مختصر التحرير شرح الكوكب المنير
فصل: قوادح العلة
...
"فصل"
لَمَّا فَرَغْنَا مِنْ الْكَلامِ عَلَى الطُّرُقِ
الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلَّةِ1 شَرَعْنَا فِي ذِكْرِ مَا
يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ مُبْطِلاتِهَا، أَوْ2 مُبْطِلاتِ
غَيْرِهَا مِنْ الأَدِلَّةِ، وَيُعَبَّرُ3 عَنْ ذَلِكَ
تَارَةً بِالاعْتِرَاضَاتِ وَتَارَةً بِالْقَوَادِحِ.
وَ "الْقَوَادِحُ تَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ فِي
الْمُقَدِّمَاتِ، أَوْ الْمُعَارَضَاتِ فِي الْحُكْمِ".
قَالَ أَهْلُ الْجَدَلِ: الاعْتِرَاضَاتُ رَاجِعَةٌ إمَّا
إلَى مَنْعٍ فِي مُقَدِّمَةٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، أَوْ
مُعَارَضَةٍ فِي الْحُكْمِ. فَمَتَى حَصَلَ الْجَوَابُ
عَنْهَا فَقَدْ تَمَّ الدَّلِيلُ، وَلَمْ يَبْقَ
لِلْمُعْتَرِضِ مَجَالٌ، فَيَكُونُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ
الأَسْئِلَةِ4 بَاطِلاً فَلا يُسْمَعُ. وَقَالَ التَّاجُ
السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ5 مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ،
وَقَطَعَ بِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ6: إنَّهَا كُلَّهَا
تَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ؛ لأَنَّ الْكَلامَ إذَا كَانَ
مُجْمَلاً لا يَحْصُلُ
ـــــــ
1 في ش ز: العلة.
2 في ع: و.
3 في ع: ونعبر.
4 في ش: الأدلة.
5 ساقطة من ض.
6 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/330.
(4/229)
غَرَضُ
الْمُسْتَدِلِّ بِتَفْسِيرِهِ. فَالْمُطَالَبَةُ
بِتَفْسِيرِهِ تَسْتَلْزِمُ مَنْعَ تَحَقُّقِ الْوَصْفِ،
وَمَنْعَ لُزُومِ الْحُكْمِ عَنْهُ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى
شَيْئًا1 مِنْ الْقَوَادِحِ، وَقَالَ: إنَّ مَوْضِعَ2
ذِكْرِهَا عِلْمُ الْجَدَلِ3.
وَالذَّاكِرُونَ لَهَا يَقُولُونَ: إنَّهَا مِنْ
مُكَمِّلاتِ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مِنْ أُصُولِ
الْفِقْهِ، وَمُكَمِّلُ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ.
وَعِدَّةُ الْقَوَادِحِ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ4 وَابْنِ
مُفْلِحٍ وَالأَكْثَرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ قَادِحًا،
وَقِيلَ: اثْنَا5 عَشَرَ.
"وَمُقَدَّمُهَا" أَيْ الْقَوَادِحِ "الاسْتِفْسَارُ"6
أَيْ هُوَ طَلِيعَةٌ لَهَا كَطَلِيعَةِ الْجَيْشِ؛
لأَنَّهُ الْمُقَدَّمُ7 عَلَى كُلِّ اعْتِرَاضٍ،
وَإِنَّمَا كَانَ
ـــــــ
1 في ض: شيء.
2 في ز: مواضع.
3 غير أن الغزالي تناول القوادح وعقد لها باباً مستقلاً في
كتابه "المنخول" ص 401 وما بعدها.
4 منتهى السول والأمل ص192 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب مع
شرحه للعضد 2/257.
5 في ض: اثني.
6 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص
229، الإحكام للآمدي 4/92، مختصر الطوفي ص 166، تيسير
التحرير 4/114، روضة الناظر ص 339، مختصر البعلي ص 152،
منتهى السول والأمل ص 192، المحلي على جمع الجوامع وحاشية
البناني عليه 2/331".
7 في ز: المتقدم
(4/230)
مُقَدَّمًا؛
لأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَدْلُولُ اللَّفْظِ
اسْتَحَالَ تَوَجُّهُ الْمَنْعِ أَوْ1 الْمُعَارَضَةِ،
وَهُمَا مُرَادُ الاعْتِرَاضَاتِ2 كُلِّهَا.
وَقِيلَ: فِي كَوْنِهِ3 مِنْهَا نَظَرٌ؛ لأَنَّ
الاعْتِرَاضَاتِ خَدْشُ كَلامِ الْمُسْتَدِلِّ.
وَالاسْتِفْسَارُ لَيْسَ فِيهِ خَدْشٌ، بَلْ غَايَتُهُ:
أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ لِلْمُرَادِ4 مِنْ الْكَلامِ،
لأَنَّهُ5 اسْتِفْعَالٌ مِنْ" الْفَسْرِ "6 وَهُوَ لُغَةً
طَلَبُ الْكَشْفِ وَالإِظْهَارِ، وَمِنْهُ التَّفْسِيرُ7.
وَلِهَذَا عَرَّفُوهُ بِقَوْلِهِمْ"وَهُوَ طَلَبُ مَعْنَى
لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ لإِجْمَالِهِ أَوْ غَرَابَتِهِ"
وَإِنَّمَا يُسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَرِضِ إذَا كَانَ
فِي اللَّفْظِ إجْمَالٌ أَوْ غَرَابَةٌ، وَإِلاَّ فَهُوَ
تَعَنُّتٌ مُفَوِّتٌ لِفَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ، إذْ
يَأْتِي فِي كُلِّ لَفْظٍ يُفَسَّرُ بِهِ لَفْظٌ...
وَيَتَسَلْسَلُ.
"وَعَلَى الْمُعْتَرِضِ بَيَانُ احْتِمَالِهِ" أَيْ
احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ، حَتَّى8
يَكُونَ9 مُجْمَلاً، كَمَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ:
الْمُطَلَّقَةُ تَعْتَدُّ
ـــــــ
1 في ض: و.
2 ساقطة من ش.
3 في ع ز ب: كونها.
4 في ز: المراد.
5 في ش: لا أنه.
6 في ز: السفر.
7 انظر معاني الفَسْر والتفسير في "مقدمة جامع التفاسير
للراغب الأصبهاني ص 47، المفردات في غريب القرآن للراغب ص
380، المعتبر للزركشي ص 304، الإتقان للسيوطي 4/192، تفسير
النصوص في الفقه الإسلامي لأستاذنا الدكتور محمد أديب صالح
ص 59".
8 في ش: حتى لو.
9 في ش: كان.
(4/231)
بِالأَقْرَاءِ،
فَلَفْظُ "الأَقْرَاءِ" مُجْمَلٌ. فَيَقُولُ
الْمُعْتَرِضُ: مَا مُرَادُك بِالأَقْرَاءِ؟ فَإِذَا
قَالَ: الْحَيْضُ أَوْ الأَطْهَارُ1، أَجَابَ بِحَسَبِ
ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمٍ أَوْ مَنْعٍ.
"أَوْ" بَيَانُ "جِهَةِ الْغَرَابَةِ بِطَرِيقَةٍ" إمَّا
مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ2، كَقَوْلِهِ: لا يَحِلُّ
السِّبْدُ3، أَيْ الذِّئْبُ. وَكَمَا لَوْ قَالَ فِي
الْكَلْبِ الَّذِي لَمْ يُعَلَّمْ: خِرَاشٌ لَمْ يُبْلَ،
فَلا يُطْلِقُ فَرِيسَتَهُ كَالسِّبْدِ4.
وَمَعْنَى "لَمْ يُبْلَ": لَمْ يُخْتَبَرْ وَالْفَرِيسَةُ:
الصَّيْدُ، مِنْ فَرَسَ الأَسَدُ فَرِيسَةً5 إذَا دَقَّ
عُنُقَهَا، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ
قَتِيلٍ فَرِيساً6.
وَالسِّبْدُ الذِّئْبُ7 - وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ
وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ8
ـــــــ
1 في ش: الطهر.
2 في ش: المنع.
3 كذا في ض. وفي ش ع ب ز: السبد.
4 كذا في جميع النسخ. وهو تصحيف، والصواب: كالسيد.
5 في ش ع: فريسته.
6 في ش: فريسة.
7 ساقطة من ع ض ب.
8 كذا في جميع النسخ وهو تصحيف. والصواب كما في اللسان
والصحاح ومقاييس اللغة وغيرها: السيد. بكسر السين المهملة،
وسكون الياء المثناة التحتية، وهو الذئب. وفي لغة هذيل:
الأسد. "انظر اللسان 3/231، الصحاح 2/492، معجم مقاييس
اللغة 3/120".
(4/232)
وَالْخِرَاشُ:
الْكَلْبُ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَقَبْلَ الأَلِفِ
رَاءٌ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ.
وَأَمَّا بَيَانُ جِهَةِ الْغَرَابَةِ مِنْ حَيْثُ
الاصْطِلاحِ: كَمَا1 يُقَالُ فِي الْقِيَاسَاتِ
الْفِقْهِيَّةِ: لَفْظُ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ أَوْ
الْهَيُولَى، أَوْ الْمَادَّةُ أَوْ الْمَبْدَأُ2 أَوْ
الْغَايَةُ، نَحْوَ أَنْ يُقَالَ فِي شُهُودِ الْقَتْلِ
إذَا رَجَعُوا: لا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لأَنَّ وُجُوبَ3
الْقِصَاصِ تَجَرُّدٌ4 مَبْدَؤُهُ5 عَنْ غَايَةِ
مَقْصُودِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لا يَثْبُتَ6.
وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ اصْطِلاحِ
الْمُتَكَلِّمِينَ. إلاَّ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ حَالِ
خَصْمِهِ أَنَّهُ يَعْرِفُ ذَلِكَ، فَلا غَرَابَةَ
حِينَئِذٍ.
وَ "لا" يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ إذَا بَيَّنَ كَوْنَ
اللَّفْظِ مُحْتَمِلاً "بَيَانُ تَسَاوِي الاحْتِمَالاتِ"
لِعُسْرِهِ.
"وَلَوْ قَالَ" الْمُعْتَرِضُ "الأَصْلُ عَدَمُ مُرَجِّحٍ:
صَحَّ" يَعْنِي أَنَّهُ7 قَالَ: الأَصْلُ عَدَمُ رُجْحَانِ
بَعْضِ8 الاحْتِمَالاتِ عَنْ
ـــــــ
1 في ش: فكما في.
2 في ع: البدا. والمبدأ في اصطلاح الفلاسفة معناه: السبب.
"شرح العضد 2/259".
3 في ش: وجود.
4 في ز: يجرد.
5 في ش: مبدؤه.
6 في ش: تثبت.
7 في ش: أنه إن.
8 في ع: بعد.
(4/233)
بَعْضٍ، كَانَ
قَوْلُهُ1 ذَلِكَ صَحِيحًا. وَيَكُونُ ذَلِكَ تَبَرُّعًا
مِنْ الْمُعْتَرِضِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ
الاسْتِفْسَارِ، إمَّا "بِمَنْعِ احْتِمَالِهِ2" أَيْ
بِمَنْعِ إجْمَالِهِ "أَوْ" بِ "بَيَانِ ظُهُورِهِ" أَيْ
ظُهُورِ اللَّفْظِ "فِي مَقْصُودِهِ" أَيْ فِيمَا قَصَدَهُ
الْمُسْتَدِلُّ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي
مَقْصُودِي، وَيُبَيِّنَ ذَلِكَ:
"إمَّا بِنَقْلٍ مِنْ اللُّغَةِ" كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ
عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: الْوُضُوءُ قُرْبَةٌ، فَتَجِبُ
لَهُ النِّيَّةُ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: الْوُضُوءُ
يُطْلَقُ عَلَى النَّظَافَةِ، وَعَلَى الأَفْعَالِ
الْمَخْصُوصَةِ. فَمَا الَّذِي تُرِيدُ بِاَلَّذِي تَجِبُ
لَهُ النِّيَّةُ؟ فَيَقُولُ: حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ،
وَهِيَ الأَفْعَالُ الْمَخْصُوصَةُ.
"أَوْ عُرْفٍ" يَعْنِي3 أَوْ يُبَيِّنَ كَوْنَ لَفْظِهِ
ظَاهِرًا4 فِي مَقْصُودِهِ بِالْعُرْفِ، كَإِطْلاقِ
الدَّابَّةِ عَلَى ذَوَاتِ الأَرْبَعِ.
"أَوْ" يُبَيِّنَ كَوْنَ اللَّفْظِ ظَاهِرًا فِي
مَقْصُودِهِ بِمَا مَعَهُ مِنْ "قَرِينَةٍ" نَحْوَ
قَوْلِهِ: قُرْءٌ5 تَحْرُمُ فِيهِ الصَّلاةُ، فَيَحْرُمُ
فِيهِ الصَّوْمُ، فَإِنَّ قَرِينَةَ تَحْرِيمِ الصَّلاةِ
فِيهِ تَدُلُّ عَلَى6 أَنَّ7 الْمُرَادَ بِهِ الْحَيْضُ،
وَكَذَا لَوْ كَانَ
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 في ش: إجماله.
3 ساقطة من ز.
4 في ش ز: ظاهر.
5 في ع: قروء.
6 ساقطة من ش.
7 في ش: بأن.
(4/234)
اللَّفْظُ
غَرِيبًا وَدَلَّتْ قَرِينَةٌ مَعَهُ عَلَى الْمُرَادِ،
مِثْلَ قَوْلِهِ: طَلَّةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَلا
يَصِحُّ. فَالطَّلَّةُ: الْمَرْأَةُ، بِقَرِينَةِ
قَوْلِهِ: زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، لا صِفَةُ الْخَمْرِ.
"أَوْ" بِ1 "تَفْسِيرِهِ" يَعْنِي: أَوْ2 يَكُونُ جَوَابُ
الْمُعْتَرِضِ بِكَوْنِ اللَّفْظِ غَرِيبًا: تَفْسِيرَ
الْمُسْتَدِلِّ لِلَفْظِهِ "إنْ تَعَذَّرَ" عَلَيْهِ
"إبْطَالُ غَرَابَتِهِ" بِأَنْ يَقُولَ: مُرَادِي
الْمَعْنَى الْفُلانِيُّ لَكِنْ لا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَهُ
بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَإِنْ بَعُدَ، كَمَا
يَقُولُ3: يُخْرِجُ فِي الْفِطْرَةِ4 الْبُرَّ5،
وَيُفَسِّرُهُ بِالْقِطْعَةِ مِنْ الأَقِطِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ6 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَتَابَعَهُمَا
صَاحِبُ التَّحْرِيرِ "وَلَوْ قَالَ" أَيْ الْمُسْتَدِلُّ
"يَلْزَمُ ظُهُورُهُ 7" أَيْ8 ظُهُورُ اللَّفْظِ فِي
أَحَدِ9 الْمَعْنَيَيْنِ "دَفْعًا لِلإِجْمَالِ، وَفِيمَا
قَصَدْتُهُ لِعَدَمِ10 ظُهُورِهِ فِي
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ع ب.
3 في ش ع: تقول.
4 في ز: الفطر.
5 في ش: الثور. وفي ب: النذر.
6 منتهى السول والأمل ص 192، مختصر ابن الحاجب مع شرحه
للعضد 2/258.
7 في ب: من ظهوره.
8 في ع: أي من.
9 في ع ب: أحدهما أي.
10 في ش: بعدم.
(4/235)
الآخَرِ" أَيْ
فِي الْمَعْنَى الآخَرِ الَّذِي لَمْ أَقْصِدْهُ
"اتِّفَاقًا" أَيْ بِاتِّفَاقٍ مِنِّي وَمِنْك، فَيَكُونُ
ظَاهِرًا1 فِي مُرَادِي "كَفَى" ذَلِكَ بِنَاءً2 عَلَى
أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى.
وَلا يُعْتَدُّ بِتَفْسِيرِ الْمُسْتَدِلِّ بِشَيْءٍ لا
تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَعِبٌ. لَكِنْ3
هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ الَّذِي
يَطْلُبُ الْمُعْتَرِضُ تَفْسِيرَهُ ظَاهِرًا فِي
مَعْنَاهُ. فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا: فَالْحَزْمُ تَبْكِيتُ
الْمُعْتَرِضِ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: امْضِ فَتَعَلَّمْ
4ثُمَّ ارْجِعْ فَتَكَلَّمْ.
الثَّانِي: مِنْ الْقَوَادِحِ "فَسَادُ الاعْتِبَارِ"5.
وَهُوَ "مُخَالَفَةُ" الْقِيَاسِ "نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا"6
بِأَنْ يَعْتَرِضَ بِكَوْنِ الْقِيَاسِ فَاسِدًا
بِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِنَصٍّ، أَوْ مُخَالِفًا
لِلإِجْمَاعِ:
ـــــــ
1 في ش: مني ومنك.
2 ساقطة من ش.
3 في ع ب: لأن.
4 ساقطة من ش.
5 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص
230، المنهاج للباجي ص 179، نشر البنود 2/236، شرح العضد
2/259، الإحكام للآمدي 4/95، مختصر الطوفي ص 166، روضة
الناظر ص 339، مختصر البعلي ص 152، فواتح الرحموت 2/330،
الجدل لابن عقيل ص 64، اللمع ص 65، 66، الوصول إلى مسائل
الأصول 2/338، منتهى السول والأمل ص 192، المحلي على جمع
الجوامع وحاشية البناني عليه 2/324".
6 في ع: أي بأن.
(4/236)
- سَوَاءٌ
كَانَ النَّصُّ الْقُرْآنَ، كَمَا يُقَالُ فِي تَبْيِيتِ1
الصَّوْمِ: صَوْمٌ مَفْرُوضٌ، فَلا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ
النَّهَارِ كَالْقَضَاءِ، فَيُقَالُ: هَذَا فَاسِدُ
الاعْتِبَار2ِ لِمُخَالَفَةِ3 قَوْله تَعَالَى:
{وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} 4 فَإِنَّهُ يَدُلُّ5
عَلَى6 أَنَّ كُلَّ صَائِمٍ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ،
وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الصِّحَّةَ.
- أَوْ كَانَ النَّصُّ نَصَّ سُنَّةٍ، كَمَا يُقَالُ: لا
يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ؛ لأَنَّهُ يَشْتَمِلُ
عَلَى غَرَرٍ، فَلا يَصِحُّ كَالسَّلَمِ فِي
الْمُخْتَلِطِ. فَيُقَالُ: هَذَا فَاسِدُ الاعْتِبَارِ
لِمُخَالَفَةِ 7مَا فِي السُّنَّةِ8 "أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي
السَّلَمِ"7.
9وَأَمَّا مِثَالُ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ، فَكَقَوْلِ
حَنَفِيٍّ: "لا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ
امْرَأَتَهُ إذَا مَاتَتْ؛ لأَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ
إلَيْهَا كَالأَجْنَبِيَّةِ". فَيُقَالُ: هَذَا فَاسِدُ
الاعْتِبَارِ لِمُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ
ـــــــ
1 في ش: تبييت نية.
2 في ش: لاعتبار.
3 في ع: لمخالفته. وفي ش: مخالفة.
4 الآية 35 من الأحزاب.
5 في ب: فدل.
6 ساقطة من ز.
7 ساقطة من ش.
8 قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: "هذا لم يرو في الحديث،
وإنما هو من كلام بعض الفقهاء". "القياس لابن تيمية ص 21،
مجموع فتاوى ابن تيمية 20/ 529".
9 ساقطة من ش.
(4/237)
السُّكُوتِيِّ،
وَهُوَ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا1، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكَرْ.
وَفِي حُكْمِ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ لِلنَّصِّ أَوْ2
الإِجْمَاعِ: أَنْ تَكُونَ إحْدَى مُقَدِّمَاتِهِ هِيَ
الْمُخَالِفَةُ لِلنَّصِّ أَوْ الإِجْمَاعِ، وَيَدَّعِي
دُخُولَهُ3 فِي إطْلاقِ مُخَالَفَةِ النَّصِّ أَوْ
الإِجْمَاعِ.
وَفِي4 مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مِمَّا لا
يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ، كَإِلْحَاقِ
الْمُصَرَّاةِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْمَعِيبِ5 فِي حُكْمِ
الرَّدِّ وَعَدَمِهِ، وَوُجُوبِ بَدَلِ لَبَنِهَا
الْمَوْجُودِ فِي الضَّرْعِ؛ لأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ
مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ النَّصِّ الْوَارِدِ فِيهَا، أَوْ
كَانَ تَرْكِيبُهُ مُشْعِرًا بِنَقِيضِ الْمَطْلُوبِ.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ بِذَلِكَ؛ لأَنَّ
اعْتِبَارَ الْقِيَاسِ مَعَ النَّصِّ
ـــــــ
1 حيث روي عن أسماء بنت عميس قالت "غسّلت أنا وعلي فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم". أخرجه الشافعي في
مسنده والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن وعبد الرزاق
في مصنفه والدارقطني وغيرهم. قال الحافظ ابن حجر في
"التلخيص" بعد ما عزاه للبيهقي: "وإسناده حسن". "انظر
التلخيص الحبير 2/143، المستدرك 3/164، سنن البيهقي 3/396،
397، مصنف عبد الرزاق 3/410، ترتيب مسند الشافعي 1/206،
إرواء الغليل 3/162، سير أعلام النبلاء 2/128، سنن
الدارقطني 2/79".
2 في ع: و.
3 في ع: على دخوله.
4 ساقطة من ش.
5 في ع ب: العيب.
(4/238)
و1َالإِجْمَاعِ
اعْتِبَارٌ لَهُ مَعَ دَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ
اعْتِبَارٌ فَاسِدٌ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ2 فَإِنَّهُ أَخَّرَ
الاجْتِهَادَ عَنْ النَّصِّ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ وَجَوَابُ الْقَدْحِ بِفَسَادِ
الاعْتِبَارِ:
إمَّا "بِضَعْفِهِ" بِأَنْ يَمْنَعَ صِحَّةَ النَّصِّ
بِالطَّعْنِ فِي سَنَدِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: لا نُسَلِّمُ
صِحَّةَ تَغْسِيلِ عَلِيٍّ لِفَاطِمَةَ. وَإِنْ سَلِمَ
فَلا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ اُشْتُهِرَ، وَإِنْ سَلِمَ
فَلا نُسَلِّمُ أَنَّ الإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ حُجَّةٌ،
وَإِنْ سَلِمَ3. فَالْفَرْقُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ:
أَنَّ فَاطِمَةَ زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ4، فَالْمَوْتُ لا5 يَقْطَعُ
ـــــــ
1 في ع: أو.
2 وذلك عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إلى
اليمن قاضياً، فسأله: "كيف تقضي إذا عرض عليك قضاء؟ قال:
أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله.
قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله
صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق
رسول رسول الله لما يرضي رسول الله" . أخرجه أبو داود
والترمذي وأحمد والطيالسي والدارمي والطبراني والخطيب في
الفقيه والمتفقه وابن حزم في الإحكام وابن سعد في الطبقات
وابن عدي والعقيلي وغيرهم. "انظر تخريجه في المعتبر في
تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي وتعليقات الأستاذ
حمدي السلفي عليه ص 63-71، سلسلة الأحاديث الضعيفة
للألباني 2/273-286".
3 في ش: سلم فلا نسلمه.
4 لم نعثر على هذا الخبر في مدونات السنة بعد البحث
والتنقيب. وإن كان المعنى وارداً في حق السيدة عائشة رضي
الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث روى الترمذي
في المناقب عن عمّار بن ياسر أنه قال: "هي زوجته في الدنيا
والآخرة" قال الترمذي: يعني عائشة رضي الله عنها. ثم قال:
هذا حديث حسن. "عارضة الأحوذي 13/259".
