الأشباه والنظائر للسيوطي

[الْقَوْلِ فِي الْمِلْكِ]
ِ وَفِيهِ مَسَائِلُ. الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُقَدَّرُ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. يَقْتَضِي تَمَكُّنَ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ، مِنْ انْتِفَاعِهِ، وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ، فَقَوْلُنَا " حُكْمٌ شَرْعِيٌّ " ; لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقَوْلُنَا " يُقَدَّرُ " ; لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ، وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ، لَيْسَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا بَلْ يُقَدَّرُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ، عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ وَقَوْلُنَا (فِي عَيْنٍ، أَوْ مَنْفَعَةٍ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ كَالْأَعْيَانِ وَقَوْلُنَا " يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ " يُخْرِجُ تَصَرُّفُ الْقُضَاةِ، وَالْأَوْصِيَاءِ، فَإِنَّهُ فِي أَعْيَانٍ أَوْ مَنَافِعَ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُمْ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ لِانْتِفَاعِ أَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِانْتِفَاعِ الْمَالِكِينَ. وَقَوْلُنَا " وَالْعِوَضِ عَنْهُ " يُخْرِجُ الْإِبَاحَاتِ فِي الضِّيَافَاتِ، فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا، وَلَا تُمْلَكُ. وَيُخْرِجُ أَيْضًا: الِاخْتِصَاصَ بِالْمَسَاجِدِ، وَالرُّبُطِ ; وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ ; إذْ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ.
وَقَوْلُنَا " مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَدْ يَتَخَلَّفُ لِمَانِعٍ لِعَرَضٍ، كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ، لَهُمْ الْمِلْكُ وَلَيْسَ لَهُمْ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ، لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ.

(1/316)


الثَّانِيَةُ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَسْبَابُ التَّمَلُّكِ ثَمَانِيَةٌ: الْمُعَاوَضَاتُ. وَالْمِيرَاثُ. وَالْهِبَاتُ. وَالْوَصَايَا. وَالْوَقْفُ. وَالْغَنِيمَةُ. وَالْإِحْيَاءُ. وَالصَّدَقَاتُ. قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: وَبَقِيَتْ أَسْبَابٌ أُخَرُ. مِنْهَا، تَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ بِشَرْطِهِ. وَمِنْهَا: دِيَةُ الْقَتِيلِ، يَمْلِكُهَا أَوَّلًا، ثُمَّ تُنْقَلُ لِوَرَثَتِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا: الْجَنِينُ. الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَمْلِكُ الْغُرَّةَ. وَمِنْهَا: خَلْطُ الْغَاصِبِ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهٍ، أَوْ بِمَالٍ آخَرَ لَا يَتَمَيَّزُ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ مِلْكَهُ إيَّاهُ. وَمِنْهَا: الصَّحِيحُ: أَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ مَا يَأْكُلُهُ.
وَهَلْ يَمْلِكُ بِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ فِي الْفَمِ أَوْ بِالْأَخْذِ، أَوْ بِالِازْدِرَادِ يَتَبَيَّنُ حُصُولُ الْمِلْكِ قُبَيْلَهُ؟ أَوْجُهٌ وَمِنْهَا: الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْ الزَّوْجِ الْمُخَالِعِ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ: أَنَّ السَّابِيَ إذَا وَطِئَ الْمَسْبِيَّةَ كَانَ مُتَمَلِّكًا لَهَا، وَهُوَ غَرِيبٌ عَجِيبٌ. قُلْت: الْأَخِيرُ - إنْ صَحَّ - دَاخِلٌ فِي الْغَنِيمَةِ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ دَاخِلٌ فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَسَائِرِ صُوَرِ الْخُلْعِ، وَكَذَا الصَّدَاقُ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الضَّيْفِ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهَا بِالْإِبَاحَةِ: لِتَدْخُلَ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الْإِبَاحَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِهِبَةٍ، وَلَا صَدَقَةٍ. وَيُعَبَّرَ عَنْ الدِّيَةِ وَالْغُرَّةِ بِالْجِنَايَةِ. لِيَشْمَلَ أَيْضًا دِيَةَ الْأَطْرَافِ وَالْمَنَافِعِ وَالْجُرْحِ وَالْحُكُومَاتِ.
وَقَدْ قُلْت قَدِيمًا
:
وَفِي الْكِفَايَةِ أَسْبَابُ التَّمَلُّكِ خُذْ ... ثَمَانِيًا، وَعَلَيْهَا زَادَ مَنْ لَحِقَهُ
الْإِرْثُ، وَالْهِبَةُ، الْإِحْيَا، الْغَنِيمَهْ ... وَالْمُعَاوَضَاتُ، الْوَصَايَا، الْوَقْفُ، وَالصَّدَقَهْ
وَالْوَضْعُ بَيْنَ يَدَى زَوْجٍ يُخَالِعُهَا ... وَالضَّيْفُ، وَالْخُلْعُ لِلْمَغْصُوبِ وَالسَّرِقَهْ
كَذَا الْجِنَايَةُ مَعَ تَمْلِيكِ لُقَطَتِهْ ... وَالْوَطْءُ لِلسَّبْيِ فِيمَا قَالَ مَنْ سَبَقَهْ
قُلْت: الْأَخِيرَةُ إنْ صَحَّتْ فَدَاخِلُهْ ... فِي الْغُنْمِ. وَالْخُلْعُ فِي التَّعْوِيضِ كَالصَّدَقَهْ
الثَّالِثَةُ قَالَ الْعَلَائِيُّ: لَا يَدْخُل فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، إلَّا فِي الْإِرْثِ اتِّفَاقًا، وَالْوَصِيَّةِ. إذَا قِيلَ: إنَّهَا تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، لَا بِالْقَبُولِ. وَالْعَبْدِ، إذَا مَلَكَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَكَذَلِكَ غَلَّةُ

