شرح مختصر الروضة الشَّرْطُ
الشَّرْطُ: مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ
عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ ; فَيُسَاوِي مَا سَبَقَ
عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنَ الْمُخَصِّصَاتِ
كَالِاسْتِثْنَاءِ، وَتَأْثِيرُهُ إِذَا دَخَلَ عَلَى
السَّبَبِ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِهِ حَتَّى يُوجَدَ، لَا فِي
مَنْعِ السَّبَبِيَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَنَحْوُهُ
الْغَايَةُ، نَحْوُ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [الْبَقَرَةِ: 222] ،
{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [الْبَقَرَةِ: 230] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْلُهُ: «الشَّرْطُ: مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ
الْمُؤَثِّرِ، عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ» .
هَذَا الثَّانِي مِنْ مُخَصِّصَاتِ الْعُمُومِ الْمُتَّصِلَةِ،
وَهُوَ الشَّرْطُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحْكَامَ
الشَّرْعِيَّةَ لَهَا عِلَلٌ، وَهِيَ أَسْبَابُهَا
الْمُؤَثِّرَةُ فِي وُجُودِهَا شَرْعًا، أَيِ: الْمُعَرِّفَةُ
لَهَا شَرْعًا، وَشُرُوطٌ يَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ الْعِلَلِ فِي
الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا، كَالزِّنَى هُوَ عِلَّةُ الرَّجْمِ،
وَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُهُ فِي إِيجَابِ الرَّجْمِ عَلَى
الْإِحْصَانِ، وَكَالنِّصَابِ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ
الزَّكَاةِ، وَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُهُ فِي إِيجَابِهَا عَلَى
تَمَامِ الْحَوْلِ، وَكَالْقَتْلِ هُوَ عِلَّةُ الْقِصَاصِ،
وَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُهُ فِي إِيجَابِهِ عَلَى وُجُودِ
الْمُكَافَأَةِ، وَانْتِفَاءِ الْأُبُوَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَصَحَّ حِينَئِذٍ قَوْلُنَا: «الشَّرْطُ مَا تَوَقَّفَ
عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ» ، يَعْنِي الْعِلَّةَ، أَيِ:
الشَّرْطُ: مَا لَا تُؤَثِّرُ الْعِلَّةُ فِي وُجُودِ
الْحُكْمِ، إِلَّا بَعْدَ حُصُولِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: «عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ»
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ هَاهُنَا،
وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» ظَنًّا أَنَّ
سَبَبَ الْحُكْمِ غَيْرُ عِلَّتِهِ وَشَرْطِهِ ; فَوَقَعَ
الِاحْتِرَازُ
(2/625)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِقَوْلِهِ: «عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ» عَنِ
السَّبَبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ قَدْ سَبَقَ أَنَّ
الْعِلَّةَ هِيَ السَّبَبُ ; فَصَارَ قَوْلُنَا: «مَا
تَوَقَّفَ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ» ، كَافِيًا فِي
تَعْرِيفِ الشَّرْطِ، اللَّهُمَّ إِلَّا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ
أَنَّ السَّبَبَ مَا حَصَلَ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لَا بِهِ،
فَإِنْ تَصَوَّرَ لَنَا حُكْمٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلَّةِ
الْمُؤَثِّرَةِ، وَالشَّرْطُ الَّذِي يَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُهَا
عَلَيْهِ، وَالسَّبَبُ الَّذِي يُوجَدُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لَا
بِهِ ; كَانَ قَوْلُنَا: «عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ»
، احْتِرَازًا عَنِ السَّبَبِ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ، وَإِنْ
تَوَقَّفَ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْعِلَّةِ، لَكِنْ لَا عَلَى
جِهَةِ تَوَقُّفِهِ عَلَى السَّبَبِ الْمَذْكُورِ، مَعَ أَنَّ
هَذَا لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ.
- قَوْلُهُ: «فَيُسَاوِي مَا سَبَقَ» ، أَيْ: فَيُسَاوِي هَذَا
التَّعْرِيفُ لِلشَّرْطِ مَا سَبَقَ مِنْ تَعْرِيفِهِ «عِنْدَ
الْكَلَامِ عَلَيْهِ» فِي خِطَابِ الْوَضْعِ، وَهُوَ
قَوْلُنَا: الشَّرْطُ مَا لَزِمَ مِنَ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ
أَمْرٍ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ ; لِأَنَّ مَا
لَزِمَ مِنَ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ أَمْرٍ، تَوَقَّفَ
وُجُودُ ذَلِكَ الْأَمْرِ عَلَى وُجُودِهِ، كَالْإِحْصَانِ ;
لَمَّا لَزِمَ مِنَ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الرَّجْمِ،
تَوَقَّفَ وُجُودُ الرَّجْمِ عَلَى وُجُودِهِ، وَهَاهُنَا
وَجَبَ قَوْلُنَا: عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ ;
لِأَنَّا لَمْ نَتَعَرَّضْ فِيهِ لِذِكْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي
هِيَ السَّبَبُ ; فَاحْتَجْنَا أَنْ نَحْتَرِزَ عَنْهَا ;
لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَائِهَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ،
لَكِنْ لَا عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي
الشَّرْطِ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي وُجُودِ
الْحُكْمِ ; فَانْتِفَاؤُهُ لِانْتِفَاءِ تَأْثِيرِهَا فِي
وُجُودِهِ، وَالشَّرْطُ لَيْسَ مُؤَثِّرًا فِي وُجُودِ
الْحُكْمِ، بَلْ هُوَ مُصَحِّحٌ لِتَأْثِيرِ الْمُؤَثِّرِ ;
فَوَجَبَ الِاحْتِرَازُ فِي حَدِّ الشَّرْطِ عَنِ السَّبَبِ
بِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ قَوْلِنَا هَاهُنَا: مَا تَوَقَّفَ
عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ، فَإِنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ
الْعِلَّةُ، وَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي هَذَا الْحَدِّ، حَتَّى
يُحْتَرَزَ عَنْهَا بِقَوْلِنَا: عَلَى غَيْرِ جِهَةِ
السَّبَبِيَّةِ ; لِأَنَّهَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا
تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ، بَلْ هِيَ الْمُؤَثِّرُ نَفْسُهُ.