5 في ش: لم.
(4/239)
النِّكَاحَ
بَيْنَهُمَا، بِخِلافِ غَيْرِهِمَا.
أَوْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ: لا نُسَلِّمُ
صِحَّةَ التَّرْخِيصِ فِي السَّلَمِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا
فَلا نُسَلِّمُ أَنَّ اللاَّمَ فِيهِ لِلاسْتِغْرَاقِ.
فَلا يَتَنَاوَلُ الْحَيَوَانَ، وَإِنْ صَحَّ السَّلَمُ
فِي غَيْرِهِ.
"أَوْ" بِ "مَنْعِ ظُهُورِهِ" أَيْ ظُهُورِ النَّصِّ،
بِأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ: لا نُسَلِّمُ
أَنَّ الآيَةَ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ بِدُونِ
تَبْيِيتِ النِّيَّةِ؛ لأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ،
وَقَيَّدْنَاهَا بِحَدِيثِ " لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ
يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ" .
"أَوْ" بِـ "تَأْوِيلِهِ" أَيْ تَأْوِيلِ النَّصِّ، بِأَنْ
يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ: إنَّ الآيَةَ دَلَّتْ
عَلَى ثَوَابِ الصَّائِمِ، وَإِنَّا لا نُسَلِّمُ أَنَّ
الْمُمْسِكَ بِدُونِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ صَائِمٌ، أَوْ
يَقُولَ1: إنَّ النَّصَّ الْمُعَارِضَ لِلْقِيَاسِ
مُؤَوَّلٌ بِدَلِيلٍ يُرَجِّحُهُ عَلَى الظَّاهِرِ.
"أَوْ" بِـ "الْقَوْلِ بِمُوجَبِهِ" بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا
أَقُولُ بِمُوجَبِ النَّصِّ، إلاَّ أَنَّ مَدْلُولَهُ لا
يُنَافِي قِيَاسِي، كَأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ
الصَّوْمِ: إنَّ الآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ
يُثَابُ وَأَنَا أَقُولُ بِمُوجَبِهِ. لَكِنَّهَا2 لا
تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ3 الْقَضَاءُ
وَالنِّزَاعُ فِيهِ!
ـــــــ
1 في ش: نقول.
2 في ش: و.
3 في ز: لا يلزم.
(4/240)
- "أَوْ" بِـ
"مُعَارَضَتِهِ" أَيْ مُعَارَضَةِ النَّصِّ "بِمِثْلِهِ"
أَيْ بِنَصٍّ مِثْلِهِ. فَيَسْلَمُ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ
لاعْتِضَادِهِ1 بِالنَّصِّ2 الْمُوَافِقِ لَهُ.
الثَّالِثُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "فَسَادُ الْوَضْعِ"3.
"وَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا تَلاهُ" أَيْ مِنْ فَسَادِ
الاعْتِبَارِ.
قَالَ الْجَدَلِيُّونَ فِي تَرْتِيبِ الأَسْئِلَةِ: إنَّ4
فَسَادَ الاعْتِبَارِ مُقَدَّمٌ عَلَى فَسَادِ الْوَضْعِ؛
لأَنَّ فَسَادَ الاعْتِبَارِ نَظَرٌ فِي فَسَادِ
الْقِيَاسِ5 مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَفَسَادُ الْوَضْعِ
أَخَصُّ6 لأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ
الْقِيَاسِ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى
أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ.
ـــــــ
1 في ش: باعتضاده.
2 في ع: بأن النص.
3 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المنهاج للباجي
ص 178، إرشاد الفحول ص 230، شرح العضد 2/260، الإحكام
للآمدي 4/96، كشف الأسرار 4/118، الكافية للجويني ص 148،
المغني للخبازي ص 317، المنخول ص 415، فتح الغفار 3/42،
مختصر الطوفي ص 166، أصول السرخسي 2/233، تيسير التحرير
4/145، روضة الناظر ص 340، التلويح على التوضيح 2/626،
البرهان2/1028، مختصر البعلي ص 153، فواتح الرحموت 2/346،
الوصول إلى مسائل الأصول 2/342، منتهى السول والأمل ص 192،
نشر البنود 2/233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني
عليه 2/321".
4 في ع: فإن.
5 ساقطة من ش.
6 في ع ز: أخص باعتبار.
(4/241)
وَمِمَّنْ
قَالَ إنَّ فَسَادَ الاعْتِبَارِ أَعَمُّ: الْهِنْدِيُّ
وَالتَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ1
وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ الْعَسْقَلانِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ فَسَادَ
الْوَضْعِ أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الاعْتِبَارِ؛ لأَنَّ
الْقِيَاسَ قَدْ يَكُونُ صَحِيحَ الْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ
اعْتِبَارُهُ فَاسِدًا بِالنَّظَرِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ،
فَكُلُّ2 فَسَادِ الْوَضْعِ3 فَسَادُ الاعْتِبَارِ وَلا
عَكْسَ.
وَهُوَ "كَوْنُ الْجَامِعِ" بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ
"ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي نَقِيضِ
الْحُكْمِ. كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ:
مَسْحٌ فَسُنَّ تَكْرَارُهُ كَاسْتِجْمَارٍ.
فَيُعْتَرَضُ" عَلَى الشَّافِعِيِّ "بِكَرَاهَةِ تَكْرَارِ
مَسْحِ الْخُفِّ".
قَالَ الطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا سُمِّيَ هَذَا
فَسَادَ الْوَضْعِ؛ لأَنَّ وَضْعَ الشَّيْءِ جَعْلُهُ فِي
مَحَلِّهِ عَلَى هَيْئَةٍ أَوْ كَيْفِيَّةٍ، فَإِذَا كَانَ
ذَلِكَ الْمَحَلُّ أَوْ تِلْكَ الْهَيْئَةُ لا تُنَاسِبُهُ
كَانَ وَضْعُهُ عَلَى خِلافِ الْحِكْمَةِ فَاسِدًا.
فَإِذَا اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ نَقِيضَ الْحُكْمِ
الْمُدَّعَى أَوْ خِلافَهُ: كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا
لِلْحِكْمَةِ، إذْ مِنْ شَأْنِ الْعِلَّةِ أَنْ تُنَاسِبَ
مَعْلُولَهَا لا أَنَّهَا تُخَالِفُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ
فَاسِدَ الْوَضْعِ بِهَذَا الاعْتِبَارِ.
ـــــــ
1 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/342.
2 في ش: فكان.
3 في ب: وضع.
(4/242)
وَمِنْ
أَمْثِلَةِ1 ذِي النَّصِّ: قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ:
الْهِرَّةُ سَبُعٌ ذُو نَابٍ، فَيَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا
كَالْكَلْبِ. فَيُقَالُ: السَّبُعِيَّةُ2 اعْتَبَرَهَا
الشَّارِعُ عِلَّةً لِلطَّهَارَةِ، حَيْثُ دُعِيَ إلَى
دَارٍ فِيهَا كَلْبٌ فَامْتَنَعَ. وَدُعِيَ إلَى أُخْرَى3
فِيهَا سِنَّوْرٌ، فَأَجَابَ. فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ:
"السِّنَّوْرُ سَبُعٌ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ4.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذِي الإِجْمَاعِ: قَوْلُ
الشَّافِعِيَّةِ: مَا فِي الْمَتْنِ...
5وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْهُ بِبَيَانِ6 الْمَانِعِ
لِتَعَرُّضِ7 الْمَسْحِ لِتَلَفِ8 الْخُفِّ.
وَسُؤَالُ فَسَادِ الْوَضْعِ نَقْضٌ خَاصٌّ لإِثْبَاتِهِ
نَقِيضَ الْحُكْمِ فَإِنْ9 ذَكَرَ الْمُعْتَرِضُ نَقِيضَ
الْحُكْمِ مَعَ أَصْلِهِ، فَقَالَ: لا يُسَنُّ تَكْرَارُ
مَسْحِ الرَّأْسِ كَالْخُفِّ فَهُوَ الْقَلْبُ. لَكِنْ
اخْتَلَفَ أَصْلُهُمَا.
ـــــــ
1 في ش: ذلك.
2 في ش: إن السبعية.
3 في ض: دار.
4 مسند الإمام أحمد 2/327، سنن البيهقي 1/249.
5 ساقطة من ع.
6 في ض: بيان.
7 في ز: لتعرضه.
8 في ب: بتلف.
9 في ش: فإذا.
(4/243)
"وَمِنْهُ"
أَيْ وَمِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ "كَوْنُ الدَّلِيلِ عَلَى
هَيْئَةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ لاعْتِبَارِهِ" أَيْ غَيْرَ
صَالِحَةٍ؛ لأَنْ يُعْتَبَرَ بِهَا الدَّلِيلُ "فِي
تَرْتِيبِ الْحُكْمِ".
وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِضِدِّ ذَلِكَ
الْحُكْمِ.
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِنَقِيضِ ذَلِكَ
الْحُكْمِ.
فَالأَوَّلُ "كَتَلَقِّي تَخْفِيفٍ مِنْ تَغْلِيظٍ
كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ: الْقَتْلُ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ، فَلا
يَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ كَبَقِيَّةِ الْكَبَائِرِ،
فَجِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ" فِي قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ1
"تُنَاسِبُ التَّغْلِيظَ".
"أَوْ2" كَتَلَقِّي "تَوْسِيعٍ مِنْ تَضْيِيقٍ3، كَ"
قَوْلِ4 الْمُسْتَدِلِّ "الزَّكَاةُ مَالٌ وَاجِبٌ
إرْفَاقًا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي
كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَدَفْعُ الْحَاجَةِ" فِي
قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "يَقْتَضِي الْفَوْرَ".
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ
"أَوْ إثْبَاتٍ" أَيْ أَنْ يُتَلَقَّى إثْبَاتٌ "مِنْ
نَفْيٍ، كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْمُعَاطَاةُ فِي
الْيَسِيرِ بَيْعٌ5 لَمْ
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ع.
3 في ض: تغليظ.
4 في ش: مقول.
5 في ش: في المعاطاة بيع يسير.
(4/244)
يُوجَدْ فِيهِ
سِوَى الرِّضَا، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ كَغَيْرِهِ.
"فَالرِّضَا" فِي قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "يُنَاسِبُ
الانْعِقَادَ".
وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا فَسَادَ الْوَضْعِ؛ لأَنَّ
وَضْعَ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَيْئَةٍ صَالِحَةٍ؛
لأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ
إثْبَاتُهُ. فَمَتَى خَلا عَنْ1 ذَلِكَ فَسَدَ وَضْعُهُ.
"وَجَوَابُهُمَا" أَيْ جَوَابُ النَّوْعَيْنِ
الْمَذْكُورَيْنِ "بِتَقْرِيرِ2 كَوْنِهِمَا كَذَلِكَ"
أَيْ بِتَقْرِيرِ3 كَوْنِ الدَّلِيلِ صَالِحًا
لاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، كَأَنْ
يَكُونَ لِلدَّلِيلِ4 جِهَتَانِ، يَنْظُرُ الْمُسْتَدِلُّ
فِيهِ مِنْ إحْدَاهُمَا5، وَالْمُعْتَرِضُ مِنْ الأُخْرَى،
كَالارْتِفَاقِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ فِي مَسْأَلَةِ
الزَّكَاةِ.
وَيُجَابُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ: بِأَنْ
غُلِّظَ فِيهِ بِالْقِصَاصِ6 فَلا يُغَلَّظُ فِيهِ
بِالْكَفَّارَةِ.
وَيُجَابُ عَنْ الْمُعَاطَاةِ بِأَنَّ عَدَمَ الانْعِقَادِ
بِهَا مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ الصِّيغَةِ، لا عَلَى
الرِّضَى.
ـــــــ
1 في ش: من.
2 في ش: بتقدير.
3 في ش: بتقدير.
4 في ع ب: للدليل عليه.
5 في ع ب: أحدهما.
6 في ز ض: القصاص.
(4/245)
الرَّابِعُ :
مِنْ الْقَوَادِحِ: "مَنْعُ حُكْمِ الأَصْلِ"1.
أَيْ مَنْعُ الْمُعْتَرِضِ حُكْمَ أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ.
كَأَنْ يَقُولَ حَنْبَلِيٌّ: الْخَلُّ مَائِعٌ لا يَرْفَعُ
الْحَدَثَ، فَلا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ كَالدُّهْنِ.
فَيَقُولَ حَنَفِيٌّ: لا أُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِي
الأَصْلِ، فَإِنَّ الدُّهْنَ عِنْدِي يُزِيلُ
النَّجَاسَةَ، فَهَلْ يُسْمَعُ مِنْهُ مَنْعُ حُكْمِ
الأَصْلِ أَمْ لا؟
فَالْجُمْهُورُ قَالُوا "يُسْمَعُ".
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: لا يُسْمَعُ
أَصْلاً2.
"وَ3" عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ "لا ي4َنْقَطِعُ"
الْمُسْتَدِلُّ "بِمُجَرَّدِهِ"
ـــــــ
1 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الجدل لابن عقيل
ص 47، المنهاج للباجي ص 163، منتهى السول والأمل ص 193،
إرشاد الفحول ص 230، كشف الأسرار 4/112، أصول الشاشي مع
عمدة الحواشي ص 343، المغني للخبازي ص 316، مفتاح الوصول ص
156، المنخول ص 401، فتح الغفار 3/41، المسودة ص 401،
مختصر الطوفي ص 166، تيسير التحرير 4/127، روضة الناظر ص
340، البرهان 2/968، مختصر البعلي ص 153، فواتح الرحموت
2/332، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/326،
شرح العضد 2/261، الإحكام للآمدي 4/98".
2 حكاية المصنف القول عن أبي إسحاق الشيرازي بأنه لا يسمع
هذا المنع من المعترض أصلاً فيها نظر، إذ المسطور في كتابي
الشيرازي الذين أفاض فيهما الكلام عن القوادح "الملخص في
الجدل" ومختصره "المعونة" في مثل هذه الحالة هو السماع.
فتأمل! "انظر الملخص في الجدل ق 54/ب وما بعدها، المحلي
على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/327".
3 ساقطة من ش.
4 في ش: ولا.
(4/246)
أَيْ
بِمُجَرَّدِ مَنْعِ حُكْمِ الأَصْلِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
وَالأَكْثَرِ؛ لأَنَّهُ مَنْعُ1 مُقَدِّمَةٍ مِنْ
مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ. "فَيَدُلُّ عَلَيْهِ" يَعْنِي
أَنَّ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَدُلَّ عَلَى إثْبَاتِ أَصْلٍ
يَقِيسُ2 عَلَيْهِ"كَمَنْعِ الْعِلَّةِ، أَوْ وُجُودِهَا"
يَعْنِي كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِمَنْعِ
الْعِلَّةِ أَوْ وُجُودِهَا، فَإِنَّهُ3 لا يَنْقَطِعُ
بِذَلِكَ. وَلَهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ.
وَقِيلَ: لا يَنْقَطِعُ، إلاَّ إذَا كَانَ الْمَنْعُ
ظَاهِرًا يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
"فَـ" عَلَى الأَوَّلِ "إنْ دَلَّ" الْمُسْتَدِلُّ عَلَى
إثْبَاتِ حُكْمِ الأَصْلِ "لَمْ يَنْقَطِعْ الْمُعْتَرِضُ"
عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ "فَلَهُ" أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ
"الاعْتِرَاضُ" عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ
بِهِ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الأَصْلِ
بِطَرِيقِهِ، إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ صُورَةِ
دَلِيلٍ4 صِحَّتُهُ.
"وَلَيْسَ" اعْتِرَاضُهُ5 عَلَى دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ
"بِخَارِجٍ عَنْ الْمَقْصُودِ، فَيَتَوَجَّهُ لَهُ" أَيْ
لِلْمُعْتَرِضِ6 "سَبْعُ مَنُوعٍ مُرَتَّبَةٍ7"
ـــــــ
1 في ز: يمنع.
2 في ع ز: مقيس.
3 في ع: فله أن.
4 في ش: دليله.
5 في ع: اعتراضهم.
6 ساقطة من ض ب.
7 أي كل منها مرتب على تسليم ما قبله. "حاشية البناني
2/327".
(4/247)
ثَلاثَةٌ
تَتَعَلَّقُ بِالأَصْلِ، وَثَلاثَةٌ تَتَعَلَّقُ
بِالْعِلَّةِ، وَوَاحِدٌ يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ.
فَيُقَالُ فِي الإِثْبَاتِ بِمَنُوعٍ مُرَتَّبَةٍ: لا
نُسَلِّمُ حُكْمَ الأَصْلِ.
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِمَّا يُقَاسُ
فِيهِ. لِمَ لا يَكُونُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ
الْقِيَاسِ فِيهِ؟
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ؛
لِمَ لا يُقَالُ: إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ؟.
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ
عِلَّتُهُ1؛ لِمَ لا يُقَالُ: إنَّ الْعِلَّةَ غَيْرُهُ؟
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْوَصْفِ فِي
الأَصْلِ.
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّ2 هَذَا الْوَصْفَ
مُتَعَدٍّ؛ لِمَ لا يُقَالُ: إنَّهُ قَاصِرٌ؟.
سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِي3
الْفَرْعِ.
وَظَاهِرُ إيرَادِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وُجُوبُهُ،
لِمُنَاسَبَةِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ4 الطَّبِيعِيِّ.
فَيُقَدَّمُ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَصْلِ مِنْ
مَنْعِ حُكْمِهِ، أَوْ كَوْنِهِ مِمَّا لا يُقَاسُ
عَلَيْهِ، أَوْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّلٍ، ثُمَّ مَا
ـــــــ
1 في ش ع: علة.
2 في ش: أن هذا.
3 في ع: وجود.
4 في ض: للترتيب.
(4/248)
يَتَعَلَّقُ
بِالْعِلَّةِ؛ لأَنَّهَا فَرْعُهُ، لاسْتِنْبَاطِهَا
مِنْهُ مِنْ مَنْعِ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَصْفِ عِلَّةً، أَوْ
مَنْعِ وُجُودِهِ فِي الأَصْلِ، أَوْ مَنْعِ كَوْنِهِ
مُتَعَدِّيًا، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ
لابْتِنَائِهِ عَلَيْهِمَا1. كَمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ
الْمُدَّعَى عِلِّيَّتُهُ2 فِي الْفَرْعِ.
وَجَوَابُ هَذِهِ الاعْتِرَاضَاتِ بِدَفْعِ مَا يُرَادُ
دَفْعُهُ مِنْهَا بِطَرِيقِهِ الْمَفْهُومَةِ3.
"وَإِنْ اعْتَرَضَ" الْمُعْتَرِضُ "عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ
بِ" قَوْلِهِ "إنِّي لا أَعْرِفُ مَذْهَبِي فِيهِ" أَيْ
فِي الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "فَإِنْ أَمْكَنَ
الْمُسْتَدِلَّ بَيَانُهُ" بَيَّنَهُ "وَإِلاَّ 4" أَيْ5
وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بَيَانُهُ "دَلَّ" أَيْ أَقَامَ
الدَّلِيلَ "عَلَى إثْبَاتِهِ" قَالَهُ6 ابْنُ عَقِيلٍ فِي
الْوَاضِحِ.
"وَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِدَلِيلٍ عِنْدَهُ
فَقَطْ" أَيْ دُونَ الْمُعْتَرِضِ "كَمَفْهُومٍ وَقِيَاسٍ
فَإِنْ اعْتَرَضَ" بِأَنْ7 مَنَعَهُ خَصْمُهُ "دَلَّ
عَلَيْهِ" الْمُسْتَدِلُّ "وَلَمْ يَنْقَطِعْ" بِذَلِكَ.
ـــــــ
1 في ش: عليها.
2 في ش: عليه.
3 في ع: بطريق. وفي ض: بطريقته.
4 في ش: دالاً.
5 ساقطة من ش.
6 في ش: قال.
7 في ع: أي بأن.
(4/249)
"وَلَيْسَ
لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يُلْزِمَهُ" أَيْ يُلْزِمَ
الْمُسْتَدِلَّ "مَا يَعْتَقِدُهُ هُوَ" أَيْ
الْمُعْتَرِضُ "وَلا أَنْ يَقُولَ" الْمُعْتَرِضُ
لِلْمُسْتَدِلِّ "إنْ سَلَّمْت" مَا أَعْتَقِدُهُ
"وَإِلاَّ دَلَّلْت عَلَيْهِ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا
وَالشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ: لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ
يَحْتَجَّ بِدَلِيلٍ عِنْدَهُ فَقَطْ، كَمَفْهُومٍ
وَقِيَاسٍ. فَإِنْ مَنَعَهُ خَصْمُهُ دَلَّ عَلَيْهِ
وَلَمْ يَنْقَطِعْ1 خِلافًا لأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ
الشَّافِعِيِّ، إنْ كَانَ الأَصْلُ خَفِيًّا2.
وَأَطْلَقَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ الْمَنْعَ
عَنْ قَوْمٍ.
وَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يُلْزِمَهُ مَا يَعْتَقِدُهُ
هُوَ فَقَطْ، وَلا أَنْ يَقُولَ: إنْ سَلَّمْته وَإِلاَّ
دَلَّلْت عَلَيْهِ، خِلافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ: لأَنَّهُ بِالْمُعَارَضَةِ كَالْمُسْتَدِلِّ.
وَعَنَى بِهِ إلْكِيَا.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - وَعَنَى بِهِ الشَّيْخَ
تَقِيَّ الدِّينِ - لا يَنْقَطِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
فَيَكُونُ الاسْتِدْلال فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي
الْمُعَارِضِ3 اهـ.
الْخَامِسُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "التَّقْسِيمُ"4.
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 في ع: خفي.
3 في ز: التعارض.
4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المسودة ص 426،
مختصر الطوفي =
(4/250)
وَهُوَ
"احْتِمَالُ لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ لأَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ
عَلَى السَّوَاءِ بَعْضُهَا" أَيْ بَعْضُ الاحْتِمَالاتِ،
أَوْ الاحْتِمَالَيْنِ "مَمْنُوعٌ" وَذَلِكَ الْمَمْنُوعُ
هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَإِلاَّ لَمْ
يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ مَعْنًى.
"وَهُوَ" أَيْ الْقَدَحُ بِذَلِكَ "وَارِدٌ" عِنْدَنَا
وَعِنْدَ الأَكْثَرِ.
"وَبَيَانُهُ" أَيْ بَيَانُ1 كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ
الْمُسْتَدِلُّ مَمْنُوعًا "عَلَى الْمُعْتَرِضِ" وَذَلِكَ
"كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الصَّحِيحُ فِي الْحَضَرِ
وَجَدَ2 السَّبَبَ3 بِتَعَذُّرِ الْمَاءِ" عَلَيْهِ4
"فَجَازَ" لَهُ "أَنْ يَتَيَمَّمَ".
"فَيَقُولَ" الْمُعْتَرِضُ "السَّبَبُ" الْمُبِيحُ
لِلتَّيَمُّمِ "تَعَذُّرُهُ5" أَيْ تَعَذُّرُ الْمَاءِ
"مُطْلَقًا، أَوْ" تَعَذُّرُهُ "فِي سَفَرٍ، أَوْ"
تَعَذُّرُهُ فِي "مَرَضٍ".
"فَالأَوَّلُ6" الَّذِي هُوَ تَعَذُّرُهُ مُطْلَقًا
"مَمْنُوعٌ، فَهُوَ مَنْعٌ بَعْدَ تَقْسِيمٍ" وَجَوَابُهُ
كَالاسْتِفْسَارِ7.
