غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر كِتَابُ الْوَقْفِ 1 - وَلَوْ وَقَفَ عَلَى
الْمَصَالِحِ فَهِيَ لِلْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ وَالْقَيِّمِ
وَشِرَاءِ الدُّهْنِ وَالْحَصِيرِ. 2 - وَالْمَرَاوِحُ كَذَا
فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ.
3 - كُلُّ مَنْ بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
[كِتَابُ الْوَقْفِ]
قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْمَصَالِحِ فَهِيَ
لِلْإِمَامِ إلَخْ أَيْ الْإِمَامِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ
فَيُجْعَلُ الْعَطْفُ سَابِقًا عَلَى الرَّبْطِ حَتَّى يَصِحَّ
الْإِخْبَارُ ثُمَّ مَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْحَصِيرِ لَيْسَ فِي
كَلَامِ ابْنِ وَهْبَانَ فَإِنَّهُ قَالَ:
وَيَدْخُلُ فِي وَقْفِ الْمَصَالِحِ قَيِّمٌ ... إمَّا خَطِيبٌ
وَالْمُؤَذِّنُ يَعْبُرُ
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ
الْمَسْأَلَةَ مِنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: وَهِيَ مِنْ
الْغَرَائِبِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا هَذَا الْكِتَابُ وَلَمْ
أَرَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي غَيْرِهِ بَعْدَ تَطَلُّبٍ كَثِيرٍ
جِدًّا، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْخَطِيبَ فِيهِمْ، وَلَا
شَكَّ أَنَّهُ فِي الْجَامِعِ نَظِيرُ مَنْ ذَكَرَ فِي
الْمَسْجِدِ وَقَدْ عَدَّ غَيْرَ هَذَا مِنْ الْمَصَالِحِ (2)
قَوْلُهُ: وَالْمَرَاوِحُ إلَخْ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ
وَهْبَانَ الْمَرَاوِحَ بَلْ كَلَامُهُ فِي شَرْحِهِ صَرِيحٌ
فِي خِلَافِهِ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ صَرَّحَ بِعَدَمِ كَوْنِهَا مِنْ
الْمَصَالِحِ فَمَا ذَكَرَهُ هُنَا خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ دُونَ
الْمَرَاوِحِ قَالَ الْحَاوِي: الْحَصِيرُ وَالزَّيْتُ مِنْ
الْمَصَالِحِ دُونَ الْمَرَاوِحِ
(3) قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْ بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ
بِأَمْرِهِ فَهُوَ لِمَالِكِهَا قِيلَ: هَذَا إذَا أَطْلَقَ
أَوْ عَيَّنَهُ لِلْمَالِكِ، فَلَوْ عَيَّنَهُ لِنَفْسِهِ
فَهُوَ لَهُ وَيَكُونُ مُسْتَعِيرًا لِلْأَرْضِ فَيُكَلِّفُهُ
قَلْعَهُ مَتَى شَاءَ، فَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ فِي
الْمُشْتَرَكِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَيَرْجِعُ
بِمَا أَنْفَقَ إذَا أَطْلَقَ أَوْ عَيَّنَاهُ لِلشَّرِكَةِ
وَإِنْ عَيَّنَاهُ لِلِبَانِي فَهُوَ لَهُ وَيُجْعَلُ
مُسْتَعِيرًا لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ فِي الْأَرْضِ، وَمَتَى
شَاءَ كَلَّفَهُ الْقَلْعَ إلَّا إذَا طَلَبَا الْقِسْمَةَ
أَوْ طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُقَسِّمُهُ، فَإِنْ
وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي حِصَّةِ الْبَانِي فِيهَا وَإِلَّا
فَإِنْ وَقَعَ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ يُرْفَعُ وَإِنْ وَقَعَ
بَعْضُهُ فِي حَظِّهِ وَبَعْضُهُ فِي حَظِّ
(2/220)
فَالْبِنَاءُ لِمَالِكِهَا، وَلَوْ بَنَى
لِنَفْسِهِ بِلَا أَمْرِهِ فَهُوَ لَهُ، وَلَهُ رَفْعُهُ إلَّا
أَنْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ
وَأَمَّا الْبِنَاءُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ؛ فَإِنْ كَانَ
الْبَانِي الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ، 5 - فَإِنْ كَانَ بِمَالِ
الْوَقْفِ 6 - فَهُوَ وَقْفٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ
لِلْوَقْفِ أَوْ أَطْلَقَ فَهُوَ وَقْفٌ، 7 - وَإِنْ كَانَ
لِنَفْسِهِ فَهُوَ لَهُ، 8 - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
الْآخَرِ فَمَا وَقَعَ فِي حَظِّهِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا
وَقَعَ فِي حَظِّ غَيْرِهِ يُرْفَعُ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ
الْقِسْمَةِ: بَنَى أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ
فَطَلَبَ رَفْعَ بِنَائِهِ قُسِّمَ، فَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ
الْبَانِي فِيهَا وَإِلَّا هُدِمَ وَإِنْ بَنَى لِغَيْرِهِ
وَلِغَيْرِ الْمَالِكِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا بَنَاهُ
لِنَفْسِهِ مِنْ وُجُوبِ الرَّفْعِ إذَا طَلَبَهُ الْمَالِكُ
وَقَدْ اسْتَنْبَطَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مِنْ كَلَامِهِمْ
وَلَمْ أَرَ هَذَا الِاسْتِقْصَاءَ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا
وَإِنْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ فَاغْتَنَمْته.
(4) قَوْلُهُ: فَالْبِنَاءُ لِمَالِكِهَا إلَخْ أَيْ
الْأَرْضُ. سَكَتَ عَنْ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَمْرِ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا بَنَى فِي
الْوَقْفِ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي.
(5) قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ بِمَالِ الْوَقْفِ أَيْ
الْمُتَوَلِّي بَنَى مِنْ مَالِ الْوَقْفِ.
(6) قَوْلُهُ: فَهُوَ وَقْفٌ إلَخْ. قِيلَ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ
مُطْلَقٌ، سَوَاءٌ بَنَاهُ لِلْوَقْفِ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ
عَيَّنَهُ لِنَفْسِهِ إذْ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَبْنِيَ
لِنَفْسِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ بِمَالِ الْوَقْفِ فَيَقَعُ
لِلْوَقْفِ وَإِنْ عَيَّنَهُ لِنَفْسِهِ (انْتَهَى) .
وَفِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنَّفِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا
يَمْلِكُهُ " مَا نَصُّهُ: لَوْ بَنَى الْمُتَوَلِّي فِي
عَرْصَةِ الْوَقْفِ عَنْ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِهِ
لِلْوَقْفِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا كَانَ وَقْفًا
بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ بَنَاهُ
لِنَفْسِهِ كَانَ مِلْكًا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُتَوَلِّيًا
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ
قَوْلَ النَّاسِ: الْعِمَارَةُ فِي الْوَقْفِ وَقْفٌ لَيْسَ
عَلَى إطْلَاقِهِ.
(7) قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ أَيْ وَأَشْهَدَ
أَنَّهُ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الْمُجْتَبَى.
(8) قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا إلَخْ قِيلَ:
هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ بِمَالِ الْبَانِي بَقِيَ مَا إذَا
كَانَ بِمَالِ الْوَقْفِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، وَإِذَا
بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ ثُمَّ مَضَتْ الْمُدَّةُ يَبْقَى
بِأَجْرِ
(2/221)
فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي
لِيَرْجِعَ بِهِ فَهُوَ وَقْفٌ وَإِلَّا فَإِنْ بَنَى
لِلْوَقْفِ فَهُوَ وَقْفٌ، وَإِنْ بَنَى لِنَفْسِهِ أَوْ
أَطْلَقَ لَهُ رَفْعُهُ لَوْ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ أَضَرَّ
فَهُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ 10 - فَلْيَتَرَبَّصْ إلَى
خَلَاصِهِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ؛ 11 - لِلنَّاظِرِ
تَمَلُّكُهُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ لِلْوَقْفِ مَنْزُوعًا
وَغَيْرَ مَنْزُوعٍ بِمَالِ الْوَقْفِ
النَّاظِرُ إذَا أَجَّرَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا
تَنْفَسِخُ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ
وَكَانَ جَمِيعُ الرِّيعِ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
الْمِثْلِ وَلَا يُقْلَعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي
شَرْحِ الْكَنْزِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ
يَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ. عَنْ الْقُنْيَةِ قَالَ: وَعَنْ
الْخَصَّافِ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ
عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي
الْمَتْنِ فَإِنْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَمَرَهُ الْحَاكِمُ
(انْتَهَى) .
(9) قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي لِيَرْجِعَ
إلَخْ قِيلَ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ لِيَرْجِعَ اشْتِرَاطُ
الرُّجُوعِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ
الْأَبْصَارِ، نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ، قَالَ الْقَيِّمُ
أَوْ الْمَالِكُ لِمُسْتَأْجَرِهَا: أَذِنْت لَك فِي
عِمَارَتِهَا فَعَمَرَهَا بِإِذْنِهِ رَجَعَ عَلَى الْقَيِّمِ
أَوْ الْمَالِكِ وَهَذَا إذَا كَانَ تَرْجِعُ مُعْظَمُ
مَنْفَعَتِهِ إلَى الْمَالِكِ أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى
الْمُسْتَأْجِرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالدَّارِ كَالْبَالُوعَةِ
أَوْ شَغَلَ بَعْضَهَا كَالتَّنُّورِ فَلَا، مَا لَمْ
يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ (انْتَهَى) .
فَعَلِمَ بِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْقَيِّمِ بِلَا شَرْطِ
الرُّجُوعِ إلَّا فِي كُلِّ شَيْءٍ يَرْجِعُ مُعْظَمُ
مَنْفَعَتِهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ
بِنَاءَ الْأَجْنَبِيِّ بِإِذْنِ النَّاظِرِ كَبِنَاءِ
النَّاظِرِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ
فَهُوَ وَقْفٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ لِلْوَقْفِ أَوْ
أَطْلَقَ فَهُوَ وَقْفٌ وَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ لَهُ
إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْوَقْفِ،
وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ نَظَرٌ، سَوَاءٌ أَطْلَقَ النَّاظِرُ
أَمْ قَيَّدَ بِأَنْ قَالَ لَهُ مِنْ الْوَقْفِ وَعَيَّنَهُ
لِنَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ. وَلَمْ أَرَ هَذَا الِاسْتِقْصَاءَ
لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا فَاغْتَنِمْهُ.
(10) قَوْلُهُ: فَلْيَتَرَبَّصْ إلَى خَلَاصِهِ إلَخْ. قِيلَ:
وَإِذَا تَرَبَّصَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ عَلَى
اخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
(11) قَوْلُهُ: لِلنَّاظِرِ تَمَلُّكُهُ إلَخْ هَلْ ذَلِكَ
يَكُونُ جَبْرًا أَمْ بِرِضَاءِ الْبَانِي؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ لَا
يَتَمَلَّكُهَا الْمُؤَجِّرُ جَبْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ
إلَّا إذَا كَانَتْ
(2/222)
فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ، كَمَا
حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ مَعْزِيًّا إلَى عِدَّةِ كُتُبٍ، 13
- وَلَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُتُونِ يُخَالِفُهُ.
14 - الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ لَا تَجُوزُ إلَّا إذَا
اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ كَتَعْمِيرٍ
وَشِرَاءِ بَذْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا
تَنْقُصُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَائِهِ (انْتَهَى) .
فَصَرِيحُهُ الْجَبْرُ عِنْدَ النَّقْصِ لَكِنْ فِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ مَا يُخَالِفُهُ ظَاهِرًا فَإِنَّهُ قَالَ
وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ لِلْوَقْفِ
بِثَمَنٍ لَا يُجَاوِزُ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ مَنْزُوعًا
أَوْ مَبْنِيًّا فِيهِ صَحَّ (انْتَهَى) .
فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يُفْهِمُ اشْتِرَاطَ الرِّضَاءِ إذْ
الصُّلْحُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رِضًى، فَإِمَّا أَنْ
يُفَرَّقَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ وَلَا وَجْهَ لَهُ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى
الْوُقُوعِ الِاتِّفَاقِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي الْبَحْرِ
عَنْ الْقُنْيَةِ بَنَى فِي الدَّارِ الْمَسْأَلَةَ بِغَيْرِ
إذْنِ الْقَيِّمِ وَنَزَعَ الْبِنَاءَ مِمَّا يَضُرُّ
بِالْأَرْضِ يُجْبَرُ الْقَيِّمُ عَلَى دَفْعِ قِيمَتِهِ
لِلِبَانِي
(12) قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ كَمَا
حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ إلَخْ قِيلَ عَلَيْهِ: هَذَا
مُخَالِفٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ، وَنَصُّ
جَوَابِهِ: لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْمُؤَجِّرِ
وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ بِانْفِرَادِهِ؛ لَكِنْ فِي
الْيَتِيمَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ
الْإِجَارَةِ: وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ رَجُلٍ فِي يَدِهِ
أَرْضٌ وَقْفٌ عَلَيْهِ مَا عَاشَ وَبَعْدَهُ عَلَى زَيْدٍ
فَأَجَّرَهَا عَشْرَ سِنِينَ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَعَاشَ
خَمْسَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ هَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ
يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ مِنْ غَيْر أَنْ يَضْمَنَ لَهُ مَا
أَدَّى؟ فَقَالَ: انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَيَسْتَرِدُّ
الدَّارَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَرْجِعُ
الْمُسْتَأْجِرُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي
تَرِكَةِ الْآخَرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ فَهُوَ
خَسْرَانُ لِحَقِّهِ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَابْتَلَاهُ
بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى كَوْنِ
إجَارَةِ الْوَقْفِ عَشْرَ سِنِينَ لَا تَجُوزُ فَتَنْتَقِضُ
بِالْمَوْتِ لِكَوْنِهَا وَقَعَتْ مِنْ أَصْلِهَا غَيْرَ
صَحِيحَةٍ.
(13) قَوْلُهُ: وَلَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُتُونِ يُخَالِفُهُ
قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قَارِئَ الْهِدَايَةِ أَفْتَى بِمَا
يُوَافِقُ إطْلَاقَ الْمُتُونِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ:
فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ.
(14) قَوْلُهُ: الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ لَا تَجُوزُ
إلَخْ وَفِي الْخَانِيَّةِ تَفْسِيرُ الِاسْتِدَانَةِ أَنْ
(2/223)
فَتَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ إذْنُ
الْقَاضِي الثَّانِي: أَنْ لَا يَتَيَسَّرَ إجَارَةُ الْعَيْنِ
وَالصَّرْفُ مِنْ أُجْرَتِهَا، كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ
وَهْبَانَ وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ الصَّرْفُ عَلَى
الْمُسْتَحَقِّينَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالِاسْتِدَانَةُ
الْقَرْضُ وَالشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
يَشْتَرِيَ لِلْوَقْفِ شَيْئًا وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ
غَلَّاتِ الْوَقْفِ شَيْءٌ لِيَرْجِعَ بِهِ فِيمَا يَحْدُثُ
مِنْ غَلَّاتٍ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّاتِ
الْوَقْفِ فَاشْتَرَى لِلْوَقْفِ شَيْئًا وَنَقَدَ الثَّمَنَ
مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي
غَلَّةِ الْوَقْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِ
الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ
مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ
عَلَى الْمُوَكِّلِ (انْتَهَى) .
وَلَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَيِّمِ خَرَاجَ الْوَقْفِ
وَالْجِنَايَةِ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّتِهِ،
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ
أَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ جَازَ وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ فِي
مَالِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ فِي غَلَّتِهِ وَقَالَ الْفَقِيهُ
أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا اسْتَقْبَلَهُ
أَمْرٌ وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ الِاسْتِدَانَةِ يَنْبَغِي
لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ ثُمَّ يَرْجِعَ فِي
غَلَّةِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ
الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْوَقْفِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّ
الْقَيِّمَ لَوْ اسْتَدَانَ شَيْئًا لِيَجْعَلَهُ فِي ثَمَنِ
الْبَذْرِ لِلزِّرَاعَةِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، إنْ كَانَ
بِإِذْنِ الْقَاضِي جَازَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَتَفْسِيرُ
الِاسْتِدَانَةِ بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ
يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ
فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْهَا اشْتَرَى شَيْئًا لِلْوَقْفِ
وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ
بِذَلِكَ فِي غَلَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ
الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ
مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى
الْمُوَكِّلِ (انْتَهَى) .
وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ
الْوَقْفِ: قَيِّمُ الْوَقْفِ إذَا أَدْخَلَ جِذْعًا فِي دَارِ
الْوَقْفِ لِيَرْفَعَ مِنْ غَلَّتِهَا لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ
الْوَصِيَّ لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْيَتِيمِ
لِيَرْجِعَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، فَكَذَا
الْقَيِّمُ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَبِيعَ الْجِذْعَ عَنْ آخِرٍ
ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ لِأَجْلِ الْوَقْفِ ثُمَّ يُدْخِلَهُ دَارَ
الْوَقْفِ.
(15) قَوْلُهُ: فَتَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ إلَخْ. فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ: قَيِّمُ الْوَقْفِ طُلِبَ مِنْهُ
الْخَرَاجُ وَالْجِبَايَاتُ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ
الْوَقْفِ شَيْءٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَدِينَ، فَهَذَا عَلَى
وَجْهَيْنِ: إنْ أَمَرَ الْوَاقِفُ إلَيْهِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ
يَأْمُرْ بِالِاسْتِدَانَةِ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ
مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ بُدٌّ يَرْفَعُ
الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَهُ
(2/224)
وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ
يَشْتَرِيَ مَتَاعًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتُهُ، أَوْ
يَبِيعَهُ وَيَصْرِفَهُ عَلَى الْعِمَارَةِ وَيَكُونُ
الرِّبْحُ عَلَى الْوَقْفِ؟ الْجَوَابُ: نَعَمْ كَمَا
حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ.
17 - لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى شَيْءٍ وُجُودُ
ذَلِكَ الشَّيْءِ وَقْتَهُ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ
زَيْدٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ صَحَّ، وَتُصْرَفُ الْغَلَّةُ إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
بِالِاسْتِدَانَةِ ثُمَّ يَرْفَعَ مِنْ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ
لِلْقَاضِي هَذِهِ الْوِلَايَةَ (انْتَهَى) .
وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَنَّ الْأَصَحَّ قَوْلُ أَبِي اللَّيْثِ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَالْأَحْوَطُ
فِيمَا إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ لِلِاسْتِدَانَةِ أَنْ
تَكُونَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ
أَعَمُّ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وِلَايَتِهِ إلَّا
أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْ الْحَاكِمِ، وَلَا يُمْكِنُهُ
الْحُضُورُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَدِينَ بِنَفْسِهِ،
وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ غَلَّةٌ
فَأَمَّا إذَا كَانَتْ وَفَرَّقَهَا الْقَيِّمُ عَلَى
الْمَسَاكِينِ وَلَمْ يُمْسِكْ لِلْخَرَاجِ شَيْئًا فَإِنَّهُ
يَضْمَنُ حِصَّةَ الْخَرَاجِ كَمَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ
(16) قَوْلُهُ: وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي إلَخْ أَقُولُ:
قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قَالَ الْبُصَرَاءُ: لِلْقَيِّمِ إنْ
لَمْ يَهْدِمْ الْمَسْجِدَ الْعَامَّ يَكُونُ ضَرَرُهُ فِي
الْقَابِلِ أَعْظَمُ، فَلَهُ هَدْمُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ بَعْضُ
أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَيْسَ لَهُ التَّأْخِيرُ إذَا
أَمْكَنَهُ الْعِمَارَةُ، فَلَوْ هَدَمَهُ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ
غَلَّةٌ لِلْعِمَارَةِ فِي الْحَالِ فَاسْتَقْرَضَ عَشْرَةً
بِثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي سَنَةٍ، وَاشْتَرَى مِنْ الْمُقْرِضِ
شَيْئًا يَسِيرًا بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ يَرْجِعُ فِي
غَلَّتِهِ بِالْعَشْرَةِ وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ (انْتَهَى) .
قِيلَ: فِيهِ مَا يُشْبِهُ الْمُخَالَفَةَ لِمَا حَرَّرَهُ
ابْنُ وَهْبَانَ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا حَرَّرَهُ ابْنُ
وَهْبَانَ دَاخِلٌ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ
وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ حَيْثُ كَانَ مِمَّا يَفْعَلُهُ
النَّاسُ لِلُزُومِ الْأَجَلِ فِيهِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ
بَيْنَ الْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ الْيَسِيرِ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ
فَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَقْفِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْأَجَلِ
فِي الْقَرْضِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ الَّذِي لِأَجْلِهِ عُقِدَ
الشِّرَاءُ فِي ذَلِكَ الْيَسِيرِ فَتَمَخَّضَ ضَرَرًا عَلَى
الْوَقْفِ إذْ هُوَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مُجَرَّدُ شِرَاءِ
يَسِيرٍ بِثَمَنِ كَثِيرٍ - تَأَمَّلْ - ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ
الْمُتَأَخِّرِينَ جَعَلَ الْكَلَامَيْنِ مُتَخَالِفَيْنِ
وَلَمْ يُجِبْ بِمَا أَجَبْت بِهِ وَقَالَ: فَلْيُتَأَمَّلْ
عِنْدَ الْفَتْوَى.
قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى شَيْءٍ
وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ إلَخْ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ:
أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَفِيهِ: وَجَعَلَ
آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ؛
لِأَنَّهُ مَدَارُ الصِّحَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ وَقْفًا
عَلَى مَعْدُومٍ مَحْضٍ، فَإِنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَعْدُومِ
(2/225)
الْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يُوجَدَ لَهُ
وَلَدٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَدْرَسَةٍ أَوْ
مَسْجِدٍ وَهَيَّأَ مَكَانًا لِبِنَائِهِ قَبْلَ أَنْ
يَبْنِيَهُ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ 18 - أَخْذًا مِنْ
السَّابِقَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
19 - إقَالَةُ النَّاظِرِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ جَائِزَةٌ 20 -
إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: 21 - الْأُولَى: إذَا كَانَ
الْعَاقِدُ نَاظِرًا لِوَقْفٍ قَبْلَهُ، كَمَا فُهِمَ مِنْ
تَعْلِيلِهِمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
لَا يَجُوزُ كَمَا فِي شَرْحِ الْحَدَّادِيِّ وَلِذَلِكَ
يَجُوزُ الْوَقْفُ لَوْ قَالَ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ كَمَا فِي
فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَذَكَرَ
أَنَّهُ يَكُونُ كَمَا قَالَ أَرْضِيٌّ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ
عَلَى الْفُقَرَاءِ إلَّا إنْ حَدَثَ لِي وَلَدٌ فَغَلَّتُهَا
لَهُ مَا بَقِيَ (انْتَهَى) .
فَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى
الْمَعْدُومِ الْمَحْضِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَدَّادِيِّ
(انْتَهَى) .
(18) قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ السَّابِقَةِ أَقُولُ: يُفْهَمُ
مِنْهُ أَنْ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلٌ صَرِيحٌ
وَقَوْلُهُ قِيلَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ أَرَادَهُ يُفِيدُ
أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا صَرِيحًا.
(19) قَوْلُهُ: إقَالَةُ النَّاظِرِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ
إلَخْ. أَيْ عَقْدَ الْإِجَارَةِ الصَّادِرَ مِنْهُ
وَحِينَئِذٍ فَلَا مَوْقِعَ لِاسْتِثْنَاءِ مَا إذَا كَانَ
الْعَاقِدُ نَاظِرًا قَبْلَهُ.
(20) قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إلَخْ بَقِيَ
ثَالِثَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْبَيْعِ وَهِيَ لَوْ آجَرَ
الْوَقْفَ ثُمَّ أَقَالَ وَلَا مَصْلَحَةَ لَمْ يَجُزْ عَلَى
الْوَقْفِ.
(21) قَوْلُهُ: الْأُولَى إذَا كَانَ الْعَاقِدُ نَاظِرًا
قَبْلَهُ كَمَا فُهِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ
أَقُولُ: فِي الْقُنْيَةِ بَاعَ الْقَيِّمُ دَارًا اشْتَرَاهَا
بِمَالِ الْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يُقِيلَ الْبَيْعَ مَعَ
الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ
ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَكَذَا إذَا عُزِلَ وَنُصِبَ غَيْرُهُ،
فَلِلْمَنْصُوبِ إقَالَتُهُ بِلَا خِلَافٍ (انْتَهَى) .
وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا
بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ
وَالْبَيْعِ فَلْيُحَرَّرْ.
(2/226)
الثَّانِيَةُ إذَا كَانَ النَّاظِرُ
يُعَجِّلُ الْأُجْرَةَ، كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَمَشَى
عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ.
. اسْتِبْدَالُ الْوَقْفِ الْعَامِرِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي
مَسَائِلَ: الْأُولَى: لَوْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ. 23 -
الثَّانِيَةُ: إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ، وَأَجْرَى الْمَاءَ
عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ بَحْرًا لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ
فَيُضَمِّنُهُ الْقَيِّمُ الْقِيمَةَ وَيَشْتَرِي بِهَا
أَرْضًا بَدَلًا. 24 - الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْحَدَهُ
الْغَاصِبُ وَلَا بَيِّنَةَ، وَهِيَ فِي الْخَانِيَّةِ
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَرْغَبَ إنْسَانٌ فِيهِ بِبَدَلٍ أَكْثَرَ
غَلَّةً وَأَحْسَنَ وَصْفًا، فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِي
الْهِدَايَةِ.
25 - إجَارَةُ الْوَقْفِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ
لَا تَجُوزُ؛ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَرْغَبُ أَحَدٌ فِي
إجَارَتِهِ إلَّا بِالْأَقَلِّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(22) قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ إذَا كَانَ النَّاظِرُ يُعَجِّلُ
الْأُجْرَةَ كَمَا فِي الْقَيْنَةِ إلَخْ
نَصُّ عِبَارَتِهَا: لِلْقَيِّمِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ
مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ قَبْضِ الْأُجْرَةِ وَيَنْفُذُ
فَسْخُهُ عَلَى الْوَقْفِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا وَلَوْ
أَبْرَأَ الْقَيِّمُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ الْأُجْرَةِ بَعْدَ
تَمَامِ الْمُدَّةِ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ
وَمُحَمَّدٍ وَيَضْمَنُ
(23) قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ وَأَجْرَى
الْمَاءَ عَلَيْهِ إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّ الْوَقْفَ
حِينَئِذٍ يَكُونُ غَامِرًا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَا
عَامِرًا فَلَا يَحْسُنُ نَظْمُهُ فِي سِلْكِ مَا نَحْنُ
فِيهِ.
(24) قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ أَنْ يَجْحَدَهُ الْغَاصِبُ إلَخْ
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: كَيْ لَا يَقَعَ الِاسْتِبْدَالُ
مَعَ جُحُودِ الْغَاصِبِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُمْكِنُ
بِالْحَمْلِ عَلَى أَنْ يُصَالِحَ الْغَاصِبُ النَّاظِرَ عَلَى
مَالٍ صُلْحًا عَلَى إنْكَارٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ
الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِبْدَالُ بِهِ عَنْ الْوَقْفِ
(25) قَوْلُهُ: إجَارَةُ الْوَقْفِ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ
الْمِثْلِ لَا يَجُوزُ إلَخْ أَيْ لَا يَصِحُّ فَلَوْ آجَرَ
النَّاظِرُ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ
تَمَامُ أَجْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ بَعْضِ عُلَمَائِنَا
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْفَتَاوَى
الْكُبْرَى.
(2/227)
وَفِيمَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ يَسِيرًا
27 - شَرْطُ الْوَاقِفِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ لِقَوْلِهِمْ:
شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ أَيْ فِي وُجُوبِ
الْعَمَلِ بِهِ، 28 - وَفِي الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ، 29 -
كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ إلَّا فِي مَسَائِلَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(26) قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ يَسِيرًا
أَقُولُ: الْمُرَادُ بِالنُّقْصَانِ الْيَسِيرِ مَا
يُتَغَابَنُ فِيهِ كَمَا فِي الْإِسْعَافِ
(27) قَوْلُهُ: شَرْطُ الْوَاقِفِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ إلَى
قَوْلِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَخْ أَقُولُ: يُزَادُ عَلَيْهِ
مَسْأَلَةٌ وَهِيَ إذَا نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا
لَا يُشَارِكُ النَّاظِرَ فِي الْكَلَامِ فِي هَذَا الْوَقْفِ
وَرَأْيُ الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ مُشَارِكًا يَجُوزُ
لَهُ ذَلِكَ كَالْوَصِيِّ إذَا ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ حَيْثُ
يَصِحُّ كَذَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ.
(28) قَوْلُهُ: وَفِي الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ قَالَ
بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَعْتَبِرُ
الْمَفْهُومَ فِي نَصِّ الشَّارِعِ يَعْتَبِرُهُ فِي عِبَارَةِ
الْوَاقِفِ، وَمَنْ لَا، فَلَا (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّا لَا نَعْتَبِرُهُ فِي نَصِّ
الْوَاقِفِ، فَأَنَّى يَصِحُّ مَا قَالَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ
لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَفْهُومِ مَا يُفْهَمُ مِنْ
اللَّفْظِ لَا الْمَفْهُومُ الْمُقَابِلُ لِلْمَنْطُوقِ.
(29) قَوْلُهُ: كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ إلَخْ.
حَاصِلُ مَا بَيَّنَهُ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُمْ أَفَادُوا أَنْ
لَيْسَ كُلُّ شَرْطٍ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فَقَالُوا: إنَّ
اشْتِرَاطَ الْوَاقِفِ أَنْ لَا يَعْزِلَ الْقَاضِي النَّاظِرَ
شَرْطٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ
قَوْلَهُمْ: شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ لَيْسَ
عَلَى عُمُومِهِ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ
مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَعْنِي ابْنَ
تَيْمِيَّةَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: نُصُوصُ الْوَاقِفِ
كَنُصُوصِ الشَّارِعِ يَعْنِي فِي الْفَهْمِ وَالدَّلَالَةِ
لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ
وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فَمَا كَانَ مِنْ
عِبَارَةِ الْوَاقِفِ مُحْكَمًا لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا
وَلَا تَأْوِيلًا يُعْمَلُ بِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ
الظَّاهِرِ كَذَلِكَ، وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا لَا يُعْمَلُ
بِهِ وَكَذَا مَا كَانَ مُجْمَلًا وَقَدْ مَاتَ الْوَاقِفُ
فَإِنْ كَانَ حَيًّا يُرْجَعُ إلَى بَيَانِهِ هَذَا مُحَصَّلُ
مَا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ فَانْظُرْ مَا بَيْنَ كَلَامِهِ
فِي الشَّرْحِ وَكَلَامِهِ هُنَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ.
(2/228)
الْأُولَى: شَرَطَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا
يَعْزِلُ النَّاظِرَ فَلَهُ عَزْلُ غَيْرِ الْأَهْلِ.
الثَّانِيَةُ: شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ وَقْفَهُ أَكْثَرَ
مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهِ
سَنَةً أَوْ كَانَ فِي الزِّيَادَةِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ،
فَلِلْقَاضِي الْمُخَالَفَةُ دُونَ النَّاظِرِ. 31 -
الثَّالِثَةُ: لَوْ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ
فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(30) قَوْلُهُ: الْأُولَى شَرَطَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا
يَعْزِلُ النَّاظِرَ إلَخْ إطْلَاقُهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ
هُوَ النَّاظِرُ بِأَنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ
كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ: أَوْ
جَعَلَ الْوِلَايَةَ لَهُ صَحَّ وَيَنْزِعُهُ لَوْ كَانَ
خَائِنًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ
يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، قِيلَ: لَا كَمَا بَيَّنَ
الْأُصُولَ.
(31) قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى
قَبْرِهِ إلَخْ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْقُنْيَةِ وَهُوَ كَمَا
فِي الْبَحْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى
الْقُبُورِ، فَلِذَا بَطَلَ التَّعْيِينُ وَالتَّصْحِيحُ
الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- (انْتَهَى) .
وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: الْوَصِيَّةُ بِالْقِرَاءَةِ
عَلَى قَبْرِهِ بَاطِلَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ
يُعَيِّنْ الْقَارِئَ، أَمَّا إذَا عَيَّنَهُ يَنْبَغِي أَنْ
يَجُوزَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ
الْوَصِيَّةَ بِالْقِرَاءَةِ إنَّمَا بَطَلَتْ لِعَدَمِ
جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ
تَكُونَ صَحِيحَةً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ جَوَازِ
الْإِجَارَةِ عَلَى الطَّاعَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ
عُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ (انْتَهَى) .
وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ نَقْلًا عَنْ
مَآلِ الْفَتَاوَى فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُطَيَّنَ قَبْرُهُ
أَوْ تُضْرَبَ عَلَيْهِ قُبَّةٌ أَوْ يَدَعَ شَيْئًا لِقَارِئٍ
يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ قَالُوا الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ
(انْتَهَى) .
