فصول البدائع في أصول الشرائع الفصل السادس: في
بيان أسباب الشرائع
المنوط بها الواجبات وجواز الجائزات في كل الاعتقادات
والعبادات والمعاملات
(2/416)
والمزاجر وفي حكم تلك الأحكام فإن قياس
الأمر بالأمر يبتنى على معرفتهما.
ففيه قسمان في كل منهما مباحث أربعة:
الأول في الأسباب
ولها تذكيرات:
1 - أن موجب الأحكام الشرعية هو الله تعالى في الحقيقة ولا
يسأل عما يفعل لكنه ناطها بأسباب ودلائل وربطها بأمارات ومخائل
تيسرًا عليها فهم الحكم الغائب تفضلا بذلك على المكلف الطالب.
2 - أن المنوط بالأسباب في الواجبات نفس الوجوب الجبري المبني
على السبب والأهلية لا القدرة فإن الخطاب لطلب أداء ما وجب بها
اختيارًا ففيه يشترط القدرة بمعنى صحة الأسباب والآلات بل
بمعنى توهمها كما فيمن تأهل في الجزء الأخير أو بإقامة أسباب
الخلف مقام أسباب الأصل وكلاهما لا يجاب الخلف احتياطًا في
الامتثال بقدر الإمكان فنحو وجوب قضاء الصلاة على من جن أو
أغمي عليه دون يوم وليلة أو نام في جميع الوقت وقضاء الصوم وإن
استغرق النوم والإغماء الشهر دون الجنون بفرق الندرة لتحقق نفس
الوجوب إن بني وجوب القضاء عليه وليس فيها وجوب الأداء ولتوهم
قدرة فهم الخطاب بتوهم الزوال والانتباه إن بنى بنى على وجوب
الأداء وقد مر دليل القولين وكذا وجوب العشر والفطرة على الصبى
إجماعًا والزكاة عند الشافعي رضي الله عنه إما باعتبار نفس
الوجوب وإما باعتبار الخطاب لأوليائه.
3 - أن السببية تعرف بالإضافة ودخول لام التعليل وباء السببية
والاختلاف باختلاف صفة السبب والتكرار بتكرره وبطلان التقديم
عليه كما مر تحقيقها.
المبحث الأول: في الاعتقادات وهي
الإيمان بتفاصيله.
قالوا سببه حدوث العالم بيانه أن الإيمان واجب نقلا للأوامر في
الآيات والأحاديث ولكونه مقدمة لكل واجب مطلق وعقلا لأن حدوث
العالم الذي تفصيله آيات الآفاق والأنفس يقتضيه كما يدل عليه
قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}
[فصلت: 53] أي يعلم أنه المَوجود لذاته لدلالة الحدوث على محدث
واجب لذاته لئلا يتسلسل والدور يستلزمه والتسلسل مح لأنه لو
تسلسل علل الحادث إلى غير النهاية توقف حدوثه على انقضاء ما لا
نهاية له وهو مح والموقوف على المحال محال.
ولذا سمى عالمًا فلوجوبه الذاتي يتصف بجميع الكمالات ويتنزه عن
جميع النقائض والحدوث الزماني دليل المختار وهو الحق والحدوث
الذاتي دليل الموجب ولأن نفس
(2/417)
المكلف عالم وهو أبين الأدلة عنده كان
وجوبه ملازما لكل من هو أهله فصح إيمان الصبي المميز لوجود
سببه وركنه ولا حجر فيما لا يحتمل عدم المشروعية وإن لم يكلف
به كتعجيل المؤجل وكما إذا أكره مريد للإيمان على السكوت لا
يكلف بأدائه.
فإن قلت ليس المقتضي للإيمان نفس الحدوث بل العلم به لأن دليل
الشيء ما يلزم من العلم به ذلك ولئن سلم لا يقتضي وجوبه
والكلام فيه أيضا العلم بصحة النقل موقوف على الإيمان فلو فهم
من النقل دار.
قلنا عن الأول العلم بالحدوث لكونه بديهيًا لا ينفك عنه عند
العاقل فجعل الحدوث والعلم به شيئًا واححًا لذلك فإنما يجعل
دليلا وسببًا بالاعتبارين ثم العلم به يوجب الإيمان الذى هو
العلوم المخصوصة.
وعن الثاني أن الموقوف وجوبه والموقوف عليه نفسه.
فإن قلت ما المخلص في مكلف معاند يقول لا أو من ما لم أعرف
وجوبه.
قلت بأن يعرف عليه المعجزات الآخر فيؤمن بضرورة فيعرف الوجوب
من النقل.
واعلم أن الإيمان أقدم مباني الإسلام لأن كمال الإنسان بالعلم
أولا ثم العمل كما جمع بينهما في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] الأية ومقصود
العلم هو التوحيد ولذا عهد إليه المحافظة بقوله {أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172]، وركز في عقله أدلته ووعد له
إظهاره وتوفيقه لإخراجه بقوله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا} [فصلت:
53] الأية لكن مجرد التوحيد أعني ذاتًا وصفة وفعلا يؤدى إلى
الجبر المحض وَلا يتم أمر التكليف والكمال إلا بالجمع بين
الجبر والقدر إذ به يظهر صفات جماله وجلاله كما قال: "فخلقت
الخلق لأعرف" فقرن بالتوحيد قوله محمد رسول الله تنبيها على
أنه كان كنزا مخفيًا في عماء وبظهور الوجود الإضافي في المظهر
المحمدي ظهر جميع أسمائه وصفاته فالإيمان التصديق بجميع ما جاء
به الرسول وهو مبنى الإسلام وإن وجد غيره معتبر بدونه كقوله
تعالى: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] ومحل
الإيمان القلب ومحل الإسلام الغير المعتبر البدن ومحل الحقيقي
المعتبر الجملة فبينهما عموم من وجه في الظاهر ومطلقًا في
الاعتبار نعم إذا رسخ علم التوحيد استلزم جميع الفضائل فكان
بينهما مساواة في الوجود.
المبحث الثاني في العبادات
فسببها إجمالا ما علق به من وقت وغيره وتفصيلا.
فالصلاة سببها الوقت وتأثيره عقلا غير ملتزم لأنه ليس بعلة
عقلية وإن ذكر في بيانه
(2/418)
أن كون العبد محفوفًا بنعم لا تحصى كما في
الآية اقتضى استغراقه في العبادة التي هى الذكر بلا نسيان
والطاعة بلا عصيان والشكر بلا كفران فأقام الله تعالى الأوقات
التي شرفها مقامه.
ثم الزكاة سببها ملك النصاب النامي حقيقة أو تقديرًا بالحولان
للإضافة والتضاعف بتضاعفه ومنه تكررها بتكرر الحول لأن تجدد
النماء تجدد المال الناس وسبب الفطرة رأس مال يمونه أي يتحمل
نفقته بخلاف الابن الصغير الغني إلا عند محمَّد رحمه الله ويلى
عليه أي ينفذ عليه قوله ساء أوابي كما في التزويج والاجارة
وغيرهما.