ـــــــ
= ص 167، الكافية للجويني ص 394، المنهاج للباجي ص 210،
روضة الناظر ص 341، الإحكام للآمدي 4/102، مختصرالبعلي ص
153، إرشاد الفحول ص 231، نشر البنود 2/241، المحلي على
جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/333، منتهى السول
والأمل ص 193، شرح العضد 2/262".
1 في ز: وبيان.
2 في ش: وحدّ.
3 في ش: السفر.
4 في ش: علة.
5 في ع: بتعذره.
6 في ش: الأول.
7 ساقطة من ش. وفي ض: وجوابه كاستفسار.
(4/251)
قَالَ ابْنُ
الْعِرَاقِيِّ: وَقَوْلُنَا " عَلَى السَّوَاءِ "؛
لأَنَّهُ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا لَوَجَبَ
تَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ.
وَمِثَالُهُ فِي أَكْثَرِ مِنْ اثْنَيْنِ لَوْ قِيلَ:
امْرَأَةٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ يَصِحُّ1 مِنْهَا
النِّكَاحُ كَالرَّجُلِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إمَّا
بِمَعْنَى أَنَّ لَهَا تَجْرِبَةً، أَوْ أَنَّ لَهَا
حُسْنَ رَأْيٍ وَتَدْبِيرٍ، أَوْ أَنَّ لَهَا عَقْلاً
غَرِيزِيًّا. فَالأَوَّلُ وَالثَّانِي: مَمْنُوعَانِ.
وَالثَّالِثُ: مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لا يَكْفِي؛ لأَنَّ
الصَّغِيرَةَ لَهَا عَقْلٌ غَرِيزِيٌّ2، وَلا يَصِحُّ
مِنْهَا النِّكَاحُ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَبُولِ هَذَا السُّؤَالِ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ3، لَكِنْ بَعْدَ مَا
يُبَيِّنُ4 الْمُعْتَرِضُ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ سُؤَالَ الاسْتِفْسَارِ
يُغْنِي عَنْهُ، فَلا حَاجَةَ إلَيْهِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ5 هَذَا الاعْتِرَاضِ
"كَالاسْتِفْسَارِ" أَنْ6 يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ7:
لَفْظِي الَّذِي ذَكَرْته مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى
الَّذِي
ـــــــ
1 في ض: صح.
2 في ش: غريزة.
3 في ز: قبل.
4 في ز: بين.
5 في ز ب: وجواب.
6 في ش ض: بأن.
7 في ز ب: للمستدل.
(4/252)
يُؤَدِّي
لِلدَّلالَةِ1، وَالدَّالُّ2 عَلَى حَمْلِهِ عَلَى
ذَلِكَ3: اللُّغَةُ أَوْ الْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ، أَوْ
الْعُرْفُ الْعَامُّ، أَوْ كَوْنُهُ مَجَازًا رَاجِحًا
بِعُرْفِ الاسْتِعْمَالِ، أَوْ بِكَوْنِ4 أَحَدِ
الاحْتِمَالاتِ ظَاهِرًا5 بِسَبَبِ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ
مِنْ الْقَرِينَةِ مِنْ لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ، إنْ كَانَ
هُنَاكَ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ أَوْ
عَقْلِيَّةٌ بِحَيْثُ لا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لُغَةً
وَلا عُرْفًا.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ ذَكَرَ
الْمُعْتَرِضُ احْتِمَالَيْنِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِمَا
لَفْظُ الْمُسْتَدِلِّ، كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: وُجِدَ
سَبَبُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ، فَيَقُولُ
الْمُعْتَرِضُ6: مَتَى مَنَعَ7 مَانِعُ الالْتِجَاءِ إلَى
الْحَرَمِ8، أَوْ عَدَمُهُ ؟، الأَوَّلُ مَمْنُوعٌ.
فَإِنْ أَوْرَدَهُ عَلَى9 لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ لَمْ
يُقْبَلْ لِعَدَمِ تَرَدُّدِ لَفْظِ السَّبَبِ بَيْنَ
الاحْتِمَالَيْنِ10. وَإِنْ أَوْرَدَهُ عَلَى دَعْوَاهُ
الْمُلازَمَةَ11 بَيْنَ
ـــــــ
1 في ش: الدلالة.
2 في ع: أو الدال. وفي ش: والدال علي.
3 في ع: تلك.
4 في ع: بكونه. وفي ش ب: يكون.
5 في ش ز: ظاهر.
6 ساقطة من ش ع ز ض ب.
7 في ش: مع.
8 في ض: الحرام.
9 في ش: على علتي.
10 في ز: احتمالين.
11 في ش: اللازمة.
(4/253)
الْحُكْمِ
وَدَلِيلِهِ فَهُوَ مُطَالَبَةٌ بِنَفْيِ الْمَانِعِ، وَلا
يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ. فَإِنْ اسْتَدَلَّ الْمُعْتَرِضُ
مَعَ1 ذَلِكَ عَلَى وُجُودِ الْمُعَارِضِ فَيُعَارِضُهُ.
السَّادِسُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "مَنْعُ وُجُودِ
الْمُدَّعَى عِلَّةً فِي الأَصْلِ"2.
وَذَلِكَ "كَ" قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ "الْكَلْبُ حَيَوَانٌ
يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا فَلا يَطْهُرُ" جِلْدُهُ
"بِدَبْغٍ كَ" جِلْدِ "خِنْزِيرٍ فَيُمْنَعُ3" بِأَنْ
يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْخِنْزِيرَ
يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الاعْتِرَاضِ
"بِبَيَانِهِ4" أَيْ بِبَيَانِ5 وُجُودِ الْوَصْفِ فِي
الأَصْلِ بِأَحَدِ مَسَالِكِهَا6 "بِدَلِيلٍ" أَيْ بِمَا
هُوَ طَرِيقُ ثُبُوتِ7 مِثْلِهِ "مِنْ عَقْلٍ" إنْ كَانَ
عَقْلِيًّا "أَوْ حِسٍّ" إنْ كَانَ حِسِّيًّا "أَوْ
شَرْعٍ" إنْ كَانَ شَرْعِيًّا "بِحَسَبِ حَالِ الْوَصْفِ".
ـــــــ
1 في ع: منع.
2 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المنخول ص 401،
فتح الغفار 3/41، المعتمد 2/771، مفتاح الوصول للتلمساني ص
156، المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 166، البرهان
2/968، روضة الناظر ص 340، الإحكام للآمدي 4/107، فواتح
الرحموت 2/334، مختصر البعلي ص 153، الجدل على طريقة
الفقهاء لابن عقيل ص 49، إرشاد الفحول ص 231، منتهى السول
والأمل ص 194، شرح العضد 2/263".
3 في ع: فيمتنع.
4 في ع: بيانه.
5 في ش: ببيان.
6 ساقطة من ش ز.
7 في ش: ثبوت طريق.
(4/254)
مِثَالٌ
يَجْمَعُ1 الثَّلاثَةَ، إذَا قَالَ فِي الْقَتْلِ
بِالْمُثَقَّلِ: قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوَانٌ، فَلَوْ قَالَ:
لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَتْلٌ. قَالَ: بِالْحِسِّ، وَلَوْ
قِيلَ2: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عَمْدٌ. قَالَ: مَعْلُومٌ
عَقْلاً بِأَمَارَتِهِ، وَلَوْ قِيلَ3: لا نُسَلِّمُ
أَنَّهُ عُدْوَانٌ. قَالَ: لأَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَهُ.
"وَلَهُ" أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ "تَفْسِيرُ لَفْظِهِ
بِمُحْتَمَلٍ" أَيْ بِمَعْنًى مُحْتَمَلٍ.
السَّابِعُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "مَنْعُ كَوْنِهِ" أَيْ
كَوْنِ الْوَصْفِ "عِلَّةً" وَالْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ
ذَلِكَ4.
قَالَ الآمِدِيُّ5 وَمَنْ تَبِعَهُ6: هُوَ "أَعْظَمُ
الأَسْئِلَةِ" لِعُمُومِ وُرُودِهِ وَتَشَعُّبِ
مَسَالِكِهِ.
"وَيُقْبَلُ" لِئَلاَّ يَحْتَجَّ الْمُسْتَدِلُّ بِكُلِّ
طَرْدٍ، وَهُوَ لَعِبٌ؛ وَلأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ دَلِيلِ
الْقِيَاسِ.
ـــــــ
1 في ش: جمع.
2 في ع ب: قال. وفي ش: لم يقل.
3 في ش: لم يقل.
4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المنخول ص 401،
فتح الغفار 3/41، مفتاح الوصول ص 157، المنهاج للباجي ص
168، البرهان 2/970، روضة الناظر ص 340، فواتح الرحموت
2/334، إرشاد الفحول ص 231، المحلي على جمع الجوامع وحاشية
البناني عليه 2/325، منتهى السول والأمل ص 194، شرح العضد
2/263".
5 الإحكام في أصول الأحكام 4/109.
6 انظر شرح العضد 2/263، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص
194.
(4/255)
خُولِفَ فِي
مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ1، أَوْ أَفَادَ الظَّنَّ.
وَلَيْسَ الْقِيَاسُ رَدَّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ بِأَيِّ2
جَامِعٍ كَانَ، بَلْ بِجَامِعٍ مَظْنُونٍ، وَلَيْسَ عَجْزُ
الْمُعَارِضِ عَنْ إبْطَالِهَا دَلِيلَ صِحَّتِهَا
لِلُزُومِ صِحَّةِ كُلِّ صُورَةِ دَلِيلٍ لِعَجْزِهِ.
فَهَذَا السُّؤَالُ يَعُمُّ كُلَّ مَا يُدَّعَى أَنَّهُ
عِلَّةٌ.
وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ:
سُؤَالُ الْمُطَالَبَةِ3، وَحَيْثُ أُطْلِقَتْ
الْمُطَالَبَةُ4 فَلا يُقْصَدُ5 فِي الْعُرْفِ سِوَى
ذَلِكَ، وَمَتَى أُرِيدَ غَيْرُهُ ذُكِرَ مُقَيَّدًا،
فَيُقَالُ: الْمُطَالَبَةُ بِكَذَا.
وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ لأَدَّى الْحَالُ إلَى اللَّعِبِ فِي
التَّمَسُّكِ بِكُلِّ طَرْدٍ مِنْ الأَوْصَافِ، كَالطُّولِ
وَالْقِصَرِ. فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَأْمَنُ الْمَنْعَ،
وَيَتَعَلَّقُ بِمَا شَاءَ مِنْ الأَوْصَافِ6.
وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ رَدُّ فَرْعٍ
إلَى أَصْلٍ بِجَامِعٍ. وَقَدْ وُجِدَ. فَفِيمَ7
الْمَنْعُ؟
ـــــــ
1 في ز: أصحابه.
2 في ش: بأي صحة كل صورة.
3 انظر المسودة ص 429، مختصر الطوفي ص 167، روضة الناظر ص
342، مختصر البعلي ص 154.
4 ساقطة من ض.
5 في ز: يصدق.
6 في ش: الأصاف.
7 في ض: تقسيم.
(4/256)
وَرَدُّهُ:
أَنَّ ذَلِكَ مَظْنُونُ الصِّحَّةِ، وَالْوَصْفُ
الطَّرْدِيُّ مَظْنُونُ الْفَسَادِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ مَنْعِ كَوْنِ الْوَصْفِ
عِلَّةً "بِبَيَانِهِ1 بِأَحَدِ مَسَالِكِهَا" أَيْ
بِأَنْ2 يُثْبِتَ الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّةَ3 الْوَصْفِ
بِأَحَدِ الطُّرُقِ الْمُفِيدَةِ لِلْعِلَّةِ، مِنْ
إجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ مُنَاسَبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ.
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَكُلُّ4 مَسْلَكٍ
تَمَسَّكَ بِهَا5 فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا هُوَ شَرْطُهُ،
أَيْ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الأَسْئِلَةِ الْمَخْصُوصَةِ
بِهِ. وَقَدْ نَبَّهَ - أَيْ6 ابْنُ الْحَاجِبِ -
هَاهُنَا7 عَلَى اعْتِرَاضَاتِ الأَدِلَّةِ الأُخْرَى
بِتَبَعِيَّةِ8 اعْتِرَاضَاتِ الْقِيَاسِ عَلَى سَبِيلِ
الإِيجَازِ، وَلا بَأْسَ أَنْ9 نَبْسُطَ فِيهِ الْكَلامَ
بَعْضَ الْبَسْطِ10؛ لأَنَّ الْبَحْثَ كَمَا يَقَعُ فِي11
ـــــــ
1 في ش: باثباته.
2 في ض: بما.
3 في ض: علة.
4 في شرح العضد: فكل.
5 في ش: به.
6 ساقطة من ع ز ض ب.
7 في ض: هنا.
8 كذا في شرح العضد. وفي ع ز: تبعه. وفي ب: متبعه. وفي ش:
نتبعه.
9 في ش: بأن.
10 ساقطة من ع ض.
11 في ض: فيه.
(4/257)
الْقِيَاسِ
يَقَعُ فِي سَائِرِ الأَدِلَّةِ. وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ نَافِعَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. فَنَقُولُ:
الأَسْئِلَةُ بِحَسَبِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ
الإِجْمَاعِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَتَخْرِيجُ
الْمَنَاطِ: أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ:
الصِّنْفُ الأَوَّلُ: عَلَى الإِجْمَاعِ، وَلَمْ
يَذْكُرْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِقِلَّتِهِ. وَمِثَالُهُ:
مَا قَالَتْ1 الْحَنَفِيَّةُ فِي وَطْءِ الثَّيِّبِ:
الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ الرَّدُّ مَجَّانًا.
فَإِنَّ عُمَرَ وَزَيْدًا أَوْجَبَا نِصْفَ عُشْرِ
الْقِيمَةِ، وَفِي الْبِكْرِ عُشْرَهَا، وَعَلِيُّ مَنَعَ
الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ فِي
دَلالَتِهِ وَفِي نَقْلِهِ، وَلَوْلا أَحَدُهُمَا لَمَا
تُصَوِّرَ فِي مَحَلِّ2 الْخِلافِ.
وَالاعْتِرَاضُ عَلَى3 وُجُوهٍ:
الأَوَّلُ : مَنْعُ وُجُودِ الإِجْمَاعِ لِصَرِيحِ
الْمُخَالَفَةِ، أَوْ مَنْعُ دَلالَةِ السُّكُوتِ عَلَى
الْمُوَافَقَةِ.
الثَّانِي : الطَّعْنُ فِي السَّنَدِ، بِأَنْ نَقَلَهُ
فُلانٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ إنْ أَمْكَنَهُ.
الثَّالِثُ : الْمُعَارَضَةُ، وَلا تَجُوزُ4 بِالْقِيَاسِ،
مِثْلَ: الْعَيْبُ
ـــــــ
1 في ز وشرح العضد: قال.
2 في ش: نقل.
3 في شرح العضد: عليه من.
4 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: يجوز.
(4/258)
1يُثْبِتُ
الرَّدَّ، وَتَثْبُتُ2 عِلِّيَّةُ الْعَيْبِ لِلرَّدِّ
بِالْمُنَاسَبَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلا بِخَبَرٍ3
وَاحِدٍ4، إلاَّ إذَا كَانَتْ دَلالَتُهُ5 قَاطِعَةً6،
وَلَكِنْ7 بِإِجْمَاعٍ آخَرَ أَوْ بِمُتَوَاتِرٍ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ. كَمَا
إذَا اُسْتُدِلَّ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْغَائِبِ
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ8}
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ كُلِّ بَيْعٍ.
وَالاعْتِرَاضُ عَلَى وُجُوهٍ9:
الأَوَّلُ : الاسْتِفْسَارُ. وَقَدْ عَرَّفْتَهُ.
الثَّانِي : مَنْعُ ظُهُورِهِ فِي الدَّلالَةِ، فَإِنَّهُ
خَرَجَ صُوَرٌ10 لا تُحْصَى11، أَوْ12 لا نُسَلِّمُ أَنَّ
اللاَّمَ لِلْعُمُومِ، فَإِنَّهُ يَجِيءُ
ـــــــ
1 في شرح العضد: يثبته ويثبته.
2 في ب ش ع: ويثبت.
3 في ض: يجبر.
4 في ش: الواحد.
5 في ض: ولايته.
6 في شرح العضد: قطعية.
7 ساقطة من ز.
8 الآية 275 من البقرة.
9 في شرح العضد: عليه بوجوه.
10 في ش: صوراً.
11 في د ع: لا تحصر. وفي ض: لا يحصر.
12 في د ض: ولا.
(4/259)
لِلْعُمُومِ1
وَالْخُصُوصِ2.
الثَّالِثُ : التَّأْوِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ
ظَاهِرًا فِيمَا ذَكَرْت - لَكِنْ يَجِبُ صَرْفُهُ عَنْهُ
إلَى مَحْمَلٍ مَرْجُوحٍ، بِدَلِيلٍ يُصَيِّرُهُ3
رَاجِحًا. نَحْوَ قَوْلِهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ
وَهَذَا أَقْوَى؛ لأَنَّهُ عَامٌّ4 لَمْ5 يَتَطَرَّقْ
إلَيْهِ تَخْصِيصٌ، أَوْ التَّخْصِيصُ فِيمَا قَلَّ6.
الرَّابِعُ : الإِجْمَالُ فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ
وَجْهِ التَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ7 يُصَيِّرْهُ رَاجِحًا
فَإِنَّهُ يُعَارِضُ الظُّهُورَ، فَيَبْقَى مُجْمَلاً.
الْخَامِسُ : الْمُعَارَضَةُ بِآيَةٍ أُخْرَى، نَحْوَ
قَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ8} وَهَذَا [مَا9] لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ
الرِّضَى، فَيَكُونُ بَاطِلاً، أَوْ بِحَدِيثٍ10
مُتَوَاتِرٍ كَمَا ذَكَرْنَا.
ـــــــ
1 في ع: إلى العموم.
2 في شرح العضد: وللخصوص.
3 في ش: تصييره. وفي ز: تصوره. وفي د: تصيره.
4 في ز: تمام.
5 في ب: لا.
6 في شرح العضد: فيه أقل.
7 ساقطة من ش.
8 الآية 188 من البقرة.
9 زيادة من شرح العضد.
10 كذا في شرح العضد وش. وفي ع ز ض ب: لحديث.
(4/260)
السَّادِسُ :
مَنْعُ1 الْقَوْلِ بِمُوجِبِهِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ
مُقْتَضَى النَّصِّ مَعَ بَقَاءِ الْخِلافِ. مِثْلَ أَنْ
يَقُولَ: سَلَّمْنَا حِلَّ الْبَيْعِ، وَالْخِلافُ فِي
صِحَّتِهِ بَاقٍ. فَإِنَّهُ مَا أُثْبِتُهُ.
الصِّنْفُ2 الثَّالِثُ3 : مَا يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ
السُّنَّةِ، كَمَا إذَا اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ4 "أَمْسِكْ
أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ" عَلَى أَنَّ
النِّكَاحَ لا يَنْفَسِخُ.
وَالاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِالْوُجُوهِ5 السِّتَّةِ
الْمَذْكُورَةِ.
الأَوَّلُ : الاسْتِفْسَارُ.
الثَّانِي : مَنْعُ الظُّهُورِ إذْ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرْت
مِنْ الْخَبَرِ صِيغَةُ6 عُمُومٍ، أَوْ؛ لأَنَّهُ7 خِطَابٌ
لِخَاصٍّ8، أَوْ؛ لأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ.
الثَّالِثُ : التَّأْوِيلُ بِأَنَّ9 الْمُرَادَ: تَزَوَّجْ
مِنْهُنَّ أَرْبَعًا بِعَقْدٍ
ـــــــ
1 ساقطة من د وشرح العضد.
2 في ش: المصنف.
3 في ش: الثاني.
4 في ض: بقولك. وفي ش: بقوله صلى الله عليه وسلم.
5 في شرح العضد: بوجوه.
6 في ش: صيفة.
7 في ع: ولأنه. وفي ز: أو أنه.
8 في ش: خاص. وفي شرح العضد: بخاص.
9 في شرح العضد: فإن.
(4/261)
جَدِيدٍ.
فَإِنَّ الطَّارِئَ كَالْمُبْتَدَإِ فِي إفْسَادِ
النِّكَاحِ كَالرَّضَاعِ.
الرَّابِعُ : الإِجْمَالُ كَمَا ذَكَرْنَا.
الْخَامِسُ : الْمُعَارَضَةُ بِنَصٍّ آخَرَ.
السَّادِسُ : الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ.
وَهَاهُنَا1 أَسْئِلَةٌ تَخْتَصُّ بِأَخْبَارِ الآحَادِ،
وَهُوَ الطَّعْنُ فِي السَّنَدِ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا
الْخَبَرُ مُرْسَلٌ، أَوْ ضَعِيفٌ2، أَوْ فِي رَاوِيَتِهِ3
قَدْحٌ. فَإِنَّ رَاوِيَهُ ضَعِيفٌ لِخَلَلٍ4 فِي
عَدَالَتِهِ أَوْ ضَبْطِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ5 كَذَّبَهُ
الشَّيْخُ، فَقَالَ: لَمْ يَرْوِ عَنِّي.
مِثَالُهُ: إذَا قَالَ الأَصْحَابُ "الْمُتَبَايِعَانِ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ
يَتَفَرَّقَا6" قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لا يَصِحُّ؛
لأَنَّ رَاوِيَهُ مَالِكٌ. وَقَدْ خَالَفَهُ.
وَإِذَا قُلْنَا "أَيُّمَا امْرَأَةٍ7 نَكَحَتْ8 نَفْسَهَا
بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا،
ـــــــ
1 في ض: وهنا.
2 في شرح العضد: موقوف.
3 كذا في د وشرح العضد. وفي: راويته. وفي ع ز ب: راويه.
وفي ض: رواته.
4 في ش: يجرح.
5 في ض: أنه.
6 في ش: يفترقا.
7 في ش: مرأة.
8 في ض: أنكحت.
(4/262)
فَنِكَاحُهَا
بَاطِلٌ" قَالُوا1: لا يَصِحُّ؛ لأَنَّهُ يَرْوِيهِ
سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الدِّمَشْقِيُّ2 عَنْ
الزُّهْرِيِّ. فَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ؟ فَقَالَ: لا
أَعْرِفُهُ.
الصِّنْفُ الرَّابِعُ: مَا يَرِدُ عَلَى تَخْرِيجِ
الْمَنَاطِ. وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ3 مِنْ عَدَمِ
الإِفْضَاءِ، أَوْ الْمُعَارَضَةِ، أَوْ عَدَمِ
الظُّهُورِ4 أَوْ عَدَمِ الانْضِبَاطِ5، وَمَا6 تَقَدَّمَ
مِنْ أَنَّهُ مُرْسَلٌ أَوْ غَرِيبٌ أَوْ7 شَبَهٌ8،
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَضُدُ بِعَيْنِهِ فِي
الإِيضَاحِ لأَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ.
ـــــــ
1 في ض: قلنا.
2 هو سليمان بن موسى الأشدق الأموي، أبو أيوب. قال ابن
حبان: من فقهاء أهل الشام ومتورعي الدمشقيين وجلة أتباع
التابعين. وقال سعيد: كان أعلم أهل الشام بعد مكحول، وقد
وثقه ابن معين ودحيم. وقال البخاري: عنده مناكير. وقال ابن
عدي: هو عندي ثبت صدوق. اختلف في وفاته فقال دحيم وابن
حبان سنة 115 هـ، وقال البخاري وابن سعد وآخرون سنة 119هـ.
