تخريج الفروع على الأصول مسَائِل الطَّلَاق
وَقد خرجنَا قسما مِنْهَا على أصُول مُقَدّمَة فنأتي على
سائرها
مسالة 1
الْمُقْتَضى لَا عُمُوم لَهُ عِنْد أبي حنيفَة رض
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْمُقْتَضى مَا يضمر فِي الْكَلَام
ضَرُورَة تَصْحِيحه صِيَانة لَهُ عَن الْخلف كَقَوْلِه
تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة} وَمَا هَذَا شَأْنه يتَقَدَّر
بِقدر الضَّرُورَة
وَذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَنه يعم
(1/279)
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الْمُقْتَضى هُوَ
مَطْلُوب النَّص وَمرَاده فَصَارَ كالمذكور نصا وَلَو كَانَ
مَذْكُورا كَانَ لَهُ عُمُوم وخصوص فَكَذَا وَقع إِذا وَقع
مُقْتَضى النَّص
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
أَنه إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق ونوي بِهِ ثَلَاثًا
فَإِنَّهُ يَصح مِنْهُ وَيَقَع الثَّلَاث عندنَا من حَيْثُ إِن
قَوْله أَنْت طَالِق يَقْتَضِي طَلَاقا لامحالة فَصَارَ
الطَّلَاق كالمذكور نصا وَلَو كَانَ مَذْكُور بِأَن قَالَ
أَنْت طَالِق الطَّلَاق أَو ثَلَاثًا وَنوى بِهِ الثَّلَاث
صَحَّ إِجْمَاعًا فَكَذَلِك هَذَا
وَعِنْدهم لَا يَقع أَكثر من وَاحِدَة
(1/280)
مَسْأَلَة 2
مَذْهَب الشَّافِعِي رض أَن الرّجْعَة فِي الطَّلَاق لَا تقبل
الإنقطاع بِالشّرطِ
وَاحْتج فِي ذَلِك بِأَن الطَّلَاق سَبَب مُؤثر فِي النِّكَاح
وَلَيْسَ إِلَى الْعباد تَغْيِير الأوضاع بل الَّذِي إِلَيْنَا
اسْتِعْمَال الْأَسْبَاب كَمَا شرعت وَالطَّلَاق بعد الدُّخُول
لم يشرع مزيلا فَمن أَرَادَ أَن يَجعله مزيلا كَانَ مغيرا وضع
الشَّرْع نازلا منزلَة من يُرِيد جعل الْهِبَة مزيلا من غير
قبض وقاطعة للرُّجُوع حَيْثُ ثَبت الرُّجُوع
وَأَبُو حنيفَة رض يَدعِي أَنَّهَا تقبل الإنقطاع بِالشّرطِ
وأحتج فِي ذَلِك أَن الطَّلَاق شرع مزيلا فِي أَصله بِدَلِيل
أَنه يزِيل قبل الدُّخُول وَعند ذكر الْعِوَض وَلَو لم يضع
مزيلا لما أختلف بهَا بعد الدُّخُول وَمَا قبله وَلما تصور
تَأْثِير الْعِوَض فِي الْإِزَالَة
وَهَذَا ضَعِيف لِأَن الدُّخُول يُؤَكد الْملك فيكسبه استقرارا
وَالطَّلَاق فِي الْملك المستقر لم يشرع مزيلا والعوض يلْحق
الطَّلَاق
(1/281)
بِبَقِيَّة الْمُعَاوَضَات فِي اللُّزُوم
فَينزل منزلَة التَّمْلِيك بعوض بِالنِّسْبَةِ إِلَى
التَّمْلِيك بِغَيْر عوض
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مَسْأَلَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن كنايات الطَّلَاق كلهَا رواجع عندنَا
كَالصَّرِيحِ
وَعِنْده بوائن إِلَّا ثَلَاثَة أَلْفَاظ وَهِي اعْتدي
واستبرئي رَحِمك وَأَنت وَاحِدَة
الثَّانِيَة إِذا قَالَ لزوجته الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق
طَلْقَة بائنه لَا رَجْعَة لي فِيهَا وَقعت رَجْعِيَّة عندنَا
وَعِنْدهم تقع بَائِنَة
(1/282)
مَسْأَلَة 3
الْحل فِي النِّكَاح عِنْد الشَّافِعِي رض يتَنَاوَل الذَّات
الْمُشْتَملَة على الْأَجْزَاء الْمُتَّصِلَة فِيهَا اتِّصَال
خلفة أصلا ومقصودا
وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {فانكحوهن بِإِذن أهلهن}
أضَاف الْإِنْكَاح إِلَى ذواتهن والذوات عبارَة عَن مَجْمُوع
الْأَجْزَاء والأعضاء الْمَوْجُودَة لَدَى العقد
وَذهب أَصْحَاب أبي حنيفَة رض إِلَى أَن مورد الْحل إنسانية
الْمَرْأَة دون الْأَجْزَاء والأعضاء الْمعينَة وَزَعَمُوا أَن
