غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر [أَحْكَامُ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ
وَالْمُكْرَهِ]
(8) قَوْلُهُ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مُسْقِطٌ
لِلْإِثْمِ مُطْلَقًا.
أَيْ سَوَاءٌ وَقَعَ النِّسْيَانُ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ أَوْ
فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ
أَوْ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ إنْ قُلْت
(3/289)
لِلْحَدِيثِ الْحَسَنِ «إنَّ اللَّهَ
تَعَالَى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ،
وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَالَ الْأُصُولِيُّونَ:
إنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ بِدَلَالَةِ 10 -
مَحَلِّ الْكَلَامِ 11 -؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْخَطَأِ
وَأَخَوَيْهِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ، فَالْمُرَادُ حُكْمُهَا،
وَهُوَ نَوْعَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
حَيْثُ كَانَ النِّسْيَانُ مُسْقِطًا لِلْإِثْمِ مُطْلَقًا
فَمَا مَعْنَى الدُّعَاءِ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي قَوْله
تَعَالَى {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ
أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قُلْت الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ
وُجُوهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْهُ مَا يُعْذَرُ
صَاحِبُهُ فِيهِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُعْذَرُ، فَمَنْ رَأَى
دَمًا فِي ثَوْبِهِ وَأَخَّرَ إزَالَتَهُ إلَى أَنْ نَسِيَ
فَصَلَّى، وَهُوَ عَلَى ثَوْبِهِ عُدَّ مُقَصِّرًا إذْ كَانَ
يَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى إزَالَتِهِ، وَكَذَا إذَا
تَغَافَلَ عَنْ تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ حَتَّى نَسِيَهُ
فَإِنَّهُ يَكُونُ مَلُومًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَاظَبَ عَلَى
الْقِرَاءَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ نَسِيَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ
مَعْذُورًا فَثَبَتَ أَنَّ النَّاسِيَ قَدْ لَا يَكُونُ
مَعْذُورًا، وَذَلِكَ إذَا تَرَكَ التَّحَفُّظَ، وَأَعْرَضَ
عَنْ أَسْبَابِ التَّذَكُّرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ
طَلَبُ غُفْرَانِهِ بِالدُّعَاءِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ
ذَكَرَ النِّسْيَانَ وَالْخَطَأَ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا مَا
هُمَا مُسَبَّبَانِ عَنْهُ كَذَا فِي غَرَائِبِ الْقُرْآنِ
وَرَغَائِبِ الْفُرْقَانِ.
(9) قَوْلُهُ: لِلْحَدِيثِ الْحَسَنِ.
أَقُولُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ
عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
(10) قَوْلُهُ: بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ.
أَيْ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ كَمَا إذَا
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَيْثُ لَا
يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ النَّخْلَةَ بَلْ ثَمَرَهَا
بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ وَهِيَ النَّخْلَةُ؛ لِأَنَّ
أَكْلَهَا مُتَعَذِّرٌ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى
مَمَرِّهَا مَجَازًا بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى
الْمُسَبَّبِ حَتَّى لَوْ أَكَلَ مِنْ النَّخْلَةِ لَا
يَحْنَثُ.
(11) قَوْلُهُ: لِأَنَّ عَيْنَ الْخَطَأِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ.
يَعْنِي بَلْ وَاقِعٌ وَالنَّبِيُّ مَعْصُومٌ مِنْ الْكَذِبِ
فَصَارَ ذِكْرُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اشْتَمَلَ
عَلَيْهِ مَجَازًا عَنْ حُكْمِهِ.
(3/290)
أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ الْمَأْثَمُ، 13 -
وَدُنْيَوِيٌّ، وَهُوَ الْفَسَادُ.
14 - وَالْحُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَصَارَ الْحُكْمُ بَعْدَ
كَوْنِهِ مَجَازًا مُشْتَرَكًا 15 - فَلَا يَعُمُّ.
أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: أُخْرَوِيٌّ وَهُوَ الْمَأْثَمُ.
أَيْ الْإِثْمُ يَعْنِي الْمُرَادُ بِالْأُخْرَوِيِّ هُنَا
الْإِثْمُ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ الْأُخْرَوِيُّ هُوَ
الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ.
(13) قَوْلُهُ: وَدُنْيَوِيٌّ، وَهُوَ الْفَسَادُ يَعْنِي.
هُنَا، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الْجَوَازُ
وَالْفَسَادُ.
(14) قَوْلُهُ: وَالْحُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ إلَخْ.
إذْ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْعَزِيمَةِ
وَفَسَادِهَا وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِ
الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَعَدَمِهَا فَيُوجَدُ
أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ كَمَنْ صَلَّى رِيَاءً
مُرَاعِيًا الشَّرَائِطَ، وَالْأَرْكَانَ، وَمَنْ صَلَّى
مُتَوَضِّئًا بِمَاءٍ نَجِسٍ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ، وَلَمَّا
اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ صَارَ لَفْظُ الْحُكْمِ مُشْتَرَكًا.
(15) قَوْلُهُ: فَلَا يَعُمُّ أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ
الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ صَاحِبُ الْكَشْفِ: فِيهِ نَوْعُ
اشْتِبَاهٍ، فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ الَّذِي لَا يَجْرِي
الْعُمُومُ فِيهِ هُوَ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ، وَهُوَ
أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْ الْمَعَانِي كَالْقُرْءِ دُونَ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ
أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ بِإِزَاءِ مَعْنًى يَعُمُّ أَشْيَاءَ
مُخْتَلِفَةً كَالْحَيَوَانِ، وَالْحُكْمُ مِنْ هَذَا
الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ هُوَ الْأَثَرُ
الثَّابِتُ بِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَوَازَ وَالْفَسَادَ
وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ بِهَذَا الْمَعْنَى الْعَامِّ لَا
بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ جَوَازًا أَوْ ثَوَابًا، وَمَا ذُكِرَ
فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ مِنْ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجَوَازَ
وَالْفَسَادَ وَالثَّوَابَ وَالْإِثْمَ قَصْدًا؛ لِأَنَّ
هَذِهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْعَيْنِ يَتَنَاوَلُ
الْيَنْبُوعَ وَالشَّمْسَ قَصْدًا فَكَانَ مُشْتَرَكًا
لَفْظِيًّا تَحَكُّمٌ إذْ لَا نَقْلَ فِيهِ، وَلَا دَلِيلَ
عَلَيْهِ (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ: هَذَا الْمَنْعُ خَارِجٌ عَنْ
قَانُونِ التَّوْجِيهِ بَيَانُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ
يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ فَسَادِ
الصَّلَاةِ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا أَوْ مُحِيطًا فَقَالَ
عُلَمَاؤُنَا رَدًّا عَلَيْهِ: إنَّمَا يَسْتَقِيمُ
الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَوْ كَانَ غَيْرَ
مُحْتَمَلٍ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ثُمَّ بَيَّنُوا وَجْهَ
الِاحْتِمَالِ بِأَنَّ لَفْظَ الْحُكْمِ مُشْتَرَكٌ عَلَى
وَجْهِ السَّنَدِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَدِلِّ حِينَئِذٍ إلَّا
الْجَوَابُ عَنْ الْمَنْعِ لَا مَعَ السَّنَدِ أَوْ نَقُولُ
بِوَجْهٍ أَظْهَرَ هُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لِمَا ادَّعَى
أَنَّ الْحُكْمَ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ وَبَنَى
(3/291)
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْمَجَازَ لَا عُمُومَ لَهُ، 17 -
فَإِذَا ثَبَتَ الْأُخْرَوِيُّ إجْمَاعًا لَمْ يَثْبُتْ
الْآخَرُ كَذَا فِي التَّنْقِيحِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِنَا
عَلَى الْمَنَارِ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الدُّنْيَوِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
الْأَحْكَامَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا يَصِحُّ بِنَاءُ مَا
ذَكَرْت مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ
الْحُكْمِ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ
فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُ الْمُعَلِّلِ لِمَ لَا يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا خَارِجًا عَنْ
التَّوْجِيهِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى.
عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِمْ: حُكْمُ الدُّنْيَا
وَحُكْمُ الْعُقْبَى مَبْنِيَّةٌ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ
إمَارَةُ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ يُقَالُ: عَيْنُ
الذَّهَبِ وَعَيْنُ الْإِنْسَانِ وَالْمُتَوَاطِئِ بِمَعْزِلٍ
عَنْ ذَلِكَ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ لَكِنْ
لَا يَضُرُّنَا هَذَا الْمَنْعُ؛ إذْ الْمُدَّعَى لَيْسَ إلَّا
الْإِجْمَالُ، وَالتَّوَاطُؤُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إذْ
الْمُجْمَلُ مَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ إلَّا
بِالِاسْتِفْسَارِ، وَقَدْ يَحْسُنُ الِاسْتِفْسَارُ عَنْ
أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ قَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ:
اللَّفْظُ إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ، وَلَمْ
يَكُنْ حَمْلُهُ عَلَى بَعْضِهَا أَوْلَى مِنْ الْبَاقِيَةِ
كَانَ مُجْمَلًا ثُمَّ تَنَاوُلُ اللَّفْظُ لِتِلْكَ
الْمَعَانِي إمَّا بِحَسْبِ مَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ
الْمُشْتَرَكُ إلَى هُنَا كَلَامُهُ قَالَ الْفَاضِلُ شَرَفُ
بْنُ كَمَالٍ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ فِي الْوَاقِعِ
جَوَابٌ عَنْ الْمَنْعِ لَا مَنْعُ السَّنَدِ كَمَا زَعَمَ،
بَيَانُهُ أَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ كَوْنَهُ مُشْتَرَكًا
مَعْنَوِيًّا، وَهُوَ عَامٌّ حَقِيقَةً انْتَفَى الْإِجْمَالُ،
وَهُوَ الْمُدَّعَى إذْ الْمُجْمَلُ مَا لَا يُمْكِنُ
الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ لَا يُفْهَمُ
الْمُرَادُ مِنْهُ إلَّا بِالِاسْتِفْسَارِ كَمَا ذُكِرَ
وَالْعَامُّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَيَانِ،
وَيُفْهَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ قَبْلَ الِاسْتِفْسَارِ
بِحَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ وَإِذَا أَمْكَنَ فَلَا
حُسْنَ لِقَوْلِهِ، وَقَدْ يَحْسُنُ الِاسْتِفْسَارُ عَنْ
أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى وَيُحْمَلُ
كَلَامُ الْمَحْصُولِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْحَمْلُ
عَلَى جَمِيعِ الْمَعَانِي أَوْ عَلَى الْبَعْضِ الْمُعَيَّنِ.
(16) قَوْلُهُ: وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْمَجَازَ لَا عُمُومَ لَهُ.
أَقُولُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّرِيفِ بْنِ كَمَالٍ أَنَّ
هَذَا الْقَوْلَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
(17) قَوْلُهُ: فَإِذَا ثَبَتَ الْأُخْرَوِيُّ إجْمَاعًا لَمْ
يَثْبُتْ الْآخَرُ.
يَعْنِي لَمَّا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ وَصَارَ لَفْظُ
الْحُكْمِ مُشْتَرَكًا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى
فَسَادِ الصَّلَاةِ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ إلَّا بِدَلِيلٍ يَقْتَرِنُ بِهِ يُرَجِّحُ
أَحَدَ مُحْتَمَلَيْهِ، وَهُوَ الدُّنْيَوِيُّ إذْ
الْأُخْرَوِيُّ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى
الدُّنْيَوِيُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِعَدَمِ جَوَازِ
عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ.
(3/292)
فَإِنْ وَقَعَ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ لَمْ
يَسْقُطْ بَلْ يَجِبُ تَدَارُكُهُ 19 - وَلَا يَحْصُلُ
الثَّوَابُ الْمُتَرَقَّبُ عَلَيْهِ، أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ
عَنْهُ، 20 - فَإِنْ أَوْجَبَ عُقُوبَةً كَانَ شُبْهَةً فِي
إسْقَاطِهَا،
21 - فَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ
زَكَاةً أَوْ كَفَّارَةً أَوْ نَذْرًا وَجَبَ عَلَيْهِ
قَضَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ،
22 - وَكَذَا الْوُقُوفُ بِغَيْرِ عَرَفَةَ غَلَطًا يَجِبُ
الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا،
23 - وَمِنْهَا مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ نَاسِيًا
أَوْ نَسِيَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ 24 -
وَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْمَاءِ
وَالثَّوْبِ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ لَمْ يَسْقُطْ
الْحُكْمُ.
وَهُوَ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُنَافِي
الْوُجُوبَ وَلَا وُجُوبَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخِلُّ
بِالْأَهْلِيَّةِ لِكَمَالِ الْعَقْلِ وَإِيجَابِ الْحُقُوقِ
عَلَى النَّاسِي لَا يُؤَدِّي إلَى إيقَاعِهِ فِي الْحَرَجِ
لِيَمْتَنِعَ الْوُجُوبُ بِهِ.
(19) قَوْلُهُ: وَلَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ
عَلَيْهِ.
كَذَا فِي النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ يَحْصُلُ بِإِسْقَاطِ لَا،
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الثَّوَابَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى
الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ الَّذِي تَرَكَهُ يَحْصُلُ
بِتَدَارُكِهِ.
(20) قَوْلُهُ: فَإِنْ أَوْجَبَ عُقُوبَةً إلَخْ.
دُنْيَوِيَّةً كَالْحُدُودِ كَمَا لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ
نَاسِيًا، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا لَا يُوجِبُ عُقُوبَةً
لَا يَسْقُطُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا
(21) قَوْلُهُ: فَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً إلَخْ.
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ وَقَعَ فِي تَرْكِ
الْمَأْمُورِ
(22) قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ وَقَفَ بِغَيْرِ عَرَفَةَ
غَلَطًا.
أَقُولُ فِيهِ: إنَّ الْكَلَامَ فِي النِّسْيَانِ لَا فِي
الْغَلَطِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَقْصُودَهُ
التَّنْظِيرُ لِلْفَرْعِ لَا التَّمْثِيلُ
[مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ نَاسِيًا أَوْ نَسِيَ
رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ]
(23) قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ.
أَقُولُ: لَيْسَ لِهَذَا الضَّمِيرِ مَرْجِعٌ فِي نَظْمِ
الْكَلَامِ يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ
رَاجِعٌ إلَى لَفْظِ الْفُرُوعِ مُتَعَقَّلٌ فِي الذِّهْنِ
أَيْ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَفَرِّعَةِ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ
وَقَعَ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ.
(24) قَوْلُهُ: أَوْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ
فِي الْمَاءِ إلَخْ.
بَعْدَ مَا تَوَضَّأَ، وَفِي الثَّوْبِ بَعْدَ مَا صَلَّى،
وَفِي الْوَقْتِ بَعْدَ مَا صَلَّى، وَفِي الصَّوْمِ بَعْدَ
مَا صَامَ
(3/293)
أَوْ نَسِيَ نِيَّةَ الصَّوْمِ أَوْ
تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا وَمِمَّا يَسْقُطُ حُكْمُهُ
فِي النِّسْيَانِ لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فِي
الصَّوْمِ أَوْ جَامَعَ لَمْ يَبْطُلْ 26 - أَوْ أَكَلَ
نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ تَبْطُلُ، 27 - وَلَوْ سَلَّمَ
نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ عَلَى رَأْسِ
الرَّكْعَتَيْنِ
وَالنَّاسِي وَالْعَامِدُ فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ، وَكَذَا فِي
الطَّلَاقِ لَوْ قَالَ: زَوْجَتِي طَالِقٌ نَاسِيًا أَنَّ لَهُ
زَوْجَةً، وَكَذَا فِي الْعَتَاقِ، وَكَذَا فِي مَحْظُورَاتِ
الْإِحْرَامِ.
28 - وَقَدْ جَعَلَ لَهُ أَصْلًا فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَ:
إنْ كَانَ مَعَهُ مُذَكِّرٌ، وَلَا دَاعِيَةَ لَهُ 29 -
كَأَكْلِ الْمُصَلِّي لَمْ يَسْقُطْ لِتَقْصِيرِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: أَوْ نَسِيَ نِيَّةَ الصَّوْمِ.
أَيْ وَصَامَ بِلَا نِيَّةٍ.
