الفروق للكرابيسي

 [كِتَابُ الرَّهْنِ]
725 - الرَّهْنُ بِضَمَانِ الدَّرْكِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَتْلَفُ عَلَى الضَّمَانِ
وَلَوْ رَهَنَ مِنْهُ شَيْئًا بِعَشْرَةٍ يُقْرِضُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَتَلِفَ تَلِفَ عَلَى الضَّمَانِ
وَلَوْ كَفَلَ بِضَمَانِ الدَّرْكِ جَازَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ غَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْحَالِ، لِجَوَازِ أَنْ يَلْحَقَهُ دَرْكٌ أَوْ لَا يَلْحَقُهُ، فَقَدْ رَهَنَهُ بِغَيْرِ مَالٍ مَضْمُونٍ، فَلَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا كَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ، وَأَمَّا مَا يُقْرِضُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَهُوَ مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بِإِزَائِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَهُوَ مَقْبُوضٌ عَلَى ضَمَانِ الْعَشَرَةِ، فَصَارَ مَضْمُونًا كَالْمَقْبُوضِ عَلَى السَّوْمِ.
وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالدَّرْكِ فَهُوَ ضَمَانٌ بِمَا يُسْتَحَقُّ، وَالْكَفَالَةُ بِضَمَانٍ غَيْرِ حَاصِلٍ فِي الْحَالِ جَائِزٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَا بَايَعْتُ فُلَانًا فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، كَذَلِكَ هَذَا.
726 - لَوْ رَهَنَ دَابَّتَيْنِ فَقَتَلَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ

(2/285)


بِحِسَابِ الْمَقْتُولَةِ.
وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ انْتَقِلْ مَا فِي الْمَقْتُولِ إلَى الْقَاتِلِ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ هَدَرٌ.
بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَلَوْ مَاتَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ، كَذَلِكَ هَذَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَبْدَانِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ هَدَرًا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ عَبْدًا أَجْنَبِيًّا تَعَلَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِرَقَبَتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ هَدَرًا، فَقَامَ مَقَامَ الْمَقْتُولِ، وَانْتَقَلَ مَا فِيهِ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ عَبْدٌ أَجْنَبِيٌّ.

(2/286)


إذَا رَهَنَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً وَشَجَرَةً مُثْمِرَةً دَخَلَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ فِي الرَّهْنِ.
وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً وَشَجَرَةً مُثْمِرَةً لَمْ يَدْخُلْ الزَّرْعُ وَالثَّمَرَةُ فِي الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّا لَوْ لَمْ نُدْخِلْ الثَّمَرَةَ وَالزَّرْعَ فِي الْعَقْدِ لَأَبْطَلْنَا الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ لَهُ اتِّصَالًا بِعَيْنِ الرَّهْنِ، وَاتِّصَالُ غَيْرِ الرَّهْنِ بِعَيْنِ الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ لِلْإِشَاعَةِ، فَمِنْ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ نُبْطِلُهُ فَنُدْخِلُهُ.
وَفِي الْبَيْعِ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ لَمْ يُبْطِلْهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُتَّصِلٌ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ.
728 - إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَالْتَقَيَا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ يُكَلَّفُ الْبَائِعُ إحْضَارَ الْمَبِيعِ أَوَّلًا، ثُمَّ نُكَلِّفُ الْمُشْتَرِيَ إحْضَارَ الثَّمَنِ.
وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا لِرَجُلٍ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، فَالْتَقَيَا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي رَهَنَهُ فِيهِ، فَطَلَبَ دَيْنَهُ فَقَالَ: أَحْضِرْ الرَّهْنَ وَخُذْ دَيْنَك، فَلَيْسَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُحْضِرَ الرَّهْنَ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّيْنَ مِنْ الرَّاهِنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا نَوَى رَهْنَك.

(2/287)


وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى إحْضَارِ الْمَبِيعِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ التَّسْلِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ.
وَأَمَّا فِي الرَّهْنِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ رَاضِيًا بِحِفْظِهِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَلَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى إحْضَارِهَا لَأَدَّى إلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ التَّسْلِيمِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ، وَهَذَا جَائِزٌ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ فِي الْبَيْعِ مِلْكَ الْمَبِيعِ بِإِزَاءِ الثَّمَنِ، فَمِلْكٌ قَابَلَ مِلْكًا، وَتَسَلُّمٌ قَابَلَ تَسْلِيمًا، وَإِحْضَارٌ قَابَلَ إحْضَارًا، فَمَا لَمْ يُحْضِرْ أَحَدُهُمَا الْمَبِيعَ لَا يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى إحْضَارِ الثَّمَنِ.
729 - وَلَوْ رَهَنَ عِنْدَ إنْسَانٍ رَهْنًا وَجَعَلَهُ مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيه بِالنَّقْدِ إلَّا بِوَكْسٍ فَبَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ جَازَ، فَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ: أَحْضِرْ الثَّمَنَ حَتَّى أُعْطِيَك دَيْنَك لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَيُقَالُ: أَدِّ الدَّيْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ وَدَفَعَهُ إلَيْك.
وَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ، فَقُضِيَ بِقِيمَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَ دَيْنِهِ مِنْ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُحْضِرَ الْقِيمَةَ إلَى الرَّاهِنِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيمَةَ تَخْلُفُ الْعَيْنَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ

(2/288)


بِأَلْفٍ، فَصَارَ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ، فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ فَضَمِنَ قِيمَتَهُ، ثُمَّ تَلِفَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ، وَسَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ، فَصَارَتْ الْقِيمَةُ كَالْعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْعَيْنُ بَاقِيًا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ، كَذَلِكَ هَذَا.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُفُ الْعَيْنَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عِنْدَهُ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَسَلَّطَهُ عَلَى بَيْعِهِ، فَبَاعَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ تَلِفَتْ الْخَمْسمِائَةِ لَمْ يَسْقُطْ جَمِيعُ الدَّيْنِ، فَلَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُلَاقِيًا لِلثَّمَنِ، فَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ.
730 - إذَا رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفٍ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَزَادَهُ الرَّاهِنُ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَمَاتَتْ الْأُمُّ بَقِيَ الْوَلَدُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَالْعَبْدُ الزِّيَادَةُ بِخَمْسِمِائَةٍ.
وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَوَّلًا ثُمَّ زَادَهُ الْعَبْدُ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَالْعَبْدَ الزَّائِدُ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ صَارَ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ مِنْ الضَّمَانِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفِكَاكِ، لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ حِصَّةً لَوَجَبَ أَنْ يَأْخُذَ الرَّاهِنُ الْوَلَدَ مَجَّانًا، وَسَقَطَ جَمِيعُ الدَّيْنِ بِمَوْتِ الْأُمِّ، فَدَلَّ أَنَّ الْأُمَّ ذَهَبَتْ بِالْحِصَّةِ، وَبَقِيَتْ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ فَإِذَا أُلْحِقَتْ الزِّيَادَةُ الْتَحَقَ بِمَا فِي الْوَلَدِ مِنْ الضَّمَانِ.

(2/289)


وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ حَيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لِلْوَلَدِ مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَ الضَّمَانِ، فَلَمْ يَصِرْ لِلْوَلَدِ حِصَّةٌ، فَصَارَتْ الزِّيَادَةُ لَاحِقَةً بِأَصْلِ الرَّهْنِ وَهِيَ الْجَارِيَةُ، فَصَارَ نِصْفُ الدَّيْنِ فِي الْجَارِيَةِ وَنِصْفُهُ فِي الزِّيَادَةِ، فَإِذَا وَلَدَتْ انْقَسَمَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا، فَصَارَ فِي الْوَلَدِ رُبْعُ الدَّيْنِ وَفِي الْأُمِّ رُبْعُهُ.
وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأُمُّ بَاقِيَةٌ فَالْتَحَقَتْ الزِّيَادَةُ بِالْعَقْدِ فَلَحِقَتْهَا فَانْقَسَمَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ نِصْفَيْنِ: نِصْفٌ فِي الزِّيَادَةِ، وَنِصْفٌ فِيهَا، فَلَمَّا وَلَدَتْ انْقَسَمَ مَا فِيهَا مِنْ الضَّمَانِ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا.
وَأَمَّا إذَا زَادَ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ فَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مُلْحَقَةٍ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ فَاتَ وَهِيَ الْأُمُّ، وَإِنَّمَا بَقِيَ نِصْفُ الضَّمَانِ فِي الْوَلَدِ فَقَدْ أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِالضَّمَانِ، فَلَحِقَ مَنْ لَهُ الضَّمَانُ، إذْ الْمُرْتَهِنُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِحِصَّةِ الْأُمِّ بِالْمَوْتِ، فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الزِّيَادَةِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْفِكَاكِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ، وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ لَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ رَهْنًا مَعَ الْأُمِّ.
731 - إذَا رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَقَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ زَادَهُ جَارِيَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ

(2/290)


الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي قَضَاهُ زُيُوفًا، أَوْ مُسْتَحَقَّةً كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُلْحَقَةً بِالْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ، وَلَوْ وَجَدَهَا سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا فَالزِّيَادَةُ رَهْنٌ بِالْأَلْفِ كُلِّهِ، فَجَعَلَ فِي الزِّيَادَاتِ الزُّيُوفَ وَالْمُسْتَحَقَّةَ فِي الرَّهْنِ سَوَاءً.
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ، ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَنَ مُسْتَحَقًّا أَوْ رَصَاصًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ فَيَحْبِسَهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ، وَلَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ فَجَعَلَ الْمُسْتَحَقَّةَ كَالسَّتُّوقَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّيُوفِ، وَفِي الرَّهْنِ سَوَّى بَيْنَهُمَا.
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ الْمَقْضِيِّ شَرْطٌ فِي سَلَامَةِ الْبَدَلِ لِلْمُشْتَرِي، فَإِذَا اسْتَحَقَّ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ لَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ سَلَامَةُ الْمَقْضِيِّ لَهُ، لِأَنَّ إلْحَاقَ الزِّيَادَةِ بِبَعْضِ الضَّمَانِ جَائِزٌ، وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَحِينَ زَادَ حُكْمُهُ فَإِنَّ نِصْفَ الدَّيْنِ مَقْضِيٌّ، فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لَاحِقَةً بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ.
732 - إذَا رَهَنَ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاعْوَرَّتْ وَوَلَدَتْ بَعْدَ الْعَوَرِ

(2/291)


فَالْوَلَدُ يَلْحَقُ بِالْجَمِيعِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الْوِلَادَةَ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْعَوَرِ.
وَلَوْ زَادَ فِي الرَّهْنِ بَعْدَ الْعَوَرِ فَالزِّيَادَةُ تَلْحَقُ الْبَاقِي فَتَكُونُ الْجَارِيَةُ الْعَوْرَاءُ وَالزِّيَادَةُ رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ.
وَلَوْ لَمْ تَعْوَرَّ وَلَكِنَّهُ قَضَى نِصْفَ الدَّيْنِ ثُمَّ زَادَ أَوْ وَلَدَتْ فَالزِّيَادَةُ وَالْوَلَدُ يَلْحَقَانِ الْبَاقِيَ مِنْ الدَّيْنِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ صِحَّةَ الزِّيَادَةِ: بِالضَّمَانِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ جَمِيعُ الرَّهْنِ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ، لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الزِّيَادَةَ بِقَبْضٍ مُبْتَدَأٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِهَا وُجُوبُ الضَّمَانِ كَالْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَتْ صِحَّتُهَا بِالضَّمَانِ لَحِقَتْ مَا فِيهِ الضَّمَانُ وَنِصْفُ الضَّمَانِ فَاتَ بِالْعَوَرِ فَلَحِقَتْ الزِّيَادَةُ الْبَاقِيَ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَلَدُ لِأَنَّ وُجُوبَ حَقِّ الْإِمْسَاكِ فِي الْوَلَدِ بِالْعَقْدِ لَا بِالضَّمَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ حِينَ يَحْدُثُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا حَتَّى لَوْ تَلِفَ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ بَاقٍ الْتَحَقَ بِالْجَمِيعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُ الرَّهْنِ بِالِاعْوِرَارِ أَنَّ مَا فَاتَ بِالْعَوَرِ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ، وَمَا دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ تَمَّ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلَا يَنْحَلُّ الْعَقْدُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا مِنْ عَقْدِ الرَّهْنِ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ عَيْنِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ، وَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ فَصَارَ مُتَمِّمًا الْعَقْدَ فِيهِ فَلَا يُوجِبُ انْحِلَالَهُ، فَلَحِقَتْ الزِّيَادَةُ الْجَمِيعَ.

(2/292)


وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَضَاهُ بَعْضَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَا قَضَاهُ انْحَلَّ الْعَقْدُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ بَعْضِ الدَّيْنِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ عَمَّا بِإِزَائِهِ، وَلَا يُوجِبُ تَتْمِيمَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى جَمِيعَ الدَّيْنِ انْحَلَّ الرَّهْنُ فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدَ مَا انْحَلَّ الْعَقْدُ عَنْهُ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَصِحَّتُهَا بِالضَّمَانِ، وَمَا انْحَلَّ زَالَ الضَّمَانُ عَنْهُ فَلَمْ يَلْحَقْهُ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(2/293)