الرسالة للشافعي الرسالة
للإمام المطلبي محمد بن ادريس الشافعي 150 - 204
عن أصل بخط الربيع بن سلمان كتبه في حياة الشافعي
((لما نظرت الرسالة للشافعي أذهلتني، لانني رأيت رجل عاقل فصيح
ناصح، فإني لأكثر الدعاء له.))
عبد الرحمن بن مهدي
بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر
(المقدمة/1)
هذا السفر القيم يضم بين دفتيه:
1 - المقدمة
2 - السماعات
3 - اللوحات المصورة
4 - كتاب الرسالة مشروحا محققا:
الجزء الاول ص 005 - 203
الجزء الثاني 204 - 387
الجزء الثالث 389 - 601
5 - الاستدراك 603 - 608
6 - جريدة المراجع 609 - 610
7 - مفاتيح الكتاب:
1 - فهرس الايات 612 - 620
2 - فهرس الابواب 621 - 623
3 - فهرس الاعلام 624 - 646
4 - فهرس الاماكن 647 - 648
5 - فهرس الاشياء 649 - 654
6 - فهرس المفردات 655 - 658
7 - فهرس الفوائد اللغوية 659 - 662
8 - الفهرس العلمي 663 - 670
(المقدمة/3)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب
العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
هذا الكتاب (الرسالة) للشافعي.
وكفى الشافعي مدحا أنه الشافعي.
وكفى (الرسالة) تقريظا أنها تأليف الشافعي.
وكفاني فخرا أن أنشر بين الناس علم الشافعي.
[مع إعلامهم نهيه عن تقليده وتقليد غيره] (1) .
ولو جاز لعالم أن يقلد عالما كان أولى الناس عندي أن يقلد -:
الشافعي.
فإني أعتقد - غير غال ولا مسرف - أن هذا الرجل لم يظهر مثله في
علماء الاسلام، في فقه الكتاب والسنة، ونفوذ النظر فيهما ودقة
الاستنباط.
مع قوة العارضة، ونور البصيرة، والايداع في إقامة الحجة وإفحام
مناظره.
فصيح اللسان، ناصع البيان، في الذروة العليا من البلاغة.
تأدب بأدب البادية، وأخذ العلوم والمعارف عن أهل الحضر، حتى
سما عن كل عالم قبله وبعده.
نبغ في الحجاز، وكان الى علمائه مرجع الرواية والسنة، وكانوا
أساطين العلم في فقه القران،
ولم يكن الكثير منهم أهل لسن وجدل، وكادوا يعجزون عن مناظرة
أهل الرأي، فجاء هذا الشاب يناظر وينافح، ويعرف كيف يقوم
بحجته، وكيف يلزم أهل الرأي وجوب اتباع السنة، وكيف يثبت لهم
الحجة في خبر الواحد، وكيف
__________
(1) اقتباس من كلام المزني في أول مختصره بحاشية الام (ج 1 ص
2) .
(المقدمة/5)
يفصل للناس طرق فهم الكتاب على ما عرف من
بيان العرب وفصاحتهم، وكيف يدلهم على الناسخ والمنسوخ من
الكتاب والسنة، وعلى الجمع بين ما ظاهره التعارض فيهما أو في
أحدهما.
حتى سماه أهل مكة " ناصر الحديث ".
وتواترت أخباره إلى علماء الاسلام في عصره، فكانوا يفدون إلى
مكة للحج، يناظرونه ويأخذون عنه في حياة شيوخه، حتى إن أحمد بن
حنبل جلس معه مرة، فجاء أحد إخوانه يعتب عليه أن ترك مجلس ابن
عيينة - شيخ الشافعي -.
ويجلس إلى هذا الاعرابي! فقال له أحمد: " اسكت، إنك إن فاتك
حديث بعلو وجدته بنزول، وإن فاتك عقل هذا أخاف أن لا تجده، ما
رأيت أحدا أفقه في كتاب الله من هذا الفتى ".
وحتى يقول داود بن علي الظاهري الامام في كتاب مناقب الشافعي:
" قال لي إسحق بن راهويه: ذهبت أنا وأحمد بن حنبل الى الشافعي
بمكة فسألته عن أشياء، فوجدته فصيحا حسن الادب، فلما فارقناه
أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنه كان أعلم الناس في
زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد أوتي فيه فهما، فلو كنت عرفته
للزمته.
قال داود: ورأيته يتأسف على ما فاته منه ".
وحتى يقول أحمد بن حنبل: " لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث
".
ويقول أيضا: " كانت أقضيتنا في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع،
حتى رأينا الشافعي، فكان أفقه الناس في كتاب الله، وفي سنة
رسول الله ".
ثم يدخل العراق، دار الخلافة وعاصمة الدولة (1) ، فيأخذ عن أهل
الرأي علمهم ورأيهم، وينظر فيه، ويجادلهم ويحاجهم، ويزداد بذلك
بصرا
__________
(1) دخل الشافعي بغداد ثلاث مرات، الاولى وهو شاب سنة 184 أو
قبلها في خلافة هرون الرشيد، والثانية في سنة 195 ومكث سنتين،
والثالثة سنة 198 فأقام بها أشهرا، ثم خرج إلى مصر.
