الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا
يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ]
(الْفَرْقُ التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا
يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ
بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ
وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ
وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ
يَدًا بِيَدٍ فَلَا يَجُوزُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا
التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسَاءُ بِإِجْمَاعِهِمْ إلَّا مَا
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ
الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -
كَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا
بَيْعَ مَا ذُكِرَ مُتَفَاضِلًا وَمَنَعُوهُ نَسِيئَةً فَقَطْ
تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ مَا.
رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
قَالَ «لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ» وَهُوَ حَدِيثٌ
صَحِيحٌ ظَاهِرُهُ حَصْرُ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فِي
النَّسِيئَةِ فَلَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ
بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرَّ بِالْبُرِّ
وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ
وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً
بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ
فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»
وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي هِيَ
نَصٌّ فِيمَا قَالُوهُ كَحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ
وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ التَّمْرُ
بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ الشَّعِيرُ
بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَإِلَّا هَاءَ» فَتَضَمَّنَ
حَدِيثُ عُبَادَةَ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ
وَإِبَاحَتِهِ فِي الصِّنْفَيْنِ، وَمَنْعُ النَّسَاءِ فِي
الصِّنْفَيْنِ وَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُمَرَ مَنْعَ النَّسِيئَةِ
فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَكَحَدِيثِ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي. رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ
نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ
بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا
عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا
مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ
وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَهُوَ
مِنْ أَصَحِّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ
يَتَضَمَّنُ مَنْعَ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ
مِنْ النَّقْدَيْنِ، وَمَنْعَ النَّسِيئَةِ مُطْلَقًا أَيْ فِي
الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَفِي الصِّنْفَيْنِ وَلَمْ
يَأْخُذُوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِوَجْهَيْنِ
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ رُوِيَ فِيهِ لَفْظَانِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي
النَّسِيئَةِ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إجَازَةُ
التَّفَاضُلِ إلَّا مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ
(3/253)
أَشْخَاصِهَا فَيَحْصُلُ الْوَفَاءُ
بِمُقْتَضَاهَا بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ
فَإِنْ دَفَعَ فَرْدًا مِنْهُ فَظَهَرَ مُخَالَفَتُهُ
لِلْعَقْدِ رَجَعَ بِفَرْدٍ غَيْرِهِ وَتَبَيَّنَّا أَنَّ
الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى الْآنَ
حَتَّى يُقْبَضَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَرْدٌ مُطَابِقٌ
لِلْعَقْدِ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَبِيعٌ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ فَهَذَا
مُعَيَّنٌ وَخَاصَّتُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ ذَلِكَ
الْمُشَخَّصُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ اتِّفَاقًا
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
إلَى آخِرِ الْقِسْمِ) مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا
قَوْلُهُ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ الْأَجْنَاسَ الْكُلِّيَّةَ
دُونَ أَشْخَاصِهَا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ،
فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ مُتَعَلِّقُهُ أَشْخَاصٌ غَيْرُ
مُعَيَّنَةٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكُلِّيِّ وَلِذَلِكَ
صَحَّ الْوَفَاءُ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ إذَا وَافَقَ
الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَطَةَ قَالَ
(الْقِسْمُ الثَّانِي مَبِيعٌ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ إلَى
قَوْلِهِ وَفِي الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ) قُلْت الَّذِي
يَقْوَى عِنْدِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَقْوَى حُجَجِهِ
قِيَاسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا عَارَضَهُ النَّصُّ
(وَثَانِيهمَا) أَنَّهُ قَالَ لَا رِبَا إلَّا فِي
النَّسِيئَةِ، وَهَذَا وَإِنْ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا
عَدَا النَّسِيئَةَ، فَلَيْسَ بِرِبًا لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ
أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ
مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الْأَكْثَرِ وَالنَّصُّ
إذَا عَارَضَهُ الْمُحْتَمَلُ وَجَبَ تَأْوِيلُ الْمُحْتَمَلِ
عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ نَصٌّ
عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الرِّبَا لَكِنَّهُ قَوْلٌ بِالْمُوجِبِ
بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ السَّبَبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ مُبَادَلَةِ الذَّهَبِ
بِالْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ فَقَالَ إنَّمَا
الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَا يَحْرُمُ مَا ذَكَرْتُمْ
إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ» فَسَمِعَ الرَّاوِي الْجَوَابَ دُونَ
السُّؤَالِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا
فَالْقَاعِدَةُ فِي أُصُولِ الْفَقِيهِ أَنَّ الْعَامَّ فِي
الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ
وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ فَهَذَا عَامٌّ فِي
أَفْرَادِ الرِّبَا مُطْلَقٌ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ فَيُحْمَلُ
عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
وَالْمُطْلَقُ إذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ
الِاسْتِدْلَال بِهِ فِيمَا عَدَاهَا وَجَوَازُ التَّفَاضُلِ
فِي الصِّنْفَيْنِ مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ كَامْتِنَاعِ
النَّسَاءِ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ اتَّفَقَتْ
الْأَصْنَافُ أَوْ اخْتَلَفَتْ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ
عُلَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ جَازَ
التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى هَذِهِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ
عَلَيْهَا فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ
النَّسَاءُ مُمْتَنِعٌ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ
اتَّفَقَتْ الْأَصْنَافُ أَوْ اخْتَلَفَتْ كَالتَّفَاضُلِ فِي
صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ وَلَا يَمْتَنِعُ
التَّفَاضُلُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِمَّا عَدَّهَا كَالنَّسَاءِ
مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ
بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ
بِهِ الْخَاصُّ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ
الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ
بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ
بِهِ الْعَامُّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ
الَّذِي وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ
مِنْ جِهَتَيْنِ
(الْجِهَةُ الْأُولَى) جِهَةُ مَفْهُومِ عِلَّةِ مَنْعِ
التَّفَاضُلِ فَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ عَشَرَةَ
مَذَاهِبَ خَمْسَةٌ مِنْهَا خَارِجُ مَذْهَبِنَا
(أَحَدُهُمَا) تَعْلِيلُهُ بِالْجِنْسِ لِابْنِ سِيرِينَ قَالَ
الْجِنْسُ الْوَاحِدُ هُوَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ
رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ عَلَى
الْإِطْلَاقِ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ لِذِكْرِهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجْنَاسًا لَا تَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ
وَاحِدَةٌ فَلَمْ تَبْقَ إلَّا الْجِنْسِيَّةُ؛ وَلِأَنَّ
الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُقَابَلَةَ وَفِي الْجِنْسِ
الْوَاحِدِ يَكُونُ الزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ فَلَمْ
يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الْعَقْدِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ
عَقْدٍ لَا يُفِيدُ مَقْصُودُهُ يَبْطُلُ (وَيُرَدُّ) عَلَيْهِ
أَوْ لَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَاجَرَ إلَيْهِ عَبْدٌ
فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ مِنْ سَيِّدِهِ» وَقَضَاؤُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَشْيَاءَ
مُخْتَلِفَةِ الْأَسْمَاءِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ
الْجِنْسِيَّةَ لَكَانَ اللَّائِقُ بِفَصَاحَتِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ لَا تَبِيعُوا
جِنْسًا وَاحِدًا بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ
وَثَانِيًا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَتْبَعُ غَرَضَ
الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَقَدْ يَقْصِدُ جَعَلَ قُبَالَهُ
الْجُمْلَةَ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ الْمُقَابَلَةِ
(وَثَانِيهَا) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ زَكَوِيًّا لِرَبِيعَةَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي
مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ
الزَّكَاةُ فَلَا يُبَاعُ بَعِيرٌ بِبَعِيرٍ (وَيُرَدُّ
عَلَيْهِ) وُرُودُ النَّصِّ فِي الْمِلْحِ، وَلَيْسَ
بِزَكَوِيٍّ
(وَثَالِثُهَا) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ
مَوْزُونًا مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجِنْسِ
الْوَاحِدِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
الْقَدِيمِ قَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ
السِّتَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ وَالْحُكْمِ
الْمُشْتَرِكُ تَكُونُ عِلَّتُهُ مُشْتَرِكَةً
(وَرَابِعًا) تَعْلِيلُهُ بِالطَّعَامِ لِلْآدَمِيِّ فِي
الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
الْجَدِيدِ قَالَ فَيُمْنَعُ التَّفَاضُلُ فِيمَا كَانَ قُوتًا
أَوْ إدَامًا أَوْ فَاكِهَةً أَوْ دَوَاءً لِلْآدَمِيِّينَ
دُونَ مَا تَأْكُلُهُ الْبَهَائِمُ فَإِنْ أَكَلَهُ
الْآدَمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ رُوعِيَ الْأَغْلَبُ فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ طَعَامًا لِلْآدَمِيِّينَ كَالْوَرْدِ وَالرَّيَاحِينِ
وَنَوَى التَّمْرَ لَمْ يَدْخُلْهُ الرِّبَا لِقَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ
مِثْلًا بِمِثْلٍ» حَيْثُ رَتَّبَ مَنْعَ التَّفَاضُلِ عَلَى
اسْمِ الطَّعَامِ وَالْقَاعِدَةُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ
تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ
ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوَ {الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] {وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] .
(وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) فِيهَا أَنَّهُ أَهْمَلَ أَفْضَلَ
أَوْصَافِ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ وَلَمْ
يَعْتَبِرْهُ كَمَا سَيَتَّضِحُ
2 -
(وَخَامِسُهَا) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ
مَوْزُونًا مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ تُرَابًا
لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ؛ لِأَنَّ
الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ
مَكِيلَاتٌ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ
يُوزَنُ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
(3/254)
الْمُشَخَّصَاتِ صُورَتَانِ
(الصُّورَةُ الْأُولَى) النُّقُودُ إذَا شُخِّصَتْ
وَتَعَيَّنَتْ لِلْجِنْسِ هَلْ تَتَعَيَّنُ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ
أَقْوَالٍ
(أَحَدُهُمَا) تَتَعَيَّنُ بِالشَّخْصِ عَلَى قَاعِدَةِ
الْمُشَخَّصَاتِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ
(وَثَانِيهَا) أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَهُوَ مَشْهُورُ
مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -
(وَثَالِثُهَا) تَتَعَيَّنُ إنْ شَاءَ بَائِعُهَا؛ لِأَنَّهُ
أَمْلَكُ بِهَا وَلَا مَشِيئَةَ لِقَابِضِهَا فَإِنْ اخْتَصَّ
النَّقْدُ بِصِفَةٍ نَحْوِ الْحُلِيِّ أَوْ رَوَاجِ السِّكَّةِ
وَنَحْوِهِمَا تَعَيَّنَتْ اتِّفَاقًا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأُمُورٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ غَرَضَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا عِنْدَ
الْفَلَسِ، وَالنَّقْدُ الْمُعَيَّنُ آكَدُ مِنْ الَّذِي فِي
الذِّمَّةِ لِتَشَخُّصِهِ فَإِذَا تَعَيَّنَ النَّقْدَانِ فِي
الذِّمَّةِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَا إذَا شُخِّصَا بِطَرِيقِ
الْأَوْلَى
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَيَّنُ فَلَا يَجُوزُ
نَقْلُهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ
النَّقْدَانِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الدَّيْنِ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ لِلشَّيْخِ مَنْصُورٍ
الْحَنْبَلِيِّ وَالْأَشْهَرُ عَنْ إمَامِنَا وَمُخْتَارُ
عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي
النَّقْدَيْنِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ وَفِي
الْأَعْيَانِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَكِيلَاتِ جِنْسٍ
فَيَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونِ جِنْسٍ
اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ (وَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا) أَنَّهُمَا
وَإِنْ اعْتَبَرَا الْوَصْفَ الطَّرْدِيَّ إلَّا أَنَّهُمَا
أَهْمَلَا الْمُنَاسِبَ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ
الِاقْتِيَاتُ وَخَمْسَةٌ مِنْهَا لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ
(الْأَوَّلُ) تَعْلِيلُهُ بِالْمَالِيَّةِ
(وَالثَّانِي) تَعْلِيلُهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ
مَعَ الْغَلَبَةِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ، وَعَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ التَّعْلِيلُ بِالْمَالِيَّةِ، وَقِيلَ
بِالِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ مَعَ كَوْنِهِ غَالِبَ
الْعَيْشِ اهـ.