(26) قَوْلُهُ: أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ.
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ أَكَلَ وَمُقْتَضَى الْعَطْفِ أَنْ
يَكُونَ مِمَّا سَقَطَ حُكْمُهُ بِالنِّسْيَانِ، وَلَيْسَ
كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِمَّا لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُهُ
بِالنِّسْيَانِ كَمَا يُفِيدُهُ.
(27) قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ إلَخْ.
جَوَابُ لَوْ سَاقِطٌ، وَهُوَ لَا تَبْطُلُ كَمَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي
الْقَعْدَةِ
(28) قَوْلُهُ: وَقَدْ جُعِلَ لَهُ أَصْلًا فِي التَّحْرِيرِ.
أَيْ لِمَا ذَكَرَهُ مِمَّا يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِالنِّسْيَانِ
وَمَا لَا يَسْقُطُ.
(29) قَوْلُهُ: كَأَكْلِ الْمُصَلِّي إلَخْ.
أَيْ فِي أَيِّ رُكْنٍ مِنْ صَلَاتِهِ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ،
وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ النِّسْيَانُ هُنَا عُذْرًا؛
لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ النِّسْيَانِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ
فِي غَلَبَةِ الْوُجُودِ وَهُوَ نِسْيَانُ الصَّوْمِ
وَالتَّسْمِيَةِ فِي الذَّبِيحَةِ لِوُجُودِ هَيْئَةٍ
مُذَكِّرَةٍ لَهُ تَمْنَعُهُ مِنْ النِّسْيَانِ إذَا نَظَرَ
إلَيْهَا فَكَانَ وُقُوعُهُ مِنْهُ لِغَفْلَتِهِ وَتَقْصِيرِهِ
فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
(3/294)
بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ، 31 -
أَوْ لَا مَعَهُ مَعَ دَاعٍ كَأَكْلِ الصَّائِمِ سَقَطَ 32 -
أَوْ لَا 33 - وَلَا فَأَوْلَى كَتَرْكِ الذَّابِحِ
التَّسْمِيَةَ (انْتَهَى)
وَمِنْ مَسَائِلِ النِّسْيَانِ 34 - لَوْ نَسِيَ الْمَدْيُونُ
الدَّيْنَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنَ مَبِيعٍ أَوْ
قَرْضٍ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَصْبًا يُؤَاخَذْ
بِهِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
وَمِنْهَا لَوْ عَلِمَ الْوَصِيُّ بِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْصَى
بِوَصَايَا لَكِنَّهُ نَسِيَ مِقْدَارَهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ.
أَيْ الْأُولَى ظَانًّا أَنَّهَا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ
حَيْثُ جُعِلَ النِّسْيَانُ عُذْرًا حَيْثُ لَا تَفْسُدُ
صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ مَحَلُّ السَّلَامِ، وَلَيْسَ
لِلْمُصَلِّي هَيْئَةٌ تُذَكِّرُ أَنَّهَا الْقَعْدَةُ
الْأُولَى فَيَكُونُ مِثْلَ النِّسْيَانِ فِي الصَّوْمِ.
(31) قَوْلُهُ: أَوْ لَا مَعَهُ مَعَ دَاعٍ إلَخْ.
أَيْ لَا مَعَ النِّسْيَانِ مُذَكِّرٌ مَعَ دَاعِي
النِّسْيَانِ كَأَكْلِ الصَّائِمِ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ حَالَةٌ
خَاصَّةٌ تُذَكِّرُهُ، وَلَكِنَّهُ مَعَهُ دَاعِي
النِّسْيَانِ، وَهُوَ التَّوَقَانُ إلَى الطَّعَامِ.
(32) قَوْلُهُ: أَوْ لَا.
وَلَا أَيْ: لَا مَعَ النِّسْيَانِ مُذَكِّرٌ وَلَا دَاعِيَ
لَهُ.
(33) قَوْلُهُ: فَأَوْلَى إلَخْ.
أَيْ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُهُ كَتَرْكِ الذَّابِحِ
التَّسْمِيَةَ فَإِنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَى تَرْكِهَا، وَلَيْسَ
ثَمَّةَ مَا يُذَكِّرُ إخْطَارَهَا بِالْبَالِ وَإِجْرَاءَهَا
عَلَى اللِّسَانِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَيُشْكِلُ
الْأَوَّلُ بِتَعْلِيلِهِمْ حَلَّهَا بِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ
قَتْلَ الْحَيَوَانِ يُوجِبُ خَوْفًا وَهَيْبَةً وَتَغَيُّرَ
حَالِ الْبَشَرَةِ غَالِبًا لِنُفُورِ الطَّبْعِ عَنْهُ
وَلِهَذَا لَا يَحْسُنُ الذَّبْحُ مِنْ النَّاسِي خُصُوصًا
مَنْ كَانَ طَبْعُهُ رَقِيقًا يَتَأَلَّمُ بِإِيذَاءِ
الْحَيَوَانِ فَيَشْتَغِلُ الْقَلْبُ بِهِ فَيَتَمَكَّنُ
النِّسْيَانُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ،
وَيُنَاقِشُ الثَّانِي بِأَنَّ هَيْئَةَ إضْجَاعِهَا
وَبِيَدِهِ الْمُدْيَةِ لِقَصْدِ إزْهَاقِ رُوحِهَا
مُذَكِّرَةٌ لَهُ بِالتَّسْمِيَةِ فَالْأَوْلَى التَّوْجِيهُ
بِمَا قَالُوهُ، وَهُوَ الْمَعْنَى أَبَدًا حُكْمُهُ، وَإِلَّا
فَالْمُفَرَّعُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ السَّمْعُ كَذَا فِي
شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ
[نَسِيَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ حَتَّى مَاتَ]
(34) قَوْلُهُ: لَوْ نَسِيَ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ حَتَّى
مَاتَ إلَخْ.
أَقُولُ الذِّمِّيُّ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ
فِي فَصْلِ بَرَاءَةِ الْغَاصِبِ: وَالْمَدْيُونُ رَجُلٌ
مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ نَسِيَهُ وَوَارِثُهُ
(3/295)
وَحُكْمُهُ فِي وَصَايَا خِزَانَةِ
الْمُفْتِينَ
36 - وَأَمَّا الْجَهْلُ فَحَقِيقَتُهُ 37 - عَدَمُ الْعِلْمِ
عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْعِلْمُ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يَقْضِي دَيْنًا مِنْ
مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْوَارِثَ نَسِيَ
أَيْضًا حَتَّى مَاتَ لَا يُؤَاخَذُ الْوَارِثُ بِذَلِكَ فِي
دَارِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يُبَاشِرْ سَبَبَ
الدَّيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا،
وَالنِّسْيَانُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ (انْتَهَى) .
فَلَعَلَّ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا فَلْيُرَاجَعْ
[عَلِمَ الْوَصِيُّ بِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْصَى بِوَصَايَا
لَكِنَّهُ نَسِيَ مِقْدَارَهَا]
(35) قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ فِي وَصَايَا خِزَانَةِ
الْمُفْتِينَ.
