الفصول في الأصول [بَابُ الْقَوْلِ فِي وُجُوهِ الْبَيَانِ]
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْبَيَانُ فِي الشَّرْعِ عَلَى وُجُوهٍ:
مِنْهَا الْأَحْكَامُ الْمُبْتَدَأَةُ، وَمِنْهَا تَخْصِيصُ
الْعُمُومِ الَّذِي يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى ظَاهِرِ مَا
يَنْتَظِمُهُ الِاسْمُ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَعْضُ.
وَمِنْهَا صَرْفُ الْكَلَامِ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَوْ
الْمَجَازِ وَصَرْفُ الْأَمْرِ إلَى النَّدْبِ أَوْ
الْإِبَاحَةِ وَصَرْفُ الْخَبَرِ إلَى الْأَمْرِ، فَبَيَّنَ
أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ غَيْرُ حَقِيقَتِهِ، وَمِنْهَا
بَيَانُ الْجُمْلَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْبَيَانِ
فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ، وَهَذَا الْبَيَانُ لَيْسَ
بِتَخْصِيصٍ (وَلَكِنَّهُ) تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ
بِالْجُمْلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ
حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُرَادَ الْعُشْرُ
وَنِصْفُ الْعُشْرِ وَالْحَقُّ نَفْسُهُ هُوَ الْعُشْرُ فَلَا
تَخْصِيصَ فِي ذَلِكَ وَلَا صَرْفَ لِلْكَلَامِ عَنْ
الْحَقِيقَةِ. وَمِنْهَا النَّسْخُ، وَهُوَ بَيَانٌ لِمُدَّةِ
الْحُكْمِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي وَهْمِنَا وَتَقْدِيرِنَا
بَقَاؤُهُ.
(2/22)
[بَابٌ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ
وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ]
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُلُّ لَفْظٍ أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُ
عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ إلَيْهِ مَا
يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ حُكْمِهِ عَلَى مُقْتَضَى لَفْظِهِ
فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الْبَيَانِ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ
الْمُخَاطَبُ بَعْضَ مَا انْتَظَمَهُ، أَوْ كَانَ مُرَادُهُ
غَيْرَ حَقِيقَتِهِ (فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْمُرَادِ بِهِ
وَكُلُّ لَفْظٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ حُكْمُهُ إمَّا
لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ فِي نَفْسِهِ) أَوْ لِأَنَّهُ اقْتَرَنَ
إلَيْهِ مَا جَعَلَهُ فِي مَعْنَى الْمُجْمَلِ عَلَى حَسَبِ
مَا تَقَدَّمَ مِنَّا الْقَوْلُ فِي (صِفَةِ الْمُجْمَلِ)
وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ،
فَالْأَوَّلُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}
[البقرة: 275] وَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}
[النساء: 23] هَذِهِ أَلْفَاظٌ مَعَانِيهَا مَعْقُولَةٌ ظَا
(هِرَةٌ) فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ بِنَفْسِ
وُرُودِهَا، وَالثَّانِي (نَحْوُ) قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا
حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وقَوْله تَعَالَى
{وَاَلَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:
24] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي
(2/27)
دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا
بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» (وَنَحْوُ) قَوْله
تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ
تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} [النساء: 24]
{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا
بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَ (نَحْوُ) قَوْله تَعَالَى
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] لِأَنَّهُ قَدْ
اقْتَرَنَ إلَيْهِمَا مَا أَوْجَبَ كَوْنَهُمَا مَوْقُوفَيْنِ
(عَلَى وُرُودِ الْبَيَانِ بِهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا
سَلَفَ) .
(2/28)
|