غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر الْقَوْلُ فِي الدَّيْنِ 1 - وَعَرَّفَهُ
فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِأَنَّهُ: عِبَارَةٌ عَنْ مَالٍ
حُكْمِيٍّ يَحْدُثُ فِي الذِّمَّةِ بِبَيْعٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ
أَوْ غَيْرِهِمَا. وَإِيفَاؤُهُ وَاسْتِيفَاؤُهُ لَا يَكُونُ
إلَّا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. مِثَالُهُ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا
بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ صَارَ الثَّوْبُ مِلْكًا لَهُ، وَحَدَثَ
بِالشِّرَاءِ فِي ذِمَّتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِلْكًا
لِلْبَائِعِ؛ فَإِذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي عَشَرَةً إلَى
الْبَائِعِ وَجَبَ مِثْلُهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ دَيْنًا،
وَقَدْ وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي عَشَرَةٌ
بَدَلًا عَنْ الثَّوْبِ، وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى
الْبَائِعِ مِثْلُهَا بَدَلًا عَنْ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ
فَالْتَقَيَا قِصَاصًا (انْتَهَى) . وَتَفَرَّعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
[الْقَوْلُ فِي الدَّيْنِ]
قَوْلُهُ: وَعَرَّفَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. أَقُولُ
فِي النِّهَايَةِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ: الدَّيْنُ فِي
عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وُجُوبُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا
عَنْ شَيْءٍ آخَرَ فَالْخَرَاجُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ
مَنَافِعِ الْحِفْظِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ
فِيهَا تَمْلِيكُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا
(انْتَهَى) . وَفِيهِ أَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ
وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ - (انْتَهَى) . فَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى الْمَالِ
الْوَاجِبِ فِيهَا لَفْظَ الدَّيْنِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ
التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ وَالتَّعْرِيفُ الْجَامِعُ مَا
ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ
وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ
فِي الْمُطَالَبَةِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إطْلَاقُ الدَّيْنِ
عَلَى الْمَالِ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ لِأَجْلِ أَدَاءِ
الزَّكَاةِ لَا يَخْلُو عَنْ مُسَامَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ
كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً لَمَا سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ
يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عِنْدَنَا كَالْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ هَذَا وَالْمَالُ لُغَةً: مَا
مَلَكْته مِنْ شَيْءٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَفِي
الْكَشْفِ الْكَبِيرِ الْمَالُ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ
وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَالْمَالِيَّةُ
إنَّمَا تَثْبُتُ بِتَمَوُّلِ النَّاسِ كَافَّةً أَوْ
يَتَقَوَّمُ الْبَعْضُ وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهِ
وَبِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا فَمَا يَكُونُ
مُبَاحَ الِانْتِفَاعِ بِدُونِ تَمَوُّلِ النَّاسِ لَا يَكُونُ
مَالًا
(4/5)
عَلَى أَنَّ طَرِيقَ إيفَائِهِ إنَّمَا
هُوَ الْمُقَاصَّةُ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهُ بَعْدَ
قَضَائِهِ صَحَّ وَرَجَعَ الْمَدْيُونُ عَلَى الدَّائِنِ بِمَا
دَفَعَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُدَايَنَاتِ مِنْ قِسْمِ
الْفَوَائِدِ
وَاخْتُصَّ الدَّيْنُ بِأَحْكَامٍ: مِنْهَا جَوَازُ
الْكَفَالَةِ بِهِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا وَهُوَ مَا لَا
يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ؛ فَلَا يَجُوزُ
بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا
بِالتَّعْجِيزِ.
وَمِنْهَا جَوَازُ الرَّهْنِ بِهِ؛ 2 - فَلَا تَجُوزُ
الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْأَمَانَةِ 3 -
وَالْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَمَا يَكُونُ مَالًا يَكُونُ مَالًا
بَيْنَ النَّاسِ وَمَا لَا يَكُونُ شَرْعًا مُبَاحَ
الِانْتِفَاعِ لَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا كَالْخَمْرِ وَإِذَا
عُدِمَ الْأَمْرُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا
كَالدَّمِ (انْتَهَى) .
وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ
وَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْعَقِدْ بِخِلَافِ مَا لَوْ
بَاعَ شَيْئًا بِخَمْرٍ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فِي ذَلِكَ
الشَّيْءِ بِالْقِيمَةِ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ:
الْمَالُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ خُلِقَ لِمَصَالِحِ
الْآدَمِيِّ وَأَمْكَنَ إحْرَازُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى
وَجْهِ الِاخْتِيَارِ وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى
الْمَالِيَّةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً حَتَّى لَا
يَجُوزَ قَتْلُهُ وَإِهْلَاكُهُ (انْتَهَى) . كَذَا فِي
الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْبَيْعِ " وَالذِّمَّةُ أَمْرٌ
شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ يَقْبَلُ الْإِلْزَامَ
وَالِالْتِزَامَ ". وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا
فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: " الذِّمَّةُ لُغَةً: الْعَهْدُ،
وَاصْطِلَاحًا: الذَّاتُ وَالنَّفْسُ إطْلَاقًا لِاسْمِ
الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ " وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ
السَّلَامِ: هِيَ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ يَصْلُحُ
لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ
(2) قَوْلُهُ: فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ
بِالْأَعْيَانِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عِبَارَةٌ
عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ
قِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَالْأَمَانَةُ إنْ هَلَكَتْ
بِلَا تَعَدٍّ فَلَا شَيْءَ فِي مُقَابِلَتِهَا أَوْ بِتَعَدٍّ
فَلَا تَبْقَى أَمَانَةً بَلْ تَكُونُ مَغْصُوبَةً.
(3) قَوْلُهُ: وَالْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا. الْمُرَادُ
بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا عَيْنٌ لَيْسَتْ
بِمَضْمُونَةٍ وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَضْمُونَةَ كَبَيْعٍ
فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ
أَحَدٌ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ لَكِنَّ الثَّمَنَ يَسْقُطُ
عَنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ الْمِثْلِ
وَالْقِيمَةِ فَبِمُجَرَّدِ هَذَا الِاعْتِبَارِ سَمَّوْهُ
بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا فَكَأَنَّهُ مِنْ
قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ. ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ
الْمُحَقِّقِينَ.
(4/6)
كَالْمَبِيعِ.
5 - وَأَمَّا الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ
وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ
الْعَمْدِ وَالْمَبِيعِ فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ
الشِّرَاءِ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ بِهَا؛
لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالدُّيُونِ، قَالَ الْأُسْيُوطِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْزِيًّا إلَى السُّبْكِيّ فِي
تَكْمِلَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: (فَرْعٌ) : حَدَثَ فِي
الْأَعْصَارِ الْقَرِيبَةِ؛ وَقْفُ كُتُبٍ اشْتَرَطَ
الْوَاقِفُ أَنْ لَا تُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ
مِنْ مَكَانِ تَحْبِيسِهَا إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ
أَصْلًا.
6 - وَاَلَّذِي أَقُولُ فِي هَذَا: أَنَّ الرَّهْنَ لَا
يَصِحُّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي يَدِ
الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ لَهَا عَارِيَّةٌ
أَيْضًا، بَلْ الْأَخْذُ بِهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْوَقْفِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يَدُ
أَمَانَةٍ.
فَشَرْطُ أَخْذِ الرَّهْنِ عَلَيْهَا فَاسِدٌ، وَإِنْ
أَعْطَاهُ كَانَ رَهْنًا فَاسِدًا، وَيَكُونُ فِي يَدِ خَازِنِ
الْكُتُبِ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْعُقُودِ فِي
الضَّمَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: كَالْمَبِيعِ. يَعْنِي إذَا هَلَكَ عِنْدَ
الْبَائِعِ سَوَاءٌ هَلَكَ بَعْدَ مَنْعِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي
بَعْدَ نَقْدٍ أَوْ لَا، وَلَا يَصِيرُ بِمَنْعِهِ غَاصِبًا
حَتَّى لَوْ هَلَكَ فَإِنَّمَا يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ كَمَا
قَبْلَ الْمَنْعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ
الْقِسْمَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ.
(5) قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا أَيْ فِي
حَدِّ ذَاتِهَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّمَانَ كَمَا عُرِفَ
عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ أَوْ قِيمَتِهِ
فَالشَّيْءُ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا يَكُونُ
بِحَيْثُ لَوْ هَلَكَ تَعَيَّنَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ
فَتَكُونُ مَضْمُونَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ
النَّظَرِ عَنْ الْعَوَارِضِ كَمَا حُقِّقَ فِي مَحَلِّهِ.