أَقُولُ: قَالَ فِيهَا يَسْتَأْذِنُهُمْ بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ
كَيْفَ شَاءَ فَإِذَا أَذِنُوا لَهُ جَازَ لَهُ أَنْ
يُعْطِيَهُمْ كَيْفَ شَاءَ (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ حَسَنٌ لَوْ
أَذِنُوا لَهُ
[حَقِيقَة الْجَهْل وَأَقْسَامه]
(36) قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْجَهْلُ فَحَقِيقَتُهُ إلَخْ. قِيلَ
اعْتِقَادُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ وَاعْتُرِضَ
بِأَنَّهُ يُسْتَلْزَمُ كَوْنُ الْمَعْدُومِ شَيْئًا إذْ
الْجَهْلُ يَتَحَقَّقُ بِالْمَعْدُومِ كَمَا يَتَحَقَّقُ
بِالْمَوْجُودِ أَوْ كَوْنُ الْمَعْدُومِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي
الْحَدِّ، وَكَلَامُهُمَا فَاسِدٌ كَذَا فِي الْكَشْفِ
الصَّغِيرِ. أَقُولُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ إنَّمَا يَتِمُّ
عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَمَّا
عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ
الْقَائِلَ بِهَذَا التَّعْرِيفِ مُعْتَزِلِيٌّ وَحِينَئِذٍ
لَا يَتَوَجَّهُ الِاعْتِرَاضُ. (37) قَوْلُهُ: عَدَمُ
الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْعِلْمُ. أَيْ أَنْ
يَعْلَمَ؛ فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ لِلْحَجَرِ وَالْحَائِطِ
جَاهِلٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ شَأْنَهُمَا فَيَكُونُ
التَّقَابُلُ بَيْنَهُمَا تَقَابُلَ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ،
وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ قَيْدٌ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ يَكُونُ
الْحَجَرُ وَالْحَائِطُ جَاهِلَيْنِ فَالتَّقَابُلُ
بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَقِيلَ:
إنَّهُ صِفَةُ تَضَادِّ الْعِلْمِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ
فَهُوَ وُجُودِيٌّ وَالتَّقَابُلُ بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ
التَّضَادِّ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى نَظَرِيٌّ فَلَيْسَ
بِعَيْبٍ وَيُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِالتَّعَلُّمِ وَإِنَّمَا
الْعَيْبُ فِي التَّقْصِيرِ فِي إزَالَتِهِ قَالَ
الْمُتَنَبِّي:
وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ عَيْبًا ... كَنَقْصِ
الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَاجْهَدْ بِنَفْسِك وَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا ... فَأَنْتَ
بِالنَّفْسِ لَا بِالْجِسْمِ إنْسَانُ
(3/296)
فَإِنْ قَارَنَ اعْتِقَادَ النَّقِيضِ
فَهُوَ مُرَكَّبٌ، 39 - وَهُوَ الْمُرَادُ بِالشُّعُورِ
بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ 40 - وَإِلَّا
فَبَسِيطٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الشُّعُورِ
41 - وَأَقْسَامُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ كَمَا
فِي الْمَنَارِ أَرْبَعَةٌ، 42 - الْأَوَّلُ: جَهْلٌ بَاطِلٌ
لَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي الْآخِرَةِ، 43 - كَجَهْلِ
الْكَافِرِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِ
الْآخِرَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَإِنْ قَارَنَ اعْتِقَادَ النَّقِيضِ فَمُرَكَّبٌ.
بِأَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عَالِمٌ اعْتِقَادًا غَيْرَ
مُطَابِقٍ.
(39) قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُرَادُ بِالشُّعُورِ بِالشَّيْءِ
إلَخْ.
أَقُولُ: وَحَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ
غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ
وَهُوَ عَيْبٌ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِالتَّعَلُّمِ؛
لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَالِمٌ فَلَا
يَشْتَغِلُ بِالتَّعَلُّمِ وَعَلَى تَقْسِيمِ الْجَهْلِ إلَى
مُرَكَّبٍ وَبَسِيطٍ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَالَ حِمَارُ الْحَكِيمِ يَوْمًا ... لَوْ أَنْصَفُونِي
لَكُنْت أَرْكَبُ
؛ لِأَنَّنِي جَاهِلٌ بَسِيطٌ ... وَرَاكِبِي جَهْلُهُ
مُرَكَّبُ
وَقَالَ الْمُتَنَبِّي:
وَمَنْ جَاهِلٍ لِي وَهُوَ يَجْهَلُ جَهْلَهُ ... وَيَجْهَلُ
عِلْمِي أَنَّهُ بِي جَاهِلٌ
(40) قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبَسِيطٌ إلَخْ.
وَذَلِكَ كَمَا إذَا قِيلَ لَك أَنْتَ تَعْلَمُ عَدَدَ شَعْرِ
رَأْسِك أَوْ تَجْهَلُهُ فَتَقُولُ أَجْهَلُهُ فَإِذَا قِيلَ
لَك أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّك جَاهِلٌ بِذَلِكَ فَتَقُولُ نَعَمْ
(41) قَوْلُهُ: وَأَقْسَامُهُ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي
الْمَنَارِ.
أَقُولُ الَّذِي فِي الْمَنَارِ وَشُرُوحِهِ أَنَّ الْجَهْلَ
عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ جَهْلٌ بَاطِلٌ لَا يَصْلُحُ
عُذْرًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَالثَّانِي الْجَهْلُ
فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَالثَّالِثُ الْجَهْلُ فِي دَارِ
الْحَرْبِ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ
الْخَلَلِ.
(42) قَوْلُهُ: جَهْلٌ بَاطِلٌ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا فِي
الْآخِرَةِ.
قُيِّدَ بِالْآخِرَةِ إذْ قَدْ يُجْعَلُ عُذْرًا فِي أَحْكَامِ
الدُّنْيَا بِقَبُولِ الذِّمَّةِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ، وَإِنْ
لَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يُعَاقَبَ فِيهَا
كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِشَرَفِ بْنِ كَمَالٍ.
(43) قَوْلُهُ: كَجَهْلِ الْكَافِرِ بِصِفَاتِ اللَّهِ
تَعَالَى.
أَقُولُ الصَّوَابُ كَجَهْلِ الْكَافِرِ
(3/297)
وَجَهْلِ صَاحِبِ الْهَوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ وَهُوَ الْأَقْوَى فَإِنَّهُ لَا
يَصْلُحُ عُذْرًا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُكَابَرَةٌ وَعِنَادٌ
بَعْدَ وُضُوحِ الدَّلَائِلِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ
تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ
مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ الْمَحْسُوسِ وَكَذَا عَلَى
حَقِّيَّةِ الرَّسُولِ مِنْ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ
الْمُعْجِزَاتِ وَأَوْرَدَ بِأَنَّ الْكَافِرَ الْمُعَانِدَ
قَدْ يَعْرِفُ الْحَقَّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا
وَعُلُوًّا} [النمل: 14] وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ جَهْلًا
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْجَهْلِ مِنْهُمْ عَدَمُ
التَّصْدِيقِ الْمُفَسَّرُ بِالْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ
وَرَدَّهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ بِأَنَّ الْإِذْعَانَ حَاصِلٌ
فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ قَلْبِيٌّ وَأَجَابَ عَنْ
الْإِيرَادِ بِأَنَّ تَرْكَ الْإِقْرَارِ فِيمَا يَعْرِفُهُ
وَيَجْحَدُهُ جَهْلٌ ظَاهِرٌ وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُ
الْأَفَاضِلِ بِأَنَّ تَرْكَ الْإِقْرَارِ كَالْإِقْرَارِ
لِسَانِيٌّ كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ كَالْعِلْمِ جِنَانِيٌّ
فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ جَعْلُ تَرْكِ الْإِقْرَارِ مِنْ قَبِيلِ
الْجَهْلِ؟ وَأَجَابَ الْمَوْلَى خُسْرو عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ
فِي شَرْحِ الْمِرْقَاةِ إمَّا بِتَخْصِيصِ الْمِثَالِ
بِجَهْلِ كَافِرٍ غَيْرِ مُعَانِدٍ، وَإِمَّا بِتَعْمِيمِهِ
بِجَهْلِ الْمُعَانِدِ وَجَعْلِ تَسْمِيَةِ فِعْلِهِ جَهْلًا
مِنْ قَبِيلِ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ،
فَإِنَّ تَرْكَهُمْ الْإِقْرَارَ وَإِظْهَارَهُمْ الْإِنْكَارَ
مُسَبَّبٌ عَنْ جَهْلِهِمْ لِوَخَامَةِ عَاقِبَةِ مَنْ تَرَكَ
الْعَمَلَ بِمُوجَبِ عِلْمٍ تُفِيدُهُ الْبَرَاهِينُ
الْقَطْعِيَّةُ فَتَدَبَّرْ.
(44) قَوْلُهُ: وَجَهْلِ صَاحِبِ الْهَوَى.