(وَالثَّالِثُ) تَعْلِيلُهُ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ مَعَ
اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ
الْعِلَّةَ الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ
فَيَجْرِي الرِّبَا فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ
وَيَخْتَلِفُ فِيمَا يَقِلُّ ادِّخَارُهُ كَالْخَوْخِ
وَالرُّمَّانِ فَأَجْرَى ابْنُ نَافِعٍ فِيهِ الرِّبَا نَظَرًا
لِجِنْسِهِ وَإِجَازَةُ مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ نَظَرًا
لِلْغَالِبِ
(وَالرَّابِعُ) تَعْلِيلُهُ بِالِاقْتِيَاتِ
(وَالْخَامِسُ) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا
قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ
وَجَمَاعَةُ الْعِلَّةِ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا فَيَمْتَنِعُ
الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَالْبَيْضِ دُونَ الْفَوَاكِهِ
الْيَابِسَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَاتُ وَهُوَ جَارٍ عَلَى
ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
الِادِّخَارُ مَعَ الِاقْتِيَاتِ فَلَا رِبَا فِي الْفَوَاكِهِ
الْيَابِسَةِ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَلَا فِي الْبَيْضِ
لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ قَالَ وَقَالَ الْبَاجِيَّ هُوَ
أَجْرَى عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ وَفِي الْجَوَاهِرِ
الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ مَجْمُوعُ
الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ اهـ.
وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ
فَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَصَلَاحِ الْقُوتِ
فَأَلْحَقُوا بِهِ التَّوَابِلَ، وَقِيلَ بِالْأَكْلِ
وَالِادِّخَارِ، وَقِيلَ بِكَوْنِهِ إدَامًا فَلَا يُلْحَقُ
بِهِ الْفِلْفِلُ وَنَحْوُهُ، وَلَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ
الِاقْتِصَارُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِصْلَاحِ حَتَّى يَرُدُّ
إلْزَامُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَيْهِ جَرَيَانَ الرِّبَا فِي
الْأَحْطَابِ وَالنِّيرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُصْلِحُ
الْأَقْوَاتَ.
وَأَمَّا إلْزَامُهُمْ لَنَا جَرَيَانَ الرِّبَا فِي
الْأَقَاوِيَّةِ فَنَحْنُ نَلْتَزِمُهُ نَعَمْ مِنْ
الْأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ الْبُرَّ بِالْقُوتِ غَالِبًا
وَالشَّعِيرَ بِالْقُوتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالتَّمْرُ
بِالتَّفَكُّهِ غَالِبًا وَالْمِلْحُ بِإِصْلَاحِ الْقُوتِ
فَيَحْصُلُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ هَلْ الْعِلَّةُ فِي
الْجَمِيعِ وَاحِدَةٌ أَوْ مُتَعَدِّدَةٌ وَاخْتَلَفَ
الْأَصْحَابُ أَيْضًا هَلْ اتِّحَادُ الْجِنْسِ جُزْءُ عِلَّةٍ
لِلتَّوَقُّفِ عَلَيْهِ أَوْ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ
لِعَرْوِهِ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَزَادَ
حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ عَلَى الْخَمْسَةِ
الَّتِي لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَذْهَبَانِ حَيْثُ قَالَ،
وَقَدْ قِيلَ إنَّ سَبَبَ مَنْعِ التَّفَاضُلِ الصِّنْفُ
الْوَاحِدُ الْمُدَّخَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا وَمِنْ
شَرْطِ الِادِّخَارِ عِنْدَهُمْ أَيْ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ
يَكُونَ فِي الْأَكْثَرِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الرِّبَا
فِي الصِّنْفِ الْمُدَّخَرِ وَإِنْ كَانَ نَادِرَ الِادِّخَارِ
اهـ.
وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي سَبَبٍ
مِنْهُ التَّفَاضُلُ فِي الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ عِنْدَهُمْ فِي مَنْعِ
التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهُوَ الصِّنْفُ
الْوَاحِدُ أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِمَا رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ
وَقِيَمًا لِلْمُتْلَفَاتِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ
لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ
الَّتِي تُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِالْقَاصِرَةِ؛ لِأَنَّهَا
لَيْسَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ قَالَ وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي
عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
أَعْنِي أَنَّ كَوْنَهُمَا رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ وَقِيَمًا
لِلْمُتْلَفَاتِ إذَا اتَّفَقَ الصِّنْفُ. وَأَمَّا
الْحَنَفِيَّةُ فَعِلَّةُ مَنْعِ التَّفَاضُلِ عِنْدَهُمْ فِي
هَذِهِ السِّتَّةِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ
مَعَ اتِّفَاقِ الصِّنْفِ اهـ الْمُحْتَاجُ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَأَمَّا مَفْهُومُ عِلَّةِ مَنْعِ النَّسَاءِ الَّتِي لَا
تَجُوزُ فِيهَا النَّسِيئَةُ قِسْمَانِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهَا
التَّفَاضُلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَمَا يَجُوزُ
فِيهَا التَّفَاضُلُ فَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا
يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَعِلَّةُ امْتِنَاعِ
النَّسِيئَةِ فِيهَا هُوَ الطَّعْمُ وَالِادِّخَارُ عِنْدَ
مَالِكٍ وَالطَّعْمُ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
وَمَطْعُومَاتُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالطَّعْمِ اتِّفَاقُ الصِّنْفِ حَرُمَ
التَّفَاضُلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا اقْتَرَنَ وَصْفٌ
ثَالِثٌ وَهُوَ الِادِّخَارُ حَرُمَ التَّفَاضُلُ عِنْدَ
مَالِكٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفُ جَازَ التَّفَاضُلُ
وَحَرُمَتْ النَّسِيئَةُ.
وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا
فَهِيَ عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفَانِ مَطْعُومَةٌ وَغَيْرُ
مَطْعُومَةٍ فَأَمَّا الْمَطْعُومَةُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ
النَّسَاءُ فِيهَا وَعِلَّةُ الْمَنْعِ الطَّعْمُ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمَطْعُومَةِ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ
مَا اتَّفَقَتْ مَنَافِعُهُ مِنْهَا لَا يَجُوزُ فِيهِ مَعَ
التَّفَاضُلِ النَّسَاءُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ شَاةٌ
وَاحِدَةٌ بِشَاتَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَمَا اخْتَلَفَتْ
مَنَافِعُهُ مِنْهَا يَجُوزُ فِيهِ مَعَ التَّفَاضُلِ
النَّسَاءُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ شَاةٌ حَلُوبَةٌ بِشَاتَيْنِ
أَكُولَةٍ مَثَلًا إلَى أَجَلٍ، وَقِيلَ إنَّهُ يُعْتَبَرُ
اتِّفَاقُ الْمَنَافِعِ دُونَ التَّفَاضُلِ فَعَلَى هَذَا لَا
يَجُورُ عِنْدَهُ شَاةٌ حَلُوبَةٌ
(3/255)
كَأَرْطَالِ الزَّيْتِ مِنْ خَابِيَةٍ
وَاحِدَةٍ وَأَقْفِزَةِ الْقَمْحِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا
يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِيَّاتِهَا غَرَضٌ، بَلْ كُلُّ قَفِيزٍ
مِنْهَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْآخَرِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَمَعَ
ذَلِكَ فَلَوْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ أَقْفِزَةٍ كِيلَتْ مِنْ
صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِطْلًا مِنْ أَرْطَالِ زَيْتٍ مِنْ
جَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَهُ مَوْرِدَ الْعَقْدِ وَعَيَّنَهُ
لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ
بِالتَّعْيِينِ مَعَ عَدَمِ الْغَرَضِ فَكَذَلِكَ النَّقْدَانِ
(وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ الْفَلْسَ نَادِرٌ
وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ
(وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تَعَيَّنَ وَلَمْ
يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ
الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ بِاللَّدَدِ وَقُرْبِ الْإِعْسَارِ
فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ الدَّيْنُ، وَلَوْ حَصَلَ فِي
النَّقْدَيْنِ اخْتِلَافٌ لَتَعَيَّنَتْ أَيْضًا اتِّفَاقًا
وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ
(وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ السِّلَعَ وَإِنْ كَانَتْ ذَوَاتَ
أَمْثَالٍ فَإِنَّهَا مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَانِ وَسِيلَتَانِ
لِتَحْصِيلِ الْمُثَمَّنَاتِ، وَالْمَقَاصِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِشَاةٍ حَلُوبَةٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ
الْمَنَافِعُ فَالتَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ عِنْدَهُ
جَائِزَانِ وَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ وَاحِدًا، وَقِيلَ
يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ مَعَ اتِّفَاقِ
الْمَنَافِعِ وَالْأَشْهَرُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ أَيْ
اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ مُطْلَقًا، وَقَدْ قِيلَ يُعْتَبَرُ
أَيْ اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ فِي مَنْعِ
النَّسَاءِ فِيمَا عَدَا الَّتِي لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ فِيهَا
التَّفَاضُلُ هُوَ اتِّفَاقُ الصِّنْفِ اتَّفَقَتْ
الْمَنَافِعُ أَوْ اخْتَلَفَتْ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ شَاةٌ
بِشَاةٍ وَلَا بِشَاتَيْنِ نَسِيئَةً وَإِنْ اخْتَلَفَتْ
مَنَافِعُهَا، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَكُلُّ مَا يَجُوزُ
التَّفَاضُلُ عِنْدَهُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ يَجُوزُ فِيهِ
النَّسَاءُ فَيُجِيزُ شَاةً بِشَاتَيْنِ نَسِيئَةً وَنَقْدًا،
وَكَذَلِكَ شَاةٌ بِشَاةٍ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي
قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى
الصَّدَقَةِ مَعَ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى
عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ فَكَانَ
الشَّافِعِيُّ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ لِحَدِيثِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَصْحَابُهُ.
