المحصول لابن العربي = كتاب النَّهْي =
ومسائلة كمسائله كفة كفة وزنا بِوَزْن غير أَنا وَإِن تَيَقنا
اكْتِفَاء المنتهي بالتركيب لَهَا مَنْهَج سَبيله للمبتدي
فَنَقُول
الْمَسْأَلَة الأولى
مَسْأَلَة حَقِيقَة النَّهْي اقْتِضَاء التّرْك كَمَا سبق فِي
حَقِيقَة الْأَمر اقْتِضَاء الْفِعْل وَطَلَبه الْجَازِم
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة
وَلَيْسَ لَهُ صِيغَة من أَقسَام الْكَلَام الَّذِي هُوَ معنى
قَائِم بِالنَّفسِ كَمَا بَيناهُ وَهِي الْمَسْأَلَة
الثَّانِيَة
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة
وكما اخْتلفُوا فِي اقْتِضَاء الْوُجُوب اخْتلفُوا فِي
اقْتِضَاء النَّهْي التَّحْرِيم كَمَا بَينا أَن الْأَمر طلب
جازم للْفِعْل لَيْسَ فِيهِ تعرض للعقاب على التّرْك
وَإِنَّمَا يُوجد الْعقَاب على التّرْك من دَلِيل آخر كَذَلِك
النَّهْي إِنَّمَا هُوَ قَول جازم فِي استدعاء التّرْك
وَلَيْسَ فِيهِ تعرض للعقاب على الْفِعْل وَإِنَّمَا يُؤْخَذ
الْعقَاب من ذليل آخر وَهِي مَسْأَلَة الثَّالِثَة
(1/69)
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحمَه الله عَلَيْهِم
فِي كتاب ألأمر ن الْأَمر بالشَّيْء لَا يدل على إِجْزَاء
الْمَأْمُور بِهِ ووقوعه موقع الِامْتِثَال
وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين لَا يدل على الْإِجْزَاء إِلَّا
بِقَرِينَة وَهَذَا كَلَام لَا معنى لَهُ لِأَن من نفس الْأَمر
نعلم قطعا ويقينا وُقُوع الْإِجْزَاء عِنْد الِامْتِثَال
لِأَنَّهُ لَيْسَ الْأَمر معنى سواهُ وَلَا فَائِدَة غَيره
وَإِنَّمَا الَّذِي أوقعهم فِي ذَلِك وغرهم بِهِ مَسْأَلَة
الْحَج الْفَاسِد فَإِنَّهُ لما أجمع الْعلمَاء على الْمُضِيّ
فِيهِ مَعَ عدم الِاعْتِدَاد بِهِ ركبُوا مِنْهَا مَسْأَلَة
إِجْزَاء الْمَأْمُور بِهِ
وَهَذَا خرق لَا يرقع لِأَن الْمُضِيّ فِي الْحَج الْفَاسِد
فِيهِ مَعْنيانِ يقْطَعَانِ بِهِ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة
أَحدهمَا ان الْأَمر بالمضي فِيهِ إِنَّمَا هُوَ بعد
التَّلَبُّس بِهِ وَالْخلاف إِنَّمَا يجب أَن يكون فِي الْأَمر
الْمُبْتَدَأ
الثَّانِي أَن الْأَمر بالمضي فِي الْحجَّة الْفَاسِدَة
إِنَّمَا هُوَ عُقُوبَة لَا عبَادَة
فَأَما إِذا تبين هَذَا فَالْأَمْر الْمُبْتَدَأ بالتعبد
الْمَحْض إِذا وَقع فِيهِ امْتِثَال فَلَا يتَصَوَّر فِي
إجزائه خلاف
وَلَو قدر طريان امْر مثله بعده لَكَانَ أمرا مستأنفاً لعبادة
ثَانِيَة وَهَذَا مَا لَا يُنَازع فِيهِ منصف
(1/70)
فَأَما النَّهْي عَن الشَّيْء فَهَل يدل
