الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق

[الْفَرْق بَيْن قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَام مِنْ قِبَل صَاحِب الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَات]
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَامِّ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي إسْقَاطِ الثَّانِي الضَّمَانَ دُونَ الْأَوَّلِ) وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ فَجَعَلَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّينَ مَوْكُولٌ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ لَهُ ثُبُوتًا وَإِسْقَاطًا فَمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى صَرْفٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْعِبَادُ مِنْ إسْقَاطِهِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ بَلْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ وَمَا هُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ بِتَسْوِيغِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَتَفَضُّلِهِ لَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِمْ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِي إتْلَافِهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ فِي إتْلَافِهِ أَوْ بِالْإِذْنِ فِي مُبَاشَرَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ
(وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِمَسْأَلَةٍ فِيهَا تَوَارُدُ الْإِذْنَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهِيَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ فَأَكَلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ جَازَ وَهَلْ يَضْمَنُ لَهُ الْقِيمَةَ أَوْ لَا قَوْلَانِ أَمَّا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْهُرُ فَلِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ لَمْ يُوجَدْ وَإِنَّمَا وُجِدَ إذْنُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ.
وَالْمُؤَاخَذَةَ بِالْعِقَابِ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمِلْكَ إذَا دَار زَوَالُهُ بَيْنَ الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا وَالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا حُمِلَ عَلَى الدُّنْيَا اسْتِصْحَابًا بِالْمِلْكِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ هُوَ أَدْنَى رُتَبِ الِانْتِقَالِ وَهُوَ أَقْرَبُ لِمُوَافَقَةِ

(1/197)


