تخريج الفروع على الأصول مسَائِل الْإِقْرَار
مَسْأَلَة 1
الأَصْل عِنْد الشَّافِعِي رض أَن الْفِعْل إِذا وجد مطابقا
لظَاهِر الشَّرْع حكم بِصِحَّتِهِ وَلَا تعْتَبر التُّهْمَة
فِي الْأَحْكَام لِأَن الْأَحْكَام تتبع الْأَسْبَاب الجلية
دون الْمعَانِي الْخفية
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض كل فعل تمكنت التُّهْمَة فِيهِ حكم
بفساده لتعارض دَلِيل الصِّحَّة وَالْفساد
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا أَن إِقْرَار الْمَرِيض لغرماء الْمَرَض كإقرار
الْغُرَمَاء الصِّحَّة فيتساويان فِي اسْتِحْقَاق التَّرِكَة
إِذْ الْإِقْرَار مَشْرُوع فِي حالتي الصِّحَّة وَالْمَرَض
(1/212)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض فِي أحد مأخذيه
الْإِقْرَار الثَّانِي لَا يَصح لتَعلق حق غُرَمَاء الصِّحَّة
بِعَين المَال
وَقَالَ فِي المأخذ الثَّانِي يَصح الإقراران غير أَنه يقدم
إِقْرَار الصِّحَّة لِأَنَّهُ أقوى من حَيْثُ أَنه صَادف حَال
الْإِطْلَاق وَالْإِقْرَار الثَّانِي صَادف حَال الْحجر
وَالْمَنْع من التَّبَرُّعَات فَهُوَ مُتَّهم فِيهِ من حَيْثُ
إِن الشَّرْع سلبه قدرَة التَّبَرُّع فَلَا يُؤمن عدوله من
التَّبَرُّع إِلَى الْإِقْرَار
وَمِنْهَا أَن الْإِقْرَار للْوَارِث صَحِيح عندنَا على
القَوْل الْمَنْصُور كَمَا فِي حَال الصِّحَّة
وَعِنْده لَا يَصح لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهِ من حَيْثُ أَنه
رُبمَا أَرَادَ تَخْصِيصه فَعدل إِلَى صِيغَة الْإِقْرَار
وَمِنْهَا أَن أَمَان العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ صَحِيح
عندنَا كَمَا لَو أذن مَوْلَاهُ
(1/213)
وَعِنْده لَا يَصح إِلَّا إِذا قَاتل
مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ مُتَّهم فِيهِ من حَيْثُ إِن العَبْد لَهُ
قرَابَة وَعشرَة فِي دَار الْحَرْب فيؤثرهم على الْمُسلمين
فَصَارَ كالذمي قَالُوا وَلَا يلْزم على هَذَا مَا لَو عتق
العَبْد ثمَّ أسلم لِأَنَّهُ لما أعتق وَأطلق وزالت يَد
الْمولى عَنهُ وأختار الْمقَام فِي دَار الْإِسْلَام مَعَ
قدرته على الْعود إِلَى دَار الْحَرْب ارْتَفَعت التُّهْمَة
فِي حَقه
قَالُوا وَلَا يلْزم أَيْضا مَا إِذا أذن لَهُ مَوْلَاهُ فِي
الْأمان فَإِنَّهُ يَصح لِأَن مَوْلَاهُ لم يَأْذَن لَهُ فِي
الْأمان إِلَّا بعد تيقنه أَن العَبْد لايؤثرالكفار على
الْمُسلمين
(1/214)
= كتاب الْغَصْب =
مسالة 1
ذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن المضمونات تملك
بِالضَّمَانِ ويستند الْملك فِيهَا إِلَى وَقت وجوب الضَّمَان