الْأَعْضَاء الْمعينَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مورد الْحل
كالمعدومة وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الْأَجْزَاء
الْمَوْجُودَة لَدَى العقد تتحلل وتتجدد جَمِيعًا وَيبعد كل
الْبعد أَن يُقَال ورد النِّكَاح على شعورها وكل شَعْرَة
نَبتَت بعد النِّكَاح يتَعَلَّق بهَا نِكَاح حَتَّى تتجدد فِي
كل يَوْم مَنْكُوحَة لم تُوجد حَال العقد
قَالُوا وَعَن هَذَا قضى الشَّرْع بِأَن من أشترى عبدا فَخرج
نصفه مُسْتَحقّا سقط قسطه من الثّمن
(1/283)
وَلَو سَقَطت يَده لم يسْقط قسطه من الثّمن
لِأَن مورد العقد إنسانية العَبْد وَبهَا مُقَابلَة الثّمن
وَذَلِكَ لَا يُنَاسب الْأَعْضَاء الْمعينَة
فَتبين أَن الْأَعْضَاء الْمعينَة كالمعدومة بِالنِّسْبَةِ
إِلَى مورد الْعُقُود وَلَو كَانَ اسْتِيفَاء الْمَقَاصِد من
حَيْثُ الْعقل لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا لضَرُورَة الْوُجُود
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل إِضَافَة الطَّلَاق إِلَى
الْجُزْء الْمعِين فَإِنَّهُ يَصح عندنَا من حَيْثُ إِنَّه
مَحل لحل النِّكَاح فَكَانَ محلا لحل الطَّلَاق
ثمَّ الْمُضَاف إِلَى بعض الْأَجْزَاء يلْحق بالمضاف إِلَى
الْكل إِمَّا سرَايَة أَو عبارَة كَمَا فِي الْجُزْء الْمشَاع
والأعضاء الرئيسية فَكَذَا الْمُضَاف إِلَى سَائِر الْأَجْزَاء
وَعِنْدهم لَا تصح هَذِه الْإِضَافَة لما ذَكرْنَاهُ
وَهَذَا الْخلاف جَار فِي إِضَافَة الْعتْق إِلَى عُضْو معِين
على مَا سبق
(1/284)
مَسْأَلَة 4
وَذهب الْقَدَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة إِلَى أَن قَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان
وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ مُجمل لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ
لتردده بَين نفي الصُّورَة وَالْحكم
وَهَذَا فَاسد فَإِن نفي الصُّورَة لَا يُمكن أَن يكون مرَادا
لما فِيهِ من نِسْبَة كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
الْخلف فَكَانَ المُرَاد رفع حكمه على مَا قَرَّرْنَاهُ فِي
مسَائِل الصَّوْم
(1/285)
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل مسَائِل
مِنْهَا أَن طَلَاق الْمُكْره وعتاقه وَبيعه وإجارته ونكاحه
ورجعته وَغَيرهَا من التَّصَرُّفَات لَا يَصح عندنَا لِأَن رفع
حكم الْإِكْرَاه إِنَّمَا يكون بانعدام الحكم الْمُتَعَلّق
بِهِ كوقوع الطَّلَاق وَالْعتاق وَصِحَّة البيع وَالنِّكَاح
أما وجوب الْقصاص بقتْله فيستثنى من عُمُوم الصِّيغَة
تَعْظِيمًا لأمر الدَّم فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى استباحته
لخاصة حرمته
كَمَا شرع قتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ مُسْتَثْنى عَن
قَاعِدَة الْقيَاس وَلِهَذَا لم نحكم بارتفاع الْإِثْم مَعَ
أَن الصِّيغَة تنفيه بِحكم الْوَضع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض التَّصَرُّفَات تَنْقَسِم إِلَى
لَازِمَة لَا تقبل الرَّد وَلَا يشْتَرط فِيهَا الرِّضَا
كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَالنِّكَاح فَيصح مِنْهُ وَيلْزم
(1/286)
والى جَائِزَة تقبل الرَّد وَيشْتَرط
فِيهَا الرِّضَا كَالْبيع وَالْهِبَة وَالْإِجَارَة فَتَصِح
مِنْهُ وَلَا تلْزم
وَرُبمَا قَالُوا تَنْعَقِد وَلَا تلْزم بِنَاء على أَن
الرِّضَا فِي الْعُقُود من بَاب الشُّرُوط وَفَسَاد الشَّرْط
عِنْده يُوجب فَسَاد الْوَصْف دون الأَصْل على مَا
قَرَّرْنَاهُ فِي مَسْأَلَة البيع الْفَاسِد
(1/287)
مَسْأَلَة 5