الزَّكَاةِ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ مَالِكُ النِّصَابِ وَشَرْطٌ وَهُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ فَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ لَا تُجْزِئُ إجْمَاعًا وَبَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ أَجْزَأَتْ إجْمَاعًا وَبَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ دَوَرَانِ الْحَوْلِ فَقَوْلَانِ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)
إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الْحَبِّ قَبْلَ نُضْجِ الْحَبِّ وَظُهُورِهِ لَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ يُبْسِهِ أَجْزَأَتْ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْإِجْزَاءِ أَعْنِي الْعُلَمَاءَ الْمَشْهُورِينَ فِي إجْزَاءِ الْمُخْرَجِ بِخِلَافِ زَكَاةِ النَّقْدَيْنِ إذَا أُخْرِجَتْ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ لِأَنَّ زَكَاةَ الْحَبِّ لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ بَلْ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَلَا تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبِهَذَا أَيْضًا يَظْهَرُ بُطْلَانُ قِيَاسِ أَصْحَابِنَا عَدَمَ إجْزَاءِ الزَّكَاةِ إذَا أُخْرِجَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي قَوْلِهِمْ وَاجِبٌ أُخْرِجَ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ فَلَا يُجْزِئُ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهَذَا قِيَاسٌ بَاطِلٌ بِسَبَبِ أَنَّ مَا يُسَاوِي الصَّلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا إخْرَاجُ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَهُمْ يُسَاعِدُونَ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ)
الْقِصَاصُ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ إنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ وَشَرْطٌ وَهُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ فَإِنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ عَفْوُهُ وَبَعْدَهُمَا يَتَعَذَّرُ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا بَيْنَهُمَا فَيَنْفُذُ إجْمَاعًا فِيمَا عَلِمْت. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) إذْنُ الْوَرَثَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إنْ وَقَعَ قَبْلَ حُصُولِ الْمَرَضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْقِصَاصُ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ إنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ وَشَرْطٌ وَهُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ إلَى آخِرِهَا قُلْت الْأَصَحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّبَبَ هُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ وَإِنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ سَبَبُ السَّبَبِ فَصَحَّ الْعَفْوُ بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِهِ بَعْدَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) إذْنُ الْوَرَثَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى قَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَصْلِ مِنْ الِانْتِقَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فَلِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَالِكِ وَالْوَاجِبُ لَا يُؤْخَذُ لَهُ عِوَضٌ وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَمَسْأَلَتَا الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ هُنَا لِبَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ فِيمَا زَعَمَ لَمَّا لَمْ يَتَوَارَدْ الْإِذْنَانِ فِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بَلْ وَرَدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ فِيهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَمْلُوكِ لِلْآدَمِيِّ وَتَرَتُّبُ الضَّمَانِ إنَّمَا هُوَ سَبَبُ الْفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَكَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْفَرْقِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى تَوَارُدِ الْإِذْنَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِمَا فِي بَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ وَجْهٌ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَدِيعَةِ لَا يَضْمَنُهَا الْمُودِعُ إذَا شَالَهَا وَحَوَّلَهَا لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ انْكَسَرَتْ وَيَضْمَنُهَا إذَا سَقَطَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ انْكَسَرَتْ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِنْ وُجِدَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِهِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَمَسْأَلَةُ الْعَارِيَّةِ لَا يَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ إذَا سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ أَوْ هَلَكَتْ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَعَارَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ وَلَا مُجَاوَزَةٍ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّ الْمُعِيرَ أَذِنَ لَهُ فِيمَا حَصَلَ بِهِ الْهَلَاكُ وَيَضْمَنُهَا إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَأَهْلَكَهَا لِعَدَمِ وُجُودِ إذْنِ الْمُعِيرِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ الْخَاصِّ.
وَإِنَّمَا وُجِدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ وَهُوَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَة تَقَدُّم الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُون شَرْطِهِ]
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ شَرْطِهِ أَوْ شَرْطِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا) حَيْثُ إنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا تَقَدُّمَهُ عَلَيْهِمَا إجْمَاعًا وَاخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَعُدِمَ اعْتِبَارُهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَالشُّرُوطِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ لَهُ سَبَبٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا وَيَتَّضِحُ بِمَسَائِلَ مِنْهَا وُجُوبُ الظُّهْرِ سَبَبُهُ الزَّوَالُ فَإِذَا صَلَّيْت قَبْلَهُ لَمْ يُعْتَبَرْ ظُهْرًا وَمِنْهَا الشُّفْعَةُ سَبَبُهَا بَيْعُ الشَّرِيكِ فَإِذَا أَسْقَطَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُعْتَبَرْ إسْقَاطُهَا وَمِنْهَا زَكَاةُ الْحَبِّ سَبَبُهَا يُبْسُ الْحَبِّ فَإِذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ نُضْجِ الْحَبِّ وَظُهُورِهِ لَا تُجْزِئُهُ
الْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَكُونُ لَهُ سَبَبَانِ أَوْ أَسْبَابٌ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى جَمِيعِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ كَالْجَلْدِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ الزِّنَا وَالْقَذْفُ وَالشُّرْبُ فَمَنْ جُلِدَ قَبْلَ مُلَابَسَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ جَلْدًا وَلَا زَجْرًا بِلَا خِلَافٍ
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَيُعْتَبَرُ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ الْخَاصِّ وَلَا يُعْتَبَرُ فِقْدَانُ بَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ كَجَلْدِ مَنْ لَابَسَ الزِّنَا وَلَمْ يُلَابِسْ الْقَذْفَ وَالشُّرْبَ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ جَلْدًا وَزَجَرَا لِأَنَّ شَأْنَ السَّبَبِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِثُبُوتِ مُسَبَّبِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ بِلَا خِلَافٍ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ سَبَبَيْهِ سَبَبًا لَهُ وَالثَّانِي سَبَبًا لِسَبَبِهِ فَيُعْتَبَرُ بَيْنَهُمَا لَا قَبْلَهُمَا إجْمَاعًا كَالْقِصَاصِ سَبَبُهُ زُهُوقُ الرُّوحِ وَسَبَبُ سَبَبِهِ إنْفَاذُ الْمُقَاتِلِ فَيُعْتَبَرُ بَيْنَهُمَا فَيَصِحُّ عَفْوُ مَنْفُوذِ الْمُقَاتِلِ عَنْهُ قَبْلَ زُهُوقِ رُوحِهِ وَيَتَعَذَّرُ بَعْدَهُ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْحَيَاةِ وَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُمَا
الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ سَبَبَيْهِ سَبَبًا لَهُ

(1/198)


