الفروق للكرابيسي [كِتَابُ الشُّفْعَةِ]
540 - إذَا كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا
الشُّفْعَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا
كُلَّهَا أَوْ يَدَعَهَا. وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قَتَلَ
رَجُلَيْنِ فَعَفَا وَلِيُّ أَحَدِهِمَا لَمْ يَبْقَ لِلْآخَرِ
() إلَّا نِصْفُ الرَّقَبَةِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ
وَجَبَ لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ عَنْ دَمِ
الْمَقْتُولَيْنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَتَلَ
رَجُلًا وَامْرَأَةً وَعَبْدًا، ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي
رَقَبَتِهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ، فَصَارَتْ الرَّقَبَةُ
مُسْتَحَقَّةً عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ عَنْ حَقِّهِ، وَمَا
يُمْلَكُ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ عَنْ مَالٍ لَا يَمْلِكُهُ
اثْنَانِ كُلُّ وَاحِدٍ بِكَمَالِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَيَا
عَبْدًا لَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ جَمِيعَهُ، فَلَمْ
يَثْبُتْ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا
ثَبَتَ فِي نِصْفِهِ، فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ
وَأُسْقِطَ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ فِي نِصْفِهِ. وَأَمَّا فِي
الشُّفْعَةِ فَلَا يَأْخُذُ الدَّارَ بَدَلًا عَنْ حَقٍّ لَهُ،
وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ بِسَبَبٍ يُسْتَحَقُّ بِهَا الْحَقُّ،
فَأَشْبَهَتْ الْبُنُوَّةَ وَالْأُخُوَّةَ، ثُمَّ كُلُّ ابْنٍ
يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ، وَيَرُدُّ إلَى النِّصْفِ
لِلْمُزَاحَمَةِ، كَذَلِكَ هَذَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ دَمُ
الْعَمْدِ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ قَتْلُ الْعَمْدِ أَخْذَ
الرَّقَبَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِوَضِ، لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ
الْمَالَ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الدَّمِ كَانَ
لِلْآخَرِ أَلَّا يَقْتُلَهُ بِخِلَافِ الْخَطَأِ، كَذَلِكَ
هَذَا.
(2/116)
إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ
الْمُشْتَرِي وَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُهَا إيَّاهُ بِأَلْفٍ
وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَالَ
الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَنَقَدْتُهُ
الثَّمَنَ، لَمْ يَأْخُذْهَا الشَّفِيعُ إلَّا بِأَلْفٍ.
وَلَوْ قَالَ بِعْتهَا إيَّاهُ وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ
وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتهَا
بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي،
وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ. وَالْفَرْقُ
أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا قَالَ بِعْتهَا
بِأَلْفٍ وَاسْتَوْفَيْت، فَقَدْ بَيَّنَ مِقْدَارَ الثَّمَنِ
قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ الْقَوْلُ
قَوْلُ الْبَائِعِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، فَقَدْ بَيَّنَ
الثَّمَنَ فِي وَقْتٍ يُرْجَعُ فِي بَيَانِهِ إلَى قَوْلِهِ
فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ صَارَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ،
فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِهَا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ
الثَّانِيَةِ إذَا قَالَ: بِعْت وَاسْتَوْفَيْت الثَّمَنَ
وَهُوَ أَلْفٌ، فَقَدْ بَيَّنَ مِقْدَارَ الثَّمَنِ بَعْدَ
الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَبَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا
يُرْجَعُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ إلَى قَوْلِ
الْبَائِعِ، فَقَدْ بَيَّنَ الثَّمَنَ فِي وَقْتٍ لَا يُرْجَعُ
فِي بَيَانِهِ إلَى قَوْلِهِ فَاسْتَوَى وُجُودُ قَوْلِهِ
وَعَدَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ هُوَ شَيْئًا، وَقَالَ
الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفَيْنِ، فَالْقَوْلُ
قَوْلُهُ، كَذَلِكَ هَذَا.