"انظر ترجمته في طرح التثريب 1/59، مشاهير علماء الأمصار ص
179، تاريخ يحيى بن معين 2/236، تهذيب التهذيب 4/226،
خلاصة تذهيب الكمال 1/420، ميزان الاعتدال 2/225".
3 في شرح العضد: ما سيأتي.
4 ساقطة من ش.
5 كذا في ع وشرح العضد. وفي ش ز ض ب: الانضباط له.
6 في شرح العضد: أو بما.
7 ساقطة من ع ض. وفي ش: شبه ذلك.
8 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/264، 265.
(4/263)
الثَّامِنُ:
مِنْ الْقَوَادِحِ "عَدَمُ التَّأْثِيرِ"1
وَهُوَ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ "بِأَنَّ الْوَصْفَ لا
مُنَاسَبَةَ لَهُ"
وَ "لا يَرِدُ" هَذَا "عَلَى قِيَاسِ الدَّلالَةِ"
قَالَهُ2 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ3 وَابْنُ عَقِيلٍ4؛
لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَدَمُ
الْمَدْلُولِ.
وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الانْتِصَارِ فِي
مَسْأَلَةِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَالنِّكَاحِ بِلَفْظِ
الْهِبَةِ.
"وَ" قَالَ أَيْضًا "لا" يَرِدُ عَلَى "قِيَاسٍ نَافٍ
لِلْحُكْمِ" لِتَعَدُّدِ سَبَبِ انْتِفَائِهِ؛ لِعَدَمِ
الْعِلَّةِ أَوْ جُزْئِهَا أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، أَوْ
فَوَاتِ شَرْطٍ
ـــــــ
1 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "شرح العضد
2/265، منتهى السول والأمل ص 194، المعتمد 2/789، المسودة
ص 421، المنخول ص 411، شرح تنقيح الفصول ص 401، روضة
الناظر ص 394، الجدل لابن عقيل ص 54، البرهان 2/1007،
مختصر الطوفي ص 171، المنهاج للباجي ص 195، الوصول إلى
مسائل الأصول 2/298، اللمع ص 64، نشر البنود 2/217،
المحصول 2/2/355، إرشاد الفحول ص 227، نهاية السول 3/88،
مناهج العقول 3/86، الإبهاج 3/73، المحلي على جمع الجوامع
وحاشية البناني عليه 2/307، الإحكام للآمدي 4/113، مختصر
البعلي ص 158، فواتح الرحموت 2/338، القياس الشرعي لأبي
الحسين البصري 2/1040".
2 في ش ض: قال.
3 المسودة ص 422.
4 الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 56.
(4/264)
بِخِلافِ
سَبَبِ ثُبُوتِهِ؛ لأَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ إنَّمَا
يَصِحُّ إذَا لَمْ تَخْلُفْ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ أُخْرَى،
وَلأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قِيَاسِ الدَّلالَةِ.
وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: مِنْ الْقَوَادِحِ
فِي الْعِلَّةِ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ، كَأَنْ يَقُولَ
الْمُعْتَرِضُ: هَذَا1 الَّذِي عَلَّلَ بِهِ غَيْرُ
مُنَاسِبٍ لِلتَّعْلِيلِ، لِكَوْنِهِ طَرْدِيًّا، أَوْ
لاخْتِلالِ2 شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ فِيهِ. فَلا
يُكْتَفَى بِهِ فِي التَّعْلِيلِ.
وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ: أَنَّ الْمُرَادَ
بِالتَّأْثِيرِ هُنَا اقْتِضَاؤُهُ، إمَّا بِمَعْنَى
الْمُعَرِّفِ3 أَوْ الْمُؤَثِّرِ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ
الْخِلافِ. فَإِذَا لَمْ يُفِدْ4 أَثَرًا فَلا تَأْثِيرَ
لَهُ.
"وَأَقْسَامُهُ" أَيْ أَقْسَامُ عَدَمِ التَّأْثِيرِ
"أَرْبَعَةٌ":
الأَوَّلُ "عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ "فِي
الْوَصْفِ" أَيْ لا تَأْثِيرَ لَهُ أَصْلاً؛ لِكَوْنِ
الْوَصْفِ طَرْدِيًّا.
"كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: صَلاةُ الصُّبْحِ "صَلاةٌ لا
تُقْصَرُ، فَلا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا عَلَى وَقْتِهَا
كَالْمَغْرِبِ، فَعَدَمُ الْقَصْرِ هُنَا" بِالنِّسْبَةِ
لِعَدَمِ تَقْدِيمِ5 الأَذَانِ "طَرْدِيٌّ" فَكَأَنَّهُ
قَالَ: لا يُقَدَّمُ أَذَانُ الْفَجْرِ عَلَيْهَا؛
ـــــــ
1 في ز: حتى هذا.
2 في ض: لاختلاف.
3 في جميع النسخ: العرف. وهو تصحيف.
4 في ش: يفده.
5 في ض: تأثير.
(4/265)
لأَنَّهَا لا
تُقْصَرُ، وَاطَّرَدَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ، لَكِنَّهُ
لَمْ يَنْعَكِسْ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ إذْ مُقْتَضَى
هَذَا الْقِيَاسِ: أَنَّ مَا يُقْصَرُ مِنْ الصَّلَوَاتِ
يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَذَانِهِ عَلَى وَقْتِهِ مِنْ حَيْثُ
انْعِكَاسُ الْعِلَّةِ "فَيَرْجِعُ" حَاصِلُهُ "إلَى
سُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ1" بِصَلاحِيَّةِ2 كَوْنِهِ عِلَّةً
كَمَا سَبَقَ.
"وَ" الْقَسَمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ
التَّأْثِيرِ "عَدَمُهُ فِي الأَصْلِ" بِأَنْ يُسْتَغْنَى3
عَنْهُ بِوَصْفٍ آخَرَ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ بِدُونِهِ.
"كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ
"مَبِيعٌ4 غَيْرُ مَرْئِيٍّ، فَبَطَلَ5 كَالطَّيْرِ فِي
الْهَوَاءِ".
فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْعَجْزُ عَنْ
التَّسْلِيمِ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْبُطْلانِ.
وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ هُنَا: جِهَةُ الْعَكْسِ؛ لأَنَّ
تَعْلِيلَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ؛ بِكَوْنِهِ6
غَيْرَ مَرْئِيٍّ يَقْتَضِي7 أَنَّ كُلَّ مَرْئِيٍّ
يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَقَدْ
ـــــــ
1 في ش: المطابقة.
2 في ش: لصلاحية. وفي ض: بصلحية.
3 في ع: يستعني.
4 في ع: بيع.
5 في ش: فيبطل.
6 في ش: لكونه.
7 في ع ب: تقتضي
(4/266)
بَطَلَ بَيْعُ
الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ1 "فَالْعَجْزُ عَنْ
التَّسْلِيمِ" وَصْفٌ2 "مُسْتَقِلٌّ"، يَصْلُحُ أَنْ
يَكُونَ وَحْدَهُ عِلَّةً؛ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ.
"وَيُقْبَلُ" الْقَدْحُ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ فِي
الأَصْلِ "فِي وَجْهٍ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: وَقَبُولُهُ وَرَدُّهُ
مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ.
وَلَمْ يَقْبَلْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ،
بِنَاءً عَلَى هَذَا3.
وَقَبِلَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ4 وَغَيْرُهُ.
"وَهُوَ مُعَارَضٌ5 فِي الأَصْلِ".
"وَ"6 الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ
التَّأْثِيرِ "عَدَمُهُ7" أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ8 "فِي
الْحُكْمِ" فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مَا عُلِّلَ بِهِ
قَيْدٌ لا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي
قَدْ عُلِّلَ لَهُ9.
ـــــــ
1 أي ولو كان مرئياً. فذكر عدم الرؤية ضائع، فإن الحكم
يثبت في الأصل بدونه، فعلم أن العلة فيه غير ما يذكره
المستدل. "روضة الناظر ص 349".
2 ساقطة من ش.
3 ساقطة من ض.
4 روضة الناظر ص 349.
5 في ش: معارضة.
6 ساقطة من ع ب.
7 في ع ب: وعدمه.
8 ساقطة من ع ب ض.
9 في ش ض: به.
(4/267)
وَهُوَ
ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهُمَا : مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَهُوَ مَا
لا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ".
"كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْمُرْتَدُّ مُشْرِكٌ
أَتْلَفَ مَالاً1 فِي دَارِ الْحَرْبِ2. فَلا ضَمَانَ"
عَلَيْهِ "كَحَرْبِيٍّ".
"فَـ 3" قَوْلُهُ "دَارُ الْحَرْبِ: طَرْدِيٌّ" لا
فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ "إذْ مَنْ أَوْجَبَهُ" أَيْ
أَوْجَبَ الضَّمَانَ "أَوْ نَفَاهُ: أَطْلَقَ" الْقَوْلَ
مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِدَارِ الْحَرْبِ4. فَيَرْجِعُ
إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْقِسْمُ الأَوَّلُ، وَهُوَ
الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
وَمَثَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِنَا فِي
تَخْلِيلِ5 الْخَمْرِ: مَائِعٌ لا يَطْهُرُ بِالْكَثْرَةِ،
فَلا يَطْهُرُ بِالصَّنْعَةِ6 كَالدُّهْنِ وَاللَّبَنِ.
فَقِيلَ7 لِلْقَاضِي8 فَقَوْلُك9 "لا يَطْهُرُ
بِالصَّنْعَةِ10" لا أَثَرَ
ـــــــ
1 في ز: مالاً محترماً.
2 في ز ب: حرب.
3 في ع ب: و.
4 في ش: الحرب.
5 في ع: تحليل.
6 في ض ب: بالصفة.
7 في ع: فقول.
8 في ع: القاضي.
9 ساقطة من ض ب ع. وفي ش: قولك.
10 في ض ب: بالصفة.
(4/268)
لَهُ فِي
الأَصْلِ. فَقَالَ1: هَذَا حُكْمُ الْعِلَّةِ،
وَالتَّأْثِيرُ يُعْتَبَرُ فِي الْعِلَّةِ دُونَ
الْحُكْمِ.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا ضَعِيفٌ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ مَذْهَبَيْنِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ
"أَوْ لَهُ فَائِدَةٌ ضَرُورِيَّةٌ".
"كَقَوْلِ مُعْتَبِرِ" أَيْ مُشْتَرِطِ2 "عَدَدَ
الأَحْجَارِ" أَيْ عَدَدَ الْمَسَحَاتِ3 "فِي
الاسْتِجْمَارِ" أَنَّهَا "عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ
بِالأَحْجَارِ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَعْصِيَةٌ،
فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْعَدَدُ كَالْجِمَارِ" أَيْ كَرَمْيِ
الْجِمَارِ4 فِي الْحَجِّ.
"فَقَوْلُهُ" أَيْ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ "لَمْ
يَتَقَدَّمْهَا5 مَعْصِيَةٌ لا أَثَرَ لَهُ" فِي
الاسْتِدْلالِ "لَكِنَّهُ" أَيْ الْمُسْتَدِلَّ "مُضْطَرٌّ
إلَى ذِكْرِهِ لِئَلاَّ يَنْتَقِضَ" عَلَيْهِ الاسْتِدْلال
"بِـ" حَدِّ "الرَّجْمِ"؛ لأَنَّهُ أَيْضًا عِبَادَةٌ
مُتَعَلِّقَةٌ بِالأَحْجَارِ، لَكِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ
فِيهَا عَدَدٌ.
وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ.
ـــــــ
1 في ع ب: فقيل.
2 في ش: مستدل.
3 في ز: المسحات عدد.
4 في ش: الحجار.
5 في ش: تتقدمها.
(4/269)
النَّوْعُ
الثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ غَيْرُ
ضَرُورَةٍ1".
يَعْنِي أَنْ يَكُونَ لِذِكْرِ مَا لا أَثَرَ لَهُ فِي
الْقِيَاسِ فَائِدَةٌ، لَكِنَّ الْمُعَلِّلَ لَمْ
يُضْطَرَّ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْقِيَاسِ "كَـ" قَوْلِهِ
"الْجُمُعَةُ صَلاةٌ مَفْرُوضَةٌ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى
إذْنِ" 2الإِمَامِ فِي إقَامَتِهَا "كَغَيْرِهَا" مِنْ
الصَّلَوَاتِ.
"فَـ" قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ "مَفْرُوضَةٌ: حَشْوٌ"
وَلِهَذَا يُسَمَّى3 هَذَا النَّوْعُ بِالْحَشْوِ "إذْ
لَوْ حُذِفَتْ" "مَفْرُوضَةٌ" "لَمْ يَنْتَقِضْ"
قِيَاسُهُ؛ لأَنَّ النَّفَلَ4 كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ
لِتَقْرِيبِ الْفَرْعِ مِنْ الأَصْلِ، وَتَقْوِيَةِ
الشَّبَهِ5 بَيْنَهُمَا إذْ الْفَرْضُ بِالْفَرْضِ
أَشْبَهُ مِنْ غَيْرِهِ.
قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: فَمَفْرُوضَةٌ، قِيلَ: يَضُرُّ6
دُخُولُهُ؛ لأَنَّهُ بَعْضُ الْعِلَّةِ، وَقِيلَ: لا.
فَإِنَّ فِيهِ7 تَنْبِيهًا8 عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ9
أَوْلَى أَنْ لا يَفْتَقِرَ؛ وَلأَنَّهُ يُزِيدُ
تَقْرِيبَهُ10 مِنْ الأَصْلِ.
ـــــــ
1 في ش: ضرورة.
2 ساقطة من ش ز.
3 في ض: سمي.
4 في ع ز ب: النقل.
5 في ز: الشبهة.
6 في ش: بغير.
7 في ش: فيها.
8 في ش: تنبيهاً.
9 في ز: هذا الفرض.
10 في ش: تفويته.
(4/270)
فَالأَوْلَى
ذِكْرُهُ. ا هـ.
"وَ" الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ
التَّأْثِيرِ "عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ "فِي
الْفَرْعِ" وَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي
الْجُمْلَةِ، لَكِنْ لا يَطَّرِدُ التَّأْثِيرُ فِي ذَلِكَ
الْفَرْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَحَالِّ النِّزَاعِ1.
مِثَالُ ذَلِكَ فِي وِلايَةِ الْمَرْأَةِ "كَ" قَوْلِ
الْمُسْتَدِلِّ: امْرَأَةٌ "زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَلا
يَصِحُّ" تَزْوِيجُهَا "كَمَا لَوْ زُوِّجَتْ" أَيْ
زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا "بِغَيْرِ كُفْءٍ".
فَالتَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَإِنْ نَاسَبَ
الْبُطْلانَ، إلاَّ أَنَّهُ لا اطِّرَادَ لَهُ فِي صُورَةِ
النِّزَاعِ الَّتِي هِيَ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا
مُطْلَقًا. فَبَانَ أَنَّ الْوَصْفَ لا أَثَرَ لَهُ فِي
الْفَرْعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ2.
"وَهُوَ" أَيْ3 وَهَذَا الْقِسْمُ "كَالثَّانِي" أَيْ
كَالْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ
هُنَا4 مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ،
قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ5 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَالتَّاجُ
السُّبْكِيُّ6.
ـــــــ
1 ساقطة من ع.
2 في ض: المشار إليه.
3 ساقطة من ع.
4 ساقطة من ض.
5 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/265، منتهى السول
والأمل ص 195.
6 جمع الجوامع للتاج السبكي مع حاشية البناني 2/310.
(4/271)
وَقِيلَ:
إنَّهُ كَالْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ.
قَالَ الآمِدِيُّ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي مَحَلِّ
النِّزَاعِ رَدَّهُ قَوْمٌ لِمَنْعِهِمْ جَوَازَ الْفَرْضِ
فِي الدَّلِيلِ. وَقَبِلَهُ مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَهُوَ
الْمُخْتَارُ1.
"وَيَجُوزُ الْفَرْضُ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ"
عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ2، وَبِهِ قَالَ
الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَالْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ: لَهُ أَنْ يَخُصَّ
الدَّلِيلَ فَيُفِيدُ3 لِغَرَضِ الْفَرْضِ بِبَعْضِ صُوَرِ
الْخِلافِ، إلاَّ أَنْ يَعُمَّ4 الْفُتْيَا، فَلا5.
وَقَالَ الْمَجْدُ: يَجُوزُ الْفَرْضُ فِي بَعْضِ صُوَرِ
الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا6 عِنْدَ عَامَّةِ
الأُصُولِيِّينَ7.
وَقَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ: وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ
الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ8،
ـــــــ
1 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/114 بتصرف.
2 انظر إرشاد الفحول ص 235، البرهان 2/1008، الوصول لابن
برهان 2/266.
3 في ش ز ض ب: فيقيد.
4 في ش: تعم.
5 روضة الناظر ص 349 بتصرف. ونص كلام الموفّق فيها: لو كان
الوصف المذكور يشير إلى اختصاص الدليل ببعض صور الخلاف،
فيكون مفيد الغرض في بعض الصور، فيكون مقبولاً إذا لم تكن
الفتيا عامة، وإن عم الفتيا فليس له أن يخصّ الدليل ببعض
الصور، لأنه لا يفي بالدليل على ما أفتى به".
6 في ض: فيها.
7 المسودة ص 425.
8 في ش: تناه.
(4/272)
وَعَلَيْهِ
الاصْطِلاحُ لإِرْفَاقِ1 الْمُسْتَدِلِّ، وَتَقْرِيبِ
الْفَائِدَةِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلْجَوَازِ بِأَنَّهُ قَدْ لا يُسَاعِدُهُ
الدَّلِيلُ عَلَى الْكُلِّ، أَوْ يُسَاعِدُهُ، غَيْرَ
أَنَّهُ لا يُعَلَّلُ2 عَلَى دَفْعِ كَلامِ الْخَصْمِ،
بِأَنْ يَكُونَ كَلامُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَشْكَلَ.
فَيَسْتَفِيدُ بِالْفَرْضِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَلا
يَفْسُدُ بِذَلِكَ جَوَابُهُ؛ لأَنَّ مَنْ سَأَلَ3 عَنْ
الْكُلِّ فَقَدْ سَأَلَ4 عَنْ الْبَعْضِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الأَوَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ5 عَنْ نُفُوذِ
عِتْقِ الرَّاهِنِ: أَفْرُضُ الْكَلامَ فِي الْمُعْسِرِ،
أَوْ عَنْ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، أَوْ6 أَفْرُضُهُ7
فِي مَنْ زُوِّجَتْ8 بِغَيْرِ كُفْءٍ. فَإِذَا خَصَّ
الْمُسْتَدِلُّ تَزْوِيجَهَا9 نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ
الْكُفْءِ بِالدَّلِيلِ فَقَدْ فَرَضَ دَلِيلَهُ فِي
بَعْضِ صُورَةِ النِّزَاعِ.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: الْجَوَازُ بِشَرْطِ بِنَاءِ مَا
خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ
ـــــــ
1 في ش: لإرقاق.
2 في ش: لا يعين.
3 في ض: سئل.
4 في ض: سئل.
5 في ش ب: المسئول.
6 ساقطة من ش.
7 في ع: أفرضت.
8 في ض: تزوجت.
9 في ض: تزوجها.
(4/273)
إلَى مَحَلِّ
الْفَرْضِ، أَيْ يَنْبَنِي1 غَيْرُ مَا فَرَضَهُ وَأَقَامَ
الدَّلِيلَ عَلَيْهِ عَلَى مَا2 فَرَضَهُ، اخْتَارَهُ
جَمَاعَةٌ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: الْمَنْعُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ
فُورَكٍ، فَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ عَامًّا
لِجَمِيعِ مَوَاقِعِ النِّزَاعِ؛ لِيَكُونَ مُطَابِقًا
لِلسُّؤَالِ، وَدَافِعًا3 لاعْتِرَاضِ الْخَصْمِ.
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ4
الْمَنْعُ إنْ كَانَ الْوَصْفُ الْمَجْعُولُ فِي الْفَرْضِ
طَرْدًا، وَإِلاَّ قُبِلَ.
وَعَلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الصَّحِيحُ "يَكْفِي قَوْلُهُ"
أَيْ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ "ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي بَعْضِ
الصُّوَرِ، فَلَزِمَ ثُبُوتُهُ فِي الْبَاقِي" ضَرُورَةً
إذْ5 لا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.
وَقِيلَ: لا يَكْفِيهِ ذَلِكَ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى رَدِّ
مَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ
بِجَامِعٍ صَحِيحٍ، كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْقِيَاسِ.
ـــــــ
1 في ش ز: يبني. وفي ض د: أن ينبني.
2 في ع: على. وفي ض: عليه على غير ما.
3 في ع: ودفعاً.
4 منتهى السول والأمل ص 195، متخصر ابن الحاجب مع شرحه
للعضد 2/265.
5 في ض ش ب: ان.
(4/274)
وَقِيلَ: إنْ
كَانَ الْفَرْضُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَلا يَحْتَاجُ
إلَى الْبِنَاءِ، وَإِنْ عَدَلَ1 عَنْ الْفَرْضِ إلَى
غَيْرِ مَحَلِّ السُّؤَالِ، فَلا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ
بِنَاءِ السُّؤَالِ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ بِطَرِيقِ
الْقِيَاسِ.
"وَإِنْ أَتَى" الْمُسْتَدِلُّ "بِمَا لا أَثَرَ لَهُ فِي
الأَصْلِ لِدَفْعِ2 النَّقْضِ، لَمْ3 يَجُزْ" عِنْدَنَا
وَعِنْدَ الأَكْثَرِ.
وَفِي4 مُقَدِّمَةِ "الْمُجَرِّدِ5"، وَيُحْتَمَلُ6 أَنْ
لا يَجُوزَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ؛ لأَنَّهُ
يُحْتَاجُ7 إلَيْهِ لِتَعْلِيقِ8 الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ
الْمُؤَثِّرِ.
وَكَلامُ ابْنِ عَقِيلٍ: يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ ذِكْرَهُ
تَأْكِيدًا، أَوْ لِتَأْكِيدِ الْعِلَّةِ، فَيَتَأَكَّدُ
الْحُكْمُ، وَلِلْبَيَانِ9 وَلِتَقْرِيبِهِ مِنْ
الأَصْلِ10. وَقَالَ: إنْ جَعَلَ الْوَصْفَ مُخَصِّصًا
لِحُكْمِ الْعِلَّةِ، كَتَخْلِيلِ11 الْخَمْرِ "مَائِعٌ لا
يَطْهُرُ بِكَثْرَةٍ. فَكَذَا بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ؛
كَخَلٍّ نَجِسٍ، فَلا يَطْهُرُ
ـــــــ
1 في ش: والعدول. وفي ض: وإن.
2 في ش: لوقع.
3 في ش: ولم.
4 في ش: من.
5 في ش: المجوز.
6 في ش: ويحتمل.
7 في ز ب ش: محتاج.
8 في ز: فتعلق.
9 في ض د ز: والبيان.
10 انظر المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 200.
11 في ع: كتحليل
(4/275)
الأَصْلُ
مُطْلَقًا"1.
التَّاسِعُ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَدْحُ فِي مُنَاسَبَةِ
الْوَصْفِ" لِلْحُكْمِ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ "بِمَا
يَلْزَمُ" فِيهِ "مِنْ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ" عَلَى
الْمَصْلَحَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قُضِيَ عَلَيْهِ
بِالْمُنَاسَبَةِ2 "أَوْ مُسَاوِيَةٍ3" لَهَا4. وَذَلِكَ
لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ تَنْخَرِمُ
بِالْمُعَارَضَةِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الْقَدْحِ
"بِالتَّرْجِيحِ" أَيْ بِبَيَانِ تَرْجِيحِ تِلْكَ
الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ فِي الْعِلَّةِ عَلَى تِلْكَ
الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يُعْتَرَضُ بِهَا تَفْصِيلاً أَوْ5
إجْمَالاً.