(1/317)


الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَنِصْفُ الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ ; وَالْمَعِيبُ إذَا رُدَّ عَلَى الْبَائِعِ بِهِ. وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ، وَثَمَنُ النَّقْصِ إذَا تَمَلَّكَهُ الشَّفِيعُ.
وَالْمَبِيعُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ، دَخَلَ الثَّمَنُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ بِمَا مَلَكَهُ مِنْ الثِّمَارِ، وَالْمَاءُ النَّابِعُ فِي مِلْكِهِ. وَمَا يَسْقُطُ فِيهِ مِنْ الثَّلْجِ، أَوْ يَنْبُتُ فِيهِ مِنْ الْكَلَإِ ; وَنَحْوِهِ. قُلْت: وَمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ صَيْدٍ، وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، بِتَوْحِيلٍ وَغَيْرِهِ، عَلَى وَجْهٍ. وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ، إذَا قُلْنَا: إنَّهُ تَمْلِيكٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ، فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الرَّابِعَةُ الْمَبِيعُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ يُمْلَكُ بِتَمَامِ الْعَقْدِ، فَلَوْ كَانَ خِيَارُ مَجْلِسٍ، أَوْ شَرْطٍ. فَهُلْ الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ أَوْ الْمُشْتَرِي، لِتَمَامِ الْبَيْعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، أَوْ مَوْقُوفٌ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ، بَانَ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ؟ أَقْوَالٌ.
وَصُحِّحَ الْأَوَّلُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ.
وَالثَّانِي: إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ.
وَالثَّالِثُ: إذَا كَانَ لَهُمَا. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ غَرَائِبِ الْفِقْهِ، فَإِنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَفِي كُلِّ حَالٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَصُحِّحَ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَيَقْرُبُ مِنْهَا: الْأَقْوَالُ فِي مِلْكِ الْمُرْتَدِّ فَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُهُ مِنْ الرِّدَّةِ وَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ; لِأَنَّ بُطْلَانَ أَعْمَالِهِ: يَتَوَقَّفُ عَلَى مَوْتِهِ مُرْتَدًّا، فَكَذَلِكَ مِلْكُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَزُولُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ ; لِزَوَالِ عِصْمَةِ الْإِسْلَامِ، وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. وَالثَّالِثُ: لَا، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْخِلَافُ فِي زَوَالِ مِلْكِهِ يَجْرِي أَيْضًا فِي ابْتِدَاءِ التَّمَلُّكِ إذَا اصْطَادَ، وَاحْتَطَبَ، فَعَلَى الزَّوَالِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ لِأَهْلِ الْفَيْءِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى الْإِبَاحَةِ، كَمَا لَا يَمْلِكُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ إذَا اصْطَادَهُ، وَيَبْقَى عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَمْلِكُهُ، كَالْحَرْبِيِّ، وَعَلَى الْوَقْفِ مَوْقُوفٌ. وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُوصَى بِهِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ. أَحَدُهَا: يَمْلِكُ بِالْمَوْتِ.
وَالثَّانِي: بِالْقَبُولِ، وَالْمِلْكُ قَبْلَهُ لِلْوَرَثَةِ، وَفِي وَجْهٍ: لِلْمَيِّتِ.