إِذا كَانَ الْمَضْمُون مِمَّا يجوز تَمْلِيكه بِالتَّرَاضِي
احْتِرَازًا عَن الْمُدبر
وَذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَنَّهَا لَا تملك بِالضَّمَانِ
وَأعلم أَن الْخلاف فِي هَذَا الأَصْل مَبْنِيّ على أصل آخر
وَهُوَ الْبَحْث عَن مُقَابل الضَّمَان
فالشافعي رض يَدعِي أَنه فِي مُقَابلَة فَوَات الْيَد
وَأَبُو حنيفَة رض يَدعِي أَنه فِي مُقَابلَة عين الْمَغْصُوب
(1/215)
لِأَنَّهُ الَّذِي وَجب رده بِالْغَصْبِ
فَإِذا تعذر رد الْعين وَجب رد بدل الْعين
وقرروا هَذَا بِأَن قَالُوا
الْوَاجِب ضَمَان الْجِنْس وَمن غصب دَرَاهِم وبددها فِي
حاجاته فالفائت على الْمَالِك الدَّرَاهِم فَيجب على الْغَاصِب
بدل الدَّرَاهِم لَا بدل الِاسْتِيلَاء على الدَّرَاهِم فَإِن
الِاسْتِيلَاء غير مَقْصُود فِي نَفسه وَإِنَّمَا الْمَقْصُود
من الِاسْتِيلَاء عين المَال
وَقَالُوا وَإِذا ثَبت أَن الضَّمَان بدل عَن الْعين فالجمع
بَين الْبَدَل والمبدل عَنهُ فِي حق شخص وَاحِد متناقض فَكَانَ
من ضَرُورَة ملك الْمَالِك الضَّمَان زَوَال ملكه عَن
الْمَضْمُون فَوَقع الْملك بالمضمون سَابِقًا عَن ملك
الضَّمَان وَاقعا يَقْتَضِي لَهُ وان تقدم عَلَيْهِ وكما إِذا
قَالَ اعْتِقْ عَبدك عني فَقَالَ أعتقت فانه يتَضَمَّن ملكا
سَابِقًا على الْعتْق يَنْبَنِي عَلَيْهِ صِحَة الْعتْق ثمَّ
يَقع مُقْتَضى لَهُ سَابِقًا عَلَيْهِ
فَالْحَاصِل أَن التَّضْمِين يَقْتَضِي التَّمْلِيك فِي
الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا وَلَكِن بطرِيق الِاقْتِضَاء والضرورة
وَالْبيع يَقْتَضِي الْملك بطرِيق التَّنْصِيص
(1/216)
وَلذَلِك افْتقر البيع إِلَى الشَّرَائِط
كالقدرة على التَّسْلِيم وَغَيرهَا وَهَذَا الْملك لم يفْتَقر
إِلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقع بِمُقْتَضى تملك الْبَدَل ضمنيا وَمَا
يحصل كَذَلِك لَا تعْتَبر فِيهِ الشَّرَائِط
قَالُوا وَخرج على هَذَا الْمُدبر فَإِن التَّمْلِيك فِيهِ
مُمْتَنع على مَا عرف من أصلنَا هَذَا غَايَة كَلَامهم
وَنحن نقُول الضَّمَان فِي مُقَابلَة الْيَد لِأَنَّهَا هِيَ
الْفَائِتَة وَملك الْعين قَائِم فإيجاب الْبَدَل عَنهُ محَال
وَإِنَّمَا يجب الضَّمَان بَدَلا عَمَّا فَاتَ
وَلم يفت إِلَّا الْيَد فتملك الْغَاصِب وَلم يجر من الْمَالِك
رضى وَلَا دعت إِلَيْهِ ضَرُورَة محَال
وَيتَفَرَّع عَن هذَيْن الْأَصْلَيْنِ مسَائِل مِنْهَا أَن
الْغَاصِب إِذا ضمن قيمَة الْمَغْصُوب ثمَّ ظهر الْمَغْصُوب
فَهُوَ لمَالِكه الْمَغْصُوب مِنْهُ يَأْخُذهُ وَيرد الْقيمَة
عندنَا لِأَن الْغَاصِب لم يملكهُ حَتَّى إِذا مَاتَ لم يكن