(6) قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي أَقُولُ إلَخْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ
فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَمِنْ
هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِينَ فِي كُتُبِهِمْ
أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِرَهْنِ شَرْطٍ بَاطِلٍ إذْ
الْوَقْفُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ مُسْتَعِيرِهِ فَلَا يَتَأَتَّى
الِاسْتِيفَاءُ بِالرَّهْنِ بِهِ
(4/7)
كَصَحِيحِهَا، وَالرَّهْنُ أَمَانَةٌ،
هَذَا إذَا أُرِيدَ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ أُرِيدَ
مَدْلُولُهُ لُغَةً وَأَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً، فَيَصِحُّ
الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ
مُرَادُ الْوَاقِفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْبُطْلَانِ
فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى
الشَّرْعِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالصِّحَّةِ حَمْلًا
عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ تَصْحِيحًا
لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ
إخْرَاجُهَا بِدُونِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ لَمْ
يَجُزْ إخْرَاجُهَا بِهِ لِعُذْرِهِ وَلَا بِدُونِهِ، إمَّا؛
لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِمَّا لِفَسَادِ
الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَخْرُجْ مُطْلَقًا،
وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ غَرَضٌ
صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مَظِنَّةُ ضَيَاعِهَا، بَلْ
يَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يُمَكِّنَ كُلَّ مَنْ
يَقْصِدُ الِانْتِفَاعَ بِتِلْكَ الْكُتُبِ فِي مَكَانِهَا،
وَفِي بَعْضِ الْأَوْقَافِ يَقُولُ لَا تَخْرُجْ إلَّا
بِتَذْكِرَةٍ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا وَجْهَ
لِبُطْلَانِهِ، وَهُوَ كَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ قَوْلَهُ
إلَّا بِرَهْنٍ فِي الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ، فَيَصِحُّ
وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنَّ تَجْوِيزَ الْوَاقِفِ
الِانْتِفَاعَ لِمَنْ يَخْرُجُ بِهِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَضَعَ
فِي خِزَانَةِ الْوَقْفِ مَا يَتَذَكَّرُ هُوَ بِهِ إعَادَةَ
الْمَوْقُوفِ؛ وَيَتَذَكَّرُ الْخَازِنُ مُطَالَبَتَهُ
فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ هَذَا، وَمَتَى أَخَذَهُ عَلَى
غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي شَرَطَهُ الْوَاقِفُ
يَمْتَنِعُ.
وَلَا نَقُولُ بِأَنَّ تِلْكَ التَّذْكِرَةَ تَبْقَى رَهْنًا
بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا طَالَبَهُ
الْخَازِنُ بِرَدِّ الْكِتَابِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ
يَرُدَّهُ أَيْضًا بِغَيْرِ طَلَبٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ
يُحْمَلَ قَوْلُ الْوَاقِفِ الرَّهْنَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى
حَتَّى يَصِحَّ إذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الرَّهْنِ تَنْزِيلًا
لِلَّفْظِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ
إخْرَاجُهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَيَمْتَنِعُ لِغَيْرِهِ،
لَكِنْ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
(4/8)
الرَّهْنِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بَيْعَهُ
وَلَا بَدَلَ الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ، إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ
تَفْرِيطٍ، وَلَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَهُ، وَلَكِنْ لَا
يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَرْهُونُ لِوَفَائِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ
عَلَى صَاحِبِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ (انْتَهَى) .
وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا - لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ
بِالْأَمَانَاتِ - شَامِلٌ لِلْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ،
وَالرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ بَاطِلٌ. فَإِذَا هَلَكَ لَا
يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ
مَضْمُونٌ كَالصَّحِيحِ، وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ
وَحَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَغَيْرُ بَعِيدٍ.
وَمِنْهَا صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ عَنْهُ؛ فَلَا يَصِحُّ
الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ
دَعْوَاهَا صَحِيحٌ. فَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْ دَعْوَى
هَذِهِ الْعَيْنِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، فَلَا تُسْمَعُ
دَعْوَاهُ بِهَا بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: بَرِئْت مِنْ هَذِهِ
الدَّارِ أَوْ مِنْ دَعْوَى هَذِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ
وَبَيِّنَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْهَا أَوْ عَنْ
خُصُومَتِي فِيهَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ
وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ عَنْ ضَمَانِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ
مِنْ الصُّلْحِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ الْإِقْرَارِ:
لَا حَقَّ لِي قَبْلَهُ يَبْرَأُ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ
وَالْكَفَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ
(انْتَهَى) . وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ
الْأَعْيَانِ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ
7 - لَكِنْ فِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ: افْتَرَقَ
الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ
عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى، وَكَانَ لِلزَّوْجِ بَذْرٌ فِي
أَرْضِهَا وَأَعْيَانٌ قَائِمَةٌ؛ فَالْحَصَادُ وَالْأَعْيَانُ
الْقَائِمَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ جَمِيعِ
الدَّعَاوَى (انْتَهَى) . وَتَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ
الْعَامِّ الشُّفْعَةُ فَهُوَ مُسْقِطٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ افْتَرَقَ
الزَّوْجَانِ إلَخْ. اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَبِهِ
عُلِمَ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الْأَعْيَانِ فِي الْإِبْرَاءِ
الْعَامِّ. أَقُولُ وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِثْلُهُ
حَيْثُ قَالَ لَوْ
(4/9)
لَهَا قَضَاءً لَا دِيَانَةً إنْ لَمْ
يَقْصِدْهَا، كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي
الْخِزَانَةِ: الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ
إبْرَاءٌ عَنْ ضَمَانِهَا، وَتَصِيرُ أَمَانَةً فِي يَدِ
الْغَاصِبِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَصِحُّ
الْإِبْرَاءُ وَتَبْقَى مَضْمُونَةً وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ
مُسْتَهْلَكَةً صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَبَرِئَ مِنْ قِيمَتِهَا
(انْتَهَى) . فَقَوْلُهُمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ
بَاطِلٌ؛ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ
بِالْإِبْرَاءِ وَإِلَّا فَالْإِبْرَاءُ عَنْهَا لِسُقُوطِ
الضَّمَانِ صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ.
8 - الثَّالِثُ قَبُولُ الْأَجَلِ
9 - فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ
شُرِعَ رِفْقًا لِلتَّحْصِيلِ وَالْعَيْنُ حَاصِلَةٌ.
(فَوَائِدُ) : الْأُولَى: لَيْسَ فِي الشَّرْعِ دَيْنٌ لَا
يَكُونُ إلَّا حَالًّا إلَّا: رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ،
وَبَدَلُ الصَّرْفِ وَالْقَرْضِ وَالثَّمَنِ بَعْدَ
الْإِقَالَةِ، وَدَيْنُ الْمَيِّتِ وَمَا أَخَذَ بِهِ
الشَّفِيعُ الْعَقَارَ، كَمَا كَتَبْنَاهُ فِي شَرْحِ
الْكَنْزِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَصَحَّ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ
إلَّا الْقَرْضَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
بِرَهْنِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ أَنَّهُ
بَرِئَ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ وَفِي الْمِيرَاثِ أَعْيَانٌ لَا
تُقْبَلُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْأَعْيَانِ
(انْتَهَى) .
وَهُوَ يُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْأَعْيَانِ
فِي ضِمْنِ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ وَقَدْ حَرَّرَ
الْمُصَنِّفُ هَذَا الْمَبْحَثَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ
فَارْجِعْ إلَيْهِ.
(8) قَوْلُهُ: الثَّالِثُ قَبُولُ الْأَجَلِ لَوْ قَالَ:
وَمِنْهَا قَبُولُ الْأَجَلِ لَكَانَ أَصْوَبَ
(9) قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الْأَعْيَانِ إلَى
آخِرِهِ. فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ حَبْسِ الْمَبِيعِ
بِالثَّمَنِ: اشْتَرَى شَيْئًا بِأَلْفٍ مِنْ الْحِنْطَةِ
نَقْدًا ثُمَّ أَجَّلَ الْبَائِع شَهْرَيْنِ فَلَهُ
الْمُطَالَبَةُ لِلْحَالِ إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ
مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَلَا وَلَوْ أَجَّلَ
الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ فِي الثَّمَنِ فَالتَّأْجِيلُ
بَاطِلٌ.