(1/318)


وَالثَّالِثُ: - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - مَوْقُوفٌ. إنْ قَبِلَ، بَانَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْمَوْتِ، وَإِلَّا بَانَ أَنَّهُ كَانَ لِلْوَارِثِ. وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: الْمَوْهُوبُ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ. أَظْهَرُهَا: يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ، وَفِي الْقَدِيمِ بِالْعَقْدِ، كَالْبَيْعِ.
وَالثَّالِثُ: مَوْقُوفٌ. إنْ قَبَضَهُ، بَانَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ. وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: الْأَقْوَالُ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ، هَلْ يَقْطَعُ النِّكَاحَ؟ فَفِي قَوْلٍ: نَعَمْ، وَفِي قَوْلٍ: لَا. وَفِي قَوْلٍ مَوْقُوفٌ، إنْ رَاجَعَ بَانَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَإِلَّا بَانَ زَوَالُهُ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ.
فَوَائِدُ: الْخِلَافُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ فِي الْمَبِيعِ، وَالْمُوصَى بِهِ: كَسْبُ الْعَبْدِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، كَاللَّبَنِ، وَالْبَيْضِ، وَالثَّمَرَةِ، وَمَهْرِ الْجَارِيَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ، وَسَائِرِ الزَّوَائِدِ، فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَنْ لَهُ الْمِلْكُ. وَمَوْقُوفَةٌ عِنْدَ الْوَقْفِ. وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَيْضًا: النَّفَقَةُ. وَالْفِطْرَةُ، وَسَائِرُ الْمُؤَنِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُوصَى بِهِ، وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَبِيعِ، خِلَافًا لِقَوْلِ الْجِيلِيِّ: إنَّهَا عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا، أَوْ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُرْتَدِّ صِحَّةُ تَصَرُّفَاتِهِ، فَعَلَى الزَّوَالِ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعٌ، وَلَا شِرَاءٌ، وَلَا إعْتَاقٌ، وَلَا وَصِيَّةٌ، وَلَا غَيْرُهَا.
وَعَلَى مُقَابِلِهِ: هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ، مَحْجُورٌ عَلَيْهِ كَحَجْرِ الْمُفْلِسِ، فَيَصِحُّ مِنْهُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْمُفْلِسِ، دُونَ غَيْرِهِ. وَعَلَى الْوَقْفِ: يُوقَفُ كُلُّ تَصَرُّفٍ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ، كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ. وَمَا لَا يَقْبَلُهُ: كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا بَاطِلَةٌ. وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَلَا إنْكَاحُهُ لِسُقُوطِ وِلَايَتِهِ.
وَفِي وَجْهٍ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ، بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ الْمِلْكِ. وَعَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا: يُقْضَى مِنْهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ قَبْلَهَا، وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَا ; بِنَاءً عَلَى الزَّوَالِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ.
وَفِي وَجْهٍ: لَا ; بِنَاءً عَلَى الزَّوَالِ وَيُنْفَقُ عَلَى زَوْجَاتٍ وَقَفَ نِكَاحَهُنَّ، وَقَرِيبٌ وَيُقْضَى مِنْهُ غَرَامَةُ مَا أَتْلَفَهُ فِي الرِّدَّةِ وَفِي وَجْهٍ: لَا بِنَاءً عَلَى الزَّوَالِ.

(1/319)


تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا: الْإِجَارَةُ، فَتُمْلَكُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ. وَيَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ فِي الْحَالِ أَيْضًا، وَتَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَجْهٌ غَرِيبٌ أَنَّهَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ. وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ: إجَارَةَ الْعَيْنِ مِنْ مُؤَجِّرِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنْ قُلْنَا: تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ، لَمْ يَجُزْ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ مِلْكِهِ كَمَا لَا يَتَزَوَّجُ بِأَمَتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ، جَازَ.

[فَصَلِّ: فِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الْقَرْضُ]
فَصْلٌ وَفِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الْقَرْضُ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ، لَا مَنْصُوصَانِ. أَظْهَرُهُمَا: بِالْقَبْضِ وَالثَّانِي: بِالتَّصَرُّفِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا تَصَرَّفَ تَبَيَّنَ ثُبُوتُ مِلْكِهِ قَبْلَهُ، كَذَا جَزَمَ بِهِ. وَفِي الْبَسِيطِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ إلَى الْعَقْدِ.
قُلْت: فَعَلَى هَذَا فِيهِ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا الْوَقْفُ فَإِنْ تَصَرَّفَ، بَانَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ الْمُرَادُ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَقِيلَ يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ، وَقِيلَ: يَسْتَدْعِي الْمِلْكَ، وَقِيلَ: يَمْنَعُ رُجُوعَ الْبَائِعِ عِنْدَ الْإِفْلَاسِ وَالْوَاهِبِ، فَعَلَى الْأَوْجَهِ: يَكْفِي الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْإِعْتَاقُ وَالْإِتْلَافُ، وَلَا يَكْفِي الرَّهْنُ وَالتَّزْوِيجُ، وَالْإِجَارَةُ وَالطَّحْنُ وَالْخَبْزُ وَالذَّبْحُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَكْفِي مَا سِوَى الْإِجَارَةِ عَلَى الثَّانِي وَيَكْفِي مَا سِوَى الرَّهْنِ عَلَى الثَّالِثِ.