ـــــــ
1 الجدل على طريقة الفقهاء ص 55 بتصرف. ونص كلام ابن عقيل
فيه: "الوصف إذا جُعل تخصيصاً لحكم العلة، مثل أن يقول
المستدل في تخليل الخمر بأنه مائع لا يطهر بالكثرة، فلا
يطهر بصنعة آدمي، كالخل النجس، فيقال: لا تأثير لقولك
"بصنعة آدمي" في الأصل، لأنه لا يطهر بصنعة آدمي ولا بصنعة
غيره، فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال بعضهم: لا يلزم. لأن
التأثير لا يتوجه على الحكم، وإنما يطلب في علة الحكم.
ومنهم من يقول: يجوز. لأنه أدرج في الحكم وصفاً، فالتأثير
لزم على الوصف المدرج فيه، لأنه من تمام العلة، فيجب على
المعلل بيان تأثيره. وهذا الثاني هو مذهبنا".
2 في ب: بمناسبة.
3 في ع مساواته.
4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي
4/115، فواتح الرحموت 2/340، المحلي على جمع الجوامع
وحاشية البناني عليه 2/318، منتهى السول والأمل ص 195، شرح
العضد 2/267، تيسير التحرير 4/136".
5 في ع ز ض ب: و.
(4/276)
أَمَّا
تَفْصِيلاً: فَبِخُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ هَذَا
ضَرُورِيٌّ، وَذَاكَ حَاجِيٌّ، أَوْ بِأَنَّ هَذَا
إفْضَاءٌ1 قَطْعِيٌّ أَوْ أَكْثَرِيٌّ، وَذَاكَ ظَنِّيٌّ
أَوْ أَقَلِّيٌّ2، أَوْ أَنَّ هَذَا اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ
فِي نَوْعِ الْحُكْمِ. وَذَاكَ اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي
جِنْسِ الْحُكْمِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إجْمَالاً: فَبِلُزُومِ3 التَّعَبُّدِ لَوْلا
اعْتِبَارُ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ.
مِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ فِي الْفَسْخِ فِي الْمَجْلِسِ:
وُجِدَ سَبَبُ الْفَسْخِ فَيُوجَدُ4 الْفَسْخُ. وَذَاكَ
دَفْعُ ضَرَرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْ
الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
فَيُقَالَ: مُعَارَضٌ بِضَرَرِ5 الآخَرِ. فَيُقَالُ6:
الآخَرُ يَجْلِبُ نَفْعًا وَهَذَا يَدْفَعُ ضَرَرًا،
وَدَفْعُ الضَّرَرِ أَهَمُّ عِنْدَ الْعُقَلاءِ،
وَلِذَلِكَ يُدْفَعُ كُلُّ ضَرَرٍ. وَلا يُجْلَبُ7 كُلُّ
نَفْعٍ.
مِثَالٌ آخَرُ: إذَا قُلْنَا: التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ
أَفْضَلُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ.
فَيُقَالُ: لَكِنَّهُ8 يُفَوِّتُ أَضْعَافَ تِلْكَ
الْمَصْلَحَةِ. مِنْهَا:
ـــــــ
1 في ش ض: قضاء. وفي ز: فضا.
2 في ع: أقل.
3 في ع ب: فيلزم.
4 في ض: فيتوجه مع.
5 في ض: بضر.
6 في ش ز: فيقول.
7 في ش: يسعى لجلب.
8 في ش: لكونه.
(4/277)
إيجَادُ
الْوَلَدِ، وَكَفُّ النَّظَرِ، وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ،
وَهَذِهِ أَرْجَحُ مِنْ مَصَالِحِ1 الْعِبَادَةِ.
فَيُقَالُ: بَلْ مَصْلَحَةُ الْعِبَادَةِ أَرْجَحُ؛
لأَنَّهَا لِحِفْظِ الدِّينِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ2 لِحِفْظِ
النَّسْلِ.
الْعَاشِرُ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَدْحُ فِي إفْضَاءِ
الْحُكْمِ" أَيْ فِي صَلاحِيَّةِ3 إفْضَائِهِ "إلَى
الْمَقْصُودِ" وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَة مِنْ
شَرْعِ الْحُكْمِ4.
"كَتَعْلِيلِ" أَيْ كَأَنْ يُعَلِّلَ الْمُسْتَدِلُّ5
"حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَبَدًا" أَيْ عَلَى
التَّأْبِيدِ6 فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ "بِالْحَاجَةِ إلَى
رَفْعِ الْحِجَابِ" بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
الْمُؤَدِّي إلَى الْفُجُورِ "فَإِذَا تَأَبَّدَ7"
التَّحْرِيمُ انْسَدَّ بَابُ الطَّمَعِ الْمُفْضِي إلَى
مُقَدِّمَاتِ الْهَمِّ وَالنَّظَرِ الْمُفْضِي إلَى
الْفُجُورِ.
ـــــــ
1 في ض: مصلحة.
2 في ب: وما ذكرته.
3 في ع: صلاحة.
4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي
4/116، فواتح الرحموت 2/341، إرشاد الفحول ص 231، المحلي
على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/318، منتهى السول
والأمل ص 195. شرح العضد 2/267، تيسير التحرير 4/136".
5 في ش: الحكم في.
6 في ش: التأييد.
7 في ش: تأيد.
(4/278)
"فَيَعْتَرِضُ"
الْمُعْتَرِضُ "بِأَنَّ سَدَّهُ" أَيْ سَدَّ بَابِ
النِّكَاحِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ "يُفْضِي إلَى
الْفُجُورِ" بَلْ هُوَ أَشَدُّ إفْضَاءً؛ لأَنَّ النَّفْسَ
تَمِيلُ إلَى الْمَمْنُوعِ، كَمَا1 قَالَ الشَّاعِرُ:
وَالْقَلْبُ يَطْلُبُ مَنْ2 يَجُورُ وَيَعْتَدِي
وَالنَّفْسُ مَائِلَةٌ إلَى الْمَمْنُوعِ3.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الْقَدْحِ "أَنَّ
التَّأْبِيدَ يَمْنَعُ عَادَةً" مِنْ ذَلِكَ بِانْسِدَادِ
بَابِ الطَّمَعِ "فَيَصِيرُ" ذَلِكَ بِتَمَادِي الأَيَّامِ
وَتَطَاوُلِ الأَمْرِ "طَبْعًا" أَيْ كَالطَّبِيعِيِّ4
بِحَيْثُ لا يَبْقَى الْمَحَلُّ مُشْتَهًى، وَيَصِيرُ
بِانْقِطَاعِ الطَّمَعِ فِيهِ "كَرَحِمِ مَحْرَمٍ".
الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "كَوْنُ الْوَصْفِ"
الْمُعَلَّلِ بِهِ "خَفِيًّا5.
ـــــــ
1 ساقطة من ز.
2 في ض: أن.
3 لم أعثر على قائل هذا البيت، وقد ذكره الشربيني في
حاشيته على شرح المحلي على جمع الجوامع 2/319 نقلاً عن شرح
التاج السبكي على مختصر ابن الحاجب الموسوم برفع الحاجب،
ولم ينسبه لأحد، ثم أردفه بالبيت التالي لقائله:
وبكل شيءٍ تشتهيه طلاوةً
مدفوعةً إلا عن المدفوع.
4 في ع: كالطبيعة.
5 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي
4/117، فواتح الرحموت 2/341، إرشاد الفحول ص 231، منتهى
السول والأمل ص 195، شرح العضد 2/267، تيسير التحرير
4/137".
(4/279)
كَتَعْلِيلِهِ"
أَيْ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ "صِحَّةَ النِّكَاحِ
بِالرِّضَى" وَتَعْلِيلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَصْدِ1
فِي2 الأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى إزْهَاقِ النَّفْسِ.
"فَيُعْتَرَضُ" عَلَى الْمُسْتَدِلِّ "بِأَنَّهُ" أَيْ
الرِّضَى "خَفِيٌّ" وَالْحُكْمُ3 الشَّرْعِيُّ خَفِيٌّ
لاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّعْرِيفِ بِالدَّلِيلِ
"وَالْخَفِيُّ لا يُعَرِّفُ الْخَفِيَّ".
"وَجَوَابُهُ" بِأَنْ يُبَيِّنَ4 ظُهُورَهُ بِصِفَةٍ
ظَاهِرَةٍ، وَهُوَ "ضَبْطُهُ" أَيْ ضَبْطُ الْوَصْفِ
الَّذِي هُوَ الرِّضَى "بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ
صِيغَةٍ، كَإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، أَوْ" ضَبْطِ الْقَصْدِ
بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَادَةً مِنْ "فِعْلٍ"
كَاسْتِعْمَالِ الْجَارِحِ أَوْ غَيْرِهِ فِي إزْهَاقِ
النَّفْسِ.
الثَّانِي عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "كَوْنُهُ" أَيْ
كَوْنُ الْوَصْفِ "غَيْرَ مُنْضَبِطٍ" بِأَنْ كَانَ
مُضْطَرِبًا5.
ـــــــ
1 ساقطة من ع ض.
2 في ش: إلى.
3 في ز: فالحكم.
4 ساقطة من ش.
5 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي
4/117، فواتح الرحموت 2/341، إرشاد الفحول ص 232، منتهى
السول والأمل ص 195، شرح العضد 2/268، تيسير التحرير
4/137".
(4/280)
"كَتَعْلِيلِهِ" أَيْ تَعْلِيلِ1 الْمُسْتَدِلِّ
"بِالْحِكَمِ" جَمْعُ حِكْمَةٍ "وَالْمَقَاصِدِ" جَمْعُ
مَقْصِدٍ "كَ" تَعْلِيلِ "رُخَصِ السَّفَرِ" وَهِيَ
إبَاحَةُ الْفِطْرِ فِيهِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ
الصَّلاتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا "بِالْمَشَقَّةِ".
"فَيُعْتَرَضُ" عَلَيْهِ "بِاخْتِلافِهَا" أَيْ اخْتِلافِ2
الْمَشَقَّةِ "بِالأَشْخَاصِ وَالأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ"
فَلا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الاعْتِرَاضِ
"بِأَنَّهُ" أَيْ الْوَصْفَ "مُنْضَبِطٌ بِنَفْسِهِ" كَمَا
تَقُولُ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْمَضَرَّةِ: إنَّ ذَلِكَ
مُنْضَبِطٌ عُرْفًا، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ
بِالْحِكْمَةِ إذَا انْضَبَطَتْ "أَوْ" مُنْضَبِطٌ3
"بِضَابِطٍ لِلْحِكْمَةِ" بِأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ4
الْوَصْفُ الْمُنْضَبِطُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحِكْمَةِ،
كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ وَالزَّجْرِ بِالْحَدِّ.
الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ : "النَّقْضُ5.
ـــــــ
1 في ز: كتعليل.
2 في ض ز: باختلاف.
3 في ع: منضبطاً.
4 في ش: من.
5 انظر كلام الأصوليين على النقض في "الإحكام للآمدي
4/118، شرح العضد 2/268، الجدل لابن عقيل ص 56، تيسير
التحرير 4/138، المنخول ص 404، القياس الشرعي لأبي الحسين
البصري 2/1041، المغني للخبازي ص 318، أصول الشاشي مع عمدة
الحواشي ص 352، البرهان 2/977، فتح الغفار 3/42، التلويح
على التوضيح 2/599، أصول السرخسي =
(4/281)
كَـ" قَوْلِ
الْمُسْتَدِلِّ "الْحُلِيُّ مَالٌ غَيْرُ نَامٍ فَلا
زَكَاةَ فِيهِ، كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ.
فَيُعْتَرَضُ" عَلَيْهِ "بِالْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ".
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الاعْتِرَاضِ:
إمَّا "بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ
النَّقْضِ" لأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا1 يَتَحَقَّقُ
بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا.
فَإِذَا مُنِعَ وُجُودُ الْعِلَّةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ
النَّقْضُ. وَإِنَّمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ
الْمَذْكُورَةِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى
صِحَّةِ عِلَّتِهِ عَكْسًا2، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ
لانْتِفَائِهَا، كَقَوْلِهِ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ
الْحُلِيَّ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ. وَيُبَرْهِنُ عَلَى
ذَلِكَ.
"أَوْ" يَكُونَ جَوَابُهُ "بِمَنْعِ وُجُودِ الْحُكْمِ
فِيهَا" أَيْ فِي صُورَةِ النَّقْضِ. فَيَقُولُ: حُكْمُ
ثِيَابِ الْبِذْلَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْحُلِيِّ،
وَيُبَيِّنُ
ـــــــ
= 2/233، اللمع ص 64، الوصول إلى مسائل الأصول 2/302،
فواتح الرحموت 2/341، منتهى السول والأمل ص 196، المنهاج
للباجي ص 185، شرح تنقيح الفصول ص 399، المحصول 2/2/323،
نهاية السول 3/78، مناهج العقول 3/76، الإبهاج 3/59، إرشاد
الفحول ص 224، نشر البنود 2/210، المحلي علي جمع الجوامع
وحاشية البناني عليه 2/295، مختصر الطوفي ص 167، روضة
الناظر ص 342، مختصر البعلي ص 154".
1 ساقطة من ش.
2 في ز ش ب ع: علتي.
(4/282)
الْفَرْقَ
بَيْنَهُمَا.
"وَ" إذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي
صُورَةِ النَّقْضِ، فَ1 "لَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ
الدَّلالَةُ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهَا" أَيْ فِي
صُورَةِ النَّقْضِ.
وَهَذَا الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ2. وَذَلِكَ؛
لأَنَّهَا انْتِقَالٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ
الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلاًّ، فَهُوَ قَلْبٌ لِقَاعِدَةِ
الْمُصْطَلَحِ؛ لِكَوْنِهِ يَبْقَى مُسْتَدِلاًّ
وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالْقَاضِي أَبُو
الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ: إلاَّ أَنْ يُبَيِّنَ3 مَذْهَبَ
الْمَانِعِ.
وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ؛ لأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقًا
لاعْتِرَاضِهِ بِالنَّقْضِ. وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ4 إنْ
تَعَذَّرَ الاعْتِرَاضُ بِغَيْرِهِ.
وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ5 طَرِيقٌ أَوْلَى
بِالْقَدْحِ6 مِنْ النَّقْضِ، تَحْقِيقًا لِفَائِدَةِ
الْمُنَاظَرَةِ.
ـــــــ
1 في ش: و.
2 انظر مختصر البعلي ص 154، مختصر الطوفي ص 167، روضة
الناظر ص 342.
3 في ش ع ب: تبين.
4 الإحكام في أصول الأحكام 4/119.
5 في ض: يمكن. وفي ب: لم يمكن.
6 في ع: بالقدح به.
(4/283)
"وَ" قَالَ
أَهْلُ الْجَدَلِ1 وَجَمْعٌ مِنْهُمْ الآمِدِيُّ2 "لَوْ
دَلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِهَا" أَيْ وُجُودِ
الْعِلَّةِ "بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ فِي صُورَةِ النَّقْضِ"
فَنَقَضَ الْمُعْتَرِضُ الْعِلَّةَ، فَمَنَعَ
الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ3 الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ
"فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُك" حِينَئِذٍ؛
لأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَالْعِلَّةُ
غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِيهِ عَلَى زَعْمِك "فَقَدْ
انْتَقَلَ" الْمُعْتَرِضُ "مِنْ نَقْضِهَا" أَيْ نَقْضِ
الْعِلَّةِ "إلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا فَلا يُقْبَلُ".
"وَيَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ دَلِيلٌ يَلِيقُ بِأَصْلِهِ"
وَمَثَّلُوا لِذَلِكَ4 بِقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي
مَسْأَلَةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ: أَتَى بِمُسَمَّى5
الصَّوْمِ. فَيَصِحُّ كَمَا فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ.
وَاسْتُدِلَّ عَلَى وُجُودِ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ إمْسَاكٌ
مَعَ النِّيَّةِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ
النِّزَاعِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: تَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ بِمَا
إذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ:
لا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا نَوَى بَعْدَ
الزَّوَالِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُك
الَّذِي اسْتَدْلَلْت بِهِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي
مَحَلِّ التَّعْلِيلِ.
ـــــــ
1 في ع ب: المجادلة.
2 الإحكام في أصول الأحكام 4/119.
3 في ع: وجوه.
4 في ش: ذلك.
5 في ع: يمسي. وفي ض: يتسمى.
(4/284)
قَالَ1 ابْنُ
الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ2؛ لأَنَّ
الْمُعْتَرِضَ فِي مَعْرِضِ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ،
فَتَارَةً يَقْدَحُ فِيهَا، وَتَارَةً يَقْدَحُ فِي
دَلِيلِهَا، وَالانْتِقَالُ مِنْ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ
إلَى الْقَدْحِ فِي دَلِيلِهَا جَائِزٌ، وَالانْتِقَالُ
الَّذِي لا يَكُونُ جَائِزًا: هُوَ الانْتِقَالُ مِنْ
الاعْتِرَاضِ إلَى الاسْتِدْلالِ.
"وَلَوْ قَالَ" الْمُعْتَرِضُ "ابْتِدَاءً: يَلْزَمُك
انْتِقَاضُ عِلَّتِك، أَوْ" انْتِقَاضُ "دَلِيلِهَا:
قُبِلَ" مِنْهُ ذَلِكَ.
لأَنَّ هَذَا3 دَعْوَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ فَكَأَنَّهُ4
قَالَ5: يَلْزَمُك أَحَدُ أَمْرَيْنِ6: إمَّا انْتِقَاضُ
عِلَّتِك، وَإِمَّا انْتِقَاضُ دَلِيلِهَا. وَكَيْفَ7
كَانَ فَلا تَثْبُتُ الْعِلَّةُ كَانَ8 مَسْمُوعًا
بِاتِّفَاقٍ9.
قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً:
يَلْزَمُك إمَّا انْتِقَاضُ عِلَّتِك، أَوْ انْتِقَاضُ
دَلِيلِ عِلَّتِك؛ لأَنَّك إنْ10 اعْتَقَدْت وُجُودَ
ـــــــ
1 في ع: قاله.
2 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/268، منتهى السول
والأمل ص 196.
3 في ش: هذه.
4 في ش: مكانه. وهي ساقطة من ع ز.
5 ساقطة من ع ز.
6 في ش: يلزمك انتقاض.
7 في ش: وكيفما.
8 في ش: ولا يكون.
9 في ش: بالاتفاق.
10 في ش: إذا.
(4/285)
الْعِلَّةِ فِي
مَحَلِّ النَّقْضِ1 انْتَقَضَتْ عِلَّتُك2. وَإِنْ
اعْتَقَدْت عَدَمَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ:
انْتَقَضَ دَلِيلُك. كَانَ مُتَّجَهًا مَسْمُوعًا.
"وَلَوْ مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ فِي
صُورَةِ النَّقْضِ" فَعَلَى الأَصَحِّ "لَمْ يُمْكِنْ
الْمُعْتَرِضُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى
تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ.
وَقِيلَ: يُمْكِنُ مُطْلَقًا.
وَقِيلَ: يُمْكِنُ3 مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ أَوْلَى
بِالْقَدْحِ مِنْ النَّقْضِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ
الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ: ثَيِّبٌ فَلا تُجْبَرُ،
كَالثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ:
يَنْتَقِضُ بِالثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ. فَيَقُولُ
الْمُسْتَدِلُّ: لا نُسَلِّمُ جَوَازَ4 إجْبَارِ
الثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ.
وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: إنْ مَنَعَ الْحُكْمَ انْقَطَعَ
النَّاقِضُ، وَإِنْ مَنَعَ الْوَصْفَ فَلا يَنْقَطِعُ5
فَيَدُلُّ6 عَلَيْهِ. وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا7
ـــــــ
1 ساقطة من ع.
2 في ع: عليتك.
3 ساقطة من ع.
4 ساقطة من ش.
5 ساقطة من ش ز ع ب.
6 في ع: يدل.
7 المسودة ص 431.
(4/286)
عَنْ أَبِي
الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ.
وَعَلَّلَهُ فِي التَّمْهِيدِ بِأَنَّهُ بَيَانٌ
لِلنَّقْضِ لا مِنْ جِهَةِ الدَّلالَةِ عَلَيْهِ، فَجَازَ.
"وَيَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ" فِي دَفْعِ النَّقْضِ أَنْ
يَقُولَ "لا أَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِيهَا" ذَكَرَهُ
أَصْحَابُنَا1، لِلشَّكِّ فِي كَوْنِهَا مِنْ مَذْهَبِهِ؛
إذْ دَلِيلُهُ صَحِيحٌ. فَلا يَبْطُلُ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ.
"وَإِنْ قَالَ" الْمُسْتَدِلُّ: "أَنَا أَحْمِلُهَا عَلَى
مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، وَأَقُولُ فِيهَا كَمَسْأَلَةِ
الْخِلافِ. مُنِعَ2"؛ لأَنَّهُ إثْبَاتُ مَذْهَبٍ
بِالْقِيَاسِ "إلاَّ إنْ نَقَلَ عَنْ إمَامِهِ" أَيْ
إمَامِ الْمُسْتَدِلِّ "أَنَّهُ عَلَّلَ بِهَا3،
فَيُجْرِيهَا" عَلَى حُكْمِ تَعْلِيلِ إمَامِهِ4.
"وَإِنْ فَسَّرَ الْمُسْتَدِلُّ لَفْظَهُ بِدَافِعٍ" أَيْ
بِمَعْنًى دَافِعٍ "لِلنَّقْضِ غَيْرِ ظَاهِرِهِ" أَيْ
ظَاهِرِ اللَّفْظِ "كَـ" تَفْسِيرِ لَفْظٍ "عَامٍّ بِـ"
مَعْنًى "خَاصٍّ لَمْ يُقْبَلْ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ5 وَالْقَاضِي أَبُو
الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ6؛ لأَنَّهُ يُزِيدُ
وَصَفًّا لَمْ
ـــــــ
1 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 58، المسودة ص
435.
2 ساقطة من ع.
3 في ش: عللها به.
4 انظر المسودة ص 436.
5 الجدل على طريقة الفقهاء ص 58.
6 ساقطة من ش.
انظر المسودة ص 436.
(4/287)
يَكُنْ،
وَذِكْرُهُ لِلْعِلَّةِ وَقْتَ حَاجَتِهِ، فَلا يُؤَخَّرُ
عَنْهُ، بِخِلافِ تَأْخِيرِ الشَّارِعِ الْبَيَانَ عَنْ
وَقْتِ خِطَابِهِ1.
وَظَاهِرُ كَلامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: يُقْبَلُ.
"وَلَوْ أَجَابَ" الْمُسْتَدِلُّ "بِتَسْوِيَةٍ بَيْنَ
أَصْلٍ وَفَرْعٍ لِدَفْعِهِ" أَيْ لأَجْلِ دَفْعِ2
النَّقْضِ3 "قُبِلَ" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا4
وَالْحَنَفِيَّةِ.
وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَهُ
عَنْ الْمُحَقِّقِينَ5.
وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ إنْ جَازَ تَخْصِيصُ
الْعِلَّةِ؛ لأَنَّ الطَّرْدَ لَيْسَ شَرْطًا لْعِلَّةِ
إذًا.
فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لا يَسْتَوِيَ
الأَصْلُ وَالْفَرْعُ، رُدَّ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ.
مِثَالُهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ: عُضْوٌ
يَسْقُطُ فِي التَّيَمُّمِ، فَمَسَحَ حَائِلَهُ
كَالْقَدَمِ، فَيَنْتَقِضُ6 بِالرَّأْسِ فِي الطَّهَارَةِ
الْكُبْرَى، فَيُجِيبُهُ7: يَسْتَوِي فِيهَا الأَصْلُ
وَالْفَرْعُ.
ـــــــ
1 في ش: حاجته.
2 في ش: دفعه.
3 ساقطة من ش.
4 انظر المسودة ص 431.
5 في ش: المحققون.
6 في ض ب: فينقض.
7 في ع: فيجيب.
(4/288)
وَمِثْلُ
ذَلِكَ: بَائِنٌ مُعْتَدَّةٌ فَلَزِمَهَا الإِحْدَادُ،
كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَيَنْتَقِضُ
بِالذِّمِّيَّةِ وَالصَّغِيرَةِ، فَيُجِيبُهُ
بِالتَّسْوِيَةِ.
"وَلا يُلْزِمُ" الْمُسْتَدِلَّ "بِمَا لا يَقُولُ بِهِ"
أَيْ بِشَيْءٍ لا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ "الْمُعْتَرِضُ
كَمَفْهُومٍ، وَقِيَاسٍ، وَقَوْلِ" أَيْ مَذْهَبِ
"صَحَابِيٍّ"؛ لأَنَّهُ احْتَجَّ وَأَثْبَتَ الْحُكْمَ
بِلا دَلِيلٍ، وَلاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَرْكِهِ؛ لأَنَّ
أَحَدَهُمَا لا يَرَاهُ دَلِيلاً. وَالآخَرُ لَمَّا
خَالَفَهُ دَلَّ عَلَى دَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ "إلاَّ
النَّقْضَ وَالْكَسْرَ عَلَى قَوْلِ مَنْ
الْتَزَمَهُمَا1"؛ لأَنَّ النَّاقِضَ لَمْ يَحْتَجَّ
بِالنَّقْضِ، وَلا أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِهِ،
وَلاتِّفَاقِهِمَا عَلَى فَسَادِ الْعِلَّةِ2 عَلَى أَصْلِ
الْمُسْتَدِلِّ بِصُورَةِ الإِلْزَامِ، وَعَلَى أَصْلِ
الْمُعْتَرِضِ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ. ذَكَرَهُ
أَصْحَابُنَا3 وَالشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ.
وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ مُعَارَضَتَهُ بِعِلَّةٍ
مُنْتَقَضَةٍ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَرِضِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ احْتَجَّ بِمَا لا يَرَاهُ،
كَحَنَفِيٍّ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ
الْبَلْوَى. فَقَالَ: أَنْتَ لا تَقُولُ بِهِ، فَأَجَابَ:
أَنْتَ تَقُولُ بِهِ، فَيَلْزَمُك. فَهَذَا4 قَدْ
اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَعِنْدِي لا يَحْسُنُ مِثْلُ هَذَا؛
لأَنَّهُ إذًا إنَّمَا هُوَ مُسْتَدِلٌّ صُورَةً.
ـــــــ
1 في ع: الزمهما.
2 ساقطة من ض.
3 انظر المسودة ص 432، 440.
4 في ش: هذا.
(4/289)
قَالَ: وَمَنْ
نَصَرَ الأَوَّلَ قَالَ: عَلَى هَذَا لا يَحْسُنُ بِنَا
أَنْ نَحْتَجَّ عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْرَاةِ
وَالإِنْجِيلِ الْمُبَدَّلَيْنِ، لَكِنْ نَحْتَجُّ بِهِ1
عَلَى2 أَهْلِ الْكِتَابِ لِتَصْدِيقِهِمْ بِهِ3 اهـ.
"وَإِنْ نَقَضَ أَحَدُهُمَا" أَيْ الْمُسْتَدِلُّ
وَالْمُعْتَرِضُ "عِلَّةَ الآخَرِ بِأَصْلِ نَفْسِهِ" لَمْ
يَجُزْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا4 وَالشَّافِعِيَّةِ.
"أَوْ زَادَ الْمُسْتَدِلُّ وَصْفًا مَعْهُودًا مَعْرُوفًا
فِي الْعِلَّةِ لَمْ يَجُزْ" ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ
فِي التَّمْهِيدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ5.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، وِفَاقًا
لِبَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
ـــــــ
1 في ش: بهما.
2 في ش: عل.
3 في ش: بهما.
4 انظر المسودة ص 432.
5 وقال ابن عقيل في "الجدل" ص 59: "إذا انتقضت علة
المستدل، فزاد فيها وصفاً فقد انقطعت حجته التي ابتدأ بها،
وكان تفريطاً منه وانتقالاً عما احتج به. ومن الناس من
قال: إن كان الوصف معهوداً في العلة وأخل به سهواً، جاز أن
يستدركه، وإن كان غير معروف لم يجز. وهذا ذكره بعض أصحاب
الشافعي، وليس بصحيح، لأنه لو كان كون الوصف معهوداً عذراً
له في نسيانه والإتيان بعلة منتقضة، لكان كون الدليل
معروفاً معهوداً علةً في إقامة عذره والإتيان بما ليس
بدليل سهواً. فلما لم يك ترك الدليل المعهود عذراً، كذلك
الوصف المعهود". وانظر المسودة ص 431.
(4/290)
"وَإِنْ
نَقَضَ" الْمُعْتَرِضُ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ "بِ"
نَاقِضٍ "مَنْسُوخٍ، أَوْ بِ" حُكْمٍ "خَاصٍّ بِهِ" أَيْ
بِالنَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ"
نَقَضَهُ "بِرُخْصَةٍ ثَابِتَةٍ عَلَى خِلافِ مُقْتَضَى
الدَّلِيلِ، أَوْ" نَقَضَهُ "بِمَوْضِعِ اسْتِحْسَانٍ
رُدَّ" نَقْضُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا1 وَالشَّافِعِيَّةِ.
إلاَّ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ قَالَ فِي نَقْضِ
الْعِلَّةِ بِمَوْضِعِ الاسْتِحْسَانِ: يَحْتَمِلُ
وَجْهَيْنِ. وَمَثَّلَهُ بِمَا إذَا سَوَّى بَيْنَ
الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ فِيمَا يُبْطِلُ الْعِبَادَةَ،
فَيَنْتَقِضُ2 بِأَكْلِ الصَّائِمِ سَهْوًا.
وَفِي الْوَاضِحِ لابْنِ عَقِيلٍ عَنْ3 أَصْحَابِنَا
وَالشَّافِعِيَّةِ لا نَقْضَ بِمَوْضِعِ اسْتِحْسَانٍ4.
وَمَثَّلَ5 بِهَذَا ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ الْمُعْتَرِضُ:
النَّصُّ دَلَّ عَلَى انْتِقَاضِهِ، فَيَكُونُ آكَدَ
لِلنَّقْضِ.
وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ6: تَنْتَقِضُ
الْمُسْتَنْبَطَةُ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَانِعًا،
كَالنَّقْضِ بِالْعَرَايَا فِي الرِّبَا، وَإِيجَابِ
الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لاقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ
الْخَاصَّةِ ذَلِكَ7، أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ آكَدَ،
كَحِلِّ
ـــــــ
1 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 60، المسودة ص
436، 437.
2 في ع ز ب: فينقض.
3 في ض: من.
4 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 60.
5 في ض د: ومثله.
6 المسودة ص: 414، 437.
7 في ش ز: لذلك.
(4/291)
الْمَيْتَةِ
لِلْمُضْطَرِّ إذَا نَقَضَ بِهَا عِلَّةَ تَحْرِيمِ
النَّجَاسَةِ.
"وَيَجِبُ أَنْ يَحْتَرِزَ الْمُسْتَدِلُّ فِي دَلِيلِهِ
عَنْ النَّقْضِ"1 اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي
الْوَاضِحِ، وَالْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ2،
وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ3 وَأَبُو مُحَمَّدٍ
الْبَغْدَادِيُّ، وَذَكَرَهُ عَنْ مُعْظَمِ
الْجَدَلِيِّينَ، لِقُرْبِهِ مِنْ الضَّبْطِ، وَدَفْعِ
انْتِشَارِ الْكَلامِ وَسَدِّ بَابِهِ فَكَانَ وَاجِبًا
لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الْكَلامِ عَنْ التَّبْدِيلِ.
وَقِيلَ: لا يَجِبُ مُطْلَقًا.
وَقِيلَ: يَجِبُ إلاَّ فِي نَقْضٍ وَطَرْدٍ بِطَرِيقِ
الاسْتِثْنَاءِ، وَهِيَ مَا يَرِدُ عَلَى كُلِّ عِلَّةً.
"وَإِنْ احْتَرَزَ عَنْهُ" أَيْ عَنْ النَّقْضِ "بِشَرْطٍ
ذَكَرَهُ فِي الْحُكْمِ" نَحْوُ: حُرَّانِ مُكَلَّفَانِ
مَحْقُونَا الدَّمِ، فَيَجِبُ الْقَوَدُ بَيْنَهُمَا
كَالْمُسْلِمِينَ "صَحَّ" ذَلِكَ فِي الأَصَحِّ4؛ لأَنَّ
الشَّرْطَ الْمُتَأَخِّرَ مُتَقَدِّمٌ فِي الْمَعْنَى
كَتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفَاعِلِ. وَاخْتَارَهُ
أَبُو الْخَطَّابِ.
وَقِيلَ: لا يَصِحُّ؛ لاعْتِرَافِهِ بِالنَّقْضِ، فَإِنَّ
الْحُكْمَ يَتَخَلَّفُ عَنْ الأَوْصَافِ فِي الْخَطَأ.
ـــــــ
1 انظر مختصر البعلي ص 154، المسودة ص 430.
2 روضة الناظر ص 342.
3 مختصر الطوفي ص 167.
4 انظر روضة الناظر ص 344.
(4/292)
"وَإِنْ
احْتَرَزَ" الْمُسْتَدِلُّ "بِحَذْفِ الْحُكْمِ لَمْ
يَصِحَّ" قَالَهُ1 أَبُو الْخَطَّابِ. كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ
فِي الإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ: بَائِنٌ
كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. فَيَنْتَقِضُ2
بِصَغِيرَةٍ وَذِمِّيَّةٍ. فَيَقُولُ: قَصَدْتُ
التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا. فَيُقَالُ: التَّسْوِيَةُ
بَيْنَهُمَا حُكْمٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ يُقَاسُ
عَلَيْهِ.
الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْكَسْرُ"3.
وَهُوَ "كَالنَّقْضِ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الْكَسْرُ: نَقْضُ الْمَعْنَى.
وَالْكَلامُ فِيهِ كَالنَّقْضِ، وَقَدْ سَبَقَ.
قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: يُشْبِهُ الْكَسْرُ مِنْ
الأَسْئِلَةِ الْفَاسِدَةِ قَوْلَهُمْ: لَوْ كَانَ هَذَا
عِلَّةً فِي كَذَا لَكَانَ عِلَّةً فِي كَذَا، نَحْوَ:
لَوْ مَنَعَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ صِحَّةَ الْبَيْعِ مَنَعَ
النِّكَاحَ.
ـــــــ
1 في ض: قال.
2 في ع ز ب: فيقض.
3 انظر كلام الأصوليين على الكسر في [المنهاج للباجي ص
191، المحصول 2/2 /353، شرح العضد 2/269، المحلي على جمع
الجوامع وحاشية البناني عليه 2/303، المنخول ص 410،
المعتمد 2/921، المسودة ص 429، تيسير التحرير 4/146، مختصر
الطوفي ص 168، الوصول إلى مسائل الأصول 2/312، اللمع ص 64،
الجدل لابن عقيل ص 65، مختصر البعلي ص 155، منتهى السول
والأمل ص 196، نشر البنود 2/215، إرشاد الفحول ص 226،
الإحكام للآمدي 4/123، نهاية السول 3/91ن مناهج العقول
3/91، روضة الناظر ص 343، الإبهاج 3/81، القياس الشرعي
لأبي الحسين ا لبصري 2/1043].
(4/293)
وَيُشْبِهُ
ذَلِكَ قَوْلَهُمْ1 أَخَذْت النَّفْيَ مِنْ الإِثْبَاتِ
أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْقَوْلِ فِي
الْمَوْطُوءَةِ مَغْلُوبَةٌ مَا فَطَّرَهَا مَعَ
الْعَمْدِ؟ لَمْ يُفْطِرْهَا مَغْلُوبَةً كَالْقَيْءِ2.
وَجَوَابُهُ: يَجُوزُ لِتَضَادِّ حُكْمِهِمَا3
لِلاخْتِيَارِ وَعَدَمِهِ. وَلِهَذَا4 لِلشَّارِعِ
تَفْرِيقُ الْحُكْمِ بِهِمَا.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هَذَا اسْتِدْلالٌ بِالتَّابِعِ
عَلَى الْمَتْبُوعِ، فَلَمْ يَجُزْ بِخِلافِ الْعَكْسِ.
كَقَوْلِنَا فِي نِكَاحٍ5 مَوْقُوفٍ: نِكَاحٌ لا
تَتَعَلَّقُ6 بِهِ أَحْكَامُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ
كَالْمُتْعَةِ. فَيُقَالُ: الأَحْكَامُ تَابِعَةٌ
وَالْعَقْدُ مَتْبُوعٌ، فَهَذَا فَاسِدٌ بِدَلِيلِ
بَقِيَّةِ الأَنْكِحَةِ.
وَتَنَاقَضُوا فَأَبْطَلُوا ظِهَارَ الذِّمِّيِّ
وَيَمِينَهُ لا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُهُ
الْمُخْتَصَّةُ7؛ لِبُطْلانِ تَكْفِيرِهِ، وَهُوَ فَرْعُ
يَمِينِهِ.
الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْمُعَارَضَةُ فِي
الأَصْلِ" 8.
ـــــــ
1 في ض ب: قوله.
2 في ش: كالناسي.
3 في ض: لحكمها.
4 في ش: وهذا.
5 في ب: النكاح.
6 في ش: لا تتعلق.
7 ساقطة من ش ز.
8 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "شرح العضد
2/270، روضة الناظر ص 345، المسودة ص 441، مفتاح الوصول ص
157، منتهى السول والأمل ص 196، مختصر الطوفي 169، الجدل
لابن عقيل ص 73، فواتح الرحموت 2/347، مختصر البعلي ص 157،
إرشاد الفحول 232، الإحكام للآمدي 4/123".
(4/294)
وَهُوَ1 أَنْ
يُبْدِيَ الْمُعْتَرِضُ مَعْنًى آخَرَ يَصْلُحُ
لِلْعِلِّيَّةِ غَيْرَ مَا عَلَّلَ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ.
وَهُوَ2 إمَّا أَنْ يَكُونَ3 "بِمَعْنًى آخَرَ
مُسْتَقِلٍّ" بِالتَّعْلِيلِ. كَمَا لَوْ عَلَّلَ
الشَّافِعِيُّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ فِي الْبُرِّ
بِالطُّعْمِ، فَعَارَضَهُ الْحَنَفِيُّ بِتَعْلِيلِ
تَحْرِيمِهِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْجِنْسِ أَوْ الْقُوتِ.
"أَوْ" تَكُونُ الْمُعَارَضَةُ بِمَعْنًى آخَرَ "غَيْرِ
مُسْتَقِلٍّ" بِالتَّعْلِيلِ. وَلَكِنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ
وَصَالِحٌ لَهُ كَمَا لَوْ عَلَّلَ الشَّافِعِيُّ وُجُوبَ
الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ الْعَمْدِ
الْعُدْوَانِ. فَعَارَضَهُ الْحَنَفِيُّ بِتَعْلِيلِ
وُجُوبِهِ بِالْجَارِحِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْجَدَلِيُّونَ فِي قَبُولِ هَذِهِ
الْمُعَارَضَةِ.
"وَالثَّانِي" وَهُوَ كَوْنُ الْمُعَارَضَةِ بِمَعْنًى
غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ بِالتَّعْلِيلِ "مَقْبُولٌ" عِنْدَ
الْجُمْهُورِ؛ لِئَلاَّ يَلْزَمَ التَّحَكُّمُ؛ لأَنَّ
وَصْفَ4 الْمُسْتَدِلِّ5 لَيْسَ بِأَوْلَى بِكَوْنِهِ
جُزْءًا أَوْ مُسْتَقِلاًّ.
ـــــــ
1 في ش: وهي. وفي ز: و.
2 في ش: وهي.
3 في ش: تكون.
4 في ش: الوصف.
5 ساقطة من ض. وفي ش: المستدل به.
(4/295)
فَإِنْ رَجَحَ
اسْتِقْلالُهُ بِتَوْسِعَةِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ
وَالْفَرْعِ فَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ. فَلِلْمُعْتَرِضِ
مَنْعُ دَلالَةِ الاسْتِقْلالِ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَهُ
مُعَارَضَتُهُ بِأَنَّ الأَصْلَ انْتِفَاءُ الأَحْكَامِ1،
وَ بِاعْتِبَارِهِمَا مَعًا فَهُوَ أَوْلَى.
قَالُوا: يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِقْلالُهُمَا
بِالْعِلِّيَّةِ فَيَلْزَمُ تَعَدُّدُ الْعِلَّةِ
الْمُسْتَقِلَّةِ2.
رُدَّ بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ اعْتِبَارِهِمَا مَعًا3،
كَمَا لَوْ أَعْطَى قَرِيبًا عَالِمًا.
"وَلا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ نَفْيِ وَصْفِ
الْمُعَارَضَةِ عَنْ4 الْفَرْعِ".
هَذَا بَحْثٌ يَتَفَرَّعُ5 عَلَى قَبُولِ الْمُعَارَضَةِ،
وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ
أَنَّ6 الْوَصْفَ الَّذِي أَبْدَيْته مُنْتَفٍ فِي
الْفَرْعِ أَوْ لا؟
فَاَلَّذِي قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَتَبِعَهُ فِي
التَّحْرِيرِ: أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ؛ لأَنَّ غَرَضَهُ
عَدَمُ اسْتِقْلالِ مَا ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ أَنَّهُ
مُسْتَقِلٌّ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ
إبْدَائِهِ.
وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ؛ لأَنَّهُ قَصَدَ الْفَرْقَ، وَلا
يَتِمُّ إلاَّ بِهِ.
ـــــــ
1 في ض: الحكم.
2 في ع: بالمستقلة.
3 ساقطة من ض.
4 في ش: على.
5 في ض: يتعرض.
6 ساقطة من ض.
(4/296)
قَالَ
الْعَضُدُ: وَقِيلَ: إنْ تَعَرَّضَ لِعَدَمِهِ فِي
الْفَرْعِ صَرِيحًا لَزِمَهُ بَيَانُهُ وَإِلاَّ فَلا،
وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ.
أَمَّا إنَّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ [بِهِ]1 فَلَيْسَ
عَلَيْهِ بَيَانُهُ: فَلأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا لا
يَتِمُّ الدَّلِيلُ مَعَهُ، وَهَذَا غَرَضُهُ، لا بَيَانُ
عَدَمِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ، حَتَّى لَوْ ثَبَتَ2
بِدَلِيلٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ إلْزَامًا لَهُ، وَرُبَّمَا
سَلَّمَهُ.
وَأَمَّا أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِهِ [لَزِمَهُ]3:
فَلأَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرًا وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ
ابْتِدَاءً، فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ4، وَيَجِبُ
عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَهُ5 6
"وَلا يَحْتَاجُ وَصْفُهَا" أَيْ الْمُعَارَضَةَ "إلَى
أَصْلٍ".
هَذَا بَحْثٌ آخَرُ يَتَفَرَّعُ7 عَلَى قَبُولِ
الْمُعَارَضَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ: هَلْ يَحْتَاجُ
الْمُعَارِضُ إلَى أَصْلٍ يُبَيِّنُ تَأْثِيرَ وَصْفِهِ
الَّذِي أَبْدَاهُ فِي8 ذَلِكَ الأَصْلِ، حَتَّى يُقْبَلَ
مِنْهُ، بِأَنْ يَقُولَ: الْعِلَّةُ الطُّعْمُ دُونَ
الْقُوتِ - كَمَا فِي الْمِلْحِ - أَمْ9 لا؟.
ـــــــ
1 زيادة من شرح العضد.
2 في ش: ثبتت.
3 زيادة من شرح العضد.
4 في ش: التزامه.
5 في ز: بالتزامه.
6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/272.
7 في ض: يتعرض.
8 في ض: من.
9 في ش: أو.
(4/297)
وَاَلَّذِي
عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ
لا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لأَنَّ حَاصِلَ1 هَذَا
الاعْتِرَاضِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ:
إمَّا نَفْيُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةِ
الْمُسْتَدِلِّ، وَيَكْفِيهِ أَنَّهُ2 لا يُثْبِتُ
عِلِّيَّتَهَا بِالاسْتِقْلالِ3، وَلا يَحْتَاجُ فِي
ذَلِكَ إلَى4 أَنْ يُثْبِتَ عِلِّيَّةَ مَا أَبْدَاهُ
بِالاسْتِقْلالِ. فَإِنَّ كَوْنَهُ جُزْءَ الْعِلَّةِ
يُحَصِّلُ مَقْصُودَهُ فَقَدْ لا يَكُونُ عِلَّةً فَلا
يُؤَثِّرُ فِي أَصْلٍ أَصْلاً.
وَإِمَّا صَدُّ5 الْمُسْتَدِلِّ عَنْ التَّعْلِيلِ
بِذَلِكَ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ
لِجَوَازِ أَنَّ تَأْثِيرَ هَذَا و6َالاحْتِمَالِ كَافٍ،
فَهُوَ لا يَدَّعِي عِلِّيَّتَهُ7، حَتَّى يَحْتَاجَ
شَهَادَةَ أَصْلٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَصْلَ الْمُسْتَدِلِّ أَصْلُهُ؛
لأَنَّهُ كَمَا يَشْهَدُ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ
بِالاعْتِبَارِ؛ كَذَلِكَ يَشْهَدُ لِوَصْفِ الْمُعْتَرِضِ
بِالاعْتِبَارِ8؛ لأَنَّ الْوَصْفَيْنِ مَوْجُودَانِ9
فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ مَوْجُودٌ، بِأَنْ
ـــــــ
1 في ش: ظاهر.
2 في ش: أنه.
3 في ز: باستقلال. وفي ض: بالاستدلال
4 ساقطة من ش.
5 في ش: رد
6 ساقطة من ش.
7 في ب ش ع: علية.
8 في ش: بالأمثال.
9 في ع: مرجوان.
(4/298)
يَقُولَ:
الْعِلَّةُ الطُّعْمُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ كِلاهُمَا.
كَمَا فِي الْبُرِّ بِعَيْنِهِ، فَإِذًا مُطَالَبَتُهُ
بِأَصْلٍ مُطَالَبَةٌ1 لَهُ2 بِمَا قَدْ تَحَقَّقَ
حُصُولُهُ فَلا فَائِدَةَ فِيهِ.
"وَجَوَابُهَا3" أَيْ جَوَابُ الْمُعَارَضَةِ4 لَهُ
وُجُوهٌ:
الأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ "بِمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ"
مِثْلَ أَنْ يُعَارِضَ الْقُوتَ بِالْكَيْلِ. فَيَقُولَ5:
لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَكِيلٌ؛ لأَنَّ الْعِبْرَةَ
بِعَادَةِ زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَكَانَ حِينَئِذٍ مَوْزُونًا.