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَكَانَ لَا
يَتَعَيَّنُ وَقَدْ تَمَسَّك بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ
أَهْلِ الْعَصْرِ، وَفِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الِاخْتِيَارِ
عَلَّلَهُ بِأَنَّ أَخْذَ شَيْءٍ لِلْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ؛
لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ فَأَعَادَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى
غَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّ الْمُفْتَى بِهِ جَوَازُ
الْأَخْذِ إلَى الْقِرَاءَةِ فَتَعْيِينُ الْمَكَانِ. قَالَ
بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ
عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
بِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَلِهَذَا بَطَلَ
التَّعْيِينُ. الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ كَمَا
فِي الْخُلَاصَةِ فَيَلْزَمُ التَّعْيِينُ انْتَهَى. فَعُلِمَ
مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَالتَّعْيِينُ
بَاطِلٌ، ضَعِيفٌ ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: فَالتَّعْيِينُ
بَاطِلٌ، أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ وَفِي الْيَتِيمَةِ مَا
يُخَالِفُهُ.
(2/229)
الرَّابِعَةُ: شَرَطَ أَنْ يُتَصَدَّقَ
بِفَاضِلِ الْغَلَّةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي مَسْجِدِ كَذَا
كُلَّ يَوْمٍ لَمْ يُرَاعَ شَرْطُهُ، فَلِلْقَيِّمِ
التَّصَدُّقُ عَلَى سَائِلِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَوْ
خَارِجَ الْمَسْجِدِ، أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَسْأَلُ.
الْخَامِسَةُ لَوْ شَرَطَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ خُبْزًا أَوْ
لَحْمًا مُعَيَّنًا كُلَّ يَوْمٍ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَدْفَعَ
الْقِيمَةَ مِنْ النَّقْدِ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ 33 - لَهُمْ
طَلَبُ الْعَيْنِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ. 34 - السَّادِسَةُ:
تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَعْلُومِ
الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيه وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا
السَّابِعَةُ: شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ،
فَلِلْقَاضِي الِاسْتِبْدَالُ إذَا كَانَ أَصْلَحَ
لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ بِلَا
خِيَانَةٍ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَا يَصِيرُ مَعْزُولًا، وَلَا
الثَّانِي مُتَوَلِّيًا، كَذَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ
وَيَصِحُّ عَزْلُ النَّاظِرِ بِلَا خِيَانَةٍ إنْ كَانَ
مَنْصُوبَ الْقَاضِي إذَا عَزَلَ الْقَاضِي النَّاظِرَ ثُمَّ
عُزِلَ الْقَاضِي، فَتَقَدَّمَ الْمَخْرَجُ إلَى الثَّانِي
وَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ عَزَلَهُ بِلَا سَبَبٍ لَا
يُعِيدُهُ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُثْبِتَ عِنْدَهُ
أَنَّهُ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَعَادَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(32) قَوْلُهُ: الرَّابِعَةُ شَرَطَ أَنْ يُتَصَدَّقَ
بِفَاضِلِ الْغَلَّةِ إلَخْ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ لَكِنْ
قَالَ بَعْدَهُ: وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ يُرَاعَى فِي هَذَا
شَرْطُ الْوَاقِفِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَيَنْبَغِي
أَنْ يُلْحَقَ بِهَذَا مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يُذْبَحَ فِي
أَيَّامِ النَّحْرِ فِي مَحَلِّ كَذَا كَقَبْرٍ وَغَيْرِهِ،
وَكَذَا تَفْرِقَةُ خُبْزٍ كَمَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ
أَوْقَافِ مِصْرَ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ الْآنَ.
(33) قَوْلُهُ: لَهُمْ طَلَبُ الْعَيْنِ وَأَخْذُ الْقِيمَةِ
كَذَا فِي النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ أَوْ الْقِيمَةِ إلَّا أَنْ
يُقَالَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ كَمَا
فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ.
(34) قَوْلُهُ: السَّادِسَةُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إلَخْ قِيلَ
عَلَيْهِ
قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي
شَرْحِ الْكَنْزِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ
فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِالزِّيَادَةِ
فِي
(2/230)
لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ
بِمُجَرَّدِ شِكَايَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ حَتَّى يُثْبِتُوا
عَلَيْهِ خِيَانَةً، وَكَذَا الْوَصِيُّ
36 - الْوَاقِفُ إذَا عَزَلَ النَّاظِرَ؛ فَإِنْ شَرَطَ لَهُ
الْعَزْلَ حَالَ الْوَقْفِ صَحَّ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا لَا
عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيَصِحُّ عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمَشَايِخُ بَلْخِي
اخْتَارُوا قَوْلَ الثَّانِي، وَالصَّدْرُ اخْتَارَ قَوْلَ
مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ
لَوْ مَاتَ الْوَاقِفُ فَلَا وِلَايَةَ لِلنَّاظِرِ لِكَوْنِهِ
وَكِيلًا عَنْهُ 37 - فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ بِلَا شَرْطٍ
وَتَبْطُلُ وِلَايَتُهُ بِمَوْتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ بِوَكِيلٍ، فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ
وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ
يَشْتَرِطْ لَهُ الْوِلَايَةَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ
مَمَاتِهِ وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
مَعْلُومِ الْإِمَامِ مِنْ أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ
وَلَا يَنْفُذُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا
لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الشُّرُوطُ
(35) قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ إلَخْ
قِيلَ عَلَيْهِ: هَذَا يَتَنَاوَلُ مَنْصُوبَ الْقَاضِي وَقَدْ
تَقَدَّمَ جَوَازُ عَزْلِهِ بِلَا خِيَانَةٍ، وَيَجِبُ
حَمْلُهُ عَلَى النَّاظِرِ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِعِ (انْتَهَى)
.
بَقِيَ لَوْ عَزَلَهُ بِمُجَرَّدِ شِكَايَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ
هَلْ يَنْعَزِلُ وَيَأْثَمُ أَوْ لَا يَنْعَزِلُ وَيَأْثَمُ
أَوْ لَا يَنْعَزِلُ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ
(36) قَوْلُهُ: الْوَاقِفُ إذَا عَزَلَ النَّاظِرَ إلَخْ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ
وَكِيلُ الْوَاقِفِ أَوْ الْفُقَرَاءِ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
بِالْأَوَّلِ وَمُحَمَّدٌ بِالثَّانِي.
وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ لِلْمُتَوَلِّي
شَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ أَوَّلًا. قَالَ بِالْأَوَّلِ
مُحَمَّدٌ، وَبِالثَّانِي الثَّانِي وَصَحَّحَ قَوْلَ
الثَّانِي جَمَاعَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ
عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرُ صَحَّحُوا قَوْلَ
مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(37) قَوْلُهُ: فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ بِلَا شَرْطٍ قِيلَ
عَلَيْهِ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ صَوَابَ صَدْرِ الْعِبَارَةِ
(وَهَذَا عَلَى الِاخْتِلَافِ) ، لَا (وَعَلَى هَذَا
الِاخْتِلَافُ) كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي النُّسَخِ
(2/231)
لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِ اتِّفَاقًا هَذَا
حَاصِلُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَتْوَى
عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ.
39 - وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَجْعَلْ الْوَاقِفُ
لَهُ قَيِّمًا فَنَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا 40 - وَقَضَى
بِقِوَامَتِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْوَاقِفُ إخْرَاجَهُ (انْتَهَى)
.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْلِ الْوَاقِفِ لِلْمُدَرِّسِ
وَالْإِمَامِ اللَّذَيْنِ وَلَّاهُمَا، 41 - وَلَا يُمْكِنُ
إلْحَاقُهُ بِالنَّاظِرِ لِتَعْلِيلِهِمْ لِصِحَّةِ عَزْلِهِ
عِنْدَ الثَّانِي بِكَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْهُ
وَلَيْسَ صَاحِبُ الْوَظِيفَةِ وَكِيلًا عَنْ الْوَاقِفِ،
وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ عَنْ الْعَزْلِ مُطْلَقًا 42 -
لِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ فِي أَصْلِ الْإِيقَافِ لِكَوْنِهِمْ
جَعَلُوا لَهُ نَصْبَ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ بِلَا شَرْطٍ
كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْبَانِي أَوْلَى بِنَصِيبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي عَزْلِهِ بِلَا شَرْطٍ
مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي انْعِزَالِهِ بِمَوْتِهِ،
فَمَنْ يَرَى انْعِزَالَهُ بِمَوْتِهِ يَرَى جَوَازَ عَزْلِهِ،
كَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ لَا فَلَا،
كَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(38) قَوْلُهُ: لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِ اتِّفَاقًا يَعْنِي
لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيَّةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا تَبْطُلُ
عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ، كَذَا فِي
الْإِسْعَافِ
(39) قَوْلُهُ: وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ إلَخْ قَالَ
الْعَلَّامَةُ عُمَرُ بْنُ نُجَيْمٍ فِي إجَابَةِ السَّائِلِ
بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ الْعَتَّابِيَّةِ: وَهَذَا إنْ
خَرَجَ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي أَشْكَلَ، أَوْ عَلَى قَوْلِ
مُحَمَّدٍ فَكَذَلِكَ، بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، وَصِحَّةُ
الْوَقْفِ مَشْرُوطٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ عِنْدَهُ.
(40) قَوْلُهُ: وَقَضَى بِقِوَامَتِهِ: فِيهِ أَنَّ نَصْبَ
الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ
فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ تَقْرِيرُهُ فِي الْقِوَامَةِ
فَتَدَبَّرْ
(41) قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالنَّاظِرِ يَعْنِي
حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ
وَمُحَمَّدٍ كَمَا جَرَى فِي النَّاظِرِ
(42) قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ إلَخْ أَيْ اشْتِرَاطِ
الْعَزْلِ، يَعْنِي لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ الْعَزْلِ
لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ كَمَا لَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ
النَّصْبِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ
النَّصْبَ
(2/232)
الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ، وَوَلَدُ
الْبَانِي وَعَشِيرَتُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ.
بَنَى مَسْجِدًا فِي مَحَلَّةٍ 43 - فَنَازَعَهُ بَعْضُ أَهْلِ
الْمَحَلَّةِ فِي الْعِمَارَةِ. 44 - فَالْبَانِي أَوْلَى
مُطْلَقًا، وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ
وَالْمُؤَذِّنِ مَعَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ إنْ كَانَ مَا
اخْتَارَهُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَوْلَى مِنْ الَّذِي
اخْتَارَهُ الْبَانِي فَمَا اخْتَارَهُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ
أَوْلَى، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَمَنْصُوبُ الْبَانِي أَوْلَى
(انْتَهَى) .
45 - كَثُرَ فِي زَمَانِنَا إجَارَةُ أَرْضِ الْوَقْفِ
مَقِيلًا وَمَرَاحًا قَاصِدِينَ بِذَلِكَ لُزُومَ الْأَجْرِ
وَإِنْ لَمْ تُرْوَ بِمَاءِ النِّيلِ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ
الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسْتَأْجَرْ لِلزِّرَاعَةِ،
وَغَيْرِهَا وَهُمَا مَنْفَعَتَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
مَلَكَ الْعَزْلَ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَتَحْقِيقُ
مَرَامِهِ ثُمَّ لَا مُقَابِلَ لِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ فِي
كَلَامِهِ لَا سَابِقًا وَلَا لَاحِقًا قَالَ فِي إجَابَةِ
السَّائِلِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ
الْعَزْلَ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ جَوَازِ
التَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ
(43) قَوْلُهُ: فَنَازَعَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي
الْعِمَارَةِ يَعْنِي لَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي مَحَلَّةٍ
فَانْهَدَمَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَتَنَازَعَ أَهْلُ
الْمَحَلَّةِ مَعَ الْبَانِي لِلْمَسْجِدِ فِي عِمَارَةِ
ذَلِكَ الْمُنْهَدِمِ فَالْبَانِي أَوْلَى بِعِمَارَتِهِ قَالَ
الْعَلَّامَةُ عُمَرُ بْنُ نُجَيْمٍ أَخُو الْمُؤَلِّفِ فِي
كِتَابِهِ إجَابَةُ السَّائِلِ: وَلَا خِلَافَ يُعْلَمُ فِي
أَنَّ الْبَانِيَ أَوْلَى بِعِمَارَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ.
(44) قَوْلُهُ: فَالْبَانِي أَوْلَى مُطْلَقًا قِيلَ: يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ قَيَّدَ الْإِطْلَاقَ كَوْنُهُ بِإِذْنِهِمْ أَوْ
بِدُونِهِ
قَوْلُهُ: كَثُرَ فِي زَمَانِنَا إجَارَةُ الْأَرْضِ مَقِيلًا
وَمَرَاحًا إلَى قَوْلِهِ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ
الْإِجَارَةِ أَقُولُ وَبِصِحَّةِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ
لَمْ تُرْوَ الْأَرْضُ بِمَاءِ النِّيلِ أَفْتَى الشَّيْخُ
شِهَابُ الدِّينِ الشِّبْلِيُّ فَقَالَ: تَلْزَمُهُ
الْأُجْرَةُ جَمِيعًا وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّهُ
اسْتَأْجَرَهَا مَقِيلًا وَمَرَاحًا لِلزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا
(انْتَهَى) .
وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي صِحَّةِ هَذِهِ
الْإِجَارَةِ فَقَالَ إنْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ سَوَاءٌ
انْتَفَعَ أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ فَهِيَ حِينَئِذٍ فَاسِدَةٌ؛
لِأَنَّهُ يَنْحَلُّ
(2/233)
مَقْصُودَتَانِ كَمَا فِي إجَارَةِ
الْهِدَايَةِ: الْأَرْضُ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ
وَغَيْرِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لِغَيْرِ
الزِّرَاعَةِ نَحْوِ الْبِنَاءِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ
وَنَصْبِ الْفُسْطَاطِ وَنَحْوِهَا وَفِي الْمِعْرَاجِ وَفِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ: وَلَا تَجُوزُ
إجَارَةُ الْمَرْعَى أَيْ الْكَلَأِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
إلَى أَنَّهَا مَسْلُوبَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ صَرَّحَ
بِذَلِكَ كَانَتْ فَاسِدَةً فَلِذَلِكَ إذَا قَالَ مَقِيلًا
وَمَرَاحًا وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ يَنْتَفِعُ بِهَا سَائِرَ
الِانْتِفَاعَاتِ فَهُوَ أَيْضًا مَحَلُّ تَوَقُّفٍ وَنَظَرٍ
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا
لِلزِّرَاعَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا فَهِيَ
فَاسِدَةٌ فَيَكُونُ كَذَلِكَ إذَا أَطْلَقَ فِي الِانْتِفَاعِ
بِالْأَرْضِ وَفِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ
أَنَّ الْإِجَارَةَ تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ
كَالْبَيْعِ قَالَ: وَكَاسْتِئْجَارِ رَحَى مَاءٍ عَلَى
أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ؛
لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ
مُوجَبُهُ أَنْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ
مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَكُلُّ شَرْطٍ
مُخَالِفٍ مُوجَبَ الْعَقْدِ يُفْسِدُهُ (انْتَهَى) .
أَقُولُ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ
أَنَّك لَا تَرَى أَحَدًا مِمَّنْ يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ
مَقِيلًا وَمَرَاحًا يَتَّخِذُهَا مَقِيلًا وَمَرَاحًا قَطُّ،
بَلْ إنَّمَا يَسْتَأْجِرُهَا لِلزِّرَاعَةِ فِي نَفْسِ
الْأَمْرِ، وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ مَقِيلًا وَمَرَاحًا فِي
مَعْنَى رُوِيَتْ الْأَرْضُ بِمَاءِ النِّيلِ أَوْ لَمْ تُرْوَ
عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ
لِلْمَقِيلِ وَالْمَرَاحِ وَهِيَ مُعَدَّةٌ لِلزِّرَاعَةِ
تُرْوَى بِمَاءِ النِّيلِ فِي كُلِّ عَامٍ، غَايَةُ مَا فِي
الْبَابِ أَنَّهُ قَدْ لَا تُرْوَى فِي بَعْضِ السِّنِينَ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ صِحَّةَ الْعَقْدِ تَعْتَمِدُ الْفَائِدَةَ
وَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ قَالَ
بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَعَلَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ إنَّمَا
حَدَثَتْ فِي الْقَرْنِ الْعَاشِرِ بِمِصْرَ لَمَّا قَلَّ
بِهَا الرِّزْقُ فَتَنَازَعَ النَّاسُ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ
مِنْ الْأَوْقَافِ فَاسْتَعْمَلَ الْمُوَثِّقُونَ هَذِهِ
الْعِبَارَةَ حِرْصًا عَلَى عَدَمِ ضَيَاعِ مَالِ الْوَقْفِ
وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى مَا تَرَى وَتَعَارَفَتْ بَيْنَهُمْ،
وَلَمْ تَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ عُلَمَائِنَا سِوَى
هَذَا التَّأْلِيفِ (انْتَهَى) .
