المواريث،
وفي صحيح البخاري ما يدل عليه. الثاني: أن هذا ليس من باب
النسخ، وغايته أنه مجمل فسرته الوصية أو عام خصص به، قال
الأستاذ أبو إِسحاق الإسفراييني: لا يجوز أن يقال: "الوصية
للوارث منسوخة بآية المواريث"؛ لإِمكان الجمع.
(1) قال الزركشي في المعتبر/ 78 ب- 79أ: يعني أن الجلد كان
ثابتًا بالقرآن لكل زان محصن وغيره، وهو قوله تعالى: (الزانية
والزاني فاجلدوا)، ثم نسخ بالسنة المتواترة بحديث ماعز
والغامدية وحديث (خذوا عني ...)، وفي التمثيل بهذا نظر من
وجهين: أحدهما: أن ابن بطال حكى عن بعضهم أن الرجم ثابت
بالقرآن، إِما بقوله: (ويدرأ عنها العذاب)، أو بما كان قرآنًا
ونسخت تلاوته لحديث عمر: "الشيخ والشيخة إِذا زنيا فارجموهما".
ولهذا قال النبي -في قصة العسيف-: (لأقضين بينكم بكتاب الله)،
وجعل على المرأة الرجم.
الثاني: سلمنا، لكن دعوى النسخ ممنوعة لإمكان الجمع، إِذ
المرفوع من قوله: (الزانية والزاني) حكم المحصن، فهو تخصيص؛
لأنه رفع البعض، لا نسخ؛ لأنه لم يرفع الكل.
(2) وهو خلاف الفرض، إِذ فرض المسألة في المتواتر.
(3) سورة النساء: آية 11.
(4) سورة النساء: آية 13.
(5) سورة النساء: آية 14.
(3/1156)
قالوا: (نأتِ بخير منها أو مثلها) (1).
أجيب: لا عموم، (2) وليس فيه ما يدل أن ما يأتي هو الناسخ، ولا
أنه من جنس المنسوخ، والمراد: حكم أنفع للمكلف، والجميع من
الله (3).
رد الأولان: خلاف الظاهر، قال ابن عقيل (4): "والمماثلة تقتضي
إِطلاقها من كل وجه"، وقاله القاضي (5) وغيره، مع قول بعضهم:
قد يتفاوتان شدة كالحركتين والسوادين، قال الجوهري (6): "مثل"
(*) كلمة تسوية.
قالوا (7): (قل ما يكون لي أن أبدله) (8).
أجيب: أي الوحي (9)، ثم: السنة بوحي.
وبه يجاب عن قولهم: "القرآن أصل (10) "، ثم: المنسوخ ليس
أصلاً.
__________
(1) سورة البقرة: آية 106.
(2) نهاية 166 ب من (ب).
(3) هذا جواب اعتراض مقدر، وهو: أنه قال: (نأت)، والضمير لله.
(4) انظر: الواضح 2/ 247 أ.
(5) انظر: العدة/ 790، 791.
(6) انظر: الصحاح/ 1816.
(*) نهاية 117 أمن (ظ).
(7) في (ظ): قال.
(8) سورة يونس: آية 15.
(9) يعني: لفظه، بأن يضع ما لم ينزل مكان ما نزل.
(10) يعني: فالسنة أصل أيضًا.
(3/1157)
قالوا: القرآن أقوى؛ لإِعجازه ويثاب بعد
حفظه على تلاوته، بخلاف السنة -قالوا القاضي (1): بلا خلاف-
فلا مماثلة، وكذا ذكر ابن عقيل (2) وغيره: "يثاب على تلاوته
دونها"، واقتصر بعضهم على أنها دونه.
رد: الخلاف في الحكم، جزم به في الروضة (3) والآمدي (4)
وغيرهما، وقاله في التمهيد (5)؛ لأن اللفظ لا يمكن رفعه إِلا
أن يشاء الله، قالوا: ويحتمل أن يجوز بأن يقول - عليه السلام
-: "لا تقرؤوا هذه الآية"، وجزم القاضي (6) بهذا وأن الخلاف في
الجميع، ومعناه لابن عقيل (7).
وفي التمهيد (8): بعض آية لا إِعجاز فيها، ويجوز نسخ آية فيها
إِعجاز بآية لا إِعجاز فيها (9)، ومن سلم اعتبار (10) المماثلة
(11)؟
قالوا: عن جابر مرفوعًا: (كلامي لا ينسخ كلام الله، وكلام الله
ينسخ
__________
(1) انظر: العدة/ 795.
(2) انظر: الواضح 2/ 247 ب، 261 ب.
(3) انظر: روضة الناظر/ 85.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 159.
(5) انظر: التمهيد/ 99 أ.
(6) انظر: العدة/ 794.
(7) انظر: الواضح 2/ 248أ، 258 ب.
(8) انظر: التمهيد/ 98أ، ب.
(9) نهاية 341 من (ح).
(10) في (ب) و (ظ): اعتبر.
(11) هذا جواب سؤال مقدر، وهو: الآيات متماثلة، والقرآن والسنة
غير متماثلين.
(3/1158)
كلامي، وكلام الله ينسخ بعضه بعضًا). رواه
الدارقطني (1).
رد: موضوع (2)، فيه جبرون (3) بن واقد.
مسألة
أصحابنا والجمهور: أن الإِجماع لا ينسخ؛ لأنه إِن نُسِخ بنص أو
إِجماع قاطعين فالأول خطأ، وهو باطل، وإلا (4) (5) فالقاطع
مقدم.
قالوا: لو أجمعوا على قولين فهي اجتهادية إِجماعًا، فلو اتفقوا
[على] (6) أحدهما كان نسخًا لحكم الإِجماع.
رد: بمنع انعقاد إِجماع ثان.
ثم: شرط الإِجماع الأول عدم إِجماع ثان، فانتفى لانتفاء (7)
شرطه.
__________
(1) انظر: سنن الدارقطني 4/ 145.
(2) انظر: ميزان الاعتدال 1/ 388، والتعليق المغني على
الدارقطني 4/ 145.
(3) الإفريقي، روى عن سفيان بن عيينة، وعنه محمَّد بن داود
القنطري، قالوا الذهبي: متهم. وفي "المغني في الضعفاء": ليس
بثقة.