(4/10)
وَلَيْسَ فِيهِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ إلَّا
مُؤَجَّلًا إلَّا الدِّيَةُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ. وَأَمَّا
بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَيَصِحُّ عِنْدَنَا حَالًّا
وَمُؤَجَّلًا.
الثَّانِيَةُ: مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا
بِقَبْضٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ
فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنَّ لِشَرِيكِهِ أَنْ
يُشَارِكَهُ.
10 - وَيَصِحُّ تَفْرِيقُهُ عَلَى أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ
لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ.
الثَّالِثُ: 11 - الْأَجَلُ لَا يَحِلُّ قَبْلَ وَقْتِهِ إلَّا
بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ وَلَوْ حُكْمًا بِاللَّحَاقِ مُرْتَدًّا
بِدَارِ الْحَرْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ تَفْرِيقُهُ عَلَى أَنَّ مَا فِي
الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ. أَقُولُ الْحِيلَةُ فِي
صِحَّةِ قِسْمَتِهِ بِحَيْثُ لَا يُشَارِكُهُ فِي نَصِيبِهِ
شَرِيكُهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الْمَطْلُوبِ كَفًّا مِنْ زَبِيبٍ
بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ الزَّبِيبَ ثُمَّ
يُبَرِّئَهُ مِنْ نِصْفِ دَيْنِهِ الْقَدِيمِ وَيُطَالِبَهُ
بِثَمَنِ الزَّبِيبِ فَلَا يَكُونُ لِشَرِيكِهِ فِيهِ شَيْءٌ.
كَذَا فِي نَوَازِلِ أَبِي اللَّيْثِ، وَفِي جَامِعِ
الْفُصُولَيْنِ: عَلَيْهِ دَيْنٌ لِشَرِيكَيْنِ فَوَهَبَ
أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ صَحَّ وَلَوْ وَهَبَ
نِصْفَ الدَّيْنِ مُطْلَقًا نَفَذَ فِي الرُّبْعِ وَلَوْ
تَوَقَّفَ فِي الرُّبْعِ كَمَا لَوْ وَهَبَ نِصْفَ قِنٍّ
مُشْتَرَكٍ (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ
إبْرَاءَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ
حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ
وَبِصِيغَةِ يُبَرِّئُهُ مِنْ نِصْفِهِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ
مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا وَهَبَ النِّصْفَ نَفَذَ فِي
الرُّبْعِ وَتَوَقَّفَ فِي الرُّبْعِ عَلَى إجَازَةِ شَرِيكِهِ
كَمَا نَقَلَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَدَّمَ
الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ أَنَّ هِبَةَ
الدَّيْنِ كَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَلَمْ
يَذْكُرْ مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ
الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ مَا فِي
الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَهِبَةُ
النِّصْفِ مِنْهُ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ النِّصْفِ مُطْلَقًا
سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، تَأَمَّلْ. (11) قَوْلُهُ: الْأَجَلُ لَا
يَحِلُّ قَبْلَ وَقْتِهِ إلَّا بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ. أَقُولُ
يَعْنِي حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ الْوَكِيلَ
بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ فَمَاتَ الْوَكِيلُ
حَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَيَبْقَى الْأَجَلُ فِي حَقِّ
الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ
الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ قَتَلَ الدَّائِنُ الْمَدْيُونَ
هَلْ يَحِلُّ بِمَوْتِهِ أَوْ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ
اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ فَيُعَاقَبُ
بِحِرْمَانِهِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ
الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَحِلُّ (انْتَهَى) . قُلْت:
وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ اعْلَمْ
(4/11)
وَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الدَّائِنِ.
وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا اسْتَرَقَ وَلَهُ دَيْنٌ
مُؤَجَّلٌ؛ فَنَقُولُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ مُطْلَقًا لَا
بِسُقُوطِ الْأَجَلِ فَقَطْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَأَمَّا الْجُنُونُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا
يُوجِبُ الْحُلُولَ لِإِمْكَانِ التَّحْصِيلِ بِوَلِيِّهِ.
الرَّابِعَةُ: الْحَالُّ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ إلَّا مَا
قَدَّمْنَاهُ
13 - وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ شَيْئَانِ:
حُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِلُزُومِهِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ
أَصْلُ الدَّيْنِ، أَوْ أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضُ صَاحِبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
أَنَّ الْحَصْرَ الْمَذْكُورَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
إضَافِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ فَلَا يَرِدُ مَا فِي شُرُوطِ
الْخَصَّافِ عَلَيْهِ مَالٌ مُؤَجَّلٌ فَقَالَ: جَعَلْته
حَالًّا أَوْ قَالَ: أَبْطَلْت الْأَجَلَ أَوْ قَالَ: تَرَكْت
هَذَا الْأَجَلَ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ الْأَجَلَ وَيَصِيرُ
الْمَالُ حَالًّا، وَلَوْ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِي الْأَجَلِ
أَوْ بَرِئْت مِنْ الْأَجَلِ فَالْمَالُ مُؤَجَّلٌ عَلَى
حَالِهِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَفِيهَا قَضَاهُ قَبْلَ
أَجَلِهِ بَرِئَ وَلَيْسَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْبَى الْقَبُولَ
وَفِي الْخَانِيَّةِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: مَنْ عَلَيْهِ
الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا صَالَحَ صَاحِبَ دَيْنِهِ عَلَى
أَنْ يَجْعَلَهُ حَالًّا إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ
جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إسْقَاطَهُ
وَلَوْ قَالَ: أَبْطَلْت الْأَجَلَ فِي هَذَا الدَّيْنِ فَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ جَعَلْته حَالًّا.
(12) قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الدَّائِنِ. أَقُولُ
لَمْ يَسْتَثْنِ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذَلِكَ شَيْئًا
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً عَلَى
وَجْهٍ وَهِيَ مَا لَوْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى طَعَامٍ فِي
ذِمَّتِهِ وَوَصَفَهَا بِصِفَاتِ السَّلَمِ وَأَذِنَهَا أَنْ
تَدْفَعَ إلَى وَلَدِهِ مِنْهَا أَوْ خَالَعَهَا عَلَى
الْإِرْضَاعِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً ثُمَّ مَاتَ الْمُخَالِعُ
الْمَذْكُورُ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ بِحُلُولِ ذَلِكَ
بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَا ذَكَرَ إنَّمَا كَانَ
مِنْ أَجْلِ الصَّغِيرِ وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ عَنْ أَبِيهِ
فَيَسْقُطُ الْأَجَلُ حِينَئِذٍ. ذَكَرَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ
فِي قَوَاعِدِهِ
(13) قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِهِ تَأْجِيلُ
الْقَرْضِ إلَخْ. فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: وَذُكِرَ فِي
خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الْكَفَالَةُ بِالْقَرْضِ جَائِزَةٌ
إلَى الْأَجَلِ وَالْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى الْأَجَلِ
وَعَلَى الْأَصِيلِ حَالٌّ. وَذُكِرَ مِثْلُ هَذِهِ فِي شَرْحِ
التَّكْمِلَةِ وَغَيْرِهِ ثَمَّةَ، وَقَالَ: وَلَا يُلْتَفَتُ
إلَى مَا قَالَهُ الْحَصِيرِيُّ فِي التَّحْرِيرِ: إذَا كَفَلَ
بِالْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ يَصِحُّ وَيَتَأَجَّلُ عَلَى
الْأَصِيلِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ
فَإِنَّ الْكُتُبَ تَرُدُّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ
الْعِبَارَةَ غَيْرُهُ.
(4/12)
الْمَالِ عَلَى رَجُلٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ
سَنَتَيْنِ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ
عَلَيْهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ:
الْحَالُ لَا يَقْبَلُهُ بَعْدَ اللُّزُومِ إلَّا إذَا نَذَرَ
أَنْ لَا يُطَالِبَهُ بِهِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ أَوْصَى
بِذَلِكَ. وَشَرْطُ التَّأْجِيلِ الْقَبُولُ وَإِلَّا فَلَا
يَصِحُّ. وَالْمَالُ حَالٌّ، وَشَرْطُهُ أَيْضًا أَنْ لَا
يَكُونَ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً، فَلَا يَصِحُّ
التَّأْجِيلُ إلَى مَهَبِّ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ،
وَيَصِحُّ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَإِنْ كَانَ
الْبَيْعُ لَا يَجُوزُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَيْهِمَا، كَذَا
فِي الْقُنْيَةِ. (تَنْبِيهٌ) .