أَيْ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ جَهْلِ الْمُجَسِّمَةِ
وَالْكَرَامِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا بِحُدُوثِ صِفَاتِ
اللَّهِ - تَعَالَى - مِثْلُ جَهْلِ الْفَلَاسِفَةِ
بِالصِّفَاتِ حَيْثُ لَا يُثْبِتُونَهَا وَيُمَتِّنُونَ مِنْ
إطْلَاقِ مِثْلِ الْعَالِمِ وَالْقَادِرِ وَالسَّمِيعِ
وَالْبَصِيرِ عَلَى الْبَارِئِ تَعَالَى تَفَاوُتًا عَنْ
التَّشْبِيهِ فَإِنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ صِفَاتِ اللَّهِ -
تَعَالَى - حَقِيقِيَّةً قَائِمَةً بِذَاتِهِ تَعَالَى
وَيَقُولُونَ عَالِمٌ بِلَا عِلْمٍ وَقَادِرٌ بِلَا قُدْرَةٍ
وَمِثْلُ جَهْلِ صَاحِبِ الْهَوَى فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ
مِثْلُ جَهْلِ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ بِعَذَابِ الْقَبْرِ
وَسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَالْمِيزَانِ وَالصِّرَاطِ
وَالْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ وَهَذَا الْجَهْلُ دُونَ
الْأَوَّلِ لِكَوْنِ هَذَا الْجَاهِلِ مُتَأَوِّلًا
بِالْقُرْآنِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الزَّاهِدِيَّ صَرَّحَ
بِالِاتِّفَاقِ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ وَبِالرُّؤْيَةِ
وَالشَّفَاعَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ وَعَفْوِ مَا دُونَ
الْكُفْرِ وَعَدَمِ خُلُودِ الْفُسَّاقِ فِي النَّارِ نُقِلَ
ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْمِرْآةِ شَرْحِ الْمِرْقَاةِ.
(3/298)
وَجَهْلِ الْبَاغِي حَتَّى يَضْمَنَ مَالَ
الْعَدْلِ إذَا أَتْلَفَهُ.
وَجَهْلِ 46 - مَنْ خَالَفَ فِي اجْتِهَادِهِ الْكِتَابَ أَوْ
السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَالْإِجْمَاعَ كَالْفَتْوَى
بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ
47 - وَالثَّانِي: الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ
الصَّحِيحِ أَوْ فِي مَوْضِعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَجَهْلِ الْبَاغِي إلَخْ.
وَهُوَ الَّذِي خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْحَقِّ
ظَانًّا أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَالْإِمَامُ عَلَى
الْبَاطِلِ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ
عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْقَاطِعِ
الْوَاضِحِ، وَهُوَ أَنَّ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ
عَادِلًا يَكُونُ عَلَى الْحَقِّ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ
بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْوِيلٌ فَحُكْمُهُ
حُكْمُ اللُّصُوصِ، وَعَلَى هَذَا قُلْنَا الْبَاغِي إنْ
أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ أَوْ نَفْسَهُ وَلَا مَنَعَةَ لَهُ
يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ
لِكَوْنِهِ مُسْلِمًا وَلَا شَوْكَةَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ لَهُ مَنَعَةٌ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ لِخُلُوِّهِ عَنْ
الْفَائِدَةِ إذْ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ عَلَيْهِ
مُنْقَطِعَةٌ لِشَوْكَتِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِتَأْوِيلِهِ
الْفَاسِدِ هَذَا إذَا هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ
كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ بِالْأَخْذِ، وَالْحَاصِلُ
أَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ ذَاتِ
وَصْفَيْنِ وَهِيَ الْمَنَعَةُ مَعَ التَّأْوِيلِ فَإِذَا
انْتَفَى أَحَدُهُمَا لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ.
(46) قَوْلُهُ: وَجَهْلِ مَنْ خَالَفَ فِي اجْتِهَادِهِ
الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ أَوْ عَمِلَ
بِالْغَرِيبِ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ
الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ أَصْلًا
كَالْفَتْوَى بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَهُوَ
مَذْهَبُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَدَاوُد الْأَصْفَهَانِيِّ
مُتَمَسِّكِينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-» فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ
قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا
وَلَدُهَا» كَالْفَتْوَى بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ
عَامِدًا عَمَلًا بِالْغَرِيبِ مِنْ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ
مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]
(47) قَوْلُهُ: وَالثَّانِي: الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ
الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ.
يَعْنِي بِأَنْ لَا يَكُونَ
(3/299)
الشُّبْهَةِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ عُذْرًا
وَشُبْهَةً، كَالْمُحْتَجِمِ إذَا أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ
أَنَّهَا فَطَّرَتْهُ، وَكَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ وَالِدِهِ
أَوْ زَوْجَتِهِ 48 - عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ
1 - وَالثَّالِثُ: الْجَهْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ
مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ 2 - وَإِنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ
فَإِنَّهُ يَصْلُحُ عُذْرًا كَالْمُحْجِمِ أَفْطَرَ عَلَى
ظَنِّ أَنَّ الْحِجَامَةَ مُفْطِرَةٌ لَا تَلْزَمُهُ
الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ
الصَّحِيحِ، فَإِنَّ الْحِجَامَةَ تُفْسِدُ الصَّوْمَ عِنْدَ
الْإِمَامِ الْأَوْزَاعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَهَذَا
إذَا كَانَ ظَنُّهُ مَبْنِيًّا عَلَى فَتْوَى مُفْتٍ أَوْ
سَمَاعِ حَدِيثٍ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مَبْنِيٍّ عَلَى
أَحَدِهِمَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ الْمُغْتَابِ لَوْ أَفْطَرَ عَلَى
ظَنِّ أَنَّ الْغِيبَةَ فَطَّرَتْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» ؛ لِأَنَّهُ
مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَكُونُ جَهْلُهُ فِي مَوْضِعِ
الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ.
(48) قَوْلُهُ: عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ فَإِنَّ
الْحَدَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛
لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَّصِلَةٌ بَيْنَ الْآبَاءِ
وَالْأَبْنَاءِ وَالزَّوْجَيْنِ، وَالْمَنَافِعُ دَائِرَةٌ؛
وَلِهَذَا لَا نَقْبَلُ شَهَادَةَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ
فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلِاشْتِبَاهِ فَيَصِيرُ الْجَهْلُ
شُبْهَةً فَتَصْلُحُ دَارِئَةً لِلْحَدِّ وَيُسَمَّى هَذَا
شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ،
وَإِنْ ادَّعَى وَلَدُهَا، وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِخِلَافِ
مَا إذَا وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ حَيْثُ يَثْبُتُ
النَّسَبُ إذَا ادَّعَى وَلَدَهَا وَإِنْ قَالَ عَلِمْت
أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ نَشَأَتْ فِيهِ
عَنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَشُبْهَةُ
الدَّلِيلِ أَقْوَى مِنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ
(1) قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ الْجَهْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ
مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ.
أَيْ الْجَهْلُ بِالشَّرَائِعِ مِنْ مُسْلِمٍ أَسْلَمَ فِيهَا.
(2) قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا.
حَتَّى لَوْ مَكَثَ فِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ
الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَغَيْرَهُمَا وَلَمْ يُؤَدِّهَا لَا
يَلْزَمُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِخَفَاءِ
الدَّلِيلِ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ الْخِطَابُ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ
إلَيْهِ حَقِيقَةً بِالسَّمَاعِ وَتَقْدِيرًا بِالشُّهْرَةِ
فَيَصِيرُ جَهْلُهُ عُذْرًا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ إذَا
أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِشُيُوعِ الْأَحْكَامِ
وَالتَّمَكُّنِ مِنْ السُّؤَالِ.
(3/300)
وَيَلْحَقُ بِهِ.
الرَّابِعُ: وَهُوَ جَهْلُ الشَّفِيعِ، 4 - وَجَهْلُ الْأَمَةِ
بِالْإِعْتَاقِ، 5 - وَجَهْلُ الْبِكْرِ بِنِكَاحِ الْوَلِيِّ،
6 - وَجَهْلُ الْوَكِيلِ وَالْمَأْذُونِ بِالْإِطْلَاقِ 7 -
وَضِدُّهُ (انْتَهَى)
وَمِمَّا فَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ؛ لَوْ
قَالَ إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا فَكَذَا، وَهُوَ مَيِّتٌ 8 -
إنْ عَلِمَ بِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا كَذَا فِي الْكَنْزِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِهِ جَهْلُ الشَّفِيعِ إلَخْ.