وَحِينَئِذٍ قَوْلُنَا هَاهُنَا: مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ
تَأْثِيرُ
(2/626)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُؤَثِّرِ، هُوَ الْمُسَاوِي لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِنَا
قَبْلُ: مَا لَزِمَ مِنَ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ أَمْرٍ،
عَلَى غَيْرِ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ، وَقَوْلُنَا ذَلِكَ
هَاهُنَا لَاغٍ ; فَاعْلَمْ ذَلِكَ.
- قَوْلُهُ: «وَهُوَ» يَعْنِي الشَّرْطَ، مِنَ
«الْمُخَصِّصَاتِ» لِلْعُمُومِ، «كَالِاسْتِثْنَاءِ» . قَدْ
سَبَقَ دَلِيلُ هَذَا وَمِثَالُهُ.
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ
يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النِّسَاءِ: 101] ;
فَأَجَازَ قَصْرَ الصَّلَاةِ بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ.
وَالْآخَرُ: خَوْفُ فِتْنَةِ الْكُفَّارِ.
فَنَسَخَ اعْتِبَارَ الشَّرْطِ الثَّانِي بِالرُّخْصَةِ،
حَتَّى جَازَ الْقَصْرُ مَعَ الْأَمْنِ، بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ، وَبَقِيَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ
الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ ; فَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ بِدُونِهِ.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ
يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النُّورِ:
33] ، فَمَشْرُوعِيَّةُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ، اسْتِحْبَابًا،
أَوْ وُجُوبًا، عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ
يُعْلَمَ مِنْهُ صَلَاحٌ. وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
- قَوْلُهُ: «وَتَأْثِيرُهُ إِذَا دَخَلَ عَلَى السَّبَبِ: فِي
تَأْخِيرِ حُكْمِهِ حَتَّى يُوجَدَ، لَا
(2/627)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِي مَنْعِ السَّبَبِيَّةِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ» .
مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ الشَّرْطَ إِذَا دَخَلَ عَلَى
السَّبَبِ، لَمْ يَمْنَعْ مِنَ انْعِقَادِ السَّبَبِ، بَلْ
تَأْثِيرُهُ فِي تَأْخِيرِ حُكْمِ السَّبَبِ، حَتَّى يُوجَدَ،
يَعْنِي الشَّرْطَ.
مِثَالُهُ: إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إِلَى
ثَلَاثٍ ; فَالْبَيْعُ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَدُخُولُ شَرْطِ
الْخِيَارِ عَلَيْهِ لَا يَقْدَحُ فِي سَبَبِيَّتِهِ عِنْدَنَا
; فَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، لَكِنْ
يَتَأَخَّرُ حُكْمُ الْبَيْعِ، وَهُوَ لُزُومُ الْمِلْكِ
وَاسْتِقْرَارُهُ، حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ، بِانْقِضَاءِ
مُدَّةِ الْخِيَارِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: خِيَارُ الشَّرْطِ مَانِعٌ مِنَ
انْعِقَادِ الْبَيْعِ سَبَبًا نَاقِلًا لِلْمِلْكِ
بِالْجُمْلَةِ، عَلَى تَفْصِيلٍ لَهُمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا
يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. وَهَذَا مَعْنَى
مَا حَكَاهُ الزَّنْجَانِيُّ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ.
وَمِثَالُهُ عَلَى مَا أَحْسَبُ: - وَقَدْ بَعُدَ عَهْدِي بِهِ
- وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوَهُ أَبُو بَكْرٍ
السَّمَرْقَنْدِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فِي كِتَابِ
«الْمِيزَانِ» فَقَالَ: وَقِرَانُ الشَّرْطِ بِالْأَمْرِ،
أَثَرُهُ مَعَ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ، إِلَى أَنْ يُوجَدَ
الشَّرْطُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الْخَصْمِ، أَثَرُهُ تَأْخِيرُ
الْحُكْمِ عَنِ السَّبَبِ، مَعَ انْعِقَادِهِ شَرْعًا. |