[فَصَلِّ: يَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ بِالظُّهُورِ]
ِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي الْقِرَاضِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ، وَالْأَظْهَرُ بِالْقِسْمَةِ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ الرِّبْحَ فِي الْقِرَاضِ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: الزَّكَاةُ، فَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُ الْمَالِكَ زَكَاةُ الْجَمِيعِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَلْزَمُ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ. وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ لِلْخُلْطَةِ

(1/320)


وَلَوْ كَانَ فِي الْمَالِ جَارِيَةٌ فَوَطِئَهَا الْعَامِلُ وَأَحْبَلَهَا، فَعَلَى الثَّانِي لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَثْبُتُ فِي نَصِيبِهِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْبَاقِي إنْ كَانَ مُوسِرًا، فَصْلٌ مَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ بَابٌ وَاسِعٌ، وَالْكِتَابُ الْخَامِسُ بِهِ أَجْدَرُ.

[فَصَلِّ: الْمِلْكِ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ]
فَصْلٌ فِي الْمِلْكِ، فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ أَقْوَالٌ: أَصَحُّهَا: أَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى اللَّهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ، فَهُوَ مِلْكُهُ قَطْعًا.

[فَصَلِّ: فِي دِيَةُ الْقَتْلِ هَلْ تَثْبُتُ لِوَرَثَتِهِ ابْتِدَاءً]
فَصْلٌ دِيَةُ الْقَتْلِ، هَلْ تَثْبُتُ لِوَرَثَتِهِ ابْتِدَاءً عَقِبِ هَلَاكِ الْمَقْتُولِ، أَوْ بِقَدْرِ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّهَا تُنَفَّذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ وَدُيُونُهُ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْوَرَثَةِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ الْفِرْكَاحِ: وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ يُقْضَى مِنْهَا الدُّيُونُ وَالْوَصَايَا.
وَفِي الْبَيَانِ: أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ صَرَّحَ بِذَلِكَ: أَيْ الِاتِّفَاقِ، وَأَنَّ الَّذِي يَقْتَضِي الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَتَى تَجِبُ الدِّيَةُ. وَمِنْ الْفُرُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهِمَا: مَا لَوْ أُذِنَ لَهُ فِي قَتْلِهِ، فَقَتَلَهُ أَوْ فِي قَطْعِهِ، فَسَرَى، فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً: وَجَبَتْ الدِّيَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ جَنَى الْمَرْهُونُ عَلَى نَفْسِ مَنْ يَرِثُهُ السَّيِّدُ خَطَأً أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ.
فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً، لَمْ يَثْبُتْ مَالٌ فَيَبْقَى رَهْنًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ جَنَى عَلَى طَرَفِهِ وَانْتَقَلَ إلَى سَيِّدِهِ بِالْإِرْثِ. وَقَدْ نَقَلَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: أَنَّ أَصَحَّهُمَا عِنْدَ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْإِمَامِ، أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَمَا لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً، وَأَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ قَطَعُوا بِالثُّبُوتِ، وَيُبَاعُ فِيهِ. وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي النِّكَاحِ الثَّانِيَ. وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلَ.

(1/321)