أَيْ بِالْبَيْعِ حَتَّى يَكُونَ عُذْرًا، وَيَثْبُتُ لَهُ
حَقُّ الشُّفْعَةِ إذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ
الدَّلِيلَ خَفِيٌّ فِي حَقِّهِ أَيْضًا إذْ رُبَّمَا يَقَعُ
الْبَيْعُ، وَلَا يَشْتَهِرُ.
(4) قَوْلُهُ: وَجَهْلُ الْأَمَةِ بِالْإِعْتَاقِ، وَكَذَا
بِالْخِيَارِ.
أَيْ إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ يَثْبُتُ لَهَا
خِيَارُ الْعِتْقِ إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَ الزَّوْجِ،
وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ «مَلَكْت
نَفْسَك فَاخْتَارِي» فَجَهْلُهَا بِالْعِتْقِ أَوْ
بِالْخِيَارِ يُجْعَلُ عُذْرًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ خَفِيٌّ
فِي حَقِّهَا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي
الثَّانِي فَلِأَنَّ خِدْمَةَ الْمَوْلَى شَاغِلَةٌ لَهَا عَنْ
تَعَلُّمِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ
كَمَنْ زَوَّجَهَا الْأَخُ أَوْ الْعَمُّ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ
بِالْجَهْلِ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ خَفِيٍّ
فِي حَقِّهَا لِتَمَكُّنِهَا مِنْ التَّعَلُّمِ.
(5) قَوْلُهُ: وَجَهْلُ الْبِكْرِ بِنِكَاحِ الْوَلِيِّ.
أَيْ بِإِنْكَاحِهِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ إذَا زَوَّجَ الْبِكْرَ
الْبَالِغَةَ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ يُجْعَلُ
جَهْلُهَا عُذْرًا حَتَّى يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ
سَكَتَتْ قَبْلَهُ.
(6) قَوْلُهُ: وَجَهْلُ الْوَكِيلِ وَالْمَأْذُونِ
بِالْإِطْلَاقِ.
أَيْ جَهْلُ الْوَكِيلِ بِإِطْلَاقِ الْوَكَالَةِ، وَجَهْلُ
الْمَأْذُونِ بِالْإِذْنِ يَكُونُ عُذْرًا فَإِنَّهُ لَا
يَصِيرُ وَكِيلًا وَلَا مَأْذُونًا بِدُونِ الْعِلْمِ حَتَّى
لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى الْمُوَكِّلِ
وَالْمَوْلَى.
(7) قَوْلُهُ: وَضِدُّهُ انْتَهَى.
أَيْ جَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ وَالْمَأْذُونِ
بِالْحَجْرِ يَكُونُ عُذْرًا أَيْضًا لَكِنَّهُ يُنْفِذُ
تَصَرُّفَهُمَا لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ وَلُزُومِ الضَّرَرِ
(8) قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ بِهِ حَنِثَ.
وَجْهُ الْحِنْثِ: أَنَّ حَلِفَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِمَوْتِهِ
لَا يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ يَمِينِهِ لِإِمْكَانِ حَيَاتِهِ
بِطَرِيقِ خَرْقِ الْعَادَةِ فَتَنْعَقِدُ بِاعْتِبَارِ
ذَلِكَ، وَيَحْنَثُ لِلْحَالِ لِعَجْزِهِ الْعَادِي كَمَا فِي
الْحَلِفِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ
(3/301)
وَقَالُوا: لَوْ لَمْ تَعْلَمْ الْأَمَةُ
بِأَنَّ لَهَا خِيَارَ الْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ بِسُكُوتِهَا،
10 - وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ الصَّغِيرَةُ خِيَارَ الْبُلُوغِ
بَطَلَ،
11 - وَقَالُوا: لَوْ اسْتَامَ جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً أَوْ
ثَوْبًا مَلْفُوفًا فَظَهَرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ بَعْدَ
الْكَشْفِ؛ قِيلَ: يُعْذَرُ إذْ ادِّعَاؤُهُ لِلْجَهْلِ فِي
مَوْضِعِ الْخَفَاءِ وَقِيلَ لَا.
وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ،
12 - وَقَالُوا: يُعْذَرُ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ
وَالْمُتَوَلِّي بِالتَّنَاقُضِ لِلْجَهْلِ، وَقَالُوا: إذَا
قَبِلَتْ الْخُلْعَ ثُمَّ ادَّعَتْ الثَّلَاثَ قَبْلَهُ
تُسْمَعُ، فَإِذَا بَرْهَنَتْ اسْتَرَدَّتْ الْبَدَلَ
لِلْجَهْلِ فِي مَحَلِّهِ، وَلَوْ قَبِلَ الْكِتَابَةَ،
وَأَدَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَقَالُوا: لَوْ لَمْ تَعْلَمْ الْأَمَةُ.
أَيْ الْمَنْكُوحَةُ.
(10) قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ الصَّغِيرَةُ إلَخْ.
أَيْ الْحُرَّةُ الصَّغِيرَةُ فِي النِّكَاحِ غَيْرَ الْأَبِ
وَالْجَدِّ
(11) قَوْلُهُ: وَقَالُوا لَوْ اسْتَامَ جَارِيَةً
مُتَنَقِّبَةً إلَخْ.
فِي الْبَحْرِ لِلْمُصَنَّفِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ:
اشْتَرَى جَارِيَةً فِي نِقَابٍ ثُمَّ ادَّعَاهَا وَزَعَمَ
أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهَا لَا يُقْبَلُ وَلَوْ اشْتَرَى
ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ يُقْبَلُ
قَالَ مُحَمَّدٌ اُنْظُرْ إلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ إنْ كَانَ
مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفُ وَقْتَ الْمُسَاوَمَةِ
كَالْجَارِيَةِ الْقَائِمَةِ الْمُتَنَقِّبَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ
لَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي
عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ إيَّاهَا فَيُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا
لَا يُعْرَفُ كَثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ جَارِيَةٍ قَاعِدَةٍ
عَلَى رَأْسِهَا غِطَاءٌ لَا يَرَى مِنْهَا شَيْئًا يُقْبَلُ،
وَلِأَجْلِ هَذَا اخْتَلَفَتْ أَقَاوِيلُ الْعُلَمَاءِ فِي
الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْمَسَائِلِ (انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
(12) قَوْلُهُ: وَقَالُوا: يُعْذَرُ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ
وَالْمُتَوَلِّي إلَخْ.
أَمَّا الْوَارِثُ فَصُورَتُهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ
أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَأَنْكَرَ وَلَا
بَيِّنَةَ، فَحَلَفَ ذُو الْيَدِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي
أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ
التَّوْفِيقِ، وَلَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ أَوَّلًا ثُمَّ
الشِّرَاءَ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِهِ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّي
فَصُورَتُهُ لَوْ ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ
ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ
ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ ادَّعَى
الْمِلْكَ أَوَّلًا ثُمَّ الْوَقْفَ تُقْبَلُ كَمَا لَوْ
ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِغَيْرِهِ كَذَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ وَأَمَّا صُورَتُهُ فِي الْوَصِيِّ فَأَنْ
يَشْتَرِيَ دَارًا لِلْيَتِيمِ ثُمَّ يَدَّعِيَ أَنَّهَا لَهُ
مَوْرُوثَةٌ عَنْ أَبِيهِ
(3/302)
الْبَدَلَ ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْتَاقَ
قَبْلَهُ تُسْمَعُ، وَيَسْتَرِدُّ الْبَدَلَ إذَا بَرْهَنَ
13 - وَقَالُوا: إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ ثُمَّ
ادَّعَى أَنَّهُ وَقَعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَقَالَ لَمْ
أَعْلَمْ يُقْبَلُ.
وَقَالُوا فِي بَابِ الرَّضَاعِ؛ 14 -: وَلَا يَضُرُّ
التَّنَاقُضُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالطَّلَاقِ
كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي الْبَحْرِ 15 - مِنْ بَابِ
الْمُتَفَرِّقَاتِ 16 - أَنَّ الْجَهْلَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا
لِدَفْعِ الْفَسَادِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْكَبِيرَةِ لَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَقَالُوا: إذَا بَاعَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ
إلَخْ.
