مختصر التحرير شرح الكوكب المنير

فصل إذا خص نوع بالذكر مما لا يصح لمسكوت عنه فله مفهوم:
إذَا" "خُصَّ نَوْعٌ" مِنْ جِنْسٍ "بِالذِّكْرِ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا" أَيْ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ "مِمَّا1 لا يَصْلُحُ لِمَسْكُوتٍ2 عَنْهُ" "فَلَهُ" أَيْ فَلِذَلِكَ الذِّكْرِ "مَفْهُومٌ".
وَمِنْ3 ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {كَلاًّ إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 4 فَالْحِجَابُ عَذَابٌ فَلا يُحْجَبُ مِنْ لا يُعَذَّبُ، وَلَوْ حُجِبَ الْجَمِيعُ لَمْ يَكُنْ عَذَابًا5.
قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمَّا حَجَبَ 6أَعْدَاءَهُ تَجَلَّى لأَوْلِيَائِهِ حَتَّى رَأَوْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا حَجَبَ هَؤُلاءِ فِي السُّخْطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ7 فِي الرِّضَا8.
وَقَالَ أَيْضًا: فِي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِ وُجُوهِهِمْ.
ـــــــ
1 في ع: ما.
2 في ع ض: السكوت.
3 في ش: أي ومن.
4 الآية 15 من المطففين.
5 انظر: المسودة 364، المستصفى 2/192.
6 ساقطة من ش.
7 في ش: يرونه يوم القيامة.
8 أحكام القرآن للشافعي 1/40.

(3/512)


وَبِهَذِهِ الآيَةِ اسْتَدَلَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ1 وَغَيْرُهُ مِنْ الأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى الرُّؤْيَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَائِدَةٌ، وَلا حَسُنَتْ مَنْزِلَتُهُمْ بِحَجْبِهِمْ.
"وَإِذَا اقْتَضَى حَالٌ أَوْ" اقْتَضَى2 "لَفْظٌ عُمُومَ الْحُكْمِ لَوْ عَمَّ، فَتَخْصِيصُ بَعْضٍ بِالذِّكْرِ لَهُ مَفْهُومٌ" ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ3 وَغَيْرُهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا4} 5 وقَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} إلَى قَوْلِهِ {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ} 6.
"وَفِعْلُهُ" أَيْ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَهُ دَلِيلٌ كَدَلِيلِ الْخِطَابِ" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا7.
وَأَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ شَهْرٍ8؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَعْدٍ9 رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ10 وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
ـــــــ
1 الرد على الجهمية للإمام أحمد ص129.
2 ساقطة من ش.
3 المسودة ص364.
4 في ز ب: خلقنا تفضيلاً.
5 الآية 70 من الإسراء.
6 الآية 18 من الحج.
7 العدة 2/478.
8 حكاه الترمذي في سننه. "انظر عارضة الأحوذي 4/257".
9 هي أم سعد بن عبادة رضي الله عنها. "انظر ترجمتها في أسد الغابة 7/339".
10 عارضة الأحوذي 4/258.

(3/513)


أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ.
وَضَعَّفَ هَذِهِ الدَّلالَةَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا1 وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَ لِلْفعَلِ صِيغَةٌ تَعُمُّ وَلا تَخُصُّ2، فَضْلاً عَنْ أَنْ يُجْعَلَ لَهَا دَلِيلُ خِطَابٍ "وَدَلالَةُ الْمَفْهُومِ كُلُّهَا بِالالْتِزَامِ"3 بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْيَ فِي الْمَسْكُوتِ لازِمٌ لِلثُّبُوتِ4 فِي الْمَنْطُوقِ مُلازَمَةً ظَنِّيَّةً لا قَطْعِيَّةً.
ـــــــ
1 المسودة ص353.
2 في ش: للعقل صفة لا تخص ولا تعم. وفي ع: للفعل صفة تعم ولا تخص. وفي ز: للفعل صيغة لا تخص ولا تعم.
3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص271، منهاج العقول 1/317، نهاية السول 1/320.
4 في ع: لثبوت.

(3/514)