قال أبو اليسر وعند الشافعي رأس يمونه فقط فعلى الزوج صدقة
الزوجة وعلى الأب صدقة الابن الزمن البالغ خلافًا لنا وقيل
سببها الوقت عنده للإضافة.
قلنا الصدقة مؤنة شرعية أصلية فيتعلق بكونه مالك رأسه ووليه
لأن الأصل في باب وجوب المؤن رأس بلى عليه كما في العبيد
والبهائم وذلك لأنه يعمل من خبرى عن فإن عن الانتزاعية هنا
داخلة إما على السبب أو على محل يكون الوجوب عليه ثم سرى عنه
إلى الولي والمولى سراية الدية من القاتل إلى العاقلة.
والثاني مح لأن العبد لا مال له لتجب عليه.
والكافر ليس أهلا للقربة والفقير إذ ليس على الخراب خراج فتعين
الأول والوقت شرط أضيف إليه مجازًا بأدنى ملابسة أي بلا سببية
كحجة الإِسلام وصلاة السفر وتضاعفه بتضاعف الرأس حقيقي وبتضاعف
الوقت مجازى لا بالعكس لوصف المونة فإنها سبب بقاء الرأس لا
الوقت وهذا أولى من التوجيه بأن تضاعفه بتضاعف الرأس ليس
بإلحاق غير السبب بالسبب فيه لأنه غير وارد بخلاف الإضافة إلى
غيره وتكررها لتكرر الرأس يمنع شرطيته وعند تكرر الوقت لتكرر
المؤنة.
وللعشر الأرض النامية حقيقة للإضافة وكونه حقًا ماليًا كالزكاة
غير أنه مقدر بجزء من الحادث خروجه فلا يكفي النماء التقديرى
بخلاف الزكاة والخراج فإن سببه الأرض النامية ولو تقديرًا
ولتعلقه بعين الخارج لم يجز تعجيله بخلافهما.
وصاركونهما مؤتة أنه سبب بقاء الأملاك في يد الملاك ففى العشر
باستنزال النصر بدعاء الضعفاء والاستمطار في السنة الشهباء وفي
الخراج بمقاتلة المقاتلة الذابين الحامين للدار عن الأعداء
وهما وإن اشتركا أصلًا في المونة اختلفا وصفا ففى العشر معنى
عبادة لأن الواجب جزء قليل من النماء ويصرف إلى الفقراء
كالزكاة وفي الخراج معنى عقوبة من حيث الإقبال إلى تعمير الأرض
المذموم والإعراض عن الجهاد الممدوح فيتنافيان للوصفين
(2/419)
فلا يجتمعان خلافًا للشافعى لوجوب العشر من
الأراضى الخراجية عنده لا بالعكس لأن السبب عنده للخراج الأرض
وللعشر الخارج منها.
ثم الصوم سببه شهود الشهر لنحوها فعند أبي زيد والشيخين ومن
تبعهما كل يوم لصومه.
وقال شمس الأئمة مطلقه لظاهر النص والإضافة وقال مالك رحمه
الله أول جزء من ليلته الأولى لهم صحة النية في الليالي ووجوبه
على من أفاق من الجنون في جزء منها.
قلنا لما ثبت المعيارية فكمالها باختصاص الأيام أولى ولذا وجب
على من بلغ أو أسلم في جزء منه ما بقي لا ما مضى والفضيلة
لتبعية الأيام كصحة النية أو للقيام وقضاء مفيق جزء لليلة
لمكان أهلية الصوم فسقوطه بالاستغراق للحرج الموجب للفرج.
ثم الحج سببه الميت للإضافة لا الوقت فإنه شرط الأداء فقط إذ
التوقف على شيء مع عدم التكرار بتكرره آية الشرطية كالمكان ولا
الاستطاعة لصحة الأداء بدونها لكن لا وجوب بدونها كما لا جواز
بدون الوقت.
والجهاد سببه كما مر كفر المحارب إعلاء لكلمة الله تعالى أو ما
ألحق به لم يبق هو لكنه خلاف الخبر.
تنبيه:
أسباب وجوب شرائط العبادات وجوب المشروطات الواردة صحتها
وأسباب أركانها إرادة تحققها فإن الطهارة لما توقف على وجودها
وجود الصلاة صار وجوبها أو إرادتها سببًا لوجوب الطهارة ولأن
الموقوف عليه وجود الشرط والمسبب وجوبه لم يلزم من تقدم
الطهارة على وجوب الصلاة بدخول الوقت أو إرادتها تقدم المسبب
على السبب وليس سببها الحدث لأنه لو كان سبب وجوبها المفضي
إليها كان سببًا لها ورافع الشىء لا يكون سببه.
المبحث الثالث في المعاملات
أعني الأمور الشرعية التي يتوقف عليها نظام العالم بالنفع
المنير العام يستوي فيها المؤمن والكافر سببها تعلق البقاء
النوعي أو الشخصي المقدر إلى قيام الساعة بتعاطيها كالنكاح
والبيع وغيرهما وهي قسمان:
أحدهما: ما للغير مدخل في انعقاده كما مر.
وثانيهما: في وجوده كالقضاء والشهادة والطلاق وغيرها وقد مرا
أنها مناكحات ومبايعات ومخاصمات وأمانات وشركات.
(2/420)
المبحث الرابع في
المزاجر
كالقصاص والحدود وسائر العقوبات كجزئية الرأس والكفارات
والضمانات النفسية أو المالية فسببها ما أضيف إليها من القتل
العمد العدوان ومن الشرب والزنا ومن السرقتين الصغرى والكبرى
والقذف ومن الذمة ومن أمر دائر بين الحظر والإباحة لكونها
دائرة بين العبادة والعقوبة كقتل الخطأ تقصيرًا وقصدًا لأمر
آخر وقتل الصيد ارتكابًا لمحظور الإحرام واصطادًا واليمين
المنعقدة هتكًا وتأكيد للبر بخلاف العمد والغموس واليمين سبب
مجازي قبل الحنث وحقيقي بعده وإن كان العلة الحقيقية هو الحنث
كما قيل وقد سلف وهو أيضًا دائر بين حرمة الهتك وإباحة الأصل
والظهار والفطر ومن التعديات الموحبة للدية نفسًا أو عضوًا في
الضمان بالدية والغصب والإتلاف والبيع الفاسد والقبض على سوم
الشراء في الضمان بالمثل أو القيمة والبيع قبل القبض في الضمان
بالثمن والرهن في الضمان بقدر الدين ولا يجرى في المنافع عندنا
إلا في الوقف وملك اليتيم والمعد للاستغلال بأجر مثله خلافًا
للشافعى رضي الله عنه.
وكذا لمالك وأحمد في رواية عنهما فيما يمكن العقد عليه بخلاف
الشتم واللكز والوكز ونحوها فالضمانات خمسة.
القسم الثاني في حكم الأحكام أي
مصالحها المشروعة هى لها.