542 - الْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الدَّارَ مِنْ آخَرَ
فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ،
وَيَنْقُضَ الْبَيْعَ الثَّانِي
(2/117)
وَالْمَوْهُوبُ لَهُ إذَا بَاعَ
الْمَوْهُوبَ مِنْ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ نَقْضُ
الْبَيْعِ لِلرُّجُوعِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً
فَاسِدًا إذَا بَاعَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ
لِلْبَائِعِ نَقْضُ بَيْعِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ
بَيْعًا فَاسِدًا أَوْ الْوَاهِبَ سَلَّطَ الْمُشْتَرِيَ
وَالْمَوْهُوبَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ، فَتَصَرُّفُهُمَا
وَقَعَ بِتَسْلِيطِهِ وَإِذْنِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا
نَقْضُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا. وَفِي
الشُّفْعَةِ لَمْ يَتَصَرَّفْ بِتَسْلِيطِ الشَّفِيعِ
وَأَمْرِهِ، وَحَقُّ الشَّفِيعِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حَقِّهِ،
فَإِذَا بَاعَهُ فَقَدْ عَقَدَ عَلَى حَقِّهِ فَصَارَ كَمَا
لَوْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى مِلْكِهِ
كَانَ لَهُ إبْطَالُهُ، مِثْلَ أَنْ اسْتَحَقَّهُ، كَذَلِكَ
إذَا عَقَدَ عَلَى حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَإِبْطَالُ
تَصَرُّفِهِ.
543 - وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعَ شِرَاءُ نِصْفِ الدَّارِ
فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ اشْتَرَى
جَمِيعَهَا كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ. وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ
كُلِّ الدَّارِ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ
اشْتَرَى النِّصْفَ كَانَ تَسْلِيمُهُ جَائِزًا. وَالْفَرْقُ
أَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ عَيْبٌ
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَاسْتَحَقَّ
نِصْفَهَا، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ وَيُقِلُّ
رَغَائِبَ النَّاسِ فِيهِ، فَقَدْ سَلَّمَ مَعَ الْعَيْبِ
فَلَا يَكُونُ تَسْلِيمًا مَعَ عَدَمِ الْعَيْبِ، كَمَا لَوْ
أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ،
(2/118)
ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَلُّ
مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا
أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ فَسَلَّمَ، لِأَنَّ التَّبْعِيضَ
عَيْبٌ كَمَا ذَكَرْنَا، فَقَدْ سَلَّمَ مَعَ عَدَمِ
الْعَيْبِ، فَكَانَ تَسْلِيمًا مَعَ وُجُودِهِ، كَمَا لَوْ
أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ
أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الشُّفْعَةُ،
كَذَا هَذَا، وَلِأَنَّ النِّصْفَ دَاخِلٌ فِي الْجُمْلَةِ،
فَتَسْلِيمُهُ الْجَمِيعَ تَسْلِيمٌ لِهَذَا النِّصْفِ الَّذِي
بِيعَ، وَلَيْسَ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى
النِّصْفِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ عَلَى الْجَمِيعِ، فَلَا
يَكُونُ بِتَسْلِيمِ النِّصْفِ تَسْلِيمٌ لِلْجَمِيعِ.
544 - إذَا اشْتَرَى دَارًا فَغَرِقَ بِنَاؤُهَا وَانْهَدَمَ،
لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ إلَّا
بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَلَوْ غَرِقَ بَعْضُ الْأَرْضِ أَخَذَ
الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ
الْبِنَاءَ صِفَةٌ لِلدَّارِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي
الْبَيْعِ تَبَعًا لِمُطْلَقِ الْعَقْدِ عَلَى الدَّارِ،
وَفَوْتُ الصِّفَةِ فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ خِيَارًا، وَلَا
يُوجِبُ غُرْمًا، كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ. وَأَمَّا
بَعْضُ الْأَرْضِ فَلَيْسَ يَتْبَعُ لِلْبَعْضِ وَلَا هُوَ
صِفَةٌ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ
الْمَبِيعِ، وَفَوْتُ نِصْفِ الْمَبِيعِ يُوجِبُ سُقُوطَ مَا
بِإِزَائِهِ مِنْ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ
فَفَاتِ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَإِذَا فَاتَ
بَعْضُ الثَّمَنِ أَخَذَهُ
(2/119)
بِالْبَاقِي.
545 - لَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا
بَاعَهُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ وَلِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ
أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِالشُّفْعَةِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ الْتَزَمَ سَلَامَةَ
الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ
بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ يُنَاقِضُ مَا أَوْجَبَهُ بِعَقْدِهِ،
فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ
بِالشِّرَاءِ، لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ اسْتَوْجَبَ الْحَقَّ
لِنَفْسِهِ وَبِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ يَتَمَلَّكُهُ،
وَيَسْتَوْجِبُهُ أَيْضًا، فَلَمْ يُنَاقِضْ مَا أَوْجَبَهُ
فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهِ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ
لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ مَا اشْتَرَى بِالشُّفْعَةِ،
وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَاعَ بِالشُّفْعَةِ.
