التمهيد في تخريج الفروع على الأصول فصل فِي التَّقْيِيد بالتمييز بعد الْعَطف
قد ذكرت قبل ذَلِك بِنَحْوِ ورقتين فِي أول الْفَصْل
الْمَعْقُود للشّرط أَن كَلَام منهاج الْبَيْضَاوِيّ وَكَلَام
غَيره يَقْتَضِي أَيْضا عوده إِلَى الْأَمريْنِ وَهُوَ
مُقْتَضى كَلَام النُّحَاة وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْفُرُوع
على وَجْهَيْن أصَحهمَا أَن الْأَمر كَذَلِك فَإِذا قَالَ مثلا
لَهُ عَليّ خَمْسَة وَعِشْرُونَ درهما كَانَت الْجَمِيع
دَرَاهِم وَالثَّانِي لَا بل يكون الأول بَاقِيا على إبهامه
حَتَّى يميزه بِمَا اراد وَهَكَذَا لَو ضم إِلَى مَا
ذَكرْنَاهُ لَفظه الْمِائَة فَقَالَ مائَة وَخَمْسَة
وَعِشْرُونَ درهما أَو ضم أَيْضا لفظ الْألف إِلَيْهِ وَكَذَا
لَو قَالَ ألف وَثَلَاثَة اثواب بِخِلَاف ألف وثوب
(1/408)
فصل
وَأما التَّقْيِيد بالغاية بعد الْجمل فقد سبق عَن الْمَحْصُول
أَنَّهَا كالتقييد بِالصّفةِ وَذَلِكَ كَقَوْلِه وقفت على
أَوْلَادِي وَأَوْلَاد أَوْلَادِي إِلَى أَن يستغنوا
مَسْأَلَة 1
الْخَاص إِذا عَارض الْعَام قَالَ الشَّافِعِي يُؤْخَذ بالخاص
مُتَقَدما كَانَ أَو مُتَأَخِّرًا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكون الْمُتَأَخر نَاسِخا للمتقدم
لنا أَن إِعْمَال الدَّلِيلَيْنِ وَلَو من وَجه أولى
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لوَكِيله لَا تطلق زَوْجَتي زَيْنَب ثمَّ
قَالَ لَهُ بعد ذَلِك طلق زوجاتي وَمُقْتَضى الْقَاعِدَة أَنه
لَا تطلق زَيْنَب
وَهَكَذَا فِي الْوَصِيَّة إِذا قَالَ أوصيت بِهَذِهِ الْعين
لزيد ثمَّ قَالَ أوصيت بِمَا فِي هَذَا الْبَيْت لعَمْرو
وَكَانَت تِلْكَ الْعين فِيهِ
فَلَو عمم ثمَّ خصص بَعضهنَّ بِالْإِخْرَاجِ ثمَّ بعد ذَلِك
عمم أَيْضا فَفِيهِ نظر وَالْمُتَّجه الدُّخُول لأَنا لَو
خصصنا الْعَام الْمُتَأَخر للَزِمَ التَّأْكِيد والتأسيس خير
فَعلمنَا أَنَّهَا الْمَقْصُودَة بِالْعُمُومِ الثَّانِي وَلَا
يحضرني الْآن نقل فِيمَا ذكرته
2 - وَمِنْهَا عدم وجوب قَضَاء الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام
التَّشْرِيق
(1/409)
ورمضان على من نذر صَوْم سنة مُعينَة
لقِيَام الدَّلِيل الْمُقْتَضِي للتخصيص
3 - وَمِنْهَا لَو لزمَه صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين عَن
كَفَّارَة قتل أَو ظِهَار أَو جماع فِي رَمَضَان وَنذر صَوْم
الأثانين دَائِما قدم صَوْم الْكَفَّارَة على الأثانين
لِإِمْكَان قَضَاء الأثانين وَلَو عكس لم يتَمَكَّن من
الشُّرُوع فِي الْكَفَّارَة لفَوَات التَّتَابُع ثمَّ إِن
لَزِمت الْكَفَّارَة بعد النّذر قضى الأثانين الْوَاقِعَة فِي
الشَّهْرَيْنِ لسبق التزامها وتعديه بِالسَّبَبِ الْمُوجب
للشهرين وَإِن لَزِمت الْكَفَّارَة قبله فَوَجْهَانِ فِي
الرَّافِعِيّ من غير تَصْرِيح بتصحيح أصَحهمَا فِي زَوَائِد
الرَّوْضَة أَن الْقَضَاء لَا يجب حملا للعام على الْخَاص
الْمُتَقَدّم
مَسْأَلَة 2
لإذا ورد دَلِيل بِلَفْظ عَام مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَلَكِن على
سَبَب خَاص كَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْخراج
بِالضَّمَانِ حِين سُئِلَ عَمَّن اشْترى عبدا فَاسْتَعْملهُ
ثمَّ وجد بِهِ عَيْبا فَرده هَل يغرم أجرته
وَكَقَوْلِه وَقد سُئِلَ عَن بِئْر بضَاعَة خلق الله المَاء
طهُورا
(1/410)
لَا يُنجسهُ شَيْء فَالْعِبْرَة بِعُمُوم
اللَّفْظ عِنْد الإِمَام فَخر الدّين والآمدي وأتباعهما
لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاة بَين ذكر السَّبَب والعموم وَهَذَا
مَذْهَب الشَّافِعِي نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم فِي بَاب مَا
يَقع بِهِ الطَّلَاق وَهُوَ بعد بَاب طَلَاق الْمَرِيض وَجزم
بِهِ الرَّافِعِيّ فِي آخر الْأَيْمَان فَقَالَ الْعبْرَة
عندنَا بِاللَّفْظِ فيرعى عُمُومه وَإِن كَانَ السَّبَب خَاصّا
وخصوصه وَإِن كَانَ السَّبَب عَاما
وَذهب بعض الشَّافِعِيَّة إِلَى أَن الْعبْرَة بِخُصُوص
السَّبَب وَنَقله عَن الشَّافِعِي وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ
بِأَنَّهُ لَو لم يكن مُخَصّصا لم يكن لذكره فَائِدَة
وَجَوَابه أَن معرفَة السَّبَب من الْفَوَائِد فَإِن إِخْرَاجه
عَن الْعُمُوم بِالْقِيَاسِ مُمْتَنع بِالْإِجْمَاع كَمَا
نَقله الْآمِدِيّ وَغَيره لِأَن دُخُوله مَقْطُوع بِهِ لكَون
الحكم ورد بَيَانا لَهُ بِخِلَاف غَيره فَإِنَّهُ يجوز
إِخْرَاجه لِأَن دُخُوله مظنون
وَأما نقل ذَلِك عَن الشَّافِعِي فَوَهم كَمَا نبه عَلَيْهِ
الإِمَام فَخر الدّين فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي وَقد ذكرت
الْمَسْأَلَة مبسوطة فِي شرح
(1/411)
الْمِنْهَاج فَرَاجعهَا
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروعها
1 - اخْتِلَاف أَصْحَابنَا فِي أَن الْعَرَايَا هَل تخْتَص
بالفقراء أم لَا فَإِن اللَّفْظ الْوَارِد فِي جَوَازه عَام
وَقد قَالُوا إِنَّه ورد على سَبَب وَهُوَ الْحَاجة إِلَى
شِرَائِهِ وَلَيْسَ عِنْدهم مَا يشْتَرونَ بِهِ إِلَّا
التَّمْر
2 - وَمِنْهَا إِذا دعِي إِلَى مَوضِع فِيهِ مُنكر فَحلف أَنه
لَا يحضر فِي ذَلِك الْموضع فَإِن الْيَمين يسْتَمر وَإِن رفع
الْمُنكر كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ
3 - وَمِنْهَا إِذا سلم على جمَاعَة وَفِيهِمْ رَئِيس هُوَ
الْمَقْصُود بِالسَّلَامِ فَهَل يَكْفِي رد غَيره على
وَجْهَيْن حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ
مَسْأَلَة 3
إِذا كَانَ السَّبَب عَاما وَاللَّفْظ خَاصّا فَالْعِبْرَة
أَيْضا بِاللَّفْظِ كَمَا قد تقرر نَقله فِي الْمَسْأَلَة
الَّتِي فَرغْنَا مِنْهَا عَن نَصه فِي الْأُم وَعَن
الرَّافِعِيّ فِي آخر الْأَيْمَان قَالَ الرَّافِعِيّ وَمن
فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا حلف لَا يشرب لَهُ مَاء من عَطش فَإِنَّهُ لَا
يَحْنَث بِالْأَكْلِ وَالشرب من غير الْعَطش قَالَ وَإِن نوى
أَنه لَا ينْتَفع بِشَيْء من جِهَته وَإِن كَانَت الْمُنَازعَة
أَيْضا تَقْتَضِي مَا نَوَاه لِأَن اللَّفْظ لَا يحْتَملهُ
قلت وَلقَائِل أَن يَقُول من جملَة المجازاة الْمُعْتَبرَة
إِطْلَاق اسْم
(1/412)
الْبَعْض وَإِرَادَة الْكل وَنَحْو ذَلِك
كإطلاق الْخَاص وَإِرَادَة الْعَام وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ
فِي بَابه أَيْضا
مَسْأَلَة 4
الرَّاوِي لحَدِيث عَام إِذا فعل فعلا يَقْتَضِي تَخْصِيص
الْعُمُوم الَّذِي رَوَاهُ أَو أفتى بِمَا يَقْتَضِي ذَلِك
فَهَل يُؤْخَذ بِهِ لكَونه قد اطلع على الحَدِيث فَلَو لم
يُخَالِفهُ لدَلِيل وَإِلَّا كَانَ قدحا فِيهِ أَو لَا نَأْخُذ
بذلك لِأَنَّهُ رُبمَا خَالف لما ظَنّه دَلِيلا وَلَيْسَ
بِدَلِيل فِيهِ مذهبان الصَّحِيح عِنْد الإِمَام والآمدي
واتباعهما الثَّانِي فَمن فروعه
1 - قتل الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت فَإِن قَوْله عَلَيْهِ
السَّلَام من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ
قَتلهَا لَكِن رَاوِيه هُوَ ابْن عَبَّاس ومذهبه أَن
الْمُرْتَدَّة لَا تقتل بل تحبس كَمَا يَقُوله أَبُو حنيفَة
ومذهبنا قَتلهَا لما تقدم وَذكر الرَّافِعِيّ فِي أول الْبَاب
الرَّابِع فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين أَن الرَّاوِي يرجع
إِلَيْهِ فِي تَفْسِير الحَدِيث وتخصيصه وَسَيَأْتِي فِي آخر
الْكتاب كَلَام آخر مُتَعَلق بِالْمَسْأَلَة
(1/413)
مَسْأَلَة 5
الْمُخَصّص بِشَيْء معِين حجَّة فِي الْبَاقِي على الْمَعْرُوف
عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَأما إِذا خرج مِنْهُ فَرد غير معِين
فَلَا يجوز الْعَمَل بذلك الْعَام فِي شَيْء من الْأَفْرَاد
وَلَا الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَيْهِ بِلَا خلاف كَمَا قَالَه
الْآمِدِيّ لِأَنَّهُ مَا من فَرد إِلَّا وَيجوز أَن يكون هُوَ
الْمخْرج مِثَاله قَوْله تَعَالَى {أحلّت لكم بَهِيمَة
الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} وَمَا ادَّعَاهُ
الْآمِدِيّ من عدم الْخلاف مَرْدُود فقد حكى ابْن برهَان قولا
أَنه يعْمل بِهِ إِلَّا أَن يبْقى وَاحِد
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة 1 الِاسْتِثْنَاء
فَإِنَّهُ من جملَة المخصصات الْمُتَّصِلَة وَمَعَ ذَلِك لَو
قَالَ أعتق هَؤُلَاءِ إِلَّا وَاحِدًا صَحَّ وَلَزِمَه
الْعَمَل بذلك بل لَو قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم إِلَّا شَيْئا
فَإِنَّهُ يَصح مَعَ أَنه مُبْهَم من كل وَجه ثمَّ يفسره بِمَا
أَرَادَهُ
2 - وَمِنْهَا مَا إِذا وكل شخصا فِي إِعْتَاق عبيده ثمَّ
قَالَ منعتك من إِعْتَاق وَاحِد مِنْهُم فَقِيَاس هَذِه
الْقَاعِدَة امْتنَاع عتق الْجَمِيع فَإِن قَامَ دَلِيل على
إِرَادَة الْمِنَّة من التَّعْمِيم فَلَا كَلَام
3 - وَمِنْهَا مَا إِذا قَالَ على عشرَة إِلَّا خَمْسَة أَو
سِتَّة أَعنِي
(1/414)
بِلَفْظ أَو فقد نقل الرَّافِعِيّ عَن
الْمُتَوَلِي أَنه يلْزمه أَرْبَعَة لِأَن الدِّرْهَم
الزَّائِد مَشْكُوك فِيهِ فَصَارَ كَقَوْلِه عَليّ أَرْبَعَة
أَو خَمْسَة ثمَّ قَالَ وَيُمكن أَن يُقَال يلْزمه خَمْسَة
لِأَنَّهُ أثبت عشرَة وَاسْتثنى خَمْسَة وشككنا فِي
اسْتثِْنَاء الدِّرْهَم السَّادِس وَاعْترض فِي الرَّوْضَة
فَقَالَ من زوائده الصَّوَاب قَول الْمُتَوَلِي لِأَن
الْمُخْتَار أَن الِاسْتِثْنَاء بَيَان مَا لم يرد بِأول
الْكَلَام لَا إِنَّه إبِْطَال مَا ثَبت
4 - وَمِنْهَا مَا إِذا اشتبهت مُحرمَة بأجنبيات أَو إِنَاء
نجس بأوان طَاهِرَة أَو ميتَة بمذكاة فَإِن كَانَ الْعدَد
محصورا لم يجز أَن يهجم وَيَأْخُذ مَا شَاءَ بل يجْتَهد فِي
الْأَوَانِي وَإِن كَانَ غير مَحْصُور فَلهُ أَن يَأْخُذ
بَعْضهَا بِغَيْر اجْتِهَاد وَإِلَى أَي حد يَنْتَهِي الْأَخْذ
فِيهِ وَجْهَان فِي الرَّوْضَة أصَحهمَا إِلَى أَن يبْقى
وَاحِد وَالثَّانِي إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى عدد لَو كَانَ
عَلَيْهِ ابْتِدَاء وَهُوَ الْعدَد المحصور لم يجز أَن يَأْخُذ
شَيْئا
مَسْأَلَة 6
إِذا حكم على الْعَام بِحكم ثمَّ أفرد مِنْهُ فَردا وَحكم
عَلَيْهِ بذلك الحكم بِعَيْنِه فِي كَلَام آخر مُنْفَصِل عَن
الأول فَلَا يكون إِفْرَاده بذلك تَخْصِيصًا للعام أَي حكما
على بَاقِي أَفْرَاده بنقيض ذَلِك مِثَاله قَوْله عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر مَعَ
(1/415)
قَوْله فِي شَاة مولاة مَيْمُونَة هلا
أَخَذْتُم إهابها فدبغتموه وَقَالَ أَبُو ثَوْر التَّعْبِير
بذلك الْفَرد يدل بمفهومه على التَّخْصِيص وَالْجَوَاب أَن
مَفْهُوم اللقب مَرْدُود
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا إذنت الْمَرْأَة لأوليائها فِي التَّزْوِيج ثمَّ
إِنَّهَا أَيْضا اذنت فِيهِ لوَاحِد معِين فَهَل يكون منعا
لغيره على وَجْهَيْن أصَحهمَا فِي زيادات الرَّوْضَة لَا وَقد
سبقت الْمَسْأَلَة ايضا فِي الْفَصْل التَّاسِع وطرد القَاضِي
الْحُسَيْن فِي تعليقته هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذا
أَذِنت لوَاحِد فِي التَّزْوِيج ثمَّ أَذِنت فِيهِ لآخر ثمَّ
قَالَ الْأَظْهر أَنه لَا يَنْعَزِل وطردهما أَيْضا فِي
الْوَكِيل بِالْبيعِ وَالَّذِي ذكره يُقَوي التَّرْجِيح
الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَن النَّوَوِيّ
مَسْأَلَة 7
إِذا ذكر الْعَام وَذكر قبله أَو بعده اسْم لَو لم يُصَرح بِهِ
لدخل فِيهِ أَي فِي الْعَام إِلَّا أَنه حكم عَلَيْهِ بِحكم
أخص مِمَّا حكم بِهِ على بَقِيَّة الْأَفْرَاد الدَّاخِلَة
فِيهِ فَهَل يكون إِفْرَاده يَقْتَضِي عدم دُخُوله فِي الْعَام
أم لَا فِيهِ مذهبان للأصوليين حَكَاهُمَا الرَّوْيَانِيّ فِي
كتاب الْوَصِيَّة من الْبَحْر قَالَ وَمن فروع الْمَسْأَلَة
(1/416)
1 - مَا إِذا أوصى لزيد بِعشْرَة دَنَانِير
وبثلث مَاله للْفُقَرَاء وَزيد فَقير فَهَل يجوز أَن يعْطى
مَعَ الدَّنَانِير شَيْئا من الثُّلُث بِاجْتِهَاد الْوَصِيّ
لكَونه فَقِيرا فِيهِ وَجْهَان مدركهما مَا ذَكرْنَاهُ
أصَحهمَا الأول
قلت وَبِه جزم الرَّافِعِيّ وَعلله بِأَن الْمُوصي قطع
اجْتِهَاد الْوَصِيّ بالتقدير أما إِذا لم يستفد بإفراد ذَلِك
الْفَرد زِيَادَة على مَا حكم بِهِ على الْأَفْرَاد
الدَّاخِلَة فِي الْعَام كَقَوْلِه تَعَالَى {من كَانَ عدوا
لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال} وَنَحْو ذَلِك
فقد سبق الْكَلَام عَلَيْهِ قبيل النواهي
مَسْأَلَة 8
إِذا علق بِالصّفةِ حكم ثمَّ عطف عَلَيْهِ حكم آخر لم يقْصد
تَعْلِيقه بِالصّفةِ فَهَل تعود الصّفة إِلَى الثَّانِي أَيْضا
فِيهِ خلاف حَكَاهُ الصيدلاني فِي بَاب الْمُتْعَة من شرح
الْمُخْتَصر وَهَذَا الشَّرْح هُوَ الَّذِي ينْسبهُ ابْن
الرّفْعَة فِي الْمطلب إِلَى ابْن دَاوُد تَارَة وَإِلَى
الدَّاودِيّ أُخْرَى ويوهم أَن ذَلِك غير الصيدلاني حَتَّى جمع
بَينهمَا فِي آخر الْكتاب وَهُوَ وهم عَجِيب أوضحته فِي كتاب
الطَّبَقَات ثمَّ قَالَ الصيدلاني بعد حكايته الْخلاف إِن بعض
اصحابنا قَالَ يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا الْقَوْلَانِ فِي إِيجَاب
الْمُتْعَة للمطلقة بعد الدُّخُول استنباطا من قَوْله تَعَالَى
{لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم
تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة ومتعوهن}
(1/417)
قَالَ وَوجه الْبناء أَن الحكم الْمَقْصُود
إِنَّمَا هُوَ رفع الْجنَاح عَن المطلقين للمفوضة قبل
الْمَسِيس وَالْفَرْض ثمَّ إِنَّه عطف عَلَيْهِ قَوْله
تَعَالَى {ومتعوهن} فَإِن أعدنا الصّفة إِلَيْهِ أَيْضا لم تجب
الْمُتْعَة لغير هَؤُلَاءِ وَكَأَنَّهُ قيل ومتعوا
الْمَذْكُورَات وَإِن لم نَأْخُذ بِهِ وَجَبت وَكَأَنَّهُ قيل
ومتعوا النِّسَاء
مَسْأَلَة 9
إِذا ورد لفظ مُطلق وَلَفظ مُقَيّد فقد يخْتَلف حكمهمَا وَقد
يتحد
الْحَال الأول أَن يخْتَلف نَحْو اكس ثوبا هرويا وَأطْعم
طَعَاما فَلَا يحمل أَحدهمَا على الآخر بِاتِّفَاق أَي لَا
يُقيد الطَّعَام أَيْضا بالهروي لعدم الْمُنَافَاة وَاسْتثنى
الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب صُورَة وَاحِدَة وَهِي مَا إِذا
قَالَ أعتق رَقَبَة ثمَّ قَالَ لَا تملك كَافِرَة أَو لَا
تعتقها وَهُوَ وَاضح
(1/418)
وَصرح الْآمِدِيّ بِأَنَّهُ لَا فرق فِي
هَذَا الْقسم وَهُوَ حَالَة اخْتِلَاف الحكم بَين أَن يتحد
سببهما أم لَا وَكَلَام أَصْحَابنَا فِي الْفُرُوع يدل على
الْحمل عِنْد اتِّحَاد السَّبَب كَالْوضُوءِ وَالتَّيَمُّم
فَإِن سببهما وَاحِد وَهُوَ الْحَدث وَقد وَردت الْيَد فِي
التَّيَمُّم مُطلقَة وَفِي الْوضُوء مُقَيّدَة بالمرافق وَمَعَ
ذَلِك حملوه عَلَيْهِ لِاتِّحَاد السَّبَب
الْحَال الثَّانِي أَن يتحد حكمهمَا فَينْظر إِن اتَّحد سببهما
كَمَا لَو قيل فِي الظِّهَار اعْتِقْ رَقَبَة وَقيل فِيهِ
أَيْضا اعْتِقْ رَقَبَة مُؤمنَة فَلَا خلاف كَمَا قَالَ
الْآمِدِيّ أَنا نحمل الْمُطلق على الْمُقَيد حَتَّى يتَعَيَّن
إِعْتَاق المؤمنة لِأَن فِيهِ إعمالا للدليلين لَا الْمُقَيد
على الْمُطلق حَتَّى يَجْزِي إِعْتَاق الْكَافِرَة لِأَنَّهُ
يُؤَدِّي إِلَى إِلْغَاء أَحدهمَا ثمَّ اخْتلفُوا فصحح ابْن
الْحَاجِب وَغَيره أَن هَذَا الْحمل بَيَان للمطلوب أَي دَال
على أَنه كَانَ المُرَاد من الْمُطلق هُوَ الْمُقَيد وَقيل
يكون نسخا أَي دَالا على نسخ حكم الْمُطلق السَّابِق لحكم
الْمُقَيد الطارىء
وَاعْلَم أَن مُقْتَضى كَلَام الإِمَام فِي الْمَحْصُول وَصرح
بِهِ فِي الْمُنْتَخب أَنه لَا فرق فِي حمل الْمُطلق على
الْمُقَيد بَين الْأَمر وَالنَّهْي فَإِذا قَالَ لَا تعْتق
مكَاتبا وَقَالَ ايضا لَا تعْتق مكَاتبا كَافِرًا فَإنَّا نحمل
الأول على الثَّانِي وَيكون الْمنْهِي عَنهُ هُوَ إِعْتَاق
الْمكَاتب الْكَافِر
لَكِن ذكر الْآمِدِيّ فِي الإحكام أَنه لَا خلاف فِي الْعَمَل
بمدلولهما
(1/419)
وَالْجمع بَينهمَا فِي النَّفْي إِذْ لَا
تعذر فِيهِ هَذَا لَفظه وَمَعْنَاهُ أَنه يلْزم من نفي
الْمُطلق نفي الْمُقَيد فَيمكن الْعَمَل بهما وَلَا يلْزم من
ثُبُوت الْمُطلق ثُبُوت الْمُقَيد وَتَابعه ابْن الْحَاجِب
عَلَيْهِ وأوضحه
وَحَاصِل مَا قَالَاه أَنه لَا يعْتق فِي مثالنا مكَاتبا
مُؤمنا أَيْضا إِذْ لَو أعْتقهُ لم يعْمل بهما وَصَحَّ بِهِ
أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ فِي الْمُعْتَمد وَعلله بِأَن
قَوْله لَا يعْتق مكَاتبا عَام وَالْمكَاتب الذِّمِّيّ فَرد من
أَفْرَاده وَذكره لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص
وَنقل الْأَصْفَهَانِي شَارِح الْمَحْصُول عَن أبي الْخطاب
الْحَنْبَلِيّ بِنَاء الْمَسْأَلَة على أَن مَفْهُوم الصّفة
هَل هُوَ حجَّة أم لَا
وَفِي الْمَسْأَلَة أَشْيَاء أُخْرَى ذكرتها فِي شرح
الْمِنْهَاج
وَإِن لم يتحد سببهما كإطلاق الرَّقَبَة فِي آيَة الظِّهَار
وتقييدها بالايمان فِي آيَة الْقَتْل فَفِيهِ ثَلَاثَة
مَذَاهِب حَكَاهَا فِي الْمَحْصُول
(1/420)
أَحدهَا أَن تَقْيِيد أَحدهمَا يدل
بِلَفْظِهِ على تَقْيِيد الآخر لِأَن الْقُرْآن كالكلمة
الْوَاحِدَة وَلِهَذَا أَن الشَّهَادَة لما قيدت
بِالْعَدَالَةِ مرّة وَاحِدَة وأطلقت فِي سَائِر الصُّور
حملنَا الْمُطلق على الْمُقَيد
الثَّانِي وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة أَنه لَا يجوز تَقْيِيده
بطرِيق مَا لَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْقِيَاسِ
وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَظْهر من مَذْهَب الشَّافِعِي كَمَا
قَالَه الْآمِدِيّ وَصَححهُ هُوَ وَالْإِمَام فَخر الدّين
وأتباعهما أَنه إِن حصل قِيَاس صَحِيح يَقْتَضِي تَقْيِيده قيد
كالرقبة فِي آيَة الظِّهَار وَالْقَتْل وَإِن لم يحصل ذَلِك
فَلَا
وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي كتاب الْقَضَاء من الْبَحْر ظَاهر
مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه يجب حمله عَلَيْهِ قَالَ وَحَيْثُ
حمل عَلَيْهِ فَهَل ذَلِك من طَرِيق اللُّغَة أَو من طَرِيق
الشَّرْع لكَونه مَبْنِيا على استنباط الْمعَانِي فِيهِ
وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا
(1/421)
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ عِنْدِي أَنه
يعْتَبر أغْلظ الْحكمَيْنِ فَإِن كَانَ حكم الْمُطلق أغْلظ حمل
على إِطْلَاقه وَلم يُقيد إِلَّا بِدَلِيل وَإِن كَانَ
الْعَكْس فالعكس لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى إِسْقَاط مَا تَيَقنا
وُجُوبه بِالِاحْتِمَالِ
إِذا علمت ذَلِك فَمن الْقَاعِدَة فروع
1 - مَا إِذا قَالَ أوصيت لزيد بِهَذِهِ الْمِائَة ثمَّ قَالَ
أوصيت لَهُ بِمِائَة أَو يعكس فيوصي أَولا بِغَيْر الْمعينَة
ثمَّ بالمعينة فَإنَّا نحمل الْمُطلقَة فِي المثالين عَليّ
الْمعينَة حَتَّى يسْتَحق مائَة فَقَط كَمَا لَو أطلقهما مَعًا
فَإِنَّهُ لَا يسْتَحق إِلَّا الْمِائَة وَلَو كَانَتَا
معينتين فَلَا إِشْكَال
2 - وَمِنْهَا إِذا قَالَ من حج لله عَليّ أَن أحج ثمَّ قَالَ
لله تَعَالَى عَليّ أَن أحج فِي هَذَا الْعَام فَإِنَّهُ
يَكْفِيهِ حجَّة وَاحِدَة وَفَائِدَة النّذر الثَّانِي
تَعْجِيل مَا كَانَ لَهُ تَأْخِيره كَمَا لَو نذر من لم يحجّ
أَن يحجّ فِي هَذَا الْعَام
وَمثله نذر الصَّوْم وَالصَّدَََقَة وَسَائِر الْعِبَادَات