14 - قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدْيُونِ: اذْهَبْ وَاعْطِنِي
كُلَّ شَهْرٍ كَذَا. فَلَيْسَ بِتَأْجِيلٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ
بِالْإِعْطَاءِ
الْخَامِسَةُ: 15 - لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ
هُوَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَيَكُونُ
وَكِيلًا قَابِضًا لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ،
وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ عَزْلِهِ عَنْ التَّسْلِيطِ قَبْلَ
الْقَبْضِ
16 - وَفِي وَكَالَةِ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ. لَوْ
قَالَ: وَهَبْت مِنْك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَى فُلَانٍ
فَاقْبِضْهَا مِنْهُ، فَقَبَضَ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ جَازَ؛
لِأَنَّهُ صَارَ الْحَقُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَمْلِكُ
الِاسْتِبْدَالَ (انْتَهَى) . وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدْيُونِ اذْهَبْ وَاعْطِنِي
إلَخْ. كَذَا فِي الْقُنْيَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بَعْدَ
أَنْ رَمَزَ لِلْمُنْتَقَى وَالْمُحِيطِ: إنَّ فِيهِمَا مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ
عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا صَحَّ
الْبَيْعُ
(15) قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ
عَلَيْهِ. أَقُولُ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا فِي
الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ: وَلَوْ قَالَ
الْأَجْنَبِيُّ لِلدَّائِنِ هَبْ لِي دَيْنَهُ أَوْ حَلِّلْهُ
لِي لَوْ قَالَ: اجْعَلْ ذَلِكَ لِي فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت
يَبْرَأُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ ابْتِدَاءً لَا
يَبْرَأُ
(16) قَوْلُهُ: وَفِي وَكَالَةِ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ
إلَخْ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يُفْهَمُ مِنْ
(4/13)
مُقْتَضٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْ
التَّسَلُّطِ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مِنْ الزَّكَاةِ:
لَوْ تَصَدَّقَ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ عَلَى
زَيْدٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ
أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ هِبَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: وَهَبَ
لَهُ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ جَازَ
اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ لَا. وَبَيْعُ
الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ أَوْ
وَهَبَهُ جَازَ
وَالْبِنْتُ لَوْ وُهِبَتْ مَهْرَهَا مِنْ أَبُوهَا أَوْ
ابْنِهَا الصَّغِيرِ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ.
17 - إنْ أُمِرَتْ بِالْقَبْضِ صَحَّتْ وَإِلَّا لَا؛
لِأَنَّهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ
الدَّيْنُ (انْتَهَى) .
وَفِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ: قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ
لِيَكُونَ لَهُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَرَضِيَ جَازَ ثُمَّ
رَقَّمَ لِآخَرَ بِخِلَافِهِ: وَلَوْ أَعْطَى الْوَكِيلُ
بِالْبَيْعِ لِلْآمِرِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ قَضَاءً عَلَى
الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لَهُ كَانَ
الْقَضَاءُ عَلَى هَذَا فَاسِدًا وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى
الْآمِرِ بِمَا أَعْطَاهُ وَكَانَ الثَّمَنُ عَلَى
الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ (انْتَهَى) . ثُمَّ قَالَ فِيهَا:
لَوْ قَالَتْ الْمَهْرُ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي
لِوَالِدَيَّ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا بِهِ (انْتَهَى) .
وَخَرَجَ عَنْ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ
عَلَيْهِ الْحَوَالَةُ؛ فَإِنَّهَا كَذَلِكَ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
فُرُوعِ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ أَنَّ لِصَاحِبِ
الدَّرَاهِمِ الدَّيْنِ اسْتِبْدَالَ الدَّنَانِيرِ بِهَا
وَعَكْسَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَثِيرُ الْوُقُوعِ وَهِيَ
مَسْأَلَةُ بَيْعِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ
(17) قَوْلُهُ: إنْ أَمَرَتْ بِالْقَبْضِ صَحَّتْ إلَخْ. أَيْ:
إنْ أَمَرَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِيهِ إنَّ هِبَتَهَا
الصَّغِيرَ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى
الْآمِرِ بِالْقَبْضِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ وَهَبَتْ
مَالَهَا عَلَى زَوْجِهَا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ صَحَّ؛
لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ تَجُوزُ
إذَا سَلَّطَتْهُ عَلَى قَبْضِهِ، وَلِلْأَبِ وِلَايَةُ
الْقَبْضِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَكَانَ قَبْضُهُ كَقَبْضِ
الصَّغِيرِ فَكَأَنَّهَا سَلَّطَتْهُ عَلَى قَبْضِهِ
(4/14)
صِحَّتِهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ
الزَّيْلَعِيُّ مِنْهَا. وَخَرَجَ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ بِهِ
لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ كَمَا فِي
وَصَايَا الْبَزَّازِيَّةِ؛ فَالْمُسْتَثْنَى ثَلَاثٌ.
وَفَرَّعَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى
عَدَمِ صِحَّةِ تَمْلِيكِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ أَنَّهُ
لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِمَا عَلَيْهِ وَلَمْ
يُعَيِّنْ الْمَبِيعَ وَالْبَائِعَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ.
وَصَحَّ إنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ
لَوْ وَكَّلَ مَدْيُونَهُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا عَلَيْهِ؛
فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُسْتَأْجِرَ
بِأَنْ يُعَمِّرَ الْعَيْنَ مِنْ الْأُجْرَةِ صَحَّ. وَقَدْ
أَوْضَحْنَاهُ فِي وَكَالَةِ الْبَحْرِ
18 - السَّادِسَةُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ إذَا كَانَ
الْمَدْيُونُ جَاحِدًا وَلَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ
كَانَ عَلَى مُقِرٍّ وَجَبَتْ، إلَّا إذَا كَانَ مُفْلِسًا؛
فَإِذَا قَبَضَ أَرْبَعِينَ.
19 - مِمَّا أَصْلُهُ بَدَلُ تِجَارَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ
دِرْهَمٌ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ
شَرْحِ الْكَنْزِ.
أَنْوَاعُ الدُّيُونِ: 20 - مَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهُ
وَمَا لَا يَمْنَعُ: الْأَوَّلُ: الْمَاءُ فِي الطَّهَارَةِ؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: السَّادِسَةُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ إذَا
كَانَ الْمَدْيُونُ جَاحِدًا وَلَوْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ.
أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَلَوْ لَهُ عَلَيْهِ
بَيِّنَةٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ. قَالَ
فِي التَّنْوِيرِ: " وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ
مَلِيٍّ أَوْ مُعْسِرٍ أَوْ مُفْلِسٍ أَوْ جَاحِدٍ عَلَيْهِ
بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ بِهِ قَاضٍ فَوَصَلَ إلَى مِلْكِهِ
لَزِمَهُ زَكَاةُ مَا مَضَى " (انْتَهَى) وَفِي
الزَّيْلَعِيِّ: " وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي الدَّيْنِ
الْمَجْحُودِ يَجِبُ لِمَا مَضَى " لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ
مِنْ قِبَلِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ لِأَنَّ كُلَّ
بَيِّنَةٍ لَا تُقْبَلُ وَكُلُّ قَاضٍ لَا يَعْدِلُ وَهُوَ مَا
اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ
وَالْخَانِيَّةِ وَعَزَاهُ إلَى السَّرَخْسِيِّ.
(19) قَوْلُهُ: مِمَّا أَصْلُهُ بَدَلُ تِجَارَةٍ. أَقُولُ
أَوْ قَرْضٍ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ
[أَنْوَاعُ الدُّيُونِ]
(20) قَوْلُهُ: مَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهُ وَمَا لَا
يَمْنَعُ الْأَوَّلُ الْمَاءُ فِي الطَّهَارَةِ إلَخْ. أَقُولُ
(4/15)
يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ شِرَائِهِ
لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ: "
وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ ".
الثَّانِي: السُّتْرَةُ كَذَلِكَ فِيمَا يَنْبَغِي وَلَمْ
أَرَهُ.
21 - الثَّالِثُ: الزَّكَاةُ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِيهَا، مَا
لَهُ مَطَالِبُ مِنْ الْعِبَادِ؛ فَلَا يَمْنَعُ دَيْنَ
النَّذْرِ وَالْكَفَّارَاتِ.