546 - إذَا بَاعَ الْمَوْلَى دَارًا وَعَبْدُهُ الْمَدْيُونُ
شَفِيعُهَا، فَشَهِدَ ابْنَا الْمَوْلَى أَنَّ الْعَبْدَ
سَلَّمَ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي، وَالدَّارُ فِي يَدِ
الْمُشْتَرِي فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ. وَلَوْ أَنَّ
الْبَائِعَيْنِ لِلدَّارِ شَهِدَا بِأَنَّ الشَّفِيعَ سَلَّمَ
الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي، فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ، وَلَا
تُقْبَلُ، لِأَنَّهُ يُتَمِّمُ مَا أَوْجَبَ لِلْمُشْتَرِي
بِعَقْدٍ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ ابْنَيْ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ
كَانَ يُتَمِّمُ مَا أَوْجَبَهُ أَبُوهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ
الْبَائِعَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ
لِلْمُشْتَرِي فَهُمَا يُصَحِّحَانِ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا
فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا
نَفْعٌ فِيهِ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ عَلَى
الْمُشْتَرِي وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا،
لِأَنَّهُمَا يَحْكِيَانِ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا. وَلَيْسَ
كَذَلِكَ الِابْنَانِ، لِأَنَّهُمَا لَا يُتَمِّمَانِ فِعْلَ
أَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا تَبْطُلُ
(2/120)
شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ جَرِّ
النَّفْعِ إلَى أَبِيهِمَا، وَلَا يَقَعُ لِأَبِيهِمَا نَفْعٌ
فِي تَسْلِيمٍ لِلْمُشْتَرِي، فَخَلَتْ الشَّهَادَةُ عَنْ
جَرِّ نَفْعٍ إلَى أَبِيهِمَا، وَعَنْ حِكَايَةِ فِعْلِ
أَنْفُسِهِمَا، فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا كَالْأَجَانِبِ.
وَلِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ خَصْمًا فِيهِ قَبْلَ
التَّسْلِيمِ، فَصَارَ شَاهِدًا عَلَى مَا كَانَ خَصْمًا
فِيهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ
كَالْوَكِيلِ إذَا عُزِلَ ثُمَّ شَهِدَ، وَالِابْنُ لَمْ
يَكُنْ خَصْمًا فِيهِ قَطُّ وَلَا مَنْفَعَةَ لِلْأَبِ فِيهِ،
فَجَازَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ.
547 - إذَا قَالَ قَدْ أَوْصَيْت بِدَارِي بَيْعًا لِفُلَانٍ
بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَاتَ الْمُوصِي، فَقَالَ فُلَانٌ قَدْ
قَبِلْت فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ.
وَلَوْ قَالَ بِعْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ، فَقَالَ
بَعْدَ الْمَجْلِسِ قَدْ قَبِلْت لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَا
تَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ
أَبِي بَكْرٍ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ قَالَ: يَحْتَاجُ إلَى
بَيْعٍ
(2/121)
جَدِيدٍ مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ أَوْ
الْوَصِيِّ، فَالْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا. وَكَانَ
الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ
بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ إنَّهُ جَعَلَ الْبَيْعَ تَبَعًا
لِلْوَصِيَّةِ وَجَعَلَهُ فِي ضِمْنِهَا، وَأَضَافَهُ
لِلْوَصِيِّ، إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِضَافَةُ
الْوَصِيَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ جَائِزٌ، وَجُعِلَ
كَالْمُوجِبِ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، كَذَلِكَ مَا هُوَ
فِي ضِمْنِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخَلَ الشَّيْءُ فِي ضِمْنِ
عَقْدٍ تَبَعًا لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ
بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ قُلْنَا فِي ضَمَانِ الْمَجْهُولِ
أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ تَبَعًا، كَذَلِكَ
هَذَا، فَإِذَا قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ مَلَكَ
الدَّارَ بِعِوَضٍ، فَوَجَبَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ
كَانَ الْعَقْدُ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ الدَّارَ عَقْدُ
تَبَرُّعٍ، كَمَا لَوْ وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَلَيْسَ
كَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ لَهُ الدَّارَ فَتَفَرَّقَا عَنْ
الْمَجْلِسِ، ثُمَّ قَبِلَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ تَبَعًا
لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا يَبْقَى حُكْمُهُ بَعْدَ
الْمَجْلِسِ، فَبَطَلَ بِالتَّفَرُّقِ، وَصَارَ يَقْبَلُ
بَعْدَ بُطْلَانِهِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ، وَلَا
يَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ.