3 - وَمِنْهَا لَو قَالَ لزيد عَليّ ألف ثمَّ أحضر ألفا
وَقَالَ هَذِه لَهُ وَكنت قد تعديت فِيهَا فَوَجَبَ ضَمَانهَا
فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ
فرع قَالَ فِي الْبَحْر وَالْمرَاد بِحمْل الْمُطلق على
الْمُقَيد إِنَّمَا هُوَ الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصّفة
كَمَا فِي وصف الرَّقَبَة بالايمان وكوصف الْيَد فِي الْوضُوء
بِكَوْنِهَا إِلَى الْمرْفق مَعَ إِطْلَاقهَا فِي التَّيَمُّم
فَأَما الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأَصْل أَي الْمَحْذُوف
بِالْكُلِّيَّةِ كالرأس وَالرّجلَيْنِ فَإِنَّهُمَا مذكورات
فِي الْوضُوء دون التَّيَمُّم وكالإطعام مَذْكُور فِي
كَفَّارَة الظِّهَار دون كَفَّارَة الْقَتْل فَإنَّا لَا نحمله
على التَّقْيِيد لِأَن فِيهِ إِثْبَات أصل بِغَيْر اصل
(1/422)
قَالَ ابْن خيران يحمل الْمُطلق على
الْمُقَيد فِي الأَصْل كَمَا حمل عَلَيْهِ فِي الْوَصْف
مَسْأَلَة 10
إِذا علق حكم بفرد غير معِين من أَفْرَاد وَوجدنَا دَلِيلين
متعارضين كل مِنْهُمَا يَقْتَضِي انحصار ذَلِك الحكم فِي فَرد
بِخُصُوصِهِ غير الْفَرد الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الآخر فيتساقطان
وَيَسْتَوِي الفردان مَعَ غَيرهمَا
وَعبر الأصوليون وَمِنْهُم الإِمَام فِي الْمَحْصُول عَن هَذِه
الْقَاعِدَة بقَوْلهمْ إِذا ورد تَقْيِيد الْمُطلق بقيدين
متنافيين وَلم يقم دَلِيل على تعْيين أَحدهمَا فَإِنَّهُمَا
يتساقطان وَيبقى أصل التَّخْيِير بَينهمَا وَبَين غَيرهمَا
مِمَّا دلّ على الْمُطلق أَولا ومثلوه بقوله عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم
فليغسله سبع مَرَّات فَإِنَّهُ قد ورد فِي رِوَايَة
إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ من
رِوَايَة
(1/423)
عَليّ وَلم يضعفها وَذكر النَّوَوِيّ فِي
الْمسَائِل المنثورة أَنه حَدِيث ثَابت وَفِي رِوَايَة
أولَاهُنَّ رَوَاهَا مُسلم وَفِي أُخْرَى السَّابِعَة
بِالتُّرَابِ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَهُوَ معنى مَا رَوَاهُ
مُسلم وعفروه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ
قَالُوا وَإِنَّمَا سميت ثامنة لأجل اسْتِعْمَال التُّرَاب
مَعهَا فَلَمَّا كَانَ القيدان متنافيين تساقطا ورجعنا إِلَى
الْإِطْلَاق الْوَارِد فِي رِوَايَة إِحْدَاهُنَّ
قلت وَالصَّوَاب فِي مثل هَذَا سُقُوط التَّقْيِيد
بِالنِّسْبَةِ إِلَى تعْيين الأولى وَالسَّابِعَة لِأَنَّهُمَا
لما تَعَارضا وَلم يكن أحد القيدين أولى من الآخر تساقطا
وَبَقِي التَّخْيِير فِيمَا حصل فِيهِ التَّعَارُض لَا فِي
غَيره وَحِينَئِذٍ فَلَا يجوز التعفير فِيمَا عَداهَا
لِاتِّفَاق القيدين على نَفْيه وَيدل على مَا قُلْنَاهُ مَا
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح أولَاهُنَّ أَو
أخراهن أَعنِي بِصِيغَة أَو وَقد نَص الشَّافِعِي على مَا
ذَكرْنَاهُ من تعْيين الأولى أَو الْأُخْرَى فَقَالَ فِي
الْبُوَيْطِيّ مَا نَصه قَالَ الشَّافِعِي وَإِذا ولغَ
الْكَلْب فِي الْإِنَاء غسل سبعا أولَاهُنَّ أَو أخراهن
بِالتُّرَابِ وَلَا يطهره غير ذَلِك وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم =
(1/424)
الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا لَفظه
بِحُرُوفِهِ وَمن الْبُوَيْطِيّ نقلته وَرَأَيْت فِي الْأُم
نَحوه أَيْضا فَثَبت دَلِيلا ونقلا بطلَان مَا جزم بِهِ
الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ هُنَا تبعا لكثير من الْأَصْحَاب
من جَوَاز التعفير فِي غير الأولى أَو الْأُخْرَى وَسَببه
قلَّة اطلاعهم على نُصُوص الشَّافِعِي وذهولهم عَن هَذَا
الْمدْرك الَّذِي أبديته وَقد وفْق الله تَعَالَى جمَاعَة
فأطلعهم على نَص الشَّافِعِي وأرشدهم إِلَى هَذَا الْمَعْنى
فجزموا بِمُقْتَضَاهُ مِنْهُم الزبيرى فِي الْكَافِي والمرعشي
فِي تَرْتِيب الْأَقْسَام وَابْن
(1/425)
جَابر كَمَا نَقله عَن الدَّارمِيّ فِي
الاستذكار فَلَمَّا ثَبت ذَلِك بِنَصّ صَاحب الشَّرْع وَإِمَام
الْمَذْهَب تعين الْأَخْذ بِهِ واطراح مَا عداهُ لَا سِيمَا
أَن النَّوَوِيّ قد ذكر فِي الْخُلَاصَة أَن رِوَايَة
الْإِطْلَاق وَهِي إِحْدَاهُنَّ لم تثبت وَهِي مقتضي كَلَامه
فِي شرح الْمُهَذّب وَكَلَام غَيره أَيْضا وَادّعى النَّوَوِيّ
فِي شرح الْمُهَذّب أَن التعفير فِي كل غسلة جَائِز
بالِاتِّفَاقِ
2 - وَمِنْهَا لَو اسْتَأْجرهُ رجلَانِ ليحج عَنْهُمَا فَأحْرم
عَنْهُمَا لم ينْعَقد عَن وَاحِد مِنْهُمَا وَوَقع للأخير
لِأَن الْجمع بَينهمَا مُتَعَذر قلغي القيدان قَالَ
الرَّافِعِيّ وَلَا فرق بَين أَن تكون الْإِجَارَة فِي
الذِّمَّة أَو على الْعين قَالَ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَت
إِحْدَى إجارتي الْعين فَاسِدَة إِلَّا أَن الْإِحْرَام عَن
غَيره لَا يتَوَقَّف على صِحَة الْإِجَارَة
وَمِنْهَا أَي من هَذِه الْقَاعِدَة أَيْضا إِذا تنَازع
رجلَانِ فِي طِفْل فَقَالَ كل مِنْهُمَا أَنا التقطته دون ذَاك
وَهُوَ فِي يدهما أَو لَا يَد لأَحَدهمَا عَلَيْهِ وَأَقَامَا
بينتين مطلقتين أَو مقيدتين بِوَقْت وَاحِد أَو إِحْدَاهمَا
مُطلقَة وَالْأُخْرَى مُقَيّدَة فقد تَعَارَضَت
الْبَيِّنَتَانِ وتساقطتا وَحِينَئِذٍ فَيَجْعَلهُ الْحَاكِم
عِنْد من يرى مِنْهُمَا أَو من غَيرهمَا وَأما إِذا كَانَت
إِحْدَاهمَا مُتَقَدّمَة التَّارِيخ فَإِنَّهَا تقدم
3 - وَمِنْهَا المَال إِذا تَعَارَضَت فِيهِ الْبَيِّنَتَانِ
على مَا ذَكرْنَاهُ فِي اللَّقِيط
(1/426)
فَإِنَّهُمَا يتساقطان ايضا وَلَكِن يقسم
بَينهمَا إِن كَانَ فِي يدهما فَإِن كَانَ فِي يَد أَحدهمَا
قدم وَإِن كَانَ فِي يَد ثَالِث رَجَعَ إِلَيْهِ
4 - وَمِنْهَا إِذا تعَارض الْمَنِيّ وَالْحيض فِي الْخُنْثَى
بِأَن حاض بفرج النِّسَاء وأمنى من فرج الرِّجَال فَلَا يحكم
بِكَوْنِهِ ذكرا وَلَا بِكَوْنِهِ أُنْثَى للتعارض وَيكون
بلوغا على الصَّحِيح وَقيل لَا لتعارضهما وَجَوَابه أَنَّهُمَا
متفقان على الْبلُوغ والتعارض إِنَّمَا وَقع فِي الذُّكُورَة
وَالْأُنُوثَة
مَسْأَلَة 11
مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة مَحَله إِذا
أطلقت الصُّورَة الْوَاحِدَة ثمَّ قيدت تِلْكَ الصُّورَة
بقيدين متنافيين كَمَا تقدم تمثيله فَأَما إِذا وَقع ذَلِك فِي
الْجِنْس الْوَاحِد كتقييد صَوْم الظِّهَار بالتتابع حَيْثُ
قَالَ تَعَالَى {فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين} وَتَقْيِيد
صَوْم التَّمَتُّع بالتفرقة حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {فَصِيَام
ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم} مَعَ
إِطْلَاق الصَّوْم فِي كَفَّارَة الْيَمين حَيْثُ قَالَ {فَمن
لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام} فَيجب بَقَاء الْمُطلق على
إِطْلَاقه لِأَنَّهُ لَيْسَ حمله على أَحدهمَا بِأولى من حمله
على الآخر وَيحيى أَيْضا بَقَاء كل وَاحِد من المقيدين على
تَقْيِيده وَأما حمله على تَقْيِيد صَاحبه فَينْظر
(1/427)
فِيهِ فَإِن تنافى الْجمع بَينهمَا كَصَوْم
الظِّهَار مَعَ صَوْم التَّمَتُّع على مَا سبق إيضاحه لم يحمل
أَحدهمَا على الآخر وَإِن لم يتنافيا فَفِي حمله من غير دَلِيل
وَجْهَان تقدم مدركهما فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة فَإِن
حملناه صَار كل مِنْهُمَا مُقَيّدا بالقيدين مَعًا كَذَا ذكره
الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فِي كتاب الْقَضَاء تبعا للماوردي
ثمَّ قَالَ فعلى القَوْل الأول بِالْحملِ يجوز حمل الْمُطلق
أَيْضا على القيدين وَيصير كل من الثَّلَاثَة مُقَيّدا
بِشَرْطَيْنِ
(1/428)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْبَاب الرَّابِع فِي الْمُجْمل والمبين - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَسْأَلَة 1
يجوز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْخطاب على الصَّحِيح عِنْد
جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ كَالْإِمَامِ والآمدي وَغَيرهمَا
وَقَالَت الْمُعْتَزلَة لَا يجوز مُطلقًا
وَقَالَ جمَاعَة إِن كَانَ مُشْتَركا جَازَ وَإِن لم يكن
مُشْتَركا فَلَا يجوز إِلَّا إِذا اقْترن بِهِ بَيَان إجمالي
كَقَوْلِه اعْلَم أَن هَذَا الْعَام مَخْصُوص وَأَن المُرَاد
بِاللَّفْظِ مجازه لَا حَقِيقَته وبالمطلق أَو النكرَة فَرد
معِين وَنَحْو ذَلِك لِأَن ترك الْبَيَان الإجمالي موقع فِي
الْمَحْذُور
وَحكى الرَّوْيَانِيّ فِي الْقَضَاء فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة
أوجه لِأَصْحَابِنَا ثَالِثهَا لَا يجوز فِي الْمُجْمل
لِأَنَّهُ قبل الْبَيَان غير مَفْهُوم وَيجوز فِي الْعُمُوم
(1/429)
وَفِي الْمُكَلف بِهِ قبل الْبَيَان
وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا
وَالرُّويَانِيّ
أَحدهمَا أَنهم مكلفون قبل الْبَيَان بالتزامه بعد الْبَيَان
وَالثَّانِي أَنهم قبل الْبَيَان مكلفون بالتزامه مُجملا
وَبعده مكلفون بالتزامه مُفَسرًا
إِذا علمت ذَلِك كُله فَاعْلَم أَن بَيَان الْمُجْمل يَقْتَضِي
أَن المُرَاد من ذَلِك الْمُجْمل وَقت إِطْلَاقه هُوَ مَا دلّ
عَلَيْهِ الْمُبين وَإِلَّا لم يكن بَيَانا لَهُ وَهَذِه
الْقَاعِدَة قد صرح بهَا مَعَ وضوحها الْقَرَافِيّ فِي شرح
الْمَحْصُول وتعليقته على الْمُنْتَخب وَكَلَام البَاقِينَ يدل
عَلَيْهَا
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة فروع
أَحدهَا إِذا قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثوبا ثمَّ فسر
الثَّوْب بِمَا يسْتَغْرق قِيمَته عشرَة فَإِن الِاسْتِثْنَاء
يبطل لما ذَكرْنَاهُ وَقيل يبطل التَّفْسِير خَاصَّة ويفسره
بِغَيْر هَذَا الْمِقْدَار مِمَّا لَا يسْتَغْرق
الثَّانِي إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق ثلآثا إِلَّا طَلَاقا
أَعنِي باستثناء الْمصدر فَالْمُتَّجه صِحَّته وَيُؤمر
بالتفسير فَإِن فسره بِوَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ قبل وَإِن
فسره بِثَلَاث فَفِي بطلَان الِاسْتِثْنَاء مَا سبق
وَمثله لَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا إِلَّا شَيْئا
الثَّالِث إِذا قَالَ لعبديه أَحَدكُمَا حر وَلم ينْو معينا
فَإنَّا نأمره بِالتَّعْيِينِ فَإِن عين كَانَ ابْتِدَاء
وُقُوعه عِنْد الْإِيقَاع على الصَّحِيح لما ذَكرْنَاهُ وَقيل
عِنْد التَّعْيِين
(1/430)
وَمثله إِذا قَالَ لزوجتيه إِحْدَاكُمَا
طَالِق وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ الْعدة
الرَّابِع لَو نذر أضْحِية فِي ذمَّته ثمَّ عين عَنْهَا أفضل
مِمَّا وَجب عَلَيْهِ فتعينت فَهَل يتَعَيَّن عَلَيْهِ
رِعَايَة تِلْكَ الزِّيَادَة فِي الَّذِي يُعينهُ بعد ذَلِك
فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ لَا يلْزمه
ذَلِك وَهُوَ مُخَالف لنظائر الْقَاعِدَة
الْخَامِس ذكره الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الْأَيْمَان من
الْحَاوِي وَتَبعهُ عَلَيْهِ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر لَو
قَالَ وَالله لَأَفْعَلَنَّ شَيْئا أَو لَا أفعل شَيْئا فَلَا
يُمكن حمل الْيَمين على جَمِيع الْأَشْيَاء لِخُرُوجِهِ عَن
الْقُدْرَة وَالْعرْف فَوَجَبَ حمله على بَعْضهَا فَإِن كَانَ
قد عين شَيْئا بِالنِّيَّةِ وَقت يَمِينه تعين وَإِلَّا فَتعين
بعد الْيَمين فِيمَا شَاءَ كَمَا إِذا طلق إِحْدَى نِسَائِهِ
ثمَّ إِن كَانَ الْحلف بِالطَّلَاق أَو الْعتاق الزم
بِالتَّعْيِينِ لتَعلق حق الْآدَمِيّ وَإِن كَانَ بِاللَّه
تَعَالَى عين مَتى شَاءَ وَلَا حنث فِيمَا قبل التَّعْيِين
وَإِذا عين شَيْئا صَار هُوَ المُرَاد بِالْيَمِينِ سَوَاء حلف
على إثْبَاته كركوب الدَّابَّة مثلا أَو على نَفْيه كَعَدم
ركُوبهَا وَيتَعَلَّق الْبر والحنث بِمَا يَفْعَله بعد
التَّعْيِين إِن لم يكن قد فعله قبله فَإِن كَانَ قد فعله
فَفِي حُصُول الْحِنْث وَالْبر بِهِ وَجْهَان مبنيان على أَن
الطَّلَاق الْمُبْهم إِذا عينه هَل يَقع من حِين التَّعْيِين
أَو الْإِيقَاع
السَّادِس إِذا أحرم بالنسك قبل أشهر الْحَج وَلم يُصَرح
بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أَرَادَ فِي أشهر الْحَج صرفه إِلَى الْحَج
فَإِنَّهُ لَا يجوز على الْأَصَح للقاعدة الَّتِي قدمناها
بِخِلَاف مَا إِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ وأفسدها ثمَّ قصد
إِدْخَال الْحَج عَلَيْهَا فَإِن اصح الْأَوْجه انْعِقَاده
فَاسِدا وَالثَّانِي صَحِيحا ثمَّ يفْسد وَالثَّالِث صَحِيحا
وتستمر صِحَّته
(1/431)
وَالرَّابِع لَا ينْعَقد أصلا
السَّابِع وَهُوَ مُشكل على هَذِه الْقَاعِدَة إِذا أحرم فِي
أشهر الْحَج مُطلقًا فَلَا تصح مِنْهُ الْأَعْمَال قبل
التَّعْيِين كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ مَعَ أَنه
بِالتَّعْيِينِ إِلَى الْحَج مثلا يتَبَيَّن أَن إِحْرَامه
وَقع بِالْحَجِّ وَحِينَئِذٍ فَيجْرِي على مَا أَتَى بِهِ من
الْوُقُوف وَغَيره لوُقُوعه فِي مَحَله وَلَا يُقَال إِنَّه
أَتَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاء وَهُوَ مُتَرَدّد فِي أَنه هَل
يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ التَّرَدُّد إِنَّمَا يقْدَح فِيمَا تجب
فِيهِ النِّيَّة وَهِي لَا تجب فِي أَرْكَان الْحَج
وَالْعمْرَة على الصَّحِيح لاشتمال نِيَّة الْحَج وَالْعمْرَة
على نِيَّة أركانهما وَفِي الْبَيَان وَشرح الْمُهَذّب للحضرمي
أَنه لَو طَاف ثمَّ صرفه لِلْحَجِّ وَقع على طواف الْقدوم مَعَ
أَن طواف الْقدوم من سنَن الْحَج وَهُوَ مُؤَكد لما اشرنا
إِلَيْهِ من قِيَاس صِحَّته فَإِنَّهَا مُخَالفَة لما دلّ
عَلَيْهِ كَلَام الرَّافِعِيّ من الْعُمُوم فَيحْتَمل أَن يكون
كَلَام الرَّافِعِيّ مَحْمُولا على الْوَاجِب وَيحْتَمل أَن
تكون هَذِه الْمقَالة ضَعِيفَة عِنْده وَذكر ابْن الصّباغ فِي
الشَّامِل فرعا آخر قَرِيبا من هَذَا وَفِيه مُخَالفَة لَهُ
فَقَالَ لَو أحرم عَن أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه انْعَقَد وَلَو
صرفه لمن شَاءَ قبل التَّلَبُّس بِشَيْء من الْأَفْعَال هَذَا
كَلَامه وَمُقْتَضَاهُ أَنه إِذا أَتَى بِشَيْء من الْأَفْعَال
انْصَرف لَهُ وَامْتنع الصّرْف وَقِيَاس مَا سبق أَن لَا يعْتد
بِمَا أَتَى بِهِ وَيبقى الصّرْف كَمَا كَانَ خُصُوصا أَن
نِيَّة الْأَركان لَا تجب كَمَا سبق
(1/432)
مَسْأَلَة 2
اخْتلف الأصوليون فِي آيَة السّرقَة وَهُوَ قَوْله تَعَالَى
{وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} هَل هِيَ
مجملة أم لَا
فَذهب جمَاعَة إِلَى انها مجملة لِأَن الْيَد تحْتَمل الْكل
وَالْبَعْض إِمَّا إِلَى الْمرْفق أَو إِلَى الْكُوع وَلَكِن
بَينهَا السّنة
وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا إِجْمَال فِيهَا بل الْيَد
حَقِيقَة فِي جَمِيعهَا وَهُوَ من رُؤُوس الْأَصَابِع إِلَى
الْمنْكب وَلكنهَا تطلق على الْبَعْض مجَازًا وَالْمجَاز خير
من الِاشْتِرَاك
إِذا علمت ذَلِك فيتفرع على الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لزوجته إِن دخلت الدَّار فيميتك طَالِق
فَقطعت يَمِينهَا ثمَّ دخلت الدَّار فَهَل تطلق فَقَالَ
أَصْحَابنَا يَنْبَغِي على أَنه إِذا نجز الطَّلَاق كَذَلِك
أَي قَالَ لَهَا يَمِينك طَالِق فَإِنَّهَا تطلق وَلَكِن هَل
هُوَ من السَّرَايَة أَي يَقع على الْجُزْء ثمَّ يسري أَو من
بَاب التَّعْبِير بِالْبَعْضِ عَن الْكل وَفِيه وَجْهَان قَالَ
الرَّافِعِيّ يشبه أَن يكون الأول هُوَ الْأَصَح فان قُلْنَا
بِالْأولِ لم يَقع وَإِلَّا فَيَقَع قَالَ وَيجْرِي الْخلاف
فِي أَبْوَاب مِنْهَا استلحاق الْوَلَد وَالْإِقْرَار
بالاستيلاد وَغير ذَلِك وَلم يبين الرَّافِعِيّ المُرَاد
بِالْيَدِ وَيتَّجه بِنَاؤُه على هَذَا فَإِذا قطعت يَدهَا من
الْكُوع مثلا فَإِن قُلْنَا إِن الْيَد حَقِيقَة فِي الْكل لم
تطلق وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا مجملة
(1/433)
فَإِن كَانَ حَيا سُئِلَ عَن مُرَاده وَعمل
بِهِ فَإِن لم يرد شَيْئا عين فِيمَا شَاءَ فَإِن مَاتَ رَجَعَ
إِلَى بَيَان الْوَارِث دون تَعْيِينه لِأَن الْوَارِث هَذَا
حكمه وَلَو عبر بِالْيَدِ تعلق الحكم بِالْيَدِ الْبَاقِيَة
وَلَو قَالَ فإحدي يَديك وَقُلْنَا لَيْسَ من بَاب التَّعْبِير
عَن الْكل فَقطعت وَاحِدَة فَإِنَّهُ نَظِير مَا لَو قَالَ
لزوجتيه إِن فعلت كَذَا فإحداكما طَالِق فَطلق وَاحِدَة ثمَّ
فعل الشَّيْء فَإِنَّهُ لَا يَقع على الْأُخْرَى شَيْء كَمَا
ذكره الرَّافِعِيّ
(1/434)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْبَاب الْخَامِس فِي النَّاسِخ والمنسوخ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَسْأَلَة 1
اتَّفقُوا كَمَا قَالَه ابْن الْحَاجِب على أَن النّسخ لَا
يثبت حكمه قبل أَن يبلغهُ جِبْرَائِيل إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَاخْتلفُوا بعد وُصُوله إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام وَقبل تبليغه إِلَيْنَا هَل يثبت حكمه أَي
بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا
وَالْمُخْتَار أَنه لَا يثبت وَجزم الرَّوْيَانِيّ فِي
الْبَحْر فِي كتاب الْقَضَاء بِأَنَّهُ لَا يثبت وَحكى
وَجْهَيْن فِيمَا إِذا بلغه إِلَى الْبَعْض هَل يثبت ايضا
بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَالمين وَقَالَ إِن أشبههما أَنه لَا
يثبت لِأَن أهل قبا لما بَلغهُمْ نسخ الْقبْلَة وهم فِي
الصَّلَاة استداروا وبنوا وَلم يستأنفوا
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - أَن يقتل من لم تبلغه دَعْوَة نَبينَا وَكَانَ على دين
نَبِي لَا يعْتَبر فِيهِ فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان مبنيان
على هَذِه الْقَاعِدَة
(1/435)
كَمَا قَالَه فِي التَّتِمَّة وأصحهما فِي
الرَّافِعِيّ عدم الْوُجُوب بل تجب دِيَة أهل ذَلِك الدّين
وَقيل دِيَة مُسلم
2 - وَمِنْهَا كَمَا قَالَه صَاحب التَّتِمَّة صِحَة
تَصَرُّفَات الْوَكِيل بعد الْعَزْل وَقبل بُلُوغ الْخَبَر
لَهُ وَمثله القَاضِي لَكِن الصَّحِيح فِي القَاضِي النّفُوذ
وَفِي الْوَكِيل خِلَافه لِأَن تَصَرُّفَات القَاضِي تكْثر
غَالِبا فيعسر تتبعها بِالنَّقْضِ بِخِلَاف الْوَكِيل
(1/436)
= الْكتاب الثَّانِي فِي السّنة=
(1/437)
وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَفعاله عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَسْأَلَة 1
مَا كَانَ من الْأَفْعَال مَمْنُوعًا لم يكن وَاجِبا فَإِذا
فعله الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإنَّا نستدل
بِفِعْلِهِ على وُجُوبه وَذَلِكَ كالقيامين والركوعين فِي
الخسوف فَإِن الزِّيَادَة فِي الصَّلَاة مبطلة فِي غير الخسوف
فمشروعية جوازهما دَلِيل على وجوبهما وَهَكَذَا ذكر فِي
الْمَحْصُول هَذِه الْقَاعِدَة وَمثل بِمَا ذكرته وَتَبعهُ على
ذَلِك من بعده وَمن فروعها ايضا
1 - وجوب الْخِتَان لما ذَكرْنَاهُ وَقيل إِنَّه لَا يجب
مُطلقًا وَقيل يجب فِي الرِّجَال دون النِّسَاء وَهَذَا فِي
الْوَاضِح وَأما الْخُنْثَى الْمُشكل فَقيل يجب ختان فرجيه
مَعًا للتوصل إِلَى الْوَاجِب وَالأَصَح كَمَا قَالَه فِي
الرَّوْضَة إِنَّه لَا يجوز ختانه لِأَن فِيهِ
(1/439)
قطع عُضْو يمْتَنع قطعه وَقد أمعنت
الْكَلَام على الْمَسْأَلَة فِي كتَابنَا الْمُسَمّى إِيضَاح