فِي جَامِعِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ سُئِلَ
نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ عَنْ بَيْعِ الْأَبِ عَقَارَ
الِابْنِ الصَّغِيرِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ فَقَالَ: لَا
يَجُوزُ، قِيلَ لَهُ فَإِنْ بَاعَ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَاصَمَ
هُوَ بِنَفْسِهِ أَنَّ بَيْعَهُ وَقَعَ هَكَذَا وَأَرَادَ
الِاسْتِرْدَادَ؟ فَقَالَ إنْ سَبَقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ
بِالْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي السَّكِّ
وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَسْتَقِمْ دَعْوَاهُ
لِلتَّنَاقُضِ.
قَالَ نَجْمُ الدِّينِ: وَعُرِضَ عَلَيَّ جَوَابُ الْأَئِمَّةِ
مِنْ بُخَارَى عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ لِلْأَبِ دَعْوَى
ذَلِكَ، وَقَالَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ
الْبَيْعَ وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَوَقَفَ
عِنْدَ الدَّعْوَى أَنِّي بِعْت وَلَمْ أَعْلَمْ بِالْغَبْنِ
أَوْ بِعْت بِالْغَبْنِ وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا
يَجُوزُ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إذَا غَبَنَ الْأَبُ
فَاحِشًا فَالْحَاكِمُ يُنَصِّبُ قَيِّمًا عَنْ الصَّبِيِّ
يَدَّعِي عَلَى مُشْتَرِيهِ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْأَبِ،
وَلَوْ ادَّعَاهُ الِابْنُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَالْمُشْتَرِي
أَنْكَرَ الْغَبْنَ بِحُكْمِ الْحَالِ لَوْ لَمْ تَكُنْ
الْمُدَّةُ قَدْرَ مَا يَتَبَدَّلُ فِيهِ السِّعْرُ، وَإِلَّا
يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً
فَبَيِّنَةُ مُثْبِتِ الزِّيَادَةِ أَوْلَى
(14) قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ التَّنَاقُضُ فِي الْحُرِّيَّةِ
وَالنَّسَبِ وَالطَّلَاقِ.
يَعْنِي؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْذَرُ فِي
التَّنَاقُضِ يَعْنِي؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُبْتَنَى عَلَى
الْعُلُوقِ، وَالطَّلَاقُ وَالْحُرِّيَّةُ يَنْفَرِدُ بِهِمَا
الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى.
(15) قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ.
صَوَابُهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ
التَّنَاقُضُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ.
(16) قَوْلُهُ: أَنَّ الْجَهْلَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا لِدَفْعِ
الْفَسَادِ إلَخْ.
مَقُولَةُ قَوْلِهِ وَقَالُوا فِي بَابِ الرَّضَاعِ لَا
قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ التَّنَاقُضُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(3/303)
جَهِلَتْ أَنَّ الْإِرْضَاعَ مُفْسِدٌ
كَمَا فِي الْهِدَايَةِ
17 - وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ
جَاهِلًا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكْفُرُ.
وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ وَلَا يُعْذَرُ
(انْتَهَى) .
وَفِي آخِرِ الْيَتِيمَةِ ظَنَّ لِجَهْلِهِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ
مِنْ الْمَحْظُورَاتِ حَلَالٌ لَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا
يُعْلَمُ مِنْ دِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ضَرُورَةً، كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا
وَقَالُوا فِي بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ: لَوْ اشْتَرَى مَا
كَانَ رَآهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَا خِيَارَ لَهُ 18 - إلَّا
إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَرْئِيَّةٌ لِعَدَمِ
الرِّضَاءِ بِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالُوا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: إنَّ الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ
مَالَ الْغَيْرِ يَدْفَعُ الْأُمَّ لَا الضَّمَانَ.
وَفِي إقْرَارِ الْيَتِيمَةِ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ
عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّ عَلَيْهِ لِفُلَانٍ حِنْطَةً مِنْ
سَلَمٍ عَقَدَاهُ بَيْنَهُمَا.
ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ
الْكُفْرِ جَاهِلًا إلَخْ.
قَالَ الْبَزَّازِيُّ فِي شَرْحِ اللَّامِيَّةِ: وَاعْلَمْ
أَنَّ مَنْ تَلَفَّظَ بِلَفْظِ الْكُفْرِ عَنْ اعْتِقَادٍ لَا
شَكَّ أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهَا
لَفْظُ الْكُفْرِ إلَّا أَنَّهُ أَتَى بِهِ عَنْ اخْتِيَارٍ
يَكْفُرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُعْذَرُ
بِالْجَهْلِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكْفُرُ، وَالْجَهْلُ عُذْرٌ وَبِهِ
يُفْتَى؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ مَأْمُورٌ أَنْ يَمِيلَ إلَى
الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُوجِبُ التَّكْفِيرَ، وَلَوْ لَمْ
يَكُنْ الْجَهْلُ عُذْرًا الْحُكْمُ عَلَى الْجُهَّالِ
أَنَّهُمْ كُفَّارٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَلْفَاظَ
الْكُفْرِ، وَلَوْ عَرَفُوا لَمْ يَتَكَلَّمُوا (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَهُوَ حَسَنٌ لَطِيفٌ (انْتَهَى)
.
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً فِي
زَمَنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قِيلَ لَهَا: إنَّ اللَّهَ
يُعَذِّبُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَالَتْ: لَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِهِمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ
عِبَادُهُ فَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ذَلِكَ
فَقَالَ مَا كَفَرَتْ فَإِنَّهَا جَاهِلَةٌ، فَعَلَّمُوهَا
حَتَّى عَلِمَتْ
(18) قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا
مَرْئِيَّةٌ.
حَاصِلُهُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ غَيْرُ
مَرْئِيٍّ لَهُ فَيَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا
يَخْفَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ ظَنِّهِ لَا عَلَى
اعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
(3/304)
ذَلِكَ قَالَ سَأَلْت الْفُقَهَاءَ عَنْ
الْعَقْدِ فَقَالُوا هُوَ فَاسِدٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ شَيْءٌ
وَالْمُقِرُّ مَعْرُوفٌ بِالْجَهْلِ هَلْ يُؤَاخَذُ
بِإِقْرَارِهِ؟ فَقَالَ 19 - لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَقُّ
بِدَعْوَى الْجَهْلِ (انْتَهَى) .
وَقَالَ قَبْلَهُ: إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى
ظَنِّ صِدْقِ الْمُفْتِي بِالْوُقُوعِ ثُمَّ تَبَيَّنَ
خَطَأَهُ فَإِفْتَاءُ الْأَهْلِ لَمْ يَقَعْ دِيَانَةً 20 -
وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْحُكْمِ،
21 - وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ
لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ.
22 - وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْإِيصَاءِ
جَازَ،
23 - وَلَوْ بَاعَ مِلْكَ أَبِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ
ثُمَّ عَلِمَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْجَدُّ مَالَ
ابْنِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ نَفَذَ عَلَى الصَّغِيرِ،
وَمُقْتَضَى بَيْعِ الْوَارِثِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَةً
ابْنَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَقَالَ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَقُّ بِدَعْوَى
الْجَهْلِ (انْتَهَى) .
يَعْنِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ
(20) قَوْلُهُ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْحُكْمِ.
قِيلَ فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ
بِإِقْرَارِهِ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فِيمَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ لَا
الظَّاهِرُ لَا وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ
الْحُكْمِ
(21) قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ
بِالْوَكَالَةِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ.
قِيلَ أَيْ لَمْ يَنْفُذْ فَلَوْ لَحِقَتْهُ الْإِجَازَةُ
نَفَذَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ
(انْتَهَى) .
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ
(22) قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ قَبْلَ الْعِلْمِ
بِالْإِيصَاءِ جَازَ.
يَعْنِي؛ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إثْبَاتُ خِلَافَةٍ فَصَحَّ
بِلَا عِلْمِهِ كَالْوِرَاثَةِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ
فَإِنَّهَا إثْبَاتُ وِلَايَةٍ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ
الْوَكِيلِ مَعَ الْجَهْلِ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ
لِلْعَلَّامَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ
(23) قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ مِلْكَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ
بِمَوْتِهِ إلَخْ.
أَقُولُ: إنَّمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ
بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْوِرَاثَةَ خِلَافَةٌ، وَعَلَى هَذَا
فَالتَّقْيِيدُ بِالْأَبِ اتِّفَاقِيٌّ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ
الْأَوْلَى
(3/305)
ثُمَّ بَانَ مَيِّتًا نَفَذَ.
وَلَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ آبِقٌ فَبَانَ رَاجِعًا
يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ.
وَمِمَّا فَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ مَا
فِي وَكَالَةِ الْخَانِيَّةِ؛: الْوَكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ
إذَا دَفَعَهُ إلَى الطَّالِبِ بَعْدَ مَا وَهَبَ الدَّيْنَ
مِنْ الْمَدْيُونِ، قَالُوا: إنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ
بِالْهِبَةِ 25 - ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا،
26 - وَلَوْ دَفَعَ إلَى الطَّالِبِ بَعْدَ رِدَّتِهِ،
قَالُوا: إنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِطَرِيقِ الْفِقْهِ أَنَّ
الدَّفْعَ إلَى الطَّالِبِ بَعْدَ رِدَّتِهِ لَا يَجُوزُ
ضَمِنَ مَا دَفَعَهُ، وَإِلَّا فَلَا، 27 - وَلَوْ دَفَعَ
بَعْدَ مَا دَفَعَ الْمُوَكِّلُ، فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بَاعَ مِلْكَ مُورَثِهِ كَمَا يَدُلُّ
عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ الْآتِي، وَمُقْتَضَى بَيْعِ الْوَارِثِ
دُونَ أَنْ يَقُولَ بَيْعُ الْأَبِ وَقَدْ وَقَعَتْ حَادِثَةُ
الْفَتْوَى وَهِيَ: أَجَّرَ عَقَارًا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مِنْ
أَبِيهِ، وَهُوَ نَاظِرُهُ، ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ
الْوَقْفِيَّةِ بِشَرْطِ الْبَيْعِ بِلَفْظِهِ، وَصَارَ
مِلْكًا مَوْرُوثًا لَهُ هَلْ تَبْقَى الْإِجَارَةُ
الصَّادِرَةُ مِنْهُ عَلَى حَالِهَا أَوْ تَنْفَسِخُ
وَيُؤَجِّرُهُ ثَانِيًا لَمْ أَرَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ،
وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُجَازِفِينَ بِعَدَمِ بَقَاءِ
الْإِجَارَةِ.
(24) قَوْلُهُ: ثُمَّ بَانَ مَيِّتًا نَفَذَ.
قِيلَ هُوَ - عَلَى تَقْدِيرِ انْحِصَارِ الْإِرْثِ فِيهِ -
ظَاهِرٌ أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ فَالنُّفُوذُ
مُتَوَقِّفٌ عَلَى إجَازَةِ الشَّرِيكِ
(25) قَوْلُهُ: ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا.
قِيلَ: وَهَلْ يَرْجِعُ الْمَدْيُونُ عَلَى الطَّالِبِ بِمَا
دَفَعَهُ الْوَكِيلُ إلَيْهِ الظَّاهِرُ الرُّجُوعُ
(26) قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ إلَى الطَّالِبِ بَعْدَ
رِدَّتِهِ.
يَعْنِي ثُمَّ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(27) قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ مَا دَفَعَ الْمُوَكِّلُ.
أَيْ لَوْ دَفَعَ الْوَكِيلُ بَعْضَ الدَّيْنِ بَعْدَ مَا
دَفَعَ الْمُوَكِّلُ.
(3/306)
وَالْمَذْهَبُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا،
كَالْمُتَفَاوِضِينَ إذَا أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ
بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ
وَعَنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ أَدَّى الثَّانِي عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ
صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا.
وَالْآمِرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ إذَا أَدَّى الْأَمْرَ
بِنَفْسِهِ ثُمَّ قَضَى الْمَأْمُورُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ
إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِقَضَاءِ الْمُوَكِّلِ، قَالُوا: هَذَا
عَلَى قَوْلِهِمَا.
أَمَّا عَلَى قَوْلِهِ: فَيَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ
(انْتَهَى)
29 - وَلَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ، وَلَمْ
يَعْلَمُوا مَا أَوْصَى بِهِ لَمْ تَصِحَّ إجَازَتُهُمْ كَذَا
فِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ.
وَفِي وَكَالَةِ الْمُنْيَةِ: أَمَرَ رَجُلًا بِبَيْعِ
غُلَامِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ،
وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُوَكِّلُ بِمَا بَاعَهُ، فَقَالَ
الْمَأْمُورُ بِعْت الْغُلَامَ، فَقَالَ: أَجَزْت.
جَازَ الْبَيْعُ، وَكَذَا فِي النِّكَاحِ، وَإِنْ قَالَ: قَدْ
أَجَزْت مَا أَمَرْتُك بِهِ لَمْ يَجُزْ (انْتَهَى)
30 - وَفِي وَكَالَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ: إذَا عَفَا بَعْضُ
الْوَرَثَةِ عَنْ الْقَاتِلِ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ
الْبَاقُونَ؛ إنْ عَلِمَ أَنَّ عَفْوَ الْبَعْضِ يُسْقِطُ
الْقِصَاصَ اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنَّهُ مَفْهُومٌ
مِنْهَا
(29) قَوْلُهُ: وَلَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ
إلَخْ.
أَقُولُ: بَقِيَ مَا لَوْ عَلِمُوا مَا أَوْصَى بِهِ
لَكِنَّهُمْ جَهِلُوا مِقْدَارَهُ أَوْ نَسَوْا فَلْيُنْظَرْ
(30) قَوْلُهُ: وَفِي وَكَالَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ إلَخْ.
قِيلَ عَلَيْهِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ
حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْقِصَاصُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ
فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَقَتَلَ الْآخَرُ وَجَبَ نِصْفُ
الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَوْ قَتَلَهُ
الْآخَرُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَفْوِ أَوْ عَلِمَ لَا قَوَدَ
عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ (انْتَهَى) .
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ:
يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ كَلَامِ
(3/307)
لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُشْكِلُ عَلَى
النَّاسِ (انْتَهَى)
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ
فَقَبَضَهُ بَعْدَ إبْرَاءِ الطَّالِبِ وَلَمْ يَعْلَمْ
فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَلِلدَّافِعِ تَضْمِينُ
الْمُوَكِّلِ، 32 - وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ
فَبَاعَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ
وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى
الْمُوَكِّلِ (انْتَهَى) .
وَأَمَّا أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ فَمَذْكُورَةٌ فِي آخِرِ
الْمَنَارِ، وَهِيَ شَهِيرَةٌ فِي الْفُرُوعِ تَرَكْنَاهَا
قَصْدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
الْخُلَاصَةِ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ بِالْعَفْوِ وَلَمْ
يَعْلَمْ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْقِصَاصَ، وَكَلَامُ
الْوَلْوَالِجِيِّ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ بِالْعَفْوِ وَعَلِمَ
أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ.
(31) قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ
(انْتَهَى) .
يَعْنِي فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، وَقَدْ ذَكَرَ
الْأُصُولِيُّونَ فِي بَحْثِ الْإِكْرَاهِ عَلَى شُرْبِ
الْخَمْرِ أَنَّ دَلِيلَ انْكِشَافِ الْحُرْمَةِ إذَا كَانَ
خَفِيًّا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا أُكْرِهَ
عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْقَتْلِ فَصَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ
وَلَمْ يَعْلَمْ حُرْمَةَ ذَلِكَ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ
(انْتَهَى) .
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْجَهْلَ عُذْرٌ فِي دَارِ
الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ خَفِيًّا
فَلْيُحْفَظْ
(32) قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ
بَعْدَ مَوْتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ.
الضَّمِيرُ لِلْعَبْدِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بَاعَهُ
مَوْصُوفًا بِمَا يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ عَنْ الْمُشْتَرِي
ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ حِينَ الْبَيْعِ كَانَ مَيِّتًا وَلَمْ
يَعْلَمْ الْوَكِيلُ بِالْمَوْتِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ:
وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ
الْعِلْمِ بِالْمَوْتِ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ رَدُّهُ إلَى
الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى هَلَكَ، وَكَانَ
الظَّاهِرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الضَّمَانَ لِتَقْصِيرِهِ
بِعَدَمِ الرَّدِّ مَعَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمَكِّنُهُ الرَّدَّ
فِيهِ تَأَمُّلٌ
(3/308)
|