548 - إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ
دَارَيْنِ تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ أَلْفًا فَبِيعَتْ دَارٌ
إلَى جَنْبِ أَحَدِهِمَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُضَارِبِ
نَفْسِهِ فِيهَا. وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا وَاحِدَةً بِأَلْفِ
الْمُضَارَبَةِ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَلِلْمُضَارِبِ
أَنْ
(2/122)
يَأْخُذَ مَا بِيعَ بِجَانِبِهَا
بِالْعَقْدِ لِنَفْسِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى
دَارَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُسَاوِي أَلْفًا فَلَمْ
يَمْلِكْ شَيْئًا فِي الدَّارَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ
الرِّبْحُ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّارَيْنِ مَشْغُولَةٌ
بِجَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْغَلَ الْأَلْفُ
الْوَاحِدِ مِنْ الْمَحَلَّيْنِ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِهِ،
الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ
أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكَفَلَ بِهِ كَفِيلٌ. فَلَا زَكَاةَ عَلَى
الْكَفِيلِ فِي مِقْدَارِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَا عَلَى
الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَالْأَلْفُ أَلْفٌ وَاحِدٌ وَشَغْلُ
الْمَحَلَّيْنِ مِنْ وَاحِدٍ إلْغَاءٌ، كَذَلِكَ هَاهُنَا
صَارَتْ كُلُّ دَارٍ مَشْغُولَةً بِرَأْسِ الْمَالِ، فَلَمْ
يَظْهَرْ الرِّبْحُ فَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ فِيهِمَا
الشُّفْعَةَ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّارُ الْوَاحِدَةُ،
لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلٌّ وَاحِدٌ، فَلَا يَشْتَغِلُ
الْمَالُ الْوَاحِدُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ
مِقْدَارِهِ، فَصَارَ الْأَلْفُ مَشْغُولًا بِرَأْسِ الْمَالِ،
وَظَهَرَ أَلْفٌ رِبْحٌ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ نِصْفَهُ،
فَصَارَ جَائِزًا، فَوَجَبَتْ الشُّفْعَةُ.
549 - إذَا طَلَبَ وَكِيلُ الشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ، فَقَالَ
الْمُشْتَرِي: إنَّ الشَّفِيعَ قَدْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ،
وَأَرَادَ يَمِينَهٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: سَلِّمْ الدَّارَ
إلَى الْوَكِيلِ، ثُمَّ انْطَلِقْ وَاطْلُبْ يَمِينَ
الشَّفِيعِ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِطَلَبِ الدَّيْنِ
وَقَبْضِهِ إذَا
(2/123)
طَلَبَ الْمَالَ مِنْ الْغَرِيمِ، قَالَ
الْغَرِيمُ: إنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأَنِي وَقَبَضَ الدَّيْنَ
مِنِّي، وَأَرَادَ يَمِينَهٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: سَلِّمْ
الْمَالَ إلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ انْطَلِقْ وَاطْلُبْ يَمِينَ
الْمُوَكِّلِ. وَلَوْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ
أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ
فَقَالَ الْبَائِعُ: إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ مُوَكِّلُك
قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ، فَلَا أَقْبَلُ حَتَّى يَحْلِفَ،
فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالرَّدِّ حَتَّى يَحْضُرَ
الْمُوَكِّلُ وَيَحْلِفَ، ثُمَّ يُرَدَّ عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ
أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَى الْوَكِيلِ
بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ عَقْدُ الْبَيْعِ،
وَإِنَّمَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ، وَلَمْ يُعْلَمْ
التَّسْلِيمُ، فَقَدْ وَجَبَ حَقُّ الْقَبْضِ لِلشَّفِيعِ
حَالًّا، وَوَجَبَ لَهُ حَقُّ الْحَلِفِ عَلَى الْمُوَكِّلِ
مُؤَجَّلًا، وَهُوَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ
الْمُعَجَّلُ لِحَقِّهِ الْمُؤَجَّلِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ
عَلَى إنْسَانٍ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ
مُعَجَّلٌ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ الْمُعَجَّلُ بِالْمُؤَجَّلِ،
كَذَلِكَ هَذَا، وَكَذَلِكَ سَبَبُ وُجُوبِ تَسْلِيمِ
الدَّيْنِ قَدْ ظَهَرَ وَهُوَ كَوْنُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ،
وَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ كَمَا
بَيَّنَّا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ،
لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ كَوْنُهُ جَاهِلًا
بِالْعَيْبِ وَقْتَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يُعْلَمْ، فَسَبَبُ
وُجُوبِ الرَّدِّ لَمْ يَظْهَرْ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالرَّدِّ كَالدَّيْنِ
الْمُؤَجَّلِ مَا لَمْ يَحِلَّ لَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ حَقٌّ
فِي الْقَبْضِ، كَذَلِكَ هَذَا.