عَلَيْهِ مؤونة تَجْهِيزه وَلَو كَانَ قريبَة لم يعْتق
عَلَيْهِ
(1/217)
وَعِنْدهم هُوَ للْغَاصِب لِأَنَّهُ ملكه
بِالضَّمَانِ واستند ملكه إِلَى وَقت وجوب الضَّمَان
وَمِنْهَا إِن الْجِنَايَة الَّتِي توجب كَمَال الْقيمَة فِي
العَبْد بِقطع يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ لَا توجب الْملك فِي
الجثة عِنْد الضَّمَان عندنَا
وَعِنْدهم توجب بِنَاء على أَن كل الْقيمَة بدل الْكل فَلَا
يجمع بَين الْبَدَل والمبدل مَا أمكن
وَعَلِيهِ خَرجُوا الْمُدبر إِذا قطعت يَدَاهُ فان التَّمْلِيك
فِيهِ غير مُمكن عِنْدهم
وكلامنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أظهر لِأَن الْمصير إِلَى
مُقَابلَة الْوَاجِب بالفائت بِالْجِنَايَةِ أظهر من مُقَابلَة
الْقيمَة بِالِاسْتِيلَاءِ الْفَائِت بِالْغَصْبِ ويعتضد هَذَا
بِقطع إِحْدَى الْيَدَيْنِ فانه لايوجب الْملك فِي النّصْف
(1/218)
وَمِنْهَا إِذا غصب حِنْطَة فطحنها أَو
ثوبا فخاطه أَو شَاة فذبحها وشواها أَو غصنا فغرسه فَصَارَ
شَجَرَة أَو نُحَاسا أَو رصاصا فأتخذ مِنْهَا آنِية غرم أرش
النُّقْصَان إِن كَانَ وَصفه قَائِما فِي الْعين عندنَا
وَعِنْدهم يغرم قيمَة الْمَأْخُوذ وَيملك الْعين فان الضَّمَان
فِي مُقَابلَة الْعين وَقد تبدلت الْعين فَإِن مَالِيَّة
الْحِنْطَة غير مَالِيَّة الدَّقِيق من حَيْثُ إنَّهُمَا
مفترقان اسْما وَصُورَة وَمعنى فان الْحِنْطَة متهيئة لأغراض
كالبذر والقلي والهرس والطحن وَهِي قَابِلَة للادخار
وَهَذِه الْمعَانِي بأسرها تطلب
قَالُوا فنضمنه قيمَة الْحِنْطَة
وَمِنْهَا أَن الْقطع وَالضَّمان لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدهم
لِأَنَّهُ لَو ضمن لملك الْمَسْرُوق واستند ملكه إِلَى وَقت
الْأَخْذ فَيحصل الْقطع فِي ملك
(1/219)
نَفسه وَذَلِكَ لَا يجوز
وَعِنْدنَا يَجْتَمِعَانِ لتَعَدد السَّبَب وَعدم إِسْنَاد
الضَّمَان
ثمَّ يلْحق بِهَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا أَن الْمَسْرُوق مِنْهُ إِذا وهب الْمَسْرُوق من
السَّارِق بعد المرافعة لَا يسْقط عَنهُ الْقطع عندنَا
وَعِنْدهم يسْقط لِأَنَّهُ ملكهَا بِالْهبةِ وَأسْندَ ملكه
إِلَى وَقت فَلَو قطع لقطع فِي ملك نَفسه
قَالُوا وَالْملك هَهُنَا وَإِن حصل بِعقد هبة لَا بِفعل
سَرقَة غير أَن الْعَارِض فِيمَا يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ
كالموجود ابْتِدَاء
وَمِنْهَا أَن الْأَب إِذا استولد جَارِيَة ابْنه يلْزمه
الْمهْر وَالْقيمَة عندنَا
وَعِنْدهم لَا يلْزمه الْقيمَة لِأَنَّهُ لَو ضمن الْقيمَة