وَقَدْ تُوُفِّيَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِثَمَانٍ
مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ
(انْتَهَى) .
أَقُولُ: قَدْ وَجَدْت فِي تَذْكِرَةِ الْفَاضِلِ
الدَّمَامِينِيِّ مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ: كَثِيرًا مَا
يَكْتُبُ أَهْلُ الْقَاهِرَةِ فِي إجَارَةِ أَرْضِ النِّيلِ
أَنَّ لِمُسْتَأْجِرِ تِلْكَ الْأَرْضِ مَقِيلًا وَمَرَاحًا
أَيْ يَنْتَفِعُ بِهَا فِي مَقِيلِ الدَّوَابِّ وَرَوَاحِهَا،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حِيلَةً
عَلَى لُزُومِ الْأُجْرَةِ عِنْدَ عَدَمِ الرَّيِّ، وَقَدْ
وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ قَالَ ابْنُ فَتُّوحٍ فِي وَثَائِقِ
الْمَجْمُوعَةِ
(2/234)
وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ يَسْتَأْجِرُ
الْأَرْضَ لِيَضْرِبَ فِيهَا فُسْطَاطًا أَوْ لِيَجْعَلَهَا
حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ ثُمَّ يَسْتَبِيحُ الْمَرْعَى وَذَكَرَ
الزَّيْلَعِيُّ الْحِيلَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا لِإِيقَافِ
الدَّوَابِّ أَوْ مَنْفَعَةٍ أُخْرَى (انْتَهَى) وَالْحَاصِلُ
أَنَّ الْمَقِيلَ مَكَانُ الْقَيْلُولَةِ، وَهِيَ نَوْمُ
نِصْفِ النَّهَارِ؛ وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي
تَفْسِيرِ الْفُرْقَانِ: الْمَقِيلُ زَمَانُ الْقَيْلُولَةِ
وَمَكَانُهَا، وَهُوَ الْفِرْدَوْسُ فِي الْآيَةِ وَهِيَ
{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا
وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] وَفِي الْقَامُوسِ:
الْقَائِلَةُ نِصْفُ النَّهَارِ، قَالَ قَيْلًا وَقَائِلَةً
وَقَيْلُولَةً وَمَقَالًا وَمَقِيلًا (انْتَهَى) .
وَأَمَّا الْمَرَاحُ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: أَرْوَحَ
الْإِبِلَ رَدَّهَا إلَى الْمَرَاحِ وَفِي الْمِصْبَاحِ
الرَّوَاحُ رَوَاحُ الْعَشِيِّ، وَهُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى
اللَّيْلِ، وَالْمُرَاحُ بِضَمِّ الْمِيمِ حَيْثُ تَأْوِي
الْمَاشِيَةُ بِاللَّيْلِ، وَالْمُنَاخُ وَالْمَأْوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا أَحْدَثَ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ فِي
كِرَاءِ الرَّحَى أَنْ يَقُولَ الْمُكْرِي إنَّمَا
أَكْرَيْتُكَ الْبَيْتَ وَقَنَاةَ الرَّحَى لَا سَاقِيَةَ
وَلَا مَطَاحِنَ وَلَا آلَةَ لَهَا لِمَا هُوَ احْتِيَالٌ
لِمَا لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ اغْتَرُّوا بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ
عَلَى الْمُكْرِي شَيْءٌ مِنْ تَعْطِيلِ الرَّحَى بِاعْتِلَالِ
مَا يَعْتَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الرَّحَى
يَوْمَ عَقْدِ الْكِرَاءِ طَاحِنَةٌ بِجَمِيعِ آلَاتِهَا
فَإِنْ وَقَعَ كَذَا فُسِخَ وَكَانَ فِيمَا مَضَى كِرَاءُ
الْمِثْلِ عَلَيْهِ حَالَ مَا أَخَذَهَا طَاحِنَةً تَامَّةَ
الْآلَةِ يَجُوزُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ كَانَتْ
يَوْمئِذٍ عُطَلًا مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ زَادَ الْمُتَيْطِيُّ
عَنْ فَضْلٍ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
إبْرَاهِيمَ صَاحِبَ الثَّمَانِيَةِ كَانَ يَكْرِي أَرْحِيَةً
بِقُرْطُبَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اُنْظُرْ تَصْنِيفَ شَيْخِنَا
الْعَلَّامَةِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ
بِإِثْرِ كَلَامِهِ عَلَى كِرَاءِ الْحَمَّامَاتِ (انْتَهَى) .
وَمِنْ خَطِّهِ الشَّرِيفِ نَقَلْت وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ
هَذِهِ الْعِبَارَةَ مُتَعَارَفَةٌ بِالْقَاهِرَةِ قَبْلَ
الْقَرْنِ الْعَاشِرِ بِنَحْوِ الْقَرْنَيْنِ وَاسْتُفِيدَ
مِنْهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ فَاسِدَةٌ كَمَا
بَحَثَهُ ذَلِكَ الْفَاضِلُ وَأَيَّدْنَا بَحْثَهُ فِيمَا
تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
(46) قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ
إلَخْ أَقُولُ الْمُطَابِقُ لِقَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ
الْمَرْعَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ يَسْتَأْجِرُ
يُؤَجِّرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(2/235)
مِثْلُهُ وَفَتْحُ الْمِيمِ بِهَذَا
الْمَعْنَى خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ مَكَان وَاسْمُ الْمَكَانِ
وَالزَّمَانِ وَالْمَصْدَرُ مِنْ أَفْعَلَ بِالْأَلِفِ
مُفْعَلٌ بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ
وَأَمَّا الْمَرَاحُ بِالْفَتْحِ فَاسْمُ الْمَوْضِعِ، مِنْ
رَاحَتْ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَاسْمُ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ
مِنْ الثُّلَاثِيِّ بِالْفَتْحِ، وَالْمَرَاحُ أَيْضًا
الْمَوْضِعُ الَّذِي يَرُوحُ الْقَوْمُ مِنْهُ أَوْ يَرُوحُونَ
إلَيْهِ (انْتَهَى) .
فَرَجَعَ مَعْنَى الْمَقِيلِ فِي الْإِجَارَةِ إلَى مَكَانِ
الْقَيْلُولَةِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا لَهُ قَوْلُهُمْ:
لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِنَصْبِ الْفُسْطَاطِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ
لِلْقَيْلُولَةِ، وَرَجَعَ مَعْنَى الْمَرَاحِ إلَى مَكَانِ
مَأْوَى الْإِبِلِ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا لَهُ
قَوْلُهُمْ: لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ، أَوْ
لِيَجْعَلَهَا حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ جَازَ
47 - تَخْلِيَةُ الْبَعِيدِ بَاطِلَةٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: تَخْلِيَةُ الْبَعِيدِ بَاطِلَةٌ قَالَ بَعْضُ
الْفُضَلَاءِ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ
يَتَمَكَّنُ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا وَالدُّخُولِ فِيهَا
أَوْ لَا وَقَدْ صَرَّحَ سِرَاجُ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ
أَنَّهُ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ كَانَ قَابِضًا
وَصُورَةُ مَا أَجَابَ بِهِ بَعْدَ أَنْ سُئِلَ عَنْ شَخْصٍ
اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دَارًا بِبَلَدٍ وَهُمَا بِبَلَدٍ آخَرَ
وَبَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسَافَةُ يَوْمَيْنِ وَلَمْ
يَقْبِضْهَا بَلْ خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي
وَالْمَبِيعِ التَّخْلِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ فَهَلْ تَصِحُّ
ذَلِكَ وَتَكُونُ التَّخْلِيَةُ كَالتَّسْلِيمِ أَمْ لَا؟
أَجَابَ: إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ بِحَضْرَتِهِمَا، وَقَالَ
الْبَائِعُ: سَلَّمْتهَا لَك، وَقَالَ الْمُشْتَرِي:
تَسَلَّمْت، لَا تَكُونُ قَبْضًا مَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ
قَرِيبَةً مِنْهَا بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْمُشْتَرِي عَلَى
الدُّخُولِ فِيهَا وَالْإِغْلَاقِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ
قَابِضًا وَفِي مَسْأَلَتِنَا مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ
يَتَمَكَّنُ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا وَالدُّخُولِ فِيهَا لَا
يَكُونُ قَابِضًا (انْتَهَى) .
وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ وَاقِعٍ
مَوْقِعَهُ (انْتَهَى) .
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ تَخْلِيَةَ الْبَعِيدَةِ
بَاطِلَةٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ كَمَا هُوَ فِي
شَرْحِ الْكَنْزِ وَفِي ابْنِ الْهُمَامِ قُبَيْلَ بَابِ
خِيَارِ الشَّرْطِ وَقَدْ أَطْنَبْنَا فِيهِ
(2/236)
فَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَرْيَةً وَهُوَ
بِالْمِصْرِ لَمْ تَصِحَّ تَخْلِيَتُهَا عَلَى الْأَصَحِّ
كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ فِي الْبَيْعِ
وَالْإِجَارَةِ، وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي إجَارَةِ
الْأَوْقَافِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَذْهَبَ إلَى
الْقَرْيَةِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهَا أَوْ يُرْسِلَ وَكِيلَهُ أَوْ رَسُولِهِ إحْيَاءً
لِمَالِ الْوَقْفِ.
أَقَرَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِأَنَّ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ
مَعَهُ كَذَا أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّيعَ دُونَهُ،
وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ صَحَّ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ دُونَ
غَيْرِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ
مَكْتُوبُ الْوَقْفِ مُخَالِفًا لَهُ
49 - حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ
وَشَرَطَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ، 50 - ذَكَرَهُ
الْخَصَّافُ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ
. مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لِاثْنَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا
الِانْفِرَادُ 51 - إلَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ
الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ وَلِلْآخَرِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَرْيَةً إلَخْ قَالَ بَعْضُ
الْفُضَلَاءِ: يَقَعُ فِي زَمَانِنَا كَثِيرًا اعْتِرَافُ
الْمُسْتَأْجِرِ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّمْكِينِ ثُمَّ
يُنْكِرُ وَيَدَّعِي أَنَّهُ كَانَ كَاذِبًا فِي إقْرَارِهِ
فَهَلْ يَحْلِفُ يَعْنِي الْمُقِرُّ لَهُ (انْتَهَى) .
أَقُولُ لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ.
(49) قَوْلُهُ: حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَمَّا
شَرَطَهُ وَشَرَطَ مَا أَقَرَّ بِهِ أَقُولُ: هَذَا وَإِذَا
لَزِمَ الْوَقْفُ لَزِمَ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ
بِلُزُومِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى قَوْلِ
الْإِمَامِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحُكْمِ لِلُزُومِ الْوَقْفِ
وَيَكُونُ كَلَامُ الْخَصَّافِ مَفْرُوضًا فِي وَقْفٍ لَمْ
يُحْكَمْ بِهِ أَوْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ اشْتِرَاطِ
التَّسْلِيمِ لِلْمُتَوَلِّي. (50) قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ
الْخَصَّافُ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ أَقُولُ: قَدْ رَاجَعْت
عِبَارَةَ الْخَصَّافِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا التَّصْرِيحَ
بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ مَكْتُوبُ الْوَقْفِ مُخَالِفًا لَهُ
وَإِنْ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِمَا
ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ قَابِلَةٌ
لِلتَّصْحِيحِ بِالتَّأْوِيلِ
(51) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ
إلَخْ أَقُولُ: إنَّمَا أَقُولُ إنَّمَا يَتِمُّ
الِاسْتِثْنَاءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَدْخُلُ
فِي عُمُومِ كَلَامِهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا
يَدْخُلُ فَلَا.
(2/237)
فَإِنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْفِرَادَ لَا
لِفُلَانٍ، كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. 53 -
وَمُقْتَضَاهُ لَوْ شَرَطَ لَهُمَا الْإِدْخَالَ
وَالْإِخْرَاجَ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا ذَلِكَ، وَلَوْ بَعْدَ
مَوْتِ الْآخَرِ، فَيَبْطُلُ ذَلِكَ الشَّرْطُ بِمَوْتِ
أَحَدِهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ الِانْفِرَادَ لَهُمَا
فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ مَقَامَهُ
وَلَيْسَ لِلْحَيِّ الِانْفِرَادُ إلَّا إذَا أَقَامَهُ
الْقَاضِي. 54 - كَمَا فِي الْإِسْعَافِ
النَّاظِرُ وَكِيلُ الْوَاقِفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَوَكِيلُ الْفُقَرَاءِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
- رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ
عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَهُ عَزْلُهُ
وَيَبْطُلُ مَا شَرَطَهُ لَهُ بِمَوْتِهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
- رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكُلِّ.
55 - الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ الْمُسَبَّلَةُ فِي يَدِ
الْمُسْتَأْجِرِ يُمْسِكُهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(52) قَوْلُهُ: فَإِنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْفِرَادَ لَا
لِفُلَانٍ إلَخْ إنَّمَا كَانَ لَهُ الِانْفِرَادُ دُونَهُ؛
لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي شَرَطَ لَهُ، وَمَا شَرَطَ فَهُوَ
مَشْرُوطٌ لَهُ بِخِلَافِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطٌ مَعَ
غَيْرِهِ فَلَا يَنْفَرِدُ.
(53) قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَاهُ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ:
مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لِاثْنَيْنِ لَا مُقْتَضَى كَلَامِ
قَاضِي خَانْ كَمَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَةُ.
(54) قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْإِسْعَافِ.
أَقُولُ لَيْسَ فِي الْإِسْعَافِ مَا ذَكَرَهُ، وَعِبَارَتُهُ:
وَلَوْ جَعَلَ وِلَايَتَهُ إلَى رَجُلَيْنِ فَقَبِلَ
أَحَدَهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ يَضُمُّ الْقَاضِي إلَى مَنْ
قَبِلَ رَجُلًا آخَرَ لِيَقُومَ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَ
الَّذِي قَبِلَ مَوْضِعًا لِذَلِكَ فَفَوَّضَ الْقَاضِي
إلَيْهِ أَمْرَ الْوَقْفِ بِمُفْرَدِهِ جَازَ
(55) قَوْلُهُ: فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ إلَخْ ابْتِدَاءُ
كَلَامٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَالْجَارُّ
وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْآتِي لَا يُعْذَرُ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ
اتِّفَاقِيٌّ إذْ كَذَلِكَ أَرَاضِي الزِّرَاعَةِ
الْمَوْقُوفَةِ.
(2/238)
بِنِصْفِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ
نَحْوِهِ، لَا يُعْذَرُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ بِالسُّكُوتِ
عَنْهُ إذَا أَمْكَنَهُمْ رَفْعُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ
أَنْ يَأْمُرَهُ بِالِاسْتِئْجَارِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ،
وَوَجَبَ، 56 - وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ زَائِدِ السِّنِينَ
الْمَاضِيَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَيِّمُ سَاكِتًا مَعَ
قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي لَا غَرَامَةَ
عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، 57 - وَإِذَا
ظَفِرَ النَّاظِرُ بِمَالِ السَّاكِنِ فَلَهُ أَخْذُ
النُّقْصَانِ مِنْهُ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفِهِ قَضَاءً
وَدِيَانَةً، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. عُزِلَ الْقَاضِي
فَادَّعَى الْقَيِّمُ أَنَّهُ قَدْ أَجْرَى لَهُ كَذَا
مُشَاهَرَةً أَوْ مُشَافَهَةً، وَصَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ
فِيهِ، 58 - لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ
مَا عَيَّنَهُ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ أَوْ دُونَهُ 59 -
يُعْطِيه الثَّانِيَ وَإِلَّا يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَيُعْطِيه
الْبَاقِيَ (انْتَهَى) .
يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ أَخْذًا مِنْ
جَوَازِ تَعْلِيقِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ بِجَامِعِ
الْوِلَايَةِ؛ فَلَوْ مَاتَ الْمُعَلِّقُ بَطَلَ التَّقْرِيرُ،
فَإِذَا قَالَ الْقَاضِي إنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ شَغَرَتْ
وَظِيفَةُ كَذَا فَقَدْ قَرَّرْتُك فِيهَا، صَحَّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(56) قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ السِّنِينَ
الْمَاضِيَةِ أَيْ تَسْلِيمُ مَا نَقَصَ عَنْ أُجْرَةِ
السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ.