550 - وَإِذَا كَانَ الدَّرْبُ غَيْرَ نَافِذٍ وَفِي أَقْصَاهُ
مَسْجِدُ خُطَّةٍ، بَابُ
(2/124)
الْمَسْجِدِ فِي الدَّرْبِ فِي ظَهْرِ
الْمَسْجِدِ، وَجَانِبُهُ الْآخَرُ إلَى الطَّرِيقِ
الْأَعْظَمِ، فَبَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ دَارِهِ،
فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ إلَّا لِمَنْ يُجَاوِرَهَا
بِالْجِدَارِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ
النَّافِذِ. وَلَوْ كَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ دُورٌ تَحُولُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ، كَانَ لِأَهْلِ
الدَّرْبِ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ
الْآنَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ نَافِذٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا
اخْتَطَّ الْإِمَامُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا لَمْ يَبْقَ
لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ، فَجُعِلَ كَأَنَّهُ تَرَكَ الْمَحَلَّ
فَضَاءً، وَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ فَضَاءً كَانَ
شَارِعًا، فَلَا يَجِبُ لَهُمْ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي
الطَّرِيقِ، كَذَلِكَ هَذَا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ
حَوْلَهُ دُورٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَوْلَهُ دُورٌ صَارَ
كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ فَضَاءً
وَحَوْلَهُ دُورٌ، فَلَا يَكُونُ شَارِعًا، فَوَجَبَتْ لَهُمْ
الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ
كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِلْكًا ثُمَّ اخْتَطَّهُ فَإِنَّهُ
يَجِبُ لَهُمْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مِلْكًا
وَجَبَتْ لَهُمْ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ،
فَإِذَا أَعَادَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ
مَسْجِدًا لَمْ تَبْطُلْ شَرِكَتُهُمْ، فَكَانَ لَهُمْ أَنْ
يَأْخُذُوهَا بِالشُّفْعَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ.
551 - إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَصَالَحَهُ
عَلَى دَارِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، ثُمَّ
تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ،
فَإِنَّهُ يَرُدُّ الدَّارَ عَلَى الْمُصَالَحِ، وَلِلشَّفِيعِ
الشُّفْعَةُ فِيهَا. وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا مِنْهُ بِحَقٍّ
يَدَّعِيه عَلَيْهِ وَأَقَرَّ لَهُ بِهِ، ثُمَّ تَصَادَقَا
عَلَى أَنَّهُ
(2/125)
لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ
يَجِبْ رَدُّ الدَّارِ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ
الثَّمَنِ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ
عَقْدَ الصُّلْحِ لَيْسَ بِعَقْدِ ضَمَانٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ
لَوْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جَازَ، فَلَمْ
يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا
انْعَقَدَ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَصَادَقَا أَنَّهُ
لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا بِمَا
لَهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ
وَجَبَ رَدُّ الدَّارِ إلَيْهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا
بَاعَهُ بِالدَّارِ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ ضَمَانٍ،
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَلْفًا بِخَمْسِمِائَةٍ لَا
يَجُوزُ، فَانْعَقَدَ بِمَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ
يَصِيرُ قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا تَصَادَقَا
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَصِرْ
قِصَاصًا فَبَقِيَ عَقْدُ شِرَاءٍ بِمَضْمُونٍ فِي ذِمَّةِ
الْمُشْتَرِي، فَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ، إلَّا أَنَّ
تَصَادُقَهُمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَجُوزُ فِي حَقِّهِمَا،
وَلَا يَجُوزُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ
الشَّفِيعِ، وَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ.
552 - إذَا صَالَحَ مِنْ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ لَا يَجِبُ
شَيْءٌ، وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ
الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى مَالِ لَمْ تَبْطُلْ
الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ فِي إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا صَالَحَ مِنْ
الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ فَقَدْ آثَرَ غَيْرَ الشُّفْعَةِ
عَلَى الشُّفْعَةِ، فَكَانَ تَسْلِيمًا لِلشُّفْعَةِ كَمَا
لَوْ طَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ أَوْ
يَهَبَهُ.
(2/126)
وَأَمَّا فِي بَابِ الْكَفَالَةِ فَقَدْ
آثَرَ غَيْرَ الْكَفَالَةِ عَلَى الْكَفَالَةِ، وَإِيثَارُ
غَيْرِ الْكَفَالَةِ لَا يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ، كَمَا لَوْ
طَلَبَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَنْ يُعْطِيَهُ
كَفِيلًا آخَرَ، أَوْ يَبِيعَ بِدَيْنِهِ شَيْئًا.
