بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب [مقدمة
الكتاب]
[مقدمة الشارح]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَبِّ أَعِنْ بِلُطْفِكَ يَا كَرِيمُ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ (الَّذِي أَظْهَرَ) بَدَائِعَ
مَصْنُوعَاتِهِ عَلَى أَحْسَنِ النِّظَامِ، وَخَصَّصَ مِنْ
بَيْنِهَا نَوْعَ الْإِنْسَانِ (بِمَزِيدِ) الطَّوْلِ
وَالْإِنْعَامِ، وَهَدَى أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْهُمْ
لِلْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، وَأَرْشَدَهُمْ (طَرِيقَ)
مَعْرِفَةِ اسْتِنْبَاطِ قَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ،
لِيُبَاشِرُوا الْحَلَالَ مِنْهَا [وَيُجَانِبُوا (الْحَرَامَ)
] .
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ذُو الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا (عَبْدُهُ)
وَرَسُولُهُ الَّذِي فَضَّلَهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنَامِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْغُرِّ
(الْكِرَامِ) - مَا مَطَرَ غَمَامٌ، وَعَطِرَ كِمَامٌ.
(1/3)
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ تَطَابَقَ قَاضِي
الْعَقْلِ، وَهُوَ لَا يُبْذَلُ وَلَا يُعْزَلُ، وَشَاهِدُ
الشَّرْعِ، وَهُوَ الْمُزَكِّي الْمُعَدِّلُ، عَلَى أَنَّ
أَرْجَحَ الْمَطَالِبِ وَأَرْبَحَ الْمَكَاسِبِ، وَأَعْظَمَ
الْمَوَاهِبِ، وَأَكْرَمَ الرَّغَائِبِ هُوَ الْعِلْمُ ;
لِأَنَّهُ عَمَلُ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ
الْأَعْضَاءِ، وَسَعْيُ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ أَعَزُّ
الْأَشْيَاءِ.
وَنَاهِيكَ كَمَالًا وَمَرْتَبَةً، وَجَلَالًا وَمَنْقَبَةً
بِقَوْلِهِ عَزَّ وَعَلَا: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا
بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] . فَإِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ،
وَثَنَّى بِمَلَائِكَتِهِ، وَثَلَّثَ بِأُولِي الْعِلْمِ.
وَأَشْرَفُ الْعُلُومِ وَأَكْمَلُهَا، وَأَنْفَعُ الْمَعَارِفِ
وَأَجَلُّهَا: هُوَ الْعُلُومُ الشَّرْعِيَّةُ، وَالْمَعَارِفُ
الدِّينِيَّةُ، إِذْ بِهَا يَكْمُلُ انْتِظَامُ الْمَعَاشِ فِي
الدُّنْيَا، وَيَحْصُلُ اغْتِنَامُ الِارْتِيَاشِ فِي
الْعُقْبَى.
وَكَانَ عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ جُمْلَتِهَا فِي
الرُّتْبَةِ الْعُظْمَى، وَالدَّرَجَةِ الْعُلْيَا ; إِذْ
جُمِعَ فِيهِ الرَّأْيُ وَالشَّرْعُ، وَاصْطُحِبَ فِيهِ
الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ.
وَمِمَّا صُنِّفَ فِيهِ مِنَ الْكُتُبِ الشَّرِيفَةِ
وَالزُّبُرِ اللَّطِيفَةِ: (مُخْتَصَرُ [مُنْتَهَى الْوُصُولِ]
وَالْأَمَلِ فِي عِلْمَيِ الْأُصُولِ وَالْجَدَلِ) .
مِنْ مُصَنَّفَاتِ
(1/4)
الْإِمَامِ الْفَاضِلِ الْمُحَقِّقِ
الْعَلَّامَةِ: جَمَالِ الدِّينِ أَبِي عَمْرٍو عُثْمَانَ بْنِ
عُمَرَ الْمَالِكِيِّ، الْمَعْرُوفِ بِـ " ابْنِ الْحَاجِبِ "
(تَغَمَّدَهُ) اللَّهُ - تَعَالَى - بِغُفْرَانِهِ، وَكَسَاهُ
حُلَلَ رِضْوَانِهِ، كِتَابٌ صَغِيرُ الْحَجْمِ، وَجِيزُ
النَّظْمِ، (غَزِيرُ الْعِلْمِ) ، كَبِيرُ الِاسْمِ،
مُشْتَمِلٌ عَلَى مَحْضِ الْمُهِمِّ.
فَتَصَدَّيْتُ لِأَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا يُبَيِّنُ
حَقَائِقَهُ، وَيُوَضِّحُ دَقَائِقَهُ، وَيُذَلِّلُ مِنَ
اللَّفْظِ صِعَابَهُ، وَيَكْشِفُ عَنْ وَجْهِ الْمَعَانِي
نِقَابَهُ، مُقْتَصِدًا، غَيْرَ مُخْتَصِرٍ اخْتِصَارًا
يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْلَالِ، وَلَا مُطْنِبًا إِطْنَابًا
يُفْضِي إِلَى الْإِمْلَالِ،
(1/5)
سَاعِيًا فِي حَلِّ مُشْكِلَاتِهِ،
وَفَتْحِ مُعْضِلَاتِهِ، وَتَقْرِيرِ مَعَاقِدِهِ، وَتَحْرِيرِ
قَوَاعِدِهِ، وَدَفْعِ الشُّبَهَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى
مَقَاصِدِهِ.
وَ (أَسْمَيْتُهُ) بَيَانَ الْمُخْتَصَرِ ".
وَالْمَأْمُولُ مِنْ حُسْنِ أَخْلَاقِ مَنْ هُوَ مُنْصِفٌ،
وَعَنْ مَشْرَبِ الْحَقِّ مُغْتَرِفٌ، أَنَّهُ إِذَا اطَّلَعَ
عَلَى خَطَأٍ وَسَهْوٍ، أَنْ يُصَحِّحَهُ مُصْلِحًا لَا
مُفْسِدًا، وَمُعَاوِنًا لَا مُعَانِدًا، وَمُعَاضِدًا لَا
مُحَاسِدًا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا سَبِيلَ الرَّشَادِ، (وَطَرِيقَ)
السَّدَادِ. وَهَا أَنَا أَشْرَعُ فِي الْمَقْصُودِ بِعَوْنِ
اللَّهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ.
(1/7)
|