وَفِيهِ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَعَ
النَّسَاءِ وَالْحَنَفِيَّةُ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَعَ
التَّأْوِيلِ لَهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا
يَجُوزَ الْحَيَوَانُ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً اتَّفَقَ أَوْ
اخْتَلَفَ، بَلْ قَدْ قِيلَ عَنْ الْكُوفِيِّينَ الْأَخْذُ
بِظَاهِرِ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَكَانَ مَالِكًا ذَهَبَ مَذْهَبَ
الْجَمْعِ فَحَمَلَ حَدِيثَ سَمُرَةَ عَلَى اتِّفَاقِ
الْأَغْرَاضِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى
اخْتِلَافِهَا وَسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ مُخْتَلَفٌ
فِيهِ، وَلَكِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَيَشْهَدُ
لِمَالِكٍ مَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«الْحَيَوَانُ اثْنَانِ وَاحِدٌ لَا يَصْلُحُ لِنَسَاءٍ وَلَا
بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ» .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى عَبْدًا
بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ وَاشْتَرَى جَارِيَةً بِسَبْعَةِ
أَرْؤُسٍ» وَعَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَكُونُ بَيْعُ
الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا
بِنَفْسِهِ لَا مِنْ قِبَلِ سَدِّ ذَرِيعَةٍ وَاخْتَلَفُوا
فِيمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَسَاءً هَلْ مِنْ شَرْطِهِ
التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي
سَائِرِ الرِّبَوِيَّاتِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ
ذَلِكَ فِي الْمُصَارَفَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»
فَمَنْ شَرَطَ فِيهَا التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ شَبَّهَهَا
بِالصَّرْفِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ قَالَ إنَّ
الْقَبْضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْبُيُوعِ
إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَلَمَّا قَامَ
الدَّلِيلُ عَلَى الصَّرْفِ فَقَطْ بَقِيَتْ سَائِرُ
الرِّبَوِيَّاتِ عَلَى الْأَصْلِ اهـ. بِتَلْخِيصٍ وَإِصْلَاحٍ
قَالَ.
وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ
فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا، وَعِنْدَ
مَالِكٍ مَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا وَلَا كَانَ صِنْفًا
وَاحِدًا مُتَمَاثِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا كَانَ
صِنْفًا وَاحِدًا بِإِطْلَاقِ فَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ فِي
الصِّنْفِ الْمُؤَثِّرِ فِي التَّفَاضُلِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ
وَفِي النَّسَاءِ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ اتِّفَاقُ
الْمَنَافِعِ وَاخْتِلَافِهَا فَإِذَا اخْتَلَفَ جَعَلَهَا
صِنْفَيْنِ وَإِنْ كَانَ الِاسْمُ وَاحِدًا وَأَبُو حَنِيفَةَ
يَعْتَبِرُ الِاسْمَ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ
الشَّافِعِيُّ لَيْسَ الصِّنْفُ عِنْدَهُ مُؤَثِّرًا إلَّا فِي
الرِّبَوِيَّاتِ فَقَطْ أَعْنِي أَنَّهُ يُمْنَعُ التَّفَاضُلُ
فِيهِ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ عِلَّةَ النَّسَاءِ أَصْلًا
اهـ. الْمُحْتَاجُ مِنْهُ وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى
الْإِقْنَاعِ لِلشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ
الْحَنْبَلِيِّ مَا حَاصِلُهُ مَعَ الْمَتْنِ إنَّ رِبَا
النَّسَاءِ يَحْرُمُ بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ مِنْ جِنْسٍ أَوْ
جِنْسَيْنِ بِشَرْطَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا ذَهَبًا أَوْ
فِضَّةً
(وَثَانِيهِمَا) أَنْ تَتَّحِدَ عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ
وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِيهِمَا كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ
مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ مُدَّ بُرٍّ
بِجِنْسِهِ أَيْ بِبُرٍّ أَوْ بِشَعِيرٍ وَنَحْوِهِ
وَمَوْزُونٌ بِمَوْزُونٍ بِأَنْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ
بِجِنْسِهِ أَيْ بِحَدِيدٍ أَوْ بِنُحَاسٍ وَنَحْوِهِ
فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الْحُلُولُ
وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا ذُكِرَ، ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ
الْجِنْسُ اُعْتُبِرَ التَّمَاثُلُ وَإِلَّا جَازَ
التَّفَاضُلُ وَيَجُوزُ النَّسَاءُ بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ
أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَاخْتَلَفَ عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ
فِيهِمَا وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ
فَيَجُوزُ النَّسَاءُ فِي صَرْفِ فُلُوسٍ نَافِقَةٍ بِنَقْدٍ
كَمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ كَابْنِ عَقِيلٍ،
وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ رِوَايَةً قَالَ فِي الرِّعَايَةِ إنْ
قُلْنَا هِيَ عَرْضٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِمَا فِي
التَّنْقِيحِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْحُلُولُ
وَالتَّقَابُضُ فِي صَرْفِ نَقْدٍ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ
وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ قَدَّمَهُ فِي
الْمُبْدِعِ.
وَذَكَرَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ
الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ
(3/256)
أَشْرَفُ مِنْ الْوَسَائِلِ إجْمَاعًا
فَلِشَرَفِهَا اُعْتُبِرَ تَشْخِيصُهَا وَعَيْنُ النَّقْدِ
وَإِنْ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فَأَثَّرَ بِشَرَفِهِ فِي
تَعْيِينِ تَشْخِيصِهِ بِخِلَافِ الْوَسَائِلِ ضَعِيفَةٌ
فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا إذَا قَامَ
غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَلَمْ يَخْتَصَّ بِمَعْنًى فِيهَا
فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَفِي الْفَرْقِ ثَلَاثُ
مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ لَا
يُمْلَكَانِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ خُصُوصِيَّاتِ
الْمِثْلِيَّاتِ فَإِذَا غَصَبَ غَاصِبٌ مِنْ شَخْصٍ دِينَارًا
لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ طَلَبِ خُصُوصِهِ، بَلْ يَسْتَحِقُّ
الزِّنَةَ وَالْجِنْسَ دُونَ الْخُصُوصِ فَالْغَاصِبُ أَنْ
يُعْطِيَهُ دِينَارًا غَيْرَهُ وَإِنْ كَرِهَ رَبُّهُ إذَا
كَانَ الدِّينَارُ وَاَلَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا
مُسَاوِيًا لِلسِّكَّةِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الدِّينَارِ
الْمَغْصُوبِ وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْعِ
الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ هَذِهِ السِّلْعَةَ
فَبَاعَهُ إيَّاهَا بِهِ لَهُ يَمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِهِ
وَيُعْطِيهِ غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّ الْخُصُوصَ فِي أَفْرَادِ
النَّقْدَيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِلْكٌ وَلَا
يَتَنَاوَلُهُ عَقْدٌ، بَلْ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ الْجِنْسُ
وَالْمِقْدَارُ فَقَطْ دُونَ خُصُوصِ ذَلِكَ الْفَرْدِ وَعَلَى
هَذَا أَيْضًا لَا تَكُونُ الْعُقُودُ فِي النَّقْدَيْنِ
تَتَنَاوَلُ إلَّا الذِّمَمَ خَاصَّةً وَلَا فَرْقَ عِنْدَ
الْإِمَامَيْنِ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ
بِعْنِي بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْنِي بِهَذَا
الدِّرْهَمِ وَيُعَيِّنُهُ وَالْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ
إنَّمَا يُرَدُّ عَلَى الذِّمَّةِ دُونَ مَا عُيِّنَ وَنُصُوصُ
الْمَذْهَبِ تَتَقَاضَى ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ وَالْأَصْحَابِ
غَيْرَ أَنَّهُمْ إذَا قِيلَ لَهُمْ إنَّ خُصُوصَ
النَّقْدَيْنِ فِي الشَّخْصِ لَا تَمْلِكُهُ وَإِنَّ خُصُوصَ
كُلِّ دِينَارٍ لَا يُمْلَكُ قَدْ يُسْتَشْنَعُ ذَلِكَ
وَيُنْكَرُ وَهُوَ لَازِمٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِذَا كَانَتْ
الْخُصُوصِيَّاتُ لَا تُمْلَكُ كَانَتْ الْمُعَامَلَاتُ بَيْنَ
النَّاسِ بِالْجِنْسِ وَالْمِقْدَارِ فَقَطْ فَاعْلَمْ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
النَّقْدَيْنِ عَلَى ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا أُجِيبَ بِهِ
مِنْ أَنَّ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَيْنِ
وَسَائِلُ لَيْسَ بِفَرْقٍ يَقْدَحُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ
ذَلِكَ الْقِيَاسِ قَالَ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَ
الدِّينَارُ الَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا مُسَاوِيًا
فِي السِّكَّةِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الدِّينَارِ
وَالْمَغْصُوبِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ
وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ لُزُومُ رَدِّ الدِّينَارِ
الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ مَا دَامَ قَائِمًا أَمَّا إذَا فَاتَ
فَلَهُ رَدُّ غَيْرِهِ قَالَ (وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ فِي
بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ إلَى آخِرِ
الْمَسْأَلَةِ) قُلْت ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ
أَوْ الْقَوْلُ بِأَنَّ الدِّينَارَ الَّذِي فِي يَدِ
الْإِنْسَانِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بِأَخْذِهِ
عِوَضًا عَنْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ مِلْكَهُ لَيْسَ
مَالِكًا لَهُ مِنْ أَشْنَعِ قَوْلٍ يُسْمَعُ وَأَفْحَشِ
مَذْهَبٍ بِبُطْلَانِهِ يُقْطَعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ
وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ اهـ.
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَيَجُوزُ النَّسَاءُ أَيْضًا
فِي بَيْعِ مَكِيلٍ بِمَوْزُونٍ وَفِي بَيْعِ مَا لَيْسَ
بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ كَثِيَابٍ وَحَيَوَانٍ
وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ
جِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا «لِأَمْرِ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ
يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ أَيْ إلَى إبِلِ
الصَّدَقَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ
وَصَحَّحَهُ، وَإِذَا جَازَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَفِي
الْجِنْسَيْنِ أَوْلَى اهـ.