[فَصَلِّ: فِي مُلْك الْإِرْثِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ]
فَصْلٌ وَيُمْلَكُ الْإِرْثُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْقَدِيمُ: أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ انْتِقَالَ التَّرِكَةِ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ. وَهَلْ يَمْنَعُ انْتِقَالَ قَدْرِهِ أَوْ كُلِّهَا؟ قَوْلَانِ: فِي الشَّرْحِ بِلَا تَرْجِيحٍ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: مَا لَوْ حَدَثَ فِي التَّرِكَةِ زَوَائِدُ، فَعَلَى الصَّحِيحِ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ، وَعَلَى الْآخَرِ يَتَعَلَّقُ.
وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا أَيْضًا مَسْأَلَةٌ وَقَعَتْ فِي أَيَّامِ ابْنِ عَدْلَانِ وَابْنِ اللَّبَّانِ وَابْنِ الْقَمَّاحِ وَالسُّبْكِيِّ والسنكلوي. وَابْنِ الْكَتَّانِيِّ، وَابْنِ الْأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ الْبُلْغِيَائِيِّ. وَهِيَ: مَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِلْوَارِثِ، فَهَلْ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ؟ حَتَّى لَوْ كَانَ جَائِزًا وَالدَّيْنُ بِقَدْرِ التَّرِكَةِ سَقَطَ كُلُّهُ.
فَأَفْتَى جَمَاعَةٌ: بِأَنْ لَا سُقُوطَ وَبِأَنَّهُ أَخَذَ التَّرِكَةَ إرْثًا، وَالدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّ التَّرِكَةَ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ ; إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ. وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِالسُّقُوطِ وَقَالُوا: إنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي نُقْصَانِ مَجْمُوعِ الْمَأْخُوذِ، فَيَكُونُ أَخَذَ قَدْرَ الدَّيْنِ عَنْ دَيْنِهِ لَا إرْثًا، وَالْبَاقِي إرْثٌ. وَهَؤُلَاءِ اسْتَنَدُوا إلَى تَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَى الْإِرْثِ، مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِرْثَ. وَأَفْتَى السُّبْكِيُّ بِالسُّقُوطِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ بِالنُّقْصَانِ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ كِتَابًا سَمَّاهُ (مُنْيَةُ الْبَاحِثِ عَنْ دَيْنِ الْوَارِثِ) وَلَخَّصَهُ فِي فَتَاوِيهِ، فَقَالَ: يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثِ مَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ، لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ، وَهُوَ نِسْبَةُ إرْثِهِ مِنْ الدَّيْنِ، إنْ لَمْ يَزِدْ الدَّيْنُ عَلَى التَّرِكَةِ، وَمِمَّا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهُ مِنْهُ إنْ زَادَ. وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِبَقِيَّةِ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ. وَقَدْ يَقْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاصِّ إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ، فَإِذَا كَانَ الْوَارِثُ حَائِزًا أَوْ لَا دَيْنَ لِغَيْرِهِ وَدَيْنُهُ مُسَاوٍ لِلتَّرِكَةِ أَوْ أَقَلُّ سَقَطَ وَإِنْ زَادَ سَقَطَ مِقْدَارُهَا وَيَبْقَى الزَّائِدُ وَيَأْخُذُ التَّرِكَةَ فِي الْأَحْوَالَ إرْثًا، وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ أَخَذَهَا دَيْنًا ; لِأَنَّ جِهَةَ الْمِلْكِ أَقْوَى وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ، وَجِهَةُ الدَّيْنِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إقْبَاضٍ أَوْ تَعْوِيضٍ، وَهُمَا مُتَعَذِّرَانِ ; لِأَنَّ التَّرِكَةَ مِلْكُهُ. لَكِنَّا نُقَدِّرُ أَحَدَهُمَا، وَإِلَّا لَمَا بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ، تَقْدِيرًا مَحْضًا لَا وُجُودَ لَهُ.
وَلَوْ كَانَ مَعَ دَيْنِ الْحَائِزِ دَيْنُ أَجْنَبِيٍّ، قَدَّرْنَا الدَّيْنَيْنِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ، فَمَا خَصَّ دَيْنَ الْوَارِثِ سَقَطَ وَاسْتَقَرَّ نَظِيرُهُ، كَدِينَارَيْنِ لَهُ وَدِينَارٍ لِأَجْنَبِيٍّ، وَالتَّرِكَةُ دِينَارَانِ، فَلَهُ دِينَارٌ وَثُلُثٌ

(1/322)


إرْثًا، وَسَقَطَ نَظِيرُهُ وَبَقِيَ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ ثُلُثَا دِينَارٍ، وَيَأْخُذُ الْأَجْنَبِيُّ ثُلُثَيْ دِينَارٍ وَيَبْقَى لَهُ ثُلُثُ دِينَارٍ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا دِينَارَانِ وَلِآخَرَ دِينَارٌ، فَلِصَاحِبِ الدِّينَارَيْنِ مِنْ دِينَارِهِ الْمَوْرُوثِ ثُلُثَاهُ، وَمِنْ دِينَارِ أَخِيهِ ثُلُثُهُ، وَالثُّلُثُ الْبَاقِي مِنْ دِينَارِهِ مُقَاصِصٌ بِهِ أَخَاهُ فَيَجْتَمِعُ لَهُ دِينَارٌ وَثُلُثٌ، وَلِأَخِيهِ ثُلُثَانِ وَمَجْمُوعُهُمَا دِينَارَانِ، وَهُوَ اللَّازِمُ لَهُمَا ; لِأَنَّ الَّذِي يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهُ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ الدَّيْنِ وَمِقْدَارِ التَّرِكَةِ.
وَلَوْ كَانَ زَوْجَةً وَأَخًا وَالتَّرِكَةُ أَرْبَعِينَ وَالصَّدَاقُ عَشَرَةً،، فَلَهَا عَشَرَةٌ إرْثًا وَسَبْعَةٌ وَنِصْفٌ مِنْ نَصِيبِ الْأَخِ دَيْنًا، وَسَقَطَ لَهَا دِينَارَانِ وَنِصْفٌ نَظِيرَ رُبْعِ إرْثِهَا، ازْدَحَمَ عَلَيْهِ جِهَتَا الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ.
وَلَوْ قُلْنَا: بِأَنَّ السَّبْعَةَ وَنِصْفًا مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ، لَسَقَطَ رُبْعُهَا الْمُخْتَصُّ بِهَا، وَهَلُمَّ جَرًّا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَادَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الِاثْنَيْنِ وَنِصْفٌ لَكَانَ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَزَادَ إرْثُهُ وَنَقَصَ إرْثُهَا عَمَّا هُوَ لَهَا. وَقَدْ بَانَ بِهَذَا: أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَأْخُوذُ، وَسَوَاءٌ أُعْطِيت الدَّيْنَ أَوَّلًا، أَمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ.
وَالْحَاصِلُ لَهَا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَنِصْفٌ. وَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، وَهُوَ أَوْضَحُ وَأَسْهَلُ يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ التَّرِكَةَ لَا تَنْتَقِلُ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَدَقُّ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَدَّعِيَ، وَلَا تَحْلِفَ إلَّا عَلَى النِّصْفِ وَالرُّبْعِ، وَكَذَا لَا تَتَعَوَّضُ وَلَا تَقْبِضُ وَلَا تَبْرَأُ إلَّا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ التَّرِكَةِ، فَلَا يَسْقُطُ وَمَنْ تَخَيَّلَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالِطٌ، فَإِنْ قُلْت: مَا ادَّعَيْته مِنْ السُّقُوطِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاسْتِنَادِ إلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِلَّا فَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ بِالسُّقُوطِ يَتَفَاوَتُ الْمَأْخُوذُ، وَظَنَّ آخَرُونَ أَنْ لَا سُقُوطَ أَصْلًا قُلْت: أَمَّا مَنْ ظَنَّ أَنْ لَا سُقُوطَ أَصْلًا، فَكَلَامُهُ مُتَّجَهٌ إذَا قُلْنَا: التَّرِكَةُ لَا تَنْتَقِلُ، فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْتِقَالِ، فَلَا. وَأَمَّا مَنْ ظَنَّ التَّفَاوُتَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَأَمَّا كَلَامُ الْأَصْحَابِ الدَّالُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ، فَفِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي الْجِرَاحِ، إذَا خَلَّفَ زَوْجَتَهُ حَامِلًا وَأَخًا لِأَبٍ، وَعَبْدًا، فَجَنَى عَلَيْهَا فَأَجْهَضَتْهُ قَالُوا: يَسْقُطُ مِنْ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَّةِ مَا يُقَابِلُ مِلْكَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى مِلْكِهِ حَقٌّ