(57) قَوْلُهُ: وَإِذَا ظَفِرَ النَّاظِرُ بِمَالِ السَّاكِنِ
يَعْنِي وَكَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ.
(58) قَوْلُهُ: لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَذَلِكَ
لِاحْتِمَالِ تَوَاطُئِهِمَا عَلَى مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ
لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ
(59) قَوْلُهُ: يُعْطِيه الثَّانِيَ إلَخْ الضَّمِيرُ
لِلْمَعْزُولِ، بِمَعْنَى أَنَّ الثَّانِيَ يُعْطِي
الْمَعْزُولَ الْقَدْرَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْقَيِّمُ
وَادَّعَى دَفْعَهُ لِكَوْنِهِ لَا حَيْفَ فِيهِ.
(2/239)
وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ
تَفَقُّهًا وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ
وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: لِلْإِمَامِ
وَالْمُؤَذِّنِ وَقْفٌ فَلَمْ يَسْتَوْفِيَا حَتَّى مَاتَا؛
سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصِّلَةِ، وَكَذَا الْقَاضِي
وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ (انْتَهَى) .
ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَجَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ
تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ، ثُمَّ قَالَ
بِخِلَافِ رِزْقِ الْقَاضِي وَفِي الْيَنْبُوعِ لِلسُّيُوطِيِّ
فَرْعٌ يَذْكُرُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ
فِي الْوَظَائِفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَوْقَافِ
61 - أَوْقَافُ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ كُلُّهَا إنْ
كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ 62 - أَوْ تَرْجِعُ
إلَيْهِ، فَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ
مِنْ عَالِمٍ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ طَالِبِ
الْعِلْمِ كَذَلِكَ، وَصُوفِيٍّ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ
مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ
غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ، وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ الِاسْتِنَابَةُ بِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ،
وَيَتَنَاوَلُ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ
تَفَقُّهًا إلَخْ أَيْ فَهْمًا مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنْ لَمْ
يُصَرِّحُوا بِهِ
(61) قَوْلُهُ: أَوْقَافُ الْأُمَرَاءِ إلَخْ.
مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ وَجَوَابُهَا
وَإِنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ
(62) قَوْلُهُ: أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ إلَخْ عَطْفٌ عَلَى
قَوْلِهِ: أَصْلٌ بَعْدَ التَّأْوِيلِ بِالْمَصْدَرِ مِنْ
غَيْرِ سَابِكٍ عَلَى حَدِّ: تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ وَإِنْ
كَانَ شَاذًّا وَالتَّقْدِيرُ أَوْ كَانَ لَهَا رُجُوعٌ إلَى
بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَغْصِبَ الْأَمِيرُ
أَوْ السُّلْطَانُ مَالَ شَخْصٍ فِي حَيَاتِهِ مِنْ يَدِهِ
ثُمَّ يَمُوتَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَقِيمًا لَا وَارِثَ لَهُ
إلَّا بَيْتُ الْمَالِ فَهَذَا الْمَالُ الْمَغْصُوبُ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ حَالَ أَخَذُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَكِنَّهُ
يَرْجِعُ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْ.
(2/240)
وَلَا اسْتَنَابَ. 64 - وَاشْتِرَاكُ
الِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْوَظِيفَةِ الْوَاحِدَةِ، 65 -
وَالْوَاحِدُ عَشْرَ وَظَائِفَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ
الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ
الْأَكْلُ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ، وَلَوْ قَرَّرَهُ وَبَاشَرَ
الْوَظِيفَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا
يَتَحَوَّلُ عَنْ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ بِجَعْلِ أَحَدٍ،
وَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ 66 - مَنْ يَقُولُ
فِي مِلْكِ الَّذِي وَقَفَ فَهُوَ تَوَهُّمٌ فَاسِدٌ، وَلَا
يُقْبَلُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ. 67 - أَمَّا أَوْقَافُ أَرْضٍ
مَلَكُوهَا وَأَوْقَفُوهَا فَلَهَا حُكْمٌ آخَرُ، 68 - وَهِيَ
قَابِلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ
وَإِذَا عَجَزَ الْوَاقِفُ عَنْ الصَّرْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(63) قَوْلُهُ: وَلَا اسْتَنَابَ الصَّوَابُ وَلَمْ
يَسْتَنِبْ.
(64) قَوْلُهُ: وَاشْتِرَاكُ الِاثْنَيْنِ عُطِفَ عَلَى
قَوْلِهِ أَنْ يَأْكُلَ بَعْدَ تَأْوِيلِهِ بِالْمَصْدَرِ.
(65) قَوْلُهُ: وَالْوَاحِدُ عَشْرُ. ظَاهِرُهُ أَنَّ
الْوَاحِدَ مَعْطُوفٌ عَلَى اثْنَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ
إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ بَابِ: " عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً
بَارِدًا " وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَجَمَعَ الْوَاحِدُ عَشْرَ
وَظَائِفَ.
(66) قَوْلُهُ: مَنْ يَقُولُ إلَخْ لَعَلَّ الْعِبَارَةَ
مِمَّنْ يَقُولُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا كَذَلِكَ فَهُوَ
بَدَلٌ مِنْ كَثِيرٍ.
(67) قَوْلُهُ: أَمَّا أَوْقَافٌ مَلَكَهَا وَاقِفُوهَا إلَخْ
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مَا
مَلَكُوا أَصْلَهُ أَيْ مَلَكُوهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ وَقْفًا
ثُمَّ أَوْقَفُوهُ كَسَائِرِ الْأَوْقَافِ، وَتَسْمِيَتُهُ
حِينَئِذٍ وَقْفًا مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ
وَأَنْ يُرَادَ مَا هِيَ أَوْقَافٌ قَبْلَ الْمِلْكِ ثُمَّ
مَلَكُوهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ مَثَلًا وَتَسْمِيَتُهَا
أَوْقَافًا حَقِيقَةٌ
(68) قَوْلُهُ: وَهِيَ قَابِلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِرِهِ
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا
قَابِلَةٌ لِأَحْكَامِ الْأَوْقَافِ وَمُرَاعَاةِ شُرُوطِ
وَاقِفِيهَا.
(2/241)
إلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَإِنْ
كَانَ أَصْلُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رُوعِيَ فِيهِ صِفَةُ
الْأَحَقِّيَّةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ فِي
أَهْلِ الْوَظَائِفِ مَنْ هُوَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ
بَيْتِ الْمَالِ وَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَقُدِّمَ
الْأَوَّلُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَطَلَبَةِ
الْعِلْمِ وَآلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ بِصِفَةِ
الِاسْتِحْقَاقِ مِنْهُ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ،
فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي حَاجَةٍ قُدِّمَ الْأَكْبَرُ
فَالْأَكْبَرُ فَيُقَدَّمُ الْمُدَرِّسُ ثُمَّ الْمُؤَذِّنُ
ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ الْقَيِّمُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ
لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، اُتُّبِعَ فِيهِ
شَرْطُ الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ تَقْدِيمَ أَحَدٍ
لَمْ يُقَدَّمْ فِيهِ أَحَدٌ، بَلْ يُقَسَّمُ عَلَى كُلٍّ
مِنْهُمْ بِجَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ بِالسَّوِيَّةِ، أَهْلِ
الشَّعَائِرِ وَغَيْرِهِمْ (انْتَهَى) بِلَفْظِهِ. وَقَدْ
اغْتَرَّ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِنَا
فَاسْتَبَاحُوا تَنَاوُلَ مَعَالِيمِ الْوَظَائِفِ بِغَيْرِ
مُبَاشَرَةٍ أَوْ مَعَ مُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ وَالْحَالُ
أَنَّ مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ عَنْ فُقَهَائِهِمْ إنَّمَا
هُوَ فِيمَا بَقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ
نَاقِلٌ، وَأَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي بَاعَهَا السُّلْطَانُ
وَحَكَمَ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا ثُمَّ وَقَفَهَا الْمُشْتَرِي
فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ فَإِنْ قُلْت
هَلْ فِي مَذْهَبِنَا لِذَلِكَ أَصْلٌ؟ قُلْت: نَعَمْ، 69 -
كَمَا بَيَّنْته فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ فِي
الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: كَمَا بَيَّنْته فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ فِي
الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا الْمَسْأَلَةُ
الثَّانِيَةُ فِي صِحَّةِ وَقْفِ أَرَاضِي مِصْرَ اعْلَمْ
أَنَّ الْوَاقِفَ لَهَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ
مَالِكًا لَهَا فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا
حِينَ مَنَّ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِهَا أَوْ تَلَقَّى
الْمِلْكَ مِنْ مَالِكِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ
غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا خَفَاءَ فِي صِحَّةِ
وَقْفِهِ لِوُجُودِ
(2/242)
70 - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ
الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فَأَجَابَ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ
الْبَيْعَ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ، وَالْعِيَاذُ
بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَبَيَّنْت فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
مِلْكِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَصَّافُ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ
كَانَ الْوَاقِفُ غَيْرَهُمَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ
يَكُونَ وَصَلَتْ إلَى يَدِهِ بِإِقْطَاعِ السُّلْطَانِ
إيَّاهَا لَهُ أَوْ بِشِرَاءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَعْدَ مَا
صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ لِمَوْتِ مَالِكِهَا وَعَدَمِ
الْوَارِثِ أَوْ يَكُونَ الْوَاقِفُ لَهَا سُلْطَانٌ مِنْ
بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ فَإِنْ
كَانَ الْأَوَّلَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ: فَإِنْ كَانَتْ مَوَاتًا
أَوْ مِلْكًا لِلسُّلْطَانِ صَحَّ وَقْفُهَا وَإِنْ كَانَتْ
مِنْ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي
الْإِسْعَافِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ وَقْفَيْ هِلَالٍ
وَالْخَصَّافِ لِلْقَاضِي النَّاصِحِيِّ
وَصَرَّحَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ مَنْ
أَقْطَعَهُ السُّلْطَانُ أَرْضًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَلَكَ
الْمَنْفَعَةَ الْمُعَدَّةَ لَهَا الْعَيْنُ فَلَهُ
إجَارَتُهَا وَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ أَوْ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ
الْإِقْطَاعِ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ
مِنْهَا (انْتَهَى) .
وَإِنْ وَصَلَتْ الْأَرْضُ إلَى الْوَاقِفِ بِالشِّرَاءِ مِنْ
بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَإِنَّ
وَقْفَهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهَا أَوْ تُرَاعَى
شُرُوطُ وَقْفِهِ سَوَاءٌ كَانَ سُلْطَانًا أَوْ أَمِيرًا أَوْ
غَيْرَهُمَا وَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْيَنْبُوعِ
مِنْ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى شُرُوطُهُ إنْ كَانَ سُلْطَانًا
أَوْ أَمِيرًا وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ رِيعَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ
مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لِلْوَظَائِفِ
فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَصَلَتْ لِلْوَاقِفِ بِإِقْطَاعِ
السُّلْطَانِ إيَّاهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى
إلَّا أَنْ يَكُونَ بَنَاهُ عَلَى أَصْلٍ فِي مَذْهَبِهِ فَلَا
كَلَامَ لَنَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ لَهَا
السُّلْطَانُ فَأَفْتَى الشَّيْخُ قَاسِمٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ
صَحِيحٌ أَجَابَ بِهِ حِينَ سُئِلَ عَنْ وَقْفِ السُّلْطَانِ
جَقْمَقَ فَإِنَّهُ أَرَصَدَ أَرْضًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
عَلَى مَصَالِحِ مَسَاجِدَ وَأَفْتَى بِأَنَّ السُّلْطَانَ
الْآخَرَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ
بَرْقُوقٌ قَبْلَهُ أَرْصَدَهَا عَلَى رَجُلٍ وَأَوْلَادِهِ
ثُمَّ بَعْدَهُمْ عَلَى مَصَالِحِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ
إنَّ الْإِرْصَادَ مِنْ السُّلْطَانِ بَرْقُوقٍ الْمُتَقَدِّمِ
لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْوَقْفِيَّةِ فَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ
فِيهِ حُكْمَ وَقْفِ السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
وَإِرْصَادِهِ لِذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَجِبُ
عَلَى السُّلْطَانِ وَقْفُ مَسْجِدٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
(انْتَهَى) .
(70) قَوْلُهُ: سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ
كَلِمَةُ (عَنْ) هُنَا كَكَلِمَةِ (مِنْ) فِي مِثْلِهِ تُفِيدُ
أَنَّ مَا بَعْدَهَا مَصْدَرٌ لِمَا قَبْلَهَا وَسَبَبٌ لَهُ
عَلَى طَرِيقِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ
أَمْرِي} [الكهف: 82]
(2/243)
الرِّسَالَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ
مَصْلَحَةٌ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ، كَبَيْعِ
عَقَارِ الْيَتِيمِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى
بِهِ، فَإِنْ قُلْت هَذَا فِي أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ أَمَّا
فِي أَوْقَافِ السَّلَاطِينِ فَلَا قُلْت: لَا فَرْقَ
بَيْنَهُمَا فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ الشِّرَاءَ مِنْ وَكِيلِ
بَيْتِ الْمَالِ، وَهِيَ جَوَابُ الْوَاقِعَةِ الَّتِي أَجَابَ
عَنْهَا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ،
فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْأَشْرَفِ (بِرْسِبَايْ) إذَا
اشْتَرَى مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا ثُمَّ
وَقَفَهَا فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَمَّا إذَا وَقَفَ
السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا لِلْمَصْلَحَةِ
الْعَامَّةِ فَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ جَوَازَهُ،
71 - وَلَا يُرَاعَى مَا شَرَطَهُ دَائِمًا وَأَمَّا
اسْتِوَاءُ الْمُسْتَحِقِّينَ عِنْدَ الضِّيقِ فَمُخَالِفٌ
لِمَا فِي مَذْهَبِنَا لِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي بَابِ التَّمْيِيزِ
فَالْأَوَّلُ عَنْ مُفْرَدٍ كَمَا ذَكَرَهُ نَجْمُ
الْأَئِمَّةِ الرَّضِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ وَالْمُغْنِي
سُئِلَ سُؤَالًا نَاشِئًا عَنْ الْأَشْرَفِ بِرْسِبَايْ هُوَ
سَبَبُهُ وَلَيْسَتْ " عَنْ " صِلَةً لِقَوْلِهِ سُئِلَ كَمَا
هُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ إذَا اشْتَرَى إلَخْ بَيَانٌ
لِلسُّؤَالِ وَفِيهِ مَا فِيهِ فَتَدَبَّرْ.
(71) قَوْلُهُ: وَلَا يُرَاعَى مَا شَرَطَهُ دَائِمًا كَذَا
فِي نُسْخَةِ عُمَرَ بْنِ أُولَجَائِيٍّ وَفِي أَكْثَرِ
النُّسَخِ وَهَلْ يُرَاعَى مَا شَرَطَهُ دَائِمًا وَعَلَى
النُّسْخَةِ الْأُولَى قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ
قَوْلَهُ دَائِمًا ظَرْفٌ لِلْمَنْفِيِّ لَا لِلنَّفْيِ
فَيَكُونُ الْمُرَادُ رَفْعُ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ لَا
السَّلْبُ الْكُلِّيُّ، وَجَعْلُهُ ظَرْفًا لِلنَّفْيِ
يَسْتَدْعِي السَّلْبَ الْكُلِّيَّ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: حَيْثُ كَانَ وَقْفًا فَمَا الْمَانِعُ مِنْ
مُرَاعَاةِ مَا شَرَطَهُ دَائِمًا كَغَيْرِهِ مِنْ
الْأَوْقَافِ
(2/244)
72 - الَّذِي يُبْدَأُ بِهِ مِنْ
ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ عِمَارَتُهُ، شَرَطَ الْوَاقِفُ أَمْ لَا
ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِمَارَةِ وَأَعَمُّ
لِلْمَصْلَحَةِ كَالْإِمَامِ لِلْمَسْجِدِ وَالْمُدَرِّسِ
لِلْمَدْرَسَةِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ قَدْرُ كِفَايَتِهِمْ،
ثُمَّ السِّرَاجُ.
73 - وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ (انْتَهَى) .