اسْتندَ ملكه إِلَى
(1/220)
ابْتِدَاء الْوَطْء فَصَارَ واطئا ملك
نَفسه فَلَا يلْزمه الْقيمَة بِخِلَاف الْجَارِيَة
الْمُشْتَركَة لِأَنَّهُ هُنَاكَ ضمن باستحداث الْملك لَا
بِالْوَطْءِ لِأَن الْوَطْء تصرف وَالتَّصَرُّف فِي
الْجَارِيَة الْمُشْتَركَة لَا يُوجب الضَّمَان كالاستخدام
وَإِن كَانَ لَا يحل كَمَا لَو وطئ جَارِيَته وَهِي حَائِض
وَمِنْهَا أَن الْحَد وَالْمهْر يَجْتَمِعَانِ عندنَا فِيمَن
زنا بِجَارِيَة الْغَيْر لِأَنَّهُ لَا يملك الْجَارِيَة
بِالضَّمَانِ
وَعِنْدهم لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَنَّهُ لَو وَجب الْمهْر فِي
ذَلِك لملك الْوَاطِئ مَنْفَعَة الْبضْع فَلَو وَجب الْحَد
وَجب فِي وَطْء جَارِيَة نَفسه وَهَذَا مِمَّا لَا يجوز
وَمِنْهَا إِذا استكره الرجل امْرَأَة حرَّة على الزِّنَا وَجب
عَلَيْهِ الْحَد وَالْمهْر عندنَا
وَعِنْدهم لَا يجب الْمهْر لما ذَكرْنَاهُ
(1/221)
مسالة
2
الْيَد الناقلة غير مُعْتَبرَة فِي ضَمَان الْعدوان عندنَا بل
يَكْفِي إِثْبَات الْيَد بِصفة التَّعَدِّي
وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَنه لَا بُد من الْيَد
الناقلة لتحَقّق صُورَة التَّعَدِّي
ومستند هَذَا التَّعَدِّي اخْتِلَاف الْفَرِيقَيْنِ فِي حد
الْغَصْب
فَذهب أَصْحَاب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن حد الْغَصْب إِثْبَات
الْيَد العادية على مَال الْغَيْر
وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن حَده إِثْبَات الْيَد
العادية وتفويت الْيَد المحقة أَو قصرهَا
وعللوا هَذَا بَان الضَّمَان ضَمَان جبر والجبر فِي مُقَابِله
فايت
(1/222)
وَلَا فايت إِلَّا على الْمَالِك فَلَا بُد
من اشْتِرَاط فَوَات الِاسْتِيلَاء وفواته بِإِزَالَة الْيَد
أَو قصره
وَنحن نقُول هَذَا الْحَد بَاطِل فان الْغَاصِب من الْغَاصِب
غَاصِب اسْما وَحَقِيقَة وَشرعا وضامن للْمَالِك وَلم يفوت يَد
الْمَالِك بل أثبت الْيَد على مَال الْغَيْر
وَيبْطل أَيْضا بِمَا إِذا سلب القلنسوة من رَأس الْمَالِك
واحتوت يَده عَلَيْهَا فَأَنَّهُ يضمنهَا بالِاتِّفَاقِ مَعَ
أَنه لم يحصل زَوَال يَد الْمَالِك فِي هَذِه الصُّورَة بزعمهم
فَأن يَده عبارَة عَن استيلائه عَلَيْهَا
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا أَن زَوَائِد الْمَغْصُوب مَغْصُوبَة مَضْمُونَة
عندنَا سَوَاء أَكَانَت مُتَّصِلَة أَو مُنْفَصِلَة مَوْجُودَة
كَانَت على الْغَصْب أَو طارئة لوُجُود حَقِيقَة الْغَصْب
فِيهَا وَهُوَ إِثْبَات الْيَد فان كَانَ الْوَلَد بصدد أَن
يحدث فِي يَد الْمَالِك فَحدث فِي يَد الْغَاصِب بِسَبَب غصبه