(1/323)


وَذَكَرُوا طَرِيقَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ السُّقُوطِ: أَحَدُهُمَا: طَرِيقَةُ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَسْقُطُ نَصِيبُ الْأَخِ كُلُّهُ ; لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ مِلْكِهِ.
وَمِنْ نَصِيبِ الْأُمِّ مَا يُقَابِلُ مِلْكَهَا، وَهُوَ الرُّبُعُ وَيَبْقَى لَهَا نِصْفُ سُدُسِ الْغُرَّةِ، يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَصَحُّهُمَا طَرِيقَةُ الْغَزَالِيِّ: أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ حَقِّهَا مِنْ الْغُرَّةِ رُبْعُهُ ; لِأَنَّهُ الْمُقَابِلُ لِمِلْكِهَا وَمِنْ حَقِّهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَيَبْقَى لَهَا سُدُسُ الْغُرَّةِ، وَلَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ سُدُسِهَا، وَالْوَاجِبُ فِي الْفِدَاءِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ، وَرُبَّمَا لَا تَفِي حِصَّتُهَا بِأَرْشِهَا وَتَفِي حِصَّتُهُ بِأَرْشِهِ، فَإِذَا سَلِمَتْ تَعَطَّلَ عَلَيْهِ مَا زَادَ وَلَمْ يَتَعَطَّلْ عَلَيْهَا. مِثَالُهُ: الْغُرَّةُ سِتُّونَ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ عِشْرُونَ، وَسَلِمَا. ضَاعَ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ وَصَارَ لَهُ خَمْسَةٌ وَلَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي فِي الْإِجَارَةِ آجَرَ دَارًا مِنْ ابْنِهِ بِأُجْرَةٍ قَبَضَهَا وَاسْتَنْفَقَهَا وَمَاتَ عَقِبَ ذَلِكَ عَنْهُ وَعَنْ ابْنٍ آخَرَ، وَقُلْنَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَمُقْتَضَى الِانْفِسَاخِ فِيهِ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ يُسْقِطُ مِنْهُ نِسْبَةَ إرْثِهِ، وَهُوَ الرُّبْعُ وَيَرْجِعُ عَلَى أَخِيهِ بِالرُّبْعِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ يُؤْخَذُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّقُوطِ، انْتَهَى كَلَامُ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ.

[فَصْلٌ: يُمْلَكُ الصَّدَاقِ بِالْعَقْدِ]
ِ لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عِنْدَنَا. فَلَوْ مَاتَ، أَوْ أَفْلَسَ، وَعَلَيْهِ صَدَاقٌ لِزَوْجَةٍ دَخَلَ بِهَا، وَصَدَاقٌ لِأُخْرَى، لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تُقَدَّمْ الْمَدْخُولُ بِهَا بَلْ يَسْتَوِيَانِ كَمَا أَفْتَيْت بِهِ تَخْرِيجًا مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. وَأَمَّا النِّصْفُ الْعَائِدُ بِالطَّلَاقِ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، إلَّا بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ.
وَالثَّالِثُ: لَا يَمْلِكُ، إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي. وَيَنْبَنِي عَلَى الْأَوْجَهِ: الزَّوَائِدِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ.