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ الْإِمَامُ
وَالْمُدَرِّسُ وَالْوَقَّادُ وَالْفَرَّاشُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(72) قَوْلُهُ: الَّذِي يُبْدَأُ بِهِ مِنْ ارْتِفَاعِ
الْوَقْفِ عِمَارَتُهُ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الظَّاهِرُ
أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي تَأْخِيرِ التَّعْمِيرِ
خَرَابُ عَيْنِ الْوَقْفِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: إذَا
اجْتَمَعَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فِي يَدِ الْقَيِّمِ شَيْءٌ
فَظَهَرَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، وَالْوَقْفُ
مُحْتَاجٌ إلَى الْإِصْلَاحِ وَالْعِمَارَةِ أَيْضًا وَيَخَافُ
الْقَيِّمُ أَنَّهُ لَوْ صَرَفَ الْغَلَّةَ فِي الْمَرَمَّةِ
يَفُوتُ ذَلِكَ الْبِرُّ، يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي
تَأْخِيرِهِ إصْلَاحُ الْوَقْفِ وَمَرَمَّتُهُ إلَى الْغَلَّةِ
الثَّانِيَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ يَخَافُ مِنْهُ خَرَابَ الْوَقْفِ
فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الْغَلَّةَ إلَى ذَلِكَ الْبِرِّ
وَتُؤَخَّرُ الْمَرَمَّةُ إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ،
وَإِنْ كَانَ فِي تَأْخِيرِ الْمَرَمَّةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ
فَإِنَّهُ يَصْرِفُ الْغَلَّةَ إلَى الْمَرَمَّةِ، فَإِنْ
بَقِيَ شَيْءٌ يُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ الْبِرِّ قَالَ
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْبَحْرِ بَعْدَ
نَقْلِ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ
الصَّرْفُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَتَأْخِيرُ الْعِمَارَةِ
إلَى الْغَلَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ
وَفِي الْفَتْحِ وَلَا تُؤَخَّرُ الْعِمَارَةُ إذَا اُحْتِيجَ
إلَيْهَا وَتُقْتَطَعُ الْجِهَاتُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا
إلَّا إنْ لَمْ يُخَفْ ضَرَرٌ بَيِّنٌ فَإِنْ خِيفَ قُدِّمَ.
(73) قَوْلُهُ: وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ (انْتَهَى) إلَخْ قَالَ
بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَمْ يَنْتَهِ كَلَامُ الْحَاوِي بِهَذَا
الْقَدْرِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْبِسَاطُ
كَذَلِكَ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا
عَلَى شَيْءٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَعْدَ عِمَارَةِ الْبِنَاءِ
(انْتَهَى) .
وَالنُّسْخَةُ الَّتِي نَقَلْتُ مِنْهَا كَانَتْ مِلْكًا
لِلْمُصَنَّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَا أَدْرِي بِأَيِّ
سَبَبٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَقَدْ شَاعَتْ مَسْأَلَةُ
تَقَدُّمِ الشَّعَائِرِ مُطْلَقًا فِي الدِّيَارِ
الْمِصْرِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ وَاشْتَهَرَ
عَزْوُهُ إلَى الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَإِلَى هَذَا
الْكِتَابِ وَقَدْ اطَّلَعْت عَلَى مَا فِي الْحَاوِي
بِتَمَامِهِ فَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ (انْتَهَى) .
هَذَا وَقَدْ رَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ
الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ أَوْ خَرِبَتْ الْقَرْيَةُ وَلَمْ
يَكُنْ إقَامَةُ الشَّعَائِرِ بِهِ يَسْتَحِقُّ أَرْبَابُ
الشَّعَائِرِ وَالْوَظَائِفِ مَعْلُومَهُمْ الْمُقَرَّرَ
لَهُمْ إذْ لَا تَعْطِيلَ مِنْ جِهَتِهِمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ، يَعْنِي مَعَ بَقَاءِ الْمَسْجِدِيَّةِ وَعَدَمِ
عَوْدِهِ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ.
(2/245)
74 - وَمَا كَانَ بِمَعْنَاهُمْ
لِتَعْبِيرِهِ بِالْكَافِ، فَمَا كَانَ بِمَعْنَاهُمْ
النَّاظِرُ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الشَّادِّ زَمَنَ
الْعِمَارَةِ وَالْكَاتِبِ بِهِمْ لَا فِي كُلِّ زَمَانٍ،
وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْجَابِي الْمُبَاشِرِ لِلْجِبَايَةِ
بِهِمْ، وَالسَّوَّاقُ مُلْحَقٌ بِهِمْ أَيْضًا، وَالْخَطِيبُ
مُلْحَقٌ بِالْإِمَامِ بَلْ هُوَ إمَامُ الْجُمُعَةِ وَلَكِنْ
قَيَّدَ الْمُدَرِّسَ بِمُدَرِّسِ الْمَدْرَسَةِ وَظَاهِرُهُ
إخْرَاجُ مُدَرِّسِ الْجَامِعِ وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا
مِنْ الْفَرْقِ؛ فَإِنَّ مُدَرِّسَ الْمَدْرَسَةِ إذَا غَابَ
تَعَطَّلَتْ الْمَدْرَسَةُ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِمَارَةِ
كَمُدَرِّسِي الرُّومِ، أَمَّا مُدَرِّسُ الْجَامِعِ
كَأَكْثَرِ الْمُدَرِّسِينَ بِمِصْرَ، فَلَا وَلَا يَكُونُ
مُدَرِّسُ الْمَدْرَسَةِ مِنْ الشَّعَائِرِ إلَّا إذَا لَازَمَ
التَّدْرِيسَ عَلَى حُكْمِ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَمَّا
مُدَرِّسُو زَمَانِنَا فَلَا، كَمَا لَا يَخْفَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(74) قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ بِمَعْنَاهُمْ أَقُولُ: يَجِبُ
تَقْيِيدُهُ بِزَمَنِ الْعِمَارَةِ وَالْعَمَلِ، إذْ
النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِمَعْنَاهُمْ لِعَدَمِ
الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ كَمَا إذَا كَانَ أَهْلُ
الْوَقْفِ يَقْبِضُونَ الْغَلَّةَ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا
تَعْمِيرَ فِي الْوَقْفِ وَلَا عَمَلَ فِيهِ كَالْمَسْأَلَةِ
الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْقَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَهِيَ
طَاحُونَةٌ وَقَفَهَا عَلَى مَوَالِيهِ مَعَ جُمْلَةِ أَرْضٍ
فَجَعَلَ الْقَاضِي لِلْوَقْفِ قَيِّمًا وَجَعَلَ لَهُ عُشْرَ
غَلَّةِ الْوَقْفِ وَهِيَ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ
وَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْقَيِّمِ لَا يَسْتَحِقُّ
الْقَيِّمُ عُشْرَ غَلَّتِهَا؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ
بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ وَلَا أُجْرَةَ بِدُونِ الْعَمَلِ
(انْتَهَى) .
لَكِنَّ هَذَا فِي نَاظِرٍ لَمْ يَتَشَرَّطْ لَهُ الْوَاقِفُ،
أَمَّا إذَا اشْتَرَطَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ
عَلَيْهِمْ فَيَسْتَحِقُّهُ بِالشَّرْطِ لَا بِالْعَمَلِ
وَمَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُمْ
إلَّا إذَا كَانَ فِي زَمَنِ الْعِمَارَةِ وَالْعَمَلِ الَّذِي
يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَقْفُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى
الْمُدَرِّسِ وَالْإِمَامِ (انْتَهَى) .
وَقَدْ سُئِلَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ
مُدَرِّسٍ لَمْ يُدَرِّسْ لِعَدَمِ وُجُودِ طَلَبَةٍ تُقَرَّرُ
لِلْوَقْفِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمَعْلُومَ؟ أَجَابَ
بِأَنَّهُ إنْ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلتَّدْرِيسِ بِأَنْ حَضَرَ
الْمَدْرَسَةَ الْمُعَيَّنَةَ لِتَدْرِيسِهِ اسْتَحَقَّ
الْمَعْلُومَ لِإِمْكَانِ التَّدْرِيسِ لِغَيْرِ الطَّلَبَةِ
الْمَشْرُوطِينَ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ: إنَّ
الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُدَرِّسِ يَقُومُ بِغَيْرِ الطَّلَبَةِ
بِخِلَافِ الطَّالِبِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَقُومُ
بِغَيْرِهِ (انْتَهَى) .
فَعُلِمَ أَنَّ الْمُدَرِّسَ إذَا دَرَّسَ بِغَيْرِ
الطَّلَبَةِ الْمَشْرُوطَةِ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ.
(2/246)
وَظَاهِرُ مَا فِي الْحَاوِي تَقْدِيمُ
الْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ عَلَى بَقِيَّةِ الشَّعَائِرِ
لِتَعْبِيرِهِ بِثُمَّ فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ ظَهَرَ لَك
أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْمُبَاشِرَ وَالشَّادَّ فِي غَيْرِ
زَمَنِ الْعِمَارَةِ والمزملاتي، وَالشِّحْنَةَ وَكَاتِبَ
الْغَيْبَةِ، وَخَازِنَ الْكُتُبِ، وَبَقِيَّةَ أَرْبَابِ
الْوَظَائِفِ لَيْسُوا مِنْهُمْ وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ
الْمُؤَذِّنِينَ بِالْإِمَامِ وَكَذَا الْمِيقَاتِيُّ
لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِلْمَسْجِدِ وَظَاهِرُ مَا
فِي الْحَاوِي تَقْدِيمُ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ شَرَطَ
الْوَاقِفُ الِاسْتِوَاءَ عِنْدَ الضِّيقِ؛ لِأَنَّهُ
جَعَلَهُمْ كَالْعِمَارَةِ وَلَوْ شَرَطَ اسْتِوَاءَ
الْعِمَارَةِ بِالْمُسْتَحِقِّ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْطُهُ،
وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ 76 - فَكَذَا هُمْ
77 - الْجَامِكِيَّةُ فِي الْأَوْقَافِ لَهَا شَبَهُ
الْأُجْرَةِ وَشَبَهُ الصِّلَةِ وَشَبَهُ الصَّدَقَةِ،
فَيُعْطَى كُلُّ شَبَهٍ مَا يُنَاسِبُهُ فَاعْتَبَرْنَا شَبَهَ
الْأُجْرَةِ فِي اعْتِبَارِ زَمَنِ الْمُبَاشَرَةِ وَمَا
يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَعْلُومِ وَالْحِلِّ لِلْأَغْنِيَاءِ،
وَشَبَهَ الصِّلَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(75) وَظَاهِرُ مَا فِي الْحَاوِي تَقْدِيمُ مَا ذَكَرْنَا
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِثْلُ الْمُبَاشِرِ وَالشَّاهِدِ
وَالشَّاهِدِ النَّاظِرِ كَمَا تَقَدَّمَ (76) فَكَذَا هُمْ
أَيْ الْإِمَامُ وَالْمُدَرِّسُ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمَا
(77) قَوْلُهُ: الْجَامِكِيَّةُ فِي الْأَوْقَافِ لَهَا شَبَهٌ
بِالْأُجْرَةِ إلَخْ قَدْ يُعَارَضُ هَذَا بِمَا فِي
التَّعْلِيقَةِ فِي الْمَسَائِلِ الدَّقِيقَةِ لِابْنِ
الصَّانِعِ وَنَصُّهُ: مَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ
الْمَدَارِسِ لَيْسَ أُجْرَةً لِعَدَمِ شَرْطِ الْإِجَارَةِ،
وَلَا صَدَقَةً؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَأْخُذُهَا بَلْ إعَانَةٌ
لَهُمْ عَلَى حَبْسِ أَنْفُسِهِمْ فِي الِاشْتِغَالِ
بِالْعِلْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرُ الْمُدَرِّسُ بِسَبَبِ
اشْتِغَالٍ أَوْ تَعْلِيقٍ جَازَ أَخْذُهُ الْجَامِكِيَّةُ
(انْتَهَى) .
وَلَمْ يَعْزُهُ، قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ
الْمَنْظُومَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ: لَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ
قَرِيبًا عَنْ قَاضِي خَانْ مَا يَشْهَدُ لَهُ حَيْثُ عَلَّلَ
بِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ جُمْلَةِ التَّعْلِيمِ وَأَجَابَ
(2/247)
بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ
الْمُسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ
فَإِنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ حِصَّةَ مَا بَقِيَ مِنْ
السَّنَةِ، وَشَبَهَ الصَّدَقَةِ لِتَصْحِيحِ أَصْلِ الْوَقْفِ
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ابْتِدَاءً،
فَإِذَا مَاتَ الْمُدَرِّسُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ مَثَلًا
قَبْلَ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَقَبْلَ ظُهُورِهَا، وَقَدْ
بَاشَرَ مُدَّةً 79 - ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ، يَنْبَغِي أَنْ
يُنْظَرَ وَقْتَ قِسْمَةِ الْغَلَّةِ إلَى مُدَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى فِي الْبَحْرِ
بِحَمْلِهِ عَلَى الْأَوْقَافِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ غَيْرِ
حُضُورِ دَرْسٍ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً، وَلِذَا قَالَ فِي
الْقُنْيَةِ: الْأَوْقَافُ بِبُخَارَى عَلَى الْعُلَمَاءِ لَا
يُعْرَفُ مِنْ وَاقِفِيهَا شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَلِلْقَيِّمِ
أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إنْ لَمْ
يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ يُحْصَوْنَ وَكَذَا الْوَقْفُ
عَلَى الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ
عَلَى مُتَعَلِّمِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى
عُلَمَائِهَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ
وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَاقِفُ
قَدْرَ مَا يُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ ثُمَّ رَقَّمَ الْأَوْقَافَ
الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْفُقَهَاءِ قِيلَ: التَّرْجِيحُ
بِالْحَاجَةِ وَقِيلَ بِالْفَضْلِ (انْتَهَى) .
قَالَ الْعَلَّامَةُ عُمَرُ بْنُ نُجَيْمٍ فِي كِتَابِهِ
إجَابَةُ السَّائِلِ: لَا شَكَّ أَنَّ الْحَمْلَ وَإِنْ كَانَ
صَرَفَ اللَّفْظَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ
مِنْ صَلَاحِيَّةِ الْكَلَامِ لِقَبُولِهِ وَهَهُنَا فِي
الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مُطْلَقًا لَمَّا صَحَّتْ
الْغَايَةُ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرْ
الْمُدَرِّسُ حِينَئِذٍ بَلْ الظَّاهِرُ إجْرَاءُ الْكَلَامِ
عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا فَهِمَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ
الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ إذْ نَظَمَهُ فَقَالَ:
وَلَيْسَ بِأَجْرٍ قَطُّ مَعْلُومُ طَالِبٍ ... فَعَنْ
دَرْسِهِ لَوْ غَابَ لِلْعِلْمِ يُعْذَرُ
نَعَمْ لَك أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ أُجْرَةً أَيْ
مَحْضَةً وَلَا صَدَقَةً كَذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي
انْتَهَى.
(78) قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ
الْمُسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ إلَخْ قِيلَ عَلَيْهِ: لَا
يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ
لِلشُّبْهَةِ دَلِيلٌ مَا. تَأَمَّلْ
(79) قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ قَبْلَ
مَجِيءِ الْغَلَّةِ أَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ وَقْتَ
نَقْلِهَا مِنْ الْبَيْدَرِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ
انْعِقَادِ الزَّرْعِ أَوْ وَقْتُ صَيْرُورَةِ الزَّرْعِ
مُتَقَوِّمًا وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- إلَى ذَلِكَ بِعِطْفِ قَوْلِهِ وَإِدْرَاكُهَا عَلَيْهِ
عَطْفَ تَفْسِيرٍ.