ولها تذكيرات:
1 - أن المصلحة المسماة بالحكمة باعثة على شرع الحكم فهي سبب
غائى لشرعه لا نفسه والسبب المسمى مظنة وعلة سبب فاعلي بوضع
الشرع يقتضي نفس الحكم مثلا المصلحة في القصاص حفظ النفس
والسبب القتل، العدوان وكذا حفظ النسب ونفس الزنا لحده.
أما ما يقال في رخص السفر أن السبب السفر والحكمة المشقة
وأمثاله فكلام مجازى والمراد أن الحكمة الباعثة دفع مشقة
السفر.
2 - أن إظهار السبب تعليل يلتزم اطراده مطلقًا أو إلا لمانع لا
انعكاسه وإظهار المصلحة بيان المناسبة لأن المناسبة وجودها ولا
يلتزم اطراده لأن تخلفها كسر لا يعتبر.
3 - أن المصلحة إما حقيقية إن كانت الملائمة موجودة عقلا
وإقناعية إن كانت متحققة وهما كالملائمة بين النجاسة ومنع
البيع والحقيقية إما ضرورية لا بد من حفظها في كل دين وهي خمسة
وإما مكملة إن كانت عائدة إليها بنوع إفضاء وإما حاجية إن
احتيج إليها ولم يؤد فواتها إلى ذوات شيء من الضروريات غالبًا
وإما مكملة للحاجية إن كانت
(2/421)
مفضية إليها وإما تحسينية وهي المرجحة
لوجود الحكم من غير ضرورة أن حاجة كأن لا يفوض المناصب الشريفة
إلى العباد وإن كانوا دينين عادلين حطا لرتبتهم.
4 - إن المصلحة في غالب الحالات حفظ الدين في الاعتقادات
والعبادات وحفظ باقى الضروريات في المزاجر المحضة وكلاهما في
المركبة من العبادة والعقوبة والحاجية في أصول المعاملات
وتكميلها في أكثر تفصيلاتها والتحسينية في بعضها والإقناعية
تشمل الكل.
المبحث الأول: في الاعتقادات
حكمتها
أولًا: تحصيل السعادتين في النشئتين ففى الأول لقوله عليه
السلام: "فاإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم وفي الأخرى
لقوله عليه السلام "لن يدخل النار من يقول لا إله إلا الله" أي
النار المعدة لتعذيب الكفار لا لتهذيب العصاة بالإجماع كيف ومن
كفر بالله سبعين سنة وارتكب أنواع المعاصي فقالها بالإخلاص مرة
لا يبقى من ذنوبه ذرة فلأن لا يبقى من ذنوب المؤمن إذا قالها
مخلصًا أولى وعليه حديث "وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر
فيهما ولقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ} [يونس: 63، 64] إذ بالشهادتين يحصل علم التوحيد
الجامع بين الجبر والقدر المستلزم عند رسوخه للكمال التام
الإنساني.
المبحث الثاني: في العبادات
فحكمتها إجمالا ما مر وهو تعظيم الله شكرًا لنعمه وتحصيلا
للثواب الأخروى استجلابًا بالمزيد كرمه وتفصيلا فللصلاة تعظيمه
بالإقبال عليه بشراشره والإعراض عن جميع ما سواه قولا وفعلا
ظاهرًا وباطنًا وهو سرها الذي ينبغى أن لا ينفك المصلي عنه.
ولذلك لأنها لكونها معراج المؤمن روعى فيها أحسن أحواله ليليق
به فلذلك شرط أولًا نظافة جميع أعضائه لكن مع أن المحدث عند
خروج الحدث من موضع كل البدن فسراية الحدث أوجبت تنظيفها كلها
كما كان كفي الأمم السالفة وإنما اقتصر على الأعضاء الأربعة في
الأحداث الصغرى لأن ما فيه الحرج ففيه الفرج كرامة لهذه الأمة
ببركة نبيهم فاقتصر على ما هى ظاهرة مباشرة ومظان إصابة
للنجاسة الصورية والمعنوية التي هى الذنوب ولذا اكتفى أيضًا
بمسح الرأس والخفين وفي التيمم بالعضوين الظاهرين لأن إثمهما
أكثر وقوعًا غير أنه شرط النية فيه لكونه طهارة حكمية فالنية
تلحق الحكمى بالحقيقي.
وثانيًا: ستر ما لا يستحسن كشفه في العورة قال الله تعالى:
{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] إلا
عند الضرورة بحسبها.
(2/422)
وثالثًا: استقبال القبلة لأن المعبود لما
كان منزهًا عن الجهة وكانت العادة الإنسانية في الخدمة التوجه
إلى المخدوم وجعل توجه الصورة إلى الكعبة على التفاصيل
المعلومة أمارة توجه السر إلى جناب الله تعالى على ما يشير
إليه حديث "الإحسان من مقامي المشاهدة ثم المراقبة.
ورابعًا: أوقاتها إقامة للشريعة منها مقام الاستغراق كما مر.
وخامسًا: النية وهي التزام الشروط والأركان لأن الإخلاص روح
العبادة وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم ولأنها عبادة القلب
الذي هو سلطان الأعضاء ثم في أوضاعهم اعتبر رفع اليدين أمارة
للإعراض عما سوى الله تعالى قلبًا مثله قالبًا والإقبال على
الله بالكلية متضرعًا مستجيبًا من هفواته بإلزام النظر إلى
الأرض ذكرًا كمالات قدسه وأيد ذلك قولًا بالاستعاذة ثم البسملة
لأن التخلية قبل الثحلية والنفي قبل الإثبات ثم القيام واضعًا
يده تحت السرة على عادة الخدام أو على نحوه مستشفعًا بإيمانه
ثم القراءة إشارة إلى تمسكه بالكتاب الكريم وبالعمل بما فيه
وإلى أنه متكلم مع الله تعالى في معراجه بسيد الأذكار ثم
الركوع حطًا لنفسه في حضيض الحيوانية مشيرًا بقيامه منه إلى
رفع الله تعالى إياه منه إلى أحسن تقويم الإنسانية شاكرًا
متواضعًا ثم السجود تكميلا لتواضعه حطًا له في أدنى مراتب
الوجود من النباتية والجمادية الترابية بوضع أشرف أعضائه على
محل النعال مشيرا بقيامه عنه إلى رفع الله تعالى عنه كما مر
مسبحا في كل حط تنزيها لله تعالى عن معية في ذلك المفهومة من
قوله تعالى: {وَاللهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35] أينما كنتم ومكبرا
في كل رفع تبعيدا لنفسه أن يتكبر لما ارتفع وهذا سر ما يروى أن
النبي عليه السلام وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا
سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك ولأن التواضع بالسجود يتم ثم به
الصلاة فلا يحنب من حلف لا يصلي إلا به أما تعدده فقيل الأول
اقتراب، والثاني تواضع وقيل الأول إقرار بخلقه من التراب ورفع
رأسه يرفعه إلى أحسن تقويم والطمأنينة بأن الله تعالى قرره فيه
والثاني بأن رد الأمانة إلى التراب والرفع منه بالحشر بعد
الموت كما ذكر في قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه:
55] الآية.