[فَصْلُ: مِلْكِ الْغَانِمِينَ الْغَنِيمَةَ]
فَصْلٌ فِي مِلْكِ الْغَانِمِينَ الْغَنِيمَةَ: أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا: لَا يَمْلِكُونَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ " أَوْ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ ; لِأَنَّهُمْ لَوْ مَلَكُوا. لَمْ يَصِحَّ إعْرَاضُهُمْ وَلَا إبْطَالُ حَقِّهِمْ عَنْ نَوْعٍ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ

(1/324)


وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْإِمَامِ: أَنْ يَخُصَّ كُلَّ طَائِفَةٍ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ. وَالثَّانِي: يَمْلِكُونَ بِالْحِيَازَةِ، وَالِاسْتِيلَاءِ التَّامِّ ; لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَعْصُومٍ مِنْ الْمَالِ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ ; وَلِأَنَّ مِلْكَ الْكُفَّارِ زَالَ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكُوا لَزَالَ الْمِلْكُ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ. لَكِنَّهُ مِلْكٌ ضَعِيفٌ، يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ.
الثَّالِثُ: مَوْقُوفٌ إنْ سَلِمَتْ الْغَنِيمَةُ، حَتَّى قَسَمُوهَا. بَانَ أَنَّهُمْ مَلَكُوا بِالِاسْتِيلَاءِ وَإِنْ تَلِفَتْ، أَوْ أَعْرَضُوا ; تَبَيَّنَّا عَدَمَ الْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ نَظَائِرِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

[اسْتِقْرَار الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي الِاسْتِقْرَارِ يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ، وَنَحْوِهِ، مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالْمُصَالَحِ عَلَيْهِ، وَالصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ بِالتَّسْلِيمِ. وَتَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ فِي الْإِجَارَةِ: بِالِاسْتِيفَاءِ، وَبِقَبْضِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَإِمْسَاكِهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ أَوْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَأْجَرَ لِلرُّكُوبِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ.
وَسَوَاءٌ إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ. وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ: أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِذَلِكَ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَسْتَقِرُّ الصَّدَاقُ بِوَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ: الْوَطْءُ، وَالْمَوْتُ. وَأَوْرَدَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَيْهِمْ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ فِي الْمُعَيَّنِ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الصَّدَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ، كَالْبَيْعِ، فَكَمَا قَالُوا: إنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْ قُبِضَ: فَكَذَلِكَ الصَّدَاقُ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ هُنَا: الْأَمْنُ مِنْ سُقُوطِ الْمَهْرِ، أَوْ بَعْضِهِ بِالتَّشَطُّرِ.
وَفِي الْمَبِيعِ: الْأَمْنُ مِنْ الِانْفِسَاخِ. فَالْمَبِيعُ: إذَا تَلِفَ. انْفَسَخَ الْبَيْعُ. وَالصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ، إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ: لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ، بَلْ يَجِبُ بَدَلُ الْبِضْعِ، فَاقْتَرَنَ الْبَابَانِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ فِي نُكَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ: لَمْ يُبَيِّنْ الْأَصْحَابُ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ، حَتَّى خَفِيَ مَعْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْمُعَيَّنِ.

(1/325)


وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي الصَّدَاقِ: عَيْنًا كَانَ، أَوْ دَيْنًا. الْأَمْنُ مِنْ تَشَطُّرِهِ بِالْفِرَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمِنْ سُقُوطِهِ كُلِّهِ بِالْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَهُ. وَهَذَا الِاسْتِقْرَارُ يَكُونُ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ، وَاَلَّذِي فِي الذِّمَّةِ، وَجَمِيعُ الدُّيُونِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِهَا وَقَبْضِ الْمُقَابِلِ لَهَا: مُسْتَقِرَّةٌ إلَّا دَيْنًا وَاحِدًا: هُوَ دَيْنُ السَّلَمِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَإِنَّمَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ ; لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَطْرَأَ انْقِطَاعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ.
فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، فَمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي الدُّيُونِ اللَّازِمَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: الْأَمْنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ، بِسَبَبِ تَعَذُّرِ حُصُولِ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ ; لِعَدَمِ وُجُودِ جِنْسِهِ: وَامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ. وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِدَيْنِ السَّلَمِ: دُونَ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ. وَأَمَّا دَيْنُ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ أُمِنَ فِيهِ الْفَسْخُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِانْقِطَاعِ جِنْسِهِ جَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَكَذَا الْفَسْخُ بِسَبَبِ رَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ إقَالَةٍ، أَوْ تَحَالُفٍ اهـ.