انظر: ميزان الاعتدال 1/ 387، والمغني في الضعفاء 1/ 127.
(4) يعني: وإن لم يكن الناسخ نصًا أو إِجماعًا قاطعين.
(5) نهاية 167أمن (ب).
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(7) في (ظ): بانتفاء.
(3/1159)
مسألة
أصحابنا والجمهور: أن الإِجماع لا يُنسخ به؛ لأنه إِن كان عن
نص فهو الناسخ، وإن كان عن قياس فالمنسوخ إِن كان قطعيًا
فالإِجماع خطأ -لانعقاده بخلافه- وإن كان ظنيًا زال شرط العمل
به، وهو رجحانه على معارضه الذي هو سند الإِجماع، وإلا يكون
الإِجماع خطأ (1)، ومع زواله لا (2) ثبوت له، فلا نسخ.
قالوا: ما سبق (3) في أقل الجمع من قول ابن عباس لعثمان وردّه
عليه.
أجيب: حجب الأم عن الثلث إِنما يكون نسخًا لو ثبت المفهوم (4)،
وأن الأخوين ليسا بإِخوة قطعًا، فيجب (5) تقدير نص دل على
حجبها عن الثلث، وإلا كان الإِجماع خطأ (6)، فالنص الناسخ (7).
مسألة
أصحابنا والجمهور: أن القياس لا يُنسخ به.
وجوزه ابن سريج (8)، وحكاه ابن برهان (8) عن أصحابه.
__________
(1) إِذ كيف يجمع على قياس مع رجحان غيره عليه؟.
(2) في (ب): ولا.
(3) في ص 781.
(4) يعني: بأن تفيد الآية عدم حجب ما ليس بإِخوة قطعًا.
(5) يعني: لو سلم وجب تقدير نص ... إِلخ.
(6) لمخالفته للقاطع.
(7) في (ب): ناسخ.
(8) انظر: المسودة/ 225.
(3/1160)
وجوزه أبو (1) القاسم الأنماطي (2) (3)
الشافعي بقياس جلي، ومعناه اختيار الباجي (4) المالكي والآمدي
(5).
وعن طائفة: ما جاز التخصيص به جاز النسخ.
ونقض: بالعقل (6) والحس.
وجه الأول: أن المنسوخ: إِن كان قطعيًا لم ينسخ بمظنون، وإن
كان ظنيًا فالعمل به مقيد برجحانه على معارضه، وتبين بالقياس
زوال شرط العمل به -وهو رجحانه- فلا ثبوت له، فلا نسخ.
.......................
وأما القياس فلا يُنسخ- ذكره القاضي (7)، وذكره الآمدي (8) عن
__________
(1) انظر: التبصرة/ 274.
(2) هو: عثمان بن سعيد بن بشار، صاحب المزني والربيع، أصولي
فقيه، اشتهرت به كتب الشافعي ببغداد، وعليه تفقه ابن سريج.
توفي سنة 288 هـ.
انظر: تاريخ بغداد 11/ 292، والعبر 2/ 81، ووفيات الأعيان 2/
406، وطبقات الشافعية للسبكي 2/ 301، ومرآة الجنان 2/ 215.
(3) نهاية 342 من (ح).
(4) انظر: إِحكام الفصول/ 54 ب. وقال في الإِشارات/ 75: فأما
القياس فلا يصح النسخ به جملة.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 164.
(6) نهاية 117 ب من (ظ).
(7) انظر: العدة/ 827.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 163.
(3/1161)
أصحابنا- لبقائه (1) ببقاء أصله.
وعن بعض المعتزلة (2): الجواز والمنع.
واختار أبو الخطاب (3): لا نسخ إِلا إِن ثبت القياس في وقته
-عليه السلام- بنصه على العلة أو تنبيهه، فيجوز نسخه بنصه، كـ
"حرمتُ التفاضل (4) في البُرِّ؛ لأنه مطعوم"، ثم يقول: "بيعوا
الأرز بالأرز متفاضلاً".
وقاله ابن عقيل (5) -وأن قومًا قال: يكون تخصيصًا للعلة بالطعم
في البُرِّ- وابن برهان (6) وأبو الحسين (7)، وقال: "ويجوز
نسخه بقياس أمارته أقوى من أمارة الأول"، وقاله الآمدي (8)،
قال: إِلا أن من ذهب إِليه (9) بعد النبي عليه السلام -ثم بان
ناسخه- نتبين أنه كان منسوخًا (10)، قال: وسواء
__________
(1) نهاية 167 ب من (ب).
(2) انظر: المعتمد/ 434، والإِحكام للآمدي 3/ 163.
(3) انظر: التمهيد/ 100 ب.
(4) في (ب) و (ظ): الفضل.
(5) انظر: المسودة/ 215 وقال: قاله ابن عقيل في أواخر كتابه.
(6) انظر: الوصول لابن برهان/ 56 أ- ب.
(7) انظر: المعتمد/ 434.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 163 - 164.
(9) يعني: إِلى القياس.
(10) لا أن النسخ تجدد، وفرق ما بين الأمرين.
(3/1162)
قلنا: " [إِن] (1) كل مجتهد مصيب" أوْ لا.
وكذا لم يفرق أصحابنا.
وقال أبو الحسين (2): من لم يقل به (3) لا يقول بتعبده بالقياس
الأول، فرفْعه لا يُعلم (4).
وفي الروضة (5): ما ثبت بالقياس: إِن نُصّ على علته فكالنص
-يُنسخ ويُنسخ به- وإلا فلا.
مسألة
ما حكم به الشارع مطلقًا أو في أعيان لا يجوز تعليله بعلة
مختصة بذلك الوقت عندنا وعند الشافعية.
وجوزه الحنفية والمالكية؛ ذكروه في مسألة التخليل (6)، وذكره
المالكية في حكمه (7) بتضعيف الغرم على سارق الثمر
__________
(1) ما بين المعقوفتين من (ظ).
(2) انظر: المعتمد/ 435، والإِحكام للآمدي 3/ 163.
(3) يعني: بأن كل مجتهد مصيب.
(4) يعني: لا يكون رفعه متحققًا.
(5) انظر: روضة الناظر/ 87.
(6) يعني: تخليل الخمر. فقد قالوا: إِن النهي الوارد عن
تخليلها إِنما كان في ابتداء التحريم منعاً لهم من أن يحوموا
حول الخمور. فانظر: العناية على الهداية 8/ 167، وبداية
المجتهد 1/ 492.
