قواطع الأدلة في الأصول ج / 1 ص -17-
قال الشيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم1.
وهو حسبي وكفى رب يسر ولا تعسر.
الحمد لولي الحمد ومستحقه وصلواته على خيرته من خليقته
محمد وآله.
أما بعد2 فإني رأيت الفقه أصل العلوم وأشرفها قال الله
تعالى:
{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ
إذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
[التوبة: 122] أمر الله تعالى بالتفقه في الدين وجعله فرضا
على فرق الناس قاطبة ليقوم طائفة من كل فرقة به وينتصبوا
في قومهم منصب الانبياء في اممهم منذرين ومحذرين دعاة إلى
الله تعالى قائمين بدينه ياتين سبيله موضحين للخلق نهجه
فصار الفقهاء خلفاء الرسل انذارا وتحذيرا وارثى علومهم
قياما به وحملا سالكى طريقتهم بثا ونشرا وهذه مرتبة لا
توجد لفرقة من الفرق وناهيك بها من مرتبة ولأن علم الفقه
علم على منهج الازدياد لأنه العلم بأحكام الحوادث ولا حصر
ولا حد للحوادث ولا حصر ولا حد للعلم بأحكامها ومواجبها
وعلم الأصول في الديانات وأن كان علما شريفا في نفسه وهو
أصل الأصول وقاعدة كل العلوم ولكنه علم محصور مبناه لأنه
معارف محصورة أمر الله تبارك وتعالى بها لا مزيد فيها ولا
نقصان منها وأما علم الفقه فعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الباء فيه قيل: إنها زائدة فلا تحتاج إلى ما تتعلق به أو
للاستعانة أو للمصاحبة متعلقة بمحذوف اسم فاعل خبر مبتدأ
محذوف أو فعل أي: أؤلف أو أبدأ أو حال من فاعل الفعل
المحذوف أي أبتدئ متبركا ومستعينا بالله أو مصدر مبتدأ
خبره محذوف أي ابتدئى باسم الله ثابت والله علم ذات الواجب
والمستحق لجميع المحامد وأكثر أهل العلم على أنه اسم الله
الأعظم.
والرحمن الرحيم: اسمان بنيا للمبالغة من رحم بتنزيله منزلة
اللازم أو بجعله لازما ونقله إلى فعل بالضم.
انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/292 - 344 كشاف القناع
للشيخ البهوتي 1/10, 11 قيد الطبع بتحقيقنا.
2 تسمى فصل الخطاب انظر السبع كتب مفيدة لعلوي السقاف ص
62.
ج / 1 ص -18-
مستمر
على ممر الدهور وعلى تقلب الاحوال والاطوار بالخلق لا
انقضاء وانقطاع له وقد جعل الله تعالى اجتهاد الفقهاء في
الحوادث في مدرج الوحى في زمان الرسل صلوات الله عليهم فقد
كان الوحى هو المطلوب فى زمان الرسل عليهم السلام كشان
أحكام الحوادث وحمل للخلق عليها فحين انقطع الوحى وانقضى
زمانه وضع الله تبارك وتعالى الاجتهاد من الفقهاء فى موضع
الوحى ليصدر منه بيان أحكام الله تعالى ويحمل الخلق عليها
قبولا وعملا ولا مزيد على هذه المنقبة لا متجاوز عن هذه
المرتبة:
شاء وزاد الله جنته سؤددا
وذلك مجد يملأ الحجر واليدا
نعم وما يشبه الفقيه إلا
بغواص في بحر در كلما غاص في بحر في بحر فطنته استخرج درا
وغيره يستخرج بالخراز وطالب الزيادة في منهج الزيادة معان
منصور مطالب الزيادة على مالايزيد عليه مبعد مخذول والله
تعالى يفتح عين بصيرة من احب عباده بطوله وفضله ويعمى عين
من يشاء بقهره وعدله وقد سبقت منى مصنفات في مسائل الخلاف
التي هي بيننا وبين اصحاب الراي نبهت فيها على معاني الفقه
واستخرجت لطالبيها قلائد1 وقرائد2 طالما كانوا في طلبها
فاعتاصت عليهم إلى أن يسر الله ذلك وتمهدت له قواعدها
وطابت لهم مشارعها ونسقت معاني الفقه نسوقا وتعرقت عروقا
اظن أن لامزيد عليها ولامحيد للمحققين عنها وقد كان جماعة
من اصحابي احسن الله تعالى لهم التولي والحياطة يطلبون
مجموعا في أصول الفقه يستحكم لهم بها معانيه ويقوى افرعها
ويجتمع اشدها وينسق فروعها ويرسخ أصولها فإن من لم يعرف
أصول معاني الفقه لم ينج من مواقع التقليد وعد من جملة
العوام وما زلت طول ايامي اطالع تصانيف الاصحاب في هذا
الباب وتصانيف غيرهم فرأيت أكثرهم قد قنع بظاهر من الكلام
ورائق من العبارة لم يداخل حقيقة الأصول على مايوافق معاني
الفقه وقد رايت بعضهم قد اوغل وحلل وداخل غير أنه حاد عن
محجة الفقهاء في كثير من المسائل3 وسلك طريق المتكلمين
الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه بل لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما يوضع في اليد.
2 ما يوضع في العنق.
3 جميع مسألة وهي لغة السؤال.
وعرفا مطلوب خيري يبرهن عليه في العلم انظر السبع كتب
مفيدة لعلوي السقاف ص 62.
ج / 1 ص -19-
قبيل
لهم فيه ولا وفير ولا نقير ولا قطمير ومن تشبع بما لم يعطه
فقد لبس ثوبى زور وعادة السوء قطاع لطريق الحق وصم عن سبيل
الرشد واصابة الصواب فاستخرت الله تعالى عند ذلك وعمدت إلى
مجموع مختصر في أصول الفقه اسلك فيه طريقة الفقهاء من غير
زيغ عنه ولا حيد ولاميل ولا أرضى بظاهر من الكلام ومتكلف
من العبارة معول على السامعين ويسبى قلوب الأعتام الجاهلين
لكن اقصد لباب اللب وصفو الفطنة وزيدة الفهم وأنص على
المعتمد عليه في كل مسألة وأذكر من شبه المخالفين بما
عولوا عليها وأخص ما ذكره القاضي أبو زيد الدبوسي في تقويم
الأدلة بالايراد وأتكلم بما تزاح معه الشبهة وينحل معه
الاشكال بعون الله تعالى وأشير عند وصولي إلى المسائل
المشتهرة بين الفريقين إلى بعض المسائل التي تتفرع لتكون
عونا للناظر وحين أصل إلى باب القياس وما يتشعب منه من
وجوه الكلام ومأخذ الحجة وطريقة الأسئلة والأجوبة ووجوه
الأعتراض والأخذ الخصوم وتوقيف المجادلين على سواء الصراط
وطلب ملازمة حدود النظر وسلوك الجدد وترك الحيد ومجانبة
الزيغ والأخذ والمبين المحكم من مخاييل الظنيات وما تعلق
به الاصحاب بمحض الاشتباه في كثير من المسائل ووجه صحة ذلك
وفساده فسأشرح عند ذلك وأبسط زيادة بسط وشرح على حسب ما
يسمح به الخاطر ويجود به الوقت والله المعين على ذلك
والميسر له بمنه. |