553 - إذَا اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعَانِ فَحَضَرَ
أَحَدُهُمَا فَصَالَحَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَأْخُذَ
مِنْهُ نِصْفَ الدَّارِ وَيُسَلِّمَ لَهُ النِّصْفَ، ثُمَّ
حَضَرَ الشَّفِيعُ الْآخَرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ،
فَيُسَلِّمَ أَوْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ،
وَيَصِيرُ أَخْذُهُ نِصْفَ الدَّارِ شِرَاءً جَدِيدًا، وَصَارَ
مُسَلِّمًا الشُّفْعَةَ فِي الْجَمِيعِ. وَلَوْ أَخَذَ أَحَدُ
الشَّفِيعَيْنِ جَمِيعَ الدَّارِ ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ
الْآخَرُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْ يَدِهِ،
وَلَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الْأَوَّلِ وَلَا الثَّانِي.
وَالْفَرْقُ أَنَّ تَبْعِيضَ الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي
لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ تَبْعِيضُ الْمَبِيعِ عَلَى
الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا أَنْ يَأْخُذَ الْجَمِيعَ أَوْ
يُسَلِّمَ الْجَمِيعَ، فَلَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ لِلنِّصْفِ
أَخْذًا عَلَى الشُّفْعَةِ، فَصَارَ ابْتِدَاءَ عَقْدٍ جَرَى
بَيْنَهُمَا، فَكَأَنَّ أَحَدَ الشَّفِيعَيْنِ اشْتَرَى نِصْفَ
الدَّارِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيهَا،
فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَهُوَ شَفِيعٌ لِمَا اشْتَرَى فَلَهُ
أَنْ يُمْسِكَ نِصْفَهُ، وَلِلشَّفِيعِ الْغَائِبِ نِصْفُهُ،
وَالنِّصْفُ الَّذِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي صَارَ الْأَوَّلُ
مُسَلَّمًا لِلشُّفْعَةِ فَأَخَذَهُ الثَّانِي. وَأَمَّا إذَا
أَخَذَ أَحَدُ الشُّفَعَاءِ الْجَمِيعَ، ثُمَّ أَخَذَهُ
الثَّانِي مِنْهُ فَالتَّبْعِيضُ عَلَى الشَّفِيعِ مِنْ
مُوجَبِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ
لِأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ
(2/127)
جَمِيعَ الدَّارِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ
يَأْخُذَ النِّصْفَ، وَإِذَا كَانَ التَّبْعِيضُ مِنْ مُوجَبِ
الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ كَانَ أَخْذُهُ نِصْفَ الدَّارِ
أَخْذًا عَلَى الشُّفْعَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ ابْتِدَاءَ
عَقْدٍ، فَلَمْ يَصِرْ مُسَلِّمًا الشُّفْعَةَ فَكَانَ
لِأَحَدِهِمَا النِّصْفُ، وَلِلْآخَرِ النِّصْفُ.
554 - إذَا بَاعَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْ رَجُلٍ فَجَاءَ جَارُ
الدَّارِ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ قَاسَمَ شَرِيكَهُ
فِي الدَّارِ ثُمَّ حَضَرَ شَفِيعٌ بِطَرِيقٍ، لَمْ يَكُنْ
لَهُ أَنْ يَنْقُضَ قِسْمَتَهُ. وَلَوْ أَنَّ دَارًا بِيعَتْ
وَلَهَا شَفِيعَانِ فَأَخَذَاهَا بِالشُّفْعَةِ
وَاقْتَسَمَاهَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ
الثَّالِثُ، كَانَ لِلثَّالِثِ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ
يُطَالِبَ الْبَائِعَ بِالْقِسْمَةِ، وَلِأَنَّهُ تَعَيَّنَ
الْمَبِيعُ، وَتَعَيُّنُ الْمَبِيعِ حَقُّ الْعَقْدِ، وَمَا
كَانَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَتَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي لَمْ
يَكُنْ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ، كَمَا قُلْنَا فِي تَسْلِيمِ
الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ. وَلَيْسَ
كَذَلِكَ قِسْمَةُ الشَّفِيعَيْنِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْقِسْمَةَ
لَيْسَتْ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ، لِأَنَّهُمَا لَمْ
يَتَعَاقَدَا عَقْدًا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مُوجَبِ
مِلْكِهِمَا، وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ مُوجَبِ الْبَيْعِ
فَإِذَا تَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي كَانَ لِلْبَائِعِ نَقْضُهُ
كَبَيْعٍ آخَرَ.
وَفَرْقٌ آخَرُ: أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ
حَيْثُ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ نُعِيدُهَا، لِأَنَّهُ يَجُوزُ
(2/128)
أَنْ يُقْسَمَ ثَانِيًا فَتَقَعُ تِلْكَ
الْقِطْعَةُ فِي حِصَّتِهِ، وَالشَّيْءُ إذَا كَانَ مِنْ
حَيْثُ يُنْقَضُ يُعَادُ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الشَّفِيعَيْنِ لِأَنَّا مِنْ حَيْثُ
تُنْقَضُ تِلْكَ الْقِسْمَةُ لَا نُعِيدُهَا لِأَنَّا
نَحْتَاجُ أَنْ نُفَرِّقَ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَلَا نُعِيدُ
تِلْكَ الْقِسْمَةَ فَكَانَ فِي نَقْضِهَا فَائِدَةٌ فَجَازَ
أَنْ يُنْقَضَ.