22 - وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ. الرَّابِعُ: الْكَفَّارَةُ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَنْعِهِ وُجُوبَهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ أَمَّا مَا يَمْنَعُ فَفِي
مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ مِنْهَا الْمَاءُ إلَخْ ثُمَّ يَقُولُ
وَمَا لَا يَمْنَعُ ضَمَانَ سِرَايَةِ الْإِعْتَاقِ
وَالدِّيَةِ.
(21) قَوْلُهُ: الثَّالِثُ الزَّكَاةُ.
أَيْ مِمَّا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهُ، أَطْلَقَ الدَّيْنَ
فَشَمِلَ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ وَلَوْ صَدَاقَ زَوْجَتِهِ
الْمُؤَجَّلَ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَقِيلَ:
الْمَهْرُ الْمُؤَجَّلُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ
مُطَالَبٍ بِهِ عَادَةً بِخِلَافِ الْمُعَجَّلِ وَقِيلَ: إنْ
كَانَ الزَّوْجُ عَلَى عَزْمِ الْأَدَاءِ مَنَعَ وَإِلَّا
فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ دَيْنًا كَذَا فِي الْبَيَانِيَّةِ،
وَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ إذَا صَارَتْ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ
إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ الْقَضَاءِ وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ
كَذَلِكَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدَ فِي الْمِعْرَاجِ
نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ بِقَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ
قَلِيلَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهَا إنْ طَالَتْ تَسْقُطُ وَلَا
تَصِيرُ دَيْنًا. (22) قَوْلُهُ: وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ.
فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ دَيْنُ
الزَّكَاةِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ دَيْنًا
لَحِقَهُ بِاسْتِهْلَاكِ النِّصَابِ أَوْ دَيْنًا لَحِقَهُ
بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وُجُوبُ
الزَّكَاةِ فِي النِّصَابِ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ
جُزْءًا مِنْ النِّصَابِ فَيَكُونُ نَاقِصًا وَدَيْنُ
الزَّكَاةِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الزَّكَاةِ ثُمَّ مَلَكَ
مَالًا آخَرَ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ
فَلَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَالْحَجِّ، وَقَالَ فِي
الْجَامِعِ: دَيْنُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ يَمْنَعُ فَقَطْ؛
لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا وَهُوَ السَّاعِي. وَفِي الْمُنْتَقَى
عَنْ مُحَمَّدٍ: وَدَيْنُ الْكَفَالَةِ يَمْنَعُ سَوَاءٌ
كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَوْ
بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَفِي النَّوَادِرِ إنْ كَانَتْ بِأَمْرِهِ
لَا تَمْنَعُ وَبِلَا أَمْرِهِ تَمْنَعُ.
(4/16)
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ
بِالْمَالِ كَمَا فِي شَرْحِنَا عَلَى الْمَنَارِ مِنْ بَحْثِ
الْأَمْرِ.
الْخَامِسُ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِهِ
وُجُوبَهَا، تَنْبِيهٌ:
24 - دَيْنُ الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ صَدَقَةِ
فِطْرِهِ، وَيَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاتِهِ لَوْ كَانَ
لِلتِّجَارَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ
الْمَحَلِّ. السَّادِسُ: الْحَجُّ يَمْنَعُهُ اتِّفَاقًا.
السَّابِعُ: نَفَقَةُ الْقَرِيبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ
يَمْنَعَهَا؛ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا
إلَّا بِمِلْكِ نِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ. الثَّامِنُ:
ضَمَانُ سِرَايَةِ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَمْنَعُهُ؛ لِأَنَّ
الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ دَيْنًا آخَرَ التَّاسِعُ: الدِّيَةُ،
لَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا. الْعَاشِرُ: الْأُضْحِيَّةُ،
يَمْنَعُهَا كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ
تَتِمَّةٌ: قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ
لِلتَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا، وَيَمْنَعُهُ إنْ
كَانَ مُسْتَغْرِقًا وَيَمْنَعُ نَفَاذَ الْوَصِيَّةِ
وَالتَّبَرُّعِ مِنْ الْمَرِيضِ، وَيُبِيحُ أَخْذَ الزَّكَاةِ،
وَالدَّفْعُ إلَى الْمَدْيُونِ أَفْضَلُ.
مَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ وَمَا لَا يَثْبُتُ:
إذَا هَلَكَ الْمَالُ فِي الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا لَا
تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ
دَفْعِهَا وَطَلَبِ السَّاعِي، بِخِلَافِ مَا إذَا
اسْتَهْلَكَهُ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ لَا تَسْقُطُ بَعْدَ
وُجُوبِهَا بِهَلَاكِ الْمَالِ وَكَذَا الْحَجُّ، بِخِلَافِ
مَا إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَيْسَرَ
بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ بِالْمَالِ.
أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي
شَرْحِ الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا التَّكْفِيرُ
بِالْمَالِ فَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهُ عَلَى
الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مِنْ بَحْثِ
الْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ.
(24) قَوْلُهُ: دَيْنُ الْعَبْدِ إلَى قَوْلِهِ وَيَمْنَعُ
وُجُوبَ زَكَاتِهِ لَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ كَذَا فِي
أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ رَاجِعْ شَرْحَ
الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُخْتَارِ
(4/17)
لَا يَجِبَانِ، وَمَا يُخَيَّرُ فِيهِ
بَيْنَ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ
الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ.
25 - كَجَزَاءِ الصَّيْدِ.
26 - وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ وَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ لِعُذْرٍ.
27 - وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. أَيْ كَجَزَاءِ قَتْلِ
الصَّيْدِ أَوْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ
فِيهِ بَيْنَ الْهَدْيِ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا
وَبَيْنَ الطَّعَامِ بِقِيمَتِهِ كَالْفِطْرَةِ وَبَيْنَ
الصِّيَامِ عَنْ إطْعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا وَلَوْ
فَضَلَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ
يَوْمًا كَمَا فِي الْكَنْزِ.
(26) قَوْلُهُ: وَفِدْيَةُ الْحَلْقِ وَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ
لِعُذْرٍ. قَالَ فِي الْكَنْزِ: فَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ
أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ ذَبَحَ شَاةً أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ
أَصْوُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِالْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ دَمٌ أَوْ
صَدَقَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَلَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ
بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَكُونُ
آثِمًا وَصَرَّحُوا بِالْحُرْمَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَمْ
أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا هَلْ ذَبْحُ الدَّمِ أَوْ التَّصَدُّقُ
يُكَفِّرُ لِهَذَا الْإِثْمِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ لَا
بُدَّ مِنْهَا مَعَهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا
عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحُدُودِ هَلْ هِيَ كَفَّارَاتٌ
لِأَهْلِهَا أَوْ لَا وَهَلْ يَخْرُجُ الْحَجُّ عَنْ أَنْ
يَكُونَ مَبْرُورًا بِارْتِكَابِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ
كَفَّرَ عَنْهَا وَالظَّاهِرُ بَحْثًا لَا نَقْلًا أَنَّهُ لَا
يَخْرُجُ.
(27) قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ. قَالَ فِي الْكَنْزِ
وَكَفَّارَتُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ
مَسَاكِينَ كَمَا فِي الظِّهَارِ أَوْ كِسْوَتِهِمْ بِمَا
يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا
صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً. قَالَ الْمُصَنِّفُ
فِي الْبَحْرِ: وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ
وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا وَقْتُ الْحِنْثِ فَلَوْ حَنِثَ وَهُوَ
مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَفِي
عَكْسِهِ يَجُوزُ وَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ إلَى
الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ
يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَذَا
فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: وَهَبَ
مَالَهُ وَسَلَّمَهُ ثُمَّ صَامَ ثُمَّ رَجَعَ بِالْهِبَةِ
أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْفِيرِ حَالُ
الْأَدَاءِ لَا غَيْرَ (انْتَهَى) .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ
فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى بَذْلُ ابْنِ
الْمُعْسِرِ لِأَبِيهِ مَالًا لِيُكَفِّرَ بِهِ لَا تَثْبُتُ
الْقُدْرَةُ بِهِ إجْمَاعًا
(4/18)
وَمَا يَكُونُ الصَّوْمُ مَشْرُوطًا
بِإِعْسَارِهِ كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ
وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَدَمِ
التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَهُمَا،
فَالِاعْتِبَارُ لِإِعْسَارِهِ وَقْتُ تَكْفِيرِهِ
بِالصَّوْمِ، وَكَذَا يُفَرَّقُ فِي فَدِيَةِ الشَّيْخِ
الْفَانِي، فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْفَقِيرِ، فَإِذَا أَيْسَرَ
لَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ. كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ
الْفِطْرِ فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي
حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنْ وَقَّتَ التَّرِكَةَ بِالْكُلِّ
فَلَا كَلَامَ؛ وَإِلَّا قُدِّمَ.