السَّابِق فَكَانَ منع الْحُصُول فِي يَده كالقطع
(1/223)
وَلذَلِك وَجب الضَّمَان على الْمَغْرُور
بِزَوْجَتِهِ إِذا أمتنع حُصُول الرّقّ فِي الْوَلَد كَمَا
إِذا قطعه
ولأجله ضمن ولد صيد الْحرم إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ حصل فِي يَده
بطرِيق ثُبُوت الْيَد على الْأُم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا تضمن زيادات الْغَصْب إِلَّا
عِنْد منع الْمَالِك مِنْهَا وَقبل ذَلِك هُوَ أَمَانَة
وَمِنْهَا أَن غصب الْعقار مُتَصَوّر مَضْمُون عندنَا فان
الْمُعْتَبر قصر يَد الْمَالِك عَن ملكه مَعَ إِثْبَات الْيَد
عَلَيْهِ على سَبِيل الْعدوان وَهَذَا مَوْجُود فِي الْعقار
إِذا انْتَقَلت الْيَد إِلَى الْغَاصِب حَتَّى امْتنع على
الْمَالِك النَّفْع وَثبتت الْيَد للْغَاصِب حَتَّى يبْنى على
نقلهَا الْملك
وَمِنْهَا أَن الْمُودع إِذا تعدى فِي الْوَدِيعَة ثمَّ ترك
التَّعَدِّي لم يبرأ من الضَّمَان عندنَا لثُبُوت يَد الْعدوان
(1/224)
وَعِنْدهم لَا ضَمَان فان المضمن هُوَ
الْإِثْبَات والإزالة وَلم تُوجد الْإِزَالَة
مُعْتَقد الشَّافِعِي رض إِن مَنَافِع الْأَعْيَان الْقَائِمَة
فِي الْمَاهِيّة وحقيقتها عِنْد تهيؤ الْأَعْيَان واستعدادها
بهيئتها وشكلها لحُصُول الْإِعْرَاض مِنْهَا
مِثَاله إِن الدَّار بسقوفها لتهيأ لدفع الْحر وَالْبرد
وبحيطانها لدفع السراق والغصاب عَمَّا فِيهَا وبأرضها لِمَعْنى
الْهَوِي بسكانها إِلَى أَسْفَل وَكَذَلِكَ كل عين لَهَا
هَيْئَة تتَمَيَّز بهَا عَن الْأُخْرَى وَبهَا تستعد لحُصُول
الْغَرَض مِنْهَا فَهِيَ مَنْفَعَتهَا وَهَذِه الهيئات
أَعْرَاض متجددة تُوجد وتفنى كَسَائِر الْأَعْرَاض وَهِي
أَمْوَال مُتَقَومَة فَإِنَّهَا خلقت لمصَالح الْآدَمِيّ وَهِي
غير الْآدَمِيّ
وَإِطْلَاق لفظ المَال عَلَيْهَا أَحَق مِنْهُ على الْعين إِذْ
التَّضْمِين لَا يُسمى مَالا إِلَّا لاشتمالها على الْمَنَافِع
وَلذَلِك لَا يَصح بيعهَا بِدُونِهَا
(1/225)
وَأنكر أَبُو حنيفَة رض كَون الْمَنَافِع
فِي أَنْفسهَا أَمْوَالًا قَائِمَة بالأعيان
وَزَعَمُوا أَن حاصلها رَاجع إِلَى أَفعَال يحدثها الشَّخْص
المنتفع فِي الْأَعْيَان بِحَسب ارتباط الْمَقْصُود بهَا
فيستحيل إتلافها فان تِلْكَ الْأَفْعَال كَمَا تُوجد تَنْتفِي
والإتلاف عبارَة عَن قطع الْبَقَاء وَمَا لَا بَقَاء لَهُ لَا
يتَصَوَّر إِتْلَافه غير أَن الشَّرْع نزلها منزلَة
الْأَعْيَان فِي حق جَوَاز العقد عَلَيْهَا رخصَة فَتعين
الِاقْتِصَار عَلَيْهَا
وَنحن نقُول هَذَا مُسلم إِذا نَظرنَا إِلَى الْحَقَائِق