وقيل الأول أمارة أنه ولد على الفطرة والثاني إنه ممن يموت على
الفطرة لأن من استكمل الفطرتين سجد يوم الميثاق سجدتين وعلى
ذلك الأقسام الثلاثة الباقية فمعناهما أنك هديتنا فتوفنا بفضلك
مسلمين.
وقيل لما سجدت الملائكة لأدم عليه السلام ورأى إسرافيل استكبار
إبليس سجد ثانية وتابعه الملائكة فأمرنا بهما اهتداء بهديهم
والركعة الثانية تدل على وظيفة الخدمة فإن
(2/423)
ما تكرر تقرر والقعدة التي هى جامعة للرأى
كما علم في مخيرة قامت فقعدت فهي على الخيار بخلاف العكس حال
الشهود وعرض الحاجات بعد تمام المناجاة ولذا يقرأ التشهد الذي
به تتم مناجاة نبينا - صلى الله عليه وسلم - في معراجه فالختم
بالشهادتين لتقبل الخدمة كما يقتضيه قوله تعالى: {إِلَيْهِ
يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] الآية وإتمامه بالسلام لأنه غاب سره
حين تم سفره الروحانى وحين قدم منه سلم على حاضريه.
ونقول بلسان التحقيق لما تقرر في موضعه تأكد العلاقة بين الروح
والبدن وتأثير كل منهما في الآخر علم أن هذه العبادة الجامعة
لهيئات الإعراض عما سوى الله تعالى والتوجه إليه بمراتب الخضوع
وقلبًا وقالبًا يوجب عروج القلب إلى الحضرة القدسية وحصول
السعادة القلبية المستخدمة للسعادة البدنية النفسية التي
لخدمها السعادة المالية وإلى السعادات الثلاث أشار أمير
المؤمنين على رضي الله عنه بقوله الأوان من النعم سعة المال
وأفضل من سعة المال صحة البدن وأفضل من صحة البدن تقوى القلب
فعلى المسلم أن يجعل الصلاة وسيلة لتحصيل جميع الثلاث فالأول
بالإعراض عن خوادم البدن من الأشياء الثمانية المذكورة في قوله
تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران: 14]
الآية وذا في أول التحريم لها والثانى بالإعراض عن القوى
البدنية النفسَانية الفاسقة المكدرة التي مداخلها إلى النفس
ومخارج النفس إليها الحواس الخمس ومنها منشأ الشهوة والغضب
فوضحت الفرائض خمس مكتوبات وجمعة ووترا ملحقين بها.
والثالث: بتأكيدها في الركعة الثانية المتدرجة المقامات إلى
حال التشهد فعنيت أوقاتها المحبوبة عند الله تعالى لينقطع
إمداد الظلمة وينفتح باب عالم النور بكمال الحضور فيستمد منه
إلى كسح تلك الهيئات المكدرة لوجهه أي لوجوده الإضافي ما لم
يترسخ كما قال عليه السلام "الصلاة إلى الصلاة كفارة لما
بينهما من الصغائر إذا اجتنبت الكبائر".
أول صلاة الظهر لأن الحاجة إلى الصلاة عند ميل شمس الروح نحو
احتجاب نوره بالغاسق والإفحال الاستواء والاستيلاء على الهيولى
كما كان آدم عليه السلام في الجنة قبل الهبوط فهو في مقام
المشاهدة وحفظ الميثاق فلا يكلف بهذه المشاق أربع ركعات بإزاء
أول أركان وجوده في النشأة العنصرية إشارة إلى وجوب تسليمها أو
شكر الإنعام بها بالجنان واللسان والاركان.
ثم صلاة العصر أربعًا بإزاء الأخلاط التي تليها إذ كلما قرب
البدن إلى الروح بالاعتدال بعد الروح من جناب الحق بالانجذاب
إليها فلهذا صار وقتها إلى الغروب.
ثم المغرب ثلاثًا بإزاء القوى الطبيعية والحيوانية والنفسانية
إذ حدوثها بأفول الروح في
(2/424)
أفق الجسد.
ثم العشاء أربعًا بإزاء الأعضاء الرئيسية الأربعة لأنها محال
قوى بها بقاء حياة الإنسان نوعًا وشخصًا واستقرار سلطته ولذا
خص بحصول الوقت ووقت النوم فإن كمال الأعضاء يوجب استتامة
الروح إليه.
ثم إذا انتهى زمان سلطة القوى البدنية وفرغ الروح من عبارته
أقبل إلى عالمه فظهر نور تجرده وانتبه من نومه فظهر القلب أو
حدث عند استخراج الكليات من الجزئيات على المذهبين فطلع الصبح
المعنوى بظهور نور شمس الروح وجاء وقت صلاة الصبح ركعتين بإزاء
الروح والبدن، أما أوضاعها:
فالقيام إشارة إلى تسليم الفطرة الإنسانية والركوع إلى تسليم
النفس الحيوانية التي معها والاعتدال إلى أن لها بصحبة الناطقة
هيئات اعتدالية كمالية.
والسجود إلى تسليم النفس النباتية والرفع إلى حصول الامتياز
لها عن سائر أنواع النبات بتغيرها بالانقلاع عن الأرض والتصرف
في توليد الأخلاط الأربعة بتركه صحبة الناطقة وتكراره إلى
ثباتها على حالها في عدم الإدراك والإرادة بخلاف الحيوانية
المدركة الكاسبة للملكات الفاضلة والقيام إلى الركعة الثانية
إلى انخراطه في سلك الجبروت بكمال التجرد والتعقل بالفعل.
وركوعها صورة الانخراط في سلك الملكوت السماوية بالتنزه عن
ملابس الشهوة والغضب وبالتأثير في الجهة السفلية والرفع عنه
زيادة في مرتبتها باستعداد الولاية وسجودها إلى تسليم النفوس
الشريفة الكوكبية والرفع عنه كما مر من الزيادة والسجود الثاني
هو كون التأثير في العالم الجسماني والإقبال إليه مع حصول
الشرف النفساني باقيا والتشهد بلوغ الروح بهذه العبادة
الحقيقية إلى مقام المشاهدة مستقرًا متمكنًا في وصله معاينًا
لما اعتقده من حقيقة الشهادتين محققًا لمعنى الإِسلام وهو
القبض النازل من عند الله تعالى الواصل من عالم القدس إلى هذه
النفوس المكمل إياها بتجريدها عن صفات النقص وآفات النفس
وتكميلها بالكمالات الخلقية والوصفية الإلهية وبالجملة اتصافها
بما أمكن لك منها وأما الأذكار فإن التواضع الذي هو صورة
الفناء في القدرة في الركوع المشار به إلى تسليم القوة
الحيوانية في الأولى والفلكية الملكية في الثانية إقرار بعظمته
فيليق به التعظيم والتذلل في السجود عند تسليم القوة النباتية
أو الكوكبية في الثانية والتسفل منه يناسب علوه والإقرار به
والتكبير في الانتقالات يشير إلى أن هذه الصفات الدالة على
الفناء المخصوص فيها وضغا وذكرًا ألا يؤدى حق عبادته.
(2/425)
ولا يوجب حق معرفته فهو أكبر من ذلك فيجب
الانتقال من كل مقام إلى آخر دائمًا إذ العبد لا يخلو عن
التقييد.
والله أكبر أن يقيده الحجى ... بتعين فيكون أول آخر
هو أول هوآخر هو ظاهر ... هو باطن كل ولم يتكاثر
وللزكاة التطهير من الآثام صدقة تطهرهم والقربة من القدوس
العلام إلا أنها قربة وفيها بركة المال في ضمن الإيفاء لما وعد
الله تعالى من ارزاق الفقراء لأن الأغنياء خزانه والفقراء
محالون عليهم فإذا لم يخونوا في الأمانات ظهرت البركات والوصول
إلى الدرجات وإلا فالكى بها في الدركات قاله الله تعالى
والفقير نائب عنه بالحديث فلذا يجب النية لله تعالى ويحرم المن
على الفقير وفيها قيد النعم الموجودة وصيد المنعم المفقودة
{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] "اللهم عجل
لمنفق خلفًا ولممسك تلفًا". واسترقاق أحرار الخلان فإن الإنسان
عبيد الإحسان وتخلية القلب عن رذائل كالبخل والحساسية وحب
الدنيا وما يتبعه من المثالب وذلك يوجب تحليته بفضائل كالجود
والكرامة وحب المولى وما يلزمه من المناقب والبخيل سيىء الظن
بالله تعالى وفيه الخطر والجواد بخلافه قال علم الهدى رحمه
الله على الولد أن يعود ولده الجود بالموجود عنده كما يعلمه
الإيمان بالمعبود كيف وبه يحصل ثناء العاجل وثواب الآجل ولسان
صدق في الآخرين مع ما في إيجاب القليل من الكثير ومن نمائه
وعلى بعض إغشائه من الفرج عن الحرج.
ولأن السعادة المالية خادمة للبدنية الخادمة للقلبية تقارنتا
في جميع القرآن لاشتراكهما في الخدمة فإنما يحتاج إليها لقوام
البدن فيجب أن يقتصر على ذلك القدر ولا يصرف الفكر إلى تثميرها
وحفظها بالشح وإلا لزم الإدبار عن الجهة القدسية والبعد عن
الحق بالكلية فلا جرم أوجب نقضها بالزكاة عندما زاد على الحاجة
وأوعد عن الكنز بالنيران وإذا كانت مخدومتها التي هى البدنية
منجوسة متقصرًا فيها من اللذات والراحات على قدر الحاجة فهذه
الجاذبة إلى عالم الرجس أولى بالتجرد عنها بالإيثار على أهل
الاستحقاق فهان فنا مع الدنيا مشتركة وما كان نفعه أكثر وجب أن
يكون الإيثار فيه أوفر.
ولذا أوجب في الأقوات العشر وفي النقود ربع العشر وكذا في بعض
الأنعام أكثر لأنها في الاحتياج إليها بين بين ثم في وجوب
العشر معنى الزكاة من شكر نعمة المزروعات وحفظ مؤنة الفقراء.
(2/426)
وفي الخراج والجزية إظهار صغار الكفار
عقوبة عليهم وفداء عن فتلهم وخلفًا عن نصرتهم المؤمنين في
الجهاد وهما مؤنة لكل من يسعى في حفظ الدين من الكفر والفسق
والبدعة كالمقاتلة وقاضي المسلمين ومفتيهم وأمرائهم.
ولأن الجزية جهة الصغار غالبة تسقط بالإِسلام بخلاف الخراج أو
لأنها خلف القتل وقد عصموا بالإِسلام والخراج صار مؤنة الأرض
وأجرة الحماية بقاء ولذا لو اشتراها مسلم تبقى خراجية.
وللصوم قهر النفس الأمارة وتصفية الباطن ليصلح مهبطًا لنزول
الحكم وليتخلق إذا آثر بطعام النهار بأخلاق الصمدى الذي يطعم
ولا يطعم ولم يفرض جميع عمره ولا في الليالى تيسيرًا عليه وفيه
ليلة القدر والتي إحياؤها خير من إحياء ألف شهر في الأمم
السالفة.
ولأنه عبادة بدنية تقتضى فناء النفس والروح لا كالصلاة
المقتضية فناء النفس وبقاء الروح كان أشرف منها ولذا قال
"الصوم في وأنا أجزى به" (1) وإذ لا يطلع عليه أحد فهو مبرأ عن
شائبة الرياء والنفاق واستجلاء نظر الخلق إليه بخلاف الصلاة
والزكاة ثم إذا
تحقق مقصوده وهو فناء غير الله تعالى كان هو جزاء كما يروى:
"من أحبنى فأنا قتلته ومن قتلته فعلى ديته ومن على ديته فأنا
ديته" (2).
فحقيقته تحصل مقام الولاية بقدر موهبة الاستعداد وسابقة
العناية فإن الفطر الإنسانية مرايا الحق وكل واحد يقتضي بهويته
ولاية خاصة بحسب الاستعدادات المتفننة وهواياتها منها ذاتية
مستفادة من الله بلا واسطة ومنها قمرية مستفادة من القطب ومنها
بالفناء في بعض الأسماء ومنها به في البعض الآخر فلذا عم وجوب
الصوم دون الحج مع اشتراكهما في إثبات الولاية بعد السعادة لأن
السعادة تقتضى الوجود والولاية العدم.
فالفرق أن ولاية الصوم قمرية قابلة للاختلافات حسب الاستعدادات
وللحج ذاتية مثمسية غير قابلة لها فالبصوم يتم إسلام كل أحد
سوى القطب المحبوب عليه السلام وبالحج يتم إسلام صاحب
الاستعداد الكامل وللحج أنه رهبانية هذه الأمة كما ورد في
الحديث وكذا الجهاد بهما يظهر عزة الإِسلام وعلوه.
وفيه قهر عدو الله النفس أو الكفار اللذين هما من جنود إبليس
ثم الحج أنموذج الحشر الأكبر حفاة عراة شعثًا غبرًا في غاية
المسكنة بالسنة مختلفة وأحوال شتى وأيضًا فيه إماتة
__________
(1) أخرجه البخاري (6/ 2723) ح (7054)، ومسلم (2/ 807) ح
(1151).
(2) لم أجده.
(2/427)
النفس اختيارًا بمفارقة الأهل والمأنس
ودخول البادية مع خوف القطاع كدخول البرزخ وأهواله وثواب
الإحرام كالكفن ففيه لخرم عن جميع لذات الشهوات المكدرة للروح
واستلام الحجر تجديد عهد يوم الميثاق لأنه يمين الله تعالى
والعرفات كالعرصات فيه يتمثل قوله "موتوا قبل أن تموتوا" وبهذه
الموتة الاختيارية حصول الحياة الطيبة ولذا كان ماشيًا أفضل
إلا إذا ساء خلقه مع المشى لأن مقصود المجاهدات لخسين الخلق.
ولتفاصيل وظائفه أسرار يقصد عن استقصائها أمام المقام. وأنوار
يحصر عن إحصائها لسان ما يقتضيه الحال من الاهتمام. فليطلب في
موضعه اللائق من علوم الحقائق.
وللجهاد حفظ بيضة الإِسلام وتحقيق ما بعث له الأنبياء عليهم
السلام وهو دعوة العباد والسعى في إخلاء العالم عن الفساد
وتخليصهم عن الكفر الموجب للشقاوة الأبدية ورد كيد جند إبليس
في السعى للغواية السرمدية وفيه تعذيب أعداء الله وتهذيب صدور
أوليائه قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ
فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ
بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14] الآية إن قلت فيه مفسدة تعذيب
العباد وتخريب البلاد وملعون من هدم بنيان الرب حتى قيل يحاكم
عصفور قتل عبثًا إذا الوحوش حشرت.
قلنا لكن تضمن مصلحة راجحة بالوجوه السالفة كخرق الخضر سفينة
المساكين إذ الأمور بعواقبها كما في القصد وشرب الدواء المر
كيف وهو تسليم المبيع الفاني بإبطال الحياة الزائلة المحاطة
بالنقم لتحصيل الثمن الباقي والحياة السرمدية المحفوفة بالنعم.
فالغازى محظوظ يإحدى الحسنين إما الغنيمة والثواب وإما الشهادة
التي تغبط بها أولو الألباب قال علي رضي الله عنه (لا بد من
الموت ففى سبيله أحق وأولى).
جون جان سيردنيست بهر حالتي كه هست ... دركوى عشق خوشتر
وبرأستان دوست
المبحث الثالث: في المعاملات
الخمسة
حكمها إجمالا حصول البقاء النوعي أو الشخصي لأن التصرفات
المشروعة شب للاختصاصات الشرعية كملك الرقبة والمنعة والمنفعة
وإباحتها المصححة للانتفاع الذي به البقاء ولا منافاة بين
سببية تعلق البقاء بها وغرضية نفس البقاء منها بل شأن كل ماله
علة غائبة أن يكون تعلقها به سبب وجوده وإقدام الفاعل عليه
ومقصوده نفسها وتفصيلا.
فالمناكحات وهي أفضلها بقاء العالم ببقاء النوع الإنساني وكثير
من المصالح الدينية والدنياوية كغض البصر وتخصين الفرج وتحقيق
مباهاته عليه السلام وانتظام مقاصد
(2/428)
الزوجين الداخلية والخارجية ولذا اشتمل
النكاح على معنى العبادة أيضًا وفضلناه على التخلى للنوافل حتى
هى سنة مؤكدة.
وقيل فرض كفاية يدل عليه من الله تعالى علينا بالنسب والصهر
الحاصلين به في الآية والنصوص النادبة والمرغبة بألفاظ الأوامر
لا سيما المقرونة بالوعيد وأنه لولاه لزم التهالك حسب التغالب
في اقتضاء الشهوات المركوزة في الطباع وفيه للعالم خلل والفراش
فساد والنسل ضياع كيف وأنه ستة أصلية ورثناه من آدم عليه
السلام حتى روى أن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر
فزوجها منه وأشهد الملائكة في خطبته المأثورة.
ثم الطلاق وهو الإطلاق عن رق النكاح إنما يرخص إذا لم يترتب
مقاصد النكاح من التناسل والسكن والتحصين وإلا فمنهى لقوله
عليه السلام "أبغض المباحات عند الله الطلاق" ولأنه ترك سنة
المؤكدة أو فرض الكفاية وفيه إيحاش المستأنس فيكره إلا عند
الضرورة ولذا أبقى مكثه التدارك فشرع متعددًا ثلاثًا لأنه
الحدد الموضوع لإبلاء الأعذار وفوض إليه لأنه المالك بالمهر أو
المتعة ولأنها ناقصة العقل مسرعة إلى التفريق بأدنى ضجر وأعقب
بالعدة بثلاثة في الحرة لتروى النظر في أمر الرجعة وتعرف براءة
الرحم كيلا يختل الإنساب وتنتين في الأمة لأنها النصف المكمل
واكتفى بحيضة في الاستبراء لعدم تعلق النسب بها بل بالدعوى.
ثم العتاق مثله في المعالق الكثيرة فيه تقوية الضعيف بإثبات
القوى الشرعية من الولايات والاستبداد في التصرفات بعد ما كان
ملحقًا بالجمادات وعرضة للابتذال مسخرًا لمثله من البشر
كالحيوانات جزاء لكفره ابتداء وإن جعل أمرًا حكميًا في البقاء
ابتلاء كما فيمن ولد مسلمًا فإن بقاء الحكم يستغنى عن بقاء
السبب كالحيض في النساء كأن تبعه لحواء لأجل أكل الشجرة فبقى
في بنائها ولأن الرق أثر الكفر المسبب للموت كان الإعتاق إحياء
كالإيلاد وجزاء له في الحديث وإعتاق رقبة مؤمنة كفارة قتل
المؤمن خطأ ليعوض الناس من منافعه العائدة إليهم في الولايات
والقتال وغيرها.
وللمبايعات اتساق أمور المعاش والمعاد والتجار عمال الله
يوصلون أرزاقه إلى العباد فبالكسب عمارة البلاد وفيه ابتغاء
فضل الله الممدوح في الآيات إذ به يتهيأ المروات ويحسن
المعاشرات وهو سنة الأنبياء عليهم السلام كان آدم عليه السلام
زراعًا وشيث عليه السلام نساجًا وإدريس عليه السلام خياطا
وإبراهيم عليه السلام بزازًا وإسماعيل عليه السلام مصطادًا
وروى عن جبريل عليه السلام قوله لو احتجت إلى الكسب لكنت سقاء
وفي شرعها أيضًا إطفاء نائرة المنازعة ورفع النهب والحيل
المكروهة والسرقة والطمع
(2/429)
والخيانة وفيها الغناء ففي رافعها البقاء
وحين يفوت الشىء يفوت مقصوده لم يشرع ما يفض إلى النزاع كما لو
جهل المبيع أو الثمن في البياع وكأنواع الربا ومع هذا ففيها
ترك العدل والإحسان فيحرم وإن رضي به العاقدان كالزنا بخلاف
أخذ مال الغير بغير إذنه لاحتماله الإباحة برضاه فحرمته لحقه
لا لوضعه عقلا أو شرعًا فالربا أقبح من الغصب والسرقة وفيه
المعارضة لله تعالى في عدله بعدوله فلذا قال تعالى:
{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]
والحق الريبة بالربا.
ثم مما يتضمن معناها الصلح وفيه أنه خبر بالنص وبأنه ضد
المنازعة أما على الإقرار ففيه المروة من المدعى بالبذل
والإمهال وإما على الإنكار ففيه ترك كلفة المرافعات وليس كل
شاهد يعدل ولا كل قاض يعدل وفي فداء اليمين تعظيم لها وصيانة
العرض حتى لا يقال لبلية مقدرة أصابته بشوم خلقه ودفع زيادة
ضغينة المدعى عليه قال عليه السلام "ردوا الخصوم كى يصطلحوا"
(1) قال علم الهدى من لم يجوز الصلح على الإنكار فهو شر من
إبليس لأنه يزيد بقاء الفتنة وتولد الأحقاد.
ثم في الإجارات دفع الحاجة مع الفاقة بقليل من الطاقة وتحصيل
السرورين فالموجز بنيل المال بلا زوال ملك العين والمستأجر
بحصول المقصود ولولاها لاحتاج الغني إلى شاق الأعمال والفقير
إلى التنكدى والتذلل والحيل والحكمة يقتضى وضع كل شيء موضعه.
ومما يناسبها المزارعات والمساقاة لأن الله تعالى يخلق حياتنا
بالأقوات وليس كل أحد يملك الأرض والبستان أو يهتدى إلى
إصلاحهما ومنه يحلم الحاجة إلى الشركات بين من يهتدى لطرق
التجارة ولا مال له أو يقل ماله وبين عكسه وللتعاون فقد يفعل
المركب والمجموع ما لا يفعله المفردات.
ومن فنون الكسب الاصطياد فيه خلو الحاصل عن خبث الاختلاط
بأموال الناس صافيًا عن كدر المنة والظلم ففيه نقاء البقاء
وإنما حرم كل ذى ناب ومخلب لأن الظلم والإيذاء اللذن في طبعهما
نجاسة معنوية تسرى إلى طبع الأكل قال عليه السلام "لا ترضعوا
أولادكم بلبن الحمقاء فإن اللبن يؤثر" (2) ولذا يحكم بأن
الأعمال تفسد بفساد
__________
(1) بل موقوف: من قول الخليفة عمر رضي الله عنه أخرجه البيهقى
في الكبرى (6/ 66) ح (11142) وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 534)
ح (22896)، وعبد الرزاق في مصنفه (8/ 303) ح (15304).
(2) مرسل: أخرجه البيهقي في الكبرى (7/ 464) والطراني في
الأوسط (1/ 27) ح (65) والديلمى =
(2/430)
اللقمة الحرام والخبيث فقد قيل اللقمة نطفة
العمل إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر فلا يحصل
من الحرام إلا المعصية ومن الشبهة إلا الغفلة ومن الحلال إلا
الخير كذا جرت سنة الله
تعالى كما من البازى الكبر والإيذاء ومن الخنزير نهاية الحرص
والخساسة وقلة الخير ومن الحمار الأهلي البلادة وسوء الأدب وفي
الذبح مع ذكر الله فيه إزالة الحياة بأقل سعى وطهارة الأجزاء
عن الدماء النجسة وفي ذكر الله تعالى مخالفة الكفار الذاكرين
آلهتهم وظهور البركة تبارك اسمه وتعالى جده وفي التضحية ضيافة
الله تعالى فلأنه لا بد من الإراقة ليطيب فيصلح لها نقل القربة
إليها تسهيلا وكرامة لهذه الأمة فندب بالثلث التصدق وبالثلث
الهبة وبالثلث الإمساك لنفسه وفي الأمم السالفة كانت لخرج عن
ملكه ولأن الضحايا مطايا على الصراط بالحديث إذا الوحوش حشرف
فعليه أن يخلص النية ويتحرى فيها التقوى وفي قسمة الشرب نظام
العالم بظهور العدل كما في قصة صالح عليه السلام لأن الماء
مباح فلو لم يقسم بالأنهار أو الأيام والكوى أفضى إلى النزاع.
وللمخاصمات تخليص الظالم من سخط الله ودفع طول التشاجر
والتحاقد مع أن الترك والتحليل أولى رعاية لحق الأخوة وصيانة
العرض والمروة ومندوب بالآية والحديث إلا إذا علم المدعى له
يخلصه من إثم المطل وحرام الأكل من غير زيادة خصومة كان الدعوى
مستحبة.
وفي القضاء إقامة حقوق الشرع فليزع السلطان أكثر مما يزع
القرآن لغلبة الهوى على العقل والشرع فلا بد من زاجر حسي لبيقى
النظام فالدين أس والسلطان حارس فما لا أس له مهدوم وما لا
حارس له ضائع والدعوى عند الحكام أنموذج منبهة على أمر القيام
بين يدي العلام يوم ينادى لا ظلم اليوم والشهادة أمانة عند
الشاهد من الله تعالى للمدعى فلا يجوز أن يخون فيها مأمور
بأدائها في الآية وجعل نصابها اثنين ليظهر الصدق فإن الواحد
يعارضه برائة الذمة أو اليد وأربعًا في الزنا احتياطًا في ستر
الفواحش فلإملاء الناس ولما مر من مفاسده وإذا قامت الشهادة
وزكى الشهود وجب على القاضي الحكم إظهار الحق تقلد أمانة
القضاء وللأمانات فللوكالة والكفالله رفع الحاجة الماسة إذ ليس
كل أحد يرضى أن يباشر الأعمال أو يهتدى إليها ولا كل مديون
يعتمد عليه ففى شرعهما ترفيه لأصحاب
__________
= في مسند الفردوس (5/ 41) ح (7398) وأبو داود في المراسيل (1/
181 - 182) ح (207).
(2/431)
المروات وتعليم لسنة التواضع بقبولهما
وإظهار الشفقة ومراعاة حق الأخوة لا سيما في الكفالة ببذل
الذمة في قبول الدين والمطالبة وتسكين قلب الطالب كما يتحقق
الكل الشركة التي يتضمنها. وفي الحوالة تفريغ ذمة أخيك وتخليصه
عن تحمل مذلة التقاضي قال عليه السلام "من فرج عن أخيه المسلم
كربة" (1) الحديث وقال عليه السلام "إن من موجبات المغفرة
إدخال السرور في قبل المرء" (2) وفي الرواية "أول ما يلقاه
العبد إذا بعث من قبره السرور الذي أدخله في قلب أخيه المسلم
متمثلا بصورة ذى وجه حسن يبشره الخير" (3) ثم في الهبة
والإعادة إظهار المروة وإحسان بغير ضمان وخير الناس من ينفع
الناس والتخلق بأخلاق الجواد الكريم وفي جود الأبرار استرقاق
الأحرار فإن الإنسان عبد الإحسان.
قال عليه السلام "تهادوا فإن الهدية تذهب بالضغائن" ومن جمع
المال ولم ينفق أثر ذلك في توطين القلب عليه فيهلك بحبه إذ حب
الدنيا رأس كل خطيئة ولو أنفق أخلف ففيه صلاح دينه ودنياه عند
التوسط بين الإفراط والتفريط لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا
أنفَقُوا} [لفرقان: 167] الآية وعليه سنة الله في قسمة أرزاق
الخلق بقدر حالاتهم كما يقتضيه حكمته البالغة وكذا قبول
الودائع وحفظ الأمانة من المروة والأمين محبوب عند الله تعالى
وعند عباده. قال عليه السلام "الأمانة تجر الغناء والخيانة تجر
الفقر" (4) ويقال كان ابتلاء الحلاج بالصلب لعدم حفظ أمانة سر
الله.
ثم في الوصية بالمال والإيصاء إلى آخر تلافي التفريطات فإن
الإنسان مغرور بأمره مقصر في عمله بحيث إذا خاف من عرض له
المرض طي حياته وارد تلافى ما فرط فوصى فلو مات تحقق مقصده
الأخروي ولو صح فله الرجوع وصرفه إلى أهم مقاصده وفيها ازدياد
حياته والتمرين بمكارم الأخلاق وقت وفاته، لقوله عليه السلام:
"إذا مات
__________
(1) أخرجه مسلم (4/ 1996) ح (2580) وابن حبان في صحيحه (2/
291) ح (533) والحاكم في مستدركه (4/ 425) ح (8159) والترمذي
(4/ 34) ح (1425) والبيهقي في الكبرى (6/ 94) ح (11292) وأبو
داود (4/ 273) ح (4893) والنسائي في الكبرى (4/ 308) ح (7284)
وابن ماجه (1/ 82) ح (225) والإمام أحمد في مسنده (2/ 91) ح
(5646).
(2) أخرجه القضاعى في مسند الشهاب (2/ 179) ح (1139).
(3) لم أجده.
(4) أخرجه القضاعى في مسند الشهاب (1/ 72) ح (64).
(2/432)
ابن آدم" (1) الحديث وربما يروى عنه عليه
السلام أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن
ليلة إلا ووصيته تحت وسادته" (2).
وأما الإيصاء فشفقة على نفسه وذريته الضعفاء بإقامة أمين كاف
مقام نفسه وقبول الوصي أيضًا شفقة على أخيه الميت ووفاء حسن
العهد والله يحب المحسنين والوصية من سنن الأنبياء والمرسلين
قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهيمُ بَنِيهِ} [البقرة:
132] الآية فمنها فريضة كبقضاء ديونه والكفارات ونحوها ونافلة
كبوجَوب القرب وحث الأولاد والأحبة على الثبات على الحق وهي
سنة النبوة وببناء الرباطات ومواضع الخير وبالدفن في موضع
مبارك وختم القرآن عليه والتصدق على زواره ونحوها.
المبحث الرابع: في المزاجر
ففى القصاص حياة أي في شرعه واستيفائه وقد علم وإنما قتل
الشريف للخسيس لأن الكل في العبودية سواسية وإذ لا نجد نفسين
إلا وبينهما تفاوت وصفًا فلو اعتبر تعذر القصاص وتبقى الفتنة
وإنما شرع لتسكين الفتنة الثائرة بالقتل ظلمًا وكون المقتول
ميتًا بأجله لا ينافي كون القاتل متعديًا عن طوره ومقتصًا منه
بأجله لأن تقدر الأسباب مع مسبباتها لا ينافي السببية.
وفي حد الشرب زجر عن الخمر المحرمة لسلبها العقل بعد ما كانت
في الأمم السالفة مكروهة كراهة التنزيه فأولا لأن معجزة نبينا
عليه السلام عقلية وهي القرآن فحرم ما يستر العقل ليبقى مجال
الفكر ويقينهم بحقية الدين دائما وثانيا لأن القرآن كنز
الأسرار والأحكام ولم يزل علماء الأمة يستنبطونها منه فكانوا
أحوج إلى العقل من سائر الأمم وصح أنه ما شربها نبي قط فهذا
زيادة كرامة لهذه الأمة وإنما لم يحرم في ابتداء الإِسلام
ليعاينوا شرها ويعرفها المنة في تحريمها ولأن في تحريم ما
تعودوا عليه دفعة مظنة عدم الانقياد كما في قوم موسى عليه
السلام لما أنزل التوراة عليهم دفعة لم ينقادوا إلى أن لخوفوا
بالهلاك برفع الطور وغيره وفي تدريج تحريمه الذي ثم في الرابعة
تعويد لمكان شره
__________
(1) بلفظ "إذا مات الإنسان" أخرجه مسلم (3/ 1255) ح (1631)
وابن الجارود في المنتقى (1/ 101) ح (370) وأبو عوانة في مسنده
(3/ 495) ح (5824)، والترمذي (3/ 660) ح (1376) وقال حسن صحيح،
والبيهقي في الكبرى (6/ 278) ح (12415) وأبو داود (3/ 117) ح
(2880)، والنسائي في الكبرى (4/ 109) ح (6478) والإمام أحمد في
مسنده (2/ 372) ح (8831).
(2) أخرجه البخاري (3/ 1005) ح (2587)، ومسلم (3/ 1249) ح
(1627).
(2/433)
وإن الحكمة في منعه والحكمة في حد الزنا والسرقتين الصغرى
والكبرى حفظ النسب والمال وهذه الأربعة أعني النفس والعقل
والنسب والمال مع الدين الذي شرع الجهاد وقتل الردة لحفظه تسمى
الخمسة الضرورية لحفظها في كل دين وإنما لم يعد حفظ العرض الذي
شرع له حد القذف منها إدراجا له في حفظ النسب لأن ضرره عائد
إليه وعلماؤنا عدوا الجهاد في العبادات وعبروا عن المزاجر
الخمسة بمزجرة قتل النفس وسلب العقل وهتك الستر وأخذ المال
وخلع البيضة كالقتل مع الردة فجعلوا هتك الستر شاملا للزنا
والقذف.
وفي الكفارات الجمع بين الثواب الساتر والعقاب الزاجر حفظا
للنفس أو الدين.
وفي الضمانات صيانة عصمتهم نفسا وما لا ليتفرغوا لإقامة
التكاليف فإن المسلم له عصمة مؤتمة بالإِسلام ومقومة بداره
وهذا لماله بالحديث وإذ لا يقصد المال إلا لبقاء النفس فالنفس
أولى أن لا يهدر فإن أمكن القصاص فيها لأنه المثل صورة ومعنى
والأوجب الدية والأرض لأن الوارث كان ينتفع بمورثه وهذا المال
خلفه في تقضية حاجاته به وليس من الحكمة القصاص في الخطأ أما
كفارته بالإعتاق فإحياء نفس مؤمنة مقام إفنائها تكفيرا لظلمة
على حق الله تعالى وإذا عجز عنه فبإماتة نفس هي عدوة لله تعالى
بالصيامات المتتابعة في فداء نفس مؤمنة هي حبيب الله تعالى
ولذا لا يجري إلا طعام فيها لشدة قبح الجناية بخلاف الكفارات
الأُخر تغليظا عليه. |