29 - الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ كَالرَّهْنِ عَلَى مَا
تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، وَإِذَا أَوْصَى بِحُقُوقِ اللَّهِ
تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ، وَإِنْ أَخَّرَهَا
كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَإِنْ تَسَاوَتْ
فِي الْقُوَّةِ بَدَأَ بِمَا بَدَأَ بِهِ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ
الْوَصَايَا لَا يُقَدِّمُ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ.
30 - إلَّا الْعِتْقَ وَالْمُحَابَاةَ، وَلَا مُعْتَبَرَ
بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ.
وَتَمَامُهُ فِي وَصَايَا الزَّيْلَعِيِّ
تَذْنِيبٌ: فِيمَا يُقَدَّمُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ غَيْرِ
الدُّيُونِ ثَلَاثَةٌ فِي السَّفَرِ: جُنُبٌ وَحَائِضٌ
وَمَيِّتٌ، وَثَمَّةَ مَاءٌ يَكْفِي لِأَحَدِهِمْ؛ فَإِنْ
كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ،
وَإِنْ كَانَ لَهُمْ جَمِيعًا لَا يُصْرَفُ لِأَحَدِهِمْ
وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ
مُبَاحًا كَانَ الْجُنُبُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ
فَرِيضَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَمَا يَكُونُ الصَّوْمُ مَشْرُوطًا بِإِعْسَارِهِ.
مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.
(29) قَوْلُهُ: الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ كَالرَّهْنِ.
أَقُولُ: مِثْلُ الرَّهْنِ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ
وَالْعَبْدُ الْجَانِي وَالْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا
مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ.
(30) قَوْلُهُ: إلَّا الْعِتْقَ وَالْمُحَابَاةَ. قَالَ فِي
الْكَنْزِ فَإِنْ حَابَى فَحَرَّرَ فَهِيَ أَحَقُّ
(4/19)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
وَبِعَكْسِهِ اسْتَوَيَا، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ
الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ
فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا يَضْرِبُ
بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ وَلَا يُقَدِّمُ
الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْعِتْقَ الْمُوقِعَ فِي
الْمَرَضِ وَالْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِمَوْتِ الْوَصِيِّ
كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ
مُقَيَّدًا، وَالْمُحَابَاةُ فِي الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا إذَا
قَالَ: إذَا مِتّ فَهُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مُنَفَّذًا
عَقِيبَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّنْفِيذِ
فَهُوَ فِي الْمَعْنَى أَسْبَقُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى
تَنْفِيذِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ
بِالسَّبَقِ؛ لِأَنَّ مَا يُنَفَّذُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ
غَيْرِ تَنْفِيذٍ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمَدْيُونِ فَإِنَّ
صَاحِبَ الدَّيْنِ يُنَفِّذُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ إذَا
ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ وَفِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَصِيرُ
مُسْتَوْفِيًا بِنَفْسِ الْمَوْتِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ
عَلَى الْوَصِيَّةِ فَكَذَا الْحَقُّ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ
وَغَيْرُهُ مِنْ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ فِي السَّبَبِ
وَالتَّسَاوِي فِيهِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْعِتْقَ
أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَالْمُحَابَاةُ
يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي
الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي الثُّبُوتِ
إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمُسْتَحِقُّ وَاسْتَوَتْ الْحُقُوقُ
عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ.
وَالْإِمَامُ يَقُولُ: إنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا
تَثْبُتُ فِي ضِمْنَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَاتِ فَكَانَ
تَبَرُّعًا بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا بِصِيغَتِهَا حَتَّى
يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ وَيَمْلِكَهُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ
الْمَأْذُونُ لَهُمَا وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً
وَمَعْنًى، فَإِذَا وُجِدَ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دُفِعَتْ
إلَى الْأَضْعَفِ وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَثَبَتَ
وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ
الْمُزَاحَمَةُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ الْإِمَامُ: إذَا حَابَى
ثُمَّ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ
الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفَيْنِ لِتَسَاوِيهِمَا ثُمَّ مَا
أَصَابَ الْمُحَابَاةَ الْأَخِيرَةَ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا
وَبَيْنَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا
فَيَسْتَوِيَانِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ قُسِّمَ
الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْمُحَابَاةِ
وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ
الثَّانِي وَلَا يُقَالُ: إنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ
يَسْتَرِدُّ مَا أَصَابَ الْعِتْقَ الَّذِي بَعْدَهُ فِي
الْمَسْأَلَتَيْنِ لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّا
نَقُولُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ
الدَّوْرُ؛ بَيَانُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحَابَاةِ الْأُولَى
فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ اسْتَرَدَّ مِنْ الْمُعْتِقِ
لِكَوْنِهِ أَوْلَى لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ
الثَّانِي لِاسْتِوَائِهِمَا ثُمَّ اسْتَرَدَّ مِنْهُ
الْمُعْتَقُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِي صَاحِبَ
الْمُحَابَاةِ الثَّانِي، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ
لَوْ اسْتَرَدَّ صَاحِبُ الْمُحَابَاةِ مَا أَصَابَ
الْمُعْتِقَ الثَّانِيَ لَاسْتَرَدَّ مِنْهُ الْمُعْتَقُ
الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِيهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ صَاحِبُ
الْمُحَابَاةِ وَهَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى.
وَالسَّبِيلُ فِي الدَّوْرِ قَطْعُهُ
(4/20)
وَغُسْلُ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ. الرَّجُلُ
يَصْلُحُ إمَامًا لِلْمَرْأَةِ فَيَغْتَسِلُ الْجُنُبُ
وَتَتَيَمَّمُ الْمَرْأَةُ وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ، وَلَوْ
كَانَ الْمَاءُ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ فَالْأَبُ أَوْلَى
بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ تَمَلُّكِ مَالِ الِابْنِ، وَلَوْ
وَهَبَ لَهُمْ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِأَحَدِهِمْ؛ قَالُوا:
الرَّجُلُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ مِنْ
أَهْلِ قَبُولِ الْهِبَةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ
لِإِمَامَةِ الرَّجُلِ. قَالَ مَوْلَانَا:
32 - وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ
مَنْ يَقُولُ إنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ
الْقِسْمَةَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ
الْقَبْضُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
33 - وَمُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ
سُنَّةٌ؛ أَنَّ وُجُوبَهُ بِهَا، بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُنُبِ
فَإِنَّهُ فِي الْقُرْآنِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِمَا
إذَا كَانَ مُبَاحًا: مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِأَحْوَجِ
النَّاسِ وَلَا يَكْفِي إلَّا لِأَحَدِهِمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
وَعِنْدَهُمَا الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْكُلِّ فَلَا يُرَدُّ
السُّؤَالُ عَلَيْهِمَا هَذَا تَحْقِيقُ الْمَقَامِ وَمِنْهُ
يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْقُصُورِ
وَالْإِخْلَالِ وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْأَفْضَالِ
[تَذْنِيبٌ مَا يُقَدَّمُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ غَيْرِ
الدُّيُونِ]
(31) قَوْلُهُ: وَغُسْلُ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ. أَقُولُ قَالَ
الْمُصَنِّفُ فِي الْبَحْرِ وَمَا نَقَلَهُ مِسْكِينٌ مِنْ
قَوْلِهِ وَقِيلَ غُسْلُ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ. مُؤَكَّدَةٌ
فَفِيهِ نَظَرٌ بَعْدَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ يَعْنِي فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلًا غَيْرَ
مُعْتَدٍ بِهِ فَلَا يَقْدَحُ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ.
(32) قَوْلُهُ: وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى
قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا يُحْتَمَلُ
إلَخْ. أَقُولُ: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ
بِأَنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ لَا يَسْتَقِيمُ الْجَوَابُ
وَوَجْهُهُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَكْفِي
لِأَحَدِهِمْ فَإِذَا أَفَادَتْ الْهِبَةُ الْمَذْكُورَةُ
الْمِلْكَ نَالَهُ مِنْهَا مِقْدَارُ مَا لَا يَكْفِي
لِغُسْلِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُمْ الرَّجُلُ
أَوْلَى بِهِ.