[الْمِلْكُ إمَّا لِلْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ لِلْعَيْنِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الْمِلْكُ: إمَّا لِلْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا، وَهُوَ الْغَالِبُ. أَوْ لِلْعَيْنِ فَقَطْ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا رَقَبَتُهُ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ. وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَمُؤْنَتُهُ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَيَصِحُّ لَهُ إعْتَاقُهُ، لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَا كِتَابَتِهِ. وَلَهُ وَطْؤُهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحْبَلُ، وَإِلَّا فَلَا. وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ وَإِمَّا لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، كَمَنَافِعِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا، وَكَالْمُسْتَأْجَرِ، وَالْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ. وَقَدْ يُمْلَكُ الِانْتِفَاعُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ كَالْمُسْتَعِيرِ. وَالْعَبْدِ الَّذِي أُوصِيَ بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ. وَكَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَسُكْنَاهَا.
فَإِنَّ ذَلِكَ إبَاحَةٌ لَهُ، لَا تَمْلِيكٌ وَكَذَا الْمَوْقُوفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالرُّبُطِ وَالطَّعَامِ الْمُقَدَّمِ لِلضَّيْفِ وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ، فَلَهُ الْإِجَارَةُ، وَالْإِعَارَةُ. وَمَنْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ، فَلَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ قَطْعًا، وَلَا الْإِعَارَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ: الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ: إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ إكْرَاهٍ، فَإِنَّ مَهْرَهَا لِلسَّيِّدِ ; لِأَنَّهُ مَالِكُ الْبِضْعِ، لَا لِلزَّوْجِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، بَلْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ، وَكَذَا الْحُرَّةُ: إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ: مَهْرُهَا لَهَا، لَا لِزَوْجِهَا، فَإِنَّهُ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِبَعْضِهَا دُونَهُ.

(1/326)


قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: الْإِقْطَاعُ " عَلَى الرَّأْيِ الْمُخْتَارِ " فَإِنَّ الْمُقْطِعَ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا أَنْ يَنْتَفِعَ، بِدَلِيلِ الِاسْتِرْجَاعِ مِنْهُ، مَتَى شَاءَ الْإِمَامُ، فَلَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ يَسْتَقِرَّ الْعُرْفُ بِذَلِكَ. كَمَا فِي الْإِقْطَاعَاتِ بِدِيَارِ مِصْرَ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ شَيْخُنَا بُرْهَانُ الدِّينِ، وَكَمَالُ الدِّينِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِهِمَا تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ: صِحَّةُ إجَارَةِ الْأَقْطَاعِ، وَشَبَّهَهُ بِالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ مِلْكًا تَامًّا، وَإِذَا قَبَضَتْهُ كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَالْإِقْطَاعُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً بِالتَّأْبِيدِ أَوْ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالسَّنَةِ مَثَلًا يَكُونُ تَمْلِيكًا لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَتَصِحُّ إجَارَتُهَا وَإِعَارَتُهَا، وَالْوَصِيَّةُ بِهَا وَتَنْتَقِلُ عَنْ الْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَك بِمَنَافِعِهِ مُدَّةَ حَيَاتِك فَهُوَ إبَاحَةٌ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَلَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ، وَفِي الْإِعَارَةِ وَجْهَانِ.
وَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ رَجَعَ الْحَقُّ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْإِقْطَاعِ ; لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ عُرْفًا بِحَيَاةِ الْمُقْطَعِ، وَإِذَا مَاتَ بَطَلَ بَلْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ اهـ.

[خَاتِمَةٌ: فِي ضَبْطِ الْمَالِ وَالْمُتَمَوَّلِ]
ِ أَمَّا الْمَالُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَقَعُ اسْمُ مَالٍ إلَّا عَلَى مَا لَهُ قِيمَةٌ يُبَاعُ بِهَا وَتَلْزَمُ مُتْلِفَهُ، وَإِنْ قُلْت وَمَا لَا يَطْرَحُهُ النَّاسُ، مِثْلُ الْفَلْسِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَمَّا الْمُتَمَوَّلُ: فَذَكَرَ الْإِمَامُ لَهُ فِي بَابَ اللُّقَطَةِ ضَابِطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ مَا يُقَدَّرُ لَهُ أَثَرٌ فِي النَّفْعِ فَهُوَ مُتَمَوَّلٌ، وَكُلَّ مَا لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي الِانْتِفَاعِ فَهُوَ لِقِلَّتِهِ خَارِجٌ عَمَّا يُتَمَوَّلُ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُتَمَوَّلَ هُوَ الَّذِي تَعْرِضُ لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ غَلَاءِ الْأَسْعَارِ. وَالْخَارِجَ عَنْ الْمُتَمَوَّلِ: هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِضُ فِيهِ ذَلِكَ.