هَذَا وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَفْهُومِ عِلَّةِ مَنْعِ
التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فِي السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ
عَلَيْهَا قَالَ الْأَصْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ
تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا وَرَدَ
مَقْرُونًا بِأَوْصَافٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ
فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً كَانَ الْجَمِيعُ عِلَّةً
أَوْ بَعْضُهَا كَانَ الْمُنَاسِبُ عِلَّةً وَاحِدَةً
فَأَسْعَدُ النَّاسِ أَرْجَحُهُمْ تَخْرِيجًا وَعِلَّةُ
مَالِكٍ أَرْجَحُ لِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّهَا صِفَةٌ ثَابِتَةٌ وَالْكَيْلُ عَارَضَهَا
(وَثَانِيهَا) أَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْكَيْلِ
وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ
(وَثَالِثُهَا) أَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ عَادَةً مِنْ هَذَا
الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ
(وَرَابِعُهَا) أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْأَوْصَافِ
الْمُنَاسِبَةِ كُلِّهَا
(وَخَامِسُهَا) أَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى الْحُكْمِ
وَالْكَيْلُ لَاحِقٌ مُخَلَّصٌ مِنْ الرِّبَا كَالْقَبْضِ لَا
أَنَّهُ عِلَّتُهُ
(وَسَادِسُهَا) أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ
كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ وَالْكَيْلُ يَمْتَنِعُ فِي
التَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَمِنْ هُنَا
قَالَ الْحَفِيدُ وَالْحَنَفِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ
قَدْرًا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ اهـ
(وَسَابِعُهَا) أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ الرِّبَا دُونَ
حَالَةِ كَوْنِ الْحُبُوبِ حَشِيشًا ابْتِدَاءً وَرَمَادًا
انْتِهَاءً وَالْكَيْلُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ فَحُجَّةُ مَالِكٍ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - قَائِمَةٌ عَلَى الْفِرَقِ كُلِّهَا
(أَمَّا أَوَّلًا) فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - جَعَلَ التَّحْرِيمَ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ إلَّا
مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ
الْمُمَاثَلَةَ فِي الْجِنْسِ لِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَلَا
فِي الزَّكَوِيَّةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا فِي الْمِلْحِ
فَتَعَيَّنَ الْمِقْدَارُ وَلَمَّا كَانَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى
فِي الرِّبَا إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ
بَعْضًا وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ
(وَأَمَّا ثَانِيًا) فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - اخْتَصَّ النَّقْدَيْنِ لِشَرَفِهِمَا
بِأَنَّهُمَا رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ
الْمُنَاسِبُ لَأَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ فِي الْقَلِيلِ
فَيَضِيعُ الزَّائِدُ فَشَدَّدَ فِيهِمَا فَشَرْطُ التَّسَاوِي
وَالْحُضُورِ وَالتَّنَاجُزِ فِي الْقَبْضِ وَاخْتَصَّ تِلْكَ
الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ أَيْ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ
وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَهِيَ أَقْوَاتُهُمْ بِالْحِجَازِ
لِاشْتِرَاكِهِمَا كُلِّهَا فِي الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ
وَالطَّعْمِ وَهِيَ صِفَاتُ شَرَفٍ تُنَاسِبُ أَنْ لَا
يُبْذَلَ الْكَثِيرُ مِنْ مَوْصُوفِهَا بِالْقَلِيلِ
(وَأَمَّا ثَالِثًا) فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمَّا لَمْ يَكْتَفِ بِالتَّثْنِيَةِ عَلَى
الطَّعْمِ وَحْدَهُ بِالنَّصِّ عَلَى وَاحِدٍ
(3/257)
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَالَ الْعَبْدَلِيُّ لَا تَتَعَيَّنُ الدَّنَانِيرُ
وَالدَّرَاهِمُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ
الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ
فِي الْمُقَدِّمَاتِ النَّقْدَانِ يَتَعَيَّنَانِ
بِالتَّعْيِينِ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ
أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ تَعَيَّنَتْ بِالْقَبْضِ
وَبِالْمُفَارَقَةِ وَلِذَلِكَ جَازَ الرِّضَى بِالزَّائِفِ
فِي الصَّرْفِ.
وَقَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ
النَّقْدَانِ فَالْعَقْدُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ التَّسْلِيمَ
فَإِذَا قُبِضَ فِي الصَّرْفِ رَدِيئًا، وَقَدْ افْتَرَقَا
قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ
فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْقَبْضَ يُبْرِئُ الذِّمَّةَ
وَتَعَيَّنَ صَحَّ الْعَقْدُ وَالطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ
اسْتِحْقَاقٌ أَوْ عَيْبٌ أَوْ حُكْمٌ مُتَجَدِّدٌ لِنَفْيِ
الظُّلَامَةِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ مُبْرَمٌ مُفِيدٌ
لِلْمِيرَاثِ وَحِلِّ الْوَطْءِ، وَإِذَا ظَهَرَ بَعْدَ
الْمَوْتِ عَيْبٌ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُوجِبُ الرَّدَّ
فَإِذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى حَالِهِ
وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ وَإِنْ أَرَادَ الْبَدَلَ مَنَعَهُ
مَالِكٌ إلَّا أَنْ يُدَلِّسَ بَائِعُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ
خِلَافٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ
هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يُحْوِجُ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ
بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَسَائِلِ أَمَّا الصَّرْفُ
فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَالَ فِيهِ مَالِكٌ
بِالتَّعْيِينِ فَلِضِيقِ بَابِهِ وَأَمَرَ الشَّرْعُ
بِسُرْعَةِ الْقَبْضِ نَاجِزًا لِلتَّعْيِينِ وَذَلِكَ
مُنَاسِبٌ لِلتَّضْيِيقِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُحَصِّلُ
مَقْصُودَ الْقَبْضِ نَاجِزًا بِخِلَافِ إذَا قُلْنَا إنَّ
الصَّرْفَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الذِّمَّةِ فَاحْتَمَلَ أَنْ
يَكُونَ هَذَا الْقَبْضُ مُبْرِئًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ إنْ
كَانَ مُوَافِقًا وَأَنْ لَا يَكُونَ فَبِالتَّعْيِينِ
يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِالْقَبْضِ وَالتَّنَاجُزِ.
وَأَمَّا الْكِرَاءُ فَيَصْعُبُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
غَيْرِهِ وَغَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّ الْكِرَاءَ
يَرِدُ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ فَلَوْ كَانَ
النَّقْدَانِ لَا يَتَعَيَّنَانِ لَكَانَ الْكِرَاءُ أَيْضًا
فِي الذِّمَّةِ فَيُشْبِهُ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ
وَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا
تَتَعَيَّنُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ يُشْكِلُ فَإِنَّهُ
يَجُوزُ الْكِرَاءُ عَلَى الذِّمَّةِ تَصْرِيحًا وَيُعَيِّنُهُ
بَعْدَ ذَلِكَ فَيُطْلَبُ لَهُ فَرْقٌ يَلِيقُ بِهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
إذَا جَرَى غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مَجْرَاهُمَا فِي
الْمُعَامَلَةِ كَالْفُلُوسِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ سَنَدٌ مَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت
الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ
النَّقْدَيْنِ بِالتَّعْيِينِ فَلِذَلِكَ أُشْكِلَ الْفَرْقُ
بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ وَالصَّحِيحُ
أَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا إشْكَالَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت
قَوْلُ أَشْهَبَ فِي سُكْنَى الدَّارِ الْمَأْخُوذَةِ فِي
الدَّيْنِ أَوْجُهٌ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ وَمَا قَالَهُ فِي
بَيْعِ الْغَائِبِ أَنَّهُ أَخَذَ شَبَهًا مِمَّا فِي
الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ، بَلْ هُوَ مُعَيَّنٌ، وَأَمَّا كَوْنُ
ضَمَانِهِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَلِأُمُورٍ
غَيْرِ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ السِّتَّةِ بَعْدَهُ
صَحِيحٌ كُلُّهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ.
بَلْ ذَكَرَ تِلْكَ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا عُلِمَ أَنَّهُ
قَصَدَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا التَّنْبِيهَ عَلَى مَا فِي
مَعْنَاهُ فَنَبَّهَ بِالْبُرِّ عَلَى قُوتِ الرَّفَاهِيَةِ
وَبِالشَّعِيرِ عَلَى قُوتِ الشِّدَّةِ مِنْ أَصْنَافِ
الْحُبُوبِ الْمُدَّخَرَةِ وَبِالتَّمْرِ عَلَى الْمُقْتَاتِ
مِنْ الْحَلَاوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ كَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ
وَالسُّكَّرِ وَبِالْمِلْحِ عَلَى مَصَالِحِ الْأَقْوَاتِ مِنْ
جَمِيعِ التَّوَابِلِ الْمُدَّخَرَةِ لِإِصْلَاحِ الطَّعَامِ
وَأَنَّهُ قَصَدَ مَا يَجْمَعُهَا مِنْ الِاقْتِيَاتِ
وَالِادِّخَارِ لَا الطَّعْمُ وَحْدَهُ فَلِذَا زَادَ مَالِكٌ
عَلَى الطَّعْمِ صِفَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الِادِّخَارُ كَمَا
فِي الْمُوَطَّإِ أَوْ صِنْفَيْنِ وَهُمَا الِادِّخَارُ
وَالِاقْتِيَاتُ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ جَمِيعُ
الْبَغْدَادِيِّينَ
(وَأَمَّا رَابِعُهَا) فَلِأَنَّ الشَّرَفَ لَمَّا كَانَ
يَقْتَضِي كَثْرَةَ الشُّرُوطِ وَتَمْيِيزَهُ عَلَى الْخَسِيسِ
أَلَا تَرَى تَمْيِيزَ النِّكَاحِ عَنْ مِلْكِ الْيَمِينِ
بِالشُّرُوطِ كَالْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَالصَّدَاقِ
وَالْإِعْلَانِ وَإِنَّ الْمُلُوكَ لَا تَكْثُرُ الْحُرَّاسُ
إلَّا عَلَى الْخَزَائِنِ النَّفِيسَةِ فَكُلَّمَا عَظُمَ
شَرَفُ الشَّيْءِ عَظُمَ خَطَرُهُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً
وَكَانَ لِلطَّعَامِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلِلْمُقْتَاتِ
مِنْهُ شَرَفٌ عَلَى غَيْرِ الْمُقْتَاتِ لِعِظَمِ
مَصْلَحَتِهِ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ
الْحَيَوَانِ إذْ هُوَ سَبَبُ بَقَاءِ الْأَبْنِيَةِ
الشَّرِيفَةِ لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ طُولِ
الْأَزْمَانِ نَاسَبَ ذَلِكَ لِلصَّوْنِ عَنْ الضَّيَاعِ
بِأَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ بِالْقَلِيلِ فَيَضِيعُ
الزَّائِدُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَإِنَّمَا جَازَ التَّفَاضُلُ
فِي الْجِنْسَيْنِ وَإِهْدَارُ الزَّائِدِ لِمَكَانِ
الْحَاجَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَفْقُودِ وَامْتَنَعَ النَّسَاءُ
إظْهَارًا لِشَرَفِ الطَّعَامِ
(وَأَمَّا خَامِسُهَا) فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْكَيْلِ
وَإِنْ كَانَ طَرْدِيًّا إلَّا أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ
الْمُنَاسِبُ نَعَمْ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ إذَا
تُؤُمِّلَ الْأَمْرُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى ظَهَرَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ عِلَّةَ الْحَنَفِيَّةِ أَوْلَى
الْعِلَلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ
الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا إنَّمَا هُوَ لِمَكَانِ
الْغَبْنِ الْكَثِيرِ الَّذِي فِيهِ وَأَنَّ الْعَدْلَ فِي
الْمُعَامَلَاتِ إنَّمَا هُوَ مُقَارَبَةُ التَّسَاوِي
وَلِذَلِكَ لَمَّا عَسُرَ إدْرَاكُ التَّسَاوِي فِي
الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الذَّوَاتِ جَعَلَ الدِّينَارَ
وَالدِّرْهَمَ لِتَقْوِيمِهَا أَعْنِي تَقْدِيرَهَا وَلَمَّا
كَانَتْ الْأَشْيَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ الذَّوَاتِ أَعْنِي
غَيْرَ الْمَوْزُونَةِ وَالْمَكِيلَةِ الْعَدْلِ فِيهَا
إنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِ النِّسْبَةِ أَعْنِي أَنْ تَكُونَ
نِسْبَةُ قِيمَةِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إلَى جِنْسِهِ نِسْبَةَ
قِيمَةِ الشَّيْءِ الْآخَرِ إلَى جِنْسِهِ مِثَالُ ذَلِكَ
أَنَّ الْعَدْلَ فِيمَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ فَرَسًا بِثِيَابٍ
هُوَ أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الْفَرَسِ إلَى
الْأَفْرَاسِ هِيَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إلَى
الثِّيَابِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفَرَسُ قِيمَته خَمْسُونَ
فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الثِّيَابُ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ
فَلْيَكُنْ مَثَلًا الَّذِي يُسَاوِي هَذَا الْقَدْرَ
عَدَدُهَا وَهُوَ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ فَحِينَئِذٍ اخْتِلَافُ
الْمَبِيعَاتِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فِي الْعَدَدِ وَاجِبٌ فِي
الْمُعَامَلَةِ الْعِدْلَةِ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ عَدِيلُ
فَرَسٍ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي الْمِثْلِ وَالْأَشْيَاءُ
الْمَكِيلَةُ وَالْمَوْزُونَةُ لَمَّا كَانَتْ لَا تَخْتَلِفُ
كُلَّ الِاخْتِلَافِ وَكَانَتْ مَنَافِعُهَا مُتَقَارِبَةً
وَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ
(3/258)
أَجْرَى الْفُلُوسَ مَجْرَى النَّقْدَيْنِ
فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا جَعَلَهَا كَالنَّقْدَيْنِ وَمُنِعَ
الْبَدَلُ فِي الصَّرْفِ إذَا وُجِدَ بَعْضُهَا رَدِيئًا قَالَ
مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اشْتَرَيْت فُلُوسًا
بِدَرَاهِمَ فَوُجِدَتْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَعْضُ الْفُلُوسِ
رَدِيئًا اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ لِلْخِلَافِ فِيهَا، وَهَذَا
عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْفُلُوسَ يُكْرَهُ الرِّبَا فِيهَا
مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ،
التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالصُّورَةُ
الثَّانِيَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ الْمُشَخَّصَاتُ مَا قَالَهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ لَك دَيْنٌ
عَلَى أَحَدٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ فِيهِ سُكْنَى دَارٍ
أَوْ خِدْمَةَ عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةً يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا
وَإِنْ عَيَّنْت جَمِيعَ ذَلِكَ وَأَجْرَاهُ مَجْرَى فَسْخِ
الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لِأَجْلِ صُورَةِ التَّأَخُّرِ فِي
الْقَبْضِ وَإِنْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْمُعَاوَضَةِ فَمِنْ هَذَا
الْوَجْهِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ
ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّعْيِينِ، وَالتَّعَيُّنُ لَا يَكُونُ
إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ لَا
يَكُونُ دَيْنًا، فَلَيْسَ هَا هُنَا فَسْخُ الدَّيْنِ فِي
الدَّيْنِ وَهُوَ أَوْجَهُ
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ التَّقْسِيمِ لَا هُوَ مُعَيَّنٌ
مُطْلَقًا وَلَا هُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مُطْلَقًا، بَلْ أَخَذَ
شَبَهًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى
الصِّفَةِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ أَشْبَهَ
مَا فِي الذِّمَّةِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ
الْبَائِعِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى
جِنْسٍ، بَلْ عَلَى مُشَخَّصٍ مُعَيَّنٍ أَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ
الْمُشْتَرِي قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَبِيعُ
عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ سَلَمٌ فِي الذِّمَّةِ وَغَائِبٌ
عَلَى الصِّفَةِ وَحَاضِرٌ مُعَيَّنٌ فَهَذِهِ أَقْسَامُ مَا
يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا
مَبْسُوطٌ.
(الْفَرْقُ التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا
يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ) وَالضَّابِطُ عِنْدَنَا لَهُ هُوَ
الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الِاقْتِيَاتِ
وَالِادِّخَارِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَصَرَهُ أَرْبَابُ الظَّاهِرِ
عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ
وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ
بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ
إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ،
وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ
إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» فَقَالُوا يَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ
فِي هَذِهِ السِّتَّةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَجُوزُ فِي
غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}
[البقرة: 275] ، وَجَوَابُهُمْ قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ
الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ وَهَذِهِ
زِيَادَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ
الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -
كَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ رِبَا
الْفَضْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا صِنْفٌ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ
بِذَلِكَ الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ السَّرَفِ
كَانَ الْعَدْلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ أَنْ لَا
يَقَعَ فِيهَا تَعَامُلٌ لِكَوْنِ مَنَافِعِهَا غَيْرَ
مُخْتَلِفَةٍ وَالتَّعَامُلُ إنَّمَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ فِي
الْمَنَافِعِ الْمُخْتَلِفَةِ فَحِينَئِذٍ مُنِعَ التَّفَاضُلُ
فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَعْنِي الْمَكِيلَةَ
وَالْمَوْزُونَةَ لَهُ عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا وُجُودُ
الْعَدْلِ فِيهَا وَالثَّانِيَةُ مَنْعُ الْمُعَامَلَةِ إذْ
كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مِنْ بَابِ السَّرَفِ.
وَأَمَّا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فَعِلَّةُ الْمَنْعِ
فِيهَا أَظْهَرُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ
مِنْهَا الرِّبْحَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا تَقْدِيرُ
الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَهَا مَنَافِعُ ضَرُورِيَّةٌ وَرَوَى
مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ
يَعْتَبِرُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ
الْكَيْلَ وَالطَّعْمَ وَهُوَ مَعْنًى جَيِّدٌ لِكَوْنِ
الطَّعْمِ ضَرُورِيًّا فِي أَقْوَاتِ النَّاسِ فَإِنَّهُ
يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حِفْظُ الْعَيْنِ وَحِفْظُ السَّرَفِ
فِيمَا هُوَ قُوتٌ أَهَمُّ مِنْهُ فِيمَا لَيْسَ هُوَ قُوتًا
اهـ.
لَكِنْ لَا يَخْفَاك أَنَّ الْكَيْلَ لَيْسَ بِصِفَةٍ
ثَابِتَةٍ، بَلْ عَارِضٍ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مُخْتَصَّةٍ، بَلْ
غَيْرُ مُخْتَصٍّ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مَقْصُودَةٍ عَادَةً مِنْ
هَذِهِ الْأَعْيَانِ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ جَامِعَةٍ
لِلْأَوْصَافِ الْمُنَاسَبَةِ كُلِّهَا، بَلْ لَيْسَ هُوَ
بِصِفَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْحُكْمِ وَإِنَّمَا هُوَ لَاحِقٌ
مُلَخَّصٌ مِنْ الرَّبَّا كَالْقَبْضِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ
يَكُونَ عِلَّتُهُ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْقَلِيلِ
كَالتَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ
عِلَّةِ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَعَمْ لَوْ صَحَّتْ
الْأَحَادِيثُ الَّتِي رُبَّمَا احْتَجَّ بِهَا الْأَحْنَافُ؛
لِأَنَّ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورَةً تَنْبِيهًا
قَوِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مِنْهَا
أَنَّهُمْ رَوَوْا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ
الْمُسَمَّيَاتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ
زِيَادَةً وَهِيَ كَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَفِي
بَعْضِهَا.
وَكَذَلِكَ الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانُ لَكَانَ نَصًّا فِي
ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذَاهِبُ اثْنَا عَشَرَ عَشَرَةٌ
مِنْهَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَمَذْهَبَانِ لَا تَعْلِيلَ
فِيهِمَا وَهُمَا قَصْرُ مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ
عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقَصْرُ مَنْعِ الرِّبَا عَلَى
النَّسَاءِ وَإِبَاحَةِ التَّفَاضُلِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ
2 -
(الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) جِهَةُ كَوْنِ الْمَعْنَى الْعَامِّ
الْمَفْهُومِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الَّتِي وَقَعَ
التَّنْبِيهُ بِهَا عَلَيْهَا لِيَتَأَدَّى بِهِ إلْحَاقُ
غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بِهَا فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ
وَالنَّسَاءِ هَلْ يُؤَدِّي إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ
قِيَاسِ الْعِلَّةِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ جَمِيعٌ
مِنْ الْحَقِّ الْمَسْكُوتِ هَاهُنَا بِالْمَنْطُوقِ بِهِ
إنَّمَا أَلْحَقَهُ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ لَا بِقِيَاسِ
الْعِلَّةِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ
اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الْمَالِيَّةِ،
وَقَالَ عِلَّةُ مَنْعِ الرِّبَا إنَّمَا هِيَ حِيَاطَةُ
الْأَمْوَالِ يُرِيدُ مَنْعَ الْعَيْنِ قَالَ وَلِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ الْقَائِسِينَ دَلِيلٌ فِي اسْتِنْبَاطِ
الشَّبَهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِي إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ
عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي
مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ
(3/259)
«إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ»
وَهَذِهِ صِيغَةُ حَصْرٍ تَقْتَضِي انْحِصَارَ الرِّبَا
الْمُحَرَّمِ فِي النَّسِيئَةِ فَلَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ
وَجَوَابُهُمْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ مُبَادَلَةِ الذَّهَبِ
بِالْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ فَقَالَ إنَّمَا
الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَا يَحْرُمُ مَا ذَكَرْتُمْ
إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ» فَسَمِعَ الْجَوَابَ دُونَ
السُّؤَالِ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ فِي
أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقُ
الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ وَالْبِقَاعِ
وَالْمُتَعَلِّقَاتِ، وَهَذَا النَّصُّ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ
الرِّبَا مُطْلَقٌ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى
اخْتِلَافِ الْجِنْسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
وَالْمُطْلَقُ إذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ
الِاسْتِدْلَال بِهِ فِيمَا عَدَا.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ هُوَ الضَّابِطُ
وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ
فِي جِنْسٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ
لِذِكْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجْنَاسًا لَا
تَجْمَعُهَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ تَبْقَ إلَّا
الْجِنْسِيَّةُ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي
الْمُقَابَلَةَ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَكُونُ الزَّائِدُ
لَا مُقَابِلَ لَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الْعَقْدِ،
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يُفِيدُ مَقْصُودُهُ
يَبْطُلُ وَجَوَابُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَاجَرَ
إلَيْهِ عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ مِنْ سَيِّدِهِ»
وَلِقَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةِ الْأَسْمَاءِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ
الْجِنْسِيَّةَ لَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَا تَبِيعُوا جِنْسًا وَاحِدًا بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا
بِمِثْلٍ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِفَصَاحَتِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُعَاوَضَةُ تَتْبَعُ
غَرَضَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَقَدْ يُقْصَدُ جَعْلُ الْجُمْلَةِ
قُبَالَةَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ، وَقَالَ
رَبِيعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الضَّابِطُ لِرِبَا
الْفَضْلِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا
يُبَاعُ بَعِيرٌ بِبَعِيرٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ وُرُودُ
النَّصِّ فِي الْمِلْحِ، وَلَيْسَ بِزَكَوِيٍّ وَخَصَّصَهُ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا يُكَالُ أَوْ
يُوزَنُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجِنْسِ
الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ السِّتَّةِ
الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ.