(33) قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ غُسْلَ
الْمَيِّتِ سُنَّةٌ أَنَّ وُجُوبَهُ بِهَا إلَخْ. أَقُولُ
إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا التَّأْوِيلُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ
قَوْلٌ بِالسُّنَّةِ أَمَّا مَعَ وُجُودِهِ فَلَا.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ
(4/21)
وَأَمَّا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ
مُحْدِثٌ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِأَحَدِهِمَا؛ فَإِنَّهُ
يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى النَّجَاسَةِ كَمَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ مِنْ الْأَنْجَاسِ.
35 - وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَعَ الثَّلَاثَةِ ذُو
نَجَاسَةٍ يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ أَرَهُ
36 - اجْتَمَعَتْ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ وَقْتِيَّةٌ، قُدِّمَتْ
الْجِنَازَةُ. وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ
أَوْ فَرْضُ وَقْتٍ لَمْ أَرَهُ. وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ
الْفَرْضِ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ.
37 - وَإِلَّا الْكُسُوفُ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى فَوَاتُهُ
بِالِانْجِلَاءِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ
وَجِنَازَةٌ، يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْجِنَازَةِ.
38 - وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَتْ مَعَ جُمُعَةٍ وَفَرْضٍ وَلَمْ
يُخَفْ خُرُوجُ وَقْتِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
بِالْوُجُوبِ الِافْتِرَاضُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْوَافِي
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
بِالْإِجْمَاعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّنَّةَ لَا يَثْبُتُ
بِهَا الْفَرْضُ إلَّا إذَا كَانَتْ قَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ
وَالدَّلَالَةِ كَالْمُتَوَاتِرِ الْقَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ
وَدُونَ ذَلِكَ هُنَا خَرْطُ الْقَتَادِ وَحِينَئِذٍ لَا
يَتِمُّ هَذَا الْمُرَادُ بَلْ الْوُجُوبُ بِمَعْنَى
الِافْتِرَاضِ ثَابِتٌ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالسُّنَّةِ.
(34) قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ
وَجَدَ مَاءً إلَخْ.
مِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعِبَارَتُهَا: مُحْدِثٌ عَلَى
ثَوْبِهِ دَمٌ مَانِعٌ وَمَعَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِأَحَدِهِمَا
صَرَفَهُ إلَى الدَّمِ لِعَدَمِ الْبَدَلِ (انْتَهَى) .
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. (35) قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ
مَعَ الثَّلَاثَةِ. أَيْ: الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ
وَالْمَيِّتِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ يُجْزِيهِمْ
بِخِلَافِ ذِي النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ لِلْمَاءِ
بَدَلًا فِي حَقِّهَا كَذَا قِيلَ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ
(36) قَوْلُهُ: اجْتَمَعَتْ جِنَازَةٌ وَسُنَّةٌ وَقْتِيَّةٌ.
أَقُولُ: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَوَقْتِيَّةٌ وَقِيلَ
عَلَيْهِ يُخَالِفُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي فَنِّ الْقَوَاعِدِ
عِنْدَ قَوْلِهِ السَّادِسُ فِي بَيَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ
الْعِبَادَتَيْنِ.
(37) قَوْلُهُ: وَإِلَّا الْكُسُوفُ. أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَضِقْ
الْوَقْتُ قُدِّمَ الْكُسُوفُ.
(38) قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَتْ مَعَ جُمُعَةٍ
وَفَرْضٍ. كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى
أَوْ.
(4/22)
وَيَنْبَغِي أَيْضًا تَقْدِيمُ الْخُسُوفِ
عَلَى الْوِتْرِ وَالتَّرَاوِيحِ
وَأَمَّا الْحُدُودُ إذَا اجْتَمَعَتْ فَفِي الْمُحِيطِ:
وَإِذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ وَقُدِرَ عَلَى دَرْءِ أَحَدِهِمَا
دُرِئَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، بِأَنْ
اجْتَمَعَ حَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ
وَالْقَذْفِ وَالْفَقْءِ؛ بَدَأَ بِالْفَقْءِ فَإِذَا بَرِئَ
حُدَّ لِلْقَذْفِ فَإِذَا بَرِئَ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْقَطْعِ
وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا، وَحَدُّ الشُّرْبِ
آخِرُهَا لِثُبُوتِهِ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الصَّحَابَةِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا يُبْدَأُ
بِالْفَقْءِ ثُمَّ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ بِالرَّجْمِ
وَيُلْغَى غَيْرُهَا (انْتَهَى)
40 - وَلَوْ اجْتَمَعَ التَّعْزِيرُ وَالْحُدُودُ؛ قُدِّمَ
التَّعْزِيرُ عَلَى الْحُدُودِ فِي الِاسْتِيفَاءِ
لِتَمَحُّضِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ،
وَلَمْ أَرَ الْآنَ مَا إذَا اجْتَمَعَ قَتْلُ الْقِصَاصِ
وَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْقِصَاصِ
قَطْعًا لِحَقِّ الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ قَتْلُ
الزِّنَا وَالرِّدَّةِ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الرَّجْمِ؛
لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا
قُدِّمَ قَتْلُ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يَفُوتُ الرَّجْمُ، 41 -
وَإِذَا قُدِّمَ قَتْلُ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْقَتْلُ
بِالسَّيْفِ حَصَلَ مَقْصُودُ الْقِصَاصِ وَالرِّدَّةِ وَإِنْ
فَاتَ الرَّجْمُ
فَرْعٌ: تَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَيْضًا تَقْدِيمُ الْخُسُوفِ عَلَى
الْوِتْرِ إلَخْ. أَقُولُ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى فَوَاتُهُ
بِالِانْجِلَاءِ
(40) قَوْلُهُ: وَلَوْ اجْتَمَعَ التَّعْزِيرُ وَالْحُدُودُ
إلَخْ. أَقُولُ: إنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا فِي التَّعْزِيرِ
الَّذِي وَجَبَ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ
تَعْلِيلُهُ وَأَمَّا الَّذِي وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى
فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْحَدِّ عَلَيْهِ
فَلْيُحَرَّرْ.
(41) قَوْلُهُ: وَإِذَا قُدِّمَ قَتْلُ الْقِصَاصِ إلَخْ. أَيْ
فِي صُورَةِ مَا إذَا اجْتَمَعَ قَتْلُ الْقِصَاصِ
وَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا
(4/23)
الْمَسَائِلِ مَسَائِلُ اجْتِمَاعِ
الْفَضِيلَةِ وَالنَّقِيصَةِ؛ فَمِنْهَا الصَّلَاةُ أَوَّلَ
الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ وَآخِرَهُ بِالْوُضُوءِ؛ فَعِنْدَنَا
يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ إنْ كَانَ طَمِعَ فِي وُجُودِ
الْمَاءِ آخِرَهُ، وَإِلَّا فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ. وَلَمْ
أَرَ لِأَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ
يَتَيَمَّمُ فِي أَوَّلِهِ وَيُصَلِّي؛ فَإِذَا وَجَدَهُ
آخِرَهُ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثَانِيًا، وَلَا يَبْعُدُ
الْقَوْلُ بِأَفْضَلِيَّتِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إنَّهُ
النِّهَايَةُ فِي تَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ. وَمِنْهَا لَوْ
صَلَّى مُنْفَرِدًا صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ،
وَإِنْ أَخَّرَ عَنْهُ صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ فَالْأَفْضَلُ
التَّأْخِيرُ
42 - وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَسْبَغَ الْوُضُوءَ
تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ
أَدْرَكَهَا؛ فَيَنْبَغِي تَفْضِيلُ الِاقْتِصَارِ
لِإِدْرَاكِهَا. وَمِنْهَا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ
الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ يَرَى جَوَازَهُ وَإِلَّا
فَهُوَ أَفْضَلُ، وَكَذَا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَرَاهُ
43 - وَمِنْهَا التَّوَضُّؤُ مِنْ الْحَوْضِ أَفْضَلُ مِنْ
النَّهْرِ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَرَاهُ، وَإِلَّا لَا.