على فَسَاد الْمنْهِي عَنهُ فَهِيَ مَسْأَلَة حَسَنَة اخْتلف
الْعلمَاء فِيهَا فَقَالَ قَائِلُونَ النَّهْي عَن الشَّيْء
يدل على فَسَاده وَعدم الِاعْتِدَاد بِهِ شرعا وَقَالَ
آخَرُونَ لَا يدل على فَسَاده
وأرباب الْأُصُول من الْمَالِكِيَّة جهلوا مَالك رَحمَه الله
فَقَالُوا إِن لَهُ قَوْلَيْنِ حَسْبَمَا تقدم تَفْسِيره
وَالصَّحِيح من مذْهبه أَن النَّهْي على قسمَيْنِ
نهي يكون لِمَعْنى فِي المنتهي عَنهُ وَنهي يكون لِمَعْنى فِي
غَيره فَإِن كَانَ لِمَعْنى فِي الْمنْهِي عَنهُ دلّ على
فَسَاده وَإِن كَانَ لِمَعْنى فِي غير الْمنْهِي عَنهُ فَذَلِك
يخْتَلف إِلَّا أَن الْأَغْلَب فِيهِ أَنه لَا يدل على الْفساد
فَأَما اقْتِضَاء النَّهْي الْمُحَقق للتَّحْرِيم الْمُتَيَقن
فَهِيَ مَسْأَلَة أصولية وَالدَّلِيل فِيهَا كالدليل على
الْوُجُوب فِي الْأَمر بِعَيْنِه
وَأما القَوْل فِي الْفساد فَذَلِك من فروع الْفِقْه وَقد
بَيناهُ فِي مسَائِل الْخلاف
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة
كَمَا أَن الْأَمر بالشَّيْء لَيْسَ عَن ضِدّه كَذَلِك
النَّهْي عَن الشَّيْء لَيْسَ بِأَمْر بِأحد أضداده لما
بَيناهُ وَهِي الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة
قد قدمنَا القَوْل فِي التَّمْكِين مَقْرُونا بِالْعلمِ
وَالْفِعْل فِي فصل لأمر فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا
(1/71)
فَأَما النَّهْي فَلَا يَخْلُو أَن يكون
عَن ترك أَو عَن فعل فَإِن كَانَ النَّهْي عَن ترك رَجَعَ
القَوْل إِلَى الْأَمر وَإِن كَانَ النَّهْي عَن الْفِعْل لم
يكن لاشْتِرَاط التَّمْكِين وَجه ن التّرْك لَا يفْتَقر لى
التَّمْكِين وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أشارة النَّبِي بقوله
إِذا أَمرتكُم بامر فَأتوا مِنْهُ مَا فَأتوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُم وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوا
فَشرط الِاسْتِطَاعَة فِي الْأَمر وَأطلق القَوْل فِي النَّهْي
تنبياً على هَذَا الْمَعْنى
وَإِن قُلْنَا إِن الْأَمر على التّكْرَار أَو يَقْتَضِي مرّة
فَلَا خَافَ أَن النَّهْي على الدَّوَام حَتَّى يرفعهُ
الدَّلِيل وَكَذَلِكَ النَّهْي على الْفَوْر غير خلاف
فإمَّا إِذا نهى عَن شَيْء من الْأَشْيَاء فقد تقدم القَوْل
فِيهِ فِي مَا إِذا اخْتَلَط الْمُبَاح بالمحذور وَبينا اقسامه
وَأَحْكَامه
وَكَانَت عَادَة عُلَمَائِنَا قد جرت بِذكر مسالة فِي فصل
الْأَمر وَهِي أَمر الْمَعْدُوم وَكَذَلِكَ أَيْضا القَوْل فِي
نَهْيه
وَعند الِانْتِهَاء إِلَى هَذَا القَوْل فيتلوه كتاب الْعُمُوم
(1/72)
|