(المقدمة/6)
بالفقه ونصرا للسنة، حتى يقول أبو الوليد
المكي الفقيه موسى بن أبي الجارود: " كنا نتحدث نحن وأصحابنا
من أهل مكة أن الشافعي أخذ كتب ابن جريح (1) عن أربعة أنفس: عن
مسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وهذان فقيهان، وعن عبد المجيد بن
عبد العزيز بن أبي رواد، وكان أعلمهم بابن جريح، وعن عبد الله
بن الحرث المخزومي، وكان من الاثبات، وانتهت رياسة الفقه
بالمدينة إلى مالك بن أنس، رحل إليه ولازمه وأخذ عنه، وانتهت
رياسة الفقه بالعراق إلى أبي حنيفة، فأخذ عن صاحبه محمد بن
الحسن جملا ليس فيها شئ إلا وقد سمعه عليه، فاجتمع له علم أهل
الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك، حتى أصل الاصول، وقعد
القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف، واشتهر أمره، وعلا ذكره،
وارتفع قدره، حتى صار منه ما صار ".
ثم دخل مصر في سنة 199 فأقام بها إلى أن مات، يعلم الناس السنة
وفقه السنة والكتاب، ويناظر مخالفيه ويحاجهم، وأكثرهم من أتباع
شيخه مالك بن أنس، وكانوا متعصبين لمذهبه، فبهرهم الشافعي
بعلمه وهديه وعقله، رأوا رجلا لم تر الاعين مثله، فلزموا
مجلسه، يفيدون منه علم الكتاب وعلم الحديث، ويأخذون عنه اللغة
والانساب والشعر، ويفيدهم في بعض وقته في الطب، ثم يتلعمون منه
أدب الجدل والمناظرة، ويؤلف الكتب بخطه، فيقرؤن عليه ما
ينسخونه منها، أو يملي عليهم بعضها إملاء، فرجع أكثرهم عما
كانوا يتعصبون له، وتعلموا منه الاجتهاد ونبذ التقليد، فملا
الشافعي طباق الارض علما.
ومات ودفن بمصر، وقبره معروف مشهور إلى الان.
وعاش 54 سنة،
__________
(1) انتهت رياسة الفقه بمكة إلى ابن جريج.
(المقدمة/7)
ولد سنة 150 بغزة، ومات ليلة الجمعة وذفن
يوم الجمعة بعد العصر آخر يوم من رجب سنة 204 (1) (الجمعة 29
رجب سنة 204 يوافق 19 يناير سنة 820 ميلادية، 23 طوبة سنة 536
قبطية) .
وليس الشافعي ممن يترجم له في أوراق أو كراريس، وقد ألف
العلماء الائمة في سيرته كتبا كثيرة وافية، وجد بعضها وفقد
أكثرها.
ولعلنا نوفق إلى أن نجمع ما تفرق من أخباره في الكتب
والدواوين، في سيرة خاصة به، إن شاء الله.
وقد يفهم بعض الناس من كلامي عن الشافعي أني أقول عن تقليد أو
عصبية، لما نشأ عليه أكثر أهل العلم من قرون كثيرة، من تفرقهم
شيعا وأحزابا علمية، مبنية على العصبية المذهبية، مما أضر
بالمسلمين وأخرهم عن سائر الامم، وكان السبب الاكبر في زوال
حكم الاسلام عن بلاد المسلمين، حتى صاروا يحكمون بقوانين تخالف
دين الاسلام، خنعوا لها واستكانوا، في حين كان كثير من علمائهم
يأبون الحكم بغير المذهب الذي يتعصبون له ويتعصب له الحكام في
البلاد.
ومعاذ الله أن أرضى لنفسي خلة أنكرها على الناس، بل أبحث وأجد،
وأتبع الدليل الصحيح حيثما وجد.
وقد نشأت في طلب العلم وتفقهت على مذهب أبي حنيفة، ونلت شهادة
العالمية من الازهر الشريف حنفيا، ووليت القضاء منذ عشرين سنة
أحكم كما يحكم إخواني بما أذن لنا في الحكم به من مذهب
الحنفية.
ولكني بجوار هذا بدأت دراسة السنة النبوية أثناء طلب العلم، من
نحو ثلاثين سنة، فسمت كثيرا وقرأت كثيرا، ودرست
أخبار العلماء والائمة، ونظرت في أقوالهم وأدلتهم، لم أتعصب
لواحد منهم، ولم أحد عن سنن الحق فيما بدا لي، فان أخطأت فكما
يخطئ الرجل، وإن أصبت فكما يصيب الرجال.
أحترم رأيي ورأي غيري، وأحترم ما أعتقده حقا قبل كل شئ وفوق كل
شئ.
فعن هذا قلت ما قلت واعتقدت ما أعتقد في الشافعي، رحمه الله
ورضى عنه.
__________
(1) ذكر المرحوم مختار باشا في التوفيقات الالهامية أن الشافعي
مات في 4 شعبان، وهو خطأ.
(المقدمة/8)
|