وَالْحُكْمُ الْمُشْتَرَكُ تَكُونُ عِلَّتُهُ مُشْتَرَكَةً
وَرَجَعَ إلَى الْعِلَّةِ الطَّعْمُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ
إنْ كَانَ قُوتًا وَإِدَامًا أَوْ فَاكِهَةً أَوْ دَوَاءَ
الْآدَمِيِّينَ دُونَ مَا تَأْكُلُهُ الْبَهَائِمُ فَإِنْ
أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ رُوعِيَ الْأَغْلَبُ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا لِلْآدَمِيِّينَ كَالْوَرْدِ
وَالرَّيَاحِينِ وَنَوَى التَّمْرِ لَمْ يَدْخُلْهُ الرِّبَا
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ
بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» رَتَّبَ مَنْعَ التَّفَاضُلِ
عَلَى اسْمِ الطَّعَامِ وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى
الْوَصْفِ، يَقْتَضِي عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ
الْحُكْمِ نَحْوُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}
[النور: 2] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا}
[المائدة: 38] وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ وَخَصَّصَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي تَثْبِيتِ عِلَّتِهِمْ الشَّبَهِيَّةُ
أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ دَلَّ عَلَى
أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ الِاسْمُ
هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ
بْن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ
«الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَمِنْ الْبَيِّنِ
أَنَّ الطَّعْمَ هُوَ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ،
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَزَادُوا عَلَى الطَّعْمِ إمَّا
صِفَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الِادِّخَارُ عَلَى مَا فِي
الْمُوَطَّإِ وَإِمَّا صِفَتَيْنِ وَهُوَ الِادِّخَارُ
وَالِاقْتِيَاتُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْبَغْدَادِيِّينَ
وَتَمَسَّكُوا فِي اسْتِنْبَاطِ هَذِهِ الْعِلَّةِ
(أَوَّلًا) بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الطَّعْمَ
وَحْدَهُ لَاكْتَفَى بِالتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ
عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ
الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا،
بَلْ ذَكَرَهَا كُلَّهَا لِيُنَبِّهَ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ
عَلَى أَصْنَافِ الْحُبُوبِ الْمُدَّخَرَةِ وَبِالتَّمْرِ
عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَلَاوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ
وَبِالْمِلْحِ عَلَى جَمِيعِ التَّوَابِلِ الْمُدَّخَرَةِ
لِإِصْلَاحِ الطَّعَامِ
(وَثَانِيًا) بِأَنَّ مَعْقُولَ الْمَعْنَى فِي الرِّبَا
لَمَّا كَانَ إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ
بَعْضًا وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ
يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ،
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِبَارِ
الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلَّقَ التَّحْلِيلَ بِاتِّفَاقِ
الصِّنْفِ وَاتِّفَاقِ الْقَدْرِ وَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ
بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ وَاخْتِلَافِ الصِّنْفِ فِي «قَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَامِلِهِ بِخَيْبَرَ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ
يَدًا بِيَدٍ» رَأَوْا أَنَّ التَّقْدِيرَ أَعْنِي الْكَيْلَ
أَوْ الْوَزْنَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ كَتَأْثِيرِ
الصِّنْفِ اهـ. الْمُحْتَاجُ مِنْهُ مُلَخَّصًا.
وَقَالَ الْأَصْلُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَاسِ
الْعِلَّةِ لَا مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَذَلِكَ أَنَّ
قِيَاسَ الشَّبَهِ إمَّا فِي الْحُكْمِ كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ
عَلَى وُجُوبٍ فِي التَّيَمُّمِ النِّيَّةُ لِأَنَّهُمَا
طَهَارَتَانِ وَالطَّهَارَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.
وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ كَقِيَاسِ الْخَلِّ عَلَى الدُّهْنِ
فِي مَنْعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ
كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ اتِّحَادِهِمَا
فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَادَةً وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ
عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَقْصِدَ يُنَاسِبُ مَنْعَ الرِّبَا
وَقِيَاسُ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ الْجَامِعُ فِيهِ إلَّا
وَصْفًا مُنَاسِبًا وَضَابِطُ الْمُنَاسِبِ مَا يُتَوَقَّعُ
مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حُصُولُ مَصْلَحَةٍ أَوْ
دَرْءُ مَفْسَدَةٍ كَتَرْتِيبِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى
الْإِسْكَارِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ ذَهَابِ الْعَقْلِ
وَكَإِيجَابِ الْقِصَاصِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ حِفْظِ
النَّفْسِ أَيْ الْمُنَاسَبَةُ الْحَاصِلَةُ هُنَا مِنْ كَوْنِ
الْأَعْيَانِ شَرِيفَةً بِالْقُوتِ أَوْ رُءُوسُ الْأَمْوَالِ
وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ هِيَ أَظْهَرُ فِي
أَنْ يُتَوَقَّعَ مِنْ تَرْتِيبِ مَنْعِ الرِّبَا عَلَيْهَا
حُصُولُ مَصْلَحَةِ صَوْنِ الشَّرِيفِ عَنْ الْغَبْنِ
بِذَهَابِ الزَّائِدِ هَدَرًا وَتَمْيِيزُهُ عَنْ الْخَسِيسِ
بِكَثْرَةِ الشُّرُوطِ مِنْ أَنْ يُقَالَ
(3/260)
أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا يُكَالُ أَوْ
يُوزَنُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ كَانَ تُرَابًا؛
لِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ الْأَطْعِمَةُ
مَكِيلَاتٌ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ
يُوزَنُ قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ قَالَ الْقَاضِي
إسْمَاعِيلُ وَجَمَاعَةٌ الْعِلَّةُ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا
فَيَمْتَنِعُ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَالْبَيْضِ دُونَ
الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَاتُ وَهُوَ
جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - الِادِّخَارُ مَعَ الِاقْتِيَاتِ فَلَا رِبَا فِي
الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَلَا فِي
الْبَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ قَالَ: وَقَالَ
الْبَاجِيَّ هُوَ أُجْرِيَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْ مَالِكٍ
فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ
مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي الْفَوَاكِهِ
الْيَابِسَةِ وَعَلَى هَذِهِ يَخْتَلِفُ فِيمَا يَقِلُّ
ادِّخَارُهُ كَالْخَوْخِ وَالرُّمَّانِ فَأَجْرَى ابْنُ
نَافِعٍ فِيهِ الرِّبَا نَظَرًا لِجِنْسِهِ وَأَجَازَهُ
مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَعَلَى هَذِهِ
الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثِ فَلَا يَجْرِي الْخِلَافُ فِي
التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْخَوْخِ
الرَّطْبِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي يَابِسِهَا وَلِأَصْحَابِنَا
فِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ مِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ
بِالِاقْتِيَاتِ وَصَلَاحِ الْقُوتِ فَأَلْحَقُوا بِهِ
التَّوَابِلَ.
وَقِيلَ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ، وَقِيلَ بِكَوْنِهِ
إدَامًا فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْفِلْفِلُ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ
أَبُو الطَّاهِرِ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ التَّعْلِيلُ
بِالْمَالِيَّةِ، وَقِيلَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ مَعَ
كَوْنِهِ غَالِبَ الْعَيْشِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمَعْلُولُ
عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ مَجْمُوعُ الِاقْتِيَاتِ
وَالِادِّخَارِ وَأَلْزَمَنَا الشَّافِعِيَّةَ عَلَى تَعْلِيلِ
الْمِلْحِ بِإِصْلَاحِ الْأَقْوَاتِ جَرَيَانُ الرِّبَا فِي
الْأَقَاوِيَّةِ، وَالْأَحْطَابِ وَالنِّيرَانِ؛ لِأَنَّهَا
مُصْلِحَةٌ لِلْأَقْوَاتِ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نَقْتَصِرُ
عَلَى مُطْلَقِ الْإِصْلَاحِ، بَلْ نَقُولُ هُوَ قُوتٌ
مُصْلِحٌ وَهَذِهِ لَيْسَتْ قُوتًا وَنَلْزَمُ الرِّبَا فِي
الْأَقَاوِيَّةِ فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ مَذْهَبًا مِنْهَا
عَشَرَةٌ فِي عِلَّةِ الرِّبَا مَنْعُ الرِّبَا مُطْلَقًا
إلَّا فِي النَّسَاءِ مَنَعَهُ فِي النَّسَاءِ مَعَ
الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَهَذَانِ مَذْهَبَانِ لَا تَعْلِيلَ
فِيهِمَا وَالْعَشَرَةُ فِي التَّعْلِيلِ هِيَ تَعْلِيلُهُ
بِالْجِنْسِ تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ زَكَوِيًّا تَعْلِيلُهُ
بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ
مَكِيلًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَطْعُومًا تَعْلِيلُهُ
بِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا
مُدَّخَرًا تَعْلِيلُهُ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ مَعَ
اتِّحَادِ الْجِنْسِ تَعْلِيلُهُ بِالْمَالِيَّةِ تَعْلِيلُهُ
بِالِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ مَعَ الْغَلَبَةِ وَمِنْ
الْأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ الْبُرَّ بِالْقُوتِ غَالِبًا
وَالشَّعِيرَ بِالْقُوتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالتَّمْرَ
بِالتَّفَكُّهِ غَالِبًا وَالْمِلْحَ بِإِصْلَاحِ الْقُوتِ
فَيَحْصُلُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ هَلْ الْعِلَّةُ فِي
الْجَمِيعِ وَاحِدَةٌ أَوْ مُتَعَدِّدَةٌ، وَاخْتَلَفَ
الْأَصْحَابُ أَيْضًا هَلْ اتِّحَادُ الْجِنْسِ جُزْءُ عِلَّةٍ
لِلتَّوَقُّفِ عَلَيْهِ أَوْ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ
لِعُرُوِّهِ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
هَذَا شَبَهٌ فِي مَقْصِدٍ لَمْ نَطَّلِعْ أَنَّهُ يُنَاسِبُ
مَنْعَ الرِّبَا فَافْهَمْ هَذَا تَوْضِيحُ خِلَافِ مَنْ
ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ
هَذِهِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ
الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ.
وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ
بِهَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَقَصَرُوا
الرِّبَا عَلَى السِّتَّةِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ
الْقَوَاعِدِ هُمْ إمَّا مُنْكِرُو الْقِيَاسِ أَيْ
اسْتِنْبَاطِ الْعِلَلِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَهُمْ
الظَّاهِرِيَّةُ أَوْ مُنْكِرُو قِيَاسِ الشَّبَهِ خَاصَّةً
وَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَبَهٌ فَلَمْ
يَقُولُوا بِهِ وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ
الْبَاقِلَّانِيُّ فَلَا جَرَمَ لَمْ يُلْحَقْ بِمَا ذُكِرَ
فِي الْحَدِيثِ إلَّا الزَّبِيبُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ
قِيَاسٍ لَا فَارِقٍ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَعْنَى وَهُوَ نَوْعٌ
آخَرُ غَيْرُ قِيَاسَيْ الشَّبَهِ وَالْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ
مِثْلُ إلْحَاقِ الذُّكُورِ بِالْإِنَاثِ مِنْ الرَّقِيقِ فِي
تَشْطِيرٍ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا
عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] لَمْ
يَتَنَاوَلْ الذُّكُورَ فَأُلْحِقُوا بِهِنَّ لِعَدَمِ
الْفَارِقِ خَاصَّةً لَا لِحُصُولِ الْجَامِعِ، وَكَذَلِكَ
أُلْحِقَ بِالْعَبْدِ الْأَمَةُ فِي التَّقْوِيمِ فِي
الْعِتْقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ» إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَا
فَارِقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَجْرِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ
الْبَاقِلَّانِيُّ قِيَاسَ الْمَعْنَى إلَّا بَيْنَ التَّمْرِ
وَالزَّبِيبِ دُونَ بَقِيَّةِ السِّتَّةِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا
فِي الْأَصْلِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا فِيهِ
الرِّبَا وَقَاعِدَةِ مَا لَا رِبَا فِيهِ وَحِكَايَةُ
الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ وَمَدَارِكُهَا وَسَلَّمَهُ ابْنُ
الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
لِيَحْصُلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ
قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَقَاعِدَةِ تَعَدُّدِهِ فِي
بَابِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ تَعَدُّدِهِ)
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ
(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ مِنْ
الدُّنْيَا أَنْ تَكُونَ مَزْرَعَةَ الْآخِرَةِ وَمَطِيَّةَ
السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ
فَمَعْزُولٌ عَنْ مَقْصِدِ الشَّارِعِ فِي الشَّرَائِعِ فَلَا
يُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ إلَّا
مَا هُوَ عِمَادُ الْأَقْوَاتِ وَحَافِظُ قَانُونِ الْحَيَاةِ
وَمُقِيمُ بِنْيَةِ الْأَشْبَاحِ الَّتِي هِيَ مَرَاكِبُ
الْأَرْوَاحِ إلَى دَارِ الْقَرَارِ وَيُلْغَى فِي نَظَرِهِ
تَفَاوُتُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاعِيَةُ
السَّرَفِ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا لِلتَّرَفِ فَلَوْ رَتَّبَ
الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ
اعْتِبَارِهِ وَمُنَبِّهًا عَلَى رِفْعَةِ قَدْرِهِ
وَمَنَارِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ
وَالْقَانُونِ الْحُكْمِيِّ فَفُرُوعُ بَابِ اتِّحَادِ
الْأَجْنَاسِ وَاخْتِلَافُهَا وَإِنْ كَثُرَتْ وَانْتَشَرَتْ
كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَعَلَيْهَا
بَنَى تِلْكَ الْفُرُوعَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ - (فَمِنْ تِلْكَ الْفُرُوعِ) أَنَّ السُّلْتَ
وَالشَّعِيرَ عِنْدَ مَالِكٍ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا
وَإِنْ اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَرَدَاءَةً إلَّا أَنَّهُمَا
اتَّفَقَا فِي الْمَنَافِعِ وَالْمُتَّفِقَةُ الْمَنَافِعِ لَا
يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ (وَمِنْهَا) أَنَّ
قَوْمًا ذَهَبُوا إلَى أَنَّ
(3/261)
حُجَّتُنَا عَلَى الْفِرَقِ كُلِّهَا
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ
التَّحْرِيمَ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ
مِنْ الْمُمَاثَلَةِ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْجِنْسِ
لِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ فَتَعَيَّنَ الْمِقْدَارُ وَهَذِهِ
الْأَرْبَعَةُ هِيَ أَقْوَاتُهُمْ بِالْحِجَازِ فَالْبُرُّ
لِلرَّفَاهِيَةِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَقِيلَ الْمُرَادُ
قُوتُ الرَّفَاهِيَةِ فَذَكَرَ الشَّعِيرَ لِيُنَبِّهَ بِهِ
عَلَى قُوتِ الشِّدَّةِ، وَذَكَرَ التَّمْرَ لِيُنَبِّهَ بِهِ
عَلَى الْمُقْتَاتِ مِنْ الْحَلَاوَاتِ كَالزَّيْتِ
وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ، وَذَكَرَ الْمِلْحَ لِيُنَبِّهَ
بِهِ عَلَى مُصْلِحِ الْأَقْوَاتِ وَاشْتَرَكَتْ كُلُّهَا فِي
الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ وَالطَّعْمِ وَهِيَ صِفَاتُ
شَرَفٍ يُنَاسِبُ أَنْ لَا يُبَدَّلَ الْكَثِيرُ مِنْ
مَوْصُوفِهَا بِالْقَلِيلِ مِنْهُ صَوْنًا لِلشَّرِيفِ عَنْ
الْغَبْنِ فَيَذْهَبُ الزَّائِدُ هَدَرًا؛ وَلِأَنَّ الشَّرَفَ
يَقْتَضِي كَثْرَةَ الشُّرُوطِ وَتَمْيِيزَهُ عَنْ الْخَسِيسِ
كَتَمْيِيزِ النِّكَاحِ عَنْ مِلْكِ الْيَمِينِ بِالشُّرُوطِ
كَالْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَالصَّدَاقِ وَالْإِعْلَانِ،
وَكَذَلِكَ الْمُلُوكُ لَا تَكْثُرُ الْحُرَّاسُ إلَّا عَلَى
الْخَزَائِنِ النَّفِيسَةِ فَكُلَّمَا عَظُمَ شَرَفُ الشَّيْءِ
عَظُمَ خَطَرُهُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً وَجَازَ
التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسَيْنِ وَإِهْدَارُ الزَّائِدِ
لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَفْقُودِ وَامْتَنَعَ
النَّسَاءُ إظْهَارًا لِشَرَفِ الطَّعَامِ، فَيَكُونُ
لِلطَّعَامِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلِلْمُقْتَاتِ مِنْهُ
شَرَفٌ عَلَى غَيْرِ الْمُقْتَاتِ لِعِظَمِ مَصْلَحَتِهِ فِي
نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَهُوَ
سَبَبُ بَقَاءِ الْأَبْنِيَةِ الشَّرِيفَةِ لِطَاعَةِ اللَّهِ
مَعَ طُولِ الْأَزْمَانِ فَنَاسَبَ جَمِيعُ ذَلِكَ الصَّوْنَ
عَنْ الضَّيَاعِ بِأَنْ لَا يُبَدِّلَ كَثِيرُهَا تَقْلِيلَهَا
فَيَضِيعُ الزَّائِدُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ.
وَهَذَا أَيْضًا سَبَبُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ؛
لِأَنَّهُمَا رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ،
وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ شَرَفًا بِذَلِكَ عَنْ بَذْلِ
الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ فَيَضِيعُ الزَّائِدُ فَشَدَّدَ
فِيهِمَا فَشُرِطَ التَّسَاوِي وَالْحُضُورُ وَالتَّنَاجُزُ
فِي الْقَبْضِ، وَتَعْلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْكَيْلِ
طَرْدِيٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمُنَاسِبُ وَتَعْلِيلُ
الشَّافِعِيِّ بِالطَّعْمِ دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ
مُهْمَلٌ لِبَعْضِ الْمُنَاسِبِ بِخِلَافِنَا، بَلْ أَهْمَلَ
أَفْضَلَ الْأَوْصَافِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ وَلَمْ
يَعْتَبِرْهُ إلَّا مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُعْرَفُ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهِيَ
أَنَّ الْحُكْمَ إذَا وَرَدَ مَقْرُونًا بِأَوْصَافٍ فَإِنْ
كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً كَانَ الْجَمِيعُ عِلَّةً أَوْ
بَعْضُهَا كَانَ عِلَّةً وَاحِدَةً فَأَسْعَدُ النَّاسِ
أَرْجَحُهُمْ تَخْرِيجًا، وَعِلَّةُ مَالِكٍ أَرْجَحُ
لِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنَّهَا صِفَةٌ ثَابِتَةٌ
وَالْكَيْلُ عَارِضٌ وَأَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ
وَالْكَيْلُ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ وَأَنَّهَا
الْمَقْصُودَةُ عَادَةً مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا
لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْأَوْصَافِ
الْمُنَاسِبَةِ كُلِّهَا وَأَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى
الْحُكْمِ، وَالْكَيْلُ لَاحِقٌ مُخَلِّصٌ مِنْ الرِّبَا
كَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ وَأَنَّهَا جَامِعَةٌ
لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَالْأَوْزَاعِيُّ وَحَكَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمْدَةُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ
أَنَّهُ عَمِلَ سُلْفَةً بِالْمَدِينَةِ وَعُمْدَةُ
أَصْحَابِهِ فِيهِ أَوَّلًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ مِثْلًا بِمِثْلٍ»
وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَثَانِيًا
أَنَّهُمْ عَدَّدُوا كَثِيرًا مِنْ اتِّفَاقِهِمَا فِي
الْمَنَافِعِ وَالْمُتَّفِقَةُ الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ
التَّفَاضُلُ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى
أَنَّهُمَا صِنْفَانِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو
حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعُمْدَتُهُمْ أَوَّلًا
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا
تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ
إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَجَعَلَهُمَا صِنْفَيْنِ لَا
سِيَّمَا وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ «وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ
وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ وَالْمِلْحَ
بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» ذَكَرَهُ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ وَوَكِيعٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَصَحَّحَ هَذِهِ
الزِّيَادَةَ التِّرْمِذِيُّ وَثَانِيًا قِيَاسُهُمَا مِنْ
حَيْثُ إنَّهُمَا شَيْئَانِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُمَا
وَمَنَافِعُهُمَا عَلَى الْفِضَّةِ وَالذَّهَبُ وَسَائِرُ
الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الِاسْمِ وَالْمَنْفَعَةِ
فَكَمَا وَجَبَ كَوْنُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَنَحْوِهِمَا
بِذَلِكَ صِنْفَيْنِ كَذَلِكَ وَجَبَ كَوْنُ الْبُرِّ
وَالشَّعِيرِ بِذَلِكَ صِنْفَيْنِ.