(2/248)
مُبَاشَرَتِهِ وَإِلَى مُبَاشَرَةِ مَنْ
جَاءَ مِنْ بَعْدِهِ، وَيُبْسَطُ الْمَعْلُومُ عَلَى
الْمُدَرِّسَيْنِ، وَيُنْظَرُ كَمْ يَكُونُ مِنْهُ
لِلْمُدَرِّسِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ، فَيُعْطَى
بِحِسَابِ مُدَّتِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ اعْتِبَارُ
زَمَانِ مَجِيءِ الْغَلَّةِ وَإِدْرَاكِهَا كَمَا اُعْتُبِرَ
فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ، 80 - بَلْ يَفْتَرِقُ
الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُدَرِّسِ وَالْفَقِيهِ
وَصَاحِبِ وَظِيفَةٍ مَا وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ
وَالْأَعْدَلُ. 81 - كَذَا حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي
أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ زَمَنِ مَجِيءِ الْغَلَّةِ فِي
حَقِّ الْأَوْلَادِ فِي غَيْرِ الْأَوْقَافِ الْمُؤَجَّرَةِ
عَلَى الْأَقْسَاطِ الثَّلَاثَةِ، كُلَّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
قِسْطٌ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ إدْرَاكِ الْقِسْطِ فَكُلُّ مَنْ
كَانَ مَخْلُوقًا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ الرَّابِعِ حَتَّى
تَمَّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ وَمَنْ لَا
فَلَا، كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
82 - لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَة بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ
لِلْوَقْفِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: مَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(80) قَوْلُهُ: بَلْ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ إلَخْ مَبْنَى
الِافْتِرَاقِ فِي الْحُكْمِ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى
الْأَوْلَادِ صِلَةٌ مَحْضَةٌ وَالْوَقْفُ عَلَى الْمُدَرِّسِ
وَمَنْ بِمَعْنَاهُ لَيْسَ بِصِلَةٍ مَحْضَةٍ بَلْ لَهُ شَبَهٌ
بِالْأُجْرَةِ (81) قَوْلُهُ: كَذَا حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ
إلَخْ مَا قَالَهُ الطَّرَسُوسِيُّ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ فَالْمُعْتَبَرُ وَقْتُ
الْحَصَادِ، فَمَنْ كَانَ يُبَاشِرُ الْوَظِيفَةَ وَقْتَ
الْحَصَادِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْأَوْقَافِ، وَمَنْ لَا فَلَا
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: إمَامُ الْمَسْجِدِ رَفَعَ
الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ الْمُضِيِّ لَا تُسْتَرَدُّ مِنْهُ
غَلَّةُ السَّنَةِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ فَإِنْ
كَانَ الْإِمَامُ وَقْتَ الْحَصَادِ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ
يَسْتَحِقُّ فَصَارَ كَجِزْيَةِ وَمَوْتِ قَاضٍ فِي خِلَالِ
السَّنَةِ (انْتَهَى) .
وَقَدْ كَتَبَ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي
السَّلْطَنَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ رِسَالَةً فِي هَذَا
وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ يَعْتَبِرُونَ وَقْتَ
الْحَصَادِ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَعْتَبِرُونَ زَمَنَ
الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْزِيعِ
(82) قَوْلُهُ: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ
الْمُؤَجِّرِ لِلْوَقْفِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إلَى
قَوْلِهِ
(2/249)
إذَا أَجَّرَهَا الْوَاقِفُ ثُمَّ
أَرْتَدَّ ثُمَّ مَاتَ لِبُطْلَانِ الْوَقْفِ بِرِدَّتِهِ
فَانْتَقَلَتْ إلَى وَرَثَتِهِ، وَفِيمَا إذَا أَجَّرَ
أَرْضَهُ ثُمَّ وَقَفَهَا عَلَى مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ
تَنْفَسِخُ. ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي آخِرِ شَرْحِهِ
النَّاظِرُ إذَا أَجَّرَ إنْسَانًا فَهَرَبَ وَمَالُ الْوَقْفِ
عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. 83 -
بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّطَ فِي خَشَبِ الْوَقْفِ حَتَّى ضَاعَ
فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ
أَقَرَّ بِأَرْضٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ بِأَنَّهَا وَقْفٌ
وَكَذَّبَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي آخِرِ شَرْحِهِ يَعْنِي فِي
كِتَابِ مُهَايَأَهُ وَهُوَ آخِرُ كِتَابٍ مِنْ الْكُتُبِ
الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا مَنْظُومَتُهُ الْمَشْهُورَةُ،
وَقَدْ ذَكَرَ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي النَّظْمِ
وَالْأُخْرَى فِي الشَّرْحِ حَيْثُ قَالَ:
وَأَرْضٌ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَقْفُهَا إجَارَتُهَا
فَسْخٌ إذَا مَاتَ مُؤْجِرُ
قَالَ فِي شَرْحِهِ سُؤَالَ الْبَيْتِ مِنْ الْوَقْفِ أَيْ
أَرْضٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَجَّرَهَا مَنْ
لَهُ إيجَارُهَا وَانْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ مَعَ قَوْلِنَا
بِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا فِي الْوَقْفِ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ
مُعَيَّنٍ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا إذَا
عَقَدَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ،
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا إيجَارُ وَاقِفٍ ارْتَدَّ
وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ بَعْدَ أَنْ
أَجَّرَ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ،
وَيُمْكِنُ أَنْ تُصَوَّرَ فِيمَنْ أَجَّرَ أَرْضَهُ ثُمَّ
وَقَفَهَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ
عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ فَإِذَا مَاتَ الْآجِرُ انْفَسَخَتْ
الْإِجَارَةُ (انْتَهَى) .
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ: أَقُولُ
هَذَا الْجَوَابُ لَا يُطَابِقُ سُؤَالَ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ
مُتَصَوَّرٌ فِي وَقْفٍ أُوجِرَ وَهَذَا مُؤَجِّرُ مِلْكٍ لَا
وَقْفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (انْتَهَى)
.
قُلْت فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُسْتَثْنَى مَسْأَلَةً
وَاحِدَةً لَا مَسْأَلَتَيْنِ
(83) قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّطَ فِي خَشَبِ
الْوَقْفِ إلَخْ لَمْ يَعْزُ الْمَسْأَلَةَ الْمُخَالِفَةَ
وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ
سُئِلَ عَنْ قَيِّمِ مَسْجِدٍ وَمُؤَذِّنِهِ لَمْ يَنْفُضْ
بُسُطَ الْمَسْجِدِ حَتَّى أَكَلَتْهَا الْأَرَضَةُ هَلْ
يَضْمَنُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ نَعَمْ وَإِلَّا
فَلَا (انْتَهَى) قُلْت عَلَى قِيَاسِهِ خَازِنُ كُتُبِ
الْوَقْفِ لَوْ لَمْ يَنْفُضْهَا حَتَّى أَكَلَتْهَا
الْأَرَضَةُ يَضْمَنُ إنْ كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ وَإِلَّا فَلَا
(2/250)
وَرِثَهَا صَارَتْ وَقْفًا مُؤَاخَذَةً
لَهُ بِزَعْمِهِ، وَقَدْ كَتَبْنَا نَظَائِرَهَا فِي
الْإِقْرَارِ
وَقَعَتْ حَادِثَةٌ، وَقَفَ الْأَمِيرُ عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ
عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى
أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ
مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى ذُرِّيَّتِهِمْ وَنَسْلِهِمْ
وَعَقِبِهِمْ مِنْ الذُّكُورِ خَاصَّةً دُونَ الْإِنَاثِ
فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُ الذُّكُورِ صُرِفَ إلَى كَذَا
فَهَلْ قَوْلُهُ مِنْ الذُّكُورِ خَاصَّةً قَيْدٌ لِلْآبَاءِ
وَالْأَبْنَاءِ حَتَّى لَا تَسْتَحِقَّ أُنْثَى وَلَا وَلَدُ
أُنْثَى؟ أَمْ هُوَ قَيْدٌ فِي الْأَبْنَاءِ دُونَ الْآبَاءِ
حَتَّى يَسْتَحِقَّ وَلَدُ الذَّكَرِ، وَلَوْ مِنْ أَوْلَادِ
الْإِنَاثِ؟ أَمْ هُوَ قَيْدٌ لِلْآبَاءِ دُونَ أَبْنَاءٍ
حَتَّى يَسْتَحِقَّ وَلَدُ الذَّكَرِ وَلَوْ كَانَ أُنْثَى؟ 84
- فَأَجَبْتُ هُوَ قَيْدٌ فِي الْآبَاءِ دُونَ الْأَبْنَاءِ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ كَوْنُ الْوَصْفِ بَعْدَ مُتَعَاطِفَيْنِ
لِلْأَخِيرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ
فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ} [النساء: 23] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ
نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] وَلِأَنَّ
الظَّاهِرَ أَنَّ مَقْصُودَهُ حِرْمَانُ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ
لِكَوْنِهِمْ يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ، ذُكُورًا كَانُوا
أَوْ إنَاثًا، وَتَخْصِيصُ أَوْلَادِ الْأَبْنَاءِ وَلَوْ
كَانُوا إنَاثًا لِكَوْنِهِمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهِمْ،
وَبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُ
الذُّكُورِ وَلَمْ يَقُلْ أَبْنَاءُ الذُّكُورِ وَلَا
أَبْنَاءُ الْأَوْلَادِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَأَجَبْتُ هُوَ قَيْدٌ فِي الْآبَاءِ دُونَ
الْأَبْنَاءِ إلَخْ قِيلَ: هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ بَلْ
بَعِيدٌ عَنْ الْفَهْمِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ صِفَةٌ
لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ يَعْنِي لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صِفَةً
لِلْأَخِيرِ لَكَانَ قَيْدًا فِي عَقِبِهِمْ؛ لِأَنَّهُ
الْأَجِيرُ.
(2/251)
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
أَعْلَمُ.
ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ جَعَلَهُ
قَيْدًا فِي الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَوَافَقَهُ بَعْضُ
الْحَنَفِيَّةِ فَرَأَيْت الْإِمَامَ الْإِسْنَوِيَّ فِي
التَّمْهِيدِ نَقَلَ أَنَّ الْوَصْفَ بَعْدَ الْجُمَلِ
يَرْجِعُ إلَى الْجَمِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. 85 -
وَإِلَى الْأَخِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. 86 - وَأَنَّ
مَحَلَّ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَطْفُ
بِالْوَاوِ وَأَمَّا بِثُمَّ فَيَعُودُ إلَى الْأَخِيرِ
اتِّفَاقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(85) قَوْلُهُ: وَإِلَى الْأَخِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ
قِيلَ: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ
بِرُجُوعِ الْوَصْفِ إلَى الْأَخِيرِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ
الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ، نَقَلَ فِي وَقْفِ هِلَالٍ: فَإِنْ
قَالَ لِوَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ فَهِيَ
لِلذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ مِنْ الْبَنِينَ
وَالْبَنَاتِ وَفِي أَوْقَافِ النَّاصِحِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ
ذَلِكَ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِي
وَوَلَدِ وَلَدِي الْفُقَرَاءِ إنِّي أُعْطِي مَنْ كَانَ
فَقِيرًا مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ (انْتَهَى) .
وَرَدَّهُ أَخُو الْمُؤَلِّفِ فِي كِتَابِهِ إجَابَةِ
السَّائِلِ بِأَنَّ هَذَا خَطَأٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ
التَّدَبُّرِ فِي الْكَلَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَخِيرٌ
بِاعْتِبَارِ الْمُضَافِ وَأَمَّا كَوْنُهُ خِلَافَ
الْمَنْقُولِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ هِلَالٌ
مَبْنِيٌّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي أَوْلَادِ
الْأَوْلَادِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ
عَدَمُ دُخُولِهِمْ وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي دُخُولِ
أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لَيْسَ
مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، بَلْ عَدَمُ الدُّخُولِ هُنَا مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ لِمَا قَدْ عَلِمْتَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ
الْوُجُودِ ذَكَرًا عَنْ ذَكَرٍ (انْتَهَى) .
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْمُرَادَ
بِالْأَخِيرِ الْمُضَافُ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ عَلَى
أَوْلَادِهِمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَخِيرٌ بِاعْتِبَارِ
الْمُضَافِ كَلَامًا لَا يَصْدُرُ عَنْ عَاقِلٍ فَضْلًا عَنْ
فَاضِلٍ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُخَرَّجَ عَلَيْهَا هَذِهِ
الْجُزْئِيَّةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا تَعَقَّبَ الْوَصْفُ
مُتَعَاطِفَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا هُوَ بِمَرْأًى وَمِسْمَعٍ
مِنْهُ وَظَاهِرُهُ أَنْ لَا عَطْفَ بَيْنَ الْمُضَافِ
وَالْمُضَافِ إلَيْهِ، عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَإِنْ
كَانَ أَخِيرًا فِي اللَّفْظِ فَهُوَ أَوْلَى بِحَسَبِ
الْمَرْجِعِ.
(86) قَوْلُهُ: وَإِنَّ مَحَلَّ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ
فِيمَا إذَا كَانَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ إلَخْ قَالَ
الْعِرَاقِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا
فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الْعَطْفَ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ
بِأَدَاةٍ
(2/252)
الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ
لِمَصَالِحِ الْوَقْفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَا تَجُوزُ إلَّا
بِإِذْنِ الْقَاضِي
88 - وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي يَبْعُدُ عَنْهُ يَسْتَدِينُ
بِنَفْسِهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
النَّاظِرُ إذَا فَرَضَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ
لَهُ التَّفْوِيضُ بِالشَّرْطِ صَحَّ مُطْلَقًا، وَإِلَّا
فَإِنْ فَوَّضَ فِي صِحَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ فَوَّضَ
فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَحَّ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ
وَالْيَتِيمَةِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَغَيْرِهَا، وَإِذَا
صَحَّ التَّفْوِيضُ بِالشَّرْطِ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ إلَّا
إذَا كَانَ الْوَاقِفُ جَعَلَ لَهُ التَّفْوِيضَ وَالْعَزْلَ،
كَمَا حَرَّرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ
وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا فَوَّضَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِلَا
شَرْطٍ وَقُلْنَا بِالصِّحَّةِ.
89 - وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ وَالتَّفْوِيضُ
إلَى غَيْرِهِ كَالْإِيصَاءِ.
وَسَأَلْت عَنْ نَاظِرٍ مُعَيَّنٍ بِالشَّرْطِ ثُمَّ بَعْدَ
وَفَاتِهِ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
وَمِمَّنْ حَكَى الْإِطْلَاقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
وَالْغَزَالِيُّ وَالشَّيْخَانِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى
ذَلِكَ فَجَعَلَ ثُمَّ كَالْوَاوِ وَكَالْمُتَوَلِّي حَكَاهُ
عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَمَثَّلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
الْمَسْأَلَةَ بِثُمَّ ثُمَّ قَيَّدَهَا بِطَرِيقِ الْبَحْثِ
بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِالْوَاوِ وَتَمَامُهُ فِيهِ لَكِنْ
بَقِيَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَطْفُ فِي الْبَعْضِ
بِثُمَّ وَفِي الْبَعْضِ بِالْوَاوِ كَمَا هُنَا
(87) قَوْلُهُ: الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ لِمَصَالِحِ
الْوَقْفِ إلَخْ قِيلَ: يَدْخُلُ أَمَّا لَوْ غَصَبَ أَرْضَ
الْوَقْفِ غَاصِبٌ وَتَعَذَّرَ خَلَاصُهَا مِنْهُ إلَّا
بِمَالِ. وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَلَمْ أَرَ مَنْ
صَرَّحَ بِهَا.
(88) قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي يَبْعُدُ عَنْهُ
إلَخْ أَقُولُ: يُقَيِّدُ بِهَذَا إطْلَاقَ مَا قَدَّمَهُ
أَوَائِلَ كِتَابِ الْوَقْفِ
(89) قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعَزْلُ
وَالتَّفْوِيضُ قِيلَ: الْمُرَادُ التَّفْوِيضُ مِنْ غَيْرِ
عَزْلٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ.
(2/253)
فَهَلْ إذَا فَوَّضَ النَّظَرَ مُعَيِّنٌ
بِالشَّرْطِ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ
فَهَلْ إذَا فَوَّضَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ
يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ أَوْ لَا؟ 90 - فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ
إنْ فَوَّضَ فِي صِحَّتِهِ يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ بِمَوْتِهِ
لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّفْوِيضِ، وَإِنْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ
لَا يَنْتَقِلُ لَهُ مَا دَامَ الْمُفَوِّضُ إلَيْهِ بَاقِيًا
لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَعَنْ وَاقِفِ شَرْطٍ مُرَتِّبًا
لِرَجُلٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِلْفُقَرَاءِ
فَفَزِعَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ يَنْتَقِلُ
إلَى الْفُقَرَاءِ؟ فَأَجَبْتُ بِالِانْتِقَالِ لَيْسَ
لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ لَهُ وَظِيفَةً فِي الْوَقْفِ
بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّرِ لَهُ
الْأَخْذُ إلَّا النَّظَرَ عَلَى الْوَقْفِ، ذَكَرَ
الْحُسَامِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ أَنَّ لِلْقَاضِي نَصْبُ
الْقَيِّمِ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَلَيْسَ لَهُ نَصْبُ خَادِمٍ
لِلْمَسْجِدِ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَاسْتَفَدْتُ مِنْهَا مَا
ذَكَرْتُهُ
يُكْرَهُ إعْطَاءُ فَقِيرٍ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ مِائَتَيْ
دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَأَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ. إلَّا
إذَا أَوْقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ فَلَا يُكْرَهُ
كَالْوَصِيَّةِ كَذَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(90) قَوْلُهُ: فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ إنْ فَوَّضَ فِي
صِحَّتِهِ يَنْتَقِلُ لِلْحَاكِمِ إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ: بَلْ
يَجِبُ لَأَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْحَاكِمِ وَلَوْ فَوَّضَ
يَعْنِي فِي مَرَضِهِ؛ لِأَنَّ فِي التَّفْوِيضِ تَفْوِيتُ
الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاقِفِ؛
لِأَنَّك تُحَيَّرُ لِمَنْ فَوَّضَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ فِي
مَرَضِهِ مَثَلًا وَهَكَذَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلَا
يَعْمَلُ بِالشَّرْطِ أَصْلًا (انْتَهَى)
(91) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ
إلَخْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ تَجْنِيسِ
الْفَتَاوَى: رَجُلٌ وَقَفَ مَنْزِلَهُ عَلَى وَلَدَيْهِ
وَعَلَى أَوْلَادِهِمَا أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَأَرَادَ
السُّكْنَى لَيْسَ لَهُمَا حَقُّ السُّكْنَى (انْتَهَى) .