كلمة حَتَّى للغاية فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تنْكح زوجا
غَيره} عِنْد الشَّافِعِي رض تَقول سرت حَتَّى أتيت الْبَصْرَة
وَمَعْنَاهَا عِنْده تأقيت التَّحْرِيم الثَّابِت بِالطَّلَاق
الثَّلَاث وانتهاؤه بِوَطْء الزَّوْج الثَّانِي
وَاحْتج فِي ذَلِك أَن الْمَرْأَة خلقت محللة من كَونهَا من
بَنَات آدم وَتَحْرِيم نِكَاحهَا بِالطَّلَاق عَارض فَإِذا
أنْتَهى التَّحْرِيم الْعَارِض بِوَطْء الزَّوْج الثَّانِي حلت
بِالْمَعْنَى الأول لَا بِالزَّوْجِ الثَّانِي كمنافع المَال
عِنْد انْقِضَاء مُدَّة الْإِجَارَة فَإِنَّهَا تصير للْمَالِك
بِالْمَعْنَى الأول لَا بِانْقِضَاء الْمدَّة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رض هِيَ للرفع وَالْقطع كَمَا فِي قَوْله
(1/288)
تَعَالَى {وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل
حَتَّى تغتسلوا} حَتَّى تَرفعُوا الْجَنَابَة عبر عَن
ارْتِفَاع الْجَنَابَة بالاغتسال بِكَلِمَة حَتَّى
وأحتج فِي ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله
الْمُحَلّل والمحلل لَهُ // رَوَاهُ الامام احْمَد فِي مُسْنده
سمى الزَّوْج الثَّانِي محللا والمحلل من يثبت حلا فِي
الْمُحَلّل وينشئه كَمَا أَن المسود من يثبت السوَاد فِي
الْمحل والمبيض من يثبت الْبيَاض
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
مَسْأَلَة الْهدم وَهِي مَا إِذا طلق امْرَأَته طَلْقَة أَو
طَلْقَتَيْنِ فنكحت زوجا آخر ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِنِكَاح
جَدِيد فَإِنَّهُ لَا يملك عَلَيْهَا
(1/289)
إِلَّا بَقِيَّة الطَّلَاق عندنَا لِأَن
وَطْء الزَّوْج الثَّانِي شرع إِمَارَة على انْتِهَاء تَحْرِيم
العقد
وَإِنَّمَا يعقل الإنتهاء بعد ثُبُوت المنتهي وَهُوَ
التَّحْرِيم فَإِذا لم يثبت لم يعقل انْتِهَاء والطلقة
الْوَاحِدَة والطلقات لَا توجب تَحْرِيم العقد حَتَّى نحتاج
إِلَى وَطْء مُنْتَهى عِنْده فَكَانَ الْوَطْء مُسْتَغْنى
عَنهُ فِي هَذِه الْحَالة
وَعِنْدهم وَطْء الزَّوْج الثَّانِي يهدم مَا سبق من الطَّلَاق
وَيَرْفَعهُ لِأَنَّهُ إِذا رفع أثر الطَّلَاق الثَّلَاث
فَلِأَن يرفع أثر الْوَاحِدَة والاثنتين كَانَ أولى
(1/290)
مَسْأَلَة 6
ذهب الشَّافِعِي رض إِلَى أَن الْحل الثَّابِت بِالنِّكَاحِ
فِي حق الْأمة كالحل الثَّابِت فِي حق الْحرَّة
وأحتج فِي ذَلِك أَن الزَّوْج يسْتَحق من زَوجته الْأمة مَا
يسْتَحقّهُ من زَوجته الْحرَّة غير أَن حَقه فِيهَا قد يكون
مزحوما بِحَق السَّيِّد وَلَو ترك السَّيِّد حَقه من الْخدمَة
تسلط الزَّوْج بِحكم النِّكَاح على زَوجته الْأمة تسلطه على
زَوجته الْحرَّة فَهِيَ بِمَثَابَة الْحرَّة المحبوسة فِي حق
إِذا نَكَحَهَا ناكح
ومعتقد أبي حنيفَة رض أَن الْحل الثَّابِت بِالنِّكَاحِ فِي حق
الْأمة دون الْحل الثَّابِت فِي حق الْحرَّة
وأحتج فِي ذَلِك بأمرين
أَحدهمَا أَن حق السَّيِّد فِيهَا مقدم على حق الزَّوْج
فَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمهَا إِلَى الزَّوْج فِي زمَان
الِانْتِفَاع والاستخدام
الثَّانِي أَن أمد الرّجْعَة نَاقص فِيهَا بِسَبَب نُقْصَان
عدتهَا
وَيتَفَرَّع عَن هَذَا الأَصْل
(1/291)
مَسْأَلَة وَهِي أَن طَلَاق الْأمة
كَطَلَاق الْحرَّة عندنَا إِذا كَانَ الزَّوْج حرا من حَيْثُ
أَن النِّكَاح اقْتضى لزوج الْأمة مَا اقْتَضَاهُ لزوج
الْحرَّة
وَعِنْدهم تطلق الْأمة طَلْقَتَيْنِ سَوَاء أَكَانَ الزَّوْج
حرا أم عبدا لنُقْصَان حق الزَّوْج فِيهَا على مَا سبق
(1/292)
|