" وَالثَّانِي " مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ
الْمُطَالَبَةُ" أَيْ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَدِلِّ
الْمُعَارِضَ "بِتَأْثِيرِهِ" أَيْ يَكُونُ6 وَصْفُ
الْمُعَارِضِ7 مُؤَثِّرًا.
وَمَحَلُّهُ8 "إنْ أَثْبَتَ" الْمُسْتَدِلُّ الْوَصْفَ
"بِمُنَاسَبَةٍ أَوْ بِشَبَهٍ9" حَتَّى يَحْتَاجَ
الْمُعَارِضُ فِي مُعَارَضَتِهِ إلَى بَيَانِ
10مُنَاسَبَةٍ أَوْ شَبَهٍ "لا" إنْ أَثْبَتَ
الْمُسْتَدِلُّ11 الْوَصْفَ "بِسَبْرٍ" فَإِنَّ الْوَصْفَ
يَدْخُلُ فِي السَّبْرِ بِدُونِ ثُبُوتِ الْمُنَاسَبَةِ
بِمُجَرَّدِ
ـــــــ
1 في ش ز: مطالبته.
2 ساقطة من ض.
3 في ش: الأول.
4 في ش: المعارض.
5 في ض: فتقول. وفي ب: فنقول.
6 في ش ع: يكون.
7 في ش: المستدل.
8 في ش: بمحله.
9 في ض: شبه.
10 ساقطة من ش.
11 ساقطة من ز.
(4/299)
الاحْتِمَالِ.
وَالثَّالِثُ : مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ
بِخَفَائِهِ" أَيْ خَفَاءِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ.
وَالرَّابِعُ : مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ
لَيْسَ مُنْضَبِطًا" أَيْ كَوْنُ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ
لَيْسَ مُنْضَبِطًا.
وَالْخَامِسُ : مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ
مَنْعِ ظُهُورِهِ" بِأَنْ1 يَمْنَعَ2 الْمُسْتَدِلُّ
ظُهُورَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ.
وَالسَّادِسُ : مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ
انْضِبَاطِهِ" بِأَنْ يَمْنَعَ3 الْمُسْتَدِلُّ
انْضِبَاطَ4 وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ. فَإِنَّ وَصْفَ5
الْمُعَارِضِ إذَا كَانَ خَفِيًّا أَوْ ظَاهِرًا غَيْرَ
مُنْضَبِطٍ، أَوْ مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ ظُهُورَهُ6 أَوْ
مَنَعَ انْضِبَاطَهُ لا7 يُثْبِتُ8 عِلِّيَّةَ وَصْفِ
الْمُعَارِضِ لِوُجُوبِ ظُهُورِ الْوَصْفِ وَانْضِبَاطِهِ.
ـــــــ
1 في ز: أي بأن.
2 في ش: منع.
3 في ش: منع.
4 في ش: انضباطه.
5 في ع: المعارضة.
6 في ش: لظهوره. وفي ض د: ظهور معارض في الفرع.
7 في ع ب: ولا.
8 في ض: تثبت.
(4/300)
وَالسَّابِعُ :
مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ بَيَانُ" أَيْ أَنْ1
يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ "أَنَّهُ2" أَيْ أَنَّ وَصْفَ
الْمُعَارِضِ "غَيْرُ مَانِعٍ" عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي
الْفَرْعِ.
كَمَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ: يُقْتَلُ3 الْقَاتِلُ
الْمُكْرَهُ: قِيَاسًا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَالْجَامِعُ
بَيْنَهُمَا الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ.
فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالاخْتِيَارِ، أَيْ أَنَّ
الْعِلَّةَ فِي الأَصْلِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ
بِالاخْتِيَارِ، وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ.
فَيُجِيبُ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ وَصْفَ الْمُعَارِضِ
غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ؛
لأَنَّ الاخْتِيَارَ عَدَمُ الإِكْرَاهِ الْمُنَاسِبِ
لِنَقِيضِ الْحُكْمِ، وَ45عَدَمِ الإِكْرَاهِ طَرْدٌ لا
يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ6، فَالإِكْرَاهُ مُنَاسِبٌ
لِنَقِيضِ الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ الاقْتِصَاصِ، لَكِنَّ
عَدَمَ الإِكْرَاهِ طَرْدِيٌّ لا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ؛
لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَاعِثِ فِي شَيْءٍ.
وَالثَّامِنُ : مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ
مُلْغًى، أَوْ أَنَّ مَا عَدَاهُ مُسْتَقِلٌّ"
ـــــــ
1 ساقطة من ش ز.
2 في ش ز ع: أنه عدم معارض في الفرع.
3 في ش: بقتل.
4 ساقطة من ش. وفي ض ب: وهو.
5 ساقطة من ش.
6 في ض: للعلة.
(4/301)
بِالْعِلِّيَّةِ1 "فِي صُورَةٍ مَا2 بِظَاهِرِ نَصٍّ، أَوْ
إجْمَاعٍ" يَعْنِي أَنْ يُبَيِّنَ3 الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ
الْوَصْفِ الَّذِي عَارَضَ بِهِ الْمُعَارِضُ مُلْغًى.
فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْمُسْتَدِلُّ: فَقَدْ تَبَيَّنَ
اسْتِقْلالُ الْبَاقِي بِالْعِلِّيَّةِ فِي صُورَةٍ مَا
بِظَاهِرِ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ.
مِثَالُهُ: إذَا عَارَضَ فِي الرِّبَا الطُّعْمَ
بِالْكَيْلِ. فَيُجِيبُ بِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى
اعْتِبَارِ الطُّعْمِ فِي صُورَةٍ مَا، وَهُوَ قَوْلُهُ
"لا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلاَّ سَوَاءً
بِسَوَاءٍ" .
وَمِثَالٌ آخَرُ: أَنْ يَقُولَ فِي يَهُودِيٍّ صَارَ
نَصْرَانِيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ: بَدَّلَ دِينَهُ.
فَيُقْتَلُ4 كَالْمُرْتَدِّ، فَيُعَارِضُ5 بِالْكُفْرِ
بَعْدَ الإِيمَانِ. فَيُجِيبُ بِأَنَّ التَّبْدِيلَ
مُعْتَبَرٌ فِي صُورَةٍ مَا، كَقَوْلِهِ "مَنْ بَدَّلَ
دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" .
وَهَذَا إذَا6 لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْمِيمِ، فَلَوْ
عَمَّمَ وَقَالَ: فَثَبَتَ7 رِبَوِيَّةُ كُلِّ مَطْعُومٍ
أَوْ اعْتِبَارُ كُلِّ تَبْدِيلٍ8؛ لِلْحَدِيثِ. لَمْ
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ش.
3 في ش ز: بين.
4 في ب: فاقتلوه.
5 في ش ز: فيعارضه.
6 في ض ب: إن.
7 في ض ب: ثبت. وفي ش: تثبت.
8 ساقطة من ع.
(4/302)
يُسْمَعْ؛
لأَنَّ ذَلِكَ إثْبَاتٌ لِلْحُكْمِ1 بِالنَّصِّ دُونَ
الْقِيَاسِ، وَلا تَعْمِيمَ2 لِلْقِيَاسِ3 بِالإِلْغَاءِ،
وَالْمَقْصُودُ ذَلِكَ، وَلأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْعُمُومُ
لَكَانَ الْقِيَاسُ ضَائِعًا. وَلا يَضُرُّ كَوْنُهُ
عَامًّا إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعُمُومِ وَلَمْ
يَسْتَدِلُّ بِهِ.
"وَيَكْفِي فِي اسْتِقْلالِهِ" أَيْ اسْتِقْلالِ الْوَصْفِ
"إثْبَاتُ" الْمُسْتَدِلِّ "الْحُكْمَ فِي صُورَةٍ
دُونَهُ" أَيْ: دُونَ الْوَصْفِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ4 عَدَمُ
غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عَجَزُ5 الْمُعَارِضِ
عَنْهُ. ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ6.
وَقِيلَ: لا؛ لِجَوَازِ عِلَّةٍ أُخْرَى قَطَعَ بِهِ ابْنُ
الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ7.
8وَالْقَادِحُ السَّادِسَ عَشَرَ: هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ
بِقَوْلِهِ8 "وَلَوْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ" وَصْفًا
"آخَرَ يَقُومُ مَقَامَ" الْوَصْفِ "الْمُلْغَى" أَيْ
الَّذِي
ـــــــ
1 في ض: الحكم.
2 في جميع النسخ: ولا تتميم. وهو تصحيف.
3 في ع: بالقياس.
4 في ش: الوصف.
5 في ش: عدم.
6 روضة الناظر ص 347.
7 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/273، منتهى السول
والأمل ص 197.
8 ساقطة من ش ز ب.
(4/303)
أَلْغَاهُ1
الْمُسْتَدِلّ2ُ "بِثُبُوتِ3 الْحُكْمِ دُونَهُ" أَيْ مَعَ
عَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمُلْغَى "فَسَدَ الإِلْغَاءُ.
وَيُسَمَّى" هَذَا "تَعَدُّدُ4 الْوَضْعِ، لِتَعَدُّدِ
أَصْلَيْهِمَا" أَيْ أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ وَأَصْلِ
الْمُعْتَرِضِ5.
"وَجَوَابُ فَسَادِ الإِلْغَاءِ: الإِلْغَاءُ6، إلَى أَنْ
يَقِفَ أَحَدُهُمَا".
قَالَ الْعَضُدُ: وَرُبَّمَا يُظَنُّ7 أَنَّ إثْبَاتَ
الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ دُونَ وَصْفِ الْمُعَارِضِ كَافٍ
فِي إلْغَائِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافٍ،
لِجَوَازِ وُجُودِ عِلَّةٍ أُخْرَى 8لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ
جَوَازِ9 تَعَدُّدِ الْعِلَّةِ، وَعَدَمِ وُجُوبِ
الْعَكْسِ.
وَلأَجْلِ ذَلِكَ لَوْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ10 فِي
صُورَةٍ عَدَمَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ11 وَصْفًا آخَرَ
يَقُومُ مَقَامَ مَا أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ بِثُبُوتِ
الْحُكْمِ دُونَهُ12،
ـــــــ
1 في ش: يجوز إلغاء. وفي ع: أنهاه.
2 في ش: المستدل له.
3 في ش: لثبوت.
4 في ش: العدد.
5 انظر شرح العضد 2/273، الإحكام للآمدي 4/128.
6 في ض ب: بالإلغاء.
7 في ش: ظن.
8 ساقطة من ع.
9 في ش: جواز و.
10 ساقطة من شرح العضد.
11 في ش: المعارض.
12 في شرح العضد: يخلفه لئلا يكون الباقي مستقلاً.
(4/304)
فَسَدَ
الإِلْغَاءُ؛ لابْتِنَائِهِ عَلَى اسْتِقْلالِ الْبَاقِي
فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. وَقَدْ بَطَلَ1.
وَتُسَمَّى هَذِهِ الْحَالَةُ تَعَدُّدَ الْوَضْعِ
لِتَعَدُّدِ أَصْلَيْهِمَا2، وَالتَّعْلِيلُ فِي
أَحَدِهِمَا بِالْبَاقِي عَلَى وَضْعٍ، أَيْ مَعَ قَيْدٍ،
وَفِي الآخَرِ3 عَلَى وَضْعٍ آخَرَ، أَيْ4 مَعَ قَيْدٍ
آخَرَ.
مِثَالُهُ: أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ
لِلْحَرْبِيِّ أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ، فَيُقْبَلُ
كَالْحُرِّ؛ لأَنَّ5 الإِسْلامَ وَالْعَقْلَ مَظِنَّتَانِ
لإِظْهَارِ مَصْلَحَةِ الإِيمَانِ أَيْ بَذْلِ6 الأَمَانِ7
وَجَعْلِهِ آمِنًا.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هُوَ مُعَارَضٌ بِكَوْنِهِ
حُرًّا، أَيْ الْعِلَّةُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَاقِلاً
حُرًّا. فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ مَظِنَّةُ فَرَاغِ قَلْبِهِ
لِلنَّظَرِ لِعَدَمِ8 اشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ
فَيَكُونُ إظْهَارُ مَصَالِحِ الإِيمَانِ مَعَهُ أَكْمَلَ.
فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: الْحُرِّيَّةُ مُلْغَاةٌ
لاسْتِقْلالِ الإِسْلامِ وَالْعَقْلِ بِهِ9 فِي صُورَةِ
الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ قِبَلِ سَيِّدِهِ فِي
أَنْ يُقَاتِلَ.
ـــــــ
1 ساقطة من ع.
2 في شرح العضد: أصلهما.
3 في ع ض: الأخرى.
4 ساقطة من ض.
5 في شرح العضد: لأنهما أعني.
6 في ش: بدل.
7 في ب: الايمان.
8 في ع: بعدم.
9 ساقطة من شرح العضد.
(4/305)
فَيَقُولُ
الْمُعْتَرِضُ: إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ خَلَفٌ1 عَنْ
الْحُرِّيَّةِ2. فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ
فِيمَا تَصَدَّى لَهُ مِنْ مَصَالِحِ3 الْقِتَالِ، أَوْ
لِعِلْمِ4 السَّيِّدِ صَلاحَهُ5 لإِظْهَارِ مَصَالِحِ
الإِيمَانِ.
وَجَوَابُ6 تَعَدُّدِ الْوَضْعِ: أَنْ يُلْغِيَ7
الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ الْخَلَفَ8 بِإِبْدَاءِ صُورَةٍ لا
يُوجَدُ فِيهَا الْخَلَفُ. فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ
خَلَفًا آخَرَ9 فَجَوَابُهُ إلْغَاؤُهُ. وَعَلَى هَذَا،
إلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا. فَتَكُونُ10 الدَّبْرَةُ11
عَلَيْهِ. فَإِنْ ظَهَرَ12 صُورَةٌ لا خَلَفَ فِيهَا13
تَمَّ الإِلْغَاءُ، وَبَطَلَ الاعْتِرَاضُ، وَإِلاَّ
ظَهَرَ عَجْزُ14 الْمُسْتَدِلِّ15.
ـــــــ
1 في ش: خلف له.
2 في شرح العضد: من.
3 في ش: مسائل.
4 في ز: ليعلم.
5 في شرح العضد: بصلاحيته.
6 في ز: وجوابه.
7 في ش ض ب: يكفي.
8 في شرح العضد: الخلف أيضاً.
9 ساقطة من ز.
10 في شرح العضد: فيكون.
11 في ش: الدائرة. وهو غلط. ومعنى تكون الدَّبْرة عليه: أي
الهزيمة. "انظر الصحاح 2/653، المعجم الوسيط 1/269".
12 في ش: ظهر له.
13 في ز ض ب: فيه.
14 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: المعترض.
15 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/273، 274.
(4/306)
"وَلا يُفِيدُ
الإِلْغَاءَ لِضَعْفِ الْمَظِنَّةِ" الْمُتَضَمِّنَةِ
لِذَلِكَ الْمَعْنَى "بَعْدَ تَسْلِيمِهَا".
مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ1 الْمُسْتَدِلُّ: الرِّدَّةُ
عِلَّةُ الْقَتْلِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: بَلْ مَعَ
الرُّجُولِيَّةِ؛ لأَنَّهُ مَظِنَّةُ الإِقْدَامِ عَلَى
قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، إذْ يُعْتَادُ ذَلِكَ مِنْ
الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.
فَيُجِيبُ الْمُسْتَدِلُّ: بِأَنَّ الرُّجُولِيَّةَ
وَكَوْنَهَا2 مَظِنَّةَ الإِقْدَامِ لا تُعْتَبَرُ3،
وَإِلاَّ لَمْ يُقْتَلْ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ؛ لأَنَّ
احْتِمَالَ الإِقْدَامِ فِيهِ ضَعِيفٌ، بَلْ أَضْعَفُ مِنْ
احْتِمَالِهِ فِي النِّسَاءِ.
4 وَهَذَا لا 5 يُقْبَلُ مِنْهُ، حَيْثُ سَلَّمَ أَنَّ
الرُّجُولِيَّةَ مَظِنَّةٌ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ6.
وَذَلِكَ كَتَرَفُّهِ الْمَلِكِ فِي السَّفَرِ لا يَمْنَعُ
رُخَصَ السَّفَرِ فِي حَقِّهِ لِعِلَّةِ الْمَشَقَّةِ، إذْ
الْمُعْتَبَرُ الْمَظِنَّةُ7 وَقَدْ وُجِدَتْ، لا
مِقْدَارُ
ـــــــ
1 في ض ب: كقول.
2 في ز: وإن كانت.
3 في ز ب: لا يعتبر.
4 ساقطة من ز.
5 في ب: لم.
6 في شرح العضد: لقلّة.
7 وهي السفر. قال العلامة ابن القيم: فإن السفر في نفسه
قطعة من العذاب، وهو في نفسه مشقة وجهد، ولو كان المسافر
من أرفهِ الناس، فإنه في مشقة وجهد بحسبه. "إعلام الموقعين
2/130" وقال الشاطبي: فالملك المترفه قد يقال إن المشقة
تلحقه، لكنا لا نحكم عليه بذلك لخفائها. "الموافقات 2/54".
(4/307)
الْحِكْمَةِ
لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا1.
"وَلا يَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ رُجْحَانُ وَصْفِهِ"
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا يَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ
رُجْحَانُ وَصْفِهِ خِلافًا لِلآمِدِيِّ2؛ لِقُوَّةِ
بَعْضِ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ3، كَالْقَتْلِ عَلَى
الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ.
"أَمَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ مُعَلَّلاً
بِأَحَدِهِمَا" أَيْ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ "قُدِّمَ
الرَّاجِحُ وَلا يَكْفِي كَوْنُهُ مُتَعَدِّيًا"
لاحْتِمَالِ تَرْجِيحِ4 الْقَاصِرِ.
قَالَ الْعَضُدُ: هَذَانِ وَجْهَانِ تُوُهِّمَا جَوَابًا
لِلْمُعَارَضَةِ وَلا يَكْفِيَانِ.
الأَوَّلُ : رُجْحَانُ الْمُعَيَّنِ5 وَهُوَ أَنْ يَقُولَ
الْمُسْتَدِلُّ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ: مَا
عَيَّنْته6 مِنْ الْوَصْفِ رَاجِحٌ7 عَلَى مَا عَارَضْت
بِهِ، ثُمَّ يُظْهِرُ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ.
وَهَذَا الْقَدْرُ غَيْرُ كَافٍ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا
ـــــــ
1 قاله العضد في شرحه لمختصر ابن الحاجب 2/274.
2 انظر الإحكام في أصول الأحكام 4/128.
3 ساقطة من ز.
4 في ش ز: ترجح.
5 في ز: العين.
6 في ز ب: عنيته.
7 في ض: راجحاً.
(4/308)
يَدُلُّ عَلَى1
أَنَّ اسْتِقْلالَ وَصْفِهِ2 أَوْلَى مِنْ اسْتِقْلالِ
وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ؛ إذْ لا يُعَلَّلُ بِالْمَرْجُوحِ
مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ، لَكِنَّ احْتِمَالَ
الْجُزْئِيَّةِ بَاقٍ، وَلا بُعْدَ3 فِي تَرْجِيحِ4 بَعْضِ
الأَجْزَاءِ عَلَى بَعْضٍ فَيَجِيءُ التَّحَكُّمُ.
الثَّانِي : كَوْنُ مَا عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ
مُتَعَدِّيًا وَالآخَرُ قَاصِرًا غَيْرُ كَافٍ فِي جَوَابِ
الْمُعَارَضَةِ، إذْ5 مَرْجِعُهُ التَّرْجِيحُ بِذَلِكَ،
فَيَجِيءُ التَّحَكُّمُ.
هَذَا وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ6 فَإِنَّهُ إنْ
رُجِّحَتْ الْمُتَعَدِّيَةُ7 بِأَنَّ اعْتِبَارَهُ يُوجِبُ
الاتِّسَاعَ فِي الأَحْكَامِ، وَبِأَنَّهَا مُتَّفَقٌ
عَلَى اعْتِبَارِهَا بِخِلافِ الْقَاصِرَةِ رُجِّحَتْ
الْقَاصِرَةُ بِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ8 لِلأَصْلِ. إذْ
الأَصْلُ عَدَمُ الأَحْكَامِ، وَبِأَنَّ اعْتِبَارَهَا
إعْمَالٌ9 لِلدَّلِيلَيْنِ مَعًا10-
ـــــــ
1 ساقطة من ز.
2 في ز: وصف.
3 في ش: ولا يعد.
4 في شرح العضد: ترجح.
5 ساقطة من ش.
6 ساقطة من ش.
7 في ض: التعدية.
8 في ب: موقفه. وفي ض: موقوفة
9 في ز ب: اعلام.
10 ساقطة من ز.
(4/309)
دَلِيلِ
الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ وَدَلِيلِ الْقَاصِرَةِ،
بِخِلافِ إلْغَائِهَا1.
"وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ أُصُولِ الْمُسْتَدِلِّ2" عَلَى
الصَّحِيحِ؛ لأَنَّ الظَّنَّ يَقْوَى بِالتَّعَدُّدِ،
وَكَمَا أَنَّ أَصْلَ الظَّنِّ مَقْصُودٌ، فَقُوَّتُهُ
أَيْضًا مَقْصُودَةٌ.
"وَ" عَلَى هَذَا يَجُوزُ "اقْتِصَارٌ عَلَى" أَصْلٍ
"وَاحِدٍ فِي مُعَارَضَةٍ، وَ" فِي "جَوَابٍ" مِنْ غَيْرِ
تَعَرُّضٍ لِبَقِيَّةِ الأُصُولِ فِيهِ؛ لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ فِيهِمَا.
ـــــــ
1 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/274.
2 في ش: مستدل.
(4/310)
"فَوَائِدُ":
تَدُلُّ عَلَى مَعَانِي أَلْفَاظٍ مُتَدَاوَلَةٍ1 بَيْنَ
الْجَدَلِيِّينَ .
نَبَّهَ عَلَيْهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي
كِتَابِهِ الإِيضَاحِ2.
الأُولَى "الْفَرْضُ" وَهُوَ "أَنْ يُسْأَلَ عَامًّا،
فَيُجِيبَ خَاصًّا أَوْ يُفْتِيَ عَامًّا وَيَدُلَّ
خَاصًّا3".
وَقَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ4: الْفَرْضُ: وَ5هُوَ
تَخْصِيصُ بَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ بِالْحِجَاجِ6،
وَإِقَامَةُ7 الدَّلِيلِ عَلَيْهِ.
ـــــــ
1 في ض ب: الألفاظ المتداولة.
2 في ض: وقال وعلى هذا لو قال. وفي ب: في كتابه الإيضاح
وقال: وعلى هذا لو قال.
3 انظر المسودة ص 425، إرشاد الفحول ص 235، الوصول لابن
برهان 2/266.
4 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/310.
5 ساقطة من ش.
6 قال البناني: أي بأن يكون النزاع في كلي تندرج فيه
جزئيات، فيفرض النزاع في جزئي خاص من تلك الجزئيات، ويقع
الحجاج فيه من الجانبين. "حاشية البناني 2/310".
7 في ش: أي وإقامة.
(4/311)
"وَ"
الثَّانِيَةُ "التَّقْدِيرُ" وَهُوَ "إعْطَاءُ
الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، وَعَكْسُهُ" وَهُوَ
إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ1.
وَهُوَ مُقَارِنُ الْفَرْضِ2، فَإِنَّهُ يُقَالُ3:
يُقَدَّرُ الْفَرْضُ فِي كَذَا4، وَالْفَرْضُ مُقَدَّرٌ
فِي كَذَا...
