التمهيد في تخريج الفروع على الأصول الْفَصْل الثَّانِي فِي تَقْسِيم
الْأَلْفَاظ
مَسْأَلَة 1
الْفِعْل الْمُضَارع الْمُثبت كَقَوْلِنَا زيد يقوم فِيهِ
خَمْسَة أَقْوَال حَكَاهَا أَبُو حَيَّان
الْمَشْهُور مِنْهَا وَهُوَ ظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَنه
مُشْتَرك بَين الْحَال والاستقبال قَالَ ابْن مَالك إِلَّا أَن
الْحَال يتَرَجَّح عِنْد التجرد وَفِيه نظر
(1/145)
وَالثَّانِي حَقِيقَة فِي الْحَال مجَاز
فِي الِاسْتِقْبَال
وَالثَّالِث عَكسه
وَالرَّابِع أَنه فِي الْحَال حَقِيقَة وَلَا يسْتَعْمل فِي
الِاسْتِقْبَال اصلا لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا
وَالْخَامِس عَكسه
إِذا علمت ذَلِك فيتخرج على الْمَسْأَلَة فروع
الأول قَالَ لزوجته طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت أطلق فَلَا يَقع
فِي الْحَال شَيْء لِأَن مطلقه للاستقبال فَإِن قَالَت
الْمَرْأَة أردْت الْإِنْشَاء وَقع فِي الْحَال كَذَا نَقله
الرَّافِعِيّ عَن البوشنجي زَاد فِي الروضه فَقَالَ هُوَ كَمَا
قَالَ وَلَا يُخَالِفهُ قَول النجَاة إِن الْحَال أولى بِهِ
إِذا تجرد لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْحَال وعارضه أصل
بَقَاء النِّكَاح هَذَا كَلَامه
قلت وَمَا ذكره كَلَام نَاقص لِأَنَّهُ إِذا لم يكن صَرِيحًا
فِي الْحَال فَلَا يلْزم تعين الِاسْتِقْبَال لِأَن
الْمُشْتَرك لَا يتَعَيَّن أحد محمليه إِلَّا بمرجح
فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَار على التَّمَسُّك بِأَن الأَصْل
بَقَاء النِّكَاح
نعم لقَائِل أَن يَقُول مَذْهَب الشَّافِعِي حمل الْمُشْتَرك
على جَمِيع مَعَانِيه فَإِذا قَالَ مثلا وَالله لَأَضرِبَن
زيدا فَلَا يبر إِلَّا بضربه الْآن وضربه بعد ذَلِك
وَلَا شكّ فِي جَرَيَان مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي سَائِر
الْعُقُود والفسوخ
الثَّانِي إِذا قَالَ أقسم بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ وَأطلق
فَالْأَصَحّ أَنه يكون يَمِينا وَلَا يحمل على الْوَعْد
(1/146)
الثَّالِث إِذا قيل للْكَافِرِ آمن
بِاللَّه أَو أسلم لله فَأتى الْكَافِر بِصِيغَة الْمُضَارع
فَقَالَ أومن أَو أسلم فَإِنَّهُ يكون مُؤمنا وَلَا نحمله
أَيْضا على الْوَعْد قِيَاسا على مَا سبق فِي أقسم كَذَا نَقله
الرَّافِعِيّ عَن الْمِنْهَاج للحليمي وَأقرهُ
الرَّابِع إِذا قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ أَنا أقرّ بِمَا
يَدعِيهِ وَقِيَاس مَا سبق أَن يُقَال إِن قُلْنَا إِن
الْمُضَارع حَقِيقَة فِي الْحَال فَقَط كَانَ إِقْرَارا وَإِن
قُلْنَا فِي الْمُسْتَقْبل فَقَط فَلَا لِأَنَّهُ وعد فَإِن
قُلْنَا إِنَّه مُشْتَرك وحملنا الْمُشْتَرك على جَمِيع
مَعَانِيه إِذا لم تقم قرينَة كَانَ ايضا إِقْرَارا وَإِن
قُلْنَا لَا يحمل فَإِن جَوَّزنَا الِاسْتِعْمَال سُئِلَ عَن
المُرَاد وَعمل بِهِ فَإِن تعذر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ عملا
بِالْأَصْلِ
إِذا علمت ذَلِك كُله فقد حكى الرَّافِعِيّ فِي الْمَسْأَلَة
وَجْهَيْن وَاقْتضى كَلَامه أَن الْأَكْثَرين على أَنه لَيْسَ
بِإِقْرَار وَهُوَ مُوَافق للصحيح وَهُوَ كَونه مُشْتَركا
لَكِن إِذا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يحمل عَلَيْهِمَا
الْخَامِس إِذا أوصى بِمَا تحمله هَذِه الشَّجَرَة أَو
الْجَارِيَة فَإِنَّهُ يعْطى الْحمل الْحَادِث دون الْمَوْجُود
فَحَمَلُوهُ هُنَا على الِاسْتِقْبَال خَاصَّة
السَّادِس إِذا قَالَ الْكَافِر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا
الله إِلَى آخِره فَإِنَّهُ يكون مُسلما بالِاتِّفَاقِ حملا
لَهُ على الْحَال
(1/147)
السَّابِع إِذا أَتَى الشَّاهِد عِنْد
الْحَاكِم بِصِيغَة اشْهَدْ فَإِنَّهَا تقبل بالِاتِّفَاقِ
حملا أَيْضا على الْحَال
الثَّامِن إِذا أسلم الْكَافِر على ثَمَان نسْوَة مثلا فَقَالَ
لأَرْبَع أريدكن ولأربع لَا اريدكن حصل التَّعْيِين بذلك كَذَا
نَقله الرَّافِعِيّ عَن الْمُتَوَلِي ثمَّ زَاد عَلَيْهِ
فَقَالَ وَقِيَاس مَا سبق أَن التَّعْيِين يحصل بِمُجَرَّد
قَوْله أريدكن
قلت وَلَا يخفى قِيَاس الْفُرُوع من النَّظَائِر السَّابِقَة
ثمَّ إِن حُصُول التَّعْيِين بِمُجَرَّد الْإِرَادَة فِيهِ نظر
فَإِن الْإِرَادَة هِيَ ميل الْقلب ونجد النَّاس كثيرا مَا
يُرِيدُونَ الشَّيْء وَلَا يبرزونه فِي الْخَارِج
التَّاسِع إِذا قَالَ امْرَأَة من يَشْتَهِي أَن يفعل كَذَا
طَالِق تعلّقت الْيَمين بشهوته فِي الْحَال لَا فِي
الْمُسْتَقْبل قَالَه الْغَزالِيّ فِي فَتَاوِيهِ
الْعَاشِر لَو قَالَ لشخص أَتُرِيدُ أَن أطلق زَوجتك فَقَالَ
نعم كَانَ توكيلا فِي طَلاقهَا قَالَه القَاضِي الْحُسَيْن
قبيل طَلَاق الْمَرِيض من تَعْلِيقه وَفِيه مَا سبق إِلَّا أَن
الْإِرَادَة من الوجدانيات الَّتِي لَا قدرَة لَهُ على
تَحْصِيلهَا فإخباره بهَا يدل على وُقُوعهَا الْآن
(1/148)
مَسْأَلَة 2
الْمُضَارع الْمَنْفِيّ بِلَا يتَخَلَّص إِلَى الِاسْتِقْبَال
عِنْد سِيبَوَيْهٍ
وَقَالَ الْأَخْفَش إِنَّه بَاقٍ على صلاحيته للأمرين
وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك فِي التسهيل
فَإِن دخلت عَلَيْهِ لَام الِابْتِدَاء أَو حصل النَّفْي بليس
أَو مَا أَو إِن مضارعا كَانَ أَو غَيره فَفِي تَعْيِينه
للْحَال مذهبان الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَالَه فِي أَوَائِل
التسهيل على أَنه يتَعَيَّن ثمَّ صحّح فِي الْكَلَام على مَا
الحجازية خِلَافه
إِذا علمت ذَلِك فينبني على هَذِه الْمسَائِل مسَائِل
1 - مِنْهَا إِذا حلف بِهَذِهِ الصِّيَغ وَلَا يخفى وَجه
التَّفْرِيع وَمن هَذِه التفاريع مَا إِذا قَالَ لَا أنكر مَا
تدعيه وَالْقِيَاس وَهُوَ مَا أجَاب بِهِ الْهَرَوِيّ فِي
الإشراف أَنا إِن قُلْنَا النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تعم
كَانَ إِقْرَارا لِأَن الْفِعْل نكرَة وَإِن قُلْنَا لَا تعم
لم يكن إِقْرَارا وَقد أجَاب الرَّافِعِيّ بخلاصة هَذَا فَجزم
بِأَنَّهُ يكون إِقْرَارا
(1/149)
وَلم يحملهُ على الْوَعْد وَسَيَأْتِي
أَيْضا مثله فِي اسْم الْفَاعِل
2 - وَمِنْهَا إِذا أذن الْمُرْتَهن للرَّاهِن فِي عتق
الْمَرْهُون ورد الرَّهْن الاذن وَقَالَ لَا أعْتقهُ ثمَّ
أعْتقهُ قَالَ فِي الْبَحْر قَالَ وَالِدي رَحمَه الله يحْتَمل
وَجْهَيْن انْتهى
وَقَرِيب من هَذَا وَجْهَان ذكرهمَا ابْن الرّفْعَة فِي بَاب
الْوكَالَة من الْكِفَايَة فِي أَن إِبَاحَة الطَّعَام هَل ترد
بِالرَّدِّ أم لَا
وَمِنْهَا إِذا قَالَ الْوَصِيّ لَا أقبل هَذِه الْوَصِيَّة
فَإِنَّهُ يكون ردا لَهَا كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي
نَظِيره من الْوكَالَة
مَسْأَلَة 3
الْكَلَام هَل يشْتَرط فِيهِ أَن يكون من نَاطِق وَاحِد
فِيهِ مذهبان
الصَّحِيح كَمَا قَالَ شَيخنَا فِي الارتشاف إِنَّه لَا
يشْتَرط
إِذا علمت ذَلِك فَمن فَوَائده
1 - مَا إِذا كَانَ لَهُ وكيلان أَو وصيان مستقلان فَنَطَقَ
أَحدهمَا بِلَفْظ وكمله الآخر أَو كَانَ لَهُ وَكيل وَاحِد
فَنَطَقَ بذلك وكمله الْمُوكل كَمَا لَو وَكله بِطَلَاق زَوجته
فَقَالَ الْوَكِيل أَنْت وَقَالَ الْمُوكل طَالِق
(1/150)
2 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ لي عَلَيْك ألف
فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَّا عشرَة أَو غير عشرَة وَنَحْو
ذَلِك فَقَالَ فِي التَّتِمَّة الْمَذْهَب أَنه لَا يكون مقرا
بِالْبَاقِي ومدرك الْخلاف مَا قُلْنَاهُ وَعلل فِي
التَّتِمَّة عدم الْإِقْرَار بِأَنَّهُ لم يصدر مِنْهُ إِلَّا
نفي بعض مَا قَالَه خَصمه وَنفي الشَّيْء لَا يدل على ثُبُوت
غَيره وَلم يُعلل الْوَجْه الآخر
مَسْأَلَة 4
إِذا أمكن إِعْمَال اللَّفْظ فَهُوَ أولى من إلغائه
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروعه
1 - مَا إِذا قَالَ لزوجته إِن دخلت الدَّار أَنْت طَالِق
أَعنِي بِحَذْف الْفَاء من أول الْجَزَاء وَهُوَ أَنْت فَإِن
الطَّلَاق لَا يَقع قبل الدُّخُول وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن
يَقع لعدم صَلَاحِية الْجَزَاء بِسَبَب عدم صَلَاحِية الْفَاء
فَحمل على الِاسْتِئْنَاف وَدَلِيلنَا مَا تقدم
(1/151)
كَذَا ذكره الطَّبَرِيّ أَبُو عبد الله
الْحُسَيْن فِي عدته حكما وتعليلا وَنقل الرَّافِعِيّ عدم
الْوُقُوع عَن جمَاعَة ثمَّ نقل عَن البوشنجي أَنه يسْأَل
فَإِن قَالَ أردْت التَّنْجِيز حكم بِهِ وَمَا قَالَه البوشنجي
لَا إِشْكَال فِيهِ إِلَّا أَنه يشْعر بِوُجُوب سُؤَاله
2 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ وقفت هَذَا على أَوْلَادِي وَلَيْسَ
لَهُ إِلَّا أَوْلَاد أَوْلَاد حمل عَلَيْهِم كَمَا جزم بِهِ
الرَّافِعِيّ لتعذر الْحَقِيقَة وصونا للفظ عَن الْإِبْطَال
3 - وَمِنْهَا إِذا كَانَ لَهُ زقان أَحدهمَا خمر وَالْآخر خل
فَقَالَ أوصيت لزيد بِأَحَدِهِمَا صَحَّ وَحمل على الْخلّ
كَذَا ذكره القَاضِي الْحُسَيْن فِي تَعْلِيقه وأيده بِمَا نَص
عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْوَصِيَّة فِيمَا إِذا أوصى بطبل
من طبوله وَله طبل لَهو وطبل حَرْب إِنَّهَا تصح وَيحمل على
الْجَائِز
وَكَذَا لَو قَالَ لزوجته وحمار إِحْدَاكُمَا طَالِق بِخِلَاف
زَوجته وأجنبيته فَإِن فِي تعْيين الزَّوْجَة وَجْهَيْن لكَون
الْأَجْنَبِيَّة من حَيْثُ الْجُمْلَة قَابِلَة
(1/152)
|