وَمِنْهَا لَوْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ لَوْ مَشَى إلَى
الصَّفِّ، فَفِي الْيَتِيمَةِ: الْأَفْضَلُ إدْرَاكُهُ فِي
الرُّكُوعِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
لَمْ أَرَ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَلَا لِغَيْرِهِمْ شَيْئًا
فَقُصُورٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَسْبَغَ
الْوُضُوءَ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ. أَقُولُ: إنَّمَا كَانَ
يَنْبَغِي تَفْضِيلُ الِاقْتِصَارِ لِإِدْرَاكِهَا لِلْقَوْلِ
بِفَرْضِيَّةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا
سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يُقَالُ كَمَا قِيلَ بِفَرْضِيَّةِ
الْجَمَاعَةِ قِيلَ بِفَرْضِيَّةِ الثَّلَاثِ كَمَا نَقَلَهُ
الزَّيْلَعِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ فَمَا
الْمُرَجَّحُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ وَرَدَ فِي تَرْكِ
الْجَمَاعَةِ مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَرِدْ فِي
الْغَسْلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالرَّاجِحُ عِنْدَ
أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ
(43) قَوْلُهُ: وَمِنْهَا التَّوَضُّؤُ مِنْ الْحَوْضِ
أَفْضَلُ.
أَقُولُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ
(4/24)
وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى
فِي بَيْتِهِ صَلَّى قَائِمًا وَلَوْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ
لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ؛ فَفِي الْخُلَاصَةِ: يَخْرُجُ إلَى
الْمَسْجِدِ وَيُصَلِّي قَاعِدًا
45 - وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا
قَدَرَ عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا
لَا، قَعَدَ وَقَرَأَهَا، وَمِنْهَا لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ
سُنَنِ الطَّهَارَةِ أَوْ الصَّلَاةِ تَرَكَهَا وُجُوبًا
وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ عَنْ اسْتِيعَابِ
السُّنَنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
لِقَصْدِ مُخَالَفَةِ زَعْمِ الْمُعْتَزِلَةِ وَذَلِكَ؛
لِأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ خَالَفُوا
سَائِرَ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الْجِوَارَ مُنَجِّسٌ فَلَوْ
وَقَعَ فِي الْحَوْضِ جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ النَّجَسِ
يَصِيرُ الْكُلُّ نَجِسًا فَصَارَ تَجَاوُزُ هَذَا
الْمُجَاوِرِ نَجِسًا إلَى آخِرِ الْحَوْضِ عَلَى رَأْيِهِمْ،
وَقَالَ سَائِرُ الْحَنَفِيَّةِ إنَّ الْجِوَارَ لَيْسَ
بِمُنَجِّسٍ بَلْ الْمُنَجِّسُ هُوَ السَّرَيَانُ فَفِي
الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ لَا يَصِيرُ مُجَاوِرُ مُجَاوِرِهِ
نَجِسًا وَلَا يُمْكِنُ سِرَايَةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ إلَى
سَائِرِ الْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ
لِلتَّجْزِئَةِ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْحَوْضُ
نَجِسًا عِنْدَهُمْ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: الْحَوْضُ لَا يَخْلُو عَنْ
جُزْءٍ مِنْ النَّجَسِ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَاءِ الْجَارِي
لِجَرَيَانِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّوَضُّؤُ
بِالْمَاءِ الْجَارِي أَفْضَلَ اتِّفَاقًا إلَّا أَنَّهُ
قَصَدَ إيقَاعَ الْمُخَالَفَةِ فَكَانَ التَّوَضُّؤُ مِنْ
الْحَوْضِ أَفْضَلَ مِنْ التَّوَضُّؤِ بِالْمَاءِ الْجَارِي
لِأَجْلِ إرْغَامِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ يَتَنَجَّسُ
بِالْجِوَارِ وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ زَعْمَهُمْ بَاطِلٌ
قَطْعًا كَيْفَ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَلَزِمَ أَنْ لَا يَجُوزَ
التَّوَضُّؤُ مِنْ الْحَوْضِ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ
بِالْإِجْمَاعِ
(44) قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى فِي
بَيْتِهِ صَلَّى قَائِمًا إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ الَّذِي فِي
الْخُلَاصَةِ: يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَائِمًا هُوَ
الْمُخْتَارُ وَفِي نُسْخَةٍ مِنْهَا قَالَ شَمْسُ
الْأَئِمَّةِ: يَخْرُجُ إلَى الْجَمَاعَةِ لَكِنْ يُكَبِّرُ
قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ وَبِهِ يُفْتَى
(45) قَوْلُهُ: وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى
قَاعِدًا قَدَرَ عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ إلَخْ.
قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ مَا
يَجِبُ مِنْهَا بِالسُّنَّةِ وَهَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَزَادَ
أَنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يَعْقِدُ وَذَكَرَ بَعْدَهُ أَقْوَالًا
يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا.
(4/25)
يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْمُؤَكَّدَةِ ثُمَّ
الصَّلَاةُ فِي الْمُسْتَحَبِّ
وَمِنْهَا تَقْدِيمُ الدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي الصِّحَّةِ
وَمَا كَانَ مَعْلُومَ السَّبَبِ. 47 - عَلَى الدَّيْنِ
الْمُقَرِّ بِهِ فِي الْمَرَضِ
وَمِنْهَا بَابُ الْإِمَامَةِ؛ يُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ ثُمَّ
الْأَقْرَأُ ثُمَّ الْأَوْرَعُ ثُمَّ الْأَسَنُّ ثُمَّ
الْأَصْبَحُ وَجْهًا ثُمَّ الْأَحْسَنُ خُلُقًا ثُمَّ
الْأَحْسَنُ زَوْجَةً ثُمَّ مَنْ لَهُ جَاهٌ ثُمَّ الْأَنْظَفُ
ثَوْبًا ثُمَّ الْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ 48 - ثُمَّ
الْحُرُّ الْأَصْلِيُّ عَلَى الْمُعْتَقِ ثُمَّ الْمُتَيَمِّمُ
عَنْ الْحَدَثِ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ عَنْ الْجَنَابَةِ،
وَتَمَامُهُ فِي الشَّرْحِ.
49 - وَيَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْضُ خِصَالِ
الْكَفَاءَةِ يُقَابِلُ الْبَعْضَ فَالْعَالِمُ الْعَجَمِيُّ
كُفُؤٌ لِلْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ شَرِيفَةً وَعِلْمُهُ يُقَابِلُ
نَسَبَهَا.
50 - وَكَذَا شَرَفُهُ
خَاتِمَةٌ: لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى
الْحُقُوقِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ؛ وَمِنْهُ السَّبْقُ
كَالِازْدِحَامِ فِي الدَّعْوَى وَالْإِفْتَاءِ وَالدَّرْسِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْمُؤَكَّدَةِ. كَذَا فِي
خَطِّ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا،
وَالْمُرَادُ أَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ يَأْتِي بِهَا
وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ بِخِلَافِ غَيْرِ
الْمُؤَكَّدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا إنْ ضَاقَ
الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ
(47) قَوْلُهُ: عَلَى الدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي الْمَرَضِ
أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ زِيَادَةً عَلَى هَذَا وَعَلَى
الدَّيْنِ الْمَجْهُولِ السَّبَبِ حَتَّى تَتِمَّ
الْمُقَابَلَةُ
(48) قَوْلُهُ: ثُمَّ الْحُرُّ الْأَصْلِيُّ عَلَى
الْمُعْتَقِ. أَقُولُ: يُنْظَرُ حُكْمُ مَا لَوْ اجْتَمَعَ فِي
الصَّلَاةِ حُرٌّ غَيْرُ فَقِيهٍ وَعَبْدٌ فَقِيهٌ هَلْ
يُقَدَّمُ الْحُرُّ غَيْرُ الْفَقِيهِ أَوْ يُقَدَّمُ
الْعَبْدُ الْفَقِيهُ؟ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ
الْأَصَحَّ تَقْدِيمُ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ النَّقِيصَةَ لَا
تُجْبَرُ بِالْفَضِيلَةِ.
(49) قَوْلُهُ: وَيَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْضُ
خِصَالِ الْكَفَاءَةِ. أَقُولُ: إنَّمَا كَانَ مُقَابِلُهُ
بَعْضُ خِصَالِ الْكَفَاءَةِ بِبَعْضٍ يَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ
الْمَسَائِلِ لَا مِنْهَا لِجُبْرَانِ النَّقِيصَةِ فِيهِ
بِالْفَضِيلَةِ.
(50) قَوْلُهُ: وَكَذَا شَرَفُهُ. كَذَا فِي عَامَّةِ
النُّسَخِ وَالصَّوَابُ شَرَفُهَا بِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ
(4/26)
فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْمَجِيءِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ |