غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر الْفَنُّ السَّابِعُ: الْحِكَايَاتُ
وَالْمُرَاسَلَاتُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ
اصْطَفَى وَبَعْدُ. فَهَذَا هُوَ الْفَنُّ السَّابِعُ مِنْ
الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَبِهِ تَمَامُهُ، وَهُوَ فَنُّ
الْحِكَايَاتِ وَالْمُرَاسَلَاتِ، وَهُوَ فَنٌّ وَاسِعٌ قَدْ
كُنْت طَالَعْت فِيهِ أَوَاخِرَ كُتُبِ الْفَتَاوَى،
وَطَالَعْت مَنَاقِبَ الْكَرْدَرِيِّ مِرَارًا وَطَبَقَاتِ
عَبْدِ الْقَادِرِ،
1 - لَكِنِّي اخْتَصَرْت فِي هَذَا الْكُرَّاسِ مِنْهَا
الزُّبْدَةَ. مُقْتَصِرًا غَالِبًا عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَى
أَحْكَامٍ،
2 - لَمَّا جَلَسَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
- لِلتَّدْرِيسِ مِنْ غَيْرِ إعْلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَرْسَلَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلًا فَسَأَلَهُ عَنْ خَمْسِ مَسَائِلَ.
الْأُولَى: قَصَّارٌ جَحَدَ الثَّوْبَ وَجَاءَ بِهِ
مَقْصُورًا، هَلْ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ
أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ.
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَخْطَأْت فَقَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ
فَقَالَ: أَخْطَأْت،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
[الْفَنُّ السَّابِعُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ
الْحِكَايَاتُ وَالْمُرَاسَلَاتُ]
قَوْلُهُ: لَكِنِّي اخْتَصَرْت فِي هَذَا الْكُرَّاسِ. فِيهِ
أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ كُرَّاسٌ وَإِنَّمَا
يَقُولُ كُرَّاسَةٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْكُرَّاسَةُ
وَاحِدَةُ الْكُرَّاسِ وَالْكَرَارِيسِ الْجُزْءُ مِنْ
الصَّحِيفَةِ.
(2) قَوْلُهُ: لَمَّا جَلَسَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- لِلتَّدْرِيسِ مِنْ غَيْرِ إعْلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَخْ. الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْإِمَامِ
أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَزُهْدِهِ أَنَّهُ مَا
أَرْسَلَ لَهُ ذَلِكَ
(4/301)
3 - ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنْ
كَانَتْ الْقِصَارَةُ قَبْلَ الْجُحُودِ،
4 - اسْتَحَقَّ،
5 - وَإِلَّا لَا.
الثَّانِيَةُ
6 - هَلْ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِالْفَرْضِ أَمْ
بِالسُّنَّةِ؟ فَقَالَ: بِالْفَرْضِ. فَقَالَ أَخْطَأْتَ.
فَقَالَ بِالسُّنَّةِ. فَقَالَ أَخْطَأْتَ فَتَحَيَّرَ أَبُو
يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَقَالَ الرَّجُلُ: بِهِمَا
لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فَرْضٌ، وَرَفْعَ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ
7 - الثَّالِثَةُ: طَيْرٌ سَقَطَ فِي قِدْرٍ عَلَى النَّارِ،
فِيهِ لَحْمٌ وَمَرَقٌ؛ هَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
الرَّجُلَ إلَّا لِيُحَقِّقَ وَصَلَاحِيَّتَهُ لِلتَّدْرِيسِ
وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ
يَسْتَأْذِنَهُ فِي التَّدْرِيسِ رِعَايَةً لَحَقِّ
الْأُسْتَاذِ فَإِنَّ لَهُ عَلَى التِّلْمِيذِ حُقُوقًا
ذَكَرَهَا الْمَشَايِخُ وَهِيَ أَنْ لَا يَفْتَتِحَ الْكَلَامَ
قَبْلَهُ وَلَا يَجْلِسَ مَكَانَهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهُ وَلَا
يَرُدَّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ وَلَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي
مِشْيَتِهِ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا عَنْ
رَوْضَةِ زَنْدَوِيسِيِّ.
(3) قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ إنْ كَانَتْ
الْقِصَارَةُ قَبْلَ الْجُحُودِ إلَخْ. الْقَائِلُ هُوَ
الْإِمَامُ لَمَّا أَتَاهُ أَبُو يُوسُفَ لَا الرَّجُلُ
السَّائِلُ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ لِابْنِ الْعِزِّ.
(4) قَوْلُهُ: اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ كَمَا
فِي التَّهْذِيبِ وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ يَجِبُ
الْأَجْرُ لِأَنَّهُ صَنَعَهُ لِلْمَالِكِ.
(5) قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا لِأَنَّهُ غَاصِبٌ كَمَا فِي
التَّهْذِيبِ وَفِي الْيَنَابِيعِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ
فَإِنَّهُ لَمَّا جَحَدَ صَارَ غَاصِبًا وَتَبْطُلُ
الْإِجَارَةُ فَإِنْ قَصَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ قَصَرَ
بِغَيْرِ عَقْدٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ كَذَا فِي
الْخَانِيَّةِ وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ لَا يَجِبُ
الْأَجْرُ لِأَنَّهُ صَنَعَهُ لِنَفْسِهِ
(6) قَوْلُهُ: هَلْ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِالْفَرْضِ
أَمْ بِالسُّنَّةِ إلَخْ. قِيلَ عَلَيْهِ كَيْفَ هَذَا مَعَ
قَوْلِهِ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» يَعْنِي وَهِيَ جُمْلَةُ
مَعْرِفَةِ الطَّرَفَيْنِ تُفِيدُ حَصْرَ الدُّخُولِ فِيهَا
بِالتَّكْبِيرِ لَا غَيْرُ فَكَيْفَ يَدْخُلُ الْمُصَلِّي
فِيهَا بِالرَّفْعِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ السُّؤَالُ هَلْ أَوَّلُ الْأَفْعَالِ فَرْضٌ أَوْ
سُنَّةٌ فَقَدْ قَالُوا: الْمُصَلِّي يَرْفَعُ يَدَيْهِ
أَوَّلًا لِأَنَّ الرَّفْعَ كَالنَّفْيِ فِي
(لَا إلَهَ) وَالْوَضْعُ بِالتَّكْبِيرِ كَالْإِثْبَاتِ فِي
إلَّا اللَّهُ (انْتَهَى) . وَفِيهِ تَأَمُّلٌ
(7) قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ طَيْرٌ سَقَطَ فِي قِدْرٍ عَلَى
النَّارِ إلَخْ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ امْرَأَةٌ تَطْبُخُ
(4/302)
يُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ يُؤْكَلُ
فَخَطَّأَهُ. فَقَالَ: لَا يُؤْكَلُ فَخَطَّأَهُ ثُمَّ قَالَ:
إنْ كَانَ اللَّحْمُ مَطْبُوخًا قَبْلَ سُقُوطِ الطَّيْرِ
يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُؤْكَلُ وَتُرْمَى الْمَرَقَةُ وَإِلَّا
يُرْمَى الْكُلُّ
8 - الرَّابِعَةُ: مُسْلِمٌ لَهُ زَوْجَةٌ ذِمِّيَّةٌ مَاتَتْ
وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ؛ تُدْفَنُ فِي أَيْ الْمَقَابِرِ؟
فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَقَابِرِ
الْمُسْلِمِينَ. فَخَطَّأَهُ، فَقَالَ فِي مَقَابِرِ أَهْلِ
الذِّمَّةِ فَخَطَّأَهُ، فَتَحَيَّرَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ:
تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْيَهُودِ، وَلَكِنْ يُحَوَّلُ
وَجْهُهَا عَنْ الْقِبْلَةِ حَتَّى يَكُونَ وَجْهُ الْوَلَدِ
إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي الْبَطْنِ يَكُونُ
وَجْهُهُ إلَى ظَهْرِ أُمِّهِ
الْخَامِسَةُ: أُمُّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ، تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ
إذْنِ مَوْلَاهَا فَمَاتَ الْمَوْلَى، هَلْ تَجِبُ الْعِدَّةُ
مِنْ الْمَوْلَى؟ فَقَالَ: تَجِبُ، فَخَطَّأَهُ ثُمَّ قَالَ:
لَا تَجِبُ فَخَطَّأَهُ ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ:
9 - إنْ كَانَ الزَّوْجُ دَخَلَ بِهَا لَا تَجِبُ وَإِلَّا
وَجَبَتْ. فَعَلِمَ أَبُو يُوسُفَ تَقْصِيرَهُ فَعَادَ إلَى
أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: تَزَبَّبْت
قَبْلَ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قِدْرًا فَطَارَ الطَّيْرُ فَوَقَعَ فِي الْقِدْرِ وَمَاتَ فِي
ذَلِكَ لَا تُؤْكَلُ الْمَيْتَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا
اللَّحْمُ إنْ وَقَعَ فِي حَالَةِ الْغَلَيَانِ لَا يُؤْكَلُ
وَإِنْ سَكَنَ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ يُؤْكَلُ قَالَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا فِي كِتَابِ رَزِينٍ لَكِنَّ هَذَا
عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي
يُوسُفَ يُغْلَى اللَّحْمُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثًا
كُلُّ مَرَّةٍ بِمَاءٍ جَدِيدٍ فَيَطْهُرُ
(8) قَوْلُهُ: الرَّابِعَةُ مُسْلِمٌ لَهُ زَوْجَةٌ ذِمِّيَّةٌ
إلَخْ. فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَاتَتْ كِتَابِيَّةٌ وَفِي
بَطْنِهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ قَدْ مَاتَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا
وَتُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ فِي
مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَقِيلَ عَلَى حَدِّهَا وَهُوَ
أَحْوَطُ (انْتَهَى) . وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ
الْفَيْضِ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ
(9) قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ دَخَلَ بِهَا لَا تَجِبُ.
أَقُولُ لِأَنَّ بِدُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا انْقَطَعَتْ
عَلَقَتُهَا مِنْ الْمَوْلَى.
(4/303)
تُحَصْرِمَ كَذَا فِي إجَارَاتِ الْفَيْضِ.
وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ: إنَّ سَبَبَ انْفِرَادِهِ
أَنَّهُ مَرَضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَعَادَهُ الْإِمَامُ
وَقَالَ: لَقَدْ كُنْت آمُلُك بَعْدِي لِلْمُسْلِمِينَ
وَلَئِنْ أُصِبْت لَيَمُوتُ عِلْمٌ كَثِيرٌ: فَلَمَّا بَرَأَ
أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ وَعَقَدَ لَهُ مَجْلِسَ الْأَمَالِي
وَقَالَ لَهُ حِينَ جَاءَ: مَا جَاءَ بِك إلَّا مَسْأَلَةُ
الْقَصَّارِ.
10 - سُبْحَانَ اللَّهِ مِنْ رَجُلٍ يَتَكَلَّمُ فِي دِينِ
اللَّهِ وَيَعْقِدُ مَجْلِسًا لَا يُحْسِنُ مَسْأَلَةً فِي
الْإِجَارَةِ،
11 - ثُمَّ قَالَ: مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ
التَّعَلُّمِ فَلِيَبْكِ عَلَى نَفْسِهِ (انْتَهَى)
. وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَاوِي الْحَصِيرِيُّ مَسْأَلَةً
جَلِيلَةً فِي أَنَّ الْمَبِيعَ يُمْلَكُ مَعَ الْبَيْعِ أَوْ
بَعْدَهُ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: جَرَى الْكَلَامُ بَيْنَ سُفْيَانَ وَبِشْرٍ فِي
الْعُقُودِ، مَتَى يَمْلِكُ الْمَالِكُ بِهَا، مَعَهَا، أَوْ
بَعْدَهَا، قَالَ: آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ قَالَ سُفْيَانُ:
أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ زُجَاجَةً سَقَطَتْ فَانْكَسَرَتْ
أَكَانَ الْكَسْرُ مَعَ مُلَاقَاتِهَا الْأَرْضَ أَوْ
قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا؟ أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ
نَارًا فِي قُطْنَةٍ فَاحْتَرَقَتْ؛ أَمَعَ الْخَلْقِ
احْتَرَقَتْ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(10) قَوْلُهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مِنْ رَجُلٍ يَتَكَلَّمُ فِي
دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْقِدُ مَجْلِسًا لَا يُحْسِنُ
مَسْأَلَةً فِي الْإِجَارَةِ. أَقُولُ مُرَادُ الْإِمَامِ
مَسْأَلَةٌ سُئِلَ عَنْهَا فِي الْإِجَارَةِ بِقَرِينَةِ مَا
تَقَدَّمَ لَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ لِأَنَّ
الْإِمَامَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقُولُ الْكَذِبَ
الْمُتَّفَقَ عَلَى حُرْمَتِهِ فِي الْأَدْيَانِ كُلِّهَا.
(11) قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَسْتَغْنِي
عَنْ التَّعَلُّمِ إلَخْ. أَقُولُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ مَا لَفْظُهُ: لَا يَزَالُ الرَّجُلُ
عَالِمًا مَا تَعَلَّمَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَى نَفْسَهُ
اسْتَغْنَى وَأَفْتَى فَهُوَ أَجْهَلُ مَا يَكُونُ
(4/304)
12 - وَقَدْ قَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ وَهُوَ
الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْمِلْكَ فِي
الْبَيْعِ يَقَعُ مَعَهُ لَا بَعْدَهُ، فَيَقَعُ الْبَيْعُ
وَالْمِلْكُ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمٍ وَلَا تَأَخُّرٍ،
لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُبَادَلَةٍ وَمُعَاوَضَةٍ فَيَجِبُ
أَنْ يَقَعَ الْمِلْكُ فِي الطَّرَفَيْنِ مَعًا. وَكَذَا
الْكَلَامُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ مِنْ النِّكَاحِ
وَالْخُلْعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عُقُودِ الْمُبَادَلَاتِ إلَى
آخِرِ مَا ذَكَرَهُ. وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ قَالَ
الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: خَدَعَتْنِي
امْرَأَةٌ وَفَقَّهَتْنِي امْرَأَةٌ وَزَهَّدَتْنِي امْرَأَةٌ.
أَمَّا الْأُولَى قَالَ: كُنْت مُجْتَازًا فَأَشَارَتْ إلَيَّ
امْرَأَةٌ، إلَى شَيْءٍ مَطْرُوحٍ فِي الطَّرِيقِ فَتَوَهَّمْت
أَنَّهَا خَرْسَاءُ، وَأَنَّ الشَّيْءَ لَهَا فَلَمَّا
رَفَعْتُهُ إلَيْهَا قَالَتْ: احْفَظْهُ حَتَّى تُسَلِّمَهُ
لِصَاحِبِهِ. الثَّانِيَةُ: سَأَلَتْنِي امْرَأَةٌ عَنْ
مَسْأَلَةٍ فِي الْحَيْضِ، فَلَمْ أَعْرِفْهَا، فَقَالَتْ
قَوْلًا: تَعَلَّمْتُ الْفِقْهَ مِنْ أَجْلِهِ الثَّالِثَةُ:
مَرَرْتُ بِبَعْضِ الطُّرُقَاتِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: هَذَا
الَّذِي يُصَلِّي الْفَجْرَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ
فَتَعَمَّدْتُ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ دَأْبِي
13 - وَسُئِلَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
عَمَّنْ قَالَ: لَا أَرْجُو الْجَنَّةَ، وَلَا أَخَافُ
النَّارَ، وَلَا أَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى، وَآكُلُ
الْمَيْتَةَ، وَأُصَلِّي بِلَا قِرَاءَةٍ وَبِلَا رُكُوعٍ
وَسُجُودٍ وَأَشْهَدُ بِمَا لَمْ أَرَهُ، وَأُبْغِضُ الْحَقَّ
وَأُحِبُّ الْفِتْنَةَ.
فَقَالَ أَصْحَابُهُ: أَمْرُ هَذَا الرَّجُلِ مُشْكِلٌ فَقَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
[مَسْأَلَة الْمَبِيعَ يُمْلَكُ مَعَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ]
قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ وَهُوَ الصَّحِيحُ
إلَخْ. قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ هَذَا
الْقَوْلَ يَخُصُّ الْمُبَادَلَاتِ لَمْ يَتَعَرَّضْ
لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى
(13) قَوْلُهُ: وَسُئِلَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
عَمَّنْ قَالَ لَا أَرْجُو الْجَنَّةَ إلَخْ، قَالَ فِي
الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: لَكِنْ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ
ضَرْبٌ مِنْ الِاسْتِبْعَادِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا
(4/305)
الْإِمَامُ: هَذَا الرَّجُلُ يَرْجُو
اللَّهَ لَا الْجَنَّةَ، وَيَخَافُ اللَّهَ لَا النَّارَ،
وَلَا يَخَافُ الظُّلْمَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَذَابِهِ،
وَيَأْكُلُ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ وَيُصَلِّي عَلَى
الْجِنَازَةِ، وَيَشْهَدُ بِالتَّوْحِيدِ، وَيُبْغِضُ
الْمَوْتَ وَهُوَ حَقٌّ وَيُحِبُّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ
وَهُمَا فِتْنَةٌ فَقَامَ السَّائِلُ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ
وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّك لِلْعِلْمِ وِعَاءٌ (انْتَهَى) .
وَفِي آخِرِ فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ سُئِلَ الشَّيْخُ
الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَمَّنْ
يَقُولُ: أَنَا لَا أَخَافُ النَّارَ وَلَا أَرْجُو
الْجَنَّةَ، وَإِنَّمَا أَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى وَأَرْجُوهُ
فَقَالَ قَوْلُهُ: إنِّي لَا أَخَافُ النَّارَ وَلَا أَرْجُو
الْجَنَّةَ غَلَطٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَوَّفَ
عِبَادَهُ بِالنَّارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا
النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]
وَمَنْ قِيلَ لَهُ: خَفْ مِمَّا خَوَّفَك اللَّهُ تَعَالَى
فَقَالَ: لَا أَخَافُ رَدًّا لِذَلِكَ كَفَرَ (انْتَهَى)
وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ قَدِمَ قَتَادَةُ الْكُوفَةَ؛
فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ: سَلُونِي عَنْ
الْفِقْهِ فَقَالَ الْإِمَامُ: مَا تَقُولُ فِي امْرَأَةِ
الْمَفْقُودِ؟ فَقَالَ: قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ -؛ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ
تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَتَتَزَوَّجُ بِمَا شَاءَتْ
قَالَ: فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ وَقَالَ تَزَوَّجْتِ
وَأَنَا حَيٌّ، وَقَالَ الثَّانِي: تَزَوَّجْتِنِي وَلَك
زَوْجٌ. 14 - أَيُّهُمَا يُلَاعِنُ؟ فَغَضِبَ قَتَادَةُ
وَقَالَ: لَا أُجِيبُكُمْ بِشَيْءٍ
قَالَ الْإِمَامُ: خَرَجْنَا مَعَ حَمَّادٍ نُشَيِّعُ
الْأَعْمَشَ وَأَغْوَرَ الْمَاءُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ؛
فَأَفْتَى حَمَّادٌ بِالتَّيَمُّمِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ،
فَقُلْت: يُؤَخَّرُ إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: أَيُّهُمَا يُلَاعِنُ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ
فَإِنَّهُ لَمْ يَرْمِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالزِّنَا حَتَّى
(4/306)
آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنْ وُجِدَ الْمَاءُ
وَإِلَّا يَتَيَمَّمُ، فَفَعَلْت فَوُجِدَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ
وَهَذِهِ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ خَالَفَ فِيهَا أُسْتَاذَه
. وَكَانَ لِلْإِمَامِ جَارَةٌ لَهَا غُلَامٌ أَصَابَ مِنْهَا
دُونَ الْفَرْجِ فَحَبِلَتْ، فَقَالَ أَهْلُهَا لَهُ: كَيْفَ
تَلِدُ وَهِيَ بِكْرٌ؟ فَقَالَ: هَلْ لَهَا أَحَدٌ تَثِقُ
بِهِ؟ قَالُوا عَمَّتُهَا، فَقَالَ: تَهَبُ الْغُلَامَ مِنْهَا
ثُمَّ تُزَوِّجُهَا مِنْهُ، فَإِذَا أَزَالَ عُذْرَتَهَا
رَدَّتْ الْغُلَامَ إلَيْهَا فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ
وَخَرَجَ الْإِمَامُ إلَى بُسْتَانٍ فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ
أَصْحَابِهِ إذْ هُوَ بِابْنِ أَبِي لَيْلَى رَاكِبًا عَلَى
بَغْلَتِهِ، فَتَسَايَرَا فَمَرَّا عَلَى نِسْوَةٍ يُغَنِّينَ
فَسَكَتْنَ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْسَنْتُنَّ، فَنَظَرَ ابْنُ
أَبِي لَيْلَى فِي قِمْطَرَةٍ فَوَجَدَ قَضِيَّةً فِيهَا
شَهَادَاتُهُ، فَدَعَاهُ لِيَشْهَدَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ
فَلَمَّا شَهِدَ أَسْقَطَ شَهَادَتَهُ وَقَالَ: قُلْت:
لِلْمُغَنِّيَاتِ أَحْسَنْتُنَّ، فَقَالَ: مَتَى قُلْت ذَلِكَ؛
حِينَ سَكَتْنَ أَمْ حِينَ كُنَّ يُغَنِّينَ؟ قَالَ حِينَ
سَكَتْنَ قَالَ: أَرَدْت بِذَلِكَ أَحْسَنْتُنَّ بِالسُّكُوتِ،
فَأَمْضَى شَهَادَتَهُ.
وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي
وَلِيمَةٍ فِي الْكُوفَةِ وَفِيهَا الْعُلَمَاءُ
وَالْأَشْرَافُ، وَقَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
تُلَاعِنَهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِ الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ:
حُكِيَ أَنَّ قَتَادَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَاحِبَ
التَّفْسِيرِ قَدِمَ الْكُوفَةَ وَجَلَسَ لِلنَّاسِ وَقَالَ:
سَلُونِي عَنْ الْفِقْهِ فَقَامَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ
غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَنُعِيَ إلَيْهَا زَوْجُهَا
وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا
ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فَقَالَ لَهَا: يَا
زَانِيَةُ تَزَوَّجْتِ وَأَنَا زَوْجُك وَقَالَ الْآخَرُ: يَا
زَانِيَةُ تَزَوَّجْت وَلَك زَوْجٌ هَلْ يَجِبُ الْحَدُّ
وَلِمَنْ تَكُونُ الْأَوْلَادُ؟ فَبَقِيَ مُتَفَكِّرًا ثُمَّ
قَالَ: هَلْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؟ فَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا وَلَكِنْ نَسْتَعِدُّ
لِلْبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ فَقَالَ قَتَادَةُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: لَا أَجْلِسُ فِي الْكُوفَةِ مَا دَامَ هَذَا
الْغُلَامُ فِيهَا فَمَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا يَسْأَلُنِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ (انْتَهَى) .
أَقُولُ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ
يَتَّجِهُ سُؤَالُ اللِّعَانِ لَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ
(4/307)
زَوَّجَ صَاحِبُهَا ابْنَيْهِ مِنْ
أُخْتَيْنِ، فَغَلِطَتْ النِّسَاءُ فَزَفَّتْ كُلَّ بِنْتٍ
إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا وَدَخَلَ بِهَا.
فَأَفْتَى سُفْيَانُ بِقَضَاءِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَهْرُ وَتَرْجِعُ كُلٌّ
إلَى زَوْجِهَا.
فَسُئِلَ الْإِمَامُ فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْغُلَامَيْنِ
فَأَتَى بِهِمَا فَقَالَ: أَيُحِبُّ كُلٌّ مِنْكُمَا؟ 15 -
أَنْ يَكُونَ الْمُصَابُ عِنْدَهُ؟ قَالَا نَعَمْ.
قَالَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا: طَلِّقْ الَّتِي عِنْدَ أَخِيك
فَفَعَلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ فَقَامَ
سُفْيَانُ فَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ
وَحَكَى الْخَطِيبُ الْخُوَارِزْمِيُّ أَنَّ كَلْبَ الرُّومِ
أَرْسَلَ إلَى الْخَلِيفَةِ مَالًا جَزِيلًا عَلَى يَدِ
رَسُولِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ الْعُلَمَاءَ عَنْ ثَلَاثِ
مَسَائِلَ؛ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك اُبْذُلْ لَهُمْ الْمَالَ
وَإِنْ لَمْ يُجِيبُوك فَاطْلُبْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
الْخَرَاجَ فَسَأَلَ الْعُلَمَاءَ فَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِمَا
فِيهِ مُقْنِعٌ، وَكَانَ الْإِمَامُ إذْ ذَاكَ صَبِيًّا
حَاضِرًا مَعَ أَبِيهِ؛ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي جَوَابِ
الرُّومِيِّ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَقَامَ وَاسْتَأْذَنَ مِنْ
الْخَلِيفَةِ فَأَذِنَ لَهُ؛ وَكَانَ الرُّومِيُّ عَلَى
الْمِنْبَرِ فَقَالَ لَهُ: أَسَائِلٌ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ
قَالَ: انْزِلْ؛ مَكَانَك الْأَرْضُ وَمَكَانِي الْمِنْبَرُ
فَنَزَلَ الرُّومِيُّ وَصَعِدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: سَلْ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ
قَبْلَ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُ الْعَدَدَ؟
قَالَ: نَعَمْ قَالَ: مَا قَبْلَ الْوَاحِدِ. قَالَ: هُوَ
الْأَوَّلُ لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ قَالَ: إذَا لَمْ يَكُنْ
قَبْلَ الْوَاحِدِ الْمَجَازِيِّ اللَّفْظِيِّ شَيْءٌ،
فَكَيْفَ يَكُونُ قَبْلَ الْوَاحِدِ الْحَقِيقِيِّ؟ فَقَالَ
الرُّومِيُّ: فِي أَيِّ جِهَةٍ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى؟
قَالَ: إذَا أَوْقَدْت السِّرَاجَ؛ فَإِلَى أَيِّ وَجْهٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الْمُصَابُ عِنْدَهُ أَقُولُ: صَوَابُ
الْعِبَارَةِ أَنْ تَكُونَ مُصَابَةً بِالْوَطْءِ عِنْدَهُ
(4/308)
نُورُهُ؟ فَإِنَّ ذَاكَ نُورٌ يَسْتَوِي
فِيهِ الْجِهَاتُ الْأَرْبَعُ فَقَالَ: إذَا كَانَ النُّورُ
الْمَجَازِيُّ الْمُسْتَفَادُ الزَّائِلُ لَا وَجْهَ لَهُ إلَى
جِهَةٍ، فَنُورُ خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْبَاقِي
الدَّائِمِ الْمُفِيضِ: كَيْفَ يَكُونُ لَهُ جِهَةٌ؟ قَالَ
الرُّومِيُّ: بِمَاذَا يَشْتَغِلُ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى؟
قَالَ: إذَا كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ مُشَبِّهٌ مِثْلُك
أَنْزَلَهُ، وَإِذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ مُوَحِّدٌ مِثْلِي
رَفَعَهُ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] . 16 -
فَتَرَكَ الْمَالَ وَعَادَ إلَى الرُّومِ.
احْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى الْمَاءِ فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ،
فَسَاوَمَ أَعْرَابِيًّا قِرْبَةَ مَاءٍ، فَلَمْ يَبِعْهُ
إلَّا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَاهُ بِهَا ثُمَّ قَالَ
لَهُ: كَيْفَ أَنْتَ بِالسَّوِيقِ؟ فَقَالَ أُرِيدُهُ،
فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَكَلَ مَا أَرَادَ وَعَطِشَ
فَطَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يُعْطِهِ حَتَّى اشْتَرَى مِنْهُ
شَرْبَةً بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَتَرَكَ الْمَالَ كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ
وَالْمُطَابِقُ لِمَا تَقَدَّمَ فَبَذَلَ الْمَالَ
.
(4/309)
[وَصِيَّةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لِأَبِي
يُوسُفَ]
َ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ
الرُّشْدُ وَحُسْنُ السِّيرَةِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى النَّاسِ
فَقَالَ لَهُ: يَا يَعْقُوبُ وَقِّرْ السُّلْطَانَ وَعَظِّمْ
مَنْزِلَتَهُ، وَإِيَّاكَ وَالْكَذِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ
وَالدُّخُولَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَا لَمْ يَدْعُك
لِحَاجَةٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّك إذَا أَكْثَرْت إلَيْهِ
الِاخْتِلَافَ تَهَاوَنَ بِك وَصَغُرَتْ مَنْزِلَتُك عِنْدَهُ،
فَكُنْ مِنْهُ كَمَا أَنْتَ مِنْ النَّارِ تَنْتَفِعُ
وَتَتَبَاعَدُ وَلَا تَدْنُ مِنْهَا، فَإِنَّ السُّلْطَانَ لَا
يَرَى لِأَحَدٍ مَا يَرَى لِنَفْسِهِ، وَإِيَّاكَ وَكَثْرَةَ
الْكَلَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ عَلَيْك مَا
قُلْته لِيُرِيَ مِنْ نَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ حَاشِيَتِهِ
أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْك وَأَنَّهُ يُخَطِّئُكَ فَتَصْغُرَ فِي
أَعْيُنِ قَوْمِهِ، وَلْتَكُنْ إذَا دَخَلْت عَلَيْهِ تَعْرِفُ
قَدْرَك وَقَدْرَ غَيْرِك، وَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَا تَعْرِفُهُ فَإِنَّك إنْ كُنْت
أَدْوَنَ حَالًا مِنْهُ لَعَلَّك تَتَرَفَّعُ عَلَيْهِ
فَيَضُرُّك، وَإِنْ كُنْت أَعْلَمَ مِنْهُ لَعَلَّك تَحُطُّ
عَنْهُ فَتَسْقُطُ بِذَلِكَ مِنْ عَيْنِ السُّلْطَانِ. وَإِذَا
عَرَضَ عَلَيْك شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِهِ فَلَا تَقْبَلْ
مِنْهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ يَرْضَاك وَيَرْضَى
مَذْهَبَك فِي الْعِلْمِ وَالْقَضَايَا، كَيْ لَا تَحْتَاجَ
إلَى ارْتِكَابِ مَذْهَبِ غَيْرِك فِي الْحُكُومَاتِ وَلَا
تُوَاصِلْ أَوْلِيَاءَ السُّلْطَانِ وَحَاشِيَتَهُ بَلْ
تَقَرَّبْ إلَيْهِ فَقَطْ وَتَبَاعَدْ عَنْ حَاشِيَتِهِ
لِيَكُونَ مَجْدُك وَجَاهُك بَاقِيًا وَلَا تَتَكَلَّمْ بَيْنَ
يَدَيْ الْعَامَّةِ إلَّا بِمَا تُسْأَلُ عَنْهُ، وَإِيَّاكَ
وَالْكَلَامَ فِي الْعَامَّةِ وَالتِّجَارَةِ إلَّا بِمَا
يَرْجِعُ إلَى الْعِلْمِ؛ كَيْ لَا يُوقَفَ عَلَى حُبِّك
رَغْبَتُك فِي الْمَالِ؛ فَإِنَّهُمْ يُسِيئُونَ الظَّنَّ بِك
وَيَعْتَقِدُونَ مَيْلَك إلَى أَخْذِ الرِّشْوَةِ مِنْهُمْ.
وَلَا تَضْحَكْ وَلَا تَتَبَسَّمْ بَيْنَ يَدَيْ الْعَامَّةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
(4/310)
1 - وَلَا تُكْثِرْ الْخُرُوجَ إلَى
الْأَسْوَاقِ وَلَا تُكَلِّمْ الْمُرَاهِقِينَ؛ فَإِنَّهُمْ
فِتْنَةٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ تُكَلِّمَ الْأَطْفَالَ
وَتَمْسَحَ رُءُوسَهُمْ وَلَا تَمْشِ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ
مَعَ الْمَشَائِخِ وَالْعَامَّةِ؛ فَإِنَّك إنْ
قَدَّمْتَهُمْ،.
2 - ازْدَرَى ذَلِكَ بِعِلْمِك وَإِنْ أَخَّرْتَهُمْ ازْدَرَى
بِك مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَسَنُّ مِنْك، فَإِنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ
يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ
مِنَّا» وَلَا تَقْعُدْ عَلَى قَوَارِعِ الطَّرِيقِ " 3 -
فَإِذَا دَعَاك ذَلِكَ فَاقْعُدْ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا
تَأْكُلْ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ.
4 - وَلَا تَشْرَبْ مِنْ السِّقَايَاتِ وَلَا مِنْ أَيْدِي
السَّقَّائِينَ وَلَا تَقْعُدْ عَلَى الْحَوَانِيتِ وَلَا
تَلْبَسْ الدِّيبَاجَ وَالْحُلِيَّ وَأَنْوَاعَ
الْإِبْرَيْسَمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الرُّعُونَةِ.
وَلَا تُكْثِرْ الْكَلَامَ فِي بَيْتِك مَعَ امْرَأَتِك فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَلَا تُكْثِرْ الْخُرُوجَ إلَى الْأَسْوَاقِ فِي
الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ رَجَعْت فِي الْفَتَاوَى
عَنْ ثَلَاثٍ إلَى ثَلَاثٍ يَجُوزُ دُخُولُ الْعَالِمِ
لِلسُّلْطَانِ وَخُرُوجُهُ إلَى الْأَسْوَاقِ وَأَخْذُ
الْأَجْرِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لِلْحَاجَةِ فِي الثَّلَاثِ
وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: بَدَلُ خُرُوجِهِ إلَى
الْأَسْوَاقِ خُرُوجُهُ إلَى الْقُرَى لِيَجْمَعُوا لَهُ
شَيْئًا.
(2) قَوْلُهُ: ازْدَرَى ذَلِكَ بِعِلْمِك كَذَا بِخَطِّ
الْمُصَنِّفِ وَمِثْلُهُ فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ
وَالصَّوَابُ أَزْرَى ذَلِكَ بِعِلْمِك قَالَ فِي الْقَامُوسِ
زَرَى فِيهِ زَرْيًا عَابَهُ كَأَزْرَى وَأَزْرَى بِأَخِيهِ
أَدْخَلَ عَلَيْهِ عَيْبًا وَبِالْأَمْرِ تَهَاوَنَ.
(3) قَوْلُهُ: فَإِذَا دَعَاك ذَلِكَ فَاقْعُدْ فِي
الْمَسْجِدِ أَيْ إذَا طَلَبَتْ مِنْك نَفْسُك ذَلِكَ
فَخَالِفْهَا وَاقْعُدْ فِي الْمَسْجِدِ.
(4) قَوْلُهُ: وَلَا تَشْرَبْ مِنْ السِّقَايَاتِ أَقُولُ
لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السِّقَايَاتِ يَشْرَبُ مِنْهَا
عَامَّةُ النَّاسِ فَرُبَّمَا يَشْرَبُ مِنْهَا نَجِسُ الْفَمِ
وَرُبَّمَا يَغْسِلُ نَجِسُ الْيَدِ يَدَهُ فِي ذَلِكَ
الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَإِنَّ فِي الشُّرْبِ مِنْهَا دَنَاءَةً
وَسُقُوطَ حُرْمَةٍ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ
مِنْهَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ كَمَا فِي
الْخُلَاصَةِ.
(4/311)
الْفِرَاشِ إلَّا وَقْتَ حَاجَتِك إلَيْهَا
بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا تُكْثِرْ لَمْسَهَا وَمَسَّهَا وَلَا
تَقْرَبْهَا إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا
تَتَكَلَّمْ بِأَمْرِ نِسَاءِ الْغَيْرِ بَيْنَ يَدَيْهَا
وَلَا بِأَمْرِ الْجَوَارِي، فَإِنَّهَا تَنْبَسِطُ إلَيْك فِي
كَلَامِك وَلَعَلَّك إذَا تَكَلَّمْت عَنْ غَيْرِهَا
تَكَلَّمَتْ عَنْ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَلَا تَتَزَوَّجْ
امْرَأَةً كَانَ لَهَا بَعْلٌ أَوْ أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَوْ
بِنْتٌ إنْ قَدَرْت.
5 - إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ
أَقَارِبِك.
6 - فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ مَالٍ يَدَّعِي
أَبُوهَا أَنَّ جَمْعَ مَالِهَا لَهُ وَأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي
يَدِهَا.
7 - وَلَا تَدْخُلْ بَيْتَ أَبِيهَا مَا قَدَرْت.
8 - وَإِيَّاكَ أَنْ تَرْضَى أَنْ تُزَفَّ فِي بَيْتِ
أَبَوَيْهَا؛ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَك
وَيَطْمَعُونَ فِيهَا غَايَةَ الطَّمَعِ، وَإِيَّاكَ وَأَنْ
تَتَزَوَّجَ بِذَاتِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، فَإِنَّهَا
تَدَّخِرُ جَمِيعَ الْمَالِ لَهُمْ وَتَسْرِقُ مِنْ مَالِكَ
وَتُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْوَلَدَ أَعَزُّ عَلَيْهَا
مِنْك وَلَا تَجْمَعْ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فِي دَارٍ
وَاحِدَةٍ. وَلَا تَتَزَوَّجْ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ
أَنَّك تَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِجَمِيعِ حَوَائِجِهَا
وَاطْلُبْ الْعِلْمَ أَوَّلًا ثُمَّ اجْمَعْ الْمَالَ مِنْ
الْحَلَالِ. ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(5) قَوْلُهُ: إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا
أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِك كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ
وَالْمُنَاسِبُ مِنْ أَقَارِبِهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ.
(6) قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذْ كَانَتْ ذَا مَالٍ
بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالصَّوَابُ ذَاتُ مَالٍ.
(7) قَوْلُهُ: وَلَا تَدْخُلْ بَيْتَ أَبِيهَا. عَطْفٌ عَلَى
لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهَا
وَالتَّقْدِيرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ
مِنْ أَقَارِبِهَا وَبِشَرْطِ أَنْ لَا تَدْخُلَ هِيَ فِي
بَيْتِ أَبِيهَا هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ
فَتَدَبَّرْ.
(8) قَوْلُهُ: وَإِيَّاكَ أَنْ تَرْضَى أَنْ تُزَفَّ فِي
بَيْتِ أَبَوَيْهَا وَالْأَوْلَى وَإِيَّاكَ أَنْ تَسْكُنَ فِي
بَيْتِ أَبَوَيْهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْلِيلُهُ
(4/312)
تَزَوَّجْ؛ فَإِنَّك إنْ طَلَبْت الْمَالَ
فِي وَقْتِ التَّعَلُّمِ عَجَزْت عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ
وَدَعَاك الْمَالُ إلَى شِرَاءِ الْجَوَارِي وَالْغِلْمَانِ
وَتَشْتَغِلُ بِالدُّنْيَا وَالنِّسَاءِ قَبْلَ تَحْصِيلِ
الْعِلْمِ؛ فَيَضِيعُ وَقْتُك وَيَجْتَمِعُ عَلَيْك الْوَلَدُ
وَيَكْثُرُ عِيَالُك فَتَحْتَاجُ إلَى الْقِيَامِ
بِمَصَالِحِهِمْ وَتَتْرُكُ الْعِلْمَ وَاشْتَغِلْ بِالْعِلْمِ
فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِك وَوَقْتِ فَرَاغِ قَلْبِك وَخَاطِرِك
ثُمَّ اشْتَغِلْ بِالْمَالِ لِيَجْتَمِعَ عِنْدَك؛ فَإِنَّ
كَثْرَةَ الْوَلَدِ وَالْعِيَالِ يُشَوِّشُ الْبَالَ؛ فَإِذَا
جَمَعْت الْمَالَ فَتَزَوَّجْ، وَعَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ
تَعَالَى وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَالنَّصِيحَةِ لِجَمِيعِ
الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَلَا تَسْتَخِفَّ بِالنَّاسِ،
وَوَقِّرْ نَفْسَك وَوَقِّرْهُمْ وَلَا تُكْثِرْ
مُعَاشَرَتَهُمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُعَاشِرُوك، وَقَابِلْ
مُعَاشَرَتَهُمْ بِذِكْرِ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ
مِنْ أَهْلِهِ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ
أَهْلِهِ أَحَبَّك وَإِيَّاكَ وَأَنْ تُكَلِّمَ الْعَامَّةَ
بِأَمْرِ الدِّينِ فِي الْكَلَامِ؛ فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ
يُقَلِّدُونَك فَيَشْتَغِلُونَ بِذَلِكَ وَمَنْ جَاءَك
يَسْتَفْتِيك فِي الْمَسَائِلِ؛ فَلَا تُجِبْ إلَّا عَنْ
سُؤَالِهِ وَلَا تَضُمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ؛ فَإِنَّهُ
يُشَوِّشُ عَلَيْك جَوَابَ سُؤَالِهِ وَإِنْ بَقِيت عَشْرَ
سِنِينَ بِلَا كَسْبٍ وَلَا قُوتٍ فَلَا تُعْرِضْ عَنْ
الْعِلْمِ؛ فَإِنَّك إذَا أَعْرَضْت عَنْهُ كَانَتْ مَعِيشَتُك
ضَنْكًا وَأَقْبِلْ عَلَى مُتَفَقِّهِيك كَأَنَّك اتَّخَذْت
كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنًا 9 - وَوَلَدًا لِتَزِيدَهُمْ
رَغْبَةً فِي الْعِلْمِ، وَمَنْ نَاقَشَك مِنْ الْعَامَّةِ
وَالسُّوقَةِ فَلَا تُنَاقِشُهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(9) قَوْلُهُ: وَوَلَدًا كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ
وَالْأَوْلَى أَبًا وَوَلَدًا.
(4/313)
10 - فَإِنَّهُ يُذْهِبُ مَاءَ وَجْهِك،
وَلَا تَحْتَشِمْ مِنْ أَحَدٍ عِنْدَ ذِكْرِ الْحَقِّ وَإِنْ
كَانَ سُلْطَانًا وَلَا تَرْضَ لِنَفْسِك مِنْ الْعِبَادَاتِ.
11 - إلَّا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ غَيْرُك
وَيَتَعَاطَاهَا فَالْعَامَّةُ إذَا لَمْ يَرَوْا مِنْك
الْإِقْبَالَ عَلَيْهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُونَ
اعْتَقَدُوا فِيك قِلَّةَ الرَّغْبَةِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ
عِلْمَك لَا يَنْفَعُك إلَّا مَا نَفَعَهُمْ الْجَهْلُ الَّذِي
هُمْ فِيهِ.
وَإِذَا دَخَلْت بَلْدَةً فِيهَا أَهْلُ الْعِلْمِ؛ فَلَا
تَتَّخِذُهَا لِنَفْسِك، بَلْ كُنْ 12 - كَوَاحِدٍ مِنْ
أَهْلِهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّك لَا تَقْصِدُ جَاهَهُمْ،
وَإِلَّا يَخْرُجُونَ عَلَيْك بِأَجْمَعِهِمْ وَيَطْعَنُونَ
فِي مَذْهَبِك، وَالْعَامَّةُ يَخْرُجُونَ عَلَيْك
وَيَنْظُرُونَ إلَيْك بِأَعْيُنِهِمْ فَتَصِيرُ مَطْعُونًا
عِنْدَهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُذْهِبُ مَاءَ وَجْهِك قَالَ
الثَّعَالِبِيُّ: الْعَرَبُ تَسْتَعِيرُ فِي كَلَامِهَا
الْمَاءَ لِكُلِّ مَا يَحْسُنُ مَنْظَرُهُ وَمَوْقِعُهُ
وَيَعْظُمُ قَدْرُهُ وَمَحَلُّهُ فَتَقُولُ مَاءُ الْوَجْهِ
وَمَاءُ الشَّبَابِ وَمَاءُ الْحَيَاةِ وَمَاءُ النَّعِيمِ
وَمَاءُ السَّيْفِ كَمَا تَسْتَعِيرُ الِاسْتِسْقَاءَ فِي
طَلَبِ الْخَيْرِ قَالَ رُؤْبَةٌ:
أَيُّهَا الْمَائِحُ دَلْوِي نَحْوَكَا ... إنِّي رَأَيْت
النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا
لَمْ يَسْقِ مَاءً وَإِنَّمَا اسْتَطْلَقَ أَسِيرًا ...
وَسَمَّوْا الْمُجْتَدِيَ مُسْتَمِيحًا
وَإِنَّمَا الْمَيْحُ جَمْعُ الْمَاءِ فِي الدَّلْوِ وَغَايَةُ
دُعَائِهِمْ لِلْمَرْجُوِّ أَوْ الْمَشْكُورِ أَنْ يَقُولُوا:
سَقَاهُ اللَّهُ فَإِذَا تَذَكَّرُوا أَيَّامًا لَهُمْ
قَالُوا: سَقَى اللَّهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ انْتَهَى قَالَ
أُسْتَاذُنَا: وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَمَّا تَوَارَثُوا
اسْتِعْمَالَهُ فِي الْعَظِيمِ الْمُخْبَرِ وَالْحَسَنِ
الْمَنْظَرِ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي خِلَافِهِ مُسْتَهْجَنًا
فَلِذَا عِيبَ عَلَى أَبِي تَمَّامٍ قَوْلُهُ:
لَا تَسْقِنِي مَاءَ الْمُلَامِ فَإِنَّنِي ... حَقًّا قَدْ
اسْتَعْذَبْت مَاءَ بُكَائِي
(11) قَوْلُهُ: إلَّا بِأَكْثَرَ مَا يَفْعَلُهُ غَيْرُك
وَيَتَعَاطَاهَا الصَّوَابُ وَيَتَعَاطَاهُ.
(12) قَوْلُهُ: كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِمْ كَذَا بِخَطِّ
الْمُصَنِّفِ وَمِثْلُهُ فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ
وَالْأَوْلَى كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ كَوَاحِدٍ
مِنْهُمْ.
(4/314)
بِلَا فَائِدَةٍ، وَإِنْ اسْتَفْتَوْك
الْمَسَائِلَ فَلَا تُنَاقِشْهُمْ فِي الْمُنَاظَرَةِ
وَالْمُطَارَحَاتِ، وَلَا تَذْكُرْ لَهُمْ شَيْئًا إلَّا عَنْ
دَلِيلٍ وَاضِحٍ، وَلَا تَطْعَنْ فِي أَسَاتِذَتِهمْ،
فَإِنَّهُمْ يَطْعَنُونَ فِيك، وَكُنْ مِنْ النَّاسِ عَلَى
حَذَرٍ، وَكُنْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي سِرِّك كَمَا أَنْتَ لَهُ
فِي عَلَانِيَتِك، وَلَا تُصْلِحُ أَمْرَ الْعِلْمِ إلَّا
بَعْدَ أَنْ تَجْعَلَ سِرَّهُ كَعَلَانِيَتِهِ، 13 - وَإِذَا
أَوْلَاك السُّلْطَانُ عَمَلًا لَا يَصْلُحُ لَك فَلَا
تَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ
إنَّمَا يُوَلِّيك ذَلِكَ إلَّا لِعِلْمِك، وَإِيَّاكَ وَأَنْ
تَتَكَلَّمَ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ عَلَى خَوْفٍ، فَإِنَّ
ذَلِكَ يُوَرِّثُ الْخَلَلَ.
14 - فِي الْإِحَاطَةِ وَالْكَلَّ فِي اللِّسَانِ وَإِيَّاكَ
أَنْ تُكْثِرَ الضَّحِكَ؛ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَلَا
تَمْشِ إلَّا عَلَى طُمَأْنِينَةٍ وَلَا تَكُنْ عَجُولًا فِي
الْأُمُورِ، وَمَنْ دَعَاك مِنْ خَلْفِك فَلَا تُجِبْهُ،
فَإِنَّ الْبَهَائِمَ تُنَادَى مِنْ خَلْفِهَا وَإِذَا
تَكَلَّمْت فَلَا تُكْثِرْ صِيَاحَك وَلَا تَرْفَعْ صَوْتَك
وَاِتَّخِذْ لِنَفْسِك السُّكُونَ وَقِلَّةَ الْحَرَكَةِ
عَادَةً كَيْ يَتَحَقَّقَ عِنْدَ النَّاسِ ثَبَاتُك.
وَأَكْثِرْ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ
لِيَتَعَلَّمُوا ذَلِكَ مِنْك، وَاِتَّخِذْ لِنَفْسِك وِرْدًا
خَلْفَ الصَّلَاةِ، تَقْرَأُ فِيهَا الْقُرْآنَ وَتَذْكُرُ
اللَّهَ تَعَالَى وَتَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَوْدَعَك مِنْ
الصَّبْرِ وَأَوْلَاك مِنْ النِّعَمِ وَاِتَّخِذْ لِنَفْسِك
أَيَّامًا مَعْدُودَةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تَصُومُ فِيهَا
لِيَقْتَدِيَ بِهِ غَيْرُك بِك وَرَاقِبْ نَفْسَك وَحَافِظْ
عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَإِذَا أَوْلَاك السُّلْطَانُ عَمَلًا كَذَا فِي
النُّسَخِ وَالصَّوَابُ وَإِذَا وَلَّاك مِنْ التَّوْلِيَةِ.
(14) قَوْلُهُ: فِي الْإِحَاطَةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ
وَفِي بَعْضِهَا فِي الْأَلْفَاظِ وَالصَّوَابُ فِي الْخَاطِرِ
كَمَا فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ.
(4/315)
الْغَيْرِ تَنْتَفِعُ مِنْ دُنْيَاك
وَآخِرَتِك بِعِلْمِك وَلَا تَشْتَرِ بِنَفْسِك وَلَا تَبِعْ،.
15 - بَلْ اتَّخِذْ لَك غُلَامًا مُصْلِحًا يَقُومُ
بِأَشْغَالِكَ وَتَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي أُمُورِك وَلَا
تَطْمَئِنَّ إلَى دُنْيَاك وَإِلَى مَا أَنْتَ فِيهِ، فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى سَائِلُك عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَا تَشْتَرِ
الْغِلْمَانَ الْمُرْدَانَ، وَلَا تُظْهِرْ مِنْ نَفْسِك
التَّقَرُّبَ إلَى السُّلْطَانِ وَإِنْ قَرَّبَك.
16 - فَإِنَّهُ تُرْفَعُ إلَيْك الْحَوَائِجُ 17 - فَإِنْ
قُمْت أَهَانَك وَإِنْ لَمْ تَقُمْ أَعَابَك، 18 - وَلَا
تَتَّبِعْ النَّاسَ فِي خَطَايَاهُمْ بَلْ اتَّبِعْ فِي
صَوَابِهِمْ، وَإِذَا عَرَفْت إنْسَانًا بِالشَّرِّ فَلَا
تَذْكُرْهُ بِهِ.
19 - بَلْ اُطْلُبْ مِنْهُ خَيْرًا فَاذْكُرْهُ بِهِ، إلَّا
فِي بَابِ الدِّينِ، فَإِنَّك إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: بَلْ اتَّخِذْ لَك غُلَامًا مُصْلِحًا إلَخْ أَيْ
خَادِمًا ثِقَةً أَمِينًا هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَكِنْ فِي
اسْتِعْمَالِ الْمُصْلِحِ بِمَعْنَى الْخَادِمِ لَمْ أَجِدْهُ
فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ.
(16) قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ تُرْفَعُ إلَيْك الْحَوَائِجُ أَيْ
تُرْفَعُ إلَيْك حَوَائِجُ النَّاسِ بِسَبَبِ إظْهَارِك
التَّقَرُّبَ مِنْ السُّلْطَانِ.
(17) قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت أَهَانَك هَكَذَا فِي النُّسَخِ
وَالصَّوَابُ كَمَا فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ فَإِنْ قُمْت
بِهَا أَهَانَك وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِهَا عَابَك بِذِكْرِ
صِلَةِ الْفِعْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالضَّمِيرُ فِي
أَهَانَك رَاجِعٌ إلَى السُّلْطَانِ، وَفِي أَعَابَك رَاجِعٌ
إلَى رَافِعِ الْحَاجَةِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ لَا
إلَى السُّلْطَانِ لِعَدَمِ صِحَّةِ رُجُوعِهِ إلَيْهِ
وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ تَفْكِيكُ الضَّمِيرِ.
(18) قَوْلُهُ: وَلَا تَتَّبِعْ النَّاسَ فِي خَطَايَاهُمْ
بَلْ اتَّبِعْ فِي صَوَابِهِمْ كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَا
يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ الرَّكَاكَةِ
وَعَدَمِ حُسْنِ الْمُقَابَلَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ
وَلَا تَتَّبِعْ خَطَأَ النَّاسِ وَتَتَبَّعْ صَوَابَهُمْ.
(19) قَوْلُهُ: بَلْ اُطْلُبْ مِنْهُ خَيْرًا أَيْ تَوَقَّعْ
مِنْهُ خَيْرًا فَاذْكُرْهُ بِهِ.
(4/316)
عَرَفْت فِي دِينِهِ ذَلِكَ فَاذْكُرْهُ
لِلنَّاسِ كَيْ لَا يَتَّبِعُوهُ.
20 - وَيَحْذَرُوهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
«اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ حَتَّى يَحْذَرَهُ
النَّاسُ وَإِنْ كَانَ ذَا جَاهٍ وَمَنْزِلَةٍ» وَاَلَّذِي
تَرَى مِنْهُ الْخَلَلَ فِي الدِّينِ فَاذْكُرْ ذَلِكَ وَلَا
تُبَالِ مِنْ جَاهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُعِينُك
وَنَاصِرُك وَنَاصِرُ الدِّينِ، فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ
مَرَّةً هَابُوكَ وَلَمْ يَتَجَاسَرْ أَحَدٌ عَلَى إظْهَارِ
الْبِدْعَةِ فِي الدِّينِ وَإِذَا رَأَيْت مِنْ سُلْطَانِك مَا
يُوَافِقُ الْعِلْمَ؛ فَاذْكُرْ ذَلِكَ مَعَ طَاعَتِك إيَّاهُ
فَإِنَّ يَدَهُ أَقْوَى مِنْ يَدِك؛ تَقُولُ لَهُ: أَنَا
مُطِيعٌ لَك فِي الَّذِي أَنْتَ فِيهِ سُلْطَانٌ وَمُسَلَّطٌ
عَلَيَّ، غَيْرَ أَنِّي أَذْكُرُ مِنْ سِيرَتِك مَا لَا
يُوَافِقُ الْعِلْمَ، فَإِذَا فَعَلْت مَعَ السُّلْطَانِ
مَرَّةً.
21 - كَفَاك لِأَنَّ إذَا وَاظَبْت عَلَيْهِ وَدُمْت.
22 - لَعَلَّهُمْ يَقْهَرُونَك فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ قَمْعٌ
لِلدِّينِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
لِيَعْرِفَ مِنْك الْجَهْدَ فِي الدِّينِ وَالْحِرْصَ فِي
الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ.
23 - فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَادْخُلْ
عَلَيْهِ وَحْدَك فِي دَارِهِ وَانْصَحْهُ فِي الدِّينِ
وَنَاظِرْهُ إنْ كَانَ مُبْتَدِعًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
(20) قَوْلُهُ: وَيَحْذَرُوهُ عَطْفٌ عَلَى النَّفْيِ لَا
عَلَى الْمَنْفِيِّ لِفَسَادِ الْمَعْنَى.
(21) قَوْلُهُ: كَفَاك أَيْ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عَهْدِ
النَّصِيحَةِ.
(22) قَوْلُهُ: لَعَلَّهُمْ يَقْهَرُونَك كَذَا فِي النُّسَخِ
وَالصَّوَابُ لَعَلَّهُ يَقْهَرُك.
(23) قَوْلُهُ: فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ
مَرَّتَيْنِ كَذَا فِي النُّسَخِ وَالصَّوَابُ افْعَلْ ذَلِكَ
مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: لِيَعْرِفَ
مِنْك الْجَهْدَ فِي الدِّينِ إلَخْ.
(4/317)
24 - وَإِنْ كَانَ سُلْطَانًا فَاذْكُرْ
لَهُ مَا يَحْضُرُك مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَإِنْ قَبِلَ مِنْك وَإِلَّا فَاسْأَلْ اللَّهَ تَعَالَى
أَنْ يَحْفَظَك مِنْهُ وَاذْكُرْ الْمَوْتَ وَاسْتَغْفِرْ
لِلْأُسْتَاذِ وَمَنْ أَخَذْت عَنْهُمْ الْعِلْمَ وَدَاوِمْ
عَلَى التِّلَاوَةِ وَأَكْثِرْ مِنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ
وَالْمَشَايِخِ وَالْمَوَاضِعِ الْمُبَارَكَةِ، وَاقْبَلْ مِنْ
الْعَامَّةِ مَا يَعْرِضُونَ عَلَيْك مِنْ رُؤْيَاهُمْ فِي
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
وَفِي رُؤْيَا الصَّالِحِينَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَنَازِلِ
وَالْمَقَابِرِ، وَلَا تُجَالِسْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ
الْأَهْوَاءِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الدَّعْوَةِ إلَى الدِّينِ.
25 - وَلَا تُكْثِرْ اللَّعِبَ وَالشَّتْمَ وَإِذَا أَذَّنَ
الْمُؤَذِّنُ فَتَأَهَّبْ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ كَيْ لَا
تَتَقَدَّمَ عَلَيْك الْعَامَّةُ، وَلَا تَتَّخِذُ دَارَك فِي
جِوَارِ السُّلْطَانِ، وَمَا رَأَيْت عَلَى جَارِك فَاسْتُرْهُ
عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَمَانَةٌ وَلَا تُظْهِرْ أَسْرَارَ
النَّاسِ، وَمَنْ اسْتَشَارَك فِي شَيْءٍ فَأَشِرْ عَلَيْهِ
بِمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ يُقَرِّبُك إلَى اللَّهِ تَعَالَى
وَاقْبَلْ وَصِيَّتِي هَذِهِ؛ فَإِنَّك تَنْتَفِعُ بِهَا فِي
أُولَاك وَآخِرِك، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ
وَالْبُخْلَ فَإِنَّهُ يُبْغَضُ بِهِ الْمَرْءُ وَلَا تَكُ
طَمَّاعًا وَلَا كَذَّابًا.
26 - وَلَا صَاحِبَ تَخْلِيطٍ، بَلْ احْفَظْ مُرُوءَتَكَ فِي
الْأُمُورِ كُلِّهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ سُلْطَانًا كَذَا فِي النُّسَخِ
وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْكَلَامَ
مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ سُلْطَانًا.
(25) قَوْلُهُ: وَلَا تُكْثِرْ اللَّعِبَ وَالشَّتْمَ أَقُولُ
لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ اللَّعِبِ
وَالشَّتْمِ النَّهْيُ عَنْ أَصْلِ اللَّعِبِ وَالشَّتْمِ مَعَ
أَنَّهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا شَرْعًا فَلَوْ قَالَ: وَلَا
تَلْعَبْ وَلَا تَشْتُمْ لَكَانَ صَوَابًا.
(26) قَوْلُهُ: وَلَا صَاحِبَ تَخْلِيطٍ أَيْ وَلَا تَكُنْ
صَاحِبَ تَخْلِيطٍ أَيْ تَخْلِيطِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ
وَالْجِدِّ بِالْهَزْلِ.
(4/318)
وَالْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ الْبِيضَ فِي
الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَأَظْهِرْ غِنَى الْقَلْبِ مُظْهِرًا
مِنْ نَفْسِك قِلَّةَ الْحِرْصِ وَالرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا،
وَأَظْهِرْ مِنْ نَفْسِك الْغَنَاءَ، وَلَا تُظْهِرْ الْفَقْرَ
وَإِنْ كُنْت فَقِيرًا، وَكُنْ ذَا هِمَّةٍ؛ فَإِنَّ مَنْ
ضَعُفَتْ هِمَّتُهُ ضَعُفَتْ مَنْزِلَتُهُ وَإِذَا مَشَيْت فِي
الطَّرِيقِ، فَلَا تَلْتَفِتْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، بَلْ
دَاوِمْ النَّظَرَ إلَى الْأَرْضِ وَإِذَا دَخَلْت
الْحَمَّامَ، فَلَا تُسَاوِ النَّاسَ فِي أُجْرَةِ الْحَمَّامِ
وَالْمَجْلِسِ بَلْ أَرْجِحْ عَلَى مَا تُعْطِي الْعَامَّةَ
لِتَظْهَرَ مُرُوءَتُكَ بَيْنَهُمْ فَيُعَظِّمُونَك وَلَا
تُسَلِّمْ الْأَمْتِعَةَ إلَى الْحَائِكِ وَسَائِرِ
الصُّنَّاعِ بَلْ اتَّخِذْ لِنَفْسِك ثِقَةً يَفْعَلُ ذَلِكَ؛
وَلَا تُمَاكِسْ بِالْحَبَّاتِ وَالدَّوَانِيقِ وَلَا تَزِنْ
الدَّرَاهِمَ بَلْ اعْتَمِدْ عَلَى غَيْرِك وَحَقِّرْ
الدُّنْيَا الْمُحَقَّرَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ
مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْهَا وَوَلِّ أُمُورَك غَيْرَك
لِيُمْكِنَك الْإِقْبَالُ عَلَى الْعِلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ
أَحْفَظُ لِحَاجَتِك وَإِيَّاكَ أَنْ تُكَلِّمَ الْمَجَانِينَ
وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الْمُنَاظَرَةَ وَالْحُجَّةَ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ.
27 - وَاَلَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْجَاهَ.
28 - وَيَسْتَغْرِبُونَ بِذِكْرِ الْمَسَائِلِ فِيمَا بَيْنَ
النَّاسِ؛ فَإِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ تَخْجِيلَك وَلَا
يُبَالُونَ مِنْك، وَإِنْ عَرَفُوك عَلَى الْحَقِّ وَإِذَا
دَخَلْت عَلَى قَوْمٍ كِبَارٍ فَلَا تَرْفَعْ عَلَيْهِمْ مَا
لَمْ يَرْفَعُوك، كَيْ لَا يَلْحَقَ بِك مِنْهُمْ أَذِيَّةٌ
وَإِذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَلَا تَتَقَدَّمْ عَلَيْهِمْ فِي
الصَّلَاةِ مَا لَمْ يُقَدِّمُوك عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَاَلَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْجَاهَ عَطْفٌ عَلَى
الْمَجَانِينِ.
(28) قَوْلُهُ: وَيَسْتَغْرِقُونَ بِذِكْرِ الْمَسَائِلِ كَذَا
فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ يَسْتَغْرِبُونَ بِذِكْرِ
الْمَسَائِلِ أَيْ يَذْكُرُونَ الْمَسَائِلَ الْغَرِيبَةَ.
(4/319)
29 - وَلَا تَدْخُلْ الْحَمَّامَ وَقْتَ
الظَّهِيرَةِ وَالْغَدَاةِ، 30 - وَلَا تَخْرُجْ إلَى
النَّظَّارَاتِ وَلَا تَحْضُرْ مَظَالِمَ السَّلَاطِينِ؛
وَإِلَّا إذَا عَرَفْت أَنَّك إذَا قُلْت شَيْئًا يَنْزِلُونَ
عَلَى قَوْلِك بِالْحَقِّ؛ فَإِنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا مَا لَا
يَحِلُّ وَأَنْتَ عِنْدَهُمْ رُبَّمَا لَا تَمْلِكُ مَنْعَهُمْ
وَيَظُنُّ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِسُكُوتِك فِيمَا
بَيْنَهُمْ وَقْتَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَإِيَّاكَ
وَالْغَضَبَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ، وَلَا تَقُصَّ عَلَى
الْعَامَّةِ فَإِنَّ الْقَاصَّ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ
وَإِذَا أَرَدْت اتِّخَاذَ مَجْلِسٍ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ؛ فَإِنْ كَانَ مَجْلِسَ فِقْهٍ فَاحْضُرْ بِنَفْسِك
وَاذْكُرْ فِيهِ مَا تَعْلَمُهُ وَإِلَّا فَلَا، كَيْ لَا
يَغْتَرَّ النَّاسُ بِحُضُورِك فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ عَلَى
صِفَةٍ مِنْ الْعِلْمِ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ،
وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى فَاذْكُرْ مِنْهُ ذَلِكَ
وَإِلَّا فَلَا.
31 - وَلَا تَقْعُدْ لِيُدَرِّسَ الْآخَرُ بَيْنَ يَدَيْك بَلْ
اُتْرُكْ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِك لِيُخْبِرَك بِكَيْفِيَّةِ
كَلَامِهِ وَكَمِّيَّةِ عِلْمِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَلَا تَدْخُلْ الْحَمَّامَ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ
أَوْ الْغَدَاةِ الظَّهِيرَةُ حَدُّ انْتِصَافِ النَّهَارِ
وَأَوَانُ الْقَيْظِ وَالْغَدَاةُ الْبُكْرَةُ أَوْ مَا بَيْنَ
صَلَاةِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ.
(30) قَوْلُهُ: وَلَا تَخْرُجْ إلَى النَّظَّارَاتِ فِي
الْقَامُوسِ النَّظَائِرُ الْقَوْمُ يَنْظُرُونَ إلَى شَيْءٍ
أَوْ بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى التَّنَزُّهِ لَحْنٌ
يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا
وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْبُحْتُرِيُّ:
فِي مَجْمَعِ النَّادِرَةِ ... تَرَفُّقًا بِأَعْيُنِ
النَّظَّارَةِ
قِفْ لَنَا فِي الطَّرِيقِ إنْ لَمْ تَزُرْنَا ... وَقْفَةً
فِي الطَّرِيقِ نِصْفَ الزِّيَارَةِ
(31) قَوْلُهُ: وَلَا تَقْعُدْ لِيُدَرِّسَ بَيْنَ يَدَيْك.
أَقُولُ: رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ
(4/320)
وَلَا تَحْضُرْ مَجَالِسَ الذِّكْرِ أَوْ
مَنْ يَتَّخِذُ مَجْلِسَ عِظَةٍ بِجَاهِك وَتَزْكِيَتِك لَهُ،
بَلْ وَجِّهْ أَهْلَ مَحَلَّتِك وَعَامَّتَك الَّذِينَ
تَعْتَمِدُ عَلَيْهِمْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِك وَفَوِّضْ
أَمْرَ الْمَنَاكِحِ إلَى خَطِيبِ نَاحِيَتِك، وَكَذَا صَلَاةُ
الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَلَا تَنْسَنِي مِنْ صَالِحِ
دُعَائِك، وَاقْبَلْ هَذِهِ الْمَوْعِظَةَ مِنِّي، وَإِنَّمَا
أُوصِيك لِمَصْلَحَتِك وَمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ (انْتَهَى)
وَفِي آخِرِ تَلْقِيحِ الْمَحْبُوبِيِّ قَالَ الْحَاكِمُ
الْجَلِيلُ: نَظَرْت فِي ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِثْلِ
الْأَمَالِي وَنَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ 33 - حَتَّى
انْتَقَيْت كِتَابَ الْمُنْتَقَى، وَقَالَ حِينَ اُبْتُلِيَ
بِمِحْنَةِ الْقَتْلِ بِمَرْوَ وَمِنْ جِهَةِ الْأَتْرَاكِ:
هَذَا جَزَاءُ مَنْ آثَرَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ
وَالْعَالِمُ مَتَى أَخْفَى عِلْمَهُ وَتَرَكَ حَقَّهُ خِيفَ
عَلَيْهِ أَنْ يُمْتَحَنَ بِمَا يَسُوءُهُ وَقِيلَ: كَانَ
سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ.
34 - لَمَّا رَأَى فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ مُكَرَّرَاتٍ
وَتَطْوِيلَاتٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
سَابِقًا فَإِنْ كَانَ مَجْلِسَ فِقْهٍ فَاحْضُرْ بِنَفْسِك
وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لِلشُّورَى فِي جُلُوسِهِ وَلَا
يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقْعُدَ لِيُدَرِّسَ بَيْنَ
يَدَيْهِ.
(32) قَوْلُهُ: وَلَا تَحْضُرْ مَجَالِسَ الذِّكْرِ: كَذَا فِي
النُّسَخِ وَمِثْلُهُ فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ وَهُوَ
مُشْكِلٌ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِحِلَقِ
الذِّكْرِ فَإِنَّهَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ» وَفِي بَعْضِ
النُّسَخِ وَلَا تُحَقِّرْ بِالْقَافِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ
لِلْمَعْطُوفِ فَتَأَمَّلْ
مَنْ (33) قَوْلُهُ: حَتَّى انْتَقَيْت كِتَابَ الْمُنْتَقَى:
هَذَا الْكِتَابُ مِنْ أَجَلِّ كُتُبِ الْمَذْهَبِ فِيهِ
مَسَائِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمَسَائِلُ نَوَادِرِ
وَلِهَذَا يَذْكُرُهُ رَضِيُّ السِّرِّ لَدَيْنَا
السَّرَخْسِيُّ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ نَقْلِ النَّوَادِرِ
قَالَ الْمَوْلَى الْمُتَّجِرُ عَلِيٌّ جَلَبِي قَاضِي
الْعَسْكَرَيْنِ وَلَا يُوجَدُ الْمُنْتَقَى فِي هَذِهِ
الْأَعْصَارِ.
(34) قَوْلُهُ: لَمَّا رَأَى فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ
مُكَرَّرَاتٍ: الْمُرَادُ بِكُتُبِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى -
(4/321)
35 - خَلَسَهَا وَحَذَفَ مُكَرَّرَهَا،
فَرَأَى مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي
مَنَامِهِ فَقَالَ: لِمَ فَعَلْت هَذَا بِكُتُبِي؟ فَقَالَ:
لِأَنَّ فِي الْفُقَهَاءِ كَسَالَى فَحَذَفْت الْمُكَرَّرَ
وَذَكَرْت الْمُقَرَّرَ تَسْهِيلًا فَغَضِبَ وَقَالَ: قَطَعَك
اللَّهُ كَمَا قَطَعْت كُتُبِي فَابْتُلِيَ بِالْأَتْرَاكِ
حَتَّى جَعَلُوهُ عَلَى رَأْسِ شَجَرَتَيْنِ فَتَقَطَّعَ
نِصْفَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْمُؤَلِّفُ:
وَهَذَا آخِرُ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ
وَالنَّظَائِرِ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ
الْأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ - وَأَرْضَاهُ الْجَامِعِ لِلْفُنُونِ
السَّبْعَةِ الَّتِي وَعَدَنَا بِهَا فِي خُطْبَةِ الْفَرِيدِ
فِي نَوْعِهِ بِحَيْثُ لَمْ أَطَّلِعْ لَهُ عَلَى نَظِيرٍ فِي
كُتُبِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ
الْفَرَاغُ مِنْهُ فِي السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ
جُمَادَى الْأُخْرَى سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِ
مِائَةٍ وَكَانَتْ مُدَّةُ تَأْلِيفِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَعَ
تَخَلُّلِ أَيَّامِ تَوَعُّكِ الْجَسَدِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
وَالْمِنَّةُ عَلَى التَّمَامِ وَعَلَى نَبِيِّهِ أَفْضَلُ
الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَصَحْبِهِ الْبَرَرَةِ الْكِرَامِ
وَتَابِعِيهِ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
كُتُبُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَبْسُوطُ
وَالزِّيَادَاتُ وَالْجَامِعُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ
وَالسِّيَرُ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَة
لِأَنَّهَا رُوِيَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ بِرِوَايَاتٍ ثِقَاتٍ
فَهِيَ إمَّا مُتَوَاتِرَةٌ أَوْ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ.
(35) قَوْلُهُ: خَلَسَهَا وَحَذَفَ مُكَرَّرَهَا: أَقُولُ:
وَسَمَّاهُ الْكَافِي وَهُوَ كِتَابٌ مُعْتَمَدٌ فِي نَقْلِ
الْمَذْهَبِ وَشَرَحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ
شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِمَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ
بَلْ هُوَ الْمُرَادُ إذَا أُطْلِقَ الْمَبْسُوطَ فِي شَرْحِ
الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَشَرَحَهُ الْإِمَامُ
الْإِسْبِيجَابِيُّ أَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ الْمَوْلَى
عَلِيٌّ أَفَنْدِي فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ قَالَ شَيْخِي
وَأُسْتَاذِي مَتَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِطَوْلِ
حَيَاتِهِ: وَهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ وَقَطَعَتْ صَحَارَى
الْقِرْطَاسِ مَطَايَا الْأَقْلَامِ وَحَصَلَ مَا كُنْت
أَرْجُوهُ وَأَتَمَنَّاهُ وَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
(4/322)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[غمز عيون البصائر]
عَلَى الدَّوَامِ وَعَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَفْضَلُ
الصَّلَوَاتِ وَأَشْرَفُ السَّلَامِ وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ الَّذِينَ هُمْ مِسْكُ الْخِتَامِ
مَا هَمَى الْغَمَامُ وَصَبُحَ الشَّامُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي
الْيَوْمِ الْحَادِي عَشْرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ
الْمُعَظَّمِ قَدْرُهُ مِنْ شُهُورِ سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ
وَأَلْفٍ أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَهَا وَبَارَكَ لَنَا
فِيمَا بَقِيَ مِنْ أَيَّامِهَا وَلَيَالِيهَا قَالَ ذَلِكَ
وَكَتَبَهُ مُؤَلِّفُهُ السَّيِّدُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَنَفِيِّ
الْحَمَوِيُّ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِمَنِّهِ
وَكَرَمِهِ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ وَأَلْحَقَهُ
تَعَالَى مَحَلَّ جَدِّهِ
(4/323)
|