الْمُشكل من أَحْكَام الْخُنْثَى الْمُشكل
2 - وَمن الْفُرُوع الْمُخَالفَة لهَذِهِ الْقَاعِدَة سُجُود
السَّهْو وَسُجُود التِّلَاوَة فِي الصَّلَاة وَفِي غَيرهَا
ايضا وَرفع الْيَدَيْنِ على التوالي فِي تَكْبِيرَات الْعِيد
ثمَّ إِن مَا ذكره من وجوب القيامين والركوعين هُوَ المجزوم
بِهِ فِي المختصرات وَذكر النَّوَوِيّ فِي أَوَاخِر بَاب
الْكُسُوف من شرح الْمُهَذّب أَن ذَلِك لَا يجب بل لَو صلاهَا
كَسَائِر الصَّلَوَات صَحَّ وَحَكَاهُ عَن جماعات كَثِيرَة
وَاقْتضى كَلَامه الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَقد بسطت الْمَسْأَلَة
فِي الْمُهِمَّات فَرَاجعهَا
مَسْأَلَة 2
إِذا أمكن حمل فعله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على
الْعِبَادَة أَو الْعَادة فَإنَّا نحمله على الْعِبَادَة
إِلَّا لدَلِيل لِأَن الْغَالِب على أَفعاله قصد التَّعَبُّد
بهَا
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - اسْتِحْبَاب الذّهاب إِلَى الْعِيد فِي طَرِيق وَالرُّجُوع
مِنْهُ فِي أُخْرَى
2 - وَمِنْهَا تطييبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد إِحْرَامه
بِالْحَجِّ وتطييبه قبل تحلله الثَّانِي فَإِنَّهُ سنة لكل
حَاج وَقد ذكر الرَّافِعِيّ كلا مِنْهُمَا فِي مَوْضِعه
(1/440)
مَسْأَلَة 3
شرع من قبلنَا إِذا ثَبت بطرِيق صَحِيح كَقَوْلِه تَعَالَى
{وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} الْآيَة
وَلم يرد عَلَيْهِ نَاسخ لَا يكون شرعا لنا عِنْد الْجُمْهُور
وَاخْتَارَهُ الإِمَام فَخر الدّين والآمدي والبيضاوي
وَاخْتَارَ ابْن الْحَاجِب عَكسه وَللشَّافِعِيّ أَيْضا فِي
الْمَسْأَلَة قَولَانِ أصَحهمَا الأول وَرجحه النَّوَوِيّ فِي
الرَّوْضَة وَغَيرهَا من كتبه
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا لَو حلف ليضربن زيدا مثلا مائَة خَشَبَة فَضَربهُ
بالعثكال وَنَحْوه فَإِنَّهُ يبر لقَوْله تَعَالَى لأيوب
عَلَيْهِ السَّلَام لما حلف ليضربن زَوجته ذَلِك {وَخذ بِيَدِك
ضغثا فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث}
(1/441)
والضغث هُوَ الشماريخ الْقَائِمَة على
السَّاق الْوَاحِد وَهُوَ الْمُسَمّى بالعثكال قَالَ إِمَام
الْحَرَمَيْنِ فِي كتاب الْأَيْمَان اتّفق الْعلمَاء على أَن
هَذِه الاية مَعْمُول بهَا فِي ملتنا وَالسَّبَب فِيهِ أَن
الْملَل لَا تخْتَلف فِي مُوجب الْأَلْفَاظ وَفِي مَا يَقع برا
وحنثا هَذِه عِبَارَته وَقد يُقَال إِن مُوجب الْأَلْفَاظ قد
يخْتَلف لاخْتِلَاف الْإِطْلَاق الْعرفِيّ
(1/442)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْبَاب الثَّانِي فِي الْأَخْبَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -
مَسْأَلَة 1
الْخَبَر هُوَ الْكَلَام الَّذِي يحْتَمل التَّصْدِيق والتكذيب
كَقَوْلِنَا قَامَ زيد وَلم يقم بِخِلَاف قَوْلنَا زيد أضربه
وَنَحْو وَإِنَّمَا عدلنا عَن الصدْق وَالْكذب إِلَى مَا
ذَكرْنَاهُ لِأَن الصدْق مُطَابقَة الْوَاقِع وَالْكذب عدم
مطابقته وَنحن نجد من الْأَخْبَار مَا لَا يحْتَمل الْكَذِب
كَخَبَر الله تَعَالَى وَخبر رَسُوله وَقَوْلنَا مُحَمَّد
رَسُول الله وَمَا لَا يحْتَمل الصدْق كَقَوْل الْقَائِل
مُسَيْلمَة رَسُول الله مَعَ أَن كل ذَلِك يحْتَمل التَّصْدِيق
والتكذيب لِأَن التَّصْدِيق هُوَ كَونه يَصح من جِهَة اللُّغَة
أَن يُقَال لقائله صدق وَكَذَلِكَ التَّكْذِيب وَقد وَقع ذَلِك
فالمؤمن صدق خبر الله تَعَالَى وَخبر رَسُوله وَكذب مُسَيْلمَة
وَالْكَافِر بِالْعَكْسِ
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ لزوجاته من أَخْبرنِي بقدوم زيد مِنْكُن
فَهِيَ طَالِق فَأَخْبَرته إِحْدَاهُنَّ بذلك كَاذِبَة وَقع
الطَّلَاق كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ
2 - وَمِنْهَا وَهُوَ مُشكل على هَذِه الْقَاعِدَة مَا إِذا
قَالَ إِن
(1/443)
لم تخبريني بِعَدَد حب هَذِه الرمانة قبل
كسرهَا فَأَنت طَالِق وَلم يقْصد معرفَة الَّذِي فِيهَا
فالخلاص أَن تذكر عددا يعلم أَن الرمانة لَا تنقص عَنهُ ثمَّ
يزِيد وَاحِدًا فواحدا حَتَّى يعلم أَنَّهَا لَا تزيد عَلَيْهِ
وَلَو قَالَ لثلاث من لم تُخبرنِي بِعَدَد رَكْعَات فَرَائض
الْيَوْم وَاللَّيْلَة فَهِيَ طَالِق فَقَالَت وَاحِدَة سبع
عشرَة رَكْعَة وَأُخْرَى خَمْسَة عشرَة وثالثة إِحْدَى عشرَة
تخلص من يَمِينه لِأَن الأول مَعْرُوف وَالثَّانِي ليَوْم
الْجُمُعَة وَالثَّالِث للْمُسَافِر هَكَذَا قَالَه
الْأَصْحَاب وَهُوَ مُشكل بل قِيَاس إِطْلَاق الْخَبَر على
الصدْق وَالْكذب التَّخَلُّص بِأَيّ شَيْء قيل كَمَا قُلْنَا
فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة إِذْ غَايَته أَن يكون كذبا
وَفِي الْمِثَال الثَّالِث كَلَام آخر سبق فِي الْكَلَام على
أَن الْمُفْرد الْمُضَاف والمحلى بأل هَل يعم أم لَا فَرَاجعه
فَإِنَّهُ مُهِمّ
مَسْأَلَة 2
الْجُمْهُور على أَن الْخَبَر إِمَّا صدق أَو كذب فالصدق هُوَ
المطابق للْوَاقِع وَالْكذب غير المطابق وَجعل الجاحظ بَينهمَا
وَاسِطَة فَقَالَ الصدْق هُوَ المطابق مَعَ اعْتِقَاد كَونه
مطابقا وَالْكذب هُوَ الَّذِي لَا يكون مطابقا مَعَ اعْتِقَاد
عدم الْمُطَابقَة فَأَما الَّذِي لَيْسَ مَعَه اعْتِقَاد
فَإِنَّهُ لَا يُوصف بِصدق وَلَا كذب مُطَابق كَانَ أَو غير
مُطَابق
(1/444)
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قَالَ إِن شهد شَاهِدَانِ بِأَن عَليّ كَذَا فهما
صادقان فَإِنَّهُ يلْزمه الْآن على الْقَوْلَيْنِ مَعًا لأَنا
قَررنَا أَن الصدْق هُوَ المطابق للْوَاقِع وَإِذا كَانَ
مطابقا على تَقْدِير الشَّهَادَة لزم أَن يكون ذَلِك عَلَيْهِ
مَسْأَلَة 3
الصَّبِي الَّذِي لم يجرب عَلَيْهِ الْكَذِب هَل يقبل خَبره
فِيهِ خلاف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَكَذَلِكَ عِنْد
الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء وَالأَصَح عِنْد الْجَمِيع عدم
الْقبُول نعم إِن احتفت بِهِ قرينَة كالإذن فِي دُخُول الدَّار
وَحمل الْهَدِيَّة فَالصَّحِيح الْقبُول
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - أَن يخبر بتنجيس المَاء أَو الثَّوْب أَو الأَرْض وَنَحْو
ذَلِك أَو يخبر بِأَن هَذَا الْمَرَض مخوف حَتَّى يُبِيح
التَّيَمُّم وَيَقْتَضِي كَون التَّصَرُّفَات محسوبة من
الثُّلُث أَو بِأَن شَرِيكه قد بَاعَ حَتَّى تسْقط شفعته
بِالتَّأْخِيرِ وَفِي الْكل وَجْهَان وَالأَصَح فِيهِنَّ عدم
الْقبُول
2 - وَمِنْهَا إِذا أخبر بِرُؤْيَة الْهلَال وجعلناه رِوَايَة
لَا شَهَادَة فَلَا يتَخَرَّج على الْوَجْهَيْنِ فِي رِوَايَته
بل الْمَشْهُور الرَّد جزما قَالَه
(1/445)
الرَّافِعِيّ وَهُوَ مُخَالف للفروع
السَّابِقَة
3 - وَمِنْهَا إِذا أخبر بِطَلَب صَاحب الدعْوَة لَهُ فَإِن
الْمَدْعُو تلْزمهُ الْإِجَابَة كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
وَالرُّويَانِيّ فِي الْبَحْر كِلَاهُمَا فِي بَاب الْوَلِيمَة
إِلَّا أَن الرَّوْيَانِيّ اشْترط أَن يَقع فِي قلبه صدق
الصَّبِي
وَاعْلَم أَن النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب قد ذكر
تَفْصِيلًا فِي قبُول رِوَايَته فَقَالَ يقبل خَبره فِي كل مَا
طَرِيقه الْمُشَاهدَة دون الْأَخْبَار فعلى هَذَا تقبل
رِوَايَة النَّجَاسَة وَدلَالَة الْأَعْمَى على الْقبْلَة وخلو
الْموضع عَن المَاء وطلوع الْفجْر وغروب الشَّمْس وَمَا اشبهه
بِخِلَاف مَا طَرِيقه الِاجْتِهَاد كالإفتاء والتطيب
وَرِوَايَة الْأَحَادِيث وَرِوَايَة التَّنْجِيس عَن غَيره ذكر
ذَلِك فِي بَاب الْأَذَان فِي الْكَلَام على أَذَان الصَّبِي
نَاقِلا لَهُ عَن الْجُمْهُور وَهَذَا الَّذِي ذكره سبقه
إِلَيْهِ الْمُتَوَلِي فَقَالَ فِيهِ وَالصَّوَاب الْمَذْكُور
فِي أَكثر كتبه إِطْلَاق تَصْحِيح الرَّد
مَسْأَلَة 4
يشْتَرط فِي الْمخبر أَن يكون عدلا فَلَا تقبل رِوَايَة
الْفَاسِق وَلَا المستور على الصَّحِيح
(1/446)
فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - إِخْبَار الطَّبِيب الْفَاسِق بِأَن اسْتِعْمَال المَاء
يضر وَبِأَن مرض الْمُوصي مخوف حَتَّى يحْسب التَّصَرُّف فِيهِ
من الثُّلُث وَنَحْو ذَلِك مِمَّا سبق فِي مَسْأَلَة الصَّبِي
2 - وَمِنْهَا وَهُوَ وَارِد على إِطْلَاق تَصْحِيح الرَّد
إِذا عدم المَاء فَأَرَادَ الطّلب قبل التَّيَمُّم فَأخْبرهُ
الْفَاسِق بِأَنَّهُ لَا مَاء فِي تِلْكَ الْجِهَة فَإِنَّهُ
يعْتَمد عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَاف مَا إِذا أخبرهُ بِوُجُود
المَاء فَإِنَّهُ لَا يعتمده كَذَا ذكره الْمَاوَرْدِيّ فِي
الْحَاوِي وَسَببه أَن عدم المَاء هُوَ الأَصْل فيتقوى خبر
الْفَاسِق بِهِ بِخِلَاف وجود المَاء
(1/447)
= الْكتاب الثَّالِث فِي الْإِجْمَاع=
(1/449)
مَسْأَلَة (1)
الْإِجْمَاع هُوَ اتِّفَاق الْمُجْتَهدين من أمة النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم على حكم
وَهُوَ حجَّة وَحكى الرَّوْيَانِيّ فِي كتاب الْقَضَاء من
الْبَحْر عَن بَعضهم أَنه لَا يكون حجَّة إِلَّا إِذا انْضَمَّ
إِلَى القَوْل فعلهم ليتأكد فَإِن قَالَ بعض الْمُجْتَهدين
قولا وَعرف بِهِ الْبَاقُونَ فَسَكَتُوا عَنهُ وَلم ينكروا
عَلَيْهِ فَفِيهِ مَذَاهِب أَصَحهَا عِنْد الإِمَام فَخر
الدّين أَنه لَا يكون إِجْمَاعًا وَلَا حجَّة لاحْتِمَال توقفه
فِي الْمَسْأَلَة أَو ذَهَابه إِلَى تصويب كل مُجْتَهد ثمَّ
قَالَ هُوَ والآمدي إِنَّه مَذْهَب الشَّافِعِي وَقَالَ
الْغَزالِيّ فِي المنخول نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي
الْجَدِيد وَقَالَ فِي الْبُرْهَان إِنَّه ظَاهر مَذْهَب
الشَّافِعِي قَالَ وَمن عِبَارَته الرشيقة فِيهِ لَا ينْسب
إِلَى سَاكِت قَول وَهَذَا فِي السُّكُوت الَّذِي لم يتَكَرَّر
فَإِن تكَرر فِي وقائع كَثِيرَة كَانَ ذَلِك إِجْمَاعًا
وَحجَّة
(1/451)
عِنْد الشَّافِعِي كَمَا قَالَه ابْن
التلمساني قَالَ وَلِهَذَا إِن الشَّافِعِي اسْتدلَّ على
إِثْبَات الْقيَاس وَخبر الْآحَاد بذلك لكَونه فِي وقائع
وَالَّذِي قَالَه ابْن التلمساني صَحِيح وتوهم الإِمَام فِي
المعالم بِأَن ذَلِك تنَاقض من الشَّافِعِي
وَالثَّانِي إِذا انقرض الْعَصْر أَي مَاتَ الساكتون تَبينا
أَنه إِجْمَاع لِأَن استمرارهم على السُّكُوت إِلَى الْمَوْت
بِضعْف الِاحْتِمَال
وَالثَّالِث لَيْسَ بِإِجْمَاع لكنه حجَّة لِأَن الظَّاهِر
الْمُوَافقَة
وَقَالَ ابْن ابي هُرَيْرَة إِن كَانَ الْقَائِل حَاكما لم يكن
إِجْمَاعًا وَلَا حجَّة وَإِلَّا فَنعم
وَقيل يكون إِجْمَاعًا وَحجَّة مُطلقًا
وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ الثَّالِث وَوَافَقَهُ ابْن الْحَاجِب
فِي الْمُخْتَصر الْكَبِير وَأما فِي الْمُخْتَصر الصَّغِير
فَإِنَّهُ جعل اخْتِيَاره محصورا
(1/452)
فِي أحد مذهبين وهما القَوْل بِكَوْنِهِ
إِجْمَاعًا وَالْقَوْل بِكَوْنِهِ حجَّة
وَالَّذِي نَقَلْنَاهُ عَن الْآمِدِيّ مَحَله قبل انْقِرَاض
الْعَصْر واما بعد انقراضه فَإِنَّهُ يكون إِجْمَاعًا كَذَا
نبه عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَة انْقِرَاض الْعَصْر
وَفصل الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ فِي كتاب الْقَضَاء
فَقَالَا إِن كَانَ ذَلِك فِي غير عصر الصَّحَابَة فَلَا أثر
لَهُ وَإِن كَانَ فِي عصرهم فَإِن كَانَ فِيمَا يفوت استدراكه
كإراقة الدَّم واستباحة الْفرج فَيكون إِجْمَاعًا وَإِن كَانَ
فِيمَا لَا يفوت كاحد الْأَعْيَان كَانَ حجَّة وَفِي كَونه
إِجْمَاعًا حَتَّى يمْتَنع الِاجْتِهَاد وَجْهَان
إِذا علمت ذَلِك للقاعدة فروع
أَحدهَا إِذا أتلف شَيْئا ومالكه سَاكِت يلْزمه الضَّمَان
وَفِي مثله فِي قَاطع الطَّرِيق إِذا قتل وَجْهَان أصَحهمَا
أَنه يجب أَيْضا قَالَ الإِمَام وهما مفرعان على القَوْل
بِأَنَّهُ لَا يجوز الاستسلام لمن قصد قَتله ومأخوذان من
التَّرَدُّد فِي الْمَعْنى الَّذِي أسقط الشَّارِع بِهِ مهر
الزَّانِيَة هَل هُوَ كَون الْوَطْء غير مُحْتَرم أَو لِأَن
التَّمْكِين رضى عرفا
الثَّانِي إِذا قَامَ فَاسق فِي مَلأ من النَّاس فَقَالَ
للْقَاضِي هَذَا شَاهد عدل وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد لم تثبت
عَدَالَته عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة قَالَه فِي الْبَحْر
وتقييده بالفاسق يشْعر بِأَنَّهُ لَو كَانَ الْمُتَكَلّم بذلك
عدلا كفى فِي التَّزْكِيَة سكوتهم وَالْمُتَّجه خِلَافه وَكَأن
التَّقْيِيد للإعلام بالثبوت عِنْد الْحَنَفِيَّة بطرِيق
الأولى
(1/453)
الثَّالِث إِذا استؤذنت الْبكر فَسَكَتَتْ
فَإِنَّهُ يَكْفِي على الصَّحِيح وَقيل لَا كالثيب وَهَذَا
بِخِلَاف مَا لَو عقد على الْبكر بحضورها وسكتت فَهَل يَصح
ويغني عَن استئذانها وَجْهَان الصَّحِيح أَنه لَا يُغني عَنهُ
الرَّابِع إِذا زوج صَغِير بصغيرة ثمَّ دبت الزَّوْجَة فارتضعت
من أم الزَّوْج رضَاعًا محرما وَكَانَت الْأُم مستيقظة ساكتة
فَهَل يُحَال الرَّضَاع على الْكَبِيرَة لرضاها بِهِ أم لَا
لعدم فعلهَا كالنائمة فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا فِي زَوَائِد
الرَّوْضَة الثَّانِي
الْخَامِس إِذا حلف لَا يدْخل الدَّار فَحمل بِغَيْر أمره
وَكَانَ قَادِرًا على الدّفع فَهَل هُوَ كدخوله مُخْتَارًا
فِيهِ وَجْهَان الظَّاهِر مِنْهَا فِي الرَّافِعِيّ أَنه لَا
يكون وَفِي النِّهَايَة أَن الْأَكْثَرين على خِلَافه
السَّادِس إِذا خرج أحد الْمُتَبَايعين من الْمجْلس مكْرها
فَإِن منع الْفَسْخ بِأَن سد فَمه لم يَنْقَطِع خِيَاره وَقيل
فِيهِ وَجْهَان من الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَوْت وَإِن لم يمْنَع
فَكَذَلِك فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَبِه قطع بَعضهم فعلى هَذَا
إِذا زَالَ عَنهُ الْإِكْرَاه نظر إِن كَانَ مُسْتَقرًّا فِي
الْمجْلس امْتَدَّ الْخِيَار امتداد ذَلِك الْمجْلس وَإِن
كَانَ مارا فَإِذا فَارق فِي مروره فَكَانَ الزَّوَال انْقَطع
خِيَاره
السَّابِع إِذا فعل مَعَ الصَّائِم مَا يَقْتَضِي الْإِفْطَار
فَإِن طعن جَوْفه وَكَانَ قَادِرًا على دَفعه فَلم يفعل فَفِي
فطره وَجْهَان أقيسهما
(1/454)
أَنه لَا يفْطر إِذْ لَا فعل لَهُ كَذَا
ذكره فِي شرح الْمُهَذّب وَمثل هَذَا إِذا نزلت النخامة إِلَى
الْبَاطِن وَكَانَ قَادِرًا على مجها فَتَركهَا حَتَّى جرت
بِنَفسِهَا فَوَجْهَانِ أوفقهما لكَلَام الْأَئِمَّة كَمَا
قَالَه الرَّافِعِيّ أَنه يفْطر لتَقْصِيره
الثَّامِن إِذا حلق شخص رَأس الْمحرم بِغَيْر إِذْنه فَإِن
كَانَ مكْرها أَو نَائِما فالفدية على الحالق فِي أصح
الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي على المحلوق وَإِن لم يكن كَذَلِك
لكنه سكت فَلم يمنعهُ فَفِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا أَنه كَمَا
لَو حلق بِإِذْنِهِ
التَّاسِع إِذا عقد وَاحِد من أهل الشَّوْكَة الْبيعَة لوَاحِد
وَالْبَاقُونَ ساكتون انْعَقَدت ولَايَته كَذَا ذكره
الْهَرَوِيّ فِي الإشرف قَالَ وَكَذَلِكَ إِذا عقد رَئِيس
الْكفَّار الْهُدْنَة لأهل بَلَده أَو إقليمه وَسكت
الْبَاقُونَ
الْعَاشِر إِذا نقض بعض الْمُشْركين الْهُدْنَة وَسكت
الْبَاقُونَ فَلم ينكروا على الناقض بقول وَلَا فعل انْتقض
عَهدهم وَإِن أَنْكَرُوا بِالْفِعْلِ بِأَن اعتزلوهم أَو
بالْقَوْل بِأَن بعثوا إِلَى الإِمَام بِأَنا مقيمون على
الْعَهْد لم ينْتَقض قَالَه الرَّافِعِيّ
الْحَادِي عشر إِذا استدخلت الْمَرْأَة ذكر الزَّوْج الْمولى
عَنْهَا لم تنْحَل يَمِينه وَهل تحصل بِهِ الْفَيْئَة ويرتفع
حكم الْإِيلَاء وَجْهَان أصَحهمَا نعم وَقطع بِهِ كَثِيرُونَ
(1/455)
الثَّانِي عشر إِذا استلحق بَالغا
بِنَفسِهِ بِأَن قَالَ هَذَا وَلَدي فَسكت فَإِنَّهُ لَا
يلْحقهُ بل لَا بُد من تصريحه بالتصديق كَذَا جزم بِهِ
الرَّافِعِيّ فِي أَوَاخِر كتاب الْإِقْرَار ثمَّ خَالف ذَلِك
فِي كتاب الشَّهَادَة فِي الْبَاب الثَّالِث مِنْهُ فِي
الْفَصْل الثَّانِي الْمَعْقُود للشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ
فَجزم هُنَاكَ بِأَنَّهُ يَكْفِي السُّكُوت
الثَّالِث عشر إِذا ادّعى رق شخص بَالغ فِي يَده وَبَاعه فَإِن
صرح الشَّخْص بِالْملكِ أَو بِعَدَمِهِ فَوَاضِح وَإِن سكت
فَالصَّحِيح كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الأول من
كتاب الدَّعْوَى أَنه يجوز الْإِقْدَام على شِرَائِهِ لِأَن
الظَّاهِر أَن الْحر لَا يسترق وَقيل لَا بُد من تصريحه
بِأَنَّهُ مَمْلُوك
مَسْأَلَة 2
قَالَ الْآمِدِيّ وَجَمَاعَة يَسْتَحِيل اتِّفَاق أهل الْعَصْر
الثَّانِي على أحد قولي الْعَصْر الأول لِأَن الْأَوَّلين قد
أَجمعُوا على أَن الْمَسْأَلَة اجتهادية
وَالصَّحِيح كَمَا قَالَه الإِمَام فَخر الدّين وَابْن
الْحَاجِب إِمْكَانه ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ الإِمَام
وَأَتْبَاعه يكون إِجْمَاعًا محتجا بِهِ لِأَنَّهُ سَبِيل
الْمُؤمنِينَ وَقيل لَا أثر لهَذَا الْإِجْمَاع وَهُوَ مَذْهَب
(1/456)
الشَّافِعِي كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ فِي
المنخول وَابْن برهَان فِي الْأَوْسَط وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ
وَالرُّويَانِيّ فِي الْبَحْر إِنَّه ظَاهر مَذْهَب
الشَّافِعِي وَالْجُمْهُور وَقَالَ فِي الْبُرْهَان ميل
الشَّافِعِي إِلَيْهِ قَالَ وَمن عِبَارَته الرشيقة فِي ذَلِك
إِن الْمذَاهب لَا تَمُوت بِمَوْت اصحابها وَلم يرجح ابْن
الْحَاجِب شَيْئا قَالَ النَّوَوِيّ فِي كتاب الْجَنَائِز من
شرح مُسلم فِي الْكَلَام على الصَّلَاة بعد الدّفن إِن
الْأَصَح أَنه إِجْمَاع وَكَأَنَّهُ قلد بعض الْأُصُولِيِّينَ
فِيهِ
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا تزوج الْمَرْأَة إِلَى مُدَّة كشهر وَسنة
وَنَحْوهَا وَهُوَ الْمُسَمّى بِنِكَاح الْمُتْعَة فَهَل يحد
بِوَطْئِهَا فِيهِ وَجْهَان الصَّحِيح على مَا قَالَه
الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ إِنَّه لَاحَدَّ لَكِن ذكر فِي
الْأُم فِي كتاب اخْتِلَاف مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي بَاب مَا
جَاءَ فِي الْمُتْعَة مَا حَاصله الْجَزْم بِوُجُوب الْحَد
2 - وَمِنْهَا إِذا حكم الْحَاكِم بِصِحَّة بيع أم الْوَلَد
فَهَل ينْقض حكمه لِأَن الْخلاف الْوَاقِع فِيهَا بَين
الصَّحَابَة قد عَارضه إِجْمَاع الشَّافِعِي وعلماء عصره على
الْمَنْع فِيهِ وَجْهَان لم يُصَرح الرَّافِعِيّ وَلَا
النَّوَوِيّ بتصحيح وَاحِد لَكِن ذكر فِي كتاب الْقَضَاء عَن
الرَّوْيَانِيّ أَن الْأَصَح
(1/457)
عدم النَّقْض وَأقرهُ وَنقل عَنهُ فِي كتاب
أُمَّهَات الْأَوْلَاد أَن الْأَصْحَاب قَالُوا بِالنَّقْضِ
وَأعلم أَن الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ فِي كتاب الْقَضَاء
قد نقلا وَجْهَيْن فِيمَن كَانَ أَهلا للِاجْتِهَاد مُتَقَدما
فِي الْعلم إِذا قَالَ لَا أعلم بَين الْعلمَاء خلافًا فِي
هَذِه الْمَسْأَلَة هَل يثبت الرُّجُوع بذلك أم لَا
وَاعْلَم أَن الْخلاف فِي اصل الْمَسْأَلَة هُوَ مثل الْخلاف
فِي جَوَاز تَقْلِيد الْمَيِّت وَالصَّحِيح عِنْد
الْأُصُولِيِّينَ الْجَوَاز وَصَححهُ الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي
كتاب الْقَضَاء
مَسْأَلَة 3
إِذا اخْتلف اهل الْعَصْر على قَوْلَيْنِ فَيجوز بعد ذَلِك
حُصُول الِاتِّفَاق مِنْهُم على أحد الْقَوْلَيْنِ وَيكون
حجَّة خلافًا للصيرفي
وَدَلِيلنَا إِجْمَاعهم على خلَافَة الصّديق بعد اخْتلَافهمْ
فِيهَا
وَفِي هَذَا الْإِجْمَاع وَجْهَان حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ
وَالرُّويَانِيّ فِي كتاب الْقَضَاء أَحدهمَا أَنه أقوى من
إِجْمَاع لم يتقدمه خلاف لِأَنَّهُ يدل على ظُهُور الْحق بعد
التباسه وَالثَّانِي أَنَّهُمَا سَوَاء لِأَن الْحق مقترن
بِكُل مِنْهُمَا
إِذا تقرر هَذَا فَإِن اخْتلفُوا ثمَّ مَاتَت إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ أَو ارْتَدَّت وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى
فَإِنَّهُ يصير قَول البَاقِينَ إِجْمَاعًا وَحجَّة لكَونه
قَول كل الْأمة كَذَا جزم بِهِ الإِمَام فَخر الدّين
وَأَتْبَاعه
(1/458)
وَذكر ابْن الْحَاجِب هَذِه الْمَسْأَلَة
فِي أثْنَاء اتِّفَاق أهل الْعَصْر الثَّانِي على أحد قولي
الْعَصْر الأول وَحكي عَن الْأَكْثَرين أَنه لَا يكون
إِجْمَاعًا وَذكر عَن الْآمِدِيّ نَحوه أَيْضا
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا قَالَه الْمُتَوَلِي فِي التَّتِمَّة مَا إِذا مَاتَ
وَخلف وَلدين فَأقر أَحدهمَا بثالث ثمَّ مَاتَ الْمُنكر فَهَل
يثبت نسبه فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا نعم
مَسْأَلَة 4
إِذا أَجمعُوا فِي شَيْء على حكم ثمَّ حدث فِي ذَلِك الشَّيْء
الْمجمع عَلَيْهِ صفة فَهَل يسْتَدلّ بِالْإِجْمَاع
الْمَوْجُود فِيهِ قبل الصّفة عَلَيْهِ بعد الصّفة ايضا وَإِن
لم يظْهر فِيهِ دَلِيل من قِيَاس أَو غَيره بل بِمُجَرَّد
الِاسْتِصْحَاب حَتَّى يمْتَنع إِثْبَات الْخلاف أَو يجوز
الِاجْتِهَاد فِيهِ بعد حُدُوث تِلْكَ الصّفة فَإِن اقْتضى
الْقيَاس أَو غَيره إِلْحَاقه بِمَا قبل الصّفة ألحق بِهِ
وَإِلَّا فَلَا
اخْتلفُوا فِيهِ كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ
فِي كتاب الْقَضَاء فَذهب دَاوُد إِلَى الأول فَقَالَ إِن
اخْتِلَاف الصِّفَات لَا تبيح اخْتِلَاف الحكم إِلَّا بِدَلِيل
قَاطع
وَذهب الشَّافِعِي وَجُمْهُور الْعلمَاء إِلَى الثَّانِي
وَمِثَال ذَلِك انْعِقَاد الْإِجْمَاع على بطلَان التَّيَمُّم
بِرُؤْيَة المَاء قبل الصَّلَاة فَإِذا رَآهُ فِيهَا فَهَل
يكون ذَلِك بِالْإِجْمَاع دَلِيلا على الْبطلَان فِي تِلْكَ
الْحَالة أم لَا بُد من دَلِيل آخر وَلِهَذَا اخْتلفُوا فِي
الْبطلَان وصححوا الصِّحَّة
(1/459)
= الْكتاب الرَّابِع فِي الْقيَاس=
(1/461)
مَسْأَلَة 1
مَذْهَب الشَّافِعِي كَمَا قَالَ فِي الْمَحْصُول إِنَّه يجوز
الْقيَاس فِي الْحُدُود وَالْكَفَّارَات والتقديرات والرخص
إِذا وجدت شَرَائِط الْقيَاس فِيهَا ويعبر أَيْضا عَن
الرَّابِع بالمخالف للقواعد
وَقَالَت الْحَنَفِيَّة لَا يجوز فِي الْأَرْبَعَة
فَأَما الرُّخص فقد رَأَيْت فِي الْبُوَيْطِيّ الْجَزْم
بِالْمَنْعِ فِيهَا فَقَالَ وَلَا يعدى بالرخص موَاضعهَا ذكر
ذَلِك فِي أَوَائِل الْكتاب قبل كتاب الطَّهَارَة بِدُونِ ورقة
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع قَاعِدَة الرُّخص
1 - جَوَاز التَّدَاوِي بِغَيْر أَبْوَال الْإِبِل من
النَّجَاسَات وَفِيه وَجْهَان أصَحهمَا الْجَوَاز مَا عدا
الْخمر الصّرْف وَاصل الْخلاف أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام أَمر العرنيين لما قدمُوا الْمَدِينَة فمرضوا
فِيهَا أَن يخرجُوا إِلَى إبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الْبَادِيَة ويشربوا من البانها وَأَبْوَالهَا
(1/463)
فَشَرِبُوا وصحوا وشربهم للأبوال رخصَة جوز
لأجل التَّدَاوِي عِنْد الْقَائِلين بِالنَّجَاسَةِ وهم
جُمْهُور أَصْحَابنَا
2 - وَمِنْهَا إِذا صلى صَلَاة فِي شدَّة الْخَوْف فَمشى فِي
أَثْنَائِهَا أَو استدبر الْقبْلَة للْحَاجة إِلَيْهَا لم تبطل
صلَاته لوُرُود النَّص بذلك فَلَو ضرب ضربات مُتَوَالِيَة أَو
ركب وَحصل من ركُوبه فعل كثير فَقيل تبطل لِأَن النَّص ورد فِي
هذَيْن فَلَا يُقَاس عَلَيْهِمَا غَيرهمَا لِأَن الأَصْل فِي
الْعَمَل الْكثير هُوَ الْبطلَان وَالصَّحِيح عَدمه قِيَاسا
على مَا ورد
3 - وَمِنْهَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أرخص
لضباعة فِي اشْتِرَاطهَا فِي الْإِحْرَام بِالْحَجِّ أَن تتحلل
بِعُذْر الْمَرَض فَاخْتلف الْأَصْحَاب فِي بَاقِي الْأَعْذَار
كنفاد النَّفَقَة وَمَوْت الْبَعِير وضلال الطَّرِيق على
وَجْهَيْن أصَحهمَا جَوَاز اشْتِرَاط التَّحَلُّل بهَا قِيَاسا
على الْمَرَض
4 - وَمِنْهَا إِذا قُلْنَا بالقديم الَّذِي اخْتَارَهُ
النَّوَوِيّ وَهُوَ
(1/464)
جَوَاز صَوْم ايام التَّشْرِيق للمتمتع
فَهَل يتَعَدَّى إِلَى كل صَوْم لَهُ سَبَب أم لَا لِأَن
الرُّخْصَة وَردت فِي الْمُتَمَتّع خَاصَّة فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا الثَّانِي
5 - وَمِنْهَا إِذا فرعنا على جَوَاز الصَّوْم عَن الْمَيِّت
لوُرُود الحدثيث الصَّحِيح وَإِن كَانَت الْقَاعِدَة امْتنَاع
النِّيَابَة فِي الْأَفْعَال الْبَدَنِيَّة فَإِن الصَّحِيح
أَن ذَلِك لَا يتَعَدَّى إِلَى الصَّلَاة وَالِاعْتِكَاف
6 - وَمِنْهَا أَن قطع نَبَات الْحرم لَا يجوز وَيسْتَثْنى
مِنْهُ الْإِذْخر لأَنهم يسقفون بِهِ بُيُوتهم ويقد بِهِ
الْيَقِين وَهُوَ الْحداد وَدَلِيله أَن الْعَبَّاس قَالَ يَا
رَسُول إِلَّا الْإِذْخر فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِم وَبُيُوتهمْ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الْإِذْخر
فَلَو احْتِيجَ إِلَى قطعه للدواء فَوَجْهَانِ أصَحهمَا كَمَا
قَالَه الرَّافِعِيّ أَنه يجوز قِيَاسا على حَاجَة الْإِذْخر
وَأولى لِأَنَّهَا أهم مِنْهَا وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن
النَّص لم يرد إِلَّا باستثناء الْإِذْخر وَهَهُنَا أَمْرَانِ
مهمان
أَحدهمَا أَن الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَاز الْقطع حَكَاهُمَا
الإِمَام فِي النِّهَايَة عَن شرح التَّلْخِيص للشَّيْخ أبي
عَليّ فقلده بِهِ الْغَزالِيّ
(1/465)
والرافعي وَالنَّوَوِيّ ثمَّ إِنِّي راجعت
كَلَام أبي عَليّ فِي الشَّرْح الْمَذْكُور فَلم أر ذَلِك
مطابقا لما فِيهِ بل جزم بِجَوَاز الْقطع وَحكى التَّرَدُّد
فِي وجوب الْجَزَاء وَقد ذكرت لَفظه فِي كتَابنَا الْمُهِمَّات
فَرَاجعه
الْأَمر الثَّانِي أَن هَذَا الْخلاف الْمَذْكُور فِي قطعه
للدواء يجْرِي فِيمَا لَو قطعه للْحَاجة الَّتِي يقطع لَهَا
الْإِذْخر كتسقيف الْبيُوت وَنَحْوه كَذَا قَالَه الْغَزالِيّ
فِي الْبَسِيط والوسيط وَمُقْتَضَاهُ رُجْحَان الْجَوَاز وَقد
تبعه عَلَيْهِ صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير فجوز الْقطع للْحَاجة
مُطلقًا وَلم يَخُصُّهُ بالدواء وَقل من تعرض للمسألة وَهل
يتَوَقَّف الْأَخْذ للْحَاجة على وجود السَّبَب أَو يجوز قطعه
وتحصيله عِنْده ليستعمله عِنْد وجود سَببه لَا سِيمَا إِذا
كَانَ غَرِيبا
وَاعْلَم أَنه يسْتَثْنى ايضا مَا يتغذى بِهِ كالرجلة
الْمُسَمّى فِي الْحجاز بالبقلة وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ فِي
معنى الزَّرْع كَذَا ذكره الْمُحب الطَّبَرِيّ قَاضِي مَكَّة
فِي شَرحه للتّنْبِيه
7 - وَمِنْهَا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رخص فِي
الْعَرَايَا وَهُوَ بيع الرطب وَالْعِنَب بمثلهما تَمرا أَو
زبيبا بِشُرُوطِهِ الْمَعْرُوفَة وَذَلِكَ للْحَاجة إِلَيْهِ
فَاخْتلف فِي تعدِي ذَلِك إِلَى غَيرهمَا من الثِّمَار على
قَوْلَيْنِ أصَحهمَا الْمَنْع
(1/466)
قلت وَأما الْمسَائِل الثَّلَاثَة
الْبَاقِيَة فلنذكر فروعها فَنَقُول
أما الْحُدُود فكإيجاب قطع النباش قِيَاسا على السَّارِق
وَالْجَامِع أَخذ مَال الْغَيْر خُفْيَة
وَمِثَال الْكَفَّارَات إِيجَابهَا على قَاتل النَّفس عمدا
بِالْقِيَاسِ على المخطىء
قَالَ الشَّافِعِي وَلِأَن الْحَنَفِيَّة أوجبوا الْكَفَّارَة
بالإفطار بِالْأَكْلِ قِيَاسا على الْإِفْطَار بِالْجِمَاعِ
وَفِي قتل الصَّيْد خطأ قِيَاسا على قَتله عمدا
واعتذرت الْحَنَفِيَّة عَن هَذِه الْأُمُور بِمَا لَا
يَنْفَعهُمْ فَإِن حَقِيقَة الْقيَاس قد وجدت فِي هَذِه
الْأَشْيَاء
وَأما المقدرات فَقَالَ الشَّافِعِي قد قَاس الْحَنَفِيَّة
فِيهَا حَتَّى ذَهَبُوا إِلَى تقديراتهم فِي الدَّلْو والبئر
يَعْنِي أَنهم فرقوا فِي سُقُوط الدَّوَابّ إِذا مَاتَت فِي
الْآبَار فَقَالُوا فِي الدَّجَاجَة ينْزح كَذَا وَكَذَا
وَذكروا دلاء مُعينَة وَفِي الْفَأْرَة أقل من ذَلِك وَلَيْسَ
هَذَا التَّقْدِير عَن نَص وَلَا إِجْمَاع فَيكون قِيَاسا
وَذكر الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ فِي كتاب الْقَضَاء من
الْبَحْر أَن الْمَقَادِير يجوز الْقيَاس فِيهَا على الصَّحِيح
وَمثل بِأَقَلّ الْحيض وَأَكْثَره وَذكر فِي الْمَحْصُول أَن
الْعَادَات لَا يجوز الْقيَاس فِيهَا وَمثل بِمَا ذَكرْنَاهُ
وَهُوَ أقل الْحيض وَأَكْثَره وَظَاهره الْمُعَارضَة وَقد يحمل
الأول على الْحيض من حَيْثُ الْجُمْلَة وَالثَّانِي فِي
الْأَشْخَاص الْمعينَة
(1/467)
مَسْأَلَة 2
اخْتلفُوا أَيْضا فِي جَوَاز الْقيَاس فِي اللُّغَات كَمَا
إِذا ثبتَتْ تَسْمِيَة مَحل باسم لِمَعْنى مُشْتَرك وَبَينه
وَبَين غَيره فَهَل يُسمى ذَلِك الْغَيْر بذلك الِاسْم لوُجُود
الْمَعْنى الْمُقْتَضِي للتسمية وَذَلِكَ كتسمية اللائط زَانيا
والنباش سَارِقا فَقَالَ فِي الْمَحْصُول هُنَا الْحق
الْجَوَاز وَنَقله ابْن جني فِي الخصائص عَن أَكثر اللغويين
قَالَ وَذهب أَكثر أَصْحَابنَا وَأكْثر الْحَنَفِيَّة إِلَى
الْمَنْع وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَجزم بِهِ
فِي الْمَحْصُول فِي كتاب الْأَوَامِر والنواهي فِي آخر
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة
(1/468)
وَفَائِدَة الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
مَا ذكره فِي الْمَحْصُول وَهُوَ صِحَة الِاسْتِدْلَال بالنصوص
الْوَارِدَة فِي الْخمر وَالسَّرِقَة والزنى على شَارِب
النَّبِيذ والنباش واللائط
وَقد ذكر الرَّافِعِيّ فِي بَاب حد الْخمر وَجْهَيْن فِي أَنه
حَقِيقَة فِي مَاء الْعِنَب خَاصَّة أَو فِي كل مُسكر قَالَ
وَالْأَكْثَرُونَ على الأول
وَمن فروع ذَلِك ايضا الْخلاف فِي إِطْلَاق اسْم الْخمر
حَقِيقَة على الْمُسكر من غير مَاء الْعِنَب وَفِيه وَجْهَان
حَكَاهُمَا الرَّوْيَانِيّ فِي بَاب حد الْخمر وَقَالَ إِن
الْأَكْثَرين على أَنه مجَاز وَهَذَا الْخلاف يَنْبَنِي عَن
الْقيَاس فِي اللُّغَات فَإِن جوزناه كَانَ حَقِيقَة بِلَا شكّ
وَإِن لم نجوزه فمجاز
مَسْأَلَة 3
تَرْتِيب الحكم على الْوَصْف الْمُنَاسب يَقْتَضِي الْعلية على
الْمَعْرُوف أَي كَون الْوَصْف عِلّة لذَلِك الحكم كَقَوْلِك
اقْطَعْ يَد السَّارِق واقتل هَذَا الْقَاتِل فَإِن لم يكن
مناسبا فالمختار عِنْد الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب أَنه لَا
يفيدهما وَاخْتَارَ الْبَيْضَاوِيّ عَكسه وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ
بِأَن قَول الْقَائِل أهن الْعَالم وَأكْرم الْجَاهِل مستقبح
على أَن ذَلِك قد يحسن لِمَعْنى آخر فَدلَّ على أَنه لفهم
التَّعْلِيل
(1/469)
فَإِن كَانَ التَّرْتِيب بِالْفَاءِ
أَفَادَ الْعلية سَوَاء دخلت على الحكم كَقَوْلِه تَعَالَى
{وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} وَقَول
الرَّاوِي زنى مَا عز فرجم أَو على الْوَصْف كَقَوْلِه وَلَا
تقربوه طيبا فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا سمع مُؤذنًا بعد مُؤذن فالمختار اسْتِحْبَاب
إِجَابَة الْجَمِيع لقَوْله فِي الحَدِيث إِذا سَمِعْتُمْ
الْمُؤَذّن إِلَّا أَن الأول متأكد يكره تَركه كَذَا قَالَه
النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب تفقها قَالَ وَلم أر فِيهِ
نقلا وَأجَاب الشَّيْخ عز الدّين فِي الْفَتَاوَى الموصلية
بِنَحْوِ مَا أجَاب بِهِ قَالَ إِلَّا أَن الْأَذَان
الْمَفْعُول فِي الصُّبْح قبل الْوَقْت مسَاوٍ فِي ذَلِك لما
بعده لِأَن الأول رَاجِح بالتقديم وَالثَّانِي بِوُقُوعِهِ فِي
الْوَقْت وَبِأَن الأول مُخْتَلف فِي مشروعيته بِخِلَاف
الثَّانِي قَالَ وَكَذَلِكَ الْأَذَان الأول يَوْم الْجُمُعَة
مسَاوٍ للثَّانِي
(1/470)
لِأَن الأول فضل بِمَا ذَكرْنَاهُ من
التَّقْدِيم وَالثَّانِي بِكَوْنِهِ الْمَشْرُوع فِي زمن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت وَيتَّجه أَن يُقَال فِي أصل الْمَسْأَلَة إِنَّه إِن لم
يصل قبل الْأَذَان الثَّانِي فتستحب الْإِجَابَة بِلَا خلاف
وَإِن كَانَ قد صلى فَيتَّجه تَخْرِيجه على اسْتِحْبَاب
الْإِعَادَة وَقد نقل بَعضهم عَن الرَّافِعِيّ الْإِشَارَة
إِلَى شَيْء من هَذَا التَّخْرِيج فِي كتاب سَمَّاهُ الإيجاز
فِي أخطار الْحجاز
2 - وَمِنْهَا لَو علم أَنه يُؤذن وَلَكِن لم يسمعهُ لبعد أَو
صمم قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب الْمُتَّجه أَن الْإِجَابَة لَا
تشرع لَهُ
3 - وَمِنْهَا إِذا لم يسمع الترجيع فَالْمُتَّجه أَنه يُجيب
فِيهِ لقَوْله فِي الحَدِيث إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن
فَقولُوا مثل مَا يَقُول وَلم يقل فَقولُوا مثل مَا
تَسْمَعُونَ كَذَا ذكره ايضا فِي الشَّرْح الْمَذْكُور
وَقِيَاس استدلاله أَنه لَا فرق بَين الترجيع وَغَيره وَفِيه
نظر
4 - وَمن الْفُرُوع الْمُخَالفَة لهَذِهِ الْقَاعِدَة مَا لَو
قَالَ لله عَليّ إِعْتَاق هَذَا العَبْد الْكَافِر فَإِنَّهُ
لَا يلْزمه إِعْتَاقه بِخِلَاف مَا إِذا لم يَأْتِ بِالْوَصْفِ
وَكَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ يلْزمه كَذَا ذكره القَاضِي
الْحُسَيْن فِي فَتَاوِيهِ وَجزم الرَّافِعِيّ بِالْوُجُوب فِي
الصُّورَتَيْنِ وَزَاد أَنه لَا يجْزِيه بِهِ غَيره بِخِلَاف
مَا إِذا كَانَ فِي الذِّمَّة كَقَوْلِه إِعْتَاق عبد
(1/471)
كافرأو معيب فَإِنَّهُ يجْزِيه الْمُسلم
والسليم على الصَّحِيح وَقد سبق التَّعَرُّض لشَيْء من ذَلِك
الْكَلَام على مَفْهُوم الصّفة
5 - وَمِنْهَا مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي آخر الْجِنَايَات فِي
بَاب الشَّهَادَة على الدَّم فَقَالَ وَيشْتَرط أَن يضيف
الْهَلَاك إِلَى فعل الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَلَو قَالَ ضربه
بِالسَّيْفِ أَو جرحه بِهِ فَمَاتَ أَو قَالَ فأنهر الدَّم
وَمَات لم يثبت بِهِ شَيْء لاحْتِمَال الْمَوْت بِسَبَب آخر
بِخِلَاف مَا لَو قَالَ جرحه فَقتله أَو فَمَاتَ من جراحته أَو
وأنهر دَمه فَمَاتَ بِسَبَب ذَلِك فَإِن الْقَتْل يثبت وَفِي
مَعْنَاهُ أَن يَقُول فأنهر دَمه وَمَات مَكَانَهُ وَنَصّ
عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصر وَفِي لفظ الإِمَام مَا يشْعر بنزاع
فِيهِ قَالَ وَحكم الشَّهَادَة بالإيضاح والإدماء حكم
الشَّهَادَة بِالْقَتْلِ
مَسْأَلَة 4
صَلَاحِية كَون الشَّيْء جَوَابا لسؤال مغلبة على الظَّن أَنه
جَوَاب لَهُ كَقَوْل الْأَعرَابِي واقعت أَهلِي يَا رَسُول
الله فَقَالَ أعتق رقبه هَكَذَا ذكره الإِمَام وَغَيره وبنوا
على ذَلِك أَنه يكون من أَقسَام الْإِيمَاء إِلَى الْعلَّة
إِذا صَحَّ التَّعْلِيل بِهِ
(1/472)
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة فروع
أَحدهَا إِذا قَالَ لَهُ قَائِل طلقت امْرَأَتك ملتمسا مِنْهُ
انشاء تطليقها فَقَالَ نعم فأصح الْقَوْلَيْنِ إِنَّه صَرِيح
وَالثَّانِي إِنَّه كِنَايَة
فَلَو قَالَ طلقت فَقيل إِنَّه كَقَوْلِه نعم لما ذَكرْنَاهُ
وَقيل لَيْسَ بِصَرِيح قطعا لِأَن نعم مُتَعَيّن للجواب
وَقَوله طلقت مُسْتَقل بِنَفسِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاء
طلقت وَاقْتصر عَلَيْهِ فَلم يذكر الزَّوْجَة قَالَ
الرَّافِعِيّ وَقد سبق أَنه لَو اقْتصر عَلَيْهِ فَلَا طَلَاق
كَذَا ذكره فِي الطّرف السَّابِع من أَنْوَاع التعليقات لَكِن
جرم فِي بَاب أَرْكَان الطَّلَاق بِأَن الْكِنَايَة لَا تلتحق
بِالصَّرِيحِ بسؤال الْمَرْأَة الطَّلَاق مَعَ أَن طلقت
إِنَّمَا كَانَ صَرِيحًا لأجل الْقدر الَّذِي دلّ عَلَيْهِ
الْكَلَام السَّابِق
وَذكر الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي الْكَلَام على الْكِنَايَات
أَنه لَو قيل لَهُ مَا تصنع بِهَذِهِ الْمَرْأَة طَلقهَا
فَقَالَ طلقت أَو قَالَ لامْرَأَته طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت
طلقت وَقع الطَّلَاق قَالَ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّب على مَا قبله
بِخِلَاف مَا لَو قَالَ ابْتِدَاء طلقت وَنوى امْرَأَته لَا
تطلق لعدم الْإِشَارَة وَالِاسْم هَذَا كَلَامه
الثَّانِي إِذا قَالَ الْكَافِر ابْتِدَاء أسلمت أَو آمَنت لم
يكن مُسلما حَتَّى يَقُوله لله فَلَو قيل لَهُ أسلم لله أَو
آمن بِاللَّه فَقَالَ اسلمت أَو أمنت فَقَالَ الْحَلِيمِيّ
يحْتَمل أَن يكون
(1/473)
مُسلما كَذَا نَقله عَنهُ الرَّافِعِيّ فِي
آخر كتاب الرِّدَّة وَأقرهُ
الثَّالِث لَو فعل شَيْئا وَأنْكرهُ فَقَالَ لَهُ قَائِل إِن
كنت كَاذِبًا فامرأتك طَالِق فَقَالَ طَالِق وَقع الطَّلَاق
فَإِن ادّعى أَنه لم يرد طَلَاق امْرَأَته فَيقبل لِأَنَّهُ لم
يُوجد مِنْهُ تَسْمِيَة لَهَا وَلَا إِشَارَة إِلَيْهَا كَذَا
قَالَه الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء اركان الطَّلَاق وَقَرِيب من
ذَلِك مَا إِذا قَالَ الزَّوْج قبلت وَلم يقل نِكَاحهَا وَلَا
تَزْوِيجهَا وَالصَّحِيح فِيهِ عدم الصِّحَّة
وَنَظِيره من البيع قَالُوا ينْعَقد وَيكون صَرِيحًا وَهُوَ
فِي غَايَة الْإِشْكَال فَإِن الْمُقدر إِن كَانَ كالملفوظ
بِهِ لزم الِانْعِقَاد فِي النِّكَاح وَإِن لم يكن كَذَلِك لزم
أَن لَا يكون صَرِيحًا فِي البيع
الرَّابِع مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الرَّابِع من
أَبْوَاب الْخلْع إِذا قَالَت الْمَرْأَة طَلقنِي على ألف
فَإِن أجابها وَأعَاد ذكر المَال فَذَاك وَإِن اقْتصر على
قَوْله طَلقتك كفى وَانْصَرف إِلَى السُّؤَال على الصَّحِيح
لما ذَكرْنَاهُ وَقيل يَقع رَجْعِيًا وَلَا مَال نعم إِن قَالَ
قصدت الِابْتِدَاء دون الْجَواب قبل وَكَانَ رَجْعِيًا فَإِن
اتهمه حلفه
وَلَو قَالَ المُشْتَرِي لم أقصد بِقَوْلِي اشْتريت جوابك
فَفِي الْبَحْر للروياني أَن الظَّاهِر الْقبُول أَيْضا قَالَ
وَيحْتَمل أَن لَا يلْحق بِالْخلْعِ
(1/474)
وَالْفرق أَنه لَا ينْفَرد بقوله بِعْت
وينفرد بِالطَّلَاق
الْخَامِس ذكره الرَّوْيَانِيّ فِي هَذَا الْموضع ايضا من
الْبَحْر أَن الْمَرْأَة لَو سَأَلت بكناية فَقَالَت أبني
بِأَلف فَقَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَت الْمَرْأَة لم أنو
شَيْئا فَلَا يَقع الطَّلَاق على الْمَشْهُور لِأَن السُّؤَال
معاد فِي الْجَواب وَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق على ألف
وَحِينَئِذٍ فَلَا يَقع الطَّلَاق مَا لم يلْزمهَا الْألف
السَّادِس إِذا قَالَ لزوجته وأجنبية إِحْدَاكُمَا طَالِق
وَقَالَ نَوَيْت الْأَجْنَبِيَّة فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ فَلَو
حضرتا وَقَالَت لَهُ زَوجته طَلقنِي فَقَالَ طَلقتك ثمَّ قَالَ
أردْت الْأَجْنَبِيَّة لم يقبل لقَرِينَة تقدم السُّؤَال كَذَا
نَقله الرَّافِعِيّ عَن التَّهْذِيب وَأقرهُ
السَّابِع إِذا قَالَت لَهُ زَوجته وَاسْمهَا فَاطِمَة طَلقنِي
فَقَالَ طلقت فَاطِمَة ثمَّ قَالَ نَوَيْت فَاطِمَة أُخْرَى
طلقت وَلَا يقبل قَوْله لدلَالَة الْحَال بِخِلَاف مَا لَو
قَالَ ابْتِدَاء طلقت فَاطِمَة ثمَّ قَالَ نَوَيْت أُخْرَى
كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ فِي بَاب أَرْكَان الطَّلَاق عَن
فَتَاوَى الْقفال ثمَّ نقل بعده بِنَحْوِ صفحة مَا حَاصله
تَرْجِيح عدم الْوُقُوع إِلَّا إِذا أَرَادَ زَوجته
الثَّامِن لَو قيل لَهُ كلم زيدا الْيَوْم فَقَالَ وَالله لَا
كَلمته انْعَقَدت الْيَمين على الْأَبَد إِلَّا أَن يَنْوِي
الْيَوْم كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ فِي آخر الْأَيْمَان عَن
الْمُبْتَدَأ للروياني وَلم يُخَالِفهُ
التَّاسِع مَا نَقله الرَّافِعِيّ قبيل الرّجْعَة عَن البوشنجي
أَن
(1/475)
امْرَأَته لَو اتهمته بالغلمان فَحلف أَن
لَا يَأْتِي حَرَامًا ثمَّ قبل غُلَاما أَو لمسه يَحْنَث
لعُمُوم اللَّفْظ قَالَ بِخِلَاف مَا لَو قَالَت لَهُ قد فعلت
كَذَا حَرَامًا فَقَالَ إِن فعلت حَرَامًا فَأَنت طَالِق لَا
يَقع لِأَن كَلَامه هَهُنَا قد ترَتّب على كَلَامهَا وَهُنَاكَ
قد اخْتلف اللَّفْظ فَحمل كَلَامه على الِابْتِدَاء
وَاعْلَم أَن مَا ذكره البوشنجي فِي الأولى من التَّحْرِيم فِي
اللَّمْس وَوَافَقَهُ هُوَ وَالنَّوَوِيّ عَلَيْهِ مُتَّجه على
مَا صَححهُ النَّوَوِيّ من تَحْرِيم النّظر إِلَى الْأَمْرَد
بِغَيْر شَهْوَة فَإِنَّهُ إِذا حرم كَانَ تَحْرِيم اللَّمْس
بطرِيق الأولى وَأما على مَا قَالَه الرَّافِعِيّ
وَالْجُمْهُور من جَوَاز النّظر فَلَا يَسْتَقِيم مَعَه
تَحْرِيم اللَّمْس لِأَنَّهُ كَالرّجلِ على هَذَا التَّقْرِير
وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الَّتِي أَجَابَهُ فِيهَا
بِعَدَمِ الْحِنْث فقد اسقطها النَّوَوِيّ من الرَّوْضَة
وَالْحكم الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ فِيهَا مُشكل وَالْقِيَاس
الْحِنْث
الْعَاشِر إِذا قَالَت لَهُ زَوجته إِذا قلت لَك طَلقنِي مَا
تَقول فَقَالَ اقول طَلقتك لَا يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ
إِخْبَار عَمَّا يفعل فِي الْمُسْتَقْبل كَذَا قَالَه
الرَّافِعِيّ فِي أثْنَاء تَعْلِيق الطَّلَاق وَإِنَّمَا يَصح
التَّعْلِيل على تَقْدِير عود السُّؤَال فِيهِ
الْحَادِي عشر إِذا قَالَ لزوجته طَلِّقِي نَفسك وَنوى
الثَّلَاث فَقَالَت طلقت ونوت الثَّلَاث وَقعت الثَّلَاث وَإِن
لم تنو هِيَ الْعدَد وَقعت وَاحِدَة وَقيل ثَلَاث
إِذا علمت هَذَا فَلَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك ثَلَاثًا فَقَالَت
طلقت
(1/476)
طلقت وَلم تلفظ بِالْعدَدِ وَلَا نوته وَقع
الثَّلَاث لِأَنَّهُ جَوَاب لكَلَامه فَهُوَ كالمعاد فِي
الْجَواب بِخِلَاف مَا إِذا نوى الثَّلَاث وَلم يتَلَفَّظ بهَا
لِأَن الْمَنوِي لَا يُمكن تَقْدِير عوده فِي الْجَواب فان
التخاطب بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ كذاذكره الرَّافِعِيّ
ثمَّ حكى عَن الإِمَام احْتِمَال أَنه لَا يَقع إِلَّا
وَاحِدَة
مَسْأَلَة 5
التَّعْلِيل بالمظنة صَحِيح كتعليل جَوَاز الْقصر وَغَيره من
الرُّخص بِالسَّفرِ الَّذِي هُوَ مظنه للْمَشَقَّة هُوَ قريب
من اخْتِلَاف النُّحَاة فِي حد الضَّرُورَة المجوزة فِي
الشّعْر مَا يمْتَنع فِي غَيره
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة
فروع
أَحدهَا إِذا قَالَ لزوجته إِن كنت حَامِلا فَأَنت طَالِق
وَكَانَ يَطَؤُهَا وَهِي مِمَّن تحبل فَهَل يجب التَّفْرِيق
إِلَى أَن يستبرأها الزَّوْج فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا لَا
لِأَن الأَصْل عدم الْحمل وَقيل نعم لِأَن الْوَطْء مَظَنَّة
لَهُ
الثَّانِي اشْتِرَاط الشَّهْوَة فِي النَّقْض بِمَسّ
الْأَجَانِب وَالصَّحِيح عدم الِاشْتِرَاط
الثَّالِث قَالُوا يجوز للْعَبد أَن يَصُوم بِغَيْر إِذن
السَّيِّد فِي وَقت لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِيهِ فَإِن كَانَ
فِيهِ ضَرَر لم يجز إِلَّا بِإِذْنِهِ لَكِن الضَّرَر أَمر
مظنون وَقد يَظُنّهُ العَبْد غير مُؤثر فِي الْخدمَة مَعَ أَنه
مُؤثر
(1/477)
فَلم يَقُولُوا بِالْمَنْعِ مُطلقًا
تَعْلِيل بالمظنة
الرَّابِع جَوَاز رُجُوع الأَصْل كالآباء والأمهات فِيمَا
وهبته لفروعهم دون الْأَجَانِب لِأَن الْأُصُول يقصدون مصلحَة
فروعهم فقد يرَوْنَ فِي وَقت أَن الْمصلحَة فِي الرُّجُوع
إِمَّا لقصد التَّأْدِيب أَو غير ذَلِك فجوزناه بِخِلَاف
الْأَجْنَبِيّ وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط هَذِه الْمصلحَة
لجَوَاز الرُّجُوع وَالصَّحِيح عدم اشْتِرَاطهَا تعليلا
بالمظنة
وَهَذِه الْمَسْأَلَة هِيَ نَظِير مَا إِذا كَانَ الْأَب أَو
الْجد عدوا للبكر وَقد نقل الرَّافِعِيّ فِيهِ عَن ابْن كج
وَابْن الْمَرْزُبَان أَنه لَا يجبرها على التَّزَوُّج ثمَّ
نقل أَعنِي الرَّافِعِيّ فِيهِ احْتِمَالا فِي الْجَوَاز
وَقِيَاس ولَايَة المَال أَن تكون كولاية النِّكَاح فِي ذَلِك
الْخَامِس أَن الْمُكْره على الطَّلَاق لَو قدر على التورية
كَقَوْلِه طَارق بالراء وَنَحْوه فَهَل يلْزمه ذَلِك على
وَجْهَيْن أصَحهمَا لَا
السَّادِس جوزوا للمعتكف الْخُرُوج إِلَى بَيته للْأَكْل
ولقضاء حَاجَة الْإِنْسَان لاستحيائه من فعل ذَلِك مَعَ
الطارقين هُنَاكَ فَلَو اعْتكف فِي مَوضِع مغلق عَلَيْهِ
كالمنارة مثلا أَو كَانَ الْمَسْجِد نَفسه مَهْجُورًا يغلقه
على نَفسه إِذا دخل إِلَيْهِ فَيتَّجه امْتنَاع الْخُرُوج
لانْتِفَاء الْمَعْنى وَيحْتَمل الْجَوَاز اعْتِبَارا بالمظنة
لَا بآحاد الْأَفْرَاد
(1/478)
مَسْأَلَة 6
إِذا تردد فرع بَين مشابهة أصلين أَحدهمَا يُشبههُ فِي
الصُّورَة وَالْآخر يُشبههُ فِي الْمَعْنى وَعبر عَنهُ بَعضهم
بالمشابهة فِي الحكم فَلَا خلاف كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ فِي
الْمُسْتَصْفى أَن ذَلِك حجَّة لتردده بَين قياسين مناسبين
وَلذَلِك سمي قِيَاس غَلَبَة الِاشْتِبَاه وَاخْتلفُوا فِي
الْمُعْتَبر مِنْهُمَا فَقَالَ الشَّافِعِي تعْتَبر المشابهة
المعنوية وَقَالَ ابو بكر ابْن علية تعْتَبر الصورية وَمِنْه
إِيجَاب أَحْمد التَّشَهُّد الأول كالثاني وَعدم إِيجَاب أبي
حنيفَة الثَّانِي كَالْأولِ
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا قتل عبدا وَكَانَت قِيمَته تزيد على الدِّيَة
فَإِن الْقيمَة تجب عِنْد الشَّافِعِي وَإِن زَادَت إِلْحَاقًا
لَهُ بِسَائِر المملوكات وَقَالَ غَيره لَا يُزَاد على
الدِّيَة نظرا إِلَى مشابهة الْحر فِي الصُّورَة
2 - وَمِنْهَا السلت بسين مُهْملَة مَضْمُومَة وَلَام سَاكِنة
وتاء مثناة من فَوق وَهُوَ حب يشبه الْحِنْطَة فِي الصُّورَة
إِذْ هُوَ
(1/479)
على لَوْنهَا ونعومتها وَيُشبه الشّعير فِي
برودة الطَّبْع هَذَا هُوَ الْمَنْقُول عِنْد اللغويين
وَالْمَعْرُوف أَيْضا عِنْد الْفُقَهَاء وَعَكسه بَعضهم
وَاخْتلف اصحابنا فَقيل إِنَّه مُلْحق بِالْحِنْطَةِ حَتَّى
يكمل بِهِ نصابها وَقيل بِالشَّعِيرِ وَالصَّحِيح أَنه جنس
مُسْتَقل لتعارض الْمَعْنيين
مَسْأَلَة 7
إِذا استنبط الْمُجْتَهد من النَّص وَصفا مناسبا واراد تَعديَة
الحكم إِلَى مَحل آخر لأجل وجوده فَمنع الْخصم علية ذَلِك
الْوَصْف لم يلْتَفت إِلَى مَنعه بل يلْزمه القَوْل بِهِ أَو
معارضته يُوصف آخر يصلح للعلية لِأَن الْغَالِب على
الْأَحْكَام تعليلها وَقد وجدنَا معنى مناسبا وَالْأَصْل عدم
غَيره فَتعين مَا وَجَدْنَاهُ للعلية وَهَذِه الْقَاعِدَة
ذكروها فِي مَوَاضِع مِنْهَا مَفْهُوم الصّفة وَمن فروعها
1 - مَا إِذا قَامَت بَيِّنَة عِنْد الْحَاكِم بِأَن فلَان بن
فلَان الْفُلَانِيّ قد أقرّ بِكَذَا فاعترف شخص بِأَن هَذَا
النّسَب صَادِق عَلَيْهِ وَأنكر أَن يكون هُوَ الْمقر
فَإِنَّهُ لَا يرجع إِلَيْهِ فِي ذَلِك بل يلْزمه مَا أقرّ
بِهِ أَو يثبت أَن لَهُ من يُشَارِكهُ فِي هَذَا النّسَب
وَاعْلَم أَن هَذِه الْقَاعِدَة الَّتِي ذكرهَا الأصوليون يشكل
عَلَيْهَا مَا قَالُوهُ إِن الْإِجْمَاع الْمُوَافق لحَدِيث
لَا يجب أَن يكون ناشئا عَنهُ لجَوَاز اجْتِمَاع دَلِيلين
وَخَالف أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ فَقَالَ يجب ذَلِك لما
قُلْنَاهُ
(1/480)
مَسْأَلَة 8
تَعْلِيل الحكم الْوَاحِد بعلتين فِيهِ اقوال
أَحدهَا يجوز مُطلقًا بِدَلِيل مَا لَو قتل وارتد وَالْعِيَاذ
بِاللَّه تَعَالَى وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب
وَالثَّانِي يمْتَنع مُطلقًا لِأَن إِسْنَاد الحكم إِلَى
أَحدهمَا يَقْتَضِي صرفه عَن الآخر وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ
وَالثَّالِث وَاخْتَارَهُ فِي الْمَحْصُول فِي الْكَلَام على
الْفرق وَتَابعه عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيّ يجوز فِي المنصوصة
للدليل الأول دون المستنبطة للدليل الثَّانِي
قَالَ الْآمِدِيّ وَمحل الْخلاف فِي الْوَاحِد بالشخص كتحريم
امْرَأَة بِعَينهَا وَوُجُوب قتل شخص بِعَيْنِه قَالَ وَأما
الْوَاحِد بالنوع كالتحريم من حَيْثُ هُوَ فَيجوز بِلَا خلاف
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا أحدث أحداثا ثمَّ نوى حَالَة الْوضُوء رفع
بَعْضهَا وَفِيه وُجُوه أَصَحهَا يَكْفِي لِأَن الْحَدث نَفسه
كالنوم وَنَحْوه لَا يرْتَفع وَإِنَّمَا يرْتَفع حكمه وَهُوَ
وَاحِد وَإِن تعدّدت أَسبَابه وَالثَّانِي لَا يَكْفِي مُطلقًا
وَالثَّالِث إِن نوى الأول صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَالرَّابِع
عَكسه وَالْخَامِس إِن نفى غير الْمَنوِي لم يَصح وَإِلَّا
فَيصح
(1/481)
2 - وَمِنْهَا إِذا صَادف نذران زَمَانا
وَاحِدًا كَمَا إِذا قَالَ إِن قدم زيد فَللَّه تَعَالَى على
أَن أَصوم الْيَوْم التَّالِي لقدومه وَإِن قدم عَمْرو فَللَّه
عَليّ أَن أَصوم أول خَمِيس فَقدما مَعًا يَوْم الْأَرْبَعَاء
فَلَا يجزىء صِيَامه عَنْهُمَا مَعًا كَمَا نَقله صَاحب
التَّتِمَّة بل عَلَيْهِ أَن يَصُوم عَن أول نذر وَيَقْضِي
يَوْمًا للنذر الثَّانِي ثمَّ قَالَ وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا
ينْعَقد النّذر الثَّانِي كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَنهُ ثمَّ
نقل فِي نَظِير الْمَسْأَلَة أَن الثَّانِي لَا ينْعَقد على
وفْق احْتِمَال الْمُتَوَلِي ثمَّ أعَاد النَّوَوِيّ
الْمَسْأَلَة قبيل الْبيُوع من زوائده فَقَالَ لَو نذر صِيَام
سنة مُعينَة ثمَّ قَالَ إِن شفى الله مريضي فَللَّه عَليّ
صَوْم الأثانين من هَذِه السّنة قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن فِي
فَتَاوِيهِ لَا ينْعَقد الثَّانِي لِأَن الزَّمَان مُسْتَحقّ
لغيره وَقَالَ الْعَبَّادِيّ ينْعَقد فَيلْزمهُ الْقَضَاء قيل
لَهُ لَو كَانَ لَهُ عبد فَقَالَ إِن شفى الله مريضي فَللَّه
عَليّ عتقه ثمَّ قَالَ إِن قدم زيد فعلي عتقه قَالَ ينعقدان
فَإِن وَقعا مَعًا أَقرع بَينهمَا
3 - وَمِنْهَا إِذا شَرط الْمُتَبَايعَانِ خِيَار الثَّلَاث
فَإِن الْأَصَح أَن ابتداءها من حِين العقد وَحِينَئِذٍ فَيبقى
لَهُ الْفَسْخ بعلتين وَالثَّانِي يبْقى من حِين التَّفَرُّق
فَلَو اشْترى غَائِبا بِالْوَصْفِ وصححناه فَإِن الْخِيَار
يثبت عِنْد الرُّؤْيَة ويمتد إِلَى آخر مجْلِس الرُّؤْيَة
فَلَو شَرط مَعَ ذَلِك خِيَار الثَّلَاث فَيكون فِي أَولهَا
الْوَجْهَانِ السابقان فَإِن قُلْنَا هُنَاكَ من العقد فَيكون
هُنَا من الرُّؤْيَة وَإِن قُلْنَا من التَّفْرِقَة فَيكون
هُنَا من انْقِضَاء خِيَار الرُّؤْيَة كَذَا ذكره الدَّارمِيّ
فِي كِتَابه الْمُسَمّى جَامع الْجَوَامِع ومودع البدايع وَمن
خطه نقلت
4 - وَمِنْهَا مَا قَالَه الدَّارمِيّ أَيْضا فِي الْكتاب
الْمَذْكُور أَنه
(1/482)
إِذا اجْتمعت أَنْوَاع من الْخِيَار
كَخِيَار الْمجْلس وَالشّرط وَالْعَيْب والرؤية ففسخ الْعَاقِد
فَينْظر إِن صرح بِالْفَسْخِ بجميعها انْفَسَخ بِالْجَمِيعِ
وان صرح بِالْبَعْضِ انْفَسَخ بِهِ وان أطلق فينفسخ
بِالْجَمِيعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضهَا أولى من بعض قَالَ
وَكَذَلِكَ فِي الْإِجَازَة إِذا أجَاز فِي الْجَمِيع أَو أطلق
فان أجَاز بِالْبَعْضِ بَقِي الْخِيَار بِالْبَاقِي
5 - وَمِنْهَا مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي آخر الْبَاب الأول من
أَبْوَاب الطَّلَاق أَنه إِذا وطىء امْرَأتَيْنِ واغتسل عَن
الْجَنَابَة وَحلف أَنه لم يغْتَسل عَن الثَّانِيَة لم يَحْنَث
6 - وَمِنْهَا مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو عَليّ السنجي قبيل كتاب
الزَّكَاة من شرح التَّلْخِيص أَن الْمَرْأَة إِذا كَانَت جنبا
فَحَاضَت ثمَّ اغْتَسَلت وَكَانَت قد حَلَفت أَنَّهَا لَا
تَغْتَسِل عَن الْجَنَابَة فَالْعِبْرَة عندنَا بِالنِّيَّةِ
فان نَوَت الِاغْتِسَال عَنْهُمَا تكون مغتسلة عَنْهُمَا وتحنث
وان نَوَت عَن الْحيض وَحده لم تَحنث لِأَنَّهَا لم تَغْتَسِل
عَن الْجَنَابَة وَإِن كَانَ غسلهَا مجزيا عَنْهُمَا مَعًا
قَالَ وَرجح الْقفال الْحِنْث هَذَا كَلَامه وَقد ظهر لَك
مِمَّا نَقَلْنَاهُ الْآن عَن الرَّافِعِيّ أَنه صور مَسْأَلَة
الْيَمين بِحَال اتِّحَاد النَّوْع وَقد يُؤْخَذ مِنْهَا
التَّخْصِيص أَيْضا فِي مَسْأَلَة الشَّيْخ ابي عَليّ حَتَّى
إِذا نوى مَا عدى الأولى من أَفْرَاد النَّوْع قَاصِدا لم يَصح
وَهُوَ مُتَّجه
مَسْأَلَة 9
الْمَعْلُول هَل هُوَ مُقَارن لتَمام علته أم يتَأَخَّر
عَنْهَا فِيهِ
(1/483)
مذهبان قريبان من الْخلاف السَّابِق ذكره
فِي بَاب الْخُصُوص فِي الشَّرْط مَعَ الْمَشْرُوط
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي آخر كتاب الظِّهَار فِي
الْكَلَام على التفكير بِالْعِتْقِ فَقَالَ وَاخْتلف
الْأَصْحَاب فِي أَن الطَّلَاق وَالْعِتْق وَسَائِر
الْأَلْفَاظ هَل يثبت حكمهَا مَعَ الْجُزْء الْأَخير من
اللَّفْظ أم عقب تَمام أَجْزَائِهِ على الِاتِّصَال
وَالْأَكْثَرُونَ على الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ
الشَّيْخ ابو عَليّ قَالَ وبنوا على هَذَا مَا إِذا قَالَ
لغيره أعتق عَبدك عني فَأعْتقهُ عَنهُ فانه يدْخل فِي ملك
السَّائِل وَيعتق عَلَيْهِ وَهل يدْخل فِي ملكه مَعَ آخر
اللَّفْظ أَو بعده يبْنى على مَا ذَكرْنَاهُ فعلى مَا سبق أَنه
الصَّحِيح إِذا تمّ اللَّفْظ حصل الْملك ثمَّ الْعتْق
2 - وَمِنْهَا إِذا ارتضع الصَّبِي خمس رَضعَات وَحصل
التَّحْرِيم وانفساخ النِّكَاح حَيْثُ يحصل فَهَل يثبت ذَلِك
مَعَ الرضعة أَو عَقبهَا فِيهِ هَذَا الْخلاف
(1/484)
= الْكتاب الْخَامِس فِي دَلَائِل اخْتلف
فِيهَا=
(1/485)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وفيهَا بَابَانِ الأول فِي المقبول مِنْهَا - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَسْأَلَة 1
قد سبق فِي أَوَائِل الْكتاب أَن الْمُخْتَار فِي الْأَفْعَال
قبل الْبعْثَة هُوَ التَّوَقُّف أَي لَا يحكم عَلَيْهَا
بِإِبَاحَة وَلَا تَحْرِيم وَأما بعد الشَّرْع فَمُقْتَضى
الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة أَن الأَصْل فِي الْمَنَافِع
الْإِبَاحَة لقَوْله تَعَالَى {خلق لكم مَا فِي الأَرْض
جَمِيعًا} وَفِي المضار أَي مؤلمات الْقُلُوب هُوَ التَّحْرِيم
لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا ضَرَر وَلَا ضرار
فِي الْإِسْلَام كَذَا ذكره الإِمَام فَخر الدّين والآمدي
(1/487)
وأتباعها وَحكى النَّوَوِيّ فِي بَاب
الِاجْتِهَاد من التَّحْقِيق وَشرح الْمُهَذّب ثَلَاثَة أوجه
لِأَصْحَابِنَا فِي أَن أَصْلهَا الْإِبَاحَة أَو التَّحْرِيم
أَو لَا حكم بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ وأصحها الثَّالِث
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة فروع
أَحدهَا إِذا وجدنَا شعرًا وَلم يدر هَل هُوَ من مَأْكُول أم
لَا فَهَل هُوَ نجس أَو طَاهِر على وَجْهَيْن أصَحهمَا فِي
بَاب الْأَوَانِي من زَوَائِد الرَّوْضَة هُوَ الطَّهَارَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ هما مبنيان على أَن
الأَصْل فِي الْمَنَافِع الْإِبَاحَة أَو التَّحْرِيم
الثَّانِي إِذا رأى شخصا وَلم يدر هَل هُوَ مِمَّن يحرم النّظر
إِلَيْهِ أَو لَا كَمَا لَو شكّ هَل هُوَ ذكر أم انثى أَو شكّ
فِي أَن الْأُنْثَى محرم أَو أَجْنَبِيَّة أَو أَن
الْأَجْنَبِيَّة حرَّة أَو أمة وَنَحْوه فَيتَّجه تَخْرِيج
جَوَازه على هَذِه الْقَاعِدَة
الثَّالِث أَن فَأْرَة الْمسك طَاهِرَة إِذا انفصلت من الظبية
فِي حَيَاتهَا فَلَو شككنا فِي أَنَّهَا انفصلت مِنْهَا فِي
الْحَيَاة أَو بعد الْمَوْت فَيتَّجه أَن يُقَال ان تَيَقّن
وَقت انفصالها وَشك فِي وَقت الْمَوْت كَمَا إِذا تَيَقّن
انفصالها عَنْهَا فِي وَقت الظّهْر مثلا وشككنا فِي أَنَّهَا
مَاتَت قبل الظّهْر أَو بعده فَتكون طَاهِرَة لِأَن الأَصْل
بَقَاء الْحَيَاة عِنْد انفصالها إِذا الأَصْل فِي كل حَادث
تَقْدِيره فِي أقرب زمن وَإِن تَيَقّن وَقت مدَّتهَا وَشك هَل
الِانْفِصَال قبل ذَلِك أَو بعده فبالعكس لما ذَكرْنَاهُ
بِعَيْنِه وَإِن لم يتَيَقَّن وَقت وَاحِد
(1/488)
مِنْهُمَا فيتخرج على أَن الأَصْل
الْإِبَاحَة أم لَا وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهَا كَانَت فِي حَال
الْحَيَاة مَحْكُومًا عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ وَالْأَصْل
بَقَاء ذَلِك الحكم لأَنا شككنا فِي المنجس وَهُوَ الْمَوْت
السَّابِق على الِانْفِصَال وَالْأَصْل عَدمه
الرَّابِع إِذا لم يعرف حَال النَّهر هَل هُوَ مُبَاح أَو
مَمْلُوك فَهَل يجْرِي عَلَيْهِ حكم الْإِبَاحَة أَو الْملك
على وَجْهَيْن مفرعين على أَن الأَصْل الْإِبَاحَة أَو
الْحَظْر ذكره الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي
الْخَامِس الثَّوْب الْمركب من الْحَرِير وَغَيره إِذا كَانَ
وزنهما سَوَاء فِي حلَّة وَجْهَان ينبنيان على هَذِه
الْقَاعِدَة أصَحهمَا الْحل
مَسْأَلَة 2
اسْتِصْحَاب الْحَال حجَّة على الصَّحِيح وَقد يعبر عَنهُ
بِأَن الأَصْل فِي كل حَادث تَقْدِيره فِي أقرب زمن وَبِأَن
الأَصْل بَقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ وَلذَلِك فروع
كَثِيرَة مَشْهُورَة
أَحدهَا إِذا وكل بتزويج ابْنَته فَحصل موت الْمُوكل وَوُقُوع
النِّكَاح وشككنا فِي السَّابِق قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن
فيتخرج على الْوَجْهَيْنِ فِي الأَصْل وَالظَّاهِر لِأَن
الأَصْل عدم النِّكَاح وَالظَّاهِر بَقَاء الْحَيَاة قَالَ
فعلى هَذَا يَصح فِي الْأَصَح كَذَا نَقله الرَّوْيَانِيّ فِي
كتاب النِّكَاح من الْبَحْر ثمَّ قَالَ وَعِنْدِي الْأَصَح
أَنه لَا يَصح لِأَن الأَصْل التَّحْرِيم فَلَا يستباح
بِالشَّكِّ وَإِذا استحضرت أَن الأَصْل فِي
(1/489)
الْحَادِث تَقْدِيره فِي أقرب زمن لزم
اقترانهما فِي الزَّمَان وَحِينَئِذٍ يحكم بِالْبُطْلَانِ
الثَّانِي انه لَا يَصح تَوْكِيل الْمَرْأَة فِي إِيجَاب
النِّكَاح وَلَا فِي قبُوله وَيصِح توكيلها فِي طَلَاق غَيرهَا
فِي الْأَصَح وَالْخُنْثَى فِي ذَلِك كَالْمَرْأَةِ كَذَا
رَأَيْته فِي كتاب الخناثا لِابْنِ الْمُسلم بِفَتْح اللَّام
الدِّمَشْقِي تلميذ الْغَزالِيّ وَأجَاب بِهِ ايضا النَّوَوِيّ
فِي بَاب نواقض الْوضُوء من شرح الْمُهَذّب تفقها بعد أَن
قَالَ إِنَّه لم ير فِي نقلا فَإِن أقدم الْوَكِيل الْمَذْكُور
على العقد ثمَّ بَان أَنه رجل فَفِي صِحَّته وَجْهَان مبنيان
على مَا إِذا بَاعَ مَال مُوَرِثه ظَانّا حَيَاته فَبَان مَيتا
قَالَه ابْن الْمُسلم ثمَّ قَالَ فان قُلْنَا بِعَدَمِ
الصِّحَّة فَقَالَت الْمَرْأَة وَقع العقد بعد التبين وَقَالَ
الزَّوْج قبله فَالْقَوْل قَول الْمَرْأَة لِأَن الأَصْل
بَقَاء الْإِشْكَال وَقد أوضحت الْمَسْأَلَة ايضا فِي كتَابنَا
الْمُسَمّى إِيضَاح الْمُشكل فِي أَحْكَام الْخُنْثَى الْمُشكل
الثَّالِث إِذا ادّعى عينا فَشَهِدت لَهُ بَيِّنَة بِالْملكِ
فِي الشَّهْر الْمَاضِي مثلا أَو أَنَّهَا كَانَت ملكه فِيهِ
أَو ادّعى الْيَد واقام بَيِّنَة على نَحْو مَا ذَكرْنَاهُ
فَفِي قبُولهَا قَولَانِ أصَحهمَا وَبِه قطع بَعضهم أَنَّهَا
لَا تقبل نعم يجوز لَهُ أَن يَقُول كَانَ ملكه وَلَا أعلم
مزيلا وَيجوز أَن
(1/490)
يشْهد بِالْملكِ فِي الْحَال استصحابا لما
عرفه قبل ذَلِك من شِرَاء أَو إِرْث أَو غَيرهمَا كَذَا قَالَه
الرَّافِعِيّ قَالَ وَلَو قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ كَانَ ملكك
أمس فَقيل لَا يُؤَاخذ بِهِ كَمَا لَو قَامَت بَيِّنَة
بِأَنَّهُ كَانَ ملكه أمس وَالأَصَح أَنه يُؤَاخذ كَمَا لَو
شهِدت الْبَيِّنَة أَنه أقرّ أمس وَالْفرق على هَذَا بَين أَن
يَقُول كَانَ ملكه أمس وَبَين أَن تقوم الْبَيِّنَة بذلك بِأَن
الْإِقْرَار لَا يكون إِلَّا عَن تَحْقِيق وَالشَّاهِد قد يخمن
حَتَّى لَو استندت الشَّهَادَة إِلَى تَحْقِيق بِأَن قَالَ
هُوَ ملكه اشْتَرَاهُ مِنْهُ قبلت وَالْخلاف فِي هَذَا
الْفِعْل يَنْبَنِي كَمَا قَالَه الْهَرَوِيّ فِي الإشراف على
أَن الِاسْتِصْحَاب هَل هُوَ حجَّة أم لَا
الرَّابِع لَو اتفقَا على الإتفاق على الْوَلَد من يَوْم موت
الْأَب وَلَكِن تنَازعا فِي تَارِيخ مَوته فَقَالَ الْوَلَد من
سنة مثلا وَقَالَ الْوَصِيّ من سنتَيْن فَالْقَوْل قَول
الْيَتِيم فِي الْأَصَح كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي آخر
الْوَصَايَا
الْخَامِس لَو اخْتلف الْوَارِث والموهوب لَهُ فِي أَن
الْهِبَة وَقعت فِي الصِّحَّة أَو فِي الْمَرَض فَالْقَوْل
قَول الْمَوْهُوب لَهُ كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح وَجزم بِهِ
فِي الرَّوْضَة فِي آخر الْهِبَة إِلَّا أَنه عبر بالمختار
وَهُوَ مُخَالف لهَذِهِ الْقَاعِدَة
السَّادِس إِذا أوصى لحمل فُلَانَة فَإِنَّمَا يعْطى لولدها
إِذا تَيَقنا وجوده فِي حَال الْوَصِيَّة بِأَن وَلدته لدوّنَ
سِتَّة أشهر أَو لأكْثر وَدون أَربع سِنِين إِذا لم يكن لَهَا
زوج أَو سيد يَغْشَاهَا فَإِن كَانَ لم يُعْط لهَذِهِ
الْقَاعِدَة
(1/491)
السَّابِع تزوج بِأمة أَو وَطئهَا
بِشُبْهَة ثمَّ اشْتَرَاهَا وَظهر بهَا حمل يجوز أَن يكون
مُتَقَدما على الشِّرَاء حَتَّى لَا تصير بِهِ أم ولد وَأَن
يكون مُتَأَخِّرًا عَنهُ فَإِن الْحمل يعْتق وَتصير
الْجَارِيَة أم ولد على الصَّحِيح لهَذِهِ الْقَاعِدَة فَإِن
وضعت لدوّنَ سِتَّة أشهر أَو لأكْثر وَلم يَطَأهَا بعد الْملك
لم تصر أم ولد وَإِن وَطئهَا بعد الْملك وَولدت لسِتَّة أشهر
من حِين الْوَطْء فَيحكم بِحُصُول الْعلُوق فِي ملك الْيَمين
وَإِن احْتمل سبقه
الثَّامِن إِذا وَكله فِي اسْتِيفَاء الْقصاص فاستوفاه ثمَّ
ثَبت أَن الْمُوكل عزل الْوَكِيل وَلم يعلم هَل وَقع الْعَزْل
بعد الِاسْتِيفَاء أَو قبله فَلَا شَيْء على الْوَكِيل كَمَا
قَالَه الرَّافِعِيّ لما ذَكرْنَاهُ
التَّاسِع إِذا علقت الْمُرْتَدَّة من مُرْتَد فَفِيهِ وُجُوه
أَصَحهَا على مَا نَقله النَّوَوِيّ عَن الْجُمْهُور أَنه
مُرْتَد الثَّانِي وَنَقله الرَّافِعِيّ فِي الشرحين عَن
تَصْحِيح الْبَغَوِيّ وَاقْتصر عَلَيْهِ أَنه مُسلم وَأطلق فِي
الْمُحَرر تَصْحِيحه وَالثَّالِث أَنه كَافِر أُصَلِّي
فَإِن ارْتَدَّ الأبوان بعد الْعلُوق بِهِ فَهُوَ مُسلم بِلَا
نزاع وَلَو احْتمل أَن يكون علوقه بعد الرِّدَّة أَو قبلهَا
فَمُقْتَضى تَقْدِير الْحَادِث فِي أقرب زمَان أَن يكون على
الْأَقْوَال وَيدل عَلَيْهِ كَلَامهم فِي الْوَصِيَّة للْحَمْل
الْعَاشِر ذكر الرَّافِعِيّ فِي آخر الْبَاب الثَّانِي من
ابواب الطَّلَاق أَنه إِذا طلق العَبْد زَوجته طَلْقَتَيْنِ
وَأعْتقهُ سَيّده فَإِن وَقع الْعتْق
(1/492)
أَولا قله رَجعتهَا وتجديد نِكَاحهَا وَإِن
طلق أَولا فَلَا تحل إِلَّا بِمُحَلل فَلَو أشكل السَّابِق
واعترف الزَّوْجَانِ بالإشكال لم يحل إِلَّا بِمُحَلل عِنْد
الْأَكْثَرين
إِذا علمت هَذَا كُله فَلَو اخْتلفَا فِي السَّابِق فَينْظر
إِن اتفقَا على وَقت الطَّلَاق كَيَوْم الْجُمُعَة مثلا
وَقَالَ عتقت يَوْم الْخَمِيس فِي الرّجْعَة وَقَالَ بل يَوْم
السبت فَالْقَوْل قَوْلهَا للقاعدة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَإِن
اتفقَا أَن الْعتْق يَوْم الْجُمُعَة وَقَالَ طلقت يَوْم السبت
فَقَالَت بل يَوْم الْخَمِيس فَالْقَوْل قَوْله لما ذَكرْنَاهُ
وَإِن لم يتَّفقَا على وَقت أَحدهمَا بل قَالَ طَلقتك بعد
الْعتْق وَقَالَت بل قبله وَاقْتصر عَلَيْهِ فَالْقَوْل قَوْله
للتَّعْلِيل السَّابِق أَيْضا وَعلله الرَّافِعِيّ بِأَنَّهُ
أعرف بِوَقْت الطَّلَاق
وَلقَائِل أَن يَقُول لم لَا نظرُوا هَا هُنَا إِلَى السَّابِق
فِي الدَّعْوَى كَمَا قَالُوا بِهِ فِيمَا إِذا اتفقَا على
الرّجْعَة وانقضاء الْعدة وَاخْتلفَا فِي السَّابِق مِنْهُمَا
الْحَادِي عشر لَو وجدنَا رَأس المَال فِي يَد الْمُسلم
إِلَيْهِ فَقَالَ الْمُسلم أقبضتكه بعد التَّفَرُّق فَيكون
بَاطِلا وَقَالَ الآخر بل قبله فَإِن أَقَامَ أَحدهمَا
بَيِّنَة فَلَا إِشْكَال وَإِن أَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة
على مَا يَدعِيهِ فقد حكى الرَّافِعِيّ فِي بَاب السّلم عَن
ابْن سُرَيج من غير اعْتِرَاض عَلَيْهِ أَن بَيِّنَة الْمُسلم
إِلَيْهِ أولى وَهَذَا فِيهِ خُرُوج عَن الْقَاعِدَة الَّتِي
ذَكرنَاهَا وَسَببه تَصْدِيق مدعي الصِّحَّة على الْمَعْرُوف
وَأَيْضًا فَلِأَن مَعَ بَيِّنَة التَّقَدُّم زِيَادَة علم
وَسكت الرَّافِعِيّ عَمَّا إِذا لم
(1/493)
تكن بَيِّنَة بِالْكُلِّيَّةِ وَيتَّجه
تَخْرِيجه أَيْضا على الْخلاف فِي دَعْوَى الصِّحَّة وَالْفساد
كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ
الثَّانِي عشر إِذا أقرّ بِجَمِيعِ مَا فِي يَده أَو بِنسَب
إِلَيْهِ فتنازعا فِي بعض مَا فِي يَده هَل كَانَ مَوْجُودا
حَال الْإِقْرَار أم لَا فَالْقَوْل قَول الْمقر كَمَا قَالَه
الرَّافِعِيّ فِي آخر الأقرار
وَلَو قَالَ لَيْسَ فِي يَدي إِلَّا ألف وَالْبَاقِي لزيد
فَإِنَّهُ يقبل أَيْضا وَبِه جزم فِي الْمطلب
وَلَو مَاتَ الْمقر فَقَالَ وَارثه لم تكن الْعين مَوْجُودَة
أفتى القَاضِي حسن بِأَن القَوْل قَول الْمقر لَهُ وَقَالَ
الْبَغَوِيّ عِنْدِي لَا تسمع الدَّعْوَى بِأَنَّهُ كَانَ فِي
الدَّار لِأَنَّهُ غير مَقْصُود بل يَدعِي أَن الْمَيِّت أقرّ
لَهُ بهَا وَالْقَوْل قَول الْوَارِث مَعَ يَمِينه أَنه لَا
يعلم إِقْرَار الْمُورث بِهِ وَالَّذِي قَالَه ضَعِيف قَالَ
لِأَن الْإِقْرَار بِهِ صَحِيح وأفتي ابْن الصّلاح بِأَن
القَوْل قَول الْوَارِث لَكِن لَا يَكْفِي الْحلف على عدم
الِاسْتِحْقَاق بل يحلف على عدم الْعلم بِوُجُود ذَلِك أَو على
أَنه دَاخل فِي الْإِقْرَار وَنَحْو ذَلِك
الثَّالِث عشر لَو اخْتلف الزَّوْجَانِ بعد الْفرْقَة فَقَالَت
الْمَرْأَة قذفتني بعد الطَّلَاق فَلَا لعان وَقَالَ الزَّوْج
بل قبله فَالْقَوْل قَول الزَّوْج كَمَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ
وَكَانَ سَببه أَن الأَصْل عدم الْحَد وايضا فَلِأَن من كَانَ
القَوْل قَوْله فِي شَيْء كَانَ القَوْل قَوْله فِي صفة ذَلِك
الشَّيْء وَهَكَذَا إِذا عرف لَهُ جُنُون سَابق وقذفه قَاذف
فَادّعى أَنه قذفه
(1/494)
فِي حَال جُنُونه فَالْقَوْل قَول
الْقَاذِف لما ذَكرْنَاهُ
الرَّابِع عشر إِذا فوض الطَّلَاق إِلَى زَوجته فاتفقا على
التَّطْلِيق لَكِن قَالَ الزَّوْج إِنَّه تَأَخّر عَن الْفَوْر
وَأنْكرت صدق الزَّوْج لما ذَكرْنَاهُ وَعلله أَيْضا
الرَّافِعِيّ بِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح
الْخَامِس عشر لَو كَانَ متزوجا برقيقة أَو كَافِرَة فَمَاتَ
الزَّوْج واتفقت ورثته معاها مَعهَا على إسْلَامهَا أَو عتقهَا
لَكِن قَالُوا إِن ذَلِك بعد موت الزَّوْج وَقَالَت الْمَرْأَة
بل قبله فَإِن الْمُصدق هُوَ الْوَرَثَة كَمَا قَالَ
الرَّافِعِيّ فِي الدَّعَاوَى
وَمثله لَو نشزت وعادت ثمَّ اخْتلفَا هَل كَانَ يَوْمًا أَو
يَوْمَيْنِ قَالَه الرَّافِعِيّ
السَّادِس عشر إِذا ادّعى بَهِيمَة أَو شَجَرَة وَأقَام
عَلَيْهَا بَيِّنَة فَإِنَّهُ لَا يسْتَحق الثَّمَرَة والنتاج
الحاصلين قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة لِأَن الْبَيِّنَة وَإِن
كَانَت لَا توجب ثُبُوت الْملك بل تظهره بِحَيْثُ يكون الْملك
سَابِقًا على إِقَامَتهَا إِلَّا أَنه لَا يشْتَرط السَّبق
بِزَمن طَوِيل ويكتفى بلحظة لَطِيفَة فِي صدق الشُّهُود وَلَا
يقدر مَا لَا ضَرُورَة إِلَيْهِ وَقيل يسْتَحق ذَلِك نعم
يسْتَحق الْحمل الْمَوْجُود فِي أصح الْوَجْهَيْنِ تبعا للْأُم
كَمَا يدْخل فِي الْعُقُود وَمُقْتَضى هَذَا الأَصْل أَن من
اشْترى شَيْئا فَادَّعَاهُ مُدع وَأَخذه مِنْهُ بِحجَّة
مُطلقَة لَا يرجع على بَائِعه بِالثّمن لاحْتِمَال انْتِقَال
الْملك من المُشْتَرِي إِلَى الْمُدَّعِي وَقد ذهب إِلَيْهِ
القَاضِي الْحُسَيْن لَكِن الَّذِي أطبق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب
ثُبُوت الرُّجُوع بل لَو بَاعَ المُشْتَرِي أَو وهب وانتزع
المَال من الْمُتَّهب أَو الْمُشْتَرى مِنْهُ كَانَ
للْمُشْتَرِي الأول الرُّجُوع
(1/495)
أَيْضا قَالَ الرَّافِعِيّ وَسبب ذَلِك
إِلَيْهِ فِي عَهده الْعُقُود لِأَن الأَصْل أَن لَا مُعَاملَة
بَين المُشْتَرِي وَالْمُدَّعِي وَلَا انْتِقَال مِنْهُ
فيستدام الْملك الْمَشْهُود بِهِ إِلَى مَا قبل الشِّرَاء
السَّابِع عشر إِذا شكّ هَل وَقع الرَّضَاع الْمُؤثر فِي
التَّحْرِيم فِي مُدَّة الْحَوْلَيْنِ أَو بعْدهَا فَلَا
تَحْرِيم فِي الْأَصَح لما ذَكرْنَاهُ
الثَّامِن عشر إِذا شكّ هَل أحرم بِالْحَجِّ قبل أشهره أَو
بعْدهَا كَانَ محرما بِالْحَجِّ كَذَا نَقله فِي الْبَيَان عَن
الصَّيْمَرِيّ وَلم يُخَالِفهُ وَعلله بعلة هَذِه الْمسَائِل
وَعبر عَنْهَا بقوله لِأَنَّهُ على يَقِين من هَذَا الزَّمَان
وَفِي شكّ مِمَّا تقدمه وَمن هَذِه الْعلَّة تعلم أَن صُورَة
الْمَسْأَلَة فِيمَا إِذا تَيَقّن دُخُول أشهر الْحَج فَإِن
شكّ هَل دخلت أم لَا انْعَقَد عمْرَة
التَّاسِع عشر إِذا قد ملفوفا فَادّعى أَنه كَانَ مَيتا
وَقَالَ الْوَلِيّ بل كَانَ حَيا فأصح الْقَوْلَيْنِ كَمَا
قَالَه الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْجِنَايَات تَصْدِيق الْوَلِيّ
الْعشْرُونَ لَو اخْتلفت الْمُتَبَايعَانِ فِي وَقت الْفَسْخ
فَقَالَ أَحدهمَا فسخت فِي وَقت الْفَسْخ وَقَالَ صَاحبه بعد
مُضِيّ الْوَقْت قَالَ الدَّارمِيّ فِي كِتَابه جَامع
الْجَوَامِع ومودع البدايع إِن ابْن الْمَرْزُبَان حكى عَن
صَاحبه أبي الْحُسَيْن بن الْقطَّان أَن فِيهِ الْأَوْجه
الْأَرْبَعَة الَّتِي فِي الرَّجْعِيَّة أَحدهَا يصدق الزَّوْج
وَالثَّانِي الزَّوْجَة وَالثَّالِث السَّابِق
(1/496)
وَالرَّابِع يحلف كل وَاحِد فِيمَا
إِلَيْهِ فَيحلف الزَّوْج على وَقت الرّجْعَة وَالزَّوْجَة على
وَقت انْقِضَاء الْعدة قَالَ فَنَقُول هَهُنَا يحلف الفاسخ أَو
صَاحبه أَو السَّابِق بِالدَّعْوَى أَو يحلف الفاسخ على وَقت
فَسخه وَصَاحبه على مُضِيّ الْخِيَار إِلَّا أَن الْعدة إِن
كَانَت بِالْحملِ أَو الْأَقْرَاء فَهُوَ إِلَى الْمَرْأَة
لِأَنَّهَا أعرف بذلك وَأما الْأَشْهر فهما مشتركان فِيهَا بل
الزَّوْج أولى بذلك لِأَن أول الْعدة من الطَّلَاق وَهُوَ
إِلَيْهِ وَأما هُنَا فالفسخ إِلَى الفاسخ فَهُوَ أعرف بِهِ
وَأما مُضِيّ الْخِيَار فأوله بِالْعقدِ وهما مشتركان فِي
مَعْرفَته وَحِينَئِذٍ فَيحْتَمل فِي مَسْأَلَتنَا وَجْهَيْن
أَحدهمَا تَصْدِيق الفاسخ لِأَنَّهُ أعرف بفسخه وَبِأَن
الأَصْل بَقَاء وَقت الْخِيَار وَالثَّانِي تَصْدِيق صَاحبه
لِأَن الأَصْل بَقَاء العقد انْتهى كَلَام الدَّارمِيّ وَمن
خطة نقلت
وَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي خِيَار الْمجْلس لَو اتفقَا على
التَّفَرُّق وَقَالَ أَحدهمَا فسخت قبله وَأنكر الآخر
فَالْقَوْل قَول الْمُنكر مَعَ يَمِينه على الصَّحِيح
وَالثَّانِي يصدق مدعي الْفَسْخ لِأَنَّهُ أعلم بتصرفه هَذَا
كَلَامه وَيدخل فِيهِ صُورَتَانِ إنكارا أصل الْفَسْخ وإنكار
تقدمه
الْحَادِي وَالْعشْرُونَ قَالَ البَائِع بِعْتُك الشَّجَرَة
بعد التَّأْبِير فالثمرة لي وَقَالَ المُشْتَرِي بل قبله
فَهِيَ لي فَالْقَوْل قَول البَائِع كَذَا ذكره فِي زَوَائِد
الرَّوْضَة قبيل السّلم
الثَّانِي وَالْعشْرُونَ إِذا قَالَت الْمَرْأَة طَلقنِي على
ألف فَطلقهَا
(1/497)
ثمَّ اخْتلفَا فَقَالَ الزَّوْج طَلقتك عقب
سؤالك وَقَالَت الْمَرْأَة بل بعده بِحَيْثُ لَا يعد جَوَابا
لَهُ فَالْقَوْل قَوْلهَا لما ذَكرْنَاهُ وَقد ذكرهَا فِي
التَّنْبِيه فِي آخر الْخلْع بِلَفْظ فِيهِ تعقيد وإلباس
الثَّالِث وَالْعشْرُونَ إِذا اسْتَأْجر الصَّبِي مُدَّة يبلغ
فِيهَا بِالسِّنِّ فَإِن الْإِجَارَة لَا تصح فِي الْمدَّة
الْوَاقِعَة بعد الْبلُوغ كَذَا قَالَه الرَّافِعِيّ فِي
الْبَاب الثَّالِث من أَبْوَاب الْإِجَارَة وَهُوَ مُشكل لِأَن
الأَصْل بَقَاء الْحجر وَالْمُتَّجه أَن يُقَال إِن اسْتمرّ
الْحجر عَلَيْهِ بعد الْبلُوغ لأجل سفهه صَحَّ وَكَذَا إِن جهل
حَاله لما ذَكرْنَاهُ من الأَصْل وَإِن بلغ رشيدا تَبينا
الْبطلَان وَيلْزم على مَا قَالَه الرَّافِعِيّ أَنه لَو غَابَ
الصَّبِي عَن وليه مُدَّة يبلغ فِيهَا بِالسِّنِّ لم يكن لَهُ
التَّصَرُّف فِي مَاله وَلَا إِخْرَاج زَكَاته بل يتَوَلَّى
الْحَاكِم ذَلِك بِحكم الْغَيْبَة نعم ذكر الْجِرْجَانِيّ فِي
الشَّافِعِي أَنا إِذا قُلْنَا إِن اخْتِيَار الْوَلِيّ
للصَّبِيّ يكون بعد الْبلُوغ فَهَل الْمُخَاطب بذلك هُوَ
الْوَلِيّ أَو الْحَاكِم فِيهِ وَجْهَان وَالْقَائِل بِأَنَّهُ
الْأَب يلْزمه أَن يَقُول فِي مَسْأَلَتنَا بِصِحَّة
الْإِجَارَة وبجميع مَا يتَفَرَّع على ذَلِك
(1/498)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْبَاب الثَّانِي فِي الْمَرْدُودَة - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَسْأَلَة 1
قَول الصَّحَابِيّ حجَّة فِيمَا لَيْسَ فِيهِ للِاجْتِهَاد
مجَال كَذَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي اخْتِلَاف الحَدِيث
فَقَالَ رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى فِي
لَيْلَة سِتّ رَكْعَات فِي كل رَكْعَة سِتّ سَجدَات وَقَالَ
لَو ثَبت ذَلِك عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ لَقلت بِهِ
فَإِنَّهُ لَا مجَال للْقِيَاس فِيهِ فَالظَّاهِر أَنه فعله
توقيفا هَذَا كَلَامه وَمِنْه نقلت وَجزم بِهِ أَيْضا فِي
الْمَحْصُول فِي بَاب الْأَخْبَار فِي الْكَلَام على كَيْفيَّة
أَلْفَاظ الصَّحَابِيّ فتفطن لَهُ ورأيته مَجْزُومًا بِهِ
لِابْنِ الصّباغ فِي كتاب الْأَيْمَان من كِتَابه الْمُسَمّى ب
الْكَامِل بِالْكَاف لَا الشين وَهُوَ كتاب فِي الْخلاف
بَيْننَا وَبَين أبي حنيفَة
وَأما قَوْله فِي الْأُمُور الْمُجْتَهد فِيهَا فَلَا يكون
حجَّة على أحد من الصَّحَابَة الْمُجْتَهدين بالِاتِّفَاقِ
كَمَا قَالَه الْآمِدِيّ وَابْن
(1/499)
الْحَاجِب وَهل يكون على غَيرهم حَتَّى يجب
عَلَيْهِم الْعَمَل بِهِ فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب أَصَحهَا
عِنْد الإِمَام والآمدي وأتباعهما أَنه لَيْسَ بِحجَّة
وَالثَّانِي أَنه حجَّة وَالثَّالِث إِن خَالف الْقيَاس كَانَ
حجَّة وَإِلَّا فَلَا
وَإِذا قُلْنَا بِأَنَّهُ حجَّة فَهَل يخص بِهِ عُمُوم كتاب
أَو سنة فِيهِ خلاف لأَصْحَاب الشَّافِعِي حَكَاهُ
الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فَلَو اخْتلفُوا أَخذنَا بقول
الْأَكْثَرين فَإِن اسْتَووا أَخذنَا بقول من مَعَه أحد
الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة فَإِن لم يكن رَجعْنَا إِلَى
التَّرْجِيح قَالَه الْمَاوَرْدِيّ فِي أول الْحَاوِي
وَإِذا قُلْنَا إِنَّه لَيْسَ بِحجَّة فَهَل يجوز للمجتهد
تَقْلِيده فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال للشَّافِعِيّ الْجَدِيد
أَنه لَا يجوز مُطلقًا وَالثَّانِي يجوز وَالثَّالِث وَهُوَ
قديم إِن انْتَشَر جَازَ وَإِلَّا فَلَا
(1/500)
وَمَا ذكرته فِي هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ
اعني الْحجَّة والتقليد قد صرح بِهِ الْغَزالِيّ فِي
الْمُسْتَصْفى والآمدي فِي الْأَحْكَام وَغَيرهمَا وأفردوا لكل
حكم مَسْأَلَة وَذكر فِي الْمَحْصُول نَحْو ذَلِك أَيْضا
فَتوهم صَاحب الْحَاصِل خلاف ذَلِك وخلط مَسْأَلَة بِمَسْأَلَة
وَتَابعه عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيّ فِي الْمِنْهَاج فَحصل
الْغَلَط كَمَا أوضحته فِي شرح الْمِنْهَاج
وَقد نَص الشَّافِعِي فِي مَوَاضِع من الْأُم على أَنه حجَّة
وعَلى هَذَا يجوز تَقْلِيده فلنذكر بَعْضهَا وَيحصل فِي ضمنه
ذكر فروع الْقَاعِدَة أَيْضا فَمِنْهَا
1 - فِي كتاب الحكم فِي قتال الْمُشْركين فَقَالَ مَا نَصه
وكل من يحبس نَفسه بالترهيب تركنَا قَتله اتبَاعا لأبي بكر
يرحمه الله ثمَّ قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا اتبَاعا لَا
قِيَاسا
2 - وَمِنْهَا فِي كتاب اخْتِلَاف أبي حنيفَة وَابْن أبي ليلى
فِي بَاب الْغَصْب فَقَالَ إِن عُثْمَان قضى فِيمَا إِذا شَرط
الْبَرَاءَة من الْعُيُوب فِي الْحَيَوَان أَن يبرأ قَالَ
وَهُوَ الَّذِي نَذْهَب إِلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إِلَى
هَذَا تقليدا هَذَا لَفظه ثمَّ صرح بِأَن الْأَصَح فِي
الْقيَاس عدم الْبَرَاءَة
(1/501)
3 - وَمِنْهَا فِي الْكتاب الْمَذْكُور
أَيْضا مَا نَصه وَإِذا أصَاب الرجل بِمَكَّة حَماما من حمامها
فَعَلَيهِ شَاة اتبَاعا لعمر وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَابْن
عمر وَغَيرهم انْتهى
وللأصحاب وَجْهَان فِي أَن إِيجَاب الشَّاة هَل هُوَ للماثلة
فِي ألف الْبيُوت أَو لتوقيف بَلغهُمْ عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
4 - وَمِنْهَا عتق أُمَّهَات الْأَوْلَاد وَهُوَ مَذْكُور بعد
بَاب جماع تَفْرِيق أهل السهْمَان مَا نَصه وَلَا يجوز إِلَّا
مَا قُلْنَا فِيهَا أَي أم الْوَلَد وَهُوَ تَقْلِيد لعمر بن
الْخطاب هَذِه عِبَارَته
وَذكر فِي الْبُوَيْطِيّ أَيْضا مَا يدل على انه حجَّة فَقَالَ
فِي بَاب الدّلَالَة لَا يحل تَفْسِير الْمُتَشَابه إِلَّا
بِسنة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو خبر عَن
أَصْحَابه وَقَالَ بعد ذَلِك أَو عَن أحد من أَصْحَابه أَو
إِجْمَاع الْعلمَاء انْتهى
وفروع الْمَسْأَلَة كَثِيرَة مِنْهَا الْمسَائِل الي ذكرتها
عَن الشَّافِعِي لأجل بَيَان مذْهبه فِي أصل الْمَسْأَلَة
(1/502)
= الْكتاب السَّادِس فِي التعادل
وَالتَّرْجِيح=
(1/503)
مَسْأَلَة 1
الأمارتان أَي الدليلان الظنيان يجوز تعارضهما فِي نفس
الْمُجْتَهد بالِاتِّفَاقِ
وَأما تعادلهما فِي نفس الْأَمر فَمَنعه جمَاعَة لعدم فائدتهما
وَذهب الْجُمْهُور كَمَا حَكَاهُ عَنْهُم فِي الْمَحْصُول
إِلَى الْجَوَاز وَكَذَلِكَ حَكَاهُ أَيْضا الْآمِدِيّ وَابْن