(وَمِنْهَا) أَنَّ الْقُطْنِيَّةَ وَهِيَ الْعَدَسُ
وَاللُّوبِيَا وَالْحِمَّصُ وَالْفُولُ وَالتُّرْمُسُ
وَالْجُلُبَّانُ وَالْبِسِلَّةُ عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ
فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا
الْمُجَانَسَةُ الْقَبْلِيَّةُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا
تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَيْنُ
بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ
جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَهُمَا جِنْسَانِ فِي
الْبَيْعِ، وَعَنْهُ فِي الْبُيُوعِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا
قَوْلُهُ الثَّانِي أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَالْأُخْرَى
قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهَا أَصْنَافٌ وَسَبَبُ الْخِلَافِ
تَعَارُضُ اتِّفَاقِ الْمَنَافِعِ فِيهَا وَاخْتِلَافُ
أَعْيَانِهَا فَمَنْ غَلَّبَ الِاتِّفَاقَ قَالَ صِنْفٌ
وَاحِدٌ، وَمَنْ غَلَّبَ الِاخْتِلَافَ قَالَ صِنْفَانِ أَوْ
أَصْنَافٌ قَالَ الْحَطَّابُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ
مَالِكٍ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُتَبَايِنَةٌ يَجُوزُ الْفَضْلُ
بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَاخْتَارَهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لِاخْتِلَافِ
صُوَرِهَا وَأَسْمَائِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا وَمَنَافِعِهَا
وَعَدَمِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّ
الْمَرْجِعَ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ إلَى الْعُرْفِ
وَهِيَ فِي الْعُرْفِ أَجْنَاسٌ، وَقِيلَ جِنْسٌ وَاحِدٌ
وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الثَّانِي فِي الْبُيُوعِ
(وَمِنْهَا) أَنَّ الْأَرُزَّ وَالدُّخْنَ وَالذُّرَةَ عِنْدَ
مَالِكٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْبِدَايَةِ وَلَكِنَّ
الْمَذْهَبَ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ يَجُوزُ الْفَضْلُ بَيْنَهَا
(وَمِنْهَا) أَنَّ التَّمْرَ بِأَصْنَافِهِ كُلِّهَا جِنْسٌ
وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ بِأَصْنَافِهِ
كُلِّهَا (وَمِنْهَا) أَنَّ اللُّحُومَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ
الشَّافِعِيِّ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ
يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
أَنَّهَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا
إلَّا فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ اللُّحُومُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ
(3/262)
وَالْكَيْلُ يَمْتَنِعُ فِي التَّمْرَةِ
وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّهَا تَخْتَصُّ
بِحَالَةِ الرِّبَا دُونَ حَالَةِ كَوْنِ الْحُبُوبِ حَشِيشًا
ابْتِدَاءً وَرَمَادًا انْتِهَاءً، وَالْكَيْلُ غَيْرُ
مُخْتَصٍّ.
(تَنْبِيهٌ)
الْقِيَاسُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ
قِيَاسُ شَبَهٍ أَوْ قِيَاسُ عِلَّةٍ فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ
يَكُونُ الْجَامِعُ فِيهِ وَصْفًا مُنَاسِبًا كَالْإِسْكَارِ
بَيْنَ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ فَإِنَّ فَسَادَ الْعَقْلِ
مُنَاسِبٌ لِلتَّحْرِيمِ لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فِيهِ
وَقِيَاسِ الشَّبَهِ أَمَّا فِي شَبَهِ الْحُكْمِ كَقِيَاسِ
الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ؛
لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ، وَالطَّهَارَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ
أَوْ الشَّبَهُ فِي الصُّورَةِ كَقِيَاسِ الْخَلِّ عَلَى
الدُّهْنِ فِي مَنْعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ أَوْ فِي
الْمَقَاصِدِ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ
اتِّحَادِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَادَةً وَإِنْ
لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَقْصِدَ يُنَاسِبُ
مَنْعَ الرِّبَا فَإِنَّ ضَابِطَ الْمُنَاسِبِ مَا يُتَوَقَّعُ
مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حُصُولُ مَصْلَحَةٍ أَوْ
دَرْءُ مَفْسَدَةٍ كَتَرْتِيبِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى
الْإِسْكَارِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ ذَهَابِ الْعَقْلِ
وَإِيجَابِ الْقِصَاصِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ حِفْظِ
النَّفْسِ فَهَلْ الْمُنَاسَبَةُ حَاصِلَةٌ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ
الْأَعْيَانِ شَرِيفَةٌ بِالْقُوتِ أَوْ رُءُوسِ الْأَمْوَالِ
وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُبَدَّلَ وَاحِدٌ
مِنْهَا بِاثْنَيْنِ.
وَيُنَاسِبُ أَيْضًا تَكْثِيرَ الشُّرُوطِ كَمَا تَقَدَّمَ
بَيَانُهُ أَوْ يُقَالُ هَذَا شَبَهٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ
مِنْ بَابِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ لَا مِنْ بَابِ قِيَاسِ
الشَّبَهِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ
الْقَوَاعِدِ الَّذِينَ قَصَرُوا الرِّبَا عَلَى السِّتَّةِ
إمَّا مُنْكِرُو الْقِيَاسِ وَهُمْ الظَّاهِرِيَّةُ أَوْ
مُنْكِرُو قِيَاسِ الشَّبَهِ خَاصَّةً وَأَنَّ الْقِيَاسَ فِي
هَذَا الْبَابِ شَبَهٌ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَهُوَ الْقَاضِي
أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَلَا جَرَمَ لَمْ يُلْحَقْ
بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الزَّبِيبُ فَقَطْ؛
لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ لَا فَارِقَ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَعْنَى
وَهُوَ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَقِيَاسِ الْعِلَّةِ؛
لِأَنَّهُ مِثْلُ إلْحَاقِ الذُّكُورِ بِالْإِنَاثِ مِنْ
الرَّقِيقِ فِي تَشْطِيرِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ} [النساء: 25] لَمْ يَتَنَاوَلْ الذُّكُورَ
فَأُلْحِقُوا بِهِنَّ لِعَدَمِ الْفَارِقِ خَاصَّةً لَا
لِحُصُولِ الْجَامِعِ، وَكَذَلِكَ أُلْحِقَ بِالْعَبْدِ
الْأَمَةُ فِي التَّقْوِيمِ فِي الْعِتْقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي
عَبْدٍ» فَلَحِقَ بِهِ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ
بَيْنَهُمَا فَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ
وَقِيَاسِ الْمَعْنَى لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ
إلَّا بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ دُونَ بَقِيَّةِ
السِّتَّةِ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا
فِيهِ الرِّبَا وَقَاعِدَةِ مَا لَا رِبَا فِيهِ وَحِكَايَةُ
الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ وَمَدَارِكُهَا لِيَحْصُلَ
الِاطِّلَاعُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار
الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ
وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ فِي الصِّنْفِ
الْوَاحِدِ مِنْهَا فَلَحْمُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ صِنْفٌ
وَاحِدٌ وَلَحْمُ ذَوَاتِ الْمَاءِ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَحْمُ
الطَّيْرِ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَبَيْعُ الْغَنَمِ لَحْمٌ
بِالْبَقَرِ مُتَفَاضِلًا يُجِيزُهُ أَبُو حَنِيفَةَ دُونَ
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَبَيْعُ لَحْمِ الطَّيْرِ بِلَحْمِ
الْغَنَمِ مُتَفَاضِلًا يُجِيزُهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
دُونَ الشَّافِعِيِّ وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ
مِثْلًا بِمِثْلٍ» ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا فَارَقَتْهَا
الْحَيَاةُ زَالَتْ الصِّفَاتُ الَّتِي بِهَا تَخْتَلِفُ
وَتَنَاوُلُهَا اسْمَ اللَّحْمِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا وَذَلِكَ؛
لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَلْوَانِ إلَّا
أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِنْسِيَّةِ؛ لِأَنَّ
مُهِمَّهَا الْإِدَامُ وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ
هَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ
لَحْمُهَا مُخْتَلِفًا وَالْحَنَفِيَّةُ تَعْتَبِرُ
الِاخْتِلَافَ الَّذِي فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ هَذِهِ
وَتَقُولُ إنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي بَيْنَ الْأَنْوَاعِ
الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ أَعْنِي فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ
مِنْهُ كَالطَّائِرِ وَهُوَ وِزَانُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي
بَيْنَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ (وَمِنْهَا) أَنَّ
الْأَخْبَازَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِنْسِيَّةِ؛ لِأَنَّ
مُهِمَّهَا الِاغْتِذَاءُ
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الضَّعَةُ
إذَا كَثُرَتْ أَوْ بَعُدَ الزَّمَانُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ
الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَرُبَ الزَّمَانُ
لَمْ تُصَيِّرْهُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى هَذَا
فَالصِّنَاعَةُ فِي الْجِنْسِ إمَّا بِنَارٍ وَإِمَّا بِغَيْرِ
نَارٍ فَإِنْ كَانَتْ بِنَارٍ فَإِمَّا أَنْ تُنْقِصْ
الْمِقْدَارَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ صَيَّرَتْ
الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ كَقَلْيِ الْقَمْحِ
وَالْخُبْزِ وَإِنْ نَقَصَتْهُ فَإِنْ كَانَتْ بِإِضَافَةِ
شَيْءٍ إلَيْهِ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَتَخْفِيفِ اللَّحْمِ
بِالْأَبْزَارِ وَالطَّبْخِ بِالْمَرَقَةِ.
وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ لَمْ تُصَيِّرْهُ
جِنْسَيْنِ كَشَيِّ اللَّحْمِ وَتَجْفِيفِهِ بِلَا إبْرَازٍ
وَطَبْخِهِ مِنْ غَيْرِ مَرَقَةٍ وَمِنْهُ تَجْفِيفُ التَّمْرِ
وَالزَّبِيبِ وَإِنْ كَانَتْ أَيْ الصِّنَاعَةُ بِغَيْرِ نَارٍ
فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ
تَأْثِيرُهَا كَخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ
لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ
وَالشَّاذُّ التَّأْثِيرُ كَالنَّبِيذِ مِنْ التَّمْرِ
وَالزَّبِيبِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى
الْأَغْرَاضِ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ
وَالتَّقَارُبِ فِيهَا هَذَا مَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ
ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَغَيْرِهَا
وَفِي الْبِدَايَةِ لِلْحَفِيدِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا
الْبَابِ فِيمَا تَدْخُلُهُ الصَّنْعَةُ مِمَّا أَصْلُهُ
مَنْعُ الرِّبَا فِيهِ مِثْلُ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ فَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ ذَلِكَ مُتَفَاضِلًا
وَمُتَمَاثِلًا لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ عَنْ الْجِنْسِ
الَّذِي فِيهِ الرِّبَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا فَضْلًا عَنْ
مُتَفَاضِلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَيَّرَتْهُ الصَّنْعَةُ
تَغَيُّرًا جُهِلَتْ بِهِ مَقَادِيرُهُ الَّتِي تُعْتَبَرُ
فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
فَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ
وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ وَلَا بِسَوِيقِهِ
لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكِيلٌ وَيُشْتَرَطُ فِي
بَيْعِ الْمَكِيلِ بِجِنْسِهِ التَّسَاوِي وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ
هُنَا؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ تَنْتَشِرُ بِالطَّحْنِ
وَالنَّارِ
(3/263)
|