(7) في (ب) و (ظ): حكم.
(3/1163)
المعلق (1) ومانع الزكاة (2) (3)
__________
(1) ورد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا. أخرجه أبو داود في
سننه 4/ 550 - 551، والنسائي في سننه 8/ 85 - 86، وابن ماجه في
سننه/ 865 - 866، وابن الجارود في المنتقى/ 281، والدارقطني في
سننه 3/ 195، والبيهقي في سننه 8/ 278، وأحمد في مسنده 2/ 180،
والحاكم في مستدركه 4/ 381 وقال: هذه سنة تفرد بها عمرو بن
شعيب بن محمَّد عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص،
إِذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن
عمر. ووافقه الذهبي في التلخيص.
(2) نهاية 343 من ح.
(3) أخرج البخاري في صحيحه 2/ 122 عن أبي هريرة قال: أمر رسول
الله بالصدقة، فقيل: منع ابن جميل وعباس بن عبد الطلب. فقال
النبي: (... وأما العباس فعَمُّ رسول الله، فهي عليه صدقة
ومثلها معها). وأخرجه مسلم في صحيحه/ 676 - 677 بلفظ: (فهي علي
ومثلها معها).
قال ابن حجر في فتح الباري 3/ 333: فعلى الرواية الأولى (فهي
عليه صدقة ومثلها معها) يكون - عليه السلام - ألزمه بتضعيف
صدقته ليكون أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذم عنه، فالمعنى:
فهي صدقة ثابتة عليه سيصّدّق بها ويضيف إِليها مثلها كرماً.
ودلت رواية مسلم على أنه - عليه السلام - التزم بإِخراج ذلك
عنه، لقوله: (فهي علي)، وفيه تنبيه على سبب ذلك وهو قوله: (إِن
العم صنو الأب). ثم قال ابن حجر في الفتح 3/ 334: وأبعد
الأقوال كلها قول من قال: كان هذا في الوقت الذي كان فيه
التأديب بالمال، فألزم العباس -بامتناعه من أداء الزكاة- بأن
يؤدي ضعف ما وجب عليه، لعظم قدره وجلالته، كما في قوله تعالى
-في نساء النبي-: (يضاعف لها العذاب ضعفين) الآية. سورة
الأحزاب: آية 30.
وقد ذكر ابن قدامة في المغني 2/ 428: أن إِسحاق بن راهويه وأبا
بكر عبد العزيز قالا -فيمن منع الزكاة-: يأخذها الإمام وشطر
ماله؛ لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن=
(3/1164)
وتحريق متاع (1) الغال (2).
وهو شبهة من يقول: انقطع حكم المؤلَّفة.
لنا: لا يجوز رفع حكم شرعي بغير دليل شرعي.
__________
=جده -معاوية بن حيدة- عن النبي أنه قال: (... ومن أباها -أي:
الزكاة- فإِني آخذها وشطر ماله). أخرجه أبو داود في سننه 2/
333، وأحمد في مسنده 5/ 2، 4، والبيهقي في سننه 4/ 105، وابن
الجارود في المنتقى/ 125، والحاكم في مستدركه 1/ 398 وقال:
صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال المنذري في
مختصر سنن أبي داود 2/ 194: وبهز بن حكيم وثقه بعضهم وتكلم فيه
بعضهم. فانظر: ميزان الاعتدال 1/ 353.
وقال ابن قدامة في المغني 2/ 428: واختلف أهل العلم في العذر
عن هذا الخبر، فقيل: كان في بدء الإِسلام حيث كانت العقوبات في
المال، ثم نسخ ... وراجع: معالم السنن 2/ 233 - 234.
(1) انظر: تفسير القرطبي 2/ 259 - 260.
(2) أخرج أبو داود في سننه 3/ 157 عن عمر عن النبي قال: (إِذا
وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه). وأخرجه الترمذي في
سننه 3/ 11 - وقال: غريب لا نعرفه إِلا من هذا الوجه، وسألت
محمدًا "يعني البخاري" فقال: إِنما روى هذا صالح بن محمَّد بن
زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث - والدارمي في
سننه 2/ 149، وأحمد في مسنده 1/ 22، والبيهقي في سننه 9/ 102 -
103 وضعفه، والحاكم في مستدركه 2/ 127 - 128 وقال: صحيح
الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرج أبو داود في سننه
3/ 158، والبيهقي في سننه 9/ 102 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده: أن رسول الله وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه.
وروي عنه مرسلاً.
(3/1165)
ثم: قيل: قد تزول العلة ويبقى الحكم،
كالرَّمَل والاضطباع.
وقيل: النطق حكم مطلق، وإن كان سببه خاصًا.
وتمسّك الصحابة بنهيه (1) عن الادخار في العام القابل (2). قال
(3) بعض أصحابنا (4): وهل يجوز تعليل حكم مطلق بعلة قد زالت،
لكن إِذا عادت يعود (5)؟ فيه نظر، وعكسه: تعليل الناسخ بعلة
مختصة بذلك الزمان بحيث إِذا زالت العلة زال النسخ، لكن وقوعه
في خطاب عام فيه نظر.
__________
(1) أخرج مسلم في صحيحه/ 1560 عن ابن عمر عن النبي قال: (لا
يأكل أحد من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام). وأخرجه البخاري
-بنحوه- في صحيحه 7/ 104.
(2) أخرج البخاري في صحيحه 7/ 103، ومسلم في صحيحه/ 1563 عن
سلمة بن الأكوع: ... فلما كان في العام المقبل قال: يا رسول
الله أنفعل كما فعلنا عام أول؟ فقال: (لا؛ إِن ذاك عام كان
الناس فيه بجهد فأردت أن يفشو فيهم).
وأخرج مسلم في صحيحه/ 1561 عن عائشة قالت: قال رسول الله:
(ادخروا ثلاثاً، ثم تصدقوا بما بقي)، فلما كان بعد ذلك قال: يا
رسول الله، إِن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها
الودك، فقال رسول الله: (وما ذاك؟) قال: نهيت أن تؤكل لحوم
الضحايا بعد ثلاث. فقال: (إِنما نهيتكم من أجل الدافة).
(3) نهاية 168أمن (ب).
(4) انظر: المسودة: 228.
(5) في (ب): تعود.
(3/1166)
مسألة
الفحوى يُنسخ وينسخ به، ذكره الآمدي (1) اتفاقاً.
وفي التمهيد (2): المنع عن بعض الشافعية. وذكره في العدة (3)
عن الشافعية -قال: فيما حكاه الإِسفراييني- واختاره بعض
أصحابنا.
لنا: أنه كالنص.
وإن قيل: "قياس" فقطعي، ولهذا (4) قال الشافعي (5): "لا يجوز
أن يرد الشرع بخلافه، وينتقض به حكم الحاكم": وكذا قال أبو
الخطاب (6): لا يحسن المنع منه -وإن نُهي عن القياس الشرعي-
لمناقضته (7) (8) التعليل، وِإن لم يكن مناقضًا في اللفظ.
وقال بعض أصحابنا (9): هذا يقتضي أنه مع تسميته قياسًا وانه
(10)
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدى 3/ 165.
(2) انظر: التمهيد/ 101أ.
(3) انظر: العدة/ 828.
(4) نهاية 118 أمن (ظ).
(5) حكاه عنه ابن برهان وأبو الطيب. انظر: المسودة/ 346 - 347.
(6) انظر: التمهيد/ 160 ب.
(7) في (ب): لمناقضة.
(8) يعني: لمناقضة المنع.
(9) انظر: المسودة/ 387.
(10) في المسودة: فإِنه.
(3/1167)
مستفاد من دلالة اللفظ، حتى مع النهي عن
القياس، فصارت المذاهب ثلاثة. كذا قال.
مسألة
يجوز نسخ أصل الفحوى -كالتأفيف- دونه، كالضرب، ذكره أبو محمَّد
(1) البغدادي من أصحابنا، وعليه أكثر كلام ابن عقيل (1)، وقاله
القاضي (2)، وحكي عن الحنفية (3) وغيرهم.
وفي الروضة (4): المنع، وذكره الآمدي (5) قول الأكثر.
ويجوز نسخ الفحوى دون أصله في ظاهر كلام أصحابنا (6).
وجزم بعض أصحابنا بالمنع، وحكي عن الحنفية (7) وغيرهم.
واختلف كلام عبد الجبار (8) المعتزلي، ومنعه أبو الحسين (8)
منهم، وهو أظهر.
__________
(1) انظر: المسودة/ 221.
(2) انظر: العدة/ 197 أ- ب، والمسودة/ 221.
(3) انظر: تيسير التحرير 3/ 214، وفواتح الرحموت 2/ 87،
والمسودة/ 221.
(4) انظر: روضة الناظر/ 88.
(5) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 165.
(6) نهاية 344 من (ح).
(7) انظر: تيسير التحرير 3/ 214، وفواتح الرحموت 2/ 87.
(8) انظر: المعتمد/ 437.
(3/1168)
ومنع بعضهم هنا (1)؛ لأن تحريم التأفيف
يستلزم تحريم الضرب؛ لأنه (2) معلوم منه، وجوازه (3) لا يستلزم
جوازه (4)؛ لأنه (4) أكثر أذى.
قالوا: دلالتان، فجاز رفع كل منهما (5).
رد: بمنعه (6) مع الاستلزام، لامتناع بقاء ملزوم (7) بدون
لازمه (8).
قالوا: الفحوى تابع لأصله، فيرتفع به.
رد: تابع (9) لدلالة المنطوق على حكمه، لا لحكمه، ودلالته
باقية.
__________
(1) يعني: وأجاز هناك.
(2) نهاية 168 ب من (ب).
(3) يعني: التأفيف.
(4) يعني: الضرب.
(5) يعني: إِفادة اللفظ للأصل والفحوى دلالتان متغايرتان، فجاز
رفع كل منهما بدون الأخرى ضرورة.
(6) يعني: منع دلالة التغاير على رفع كل واحد منهما دون الآخر
مع الاستلزام.
(7) كتحريم التأفيف.
(8) كتحريم الضرب.
(9) يعني: دلالة اللفظ على الفحوى متابعة لدلالته على الأصل،
وليس حكمها تابعًا لحكمه، فإِن فَهْمنا لتحريم الضرب حصل من
فهمنا لتحريم التأفيف لا أن الضرب إِنما كان حراماً لأن
التأفيف حرام ولولا حرمة التأفيف لما كان الضرب حراماً، والذي
يرتفع هو حكم تحريم التأفيف، لا دلالة اللفظ عليه، فإِنها
باقية، فالمتبوع لم يرتفع، والمرتفع ليس بمتبوع.
(3/1169)
مسألة
إِن ثبت حكم المفهوم جاز نسخه، وإلا فلا نسخ.
قال في التمهيد (1): يجوز نسخه مع بقاء اللفظ؛ لأنه لا ينقض
الغرض به، كقول الصحابة في: (الماء من الماء).
وسبق (2) في المفهوم: هل يبطل ببطلان أصله؟
مسألة
إِذا نسخ حكم أصل القياس تبعه حكم الفرع عند أصحابنا والشافعية
(3)، خلافًا للحنفية (4) -أو لبعضهم-[وبعض (5) الشافعية] (6).
وقال القاضي (7) -في إِثبات القياس عقلاً-: لا يمتنع عندنا
بقاء حكم الفرع مع نسخ حكم الأصل.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 101 أ.
(2) في ص 1087.
(3) انظر: التبصرة/ 275.
(4) اختار في تيسير التحرير 3/ 215: أنه لا يبقى حكم الفرع.
وفي مسلم الثبوت: (ونسب -يعني: بقاء حكم الفرع عند نسخ حكم
الأصل- إِلى الحنفية). قال في فواتح الرحموت: أشار إِلى أن هذه
النسبة لم تثبت. انظر: فواتح الرحموت 2/ 86.
(5) انظر: التبصرة/ 275.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(7) انظر: العدة / 197أ- ب.
(3/1170)
وفي التمهيد (1): "يحتمل أن يثبت النسخ في
الفرع"، ثم منعه.
وَمَثّله أصحابنا -وذكره ابن عقيل (*) عن المخالف- ببقاء حكم
النبيذ المطبوخ في الوضوء بعد نسخ النَّيء (2)، وصوم رمضان
بنية من النهار بعد نسخ عاشوراء (3) عندهم.
وقال بعض (4) أصحابنا (5): المنسوخ عندهم تجويز شربه، فتتبعه
الطهورية، فإِنها نفس المسألة، وقال (6): جاز الوضوء بهما، ثم
حرم الأصل، فالمعنى الناسخ اختص به (7).
__________
(1) انظر: التمهيد/ 152أ، والمسودد/ 220. وفي التمهيد/ 101 أ:
مسألة: إِذا ثبت الحكم في عين من الأعيان بعلة نص عليها، وقيس
عليه غيره، ثم نسخ ذلك الحكم في تلك العين: بطل الحكم في
فروعه.
(*) انظر: الواضح 2/ 254 ب- 255أ.
(2) بقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا) سورة
المائدة: آية 6. انظر: العدة/ 821، وبدائع الصنائع / 114 وما
بعدها.
(3) فالرسول أجاز صوم عاشوراء بنية من النهار، أخرج البخاري في
صحيحه 3/ 44، ومسلم في صحيحه/ 798 عن سلمة بن الأكوع قال: أمر
النبي رجلاً من أسلم أن أذن في الناس: (أن من كان أكل فليصم
بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء).
(4) انظر: المسودة/ 213.
(5) قال: الأولى صحيحة، وفيها نظر أيضًا؛ فإِن المنسوخ عندهم
... إِلخ.
(6) انظر: المسودة/ 218.
(7) يعني: بالأصل.
(3/1171)
قال (1): والصحيح في الثانية أن ذلك لا
يوجب نسخ ذلك الحكم، والمنسوخ وجوب صوم عاشوراء، فسقط إِجزاؤه
(2) [بنية] (3) من النهار لعدم المحل، فأما إِجزاء الواجب بنية
من النهار فلم يتعرض لنسخه.
وقال (4) -أيضًا-: التحقيق أن هذا من باب نسخ الأصل نفسه -الذي
هو حكم- هل هو نسخ لصفاته؟.
قال (5): ويشبه نسخ نفس (6) الأصل قرعة يونس، فإِنها لا تجوز
في شرعنا؛ لأن المذنب لو عرفناه لم نُلْقِه، فهل نسخ القرعة
(7) في هذا الأصل نسخ لجنس القرعة؟ قد احتج أصحابنا (8) بها
(9) على القرعة، وقرعة زكريا -كانوا أجانب، وكان لهم في شرعهم
ولاية حضانة المحررة (10) - فارتفاع الحكم في غير
__________
(1) انظر: المسودة/ 213.
(2) نهاية 118 ب من (ظ).
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(4) انظر: المسودة/ 218.
(5) انظر: المرجع السابق/ 213 - 214.
(6) في المسودة: بعض.
(7) نهاية 169 أمن (ب).
(8) نهاية 345 من (ح).
(9) أي: بالآية التي فيها القرعة، وهي آية 141 من سورة
الصافات.
(10) في تفسير القرطبي 4/ 66: (محرراً) أي: عتيقًا خالصاً لله
خادماً للكنيسة حبيساً عليها مفرغاً لعبادة الله، وكان ذلك
جائزاً في شريعتهم، وكان على أولادهم أن يطيعوهم، والأنثى لا
تصلح لخدمة الكنيسة.
(3/1172)
الأصل لارتفاع الأصل لا يكون رفعاً له في
مثل ذلك الأصل إِذا وجد.
قال: (1) ومثله نهيه لمعاذ عن الجمع بين الائتمام وإمامة قومه
(2) -إِذا كان للتطويل عليهم-: هل هو نسخ لما دل الجمع عليه من
ائتمام مفترض بمتنفل (3)؟.
وذكر في التمهيد (4) -في آخر مسألة القياس- ما سبق (5) عن
الأصحاب احتمالاً، ثم سلم.
__________
(1) انظر: المسودة/ 214.
(2) أخرجه أحمد في مسنده 5/ 74 عن معاذ بن رفاعة عن رجل من بني
سلمة -يقال له سليم-: أنه قال للرسول: إِن معاذًا يطول علينا
في الصلاة. فقال - عليه السلام - لمعاذ: (إِما أن تصلي معي
وإما أن تخفف على قومك). وكذا أخرجه ابن حزم في المحلى 4/ 325.
قال ابن حجر في فتح الباري 2/ 194: وفيه أنه استشهد بأحد، وهذا
مرسل لأن معاذ بن رفاعة لم يدركه. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني
الآثار 1/ 409 عن معاذ بن رفاعة أن رجلاً من بني سلمة، فذكره
مرسلاً. وكذا أخرجه الطبراني في المعجم الكبير. انظر: مجمع
الزوائد 2/ 72. قال الطحاوي: قال: (إِما أن تصلي معي) أي: ولا
تصل بقومك، (وإما أن تخفف على قومك) أي: ولا تصل معي. قال ابن
حجر في فتح الباري 2/ 197: فيه نظر؛ لأن لمخالفه أن يقول: "بل
التقدير: إِما أن تصلي معي فقط إِذا لم تخفف، وإما أن تخفف على
قومك فتصلي معي" وهو أولى من تقديره؛ لما فيه من مقابلة
التخفيف بترك التخفيف؛ لأنه هو المسؤول عنه المتنازع فيه.
(3) في (ح): لمتنفل.
(4) انظر: التمهيد/ 152أ.
(5) في ص 1170. وفي (ب): ما سيق.
(3/1173)
وضعّف -أيضًا- في الانتصار منع أصحابنا من
نسخ عاشوراء وبقاء حكمه (1) في رمضان: بأنه إِذا ثبت جواز
النية نهاراً في صوم واجب لا يزول بنقل الواجب من محل إِلى محل
وزمن إِلى زمن.
وفرق ابن عقيل وغيره: بأن رمضَان وجد سبب إِيجابه قبل شروعه
فيه، فالنية فيه كحكم وضعها في كل واجب.
وإن قلنا بقول أصحابنا ومحققي الشافعية (2): "إِن عاشوراء كان
نفلاً" فواضح. (3)
واختار بعض أصحابنا (4): إِن نص على العلة لم يتبعه الفرع،
إِلا أن يعلّل في نسخه بعلة، فيتبعها النسخ.
وجه الأول: خروج العلة عن اعتبارها، فلا فرع، وإلا وجد المعلول
بلا علة.
فإِن قيل: أمارة، فلم يحتج إِليها دوامًا.
__________
(1) في (ب): حكم.
(2) انظر: المجموع 6/ 443.
(3) جاء -بعد هذا- في (ب): (وبعض الشافعية، ومثله أصحابنا
-وذكره ابن عقيل عن المخالف- ببقاء حكم النبيذ المطبوخ في
الوضوء بعد نسخ النبي، وصوم رمضان بنية من النهار بعد نسخ
عاشوراء). وهو -ماعدا قوله: وبعض الشافعية- تكرار لما سبق في ص
1171. وقد ضرب عليه أحد قراء النسخة.
(4) انظر: المسودة/ 220.
(3/1174)
رد: باعثة.
قالوا: الفرع تابع للدلالة لا للحكم، كما سبق (1) في (2)
الفحوى.
رد: زال الحكم بزوال حكمته (3).
وفي التمهيد (4) -أيضًا- لا يسمى نسخًا كزوال حكم بزوال علته.
ومعناه في العدة (5).
مسألة
لا حكم للناسخ مع جبريل اتفاقاً.
فإِذا بلَّغه النبي - عليه السلام - لم يثبت [حكمه] (6) في حق
من لم يبلغه في ظاهر كلام أحمد (7) -لأنه أخذ بقصة أهل قباء،
والقبلة وإن جاز تركها لعذر لكن يعيد (8) عند الخصم- وقاله
أصحابنا والحنفية (9) وأكثر
__________
(1) في ص 1169.
(2) نهاية 169 ب من (ب).
(3) فيزول الحكم مطلقًا لانتفاء حكمته.
(4) انظر: التمهيد/ 101أ.
(5) انظر: العدة/ 823.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(7) انظر: العدة/ 823.
(8) في (ح): بعيد.
(9) انظر: تيسير التحرير 3/ 216، وفواتح الرحموت 2/ 89.
(3/1175)
العلماء.
وللشافعية (1) وجهان.
واختار أبو الطيب (2) وابن برهان (3) ثبوته.
وخرّجه أبو الخطاب (4) من عزل الوكيل قبل العلم في إِحدى
الروايتين.
وليس بتخريج دوري كما قالوا بعضهم (5).
وفرق الأصحاب (6): بأن أمر الشارع يتعلق به ثواب وعقاب، فاعتبر
العلم، وحق الآدمي يتعلق به الضمان.
وقال أبو الخطاب (7): للخصم (8) أن يقول: إِذن الموكل يتعلق به
صحة التصرف وفساده (9)، فلا فرق.
__________
(1) انظر: التبصرة/ 282، والمستصفى 1/ 120، والإِحكام للآمدي
3/ 168.
(2) انظر: المسودة/ 223.
(3) انظر: الوصول لابن برهان/ 57 ب، والمسودة/ 223.
(4) انظر: التمهيد/ 101 ب- 102أ، والمسودة/ 223.
(5) قالوا بعضهم: إِنه تخريج دوري؛ لأن هذه المسألة أصولية،
ومسألة الوكيل فرعية، فهي فرع على مسألة النسخ؛ لأن الأصل
تخريج الفروع على الأصول، فلو خرجنا هذا الأصل المذكور في
النسخ على ما في الوكالة لزم الدور.
(6) انظر: العدة/ 825.
(7) انظر: التمهيد/ 102 أ.
(8) نهاية 119 أمن (8).
(9) وذلك يعتبر فيه علم الوكيل.
(3/1176)
قال: (1): وقال (2) شيخنا (3): حكم الخطاب
يلزم المعدوم ولم (4) يوجد.
كذا قال.
وقال بعض أصحابنا (5): كلام القاضي يقتضي أن هذا [لا] (6) يختص
بمسألة النسخ، ويشمل الحكم المبتدأ.
وجه الأول: لو ثبت لزم وجوب شيء وتحريمه في وقت واحد؛ لأنه لو
نُسخ واجب بمحرم أثم بترك الواجب اتفاقًا، وأيضًا: يأثم بعمله
بالثاني اتفاقًا.
قالوا: إسقاط حق لا يعتبر فيه رضا من يسقط عنه، فكذا علمه،
كطلاق وإبراء.
رد: إِنما هو تكليف تضمن رفع حكم خطاب.
ثم: يلزم قبل تبليغ جبريل.
قالوا: كما يثبت حكم إِباحة الآدمي (7) قبل العلم -فيمن حلف:
"لا
__________
(1) انظر: التمهيد/ 101 ب.
(2) نهاية 346 من (ح).
(3) يعني: القاضي أبا يعلى. انظر: العدة/ 386.
(4) في التمهيد: ومن لم يوجد.
(5) انظر: المسودة/ 223.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(7) لآدمي آخر.
(3/1177)
خرجت إِلا بإِذنه (1) "- وإباحة ماله (2).
رد: بالمنع.
قالوا: رفع الحكم بالناسخ.
رد (3): بشرط العلم.
قالوا: الناسخ حكم، فلم يتوقف ثبوته على عِلْم المكلف كبقية
الأحكام.
رد: إِن أريد بثبوته تعلقه بالمكلف تَوَقَّفَ؛ لاعتبار التمكّن
من الامتثال.
مسألة
زيادة عبادة مستقلة ليست نسخًا عند العلماء.
وعن بعض العراقيين (4): صلاة سادسة نسخ: [لتغير الوسط] (5).
رد: بزيادة عبادة (6).
* * *
__________
(1) ثم خرج قبل علمه بإِذنه لم يحنث.
(2) كما لو قال: "أبحت ثمرة بستاني لكل من دخله"، فإِنه يباح
لكل داخل وإن لم يعلم ذلك.
(3) نهاية 170أمن (ب).
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 170، وكشف الأسرار 3/ 191.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(6) لإِخراج الأخيرة عن كونها أخيرة.
(3/1178)
وزيادة غيرها ليست نسخاً عند أصحابنا
والمالكية (1) والشافعية (2) والجبائية (3).
وعند الحنفية (4): "نسخ"، مع اعتبارهم الفقر في ذوي القربى
قياسًا (5).
وقيل: إِن رفعت الزيادة مفهوم المخالفة فنسخٌ.
وقيل: إِن غيرت حكم المزيد عليه في المستقبل -كالتغريب (6) على
__________
(1) انظر: المنتهى لابت الحاجب/ 120، وشرح تنقيح الفصول/ 317
ومفتاح الوصول / 77.
(2) انظر: اللمع/ 37، والتبصرة / 276، والمستصفى 1/ 117،
والمحصول 1/ 3/ 540، والإِحكام للآمدي 3/ 170.
(3) انظر: المعتمد / 437.
(4) انظر: أصول السرخسي 2/ 82، وكشف الأسرار 3/ 191، وتيسير
التحرير 3/ 218، وفواتح الرحموت 2/ 91.
(5) انظر: ص 1051 من هذا الكتاب، والهداية 2/ 148.
(6) التغريب ورد في أحاديث، منها: حديث عبادة بن الصامت
مرفوعًا، وفيه: (البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة). وقد تقدم
تخريجه في هامش ص 1137.
ومنها حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف، وفيه قول
الرسول: (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام). أخرجه البخاري في
صحيحه 8/ 167 - 168، ومسلم في صحيحه / 1324 - 1325.
(3/1179)
الحد، وزيادة عدد الجلد- فنسخ (1)، وإلا
فلا (2).
وقيل: إِن غيّرتْه حتى صار وجوده (3) كعدمه شرعًا -كركعة على
ركعتي الفجر- فنسخ، وإلا فلا.
وقيل: إِن غيرته حتى ارتفع التعدد بينهما -كركعة على ركعتي
الفجر- فنسخ، وإلا فلا (4).
واختار أبو الحسين (5) والآمدي (6) وغيرهما: إِن رفعت الزيادة
حكماً شرعيًا بعد ثبوته بدليل شرعي فنسخ، وإلا فلا، ومعناه
لبعض أصحابنا (7)، وكلام الباقين نحوه.
* * *
فقوله (8): "في السائمة زكاة" ثم قوله: "في المعلوفة زكاة" نسخ
__________
(1) لتغيره من الكل إِلى البعض.
(2) كزيادة وجوب ستر الركبة بعد وجوب ستر الفخذ، فإِنها لا
تكون نسخًا لوجوب ستر كل الفخذ؛ لأن ستر الفخذ لا يتصور بدون
ستر بعض الركبة، فلا تكون الزيادة مغيرة للحكم الأول في
المستقبل، بل تكون مقررة له.
(3) يعني: دونها.
(4) كزيادة عشرين جلدة على حدِّ القذف.
(5) انظر: المعتمد/ 442 - 443.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 171.
(7) انظر: المسودة/ 208.
(8) بدأ المؤلف في ذكر بعض الأمثلة التطبيقية على المسألة.
(3/1180)
للمفهوم إِن علم أنه (1) مراد، وإِلا فلا.
ومثله (2): "اجلدوا مائة" (3).
قال في العدة (4) والروضة (5): استقراره (6) بتأخير البيان (7)
نسخ.
وفي التمهيد (8) والواضح (9): نسخٌ لمنع الزيادة (10)،
والمفهوم ينسخ بخبر الواحد والقياس.
وفي العدة (11) (12): ربما قال قائل: "تخصيص؛ لرفعه (13) بقياس
وخبر واحد"، قال: والصحيح نسخٌ كالخطاب.
__________
(1) يعني: المفهوم.
(2) نهاية 347 من (ح).
(3) في حدّ الزنا.
(4) انظر: العدة/ 820.
(5) انظر: روضة الناظر/ 80، 81.
(6) يعني: دليل الخطاب.
(7) بما يرد بعده مما يوجب تركه.
(8) انظر: التمهيد/ 102 ب-103أ.
(9) انظر: الواضح 2/ 253أ، 254 أ.
(10) المفهوم من التقييد بالعدد.
(11) انظر: العدة/ 820.
(12) نهاية 170 ب من (ب).
(13) يعني: دليل الخطاب.
(3/1181)
وقال بعض أصحابنا (1): تراخي البيان لا
يوجب أنه (2) مراد في ظاهر المذهب لجوازه (3)، وإلا (4) وجب
(5).
........................
ولو زيد ركعة في الفجر فليس بنسخ (6) عند أصحابنا وأبي الحسين
(7) وغيرهم؛ لعدم رفع حكم شرعي، بل ضم إِليه حكم.
وعند الآمدي (8): نسخ، لرفع وجوب التشهد عقب الركعتين.
رد: التشهد آخر الصلاة للخروج منها، فلا نسخ.
ثم: يلزم زيادة التغريب على الحد.
وقيل (9): نسخ لتحريم الزيادة.
رد: لم تحرم بالأمر بالركعتين، بل لدليل.
__________
(1) انظر: المسودة/ 210، 212.
(2) يعني: دليل الخطاب.
(3) يعني: تأخير البيان.
(4) يعني: وإن لم نجوز تأخير البيان.
(5) أن يكون مراداً.
(6) نهاية 119 ب من (ظ).
(7) انظر: المعتمد/ 445 - 446.
(8) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 172 - 173.
(9) يعني: زيادة الركعة نسخ لتحريم الزيادة.
(3/1182)
وقيل: نسخ؛ لرفع الصحة والإِجزاء.
رد: لم يثبتا (1) بالخطاب، بل بالاستصحاب (2)، زاد بعض أصحابنا
(3): والمفهوم.
وأجاب في الروضة (4): بأن النسخ رفع جميع موجب الخطاب لا رفع
بعضه، وبأنه إِنما يكون نسخًا إِذا استقر (5) وثبت، ومن
المحتمل أن دليل الزيادة كان مقارنًا (6). كذا قال.
...................
وزيادة التغريب على الجلد ليست نسخًا -واختاره الآمدي (7) -
لما سبق، خلافاً لبعضهم.
قال بعض أصحابنا: قصد بالزيادة تعبد المكلف بها لا رفع استقلال
ما كان قبلها، بل حصل (8) ضرورة وتبعاً، والمنسوخ مقصود بالرفع
(9)، ولا
__________
(1) يعني: الصحة والإجزاء.
(2) يعني: استصحاب النفي الأصلي من أنه لا يجب شيء غيرهما،
فليس حكماً شرعيًا.
(3) انظر: المسودة/ 209، 210.