الْمَخُوفِ لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُهُمْ أَوْ بَعْدَهُ اُعْتُبِرَ وَبَعْدَهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَتَعَذَّرُ الْإِذْنُ بَلْ التَّنْفِيذُ خَاصَّةً لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِمْ هُوَ الْقَرَابَةُ الْخَاصَّةُ عَلَى مَا هُوَ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ سَبَبُ الشَّرْطِ ظَاهِرًا فَصَارَ تَقَدُّمُهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَتَقَدُّمِ السَّبَبِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ فَبَعْضُهَا يَكُونُ فِيهِ خِلَافٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ إمَّا لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ إمْكَانِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ)
إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا عَلَى زَوْجِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ إسْقَاطٌ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ وَقَبْلَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ التَّمْكِينُ أَوْ يُقَالُ السَّبَبُ هُوَ التَّمْكِينُ خَاصَّةً وَمَا وُجِدَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ الْإِسْقَاطِ فِي الْحَالِ فَقَطْ أُسْقِطَتْ النَّفَقَةُ قَبْلَ سَبَبِهَا فَيَكُونُ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ بَيْعِ الشَّرِيكِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ وَإِسْقَاطُ اعْتِبَارِ الْعِصْمَةِ بِالْكُلِّيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
وَبَعْدَهُمَا يَتَعَذَّرُ الْإِذْنُ قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ سَبَبٌ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ وَالْمَوْتُ شَرْطٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ سَبَبُ السَّبَبِ فَصَحَّ مَا بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِهِ بَعْدَهُمَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ (بَلْ التَّنْفِيذُ خَاصَّةً) قُلْت إنْ أَرَادَ بَلْ الَّذِي يَصِحُّ بَعْدَ الْمَوْتِ التَّنْفِيذُ خَاصَّةً فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ قَالَ (لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِمْ هُوَ الْقَرَابَةُ الْخَاصَّةُ عَلَى مَا هُوَ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ وَسَبَبُ الشَّرْطِ ظَاهِرٌ فَصَارَ تَقَدُّمُهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَتَقَدُّمِ السَّبَبِ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ فِي النُّسْخَةِ الْوَاقِعَةِ بِيَدِي وَلَعَلَّهُ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ سَبَبُ الشَّرْطِ فَصَارَ تَقَدُّمُهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَتَقَدُّمِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبَاقِي كَلَامِهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرٌ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا عَلَى زَوْجِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَمَا اخْتَارَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَمَا اعْتَذَرَ بِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالثَّانِي سَبَبًا لِشَرْطِ سَبَبِهِ فَيُعْتَبَرُ بَيْنَهُمَا لَا قَبْلَهُمَا كَمِلْكِ الْوَرَثَةِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ إذْنُهُمْ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ سَبَبُهُ الْقَرَابَةُ الْخَاصَّةُ عَلَى مَا هُوَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَسَبَبُ شَرْطِ سَبَبِهِ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ فَتَقَدُّمُهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَتَقَدُّمِ الشَّرْطِ فَيُعْتَبَرُ مِلْكُهُمْ بَيْنَهُمَا لَا قَبْلَهُمَا كَإِذْنِهِمْ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَبَعْدَهُمَا يَتَعَذَّرُ الْإِذْنُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ وَشَرْطٌ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَأَخَّرَ إيقَاعُهُ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ فَيُعْتَبَرُ إجْمَاعًا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فَيَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي كَثِيرٍ مِنْ صُوَرِهِ فِي اعْتِبَارِهِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَيُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَهَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ فَالسَّبَبُ الْيَمِينُ وَالشَّرْطُ الْحِنْثُ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُمَا إجْمَاعًا وَتُعْتَبَرُ بَعْدَهُمَا إجْمَاعًا وَفِي إجْزَائِهَا بَيْنَهُمَا وَعَدَمِ إجْزَائِهَا قَوْلَانِ وَسَيَأْتِي فِي الْجُزْءِ الثَّانِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فَتَرَقَّبْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وُجُوبُ الزَّكَاةِ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَشَرْطٌ وَهُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ فَيُجْزِئُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ بَعْدَهُمَا إجْمَاعًا لَا قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ إجْمَاعًا فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ دَوَرَانِ الْحَوْلِ قَوْلَانِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا عَنْ زَوْجِهَا بَعْدَ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ وَقَبْلَ شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ التَّمْكِينُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهَا بَعْدَ الْإِسْقَاطِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الطِّبَاعِ تَرْكُ النَّفَقَاتِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْإِسْقَاطَ لُطْفًا بِالنِّسَاءِ لَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ مَالِكٍ لَيْسَ لِمَنْ تَزَوَّجَتْ مَنْ تَعْلَمُ بِفَقْرِهِ طَلَبُ فِرَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّمْكِينِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي هَذَا الْفَرْعِ قَدْ سَكَّنَتْ نَفْسَهَا سُكُونًا كُلِّيًّا فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا لِفَرْطِ سُكُونِ النَّفْسِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ لِلْمَرْأَةِ الرُّجُوعُ وَالْمُطَالَبَةُ فِي حَقِّهَا مِنْ الْقَسَمِ فِي الْوَطْءِ بَعْدَ إسْقَاطِهِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ يَشُقُّ عَلَيْهَا الصَّبْرَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا فَإِنَّهَا لَا مَقَالَ لَهَا لِتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ قُلْتُ وَبِالْجُمْلَةِ فُسِّرَ الْفَرْقُ هُوَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ قَبْلَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَأَمَّا الْقَوْلَانِ بِاعْتِبَارِهِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ بَعْدَ أَحَدِهِمَا وَقَبْلَ الْآخَرِ فَلِمُرَاعَاةِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ الْمُتَأَخِّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.