وَفَرْقٌ آخَرُ: أَنَّا مِنْ حَيْثُ نَنْقُضُ الْقِسْمَةَ فِي
الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، لَا نُلْحِقُ ضَرَرًا بِالشَّفِيعِ
لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ حَقِّهِ فِي مَحَلٍّ
آخَرَ، فَجَازَ أَنْ لَا يُنْقَضَ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ
الْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى، لِأَنَّ تَرْكَ نَقْضِ الْقِسْمَةِ
يُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ ضَرَرٍ بِالشَّفِيعِ، لِأَنَّهُ
يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ
فَتُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ
الْقِسْمَةِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِهِ جَازَ أَلَّا يَتْرُكَ
الْقِسْمَةَ وَتُنْقَضُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الضَّرَرِ.
555 - إذَا بَاعَ دَارًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَهِيَ
قِيمَتُهَا، وَوَارِثُ الْبَائِعُ شَفِيعُهَا فَأَخَذَهَا
بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ مَرِضَ الْبَائِعُ فَحَطَّ عَنْ
الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ مَاتَ،
وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ، فَالْحَطُّ بَاطِلٌ عَنْ
الْمُشْتَرِي. وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَلَّى الْبَيْعَ
وَارِثَ الْبَائِعُ، أَوْ بَاعَهَا مُرَابَحَةً مِنْهُ، ثُمَّ
حَطَّ
(2/129)
الْبَائِعُ فِي مَرَضِهِ أَلْفًا عَنْ
الْمُشْتَرِي جَازَ حَطُّهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ
يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَائِعَ
لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَأَنْكَرَهُ الْمُشْتَرِي كَانَ
لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ،
وَبِدَلِيلِ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ
الْبَائِعِ فَدَلَّ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ
الْبَائِعِ فَصَارَ أَخْذُ الشَّفِيعِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ،
وَحَطُّهُ يَلْحَقُ عَقْدَهُ فَكَأَنَّ الْبَائِعَ أَوْجَبَهُ
لِوَارِثِهِ، فَكَانَتْ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ، فَلَا يَجُوزُ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ لِأَنَّ
الَّذِي وَلَّاهُ الْمُشْتَرِي لَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ
الْبَائِعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ
مِنْ يَدِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا
يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً، وَالْبَالِغُ
بِالْحَطِّ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ
الْمُشْتَرِيَ أَوْجَبَ الْمُرَابَحَةَ وَالْمَوْلَى
ابْتِدَاءً فَلَمْ يَكُنْ مُوجِبًا الْحَقَّ لِوَارِثِهِ،
فَلَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ، فَجَازَ حَطُّهُ.
556 - وَإِذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ بَعْدَ
الْبَيْعِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ فَتَسْلِيمُهُ
جَائِزٌ. وَلَوْ سَاوَمَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ لَا
يَعْلَمُ بِالشِّرَاءِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ. وَالْفَرْقُ
بَيْنَهُمَا أَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ صَرِيحًا إسْقَاطُ
الْحَقِّ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعِلْمُ وَالْجَهْلُ،
كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُسَاوَمَةُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ
بِصَرِيحٍ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا
(2/130)
يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْإِعْرَاضِ،
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ
أَنْ يَجْعَلَ دَلِيلَ الْإِعْرَاض فَلَمْ تَبْطُلْ
شُفْعَتُهُ.