(4) انظر: روضة الناظر/ 81.
(5) يعني: الإِجزاء.
(6) في (ظ): مقرنًا.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 173.
(8) في (ح): حصلت.
(9) ورفع الاستقلال لم يقصد.
(3/1183)
يلزم من قصدها (1) قصد لازمها، وهو رفع
الاستقلال، لتصور الملزوم غافل (2) عن لازمه. والله أعلم.
.....................
ولو أوجب غسل الرجل عيْنًا، ثم خيّر بينه وبين المسح: فذكر
الآمدي (3): أنه نسخ؛ لأن التخيير رفع الوجوب.
ولعل المراد: عَيَّنَه مع الخف (4)، وإلا فلا نسخ.
.......................
وقوله: (واستشهدوا شهيدين) (5)، ثم حكمه - عليه السلام - بشاهد
ويمين (6): ليس بنسخ؛ لأنه لم يرفع شيئًا، ولو ثبت مفهومه
ومفهوم (فإِن لم يكونا رجلين) الآية (7)؛ لأنه ليس فيه منع
الحكم بغيره، بل حصر الاستشهاد.
__________
(1) يعني: الزيادة.
(2) (غافل) فاعل للمصدر (تصور). وفي (ح): غافلاً.
(3) في منتهى السول 2/ 92. وقال في الإِحكام 3/ 174: ليس بنسخ.
(4) نهاية 171 أمن (ب).
(5) سورة البقرة: آية 282.
(6) تقدم تخريجه في ص 609. وأخرجه -أيضاً- مسلم في صحيحه /
1337، وأبو داود في سننه 4/ 33، وابن ماجه في سننه/ 793 من
حديث ابن عباس.
(7) سورة البقرة: آية 282.
(3/1184)
وقال الآمدي (1): إِن كان المفهوم حجة
فرفعه نسخ، ولا يجوز بخبر الواحد. كذا قال
.....................
ولو زيد في الوضوء اشتراط غسل عضو -أو شَرْط في الصلاة- فلا
نسخ؛ لما سبق.
...................
وفرضية الفاتحة واشتراط الطهارة للطواف ليس بنسخ، خلافًا
للحنفية (2) في جميع ذلك وغيره. وسبق (3) في المطلق (4).
مسألة
نسخ جزء العبادة أو شرطها ليس نسخاً لجميعها عند أصحابنا وأكثر
الشافعية (5) والكرخي (6) وأبي الحسين البصري (7).
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 175.
(2) انظر: أصول السرخسي 2/ 82، وكشف الأسرار 3/ 191، وتيسير
التحرير 3/ 218، وفواتح الرحموت 2/ 91.
(3) في ص 989 - 990.
(4) نهاية 348 من (ح).
(5) انظر: اللمع/ 37، والتبصرة/ 281، والإحكام للآمدي 3/ 178،
والمستصفى 1/ 116، والمحصول/ 1/ 3/ 556.
(6) انظر: المعتمد/ 477، والتبصرة/ 281، والإِحكام للآمدي 3/
178.
(7) انظر: المعتمد/ 448.
(3/1185)
وعن بعض المتكلمين والغزالي (1) -وحكاه ابن
برهان (2) عن الحنفية (3) -: نسخ.
وعن عبد الجبار (4): نسخ بنسخ جزئها (5).
وقال بعض أصحابنا (6): الخلاف في شرط متصل كالتوجه، ومنفصل
-كوضوء- ليس نسخًا لها إِجماعًا.
وذكره الآمدي (7) فيهما.
لنا: بقاء وجوبها، ولا يفتقر إِلى دليل ثان إِجماعًا، ولم
يتجدد وجوب، وكنسخ سنتها (8) اتفاقاً.
مسألة
يستحيل تحريم معرفته (9) -إِلا على تكليف المحال- لتوقفه (10)
على معرفته، وهو دور.
__________
(1) انظر: المستصفى 1/ 116.
(2) انظر: المسودة/ 213.
(3) انظر: تيسير التحرير 3/ 220، وفواتح الرحموت 2/ 94.
(4) انظر: المعتمد/ 447 - 448.
(5) يعني: لا شرطها.
(6) انظر: المسودة/ 213.
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 178.
(8) في (ح): سننها.
(9) يعني: معرفة الله تعالى.
(10) يعني: توقف التحريم.
(3/1186)
وما حسن أو قبح لذاته -كمعرفته والكفر-
يجوز نسخ وجوبه وتحريمه عند القائل بنفي الحسن والقبح (1)
ورعاية الحكمة في أفعاله، ومن أثبته منعه، ذكره الآمدي (2).
وقيل للقاضي (3): لو جاز النسخ لجاز في اعتقاد التوحيد، (4)
فقال: التوحيد مصلحة لجميع المكلفين في جميع الأوقات، ولهذا لا
يجوز الجمع بين إِيجابه والنهي عن مثله [في] (5) المستقبل،
بخلاف الفعل الشرعي.
ومعناه لابن عقيل (6).
قالوا بعض أصحابنا (7): ويجوز نسخ جميع التكاليف -سوى معرفة
الله- على أصل أصحابنا وسائر أهل الحديث، خلافاً للقدرية في
قولهم: مصالح، فلا يجوز رفعها.
قال ابن عقيل: وإن قلنا بالمصالح فلا يمتنع، لعلمه أن التكاليف
(8)
__________
(1) نهاية 120أمن (ظ).
(2) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 180.
(3) انظر: العدة/ 776.
(4) نهاية 171 ب من (ب).
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(6) انظر: الواضح 2/ 231 ب-232أ.
(7) انظر: المسودة/ 200.
(8) في (ح): التكليف.
(3/1187)
تفسدهم (1)، وكجنون بعضهم وموته، وكنسخه
منها بحسب بالأصلح.
وقال الآمدي (2): وبعد تكليف العبد بها اختلفوا في جواز نسخ
جميع التكاليف.
واختار الغزالي (3) المنع -وقال بعض أصحابنا: نحن بمنعه أولى-
لأنه لا بد من بقاء وجوب معرفة النسخ والناسخ.
ورد: لا يمتنع معرفته، وإن لم يكن مكلّفاً به.
........................
__________
(1) في (ب): يفسدهم.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 3/ 180.
(3) انظر: المستصفى 1/ 123.
(3/1188)
|