الْحَاجِب واختاراه وعَلى هَذَا فَقيل يتَخَيَّر الْمُجْتَهد
بَينهمَا وَجزم بِهِ الإِمَام فَخر الدّين والبيضاوي فِي
الْكَلَام على تعَارض النصين وَقيل يتساقطان وَيرجع
الْمُجْتَهد إِلَى الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة
وَإِذا قُلْنَا بالتخيير فَوَقع للْقَاضِي فَحكم بِأَحَدِهِمَا
مرّة لم يجز لَهُ أَن يحكم بِالْأُخْرَى مرّة أُخْرَى
(1/505)
وَاخْتَارَ الإِمَام فِي الأمارتين طَريقَة
ثَالِثَة فَقَالَ إِن كَانَتَا على حكمين متنافيين لفعل وَاحِد
كإباحة وَحُرْمَة فَهُوَ جَائِز عقلا مُمْتَنع شرعا
وَإِن كَانَتَا على حكم وَاحِد فِي فعلين متنافيين فَهُوَ
جَائِز وواقع وَمُقْتَضَاهُ التَّخْيِير
وَالدَّلِيل على الْوُقُوع تَخْيِير الْمَالِك لمائتين من
الْإِبِل بَين أَربع حقاق أَو خمس بَنَات لبون
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا تحير الْمُجْتَهد فِي الْقبْلَة فَإِنَّهُ
يُصَلِّي إِلَى أَي جِهَة شَاءَ فَلَو اخْتَار جِهَة ثمَّ
أَرَادَ الِانْتِقَال إِلَى غَيرهَا فَمُقْتَضى هَذِه
الْقَاعِدَة أَنه لَا يجوز سَوَاء كَانَ فِي هَذِه الصَّلَاة
أم فِي غَيرهَا وَمثله إِذا خيرناه بَين الْمُجْتَهدين فِي
الحكم
مَسْأَلَة 2
إِذا تعَارض دليلان فَالْعَمَل بهما وَلَو من وَجه أولى من
إِسْقَاط احدهما بِالْكُلِّيَّةِ لِأَن الأَصْل فِي كل وَاحِد
مِنْهُمَا هُوَ الْأَعْمَال فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا أوصى بِعَين لزيد ثمَّ أوصى بهَا لعَمْرو
فَالصَّحِيح الْمَنْصُوص التَّشْرِيك بَينهمَا لاحْتِمَال
إِرَادَته وَقيل يكون رُجُوعا
(1/506)
وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ الَّذِي
أوصيت بِهِ لزيد قد أوصيت بِهِ لعَمْرو أَو قَالَ أوصيت لَك
بِالْعَبدِ الَّذِي أوصيت بِهِ لزيد فَإِنَّهُ رُجُوع على
الصَّحِيح لِأَنَّهُ هُنَاكَ يجوز أَن يكون قد نسي الْوَصِيَّة
الأولى فاستصحبناها بِقدر الْإِمْكَان وَهنا بِخِلَافِهِ
2 - وَمِنْهَا إِذا قَامَت بَيِّنَة على أَن جَمِيع الدَّار
لزيد وَقَامَت أُخْرَى على ان جَمِيعهَا لعَمْرو وَكَانَت فِي
يدهما أَو لم تكن فِي يَد وَاحِد مِنْهُمَا فَإِنَّهَا تقسم
بَينهمَا
مَسْأَلَة 3
إِذا كَانَ بَين الدَّلِيلَيْنِ عُمُوم وخصوص من وَجه وهما
اللَّذَان يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَة وينفرد كل مِنْهُمَا عَن
الاخر فِي صُورَة كالحيوان والأبيض فيطلب التَّرْجِيح بَينهمَا
لِأَنَّهُ لَيْسَ تَقْدِيم خُصُوص أَحدهمَا على عُمُوم الآخر
بِأولى من الْعَكْس فَإِن الْخُصُوص يَقْتَضِي الرجحان وَقد
ثَبت هَهُنَا لكل وَاحِد مِنْهُمَا خُصُوص بِالنِّسْبَةِ إِلَى
الآخر فَيكون لكل مِنْهُمَا رُجْحَان على الآخر كَذَا جزم بِهِ
فِي الْمَحْصُول وَغَيره
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - تَفْضِيل فعل النَّافِلَة فِي الْبَيْت على الْمَسْجِد
الْحَرَام فَإِن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَاة
فِي مَسْجِدي هَذَا تعدل ألف صَلَاة فِيمَا عداهُ إِلَّا
الْمَسْجِد الْحَرَام يَقْتَضِي تَفْضِيل فعلهَا فِيهِ على
الْبَيْت لعُمُوم قَوْله فِيمَا عداهُ
(1/507)
وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة
يَقْتَضِي تَفْضِيل فعلهَا فِيهِ على الْمَسْجِد الْحَرَام
وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَالْمَنْقُول عندنَا فِيهِ هُوَ
الثَّانِي وَقد جزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي التَّحْقِيق وَشرح
الْمُهَذّب وَغَيرهمَا وَسَببه أَن حِكْمَة اخْتِيَار الْبَيْت
هُوَ الْبعد عَن الرِّيَاء الْمُؤَدِّي إِلَى إحباط الْأجر
بِالْكُلِّيَّةِ واما حِكْمَة المسجدين فَهِيَ الشّرف
الْمُقْتَضِي لزِيَادَة الْفَضِيلَة على مَا عداهما مَعَ
اشْتِرَاك الْكل فِي الصِّحَّة وَحُصُول الثَّوَاب
2 - وَمِنْهَا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من نَام
عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن بَينه
وَبَين نَهْيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْأَوْقَات
الْمَكْرُوهَة عُمُوما وخصوصا من وَجه لِأَن الْخَبَر الأول
عَام فِي الْأَوْقَات خَاص بِبَعْض الصَّلَوَات وَهِي المقضية
وَالثَّانِي عَام فِي الصَّلَاة مَخْصُوص بِبَعْض الوقات
وَهُوَ وَقت الْكَرَاهَة فيصار إِلَى التَّرْجِيح ومذهبنا
الْأَخْذ بِالْأولِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
قضى
(1/508)
سنة الظّهْر بعد فعل الْعَصْر وَقَالَ
شغلني عَنْهَا وَفد عبد الْقَيْس وَأَيْضًا لما فِي
الْمُبَادرَة إِلَى الْقَضَاء من الِاحْتِيَاط والمسارعة إِلَى
بَرَاءَة الذِّمَّة
3 - وَمِنْهَا عدم كَرَاهَة الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات
الْمَكْرُوهَة بِمَكَّة شرفها الله تَعَالَى فَإِن قَوْله
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَا بني عبد منَاف من ولي
مِنْكُم أَمر هَذَا الْبَيْت فَلَا يمنعن أحدا طَاف أَو صلى
أَيَّة سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار مَعَ نَهْيه عَن
الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة متعارضان من وَجه
فقدموا خُصُوص مَكَّة وَلَا بُد لَهُ أَيْضا من دَلِيل
مَسْأَلَة 4
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ منصب النُّبُوَّة
الْمُقْتَضِيَة لنقل الْأَحْكَام بِالْوَحْي عَن الله تَعَالَى
ومنصب الْإِمَامَة الْمُقْتَضِيَة للْحكم وَالْإِذْن فِيمَا
يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِذْن من الْأَئِمَّة كالتولية وَقبض
الزكوات وصرفها وَنَحْو ذَلِك فَإِنَّهُ إِمَام الْمُسلمين
والقائم بأمورهم ومنصب الافتاء بِمَا يظْهر رجحانه عِنْده
فَإِنَّهُ سيد الْمُجْتَهدين
فَإِذا ورد مِنْهُ تسليط على شي مثلا بِلَفْظ يحْتَمل
الثَّلَاث فمذهب الشَّافِعِي أَنا لَا نحمله على الثَّلَاث بل
نحمله على التشريع الْعَام لِأَنَّهُ الْغَالِب من أَحْوَاله
وَلِأَنَّهُ المنصب الْأَشْرَف وَلِأَن الْحمل عَلَيْهِ اكثر
فَائِدَة فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ إِلَّا أَن الأول أرجح من
الثَّانِي
(1/509)
للاتفاق عَلَيْهِ بِخِلَاف الِاجْتِهَاد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحمل على الثَّانِي لِأَنَّهُ
الْمُتَيَقن
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة
فروع
1 - مِنْهَا جَوَاز الْإِحْيَاء بِغَيْر إِذن الإِمَام خلافًا
لأبي حنيفَة ومدرك الْخلاف أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من
أَحْيَا أَرضًا ميتَة فَهِيَ لَهُ مُحْتَمل للاحتمالات
السَّابِقَة
2 - وَمِنْهَا اسْتِحْقَاق الْقَاتِل للسلب إِذا لم يُصَرح
الإِمَام بذلك لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قتل
قَتِيلا فَلهُ سلبه وَخَالف فِيهِ أَبُو حنيفَة
مَسْأَلَة 5
إِذا تعَارض مَا يَقْتَضِي إِيجَاب الشَّيْء مَعَ مَا
يَقْتَضِي تَحْرِيمه فَإِنَّهُمَا يتعارضان كَمَا فِي
الْمَحْصُول حَتَّى لَا يعْمل بِأَحَدِهِمَا إِلَّا بمرجح
لِأَن الْخَبَر الْمحرم يتَضَمَّن اسْتِحْقَاق الْعقَاب على
الْفِعْل والموجب يتضمنه على التّرْك وَجزم الْآمِدِيّ يترجيح
الْمحرم للاعتناء بِدفع الْمَفَاسِد وَذكر ابْن الْحَاجِب
نَحوه أَيْضا لَكِن ذكر الامدي وَابْن الْحَاجِب
(1/510)
أَيْضا أَنه رجح الْأَمر بِالْفِعْلِ عَن
النَّهْي عَنهُ
وَفِي معنى مَا ذَكرْنَاهُ مَا لَو دَار الْأَمر بَين ترك
الْمُسْتَحبّ وَفعل الْمنْهِي عَنهُ
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة فروع مِنْهَا
1 - إِذا اخْتَلَط موتى الْمُسلمين بموتى الْكفَّار فَإِنَّهُ
يجب غسل جَمِيعهم وَالصَّلَاة عَلَيْهِم فَإِن صلى عَلَيْهِم
دفْعَة جَازَ ويقصد الْمُسلمين مِنْهُم وَإِن صلى عَلَيْهِم
وَاحِدًا فواحدا جَازَ وَيَنْوِي الصَّلَاة عَلَيْهِ إِن كَانَ
مُسلما وَيَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ إِن كَانَ مُسلما
كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ وَزَاد النَّوَوِيّ أَن الصَّلَاة
عَلَيْهِم دفْعَة أفضل قَالَ واختلاط الشُّهَدَاء بغيرهم
كاختلاط الْكفَّار بِالْمُسْلِمين لِأَن الْكفَّار
وَالشُّهَدَاء لَا تجوز الصَّلَاة عَلَيْهِم
2 - وَمِنْهَا إِذا لم يعرف أَن الْمَيِّت مُسلم أَو كَافِر
فَإِن كَانَ فِي دَار الْإِسْلَام صلى عَلَيْهِ لِأَن
الْغَالِب فِيهَا الْإِسْلَام بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ فِي
دَار الْكفْر كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ وَمُقْتَضَاهُ أَنه لَا
فرق بَين ان يكون الْغَالِب على تِلْكَ الْبقْعَة الْمُسلمُونَ
أم لَا غَالب بِالْكُلِّيَّةِ وَلَو قَلِيل بالتفصيل لَكَانَ
متجها وَحِينَئِذٍ فَإِذا اسْتَويَا حرمت الصَّلَاة تَغْلِيبًا
للْحُرْمَة على الْوُجُوب وَلِأَن الصَّلَاة على الْكَافِر لَا
تفعل أصلا وَقد يتْرك حق الْمُسلم كالشهيد وَمن مَاتَ تَحت هدم
وَتعذر غسله وتيممه ثمَّ إِن قِيَاس مَا سبق أَن يَأْتِي
بِالشّرطِ فَيَقُول أُصَلِّي عَلَيْهِ إِن كَانَ مُسلما كَمَا
سبق فِي الِاخْتِلَاط
(1/511)
3 - وَمِنْهَا إِذا لم يعلم هَل الْمَيِّت
شَهِيدا أَو غَيره فَالْمُتَّجه وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ لِأَن
الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْإِسْلَام قَائِم وَقد شككنا فِي
الْمسْقط وَالْأَصْل عَدمه وَالتَّعْلِيق هُنَا على قَوْله إِن
كَانَ كَذَا بعيد لِأَنَّهُ لم يعْتَمد أصلا يتَمَسَّك بِهِ
بِخِلَاف الِاخْتِلَاط فَإِن الْمُوجب مُحَقّق فَيجب تعاطيه
بِمَا يُمكن التَّوَصُّل إِلَيْهِ
4 - وَمِنْهَا إِذا كَانَ مُحدثا أَو جنبا وَخَافَ على
الْمُصحف من اسْتِيلَاء كَافِر يمتهنه فَإِنَّهُ يحملهُ بل لَو
خَافَ مُجَرّد الضّيَاع فَإِنَّهُ يحملهُ أَيْضا لما فِي تَركه
من ضيَاعه عَلَيْهِ
وَاعْلَم أَن الشَّيْخ عز الدّين قد عبر فِي الْقَوَاعِد
بِعِبَارَة أُخْرَى فَقَالَ الْفِعْل الْوَاحِد إِذا كَانَ فِي
فعله مفْسدَة وَفِي تَركه مفْسدَة وَأجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ
يُرَاعى الأخف وَجعل من ذَلِك كشف الْعَوْرَة للمداواة
5 - وَمِنْهَا إِذا احْتجم المتوضىء أَو افْتقدَ بعد أَن صلى
فَإِنَّهُ يسْتَحبّ لَهُ تَجْدِيد الْوضُوء ليخرج من خلاف أبي
حنيفَة فَإِنَّهُمَا ناقضان للْوُضُوء عِنْده فَإِن لم يكن قد
صلى بِهِ شَيْئا فَإِنَّهُ يكره لَهُ التَّجْدِيد لانه فِي
معنى الغسلة الرَّابِعَة الْمنْهِي عَنْهَا كَذَا ذكره
القَاضِي الْحُسَيْن فِي بَاب صَلَاة الْمُسَافِرين من
تَعْلِيقه قَالَ كَانَ ابْن سُرَيج فِي هَذِه الْحَالة يمس
فرجه ثمَّ يتَوَضَّأ فدار الْأَمر فِي مَسْأَلَتنَا بَين ترك
الْمُسْتَحبّ وَهُوَ الْخُرُوج من الْخلاف وَبَين فعل مَنْهِيّ
عَنهُ وَهُوَ غسل زَائِد على الثَّلَاث
6 - وَمِنْهَا إِذا شكّ المتوضى هَل غسل مرَّتَيْنِ أَو
ثَلَاثَة فَقيل
(1/512)
يَأْخُذ بِالْأَكْثَرِ وَلَا يغسل أُخْرَى
لِأَنَّهُ مرتكب لبدعة بِتَقْدِير الزِّيَادَة وتارك لسنة
بِتَقْدِير النُّقْصَان وَلَكِن صححوا أَنه يَأْتِي بالمشكوك
فِيهِ وعللوه أَنه إِنَّمَا يكون بِدعَة بِتَقْدِير
الْإِتْيَان بِهِ مَعَ الْعلم بِالزِّيَادَةِ
7 - وَمِنْهَا أَن الْمُسْتَحبّ لمن يُرِيد الاحرام بِالْحَجِّ
أَو الْعمرَة أَن يتزين بقلم الْأَظْفَار وَحلق الشّعْر
وَنَحْوهمَا وَأَنه يكره ذَلِك لمن دخل عَلَيْهِ عشر ذِي
الْحجَّة وَهُوَ يُرِيد أَن يُضحي لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام من كَانَ لَهُ ذبح يذبحه فَإِذا أهل هِلَال ذِي
الْحجَّة فَلَا يَأْخُذن من شعره وَلَا من أَظْفَاره شَيْئا
حَتَّى يُضحي رَوَاهُ مُسلم وَالذّبْح بِكَسْر الذَّال
الذَّبِيحَة وَقيل يحرم ذَلِك وَالْعلَّة فِي النَّهْي حُصُول
الْمَغْفِرَة والتطهير لجَمِيع أَجْزَائِهِ وَقيل للتشبيه
بالمحرمين فَلَو أَرَادَ الْإِحْرَام فِي عشر ذِي الْحجَّة من
يُرِيد الْأُضْحِية فمراعاة جَانب النَّهْي مقتضي بَقَاء
الْكَرَاهَة وَهُوَ وَاضح
8 - وَمِنْهَا غسل الْيُسْرَى ثَلَاثًا قبل الْيُمْنَى ثمَّ
غسل الْيُمْنَى فَالْأَقْرَب أَنه لَا يسْتَحبّ غسل الْيُسْرَى
ثَلَاثًا مُرَاعَاة لاستحباب التَّيَامُن لِأَن الزِّيَادَة
مَنْهِيّ عَنْهَا وَالتَّرْتِيب بَين الرجلَيْن مثلا مُسْتَحبّ
كَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي شرح
الْإِلْمَام
(1/513)
قَالَ فَإِن غسل الْيُسْرَى مرّة وَاحِدَة
ثمَّ غسل الْيُمْنَى ثمَّ غسل الْيُسْرَى فَفِيهِ نظر ثمَّ إِن
الشَّيْخ قرر النّظر بِشَيْء فِيهِ ضعف
وَاعْلَم أَن الْمَسْأَلَة يتلخص مِنْهَا أَرْبَعَة اقسام
الْقسم الأول الْمَعْرُوف
وَالثَّانِي أَن يبْدَأ باليسرى فيغسلها ثَلَاثًا ثمَّ
الْيُمْنَى كَذَلِك فَفِي اسْتِحْبَاب إِعَادَة الثَّلَاث فِي
الْيُسْرَى مَا ذكره الشَّيْخ من الِاحْتِمَال
الثَّالِث أَن يغسل الْيُمْنَى مرّة ثمَّ الْيُسْرَى كَذَلِك
ثمَّ يفعل هَكَذَا ثَانِيًا وثالثا فَيحْتَمل أَن يعْتد لَهُ
بِالثلَاثِ فِي الْيُمْنَى وبواحدة فِي الْيُسْرَى وَهِي
المفعولة بعد تَمام الثَّلَاث فِي الْيَمين وَفِي الغسلتين
الْبَاقِيَتَيْنِ نظر وَيحْتَمل أَن يعْتد لَهُ فِي الْيَسَار
بِالثلَاثِ وَلَا يعْتد بالأخيرتين فِي الْيَمين لِأَن حكمهَا
قد انْقَطع بِالْأَخْذِ فِي طَهَارَة الْيُسْرَى
وَالرَّابِع أَن يغسل اولا الْيُسْرَى مرّة ثمَّ الْيُمْنَى
وَيفْعل هَكَذَا ثَانِيًا وثالثا فَيحْتَمل أمورا
أَحدهَا فَوَات سنة التَّثْلِيث فيهمَا مَعًا لِأَن
التَّثْلِيث الْمَشْرُوع فِي الْيَمين أَن يكون قبل الشمَال
وَفِي الشمَال أَن يكون بعد الْيَمين
الثَّانِي فَوَاته فِي الْيَمين خَاصَّة لِأَن مَحل ذَلِك بعد
الْيُمْنَى وَهُوَ بَاقٍ
الثَّالِث الِاعْتِدَاد بِهِ فيهمَا مَعًا فِي هَذَا الْقسم
وَفِي الَّذِي قبله
كَذَا قد قيل بِهِ فِيمَن تَوَضَّأ مرّة وَاحِدَة ثمَّ
تَوَضَّأ ثَانِيَة كَذَلِك ثمَّ ثَالِثا كَذَلِك فَإِن
الفوراني وَغَيره قَالُوا إِنَّه يحصل لَهُ فضل التَّثْلِيث
(1/514)
مَسْأَلَة 6
إِذا تعَارض قياسان كل مِنْهُمَا يدل بالمناسبة على تَقْدِيم
مصلحَة إِحْدَاهمَا مُتَعَلقَة بِالدّينِ وَالثَّانيَِة
بالدنيا فَالْأول مقدم لِأَن ثَمَرَة الدِّينِيَّة هِيَ
السَّعَادَة الأبدية الَّتِي لَا يعادلها شَيْء كَذَا جزم بِهِ
الإِمَام فَخر الدّين والآمدي وَحكى ابْن الْحَاجِب قولا إِن
الْمصلحَة الدنيوى مُقَدّمَة لِأَن حُقُوق الْآدَمِيّين
مَبْنِيَّة على المشاحة وَلم يذكر الْآمِدِيّ ذَلِك قولا بل
ذكره سؤالا
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة
فروع مِنْهَا
1 - إِذا اجْتمعت الزَّكَاة وَالدّين فِي تَرِكَة وضاق المَال
عَنْهُمَا فَفِيهِ أَقْوَال أَصَحهَا تَقْدِيم الزَّكَاة
وَفَاء بالقاعدة وكما تقدم الزَّكَاة فِي حَال الْحَيَاة
وَيصرف الْبَاقِي إِلَى الْغُرَمَاء
وَالثَّانِي عَكسه كَمَا يقدم الْقصاص على حد السّرقَة
وَالثَّالِث يستويان
وَهَذِه الْأَقْوَال تجْرِي أَيْضا فِي الدّين مَعَ كل مَا يجب
فِي الذِّمَّة كالنذور وَالْكَفَّارَات وَفِي الْمَسْأَلَة
أُمُور ذكرتها فِي الْمُهِمَّات
2 - وَمِنْهَا لَو اجْتمع الدّين وَالْحج فَفِي الْمُقدم
مِنْهُمَا هَذِه الْأَقْوَال حَكَاهَا ابْن الرّفْعَة وَغَيره
3 - وَمِنْهَا الْجِزْيَة وَالدّين فِيهِ خلاف وَالصَّحِيح
الْقطع
(1/515)
بالتسوية وَقيل يجْرِي فيهمَا الْأَقْوَال
الثَّلَاثَة كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْجِزْيَة
4 - وَمِنْهَا لَو تلبس بالمكتوبة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة
فَيتَّجه تَخْرِيجه على هَذِه الْقَاعِدَة سَوَاء كَانَ
الْمَالِك حَاضرا أَو غَائِبا وَلَا يخفى وجوب الْأُجْرَة إِذا
أمرناه بالاستمرار
(1/516)
= الْكتاب السَّابِع فِي الِاجْتِهَاد
والإفتاء=
(1/517)
مَسْأَلَة 1
اخْتلفُوا فِي جَوَاز الِاجْتِهَاد لأمة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي زَمَنه على مَذَاهِب حَكَاهَا الْآمِدِيّ
أَحدهَا يجوز مُطلقًا
وَالثَّانِي يمْنَع مُطلقًا لِأَن الِاجْتِهَاد يُفِيد الظَّن
وَالْأَخْذ عَنهُ يُفِيد الْيَقِين
وَالثَّالِث يجوز للغائبين من الْقُضَاة والولاة دون
الْحَاضِرين
وَالرَّابِع إِن ورد فِيهِ إِذن خَاص جَازَ وَإِلَّا فَلَا
وَالْخَامِس إِنَّه لَا يشْتَرط الْإِذْن بل يَكْفِي السُّكُوت
مَعَ الْعلم بِوُقُوعِهِ
قَالَ وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ فَمنهمْ من قَالَ
وَقع التَّعَبُّد بِهِ وَمِنْهُم من توقف فِيهِ مُطلقًا وَقيل
بالتوقف فِي الْحَاضِر دون الْغَائِب
(1/519)
قَالَ وَالْمُخْتَار جَوَازه مُطلقًا وَأَن
ذَلِك مِمَّا وَقع مَعَ حُضُوره وغيبته ظنا لَا قطعا
وَذكر الْغَزالِيّ وَابْن الْحَاجِب نَحوه أَيْضا
وَاخْتَارَ الإِمَام جَوَازه مُطلقًا
وَأما الْوُقُوع فَنقل عَن الْأَكْثَرين أَنهم قَالُوا بِهِ
فِي حق الْغَائِب وَأَنَّهُمْ توقفوا فِي الْحَاضِر وَمَال
إِلَى اخْتِيَاره وَقيل إِن كَانَ الْغَائِب غير مُتَوَلِّي من
جِهَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يجد أصلا من كتاب
وَلَا سنة فَلَا يجوز لَهُ أَن يجْتَهد فِي حق غَيره لعدم
ولَايَته عَلَيْهِ وَيجوز فِي حق نَفسه إِن كَانَ فِي شَيْء
يخَاف فَوَاته وَعَلِيهِ إِذا قدم على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يسْأَله عَنهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يقدم
ليسأل فَإِن كَانَ فِيمَا لَا يخَاف فَوَاته فَفِي جَوَاز
اجْتِهَاده وَجْهَان فَإِن جَوَّزنَا فَهَل لغيره مِمَّن
لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد أَن يقلده فِيهِ وَجْهَان
وَإِذا جَوَّزنَا لَهُ الِاجْتِهَاد فَحَضَرَ عِنْد النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعْمل بِهِ فِي الْمُسْتَقْبل
وَمَا تقدم من جَوَاز الِاجْتِهَاد من غير أصل من كتاب وَلَا
سنة بل بِمُجَرَّد ظُهُور معنى مُنَاسِب هُوَ رَأْي بَعضهم
وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
بِخِلَافِهِ
وَاعْلَم أَن الْخلاف فِي أصل هَذِه الْمَسْأَلَة قريب من
اخْتلَافهمْ فِي
(1/520)
جَوَاز الِاجْتِهَاد للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه ثَلَاثَة أوجه لِأَصْحَابِنَا
ثَالِثهَا مَا ذهب إِلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الْقَضَاء
فَقَالَ إِن كَانَ الحكم يُشَارِكهُ فِيهِ أمته كتحريم
الْكَلَام فِي الصَّلَاة وَالْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ لم يكن
لَهُ أَن يجْتَهد لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَمر الشَّخْص
لنَفسِهِ
وَإِن لم يشاركهم فِيهِ كمنع تَوْرِيث الْقَاتِل وكحد
الشَّارِب جَازَ
وَقيل يجوز لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون غَيره
وَإِذا قُلْنَا بِأَنَّهُ يجْتَهد فَفِي وُجُوبه ثَلَاثَة أوجه
ثَالِثا قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَهُوَ الْأَصَح عِنْدِي يجب
عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي حُقُوق الْآدَمِيّين لأَنهم لَا
يصلونَ إِلَى حُقُوقهم إِلَّا بذلك وَلَا يجي فِي حُقُوق الله
تَعَالَى بل يجوز لَهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَو أَرَادَ ذَلِك
مِنْهُ لأَمره بِهِ
ثمَّ إِذا اجْتهد فَاخْتلف أَصْحَابنَا على وَجْهَيْن أَحدهمَا