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا أَطْلَقَ الْوَقْفَ
فِي الدَّارِ كَانَ لِلْغَلَّةِ لَا لِلسُّكْنَى وَهِيَ
كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَلْيُحْفَظْ وَبِالْعُيُونِ تُلْحَظْ
(2/254)
الِاخْتِيَارِ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ
حُكْمُ الْمُرَتَّبِ الْكَثِيرِ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ
لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْفُقَرَاءِ، فَلْيُحْفَظْ: إذَا
وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ
مُدَّعِيهِمَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْقَرَابَةِ
وَالْفَقْرِ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ.
92 - وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ فَقِيرٌ مُعْدِمٌ،
وَمَنْ لَهُ نَفَقَةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا مَالَ لَهُ
فَقِيرٌ، إنْ كَانَتْ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَذَوِي
الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَإِنْ كَانَتْ تَجِبُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ
فَلَيْسَ بِفَقِيرٍ، كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ كَذَا فِي
الِاخْتِيَارِ
. إذْ جَعَلَ تَعْمِيرَ الْوَقْفِ فِي سَنَةٍ وَقَطَعَ
مَعْلُومَ الْمُسْتَحِقِّينَ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ فَمَا
قَطَعَ لَا يَبْقَى لَهُمْ دَيْنًا عَلَى الْوَقْفِ، 93 - إذْ
لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْغَلَّةِ زَمَنَ التَّعْمِيرِ، بَلْ
زَمَنَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ عَمَّرَهُ أَوْ لَا. وَفِي
الذَّخِيرَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ النَّاظِرَ إذَا صَرَفَ لَهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(92) قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ فَقِيرٌ أَيْ
لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى فَقْرِهِ؛
لِأَنَّهُ يَدَّعِي الِاسْتِحْقَاقَ وَالدَّعْوَى لَا تَثْبُتُ
بِقَوْلِ الْمُدَّعِي. قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى: إذَا
وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَدَّعِي
الْغَلَّةَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَرِيبُ الْوَاقِفِ أَوْ
أَنَّهُ مِنْ قَرَابَتِهِ كُلِّفَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى
قَرَابَتِهِ وَأَنَّهُ فَقِيرٌ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا الْوَقْفِ
وَلَيْسَ لَهُ أَحَدٌ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ
لَا تُكَلَّفَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْفَقْرِ؛ لِأَنَّ
الْإِنْسَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْفَقْرُ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ
وَهُوَ عَدِيمُ الْمَالِ وَلَكِنْ قُلْنَا: يُكَلَّفُ إقَامَةَ
الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ
بِالْفَقْرِ الْأَصْلِيِّ اسْتِحْقَاقٌ بِالظَّاهِرِ
وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً
لِلِاسْتِحْقَاقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَوَائِدِ
لِلطَّرَسُوسِيِّ
(93) قَوْلُهُ: إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْغَلَّةِ. قِيلَ:
يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ فَإِنَّ فِيهَا
الْمُسْتَحِقَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعِمَارَةِ وَهِيَ مَا لَوْ
قَالَ وَاقِفُ الْأَرْضِ تَكُونُ غَلَّةُ هَذِهِ الْأَرْضِ
لِفُلَانٍ سَنَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِفُلَانٍ آخَرَ أَبَدًا
مَا بَقِيَ ثُمَّ بَعْدَهُ لِلْمَسَاكِينٍ، فَاحْتَاجَتْ
الْأَرْضُ إلَى
(2/255)
مَعَ الْحَاجَةِ إلَى التَّعْمِيرِ،
فَإِنَّهُ يَضْمَنُ (انْتَهَى) .
وَفَائِدَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَوْ جَاءَتْ الْغَلَّةُ فِي
السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَفَضَلَ شَيْءٌ بَعْدَ صَرْفِ
مَعْلُومِهِمْ هَذِهِ السَّنَةَ، لَا يُعْطِيهِمْ الْفَاضِلَ
عِوَضًا عَمَّا قَطَعَ. وَقَدْ اُسْتُفْتِيتُ عَمَّا إذَا
شَرَطَ الْوَاقِفُ الْفَاضِلَ عَنْ الْمُسْتَحِقِّينَ
لِلْعُتَقَاءِ، وَقَدْ قُطِعَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فِي سَنَةٍ
شَيْءٌ بِسَبَبِ التَّعْمِيرِ، هَلْ يُعْطِي الْفَاضِلَ فِي
الثَّانِيَةِ لَهُمْ أَمْ لِلْعُتَقَاءِ؟ فَأَجَبْتُ
لِلْعُتَقَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَإِذَا قُلْنَا بِتَضْمِينِ النَّاظِرِ إذَا صَرَفَ لَهُمْ
مَعَ الْحَاجَةِ إلَى التَّعْمِيرِ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ
بِمَا دَفَعَهُ لِكَوْنِهِمْ قَبَضُوا مَا لَا
يَسْتَحِقُّونَهُ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، لَكِنْ
نَقَلُوا فِي بَابِ النَّفَقَاتِ أَنَّ مُودِعَ الْغَائِبِ
إذَا أَنْفَقَ الْوَدِيعَةَ عَلَى أَبَوَيْ الْمُودِعِ
بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِذْنِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ،
وَإِذَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا
ضَمِنَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ مِلْكُهُ لِاسْتِنَادِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
الْعِمَارَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَإِنْ عُمِّرَتْ فِي
السَّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَفْضُلْ مِنْ غَلَّتِهَا شَيْءٌ
اُسْتُحْسِنَ تَأْخِيرُ عِمَارَتِهَا حَتَّى تَمْضِيَ هَذِهِ
السَّنَةُ وَيَأْخُذَ صَاحِبُ هَذِهِ السَّنَةِ غَلَّاتِهَا
لِتِلْكَ السَّنَةِ، فَإِذَا صَارَتْ إلَى الْآخِرِ عُمِّرَتْ
مِنْ غَلَّتِهَا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِمَارَةِ سَنَةً
لَيْسَ يُخْرِجُهَا عَنْ حَالِ الْوَقْفِ. وَهَذَا الَّذِي
يَصِيرُ إلَيْهِ الْوَقْفُ مَا عَاشَ إنْ فَاتَتْهُ غَلَّةٌ
كَانَتْ لَهُ غَلَّةُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، ذَكَرَ
ذَلِكَ الْخَصَّافُ فِي أَوْقَافِهِ (انْتَهَى) . وَقِيلَ
عَلَيْهِ: لَا مَحَلَّ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ
مَحَلَّ قَوْلِهِمْ الَّذِي يَبْدَأُ بِهِ مِنْ غَلَّةٍ
بِالْوَقْفِ تَعْمِيرُهُ مَا إذَا كَانَ فِي تَرْكِ
الْعِمَارَةِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، وَمَحَلُّ مَسْأَلَةِ
الْخَصَّافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ تَعْمِيرِ
الْوَقْفِ هَلَاكُ الْوَقْفِ، يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُ
الْخَصَّافِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِمَارَةِ سَنَةً لَيْسَ
مِمَّا يُخْرِجُ الْوَقْفَ عَنْ حَالِهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْمِيرَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ
غَلَّةِ الْوَقْفِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَرَابُ بِصُنْعِ
أَحَدٍ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ آجَرَ
دَارًا مَوْقُوفَةً فَجَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ رِوَاقَهَا
مَرْبِطًا فِيهِ الدَّوَابُّ وَخَرَّبَهَا يَضْمَنُهُ؛
لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ.
(2/256)
مِلْكِهِ إلَى وَقْفِ التَّعَدِّي. كَمَا
فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالُوا فِي كِتَابِ
الْغَصْبِ: إنَّ الْمَضْمُونَاتِ يَمْلِكُهَا الضَّامِنُ
مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي، حَتَّى لَوْ غَيَّبَ
الْغَاصِبُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ وَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ
مَلَكَهَا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ فَنَفَذَ
بَيْعُهُ السَّابِقُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ
بَعْدَ التَّضَمُّنِ نَفَذَ، وَلَوْ كَانَ مَحْرَمَهُ عَتَقَ
عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ التَّضَمُّنِ نَفَذَ،
وَلَوْ كَانَ مَحْرَمَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ
فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ بَحْثِ الْمِلْكِ. وَلَا
يُخَالِفُهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ فِي
الْوَقْفِ. لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ قَضَاءَ دَيْنِهِ ثُمَّ
انْصَرَفَ الْفَاضِلُ إلَى الْفُقَرَاءِ فَلَمْ يَظْهَرْ
دَيْنٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. 94 - فَصُرِفَ الْفَاضِلُ إلَى
الْمَصْرِفِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ عَلَى
الْوَاقِفِ، يُسْتَرَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِمْ
(انْتَهَى) ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي
هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الدَّيْنِ وَقْتَ
الدَّفْعِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ الْقَابِضُ، فَكَانَ لِلنَّاظِرِ
اسْتِرْدَادُهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ
لِكَوْنِهِ صَرَفَ عَلَيْهِمْ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَاجَةِ إلَى
التَّعْمِيرِ، وَكَذَا لَا يُرَدُّ مَا إذَا أَذِنَهُ
الْقَاضِي بِالدَّفْعِ إلَى زَوْجَةِ الْغَائِبِ فَلَمَّا
حَضَرَ جَحَدَ النِّكَاحَ وَحَلَفَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي
الْعَتَّابِيَّةِ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَرْأَةَ، وَإِنْ
شَاءَ ضَمَّنَ الدَّافِعَ وَيَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْمَرْأَةِ
(انْتَهَى) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ وَقْتَ الدَّفْعِ،
وَإِنَّمَا ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي الْإِذْنِ، فَإِنَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(94) قَوْلُهُ: فَصَرَفَ الْفَاضِلَ إلَى الْمَصْرِفِ
الْمَذْكُورِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ عَلَى الْوَاقِفِ إلَخْ
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مِثْلُهُ لَوْ صَرَفَ
الْمُسْتَحِقُّ ظَانًّا أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ فَظَهَرَ أَنَّهُ
مَحْجُوبٌ بِغَيْرِهِ.
(2/257)
دَفَعَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إذْنِ
الْقَاضِي فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ،
وَإِنْ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ بِالضَّمَانِ، فَلَيْسَ
بِمُتَبَرِّعٍ.
وَفِي النَّوَازِلِ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ
دَارًا عَلَى مَسْجِدٍ عَلَى أَنَّ مَا فَضَلَ مِنْ
عِمَارَتِهِ فَهُوَ لِلْفُقَرَاءِ، فَاجْتَمَعَتْ الْغَلَّةُ،
وَالْمَسْجِدُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعِمَارَةِ. هَلْ تُصْرَفُ
إلَى الْفُقَرَاءِ؟ قَالَ لَا تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ،
وَإِنْ اجْتَمَعَتْ غَلَّةٌ كَثِيرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ
يَحْدُثَ لِلْمَسْجِدِ حَدَثٌ وَالدَّارُ بِحَالٍ لَا تُغِلُّ.
قَالَ الْفَقِيهُ سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَ هَكَذَا. وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ
عِنْدِي أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ مِنْ
الْغَلَّةِ مِقْدَارُ مَا لَوْ احْتَاجَ الْمَسْجِدُ
وَالدَّارُ إلَى الْعِمَارَةِ أَمْكَنَ الْعِمَارَةَ مِنْهَا
صَرَفُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، عَلَى مَا شَرَطَ
الْوَاقِفُ (انْتَهَى بِلَفْظِهِ) .
95 - فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ
تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ ثُمَّ الْفَاضِلَ عَنْهَا
لِلْمُسْتَحِقِّينَ، كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي أَوْقَافِ
الْقَاهِرَةِ، 96 - فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ
إمْسَاكُ قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ فِي
الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ الْآنَ لَا يَحْتَاجُ
الْمَوْقُوفُ إلَى الْعِمَارَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ
لِلْفَقِيهِ. وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَ اشْتِرَاطِ
تَقْدِيمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إلَخْ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو
اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ
الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي جَامِعِ
الْمُضْمَرَاتِ (96) قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى
النَّاظِرِ إمْسَاكُ قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ
لِلْعِمَارَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ يُقَالُ قَدْرُ مَا
يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ إذْ
هُوَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ فَلَا يَدْرِي الْقَدْرَ الَّذِي
يُرْصَدُ لِلْعِمَارَةِ. وَهَذَا أَمْرٌ جَلِيٌّ لَا سُتْرَةَ
فِيهِ. وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إنَّ الْأَمْرَ مُفَوَّضٌ
لِلنَّاظِرِ فَيَرْصُدُ الْقَدْرَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى
ظَنِّهِ الْحَاجَةُ إلَيْهِ.
(2/258)
الْعِمَارَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ
وَالسُّكُوتِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مَعَ السُّكُوتِ تُقَدَّمُ
الْعِمَارَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَلَا يَدَّخِرُ
لَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَمَعَ
الِاشْتِرَاطِ تُقَدَّمُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيَدَّخِرُ لَهَا
عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ يُفَرَّقُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ
الْوَاقِفَ إنَّمَا جَعَلَ الْفَاضِلَ عَنْهَا لِلْفُقَرَاءِ.
نَعَمْ إذَا اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَهَا عِنْدَ
الْحَاجَةِ إلَيْهَا لَا يَدَّخِرُ لَهَا عِنْدَ
الِاسْتِغْنَاءِ. وَعَلَى هَذَا فَيَدَّخِرُ النَّاظِرُ فِي
كُلِّ سَنَةٍ قَدْرًا لِلْعِمَارَةِ. وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَا
حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عَلَّلَهُ فِي
النَّوَازِلِ بِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ لِلْمَسْجِدِ حَدَثٌ
وَالدَّارُ بِحَالٍ لَا تُغِلُّ. وَحَاصِلُهُ جَازَ خَرَابُ
الْمَسْجِدِ أَوْ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ، وَالْمَوْقُوفُ لَا
غَلَّةَ لَهُ فَيُؤَدِّي الصَّرْفُ إلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ
غَيْرِ ادِّخَارِ شَيْءٍ لِلتَّعْمِيرِ إلَى خَرَابِ الْعَيْنِ
الْمَشْرُوطِ تَعْمِيرُهَا أَوَّلًا.
وَصِيُّ الْوَاقِفِ نَاظِرٌ عَلَى أَوْقَافِهِ كَمَا هُوَ
مُتَصَرِّفٌ فِي أَمْوَالِهِ وَلَوْ جَعَلَ رَجُلًا وَصِيًّا
بَعْدَ جَعْلِ الْأَوَّلِ كَانَ الثَّانِي وَصِيًّا لَا
نَاظِرًا، كَمَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ مِنْ الْوَقْفِ. 97 -
وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهُ، فَإِنَّ مُقْتَضَى مَا قَالُوا
فِي الْوَصَايَا أَنْ يَكُونَا وَصِيَّيْنِ. حَيْثُ لَمْ
يُعْزَلْ الْأَوَّلُ فَيَكُونَانِ نَاظِرَيْنِ. 98 -
فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ غَيْرُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(97) قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهٌ. رُبَّمَا
يُوَجِّهُهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا تَعَيَّنَ لِلنَّظَرِ
رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ لَمْ تَكُنْ الْحَاجَةُ
دَاعِيَةً إلَى كَوْنِ الثَّانِي مُشَارِكًا لَهُ.
(98) قَوْلُهُ: فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ غَيْرُهُ إلَخْ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَدْ رَاجَعْنَا فَوَجَدْنَا
الْخَصَّافَ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْأَوْقَافِ بِأَنَّهُمَا
يَكُونَانِ نَاظِرَيْنِ.
(2/259)
|