557 - إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ، ثُمَّ إنَّ الشَّفِيعَ
أَخَذَ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، ثُمَّ
مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ، فَإِنَّ
تِلْكَ الْقِيمَةَ لِلْبَائِعِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى
الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الدَّارِ. وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا
بِحِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا وَقَبَضَ الدَّارَ ثُمَّ وَلَّى
الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ رَجُلًا آخَرَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ،
ثُمَّ تَلِفَتْ الْحِنْطَةُ، قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّ
الْبَائِعَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الثَّمَنَ،
ذَلِكَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الشَّفِيعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ
لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الدَّارِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ
الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ، بِدَلِيلِ
أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ، وَبِدَلِيلِ مَا
بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا، وَإِذَا كَانَ يَأْخُذُهُ
بِإِيجَابِهِ فَقَدْ وُجِدَ الرِّضَا مِنْ الْبَائِعِ
بِتَمْلِيكِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الَّذِي
أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِهِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ
مِنْهُ لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ
دَارِهِ فَبَاعَهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ فَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ
يَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ لَا غَيْرُ، كَذَلِكَ هَذَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْبَيْعِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى
لَهُ الْبَيْعُ لَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْبَائِعِ،
وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ بِإِيجَابِ الْمُشْتَرِي، بِدَلِيلِ مَا
بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا، فَلَمْ يُوجِبْ الْبَائِعَ
بِتَمْلِيكِ الْمُشْتَرِي إيَّاهُ ذَلِكَ الثَّمَنَ، فَلَمْ
يَلْزَمْهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا رَضِيَ بِهِ
(2/131)
ثَمَنًا، وَهُوَ الْحِنْطَةُ، لِأَنَّهُ
وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْحِنْطَةِ، وَعَجَزَ عَنْ
التَّسْلِيمِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرُدَّ مَا بِإِزَائِهِ، وَهُوَ
الدَّارُ الْمَبِيعَةُ، وَلَا يَقْدِرُ، لِأَخْذِ الشَّفِيعِ
إيَّاهَا، فَغَرِمَ قِيمَتَهَا كَالْغَاصِبِ.
558 - إذَا أُخْبِرَ الشَّفِيعُ بِأَنَّ الثَّمَنَ كُرُّ
حِنْطَةٍ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ
الثَّمَنَ كُرُّ شَعِيرٍ، قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ
الْحِنْطَةِ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، فَهُوَ عَلَى
شُفْعَتِهِ. وَلَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ
دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ مِائَةُ
دِينَارٍ وَقِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ.
وَلَوْ أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ عَبْدٌ أَوْ ثِيَابٌ
قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، فَإِذَا
الثَّمَنُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ قَالَ فِي الْأَصْلِ:
فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: هَذِهِ
الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ دَرَاهِمُ
أَوْ دَنَانِيرُ أَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ
الثِّيَابِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحِنْطَةَ لَهُ
مِثْلُ جِنْسِهَا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِمِثْلِهَا،
فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الثَّمَنَ حِنْطَةٌ فَسَلَّمَ بِهِ،
ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ شَعِيرٌ فَلَمْ يُسَلِّمْ الشُّفْعَةَ
بِمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ، لِأَنَّ الرَّغَائِبَ
تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ كَمَا يَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ مِقْدَارُ الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ
رُبَّمَا يَكُونُ عِنْدَهُ جِنْسٌ فَرَغِبَ فِي أَخْذِ
(2/132)
الدَّارِ، وَلَا يَرْغَبُ فِي أَخْذِهَا
لِعَدَمِ جِنْسِ الثَّمَنِ عِنْدَهُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ
أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ
أَنَّ الثَّمَنَ خَمْسُمِائَةٍ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ،
كَذَلِكَ هَذَا. وَإِذَا أُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ
دَرَاهِمُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ دَنَانِيرُ
فَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّهُمَا
ثَمَنُ الْأَشْيَاءِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَيَسْهُلُ
نَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى صَاحِبِهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُمَا
جِنْسٌ وَاحِدٌ وَقَدْ سَلَّمَ فِيمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ
الْأَخْذِ بِهِ فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ. وَأَمَّا إذَا أُخْبِرَ
بِأَنَّ الثَّمَنَ عَبْدٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْخُذُهُ
مِنْهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِذَا كَانَ مَا أُخْبِرَ بِهِ
مِنْ الثَّمَنِ مِثْلَ قِيمَتِهِ، فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ
الشُّفْعَةَ بِمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ بِهِ
فَبَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ
فَلَمْ يُسَلِّمْ الشُّفْعَةَ بِمَا وَجَبَ لَهُ حَقُّ
الْأَخْذِ بِهِ، فَبَقِيَتْ شُفْعَتُهُ، كَمَا لَوْ أُخْبِرَ
بِأَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ
الثَّمَنَ خَمْسُمِائَةٍ.
559 - إذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَتَحَالَفَانِ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فِي الثَّمَنِ
يَحْلِفَا.
(2/133)
وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَمْ
يَمْلِكْهُ بِعَقْدٍ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي، وَلَا مِنْ
جِهَةِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدُ،
وَالتَّحَالُفُ لِدَفْعِ مِلْكٍ حَاصِلٍ بِالْعَقْدِ
اخْتَلَفَا فِي بَدَلِهِ كَالْبَيْعِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا
يَتَحَالَفَانِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ
لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ حَصَلَ لِلْآخَرِ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ،
وَاخْتَلَفَا فِي بَدَلِهِ، فَجَازَ أَنْ يَتَحَالَفَا
لِرَفْعِ ذَلِكَ الْمِلْكِ، كَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ.
(2/134)
|