أَنه يرجع فِي اجْتِهَاده إِلَى الْكتاب لِأَنَّهُ أعلم بمعاني
مَا خَفِي مِنْهُ
وَالثَّانِي هُوَ الْأَظْهر أَنه يجوز أَن يجْتَهد بِرَأْيهِ
وَلَا يرجع إِلَى أصل من الْكتاب لِأَن سنته أصل فِي الشَّرْع
(1/521)
وَذكر الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ
أوجها أُخْرَى وتفصيلات فأضربت عَنهُ لعدم فَائِدَته الْآن
إِذا علمت ذَلِك فيتفرع على الْمَسْأَلَة
1 - جَوَاز الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع مَعَ الْقُدْرَة على
النُّصُوص وَنَحْو ذَلِك من الْأَخْذ بِالظَّنِّ مُطلقًا مَعَ
إِمْكَان الْقطع وَبَيَان ذَلِك بمسائل
الأولى جَوَاز الِاجْتِهَاد بَين مياه تنجس بَعْضهَا وَهُوَ
على شاطىء الْبَحْر مثلا
الثَّانِيَة جَوَازه أَيْضا فِي أَوْقَات الصَّلَاة مَعَ
إِمْكَان الصَّبْر إِلَى الْيَقِين
الثَّالِثَة جَوَاز مثله فِي الصَّوْم ايضا وَالأَصَح فِي
الْجَمِيع كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ هُوَ الْجَوَاز
الرَّابِعَة إِذا كَانَ فِي بَيت مظلم واشتبه عَلَيْهِ وَقت
الصَّلَاة وَقدر على الْخُرُوج مِنْهُ لرؤية الشَّمْس فَفِي
وُجُوبه وَجْهَان أصَحهمَا فِي شرح الْمُهَذّب أَنه لَا يجب بل
يجوز الِاجْتِهَاد
الْخَامِسَة إِذا كَانَ بِمَكَّة فِي الْمَسْجِد وَأمكنهُ
الْوُقُوف على عين الْكَعْبَة بِالْمَشْيِ إِلَى جِهَتهَا
ولمسها فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ الِاجْتِهَاد كَمَا جزم بِهِ
الرَّافِعِيّ على عكس الْمسَائِل السَّابِقَة
السَّادِسَة قَاضِي الْحَاجة فِي الصَّحرَاء لَا يجوز لَهُ
اسْتِقْبَال االقبلة وَلَا استدبارها فَإِذا أمكنه الْجُلُوس
فِي بَيت معد لذَلِك فَهَل يجوز
(1/522)
لَهُ تَركه وَقَضَاء الْحَاجة فِي الفضاء
بِالِاجْتِهَادِ فِي الْقبْلَة لم يحضرني فِيهَا نقل وَيظْهر
أَنه يتَخَرَّج على نَظِيره من المَاء وَقد يفرق بِمَا عللوه
بِهِ هُنَاكَ وَهُوَ أَن لَهُ غَرضا صَحِيحا فِي كَثْرَة
الْمَالِيَّة وَالِانْتِفَاع بِالْمَاءِ الآخر فِي
الْمُسْتَقْبل وَقد يُقَال إِن الْمَكَان المستور الَّذِي
نأمره بِهِ قد يشق عَلَيْهِ إِتْيَانه لبعد أَو غَيره
السَّابِعَة إِذا رُوِيَ حَدِيث لغَائِب عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَعمل بِهِ ثمَّ لقِيه هَل يلْزمه سُؤَاله
فِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيّ
وَالرُّويَانِيّ كِلَاهُمَا فِي كتاب الْقَضَاء أَحدهمَا نعم
لقدرته على الْيَقِين وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَو لزمَه
السُّؤَال إِذا حضر لكَانَتْ الْهِجْرَة تجب إِذا غَابَ قَالَ
الْمَاوَرْدِيّ وَالصَّحِيح عِنْدِي أَن الحَدِيث إِن دلّ على
تَغْلِيظ لم يلْزمه وَإِن دلّ على ترخيص لزمَه
الثَّامِنَة إِذا ظفر بِحَدِيث يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ فَإِن
كَانَ من المقلدين لم يلْزمه السُّؤَال عَنهُ وَإِن كَانَ من
الْمُجْتَهدين لزمَه سَمَاعه ليَكُون أصلا فِي اجْتِهَاده ذكره
أَيْضا الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ قَالَا وعَلى متحمل
السّنة أَن يَرْوِيهَا إِذا سُئِلَ عَنْهَا وَلَا يلْزمه
رِوَايَتهَا إِذا لم يسْأَل إِلَّا أَن يجد النَّاس على
خلَافهَا
التالسعة قَالَ الرَّافِعِيّ لَا يجب على وَاضع الْجَبِيرَة
أَن يبْحَث عَن الْبُرْء عِنْد توهمه بل يسْتَمر على الْمسْح
وَالتَّيَمُّم قَالَ وَتوقف فِيهِ الإِمَام
(1/523)
مَسْأَلَة 2
لَا يجوز للمجتهد بعد اجْتِهَاده تَقْلِيد غَيره بالِاتِّفَاقِ
كَمَا قَالَه الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب
وَفِيمَا قبله ثَمَانِيَة مَذَاهِب حَكَاهَا الْآمِدِيّ
وَكَذَا ابْن الْحَاجِب إِلَّا الثَّامِن
أَصَحهَا عِنْدهمَا وَعند غَيرهمَا الْمَنْع مُطلقًا
وَالثَّانِي يجوز
وَالثَّالِث أَنه جَائِز فِيمَا يَخُصُّهُ دون مَا يُفْتِي
بِهِ
وَالرَّابِع الْجَوَاز فِيمَا يفوت وقته أَي مِمَّا يَخُصُّهُ
أَيْضا كَمَا نبه عَلَيْهِ الْآمِدِيّ وَلَا يجوز فِيمَا لَا
يفوت
وَالْخَامِس إِن كَانَ أعلم جَازَ وَإِن كَانَ مُتَسَاوِيا أَو
دون فَلَا
وَالسَّادِس يجوز تَقْلِيد الصَّحَابِيّ بِشَرْط أَن يكون أرجح
فِي نظره من غَيره وَمَا عداهُ فَلَا يجوز وَقد تقدم نَقله عَن
الشَّافِعِي
وَالسَّابِع إِلْحَاق التَّابِعِيّ أَيْضا بالصحابي
وَالثَّامِن وَهُوَ الَّذِي أسْقطه ابْن الْحَاجِب يجوز
تَقْلِيد الأعلم بِشَرْط تعذر الِاجْتِهَاد
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا خفيت أَدِلَّة الْقبْلَة على الْمُجْتَهد لغيم
أَو ظلمَة أَو
(1/524)
تعَارض أَدِلَّة فَإِنَّهُ لَا يُقَلّد فِي
أظهر الْقَوْلَيْنِ بل يُصَلِّي كبف اتّفق وَيَقْضِي
وَالثَّانِي يُقَلّد بِلَا قَضَاء فِي الْأَصَح وَنقل
الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام أَن هَذَا الْخلاف مَحَله فِيمَا
إِذا ضَاقَ الْوَقْت أما قبله قيصير وَلَا يُقَلّد قطعا لعدم
الْحَاجة قَالَ وَفِيه احْتِمَال لَهُ
2 - وَمِنْهَا إِذا لم تخف الْأَدِلَّة عَلَيْهِ وَلَكِن ضَاقَ
الْوَقْت عَن اجْتِهَاده وَهُنَاكَ شخص قد اجْتهد فأوجه
حَكَاهَا الرَّافِعِيّ أَصَحهَا أَنه لَا يُقَلّد بل يُصَلِّي
كَيفَ اتّفق وَيُعِيد وَالثَّانِي يُقَلّد وَالثَّالِث يجْتَهد
وَلَو خرج الْوَقْت
3 - وَمِنْهَا الْأَعْمَى يجْتَهد فِي الْأَوَانِي وَالثيَاب
فِي أصح الْقَوْلَيْنِ فَإِن عجز قلد وَلَا يجوز لَهُ
التَّقْلِيد ابْتِدَاء إِلَّا أَن الرَّافِعِيّ وَغَيره قد
ذكرُوا فِي اوقات الصَّلَاة مَا يُخَالف الْمَذْكُور فِي
الْأَوَانِي فَقَالُوا يتحَرَّى أَي الْأَعْمَى بَين الإجتهاد
والتقليد على الصَّحِيح وَقيل يتَعَيَّن الإجتهاد اولا وَقد
ذكرت الْفرق بَينهمَا وَكَذَلِكَ بَين كل مِنْهُمَا وَبَين
الْمَنْع فِي الْقبْلَة مُطلقًا فِي الْكتاب الْمُسَمّى مطالع
الدقائق فِي الْجَوَامِع والفوارق فَرَاجعه
4 - وَمِنْهَا الْمُؤَذّن الثِّقَة الْعَارِف يجوز للبصير
اعْتِمَاده فِي الصحو على الصَّحِيح لِأَنَّهُ كالمخبر عَن
مُشَاهدَة وَأما فِي يَوْم الْغَيْم فَوَجْهَانِ أقربهما كَمَا
قَالَه الرَّافِعِيّ الْمَنْع لِأَنَّهُ فِي هَذِه الْحَالة
كالمجتهد وَصحح النَّوَوِيّ الْجَوَاز
وَقَرِيب من هَذِه الْفُرُوع أَن عادم المَاء يجوز لَهُ على
الصَّحِيح أَن يرجع إِلَى من يبْحَث عَنهُ وَلَا يلْزمه الطّلب
بِنَفسِهِ
(1/525)
مَسْأَلَة 3
من لم يبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد هَل لَهُ التَّقْلِيد فِيهِ
ثَلَاثَة مَذَاهِب حَكَاهَا فِي الْمَحْصُول أَصَحهَا عِنْده
وَعند الْآمِدِيّ وَغَيرهمَا يجوز بل يجب لقَوْله تَعَالَى
{فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَلِأَن المعاش
يفوت باشتغال جَمِيع النَّاس بِأَسْبَاب الِاجْتِهَاد
وَالثَّانِي لَا يجوز بل يجب عَلَيْهِ أَن يقف على الحكم
بطريقة وَإِلَيْهِ ذهب الْمُعْتَزلَة البغدادية
وثالثهما قَالَ بِهِ الجبائي يجوز ذَلِك فِي الْمسَائِل
الاجتهادية كإزالة النَّجَاسَة بالخل وَنَحْوه دون الْمسَائِل
المنصوصة كتحريم الرِّبَا فِي الْأَشْيَاء السِّتَّة وَلَا فرق
فِي هَذَا الْخلاف كَمَا قَالَه ابْن الْحَاجِب بَين الْعَاميّ
الْمَحْض وَغَيره
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - جَوَاز تَقْلِيد الْعَاميّ فِي أَحْكَام الْعِبَادَات
والمعاملات وَغَيرهمَا وَذَلِكَ مِمَّا لَا خلاف فِيهِ عندنَا
2 - وَمِنْهَا إِذا لم يكن عَالما بأدلة الْقبْلَة وَلكنه
مُتَمَكن من تعلمهَا فَهَل يجوز لَهُ أَن يُقَلّد فِيهِ خلاف
يَنْبَنِي على أَن تعلمهَا فرض
(1/526)
عين فَلَا يجوز أَو كِفَايَة فَيجوز
وَالأَصَح عِنْد الرَّافِعِيّ هُوَ الأول وَقَالَ النَّوَوِيّ
الْمُخْتَار مَا قَالَه غَيره أَنه إِن أَرَادَ سفرا فَفرض عين
لِكَثْرَة الِاشْتِبَاه عَلَيْهِ وَإِلَّا فَفرض كِفَايَة
لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلَا الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ أَنهم ألزموا أحدا بذلك
مَسْأَلَة 4
قَالَ ابْن الْحَاجِب إِذا قلد مُجْتَهدا فِي حكم فَلَيْسَ
لَهُ تَقْلِيد غَيره فِيهِ اتِّفَاقًا وَيجوز ذَلِك فِي حكم
آخر على الْمُخْتَار
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - عدم جَوَاز تَقْلِيد الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم
أَجْمَعِينَ كَذَا ذكره ابْن برهَان فِي الْأَوْسَط قَالَ
لِأَن مذاهبهم غير مدونة وَلَا مضبوطة حَتَّى يُمكن الْمُقَلّد
الِاكْتِفَاء بهَا فيؤديه ذَلِك إِلَى الِانْتِقَال
وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَان نَحوه فَقَالَ
أجمع الْمُحَقِّقُونَ على أَن الْعَوام لَيْسَ لَهُم أَن
يتعلقوا بِمذهب أَعْيَان الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم بل
عَلَيْهِم أَن يتبعوا مَذَاهِب الْأَئِمَّة الَّذين سِيرُوا
فنظروا وبوبوا الْأَبْوَاب وَذكروا أوضاع الْمسَائِل وجمعوها
وهذبوها وثبتوها
وَذكر ابْن الصّلاح أَيْضا مَا حَاصله أَنه يتَعَيَّن الْآن
تَقْلِيد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة دون غَيرهم قَالَ
لِأَنَّهَا قد انتشرت وَعلم تَقْيِيد مُطلقهَا وَتَخْصِيص
عامها ويشروط فروعها بِخِلَاف مَذْهَب غَيرهم رَضِي الله
عَنْهُم أَجْمَعِينَ
(1/527)
مَسْأَلَة 5
إِذا الْتزم مذهبا معينا كالطائفة الشَّافِعِيَّة
وَالْحَنَفِيَّة فَفِي الرُّجُوع إِلَى غَيره من الْمذَاهب
ثَلَاثَة أَقْوَال حَكَاهَا ابْن الْحَاجِب ثَالِثهَا يجوز
الرُّجُوع فِيمَا لم يعْمل بِهِ وَلَا يجوز فِي غَيره
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْقَضَاء نقلا عَن
الْغَزالِيّ فِي الْأُصُول من غير مُخَالفَة لَهُ فَقَالَ إِذا
تولى مقلد للضَّرُورَة فَحكم بِمذهب غير مقلده فَإِن قُلْنَا
لَا يجوز للمقلد تَقْلِيد من شَاءَ بل عَلَيْهِ اتِّبَاع مقلده
نقض حكمه وَإِن قُلْنَا لَهُ تَقْلِيد من شَاءَ لم ينْقض
مَسْأَلَة 6
ذكر الْقَرَافِيّ فِي شرح الْمَحْصُول أَنه يشْتَرط فِي جَوَاز
تَقْلِيد مَذْهَب الْغَيْر أَن لَا يكون موقعا فِي أَمر
يجْتَمع على إِبْطَاله إِمَامه الأول وإمامه الثَّانِي فَمن
قلد مَالِكًا مثلا فِي عدم النَّقْض باللمس الْخَالِي عَن
الشَّهْوَة فَلَا بُد أَن يدلك بدنه وَيمْسَح جَمِيع رَأسه
وَإِلَّا فَتكون صلَاته بَاطِلَة عِنْد الْإِمَامَيْنِ
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
إِذا نكح بِلَا ولي تقليدا لأبي حنيفَة أَو بِلَا شُهُود
تقليدا لمَالِك ووطىء فَإِنَّهُ لَا يحد فَلَو نكح بِلَا ولي
وَلَا شُهُود أَيْضا حد كَمَا قَالَه الرَّافِعِيّ لِأَن
الْإِمَامَيْنِ قد اتفقَا على الْبطلَان
(1/528)
مَسْأَلَة 7
إِذا وَقعت للمجتهد حَادِثَة فاجتهد فِيهَا وَأفْتى وَعمل ثمَّ
وَقعت لَهُ ثَانِيًا فَفِي وجوب إِعَادَة الِاجْتِهَاد
ثَلَاثَة أَقْوَال صرح بهَا الامدي وَقَالَ أَصَحهَا إِن كَانَ
ذَاكِرًا لما مضى من طرق الِاجْتِهَاد لم يجب وَإِلَّا وَجب
وَصحح ابْن الْحَاجِب أَن تَجْدِيد الِاجْتِهَاد لَا يجب وَلم
يفصل بَين الذّكر وَعَدَمه وَجزم فِي الْمَحْصُول بالتفصيل
قَالَ وَإِذا تغير اجْتِهَاده فَالْأَحْسَن تَعْرِيف المستفتي
بذلك لِأَن لَا يعْمل بِهِ ثمَّ بحث بحثا يَقْتَضِي عدم
الْوُجُوب مُطلقًا فَقَالَ لقَائِل أَن يَقُول لما كَانَ
الْغَالِب ظَنّه أَن الطَّرِيق الَّذِي تمسك بِهِ اولا كَانَ
طَرِيقا قَوِيا لزم بِالضَّرُورَةِ أَن يحصل لَهُ الظَّن بِأَن
تِلْكَ الْفَتْوَى حق وَالْعَمَل بِالظَّنِّ وَاجِب
إِذا علمت ذَلِك فَمن فروع الْمَسْأَلَة
1 - مَا إِذا تنجس أحد الإناءين فاجتهد وَتَوَضَّأ بِمَا غلب
على ظَنّه طَهَارَته مِنْهُمَا ثمَّ حضرت فَرِيضَة أُخْرَى
وهما باقيان فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ إِعَادَة الِاجْتِهَاد على
الصَّحِيح وَمثله الْمُجْتَهد فِي الْقبْلَة وَطلب المَاء
للفريضة الثَّانِيَة إِذا كَانَ نازلا فِي مَوْضِعه وَهَكَذَا
الْقيَاس فِي الْأَوْقَات وَنَحْوهَا
وَلَو أَرَادَ قَضَاء الْحَاجة فِي الصَّحرَاء فَالْقِيَاس
وجوب الِاجْتِهَاد
(1/529)
فِي الْقبْلَة حَتَّى لَا يستقبلها وَلَا
يستدبرها وَإِذا اجْتهد فَالْقِيَاس وجوب إِعَادَته كلما
أَرَادَ ذَلِك
وَاعْلَم أَن أصل الْمَسْأَلَة قد حكى فِيهَا الرَّافِعِيّ
وَجْهَيْن وَاقْتضى كَلَامه تَصْحِيح الْإِعَادَة وَزَاد فِي
الرَّوْضَة فَقَالَ إِن كَانَ ذَاكِرًا لما مضى لم يلْزمه قطعا
وَإِن تجدّد مَا قد يُوجب الرُّجُوع لزمَه قطعا
مَسْأَلَة 8
قَالَ فِي الْمَحْصُول اتَّفقُوا على أَن الْعَاميّ لَا يجوز
لَهُ أَن يستفتي إِلَّا من غلب على ظَنّه أَنه من أهل
الِاجْتِهَاد والورع وَذَلِكَ بِأَن يرَاهُ منتصبا للْفَتْوَى
بمشهد الْخلق وَيرى إِجْمَاع الْمُسلمين على سُؤَاله
فَإِن سَأَلَ جمَاعَة فاختلفت فتاويهم فَقَالَ قوم لَا يجب
عَلَيْهِ الْبَحْث عَن أورعهم وأعلمهم وَقَالَ آخَرُونَ يجب
عَلَيْهِ ذَلِك وَحِينَئِذٍ فَإِذا اجْتهد فَإِن ترجح أَحدهمَا
مُطلقًا فِي ظَنّه تعين الْعَمَل بقوله وَإِن ترجح أَحدهمَا
فِي الدّين واستويا فِي الْعلم وَجب الْأَخْذ بقول الأدين
وَلَو انعكس الْحَال فَمنهمْ من خَيره وَمِنْهُم من أوجب
الْأَخْذ بقول الْعلم وَهُوَ الْأَقْرَب وَإِن ترجح أَحدهمَا
فِي الدّين وَالْآخر فِي الْعلم فَقيل يرجع إِلَى الأدين
وَالْأَقْرَب الرُّجُوع إِلَى الأعلم وَإِن اسْتَويَا مُطلقًا
فقد يُقَال لَا يجوز وُقُوعه كَمَا قد قيل بِهِ فِي
(1/530)
اسْتِوَاء الأمارتين وَقد يُقَال
بِجَوَازِهِ وَحِينَئِذٍ فَإِذا وَقع ذَلِك يُخَيّر انْتهى
كَلَام الْمَحْصُول
وَرجح ابْن الْحَاجِب جَوَاز تَقْلِيد الْمَفْضُول مَعَ وجود
الْفَاضِل
وَمَا ادَّعَاهُ الإِمَام من الِاتِّفَاق على الْمَنْع من
استفتاء الْمَجْهُول لَيْسَ كَذَلِك فَفِيهِ خلاف حَكَاهُ
الْغَزالِيّ والآمدي وَابْن الْحَاجِب
إِذا علمت ذَلِك كُله فقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الْفُرُوع
فَقَالَ الرَّافِعِيّ فِي الِاجْتِهَاد فِي الْقبْلَة إِنَّه
إِذا اخْتلف عَلَيْهِ اجْتِهَاد مجتهدين فَإِنَّهُ يُقَلّد من
شَاءَ مِنْهُمَا على الْأَصَح وَقيل يجب تَقْلِيد الأوثق
والأعلم وَرجحه الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الصَّغِير فَقَالَ
إِنَّه الْأَشْبَه وَقيل يُصَلِّي مرَّتَيْنِ إِلَى
الْجِهَتَيْنِ وَقد أطلق الرَّافِعِيّ الْمَسْأَلَة وَذكر فِي
الرَّوْضَة فِي كتاب الْقَضَاء مَا حَاصله إِنَّه إِذا علم
ابْتِدَاء أَن احدهما أعلم وأوثق وَلم يحْتَج فِي ذَلِك إِلَى
بحث وَجب عَلَيْهِ تَقْلِيده
مَسْأَلَة 9
لَيْسَ كل مُجْتَهد فِي العقليات مصيبا بل الْحق فِيهَا وَاحِد
فَمن أَصَابَهُ أصَاب وَمن اخطأه اخطأ وأثم بِالْإِجْمَاع
كَمَا قَالَه الْآمِدِيّ
وَأما الْمُجْتَهد فِي الْمسَائِل الفرعية فَفِيهِ خلاف
يَنْبَنِي على أَن كل صُورَة هَل لَهَا حكم معِين أم لَا
(1/531)
وَقد لخص الإِمَام فَخر الدّين هَذَا
الْخلاف فَقَالَ اخْتلف الْعلمَاء فِي الْوَاقِعَة الَّتِي لَا
نَص فِيهَا على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا وَبِه قَالَ الْأَشْعَرِيّ وَالْقَاضِي وَجُمْهُور
الْمُتَكَلِّمين أَنه لَيْسَ لله تَعَالَى قبل الِاجْتِهَاد
حكم معِين بل حكمه تَعَالَى فِيهَا تَابع لظن الْمُجْتَهد
وَهَؤُلَاء هم الْقَائِلُونَ بِأَن كل مُجْتَهد مُصِيب
وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فَقَالَ بَعضهم لَا بُد أَن يُوجد فِي
الْوَاقِعَة مَا لَو حكم الله تَعَالَى فِيهَا بِحكم لم يحكم
إِلَّا بِهِ وَهَذَا هُوَ القَوْل بالأشبه وَقَالَ بَعضهم لَا
يشْتَرط ذَلِك
وَالْقَوْل الثَّانِي أَن لَهُ تَعَالَى فِي كل وَاقعَة حكما
معينا وعَلى هَذَا فَثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا وَهُوَ قَول طَائِفَة من الْفُقَهَاء والمتكلمين حصل
الحكم من غير دلَالَة وَلَا أَمارَة بل هُوَ كدفين يعثر
عَلَيْهِ الطَّالِب اتِّفَاقًا فَمن وجده فَلهُ أَجْرَانِ وَمن
اخطأه فَلهُ اجْرِ
وَالْقَوْل الثَّانِي عَلَيْهِ أَمارَة أَي دَلِيل ظَنِّي
والقائلون بِهِ اخْتلفُوا فَقَالَ بَعضهم لم يُكَلف
الْمُجْتَهد بإصابته لخفائه وغموضه فَلذَلِك كَانَ المخطىء
فِيهِ مَعْذُورًا مأجورا وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء
وينسب إِلَى الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة
وَقَالَ بَعضهم إِنَّه مَأْمُور بِطَلَبِهِ أَولا فَإِن أَخطَأ
وَغلب على ظَنّه شَيْء آخر تغير التَّكْلِيف وَصَارَ مامورا
بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضى ظَنّه
وَالْقَوْل الثَّالِث أَن عَلَيْهِ دَلِيلا قَطْعِيا والقائلون
بِهِ اتَّفقُوا على أَن الْمُجْتَهد مَأْمُور بِطَلَبِهِ لَكِن
اخْتلفُوا فَقَالَ الْجُمْهُور المخطىء فِيهِ
(1/532)
لَا يَأْثَم وَلَا ينْقض قَضَاؤُهُ وَقَالَ
بشر المريسي بالتأثيم والأصم بِالنَّقْضِ
وَالَّذِي نَذْهَب إِلَيْهِ أَن الله تَعَالَى فِي كل وَاقعَة
حكما معينا عَلَيْهِ دَلِيل ظَنِّي وَأَن المخطىء فِيهِ
مَعْذُور وَأَن القَاضِي لَا ينْقض قَضَاؤُهُ
هَذَا حَاصِل كَلَام الْمَحْصُول وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ فِي
الْمِنْهَاج إِنَّه الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي
إِذا علمت ذَلِك فللمسألة فروع مِنْهَا
1 - إِذا اجْتهد فِي الْقبْلَة وَصلى ثمَّ تَيَقّن الْخَطَأ
فَفِي الْقَضَاء أَقْوَال أَصَحهَا أَنه يجب
وَالثَّانِي لَا
وَالثَّالِث إِن تَيَقّن الصَّوَاب أَيْضا وَجب وَإِلَّا فَلَا
فَإِن لم يتَيَقَّن الْخَطَأ بل تغير اجْتِهَاده لم يلْزمه
الْقَضَاء حَتَّى لَو صلى أَربع رَكْعَات إِلَى أَربع جِهَات
فَلَا قَضَاء أَيْضا
(1/533)
2 - وَمِنْهَا إِذا صلى خلف من تَوَضَّأ
تَارِكًا للنِّيَّة أَو التَّرْتِيب أَو التَّسْمِيَة فِي
الْفَاتِحَة وَنَحْو ذَلِك وَفِيه وَجْهَان أصَحهمَا وجوب
الْإِعَادَة
3 - وَمِنْهَا جَوَاز اسْتِخْلَاف الشَّافِعِي للحنفي وَنَحْوه
من الْمُخَالفين وَكَلَام الشَّافِعِي يدل على الْمَنْع
وَالْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب خِلَافه وَحِينَئِذٍ فَيحكم
النَّائِب بِمُقْتَضى مذْهبه كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ عَن
الرَّوْيَانِيّ وَأقرهُ
4 - وَمِنْهَا إِذا رفع إِلَى الشَّافِعِي مثلا حكم من قَاض
آخر لَا يُوَافق اعْتِقَاده إِلَّا أَنه لَا يرى نقضه بل يرى
أَن غَيره أصوب مِنْهُ فَهَل لَهُ تنفيذه فِيهِ وَجْهَان
احدهما وَنَقله ابْن كج عَن نَص الشَّافِعِي أَنه يعرض عَنهُ
وَلَا يرى تنفيذه لِأَنَّهُ إِعَانَة على مَا يعْتَقد أَنه خطأ
وأصحهما كَمَا قَالَه السَّرخسِيّ وَبِه أجَاب ابْن الْقَاص
أَنه ينفذهُ وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا لَو حكم بِنَفسِهِ ثمَّ
تغير اجْتِهَاده تغيرا لَا يَقْتَضِي النَّقْض ثمَّ ترافع
إِلَيْهِ غُرَمَاء الْوَاقِعَة الَّتِي حكم فِيهَا فَإِنَّهُ
يمْضِي حكمه الأول وَإِن أدّى اجْتِهَاده إِلَى أَن غَيره أصوب
كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ فِي كتاب الْقَضَاء وَالله تَعَالَى
أعلم
قَالَ الْمُؤلف رَضِي الله عَنهُ فرغت من تحريره سنة ثَمَان
وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة سوى أَشْيَاء الحقتها بعد ذَلِك نفع
الله بهَا مُصَنفه وكاتبه وقارئه والناظر فِيهِ وَجَمِيع
الْمُسلمين
(1/534)
|