وسلكنا طَرِيق النّظر وَلَكِن الاحكام الشَّرْعِيَّة غير
مَبْنِيَّة على الْحَقَائِق الْعَقْلِيَّة بل على الاعتقادات
الْعُرْفِيَّة والمعدوم الَّذِي ذَكرُوهُ مَال عرفا وَشرعا
وَحكم الشَّرْع وَالْعرْف غَالب فِي الْأَحْكَام
وَالشَّرْع قد حكم بِكَوْن الْمَنْفَعَة مَوْجُودَة مُقَابلَة
بِالْأُجْرَةِ فِي عقد الْإِجَارَة وأثبتت الْإِجَارَة
أَحْكَام الْمُعَاوَضَات المحصنة وأثبتت للمنفعة حكم المَال
وَالْعرْف يقْضِي بِأَن من أثبت يَده على دَار وسكنها مُدَّة
أَنه يفوق مَنَافِعهَا
(1/226)
وَيتَفَرَّع عَن هذَيْن الْأَصْلَيْنِ
مسَائِل
مِنْهَا أَن مَنَافِع الْمَغْصُوب تضمن بالفوات تَحت الْيَد
العادية وبالتفويت عندنَا
وَعِنْدهم لَا تضمن حَتَّى لَو أستولي على حر واستخدمه فِي
عمله لم يضمن أجرته وَلَو غصب دَارا وسكنها سِنِين لَا أجر
عَلَيْهِ
وَمِنْهَا أَن مَنْفَعَة الْحر وَمَنَافع الدَّار يجوز أَن
تكون صَدَاقا عندنَا
وَعِنْدهم لَا يجوز لقَوْله تَعَالَى {وَأحل لكم مَا وَرَاء
ذَلِكُم أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} شَرط فِي الْإِبَاحَة أَن
تبتغى بالأموال وَالْمَنَافِع لَيست بِمَال
(1/227)
وَمِنْهَا أَن الشّقص الممهور يُؤْخَذ
بِالشُّفْعَة عندنَا بِقِيمَة الْبضْع وَكَذَلِكَ إِذا جعل بدل
الْخلْع أَو أجره يُؤْخَذ بِقِيمَة الْبضْع
وَعِنْدهم لَا يثبت فِيهِ الشُّفْعَة لِأَن مَنَافِع الْبضْع
لَيست بِمَال
وَمِنْهَا أَن شُهُود الطَّلَاق إِذا رجعُوا غرموا مهر الْمثل
بِنَاء على إِن مَنْفَعَة الْبضْع مَال مُتَقَوّم شرعا
وَلِهَذَا ضمنت بِالْإِتْلَافِ فِي العقد الصَّحِيح
وَالْفَاسِد ويقابل بِالْبَدَلِ فِي الإختلاع سِيمَا إِذا صدر
من الْأَجْنَبِيّ
وَإِذا كَانَ فِي نَفسه مَالا ذَا قيمَة فإيقاع الْحَيْلُولَة
فِي اقْتِضَاء الضَّمَان مُلْحق بِالْإِتْلَافِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض لَا يغرمون لِأَن مَنْفَعَة الْبضْع
فِي نَفسهَا لَيست بِمَال غير أَن الشَّرْع أوجب الْقيمَة على
متلفها وألحقها بأطراف الْآدَمِيّ وسلك بهَا مَسْلَك
الْأَعْيَان تَعْظِيمًا لأمرها وصيانة لَهَا عَن الإهدار على
خلاف الْقيَاس وَالشُّهُود لم يتلفوا
(1/228)
أصلا فَلَا يغرمون
وَأما وجوب المَال بِالْعقدِ عِنْدهم فلإقامة خطر الْبضْع
حَتَّى لَا يستباح من غير عوض إِذْ لَو ثَبت ذَلِك لَكَانَ
بَدَلا وصيانة الْبضْع عَن الْبَدَل وَاجِب وَقد مست الْحَاجة
إِلَى استباحته فَجعل الشَّرْع المَال وَسِيلَة إِلَى
الاستباحة تَعْظِيمًا لَهُ
وَلذَلِك قَالُوا يقدر أَقَله بِعشْرَة دَرَاهِم ليَكُون
اسْتِبَاحَة بِمَال خطير فِي الشَّرْع
(1/229)
|