مِثَالُ إعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ:
الْمَاءُ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ
بِاسْتِعْمَالِهِ، فَيَتَيَمَّمُ5 وَيَتْرُكُهُ مَعَ
وُجُودِهِ حِسًّا.
وَمِثَالُ6 إعْطَاءِ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ:
الْمَقْتُولُ تُورَثُ7 عَنْهُ الدِّيَةُ وَإِنَّمَا8
تَجِبُ بِمَوْتِهِ وَلا تُورَثُ عَنْهُ، إلاَّ إذَا
دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ. فَيُقَدَّرُ دُخُولُهَا قَبْلَ
مَوْتِهِ.
"وَ" الثَّالِثَةُ "مَحَلُّ النِّزَاعِ" وَهُوَ "الْحُكْمُ
الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا".
ـــــــ
1 انظر البيان المفصل والبحث المطول عن حقيقة التقدير
وأمثلته وتطبيقاته الفقهية في "الأمنية في إدراك النية
للقرافي ص 55-63، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام
2/95-100".
2 في ش: للفرض.
3 ساقطة من ز.
4 في ز: هذا.
5 في ش: فيتيم.
6 في ش: ومثاله مع.
7 في ز: يورث.
8 في ش: وإلا.
(4/312)
وَهُوَ أَيْضًا
كَالْمُقَارِنِ لِلْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ.
فَمَحَلُّ النِّزَاعِ: هُوَ الْمُتَكَلَّمُ فِيهِ مِنْ
الْجَانِبَيْنِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.
"وَ" الرَّابِعَةُ "الإِلْغَاءُ" وَهُوَ "إثْبَاتُ
الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ".
السَّابِعَ1 عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "التَّرْكِيبُ"2.
أَيْ سُؤَالُ التَّرْكِيبِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُرُودِهِ
عَلَى الْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ مِنْ اخْتِلافِ مَذْهَبِ
الْخَصْمِ "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْبَالِغَةُ
أُنْثَى، فَلا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا كَبِنْتِ خَمْسَ
عَشْرَةَ3، فَالْخَصْمُ يَعْتَقِدُ لِصِغَرِهَا".
وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ فَاسِدٌ.
قِيلَ: لِرَدِّ الْكَلامِ إلَى سِنِّ الْبُلُوغِ،
وَلَيْسَ4 بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ.
ـــــــ
1 في ش ز ب: السادس.
2 انظر كلام الأصوليين على التركيب في "البرهان 2/1099،
مختصر الطوفي ص 171، روضة الناظر ص 349، مختصر البعلي ص
159، الإحكام للآمدي 4/135، إرشاد الفحول ص 233، شرح العضد
2/274".
3 في ز: خمسة عشر.
4 في ض: وليست.
(4/313)
وَقِيلَ:
لأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَنْعِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ
أَوْ الْعِلَّةِ.
ثُمَّ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لاشْتِمَالِهِ عَلَى مَنْعِ
حُكْمٍ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ نَصُّهُ بِخِلافِهِ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ "صَحِيحٌ" وَهُوَ الأَصَحُّ؛ لأَنَّ
حَاصِلَهُ مُنَازَعَةٌ فِي الأَصْلِ1، فَيُبْطِلُ
الْمُسْتَدِلُّ مَا يَدَّعِي الْمُعْتَرِضُ تَعْلِيلَ
الْحُكْمِ بِهِ، لِيَسْلَمَ مَا يَدَّعِيهِ جَامِعًا فِي
الأَصْلِ2.
الثَّامِنَ3 عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "التَّعْدِيَةُ"4.
وَهِيَ "مُعَارَضَةُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِوَصْفٍ آخَرَ
مُتَعَدٍّ".
"كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "فِي بِكْرٍ بَالِغٍ" هِيَ
"بِكْرٌ فَأُجْبِرَتْ كَبِكْرٍ صَغِيرَةٍ".
"فَيَعْتَرِضُ" الْمُعْتَرِضُ "بِتَعَدِّي الصِّغَرِ إلَى
ثَيِّبٍ صَغِيرَةٍ، وَيَرْجِعُ" ذَلِكَ "إلَى
الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ".
قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: عَنْ5 التَّرْكِيبِ
وَالتَّعْدِيَةِ: هَذَانِ اعْتِرَاضَانِ يَعُدُّهُمَا
الْجَدَلِيُّونَ فِي عِدَادِ6 الاعْتِرَاضَاتِ وَهُمَا
ـــــــ
1 في ض ب: الأصل أو العلة، ثم هو غير صحيح لاشتماله على
منع حكم.
2 ساقطة من ش.
3 في ش ب ز: السابع.
4 انظر كلام الأصوليين على التعدية في "منتهى السول والأمل
ص 198، إرشاد الفحول ص 233، البرهان 2/1106، الإحكام
للآمدي 4/136".
5 في ش: عند.
6 في ض: عدد.
(4/314)
رَاجِعَانِ
إلَى بَعْضٍ مِنْ سَائِرِ الاعْتِرَاضَاتِ. وَنَوْعٌ1
مِنْهُ خُصَّ بِاسْمٍ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا2
سُؤَالاً بِرَأْسِهِ.
فَالأَوَّلُ : سُؤَالُ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ مَا عَرَفْته
حَيْثُ قُلْنَا3: شَرْطُ حُكْمِ الأَصْلِ أَنْ لا يَكُونَ
ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ. وَأَنَّهُ4 قِسْمَانِ: مُرَكَّبُ
الأَصْلِ، وَمُرَكَّبُ الْوَصْفِ وَأَنَّ5 مَرْجِعِ
أَحَدِهِمَا: مَنْعُ حُكْمِ الأَصْلِ، أَوْ مَنْعُ
الْعِلِّيَّةِ6. وَمَرْجِعُ الآخَرِ: مَنْعُ الْحُكْمِ،
أَوْ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ. فَلَيْسَ7
بِالْحَقِيقَةِ سُؤَالاً8 بِرَأْسِهِ، وَقَدْ عَرَفْتَ
الأَمْثِلَةَ فَلا مَعْنَى لِلإِعَادَةِ.
وَالثَّانِي9 : سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ، وَذَكَرُوا فِي
مِثَالِهِ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي الْبِكْرِ
الْبَالِغِ: بِكْرٌ فَتُجْبَرُ كَالصَّغِيرَةِ. فَيَقُولُ
الْمُعْتَرِضُ: هَذَا مُعَارَضٌ بِالصِّغَرِ.
ـــــــ
1 قال السعد التفتازاني: قوله: "ونوع" "عطف على راجعان، أي
كل منهما نوع من سائر الاعتراضات خُصَّ باسم خاص". "حاشية
السعد على شرح العضد 2/275".
2 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: منها.
3 في ش: قلت.
4 في د ض: فانه.
5 في ز ض: فان.
6 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: العلة.
7 في ش: فليسا.
8 في ش: سواء.
9 ساقطة من ز ض ب.
(4/315)
وَمَا
ذَكَرْته، وَإِنْ تَعَدَّى بِهِ الْحُكْمُ إلَى الْبِكْرِ
الْبَالِغِ، فَقَدْ تَعَدَّى بِهِ الْحُكْمُ إلَى
الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ، وَهَذَا التَّمْثِيلُ يَجْعَلُ
هَذَا1 السُّؤَالَ رَاجِعًا إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي
الأَصْلِ بِوَصْفٍ آخَرَ، وَهُوَ الْبَكَارَةُ
بِالصِّغَرِ، مَعَ زِيَادَةِ تَعَرُّضٍ لِلتَّسَاوِي2 فِي
التَّعْدِيَةِ. [دَفْعًا لِتَرْجِيحِ الْمُعَيَّنِ
بِالتَّعْدِيَةِ]3 فَلا يَكُونُ سُؤَالاً [آخَرَ]4 5".
وَلا أَثَرَ لِزِيَادَةِ التَّسْوِيَةِ فِي
التَّعْدِيَةِ"6 قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ خِلافًا
لِلدَّارِكِيِّ7.
التَّاسِعَ8 عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "مَنْعُ وُجُودِ
وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ
ـــــــ
1 ساقطة من شرح العضد.
2 كذا في شرح العضد، وفي ز: المساوي. وفي ش ض ب: التساو.
3 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق.
4 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق.
5 شرح العضد 2/275.
6 في ض: التعدية في التسوية.
7 هو عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الدَّارَكي الشافعي،
أبو القاسم، الإمام الفقيه: قال ابن قاضي شهبة: "درّس
بنيسابور مدة، ثم سكن بغداد، وكانت له حلقة للفتوى، وانتهت
إليه رياسة المذهب ببغداد، توفي سنة 375هـ.
والدَّاركي: نسبة إلى دارَك –بفتح الراء- من قرى أصبهان.
"انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/263، تاريخ بغداد
10/463، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/118، شذرات الذهب
3/85، النجوم الزاهرة 4/148، طبقات الشافعية للأسنوي
1/508، طبقات الشافعية لابن السبكي 3/330، الكامل لابن
الأثير 7/128، الفكر السامي 2/132".
8 في ش ب ز: الثامن.
(4/316)
فِي
الْفَرْعِ"1.
كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ فِي "أَمَانِ عَبْدٍ" هُوَ
"أَمَانٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَأْذُونِ" أَيْ
كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ.
"فَيَمْنَعُ" الْمُعْتَرِضُ "الأَهْلِيَّةَ" بِأَنْ
يَقُولَ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلأَمَانِ.
"فَيُجِيبُهُ" الْمُسْتَدِلُّ "بِوُجُودِ مَا عَنَاهُ
بِالأَهْلِيَّةِ فِي الْفَرْعِ" ثُمَّ بِبَيَانِ2
وُجُودِهِ بِحِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ شَرْعٍ "كَجَوَابِ
مَنْعِهِ فِي الأَصْلِ" فَيَقُولُ: أُرِيدُ
بِالأَهْلِيَّةِ كَوْنَهُ مَظِنَّةً لِرِعَايَةِ
مَصْلَحَةِ الأَمَانِ، وَهُوَ بِإِسْلامِهِ وَبُلُوغِهِ
كَذَلِكَ عَقْلاً.
"وَيُمْنَعُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ تَقْرِيرِ3 نَفْيِ
الْوَصْفِ عَنْ الْفَرْعِ"؛ لأَنَّ تَفْسِيرَهَا
وَظِيفَةُ4 مَنْ تَلَفَّظَ بِهَا؛ لأَنَّهُ الْعَالِمُ
بِمُرَادِهِ وَإِثْبَاتِهَا وَظِيفَةُ5 مَنْ ادَّعَاهَا.
فَيَتَوَلَّى تَعْيِينَ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ6 ذَلِكَ؛
لِئَلاَّ
ـــــــ
1 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "روضة الناظر ص
340، مختصر البعلي ص 153، مختصر الطوفي ص 166، إرشاد
الفحول ص 233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه
2/327، شرح العضد 2/275، منتهى السول والأمل ص 198،
الإحكام للآمدي 4/136، المنهاج للباجي ص 166، مفتاح الوصول
للتلمساني ص 158، فواتح الرحموت 2/350، نشر البنود 2/240".
2 في ض: بيان.
3 في ش: تقدير.
4 في ش: وخليفة.
5 في ش: وخليفة.
6 في ش: على.
(4/317)
يَنْتَشِرَ
الْجَدَلُ.
الْعِشْرُونَ1 مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْمُعَارَضَةُ فِي
الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ حُكْمِ
الْمُسْتَدِلِّ"2.
بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ
الْوَصْفِ، وَإِنْ3 اقْتَضَى ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي
الْفَرْعِ فَعِنْدِي وَصْفٌ آخَرُ يَقْتَضِي نَقِيضَهُ،
فَيَتَوَقَّفُ دَلِيلُك وَهُوَ الْمَعْنَى
بِالْمُعَارَضَةِ إذَا أَطُلِقَتْ.
وَلا بُدَّ مِنْ بِنَائِهِ4 عَلَى5 أَصْلٍ [بِـ]6 جَامِعِ
بِأَنْ يُثْبِتَ الْمُعْتَرِضُ عِلِّيَّتِهِ7 "بِأَحَدِ
طُرُقِ الْعِلَّةِ" فَيَصِيرُ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلاًّ،
وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا فَتَنْقَلِبُ
الْوَظِيفَتَانِ.
ـــــــ
1 في ب ز ش: التاسع عشر.
2 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "مفتاح الوصول ص
159، روضة الناظر ص 348، مختصر الطوفي ص 170، المنهاج
للباجي ص 201، المسودة ص 441، المغني للخبازي ص 324،
الكافية للجويني ص 418، تيسير التحرير 4/158، فواتح
الرحموت 2/351، إرشاد الفحول ص 233، شرح العضد 2/275،
منتهى السول والأمل ص 198، الإحكام للآمدي 4/137".
3 في ز: فإن.
4 في ز ب ض: بيانه.
5 في ش: على أنه.
6 زيادة يقتضيها السياق. انظر شرح العضد 2/275.
7 في ش: عليه.
(4/318)
وَاخْتُلِفَ
فِي قَبُولِ هَذَا الْقَادِحِ وَالصَّحِيحُ "يُقْبَلُ"
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا1 وَالأَكْثَرِ2؛ لِئَلاَّ
تَخْتَلَّ فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ3
الْحُكْمِ؛ لأَنَّهُ لا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ4
الدَّلِيلِ مَا لَمْ يُعْلَمْ عَدَمُ الْمُعَارِضِ.
وَقِيلَ: لا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَلْبِ التَّنَاظُرِ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ الْقَدْحِ بِالْمُعَارَضَةِ
"بِمَا يَعْتَرِضُ بِهِ الْمُعْتَرِضُ ابْتِدَاءً"
وَالْجَوَابُ هُوَ5 الْجَوَابُ.
"وَيُقْبَلُ تَرْجِيحُ" أَحَدِهِمَا "بِوَجْهٍ مَا" أَيْ
بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ
الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَجَمْعٍ
مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الآمِدِيُّ6 وَابْنُ
الْحَاجِبِ7؛ لأَنَّهُ إذَا تَرَجَّحَ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا
وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ.
وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ؛ لأَنَّ تَسَاوِيَ
الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِهِمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلا
يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَإِلاَّ لَمْ تَحْصُلْ الْمُعَارَضَةُ
لامْتِنَاعِ الْعِلْمِ
ـــــــ
1 انظر روضة الناظر ص 349، المسودة ص 440، شرح العضد
2/275.
2 انظر البرهان 2/1050، فواتح الرحموت 2/351.
3 في ش: لثبوت.
4 في ش: بوجود.
5 ساقطة من ش.
6 الإحكام في أصول الأحكام 4/138.
7 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/276، منتهى السول
والأمل ص 199.
(4/319)
بِذَلِكَ،
فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ1.
"وَلا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ الإِيمَاءُ إلَيْهِ" أَيْ
إلَى التَّرْجِيحِ "فِي" مَتْنِ "دَلِيلِهِ" بِأَنْ
يَقُولَ فِي أَمَانِ الْعَبْدِ: أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ
عَاقِلٍ مُوَافِقًا2 لِلْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ.
وَقِيلَ: بَلَى.
وَالصَّحِيحُ: لا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لأَنَّ التَّرْجِيحَ
عَلَى مَا يُعَارِضُهُ خَارِجٌ عَنْ الدَّلِيلِ.
وَتَوَقُّفُ الْعَمَلِ عَلَى التَّرْجِيحِ لَيْسَ جُزْءًا
لِلدَّلِيلِ، بَلْ شَرْطٌ لَهُ لا مُطْلَقًا، بَلْ إذَا
حَصَلَ الْمُعَارِضُ وَاحْتِيجَ إلَى دَفْعِهِ.
وَالْحَادِي3 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ:
"الْفَرْقُ"4.
وَهُوَ إبْدَاءُ الْمُعْتَرِضِ مَعْنًى يَحْصُلُ بِهِ
الْفَرْقُ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ حَتَّى لا يَلْحَقُ
بِهِ فِي حُكْمِهِ.
ـــــــ
1 ساقطة من ش.
2 في ض: موافق.
3 ساقطة من ش ز ب.
4 انظر كلام الأصوليين على الفرق في "شرح تنقيح الأصول ص
403، المحصول 2/2/367، المنهاج للباجي ص 201، المسودة ص
441، البرهان 2/1060، الكافية للجويني ص 298، الوصول لابن
برهان 2/327، المنخول ص 417، نشر البنود 2/229، إرشاد
الفحول ص 229، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه
2/319، نهاية السول 3/100، مناهج العقول 3/100، الإبهاج
3/86، شرح العضد 2/276، منتهى السول والأمل ص 199، الإحكام
للآمدي 4/138".
(4/320)
وَهُوَ
"رَاجِعٌ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي أَصْلٍ أَوْ1 فَرْعٍ"
فَيُقْبَلُ.
وَقِيلَ: يَرْجِعُ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ
وَالْفَرْعِ مَعًا فَلا يُقْبَلُ.
"وَيَحْتَاجُ الْقَادِحُ فِي الْجَمْعِ إلَى دَلالَةٍ
وَأَصْلٍ كَالْجَمْعِ".
وَهُوَ نَوْعَانِ:
الأَوَّلُ : أَنْ يَجْعَلَ الْمُعْتَرِضُ تَعَيُّنَ2
صُورَةِ الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا هُوَ الْعِلَّةَ
فِي الْحُكْمِ. كَقَوْلِ حَنْبَلِيٍّ فِي وُجُوبِ
النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ طَهَارَةٌ3 عَنْ حَدَثٍ.
فَوَجَبَ لَهَا النِّيَّةُ كَالتَّيَمُّمِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ بِالْفَرْقِ: الْعِلَّةُ فِي4
الأَصْلِ كَوْنُ الطَّهَارَةِ بِتُرَابٍ لا مُطْلَقُ
الطَّهَارَةِ. فَذَكَرَ لَهُ خُصُوصِيَّةً لا تَعْدُوهُ5.
وَكَقَوْلِ حَنَفِيٍّ فِي التَّبْيِيتِ: صَوْمٌ عُيِّنَ،
فَيَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالنَّفْلِ.
فَيُقَالُ: صَوْمُ نَفْلٍ فَيَنْبَنِي6 عَلَى
السُّهُولَةِ، فَجَازَ بِنِيَّةٍ7 مُتَأَخِّرَةٍ، بِخِلافِ
الْفَرْضِ.
ـــــــ
1 في ض: و.
2 في ش ض: تعيين.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: بـ.
5 ساقطة من ز. وفي ش: لا بقدره.
6 في ض: ينبني. وفي ب: فيبنى.
7 في ض: نيته.
(4/321)
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا النَّوْعُ رَاجِعٌ إلَى
مُعَارَضَةٍ1 فِي2 الأَصْلِ، أَيْ3 مُعَارَضَةِ عِلَّةِ
الْمُسْتَدِلِّ فِيهِ لِعِلَّةٍ4 أُخْرَى، وَلِهَذَا5
بَنَاهُ الْبَيْضَاوِيُّ6 وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ7
عَلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا8.
وَوَجْهُ الْبِنَاءِ: أَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَارَضَ عِلَّةَ
الْمُسْتَدِلِّ بِعِلَّةٍ أُخْرَى. فَمَنْ مَنَعَ9
التَّعْلِيلَ بِعِلَّتَيْنِ10 رَآهُ اعْتِرَاضًا يَلْزَمُ
مِنْهُ تَعَدُّدُ الْمُعَلَّلِ11.
وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُ، وَمَنْ لَمْ يَمْنَعْ لَمْ
يَرَهُ سُؤَالاً قَادِحًا لِجَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ لَهُ
عِلَّتَانِ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى
عَدَمِ الْبِنَاءِ.
ـــــــ
1 في ز: معارضته.
2 ساقطة من ب.
3 في ز ض: أو.
4 في ش: بعلة.
5 في ز: وبهذا.
6 المنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول 3/100.
7 انظر شرح تنقيح الفصول ص 403، المحصول 2/2/367، المسودة
ص 442، نشر البنود 2/229.
8 ساقطة من ش.
9 في ض: فمنع من.
10 ساقطة من ض.
11 في ش: العلل. وفي ض: المعترض.
(4/322)
النَّوْعُ
الثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَ تَعَيُّنَ الْفَرْعِ مَانِعًا
مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الأَصْلِ فِيهِ. كَقَوْلِهِمْ:
يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ
الْمُسْلِمِ، بِجَامِعِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ
الْعُدْوَانِ1.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: تَعَيُّنُ الْفَرْعِ - وَهُوَ
الإِسْلامُ - مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ.
وَلَعَلَّهُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ
بِالْقَاصِرَةِ2.
لَكِنْ بَنَاهُ الْبَيْضَاوِيُّ 3 وَغَيْرُهُ عَلَى
الْخِلافِ فِي النَّقْضِ إذَا كَانَ لِمَانِعٍ4: هَلْ
يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ5 أَوْ لا؟
فَإِنْ قُلْنَا: لا يَقْدَحُ، فَهَذَا كَذَلِكَ؛ لأَنَّ
الْوَصْفَ الَّذِي ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ
لَمَّا وُجِدَ فِي الْفَرْعِ، وَتَخَلَّفَ فِيهِ الْحُكْمُ
لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ. فَهَذَا نَقْضٌ لِمَانِعٍ،
فَيَقْدَحُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْقَدْحِ بِالنَّقْضِ
لِمَانِعٍ، وَإِلاَّ فَلا6.
فَيَكُونُ مُخْتَارُ الْبَيْضَاوِيِّ قَدْحَ النَّوْعِ
الأَوَّلِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ،
وَعَدَمَ قَدْحِ النَّوْعِ الثَّانِي مُطْلَقًا؛
لاخْتِيَارِ جَوَازِ
ـــــــ
1 ساقطة من ض.
2 في ض: أيضاً على جواز التعليل.
3 المنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول 3/100.
4 في ش: المانع.
5 في ش ض: العلة.
6 ساقطة من ش.
(4/323)
التَّعْلِيلِ
بِعِلَّتَيْنِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ
الْمَنْصُوصَةِ، وَأَنَّ1 النَّقْضَ لِمَانِعٍ غَيْرُ
قَادِحٍ.
وَمَتَى قِيلَ: إنَّ الْقَادِحَ فِي الْجَمْعِ لا
يَحْتَاجُ إلَى دَلالَةٍ و2َأَصْلٍ كَالْجَمْعِ، كَانَتْ
دَعْوَاهُ بِلا دَلِيلٍ.
"وَإِنْ أَحَبَّ" الْمُعْتَرِضُ "إسْقَاطَهُ" أَيْ
إسْقَاطَ ذَلِكَ "عَنْهُ3 طَالَبَ الْمُسْتَدِلَّ
بِصِحَّةِ الْجَمْعِ".
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: صَبِيٌّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلا
يُزَكِّي، كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ
فَيَنْتَقِضُ4 بِعُشْرِ5 زَرْعِهِ وَالْفِطْرَةِ،
فَسُؤَالٌ صَحِيحٌ. بِخِلافِ التَّفْرِقَةِ بِالْفِسْقِ
بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
حُكْمِ الْعِلَّةِ.
وَالثَّانِي6 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ:
"اخْتِلافُ الضَّابِطِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ7".
ـــــــ
1 في ش: وعدم قدح النوع وأن.
2 ساقطة من ش.
3 في ز: منه.
4 في ب: فينقض.
5 في ش: بتعشير.
6 في ب ش ز: الحادي.
7 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص
231، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/329،
شرح العضد 2/276، منتهى السول والأمل ص 199، الإحكام
للآمدي 4/139".
(4/324)
بِأَنْ يَقُولَ
الْمُعْتَرِضُ لِلْمُسْتَدِلِّ: فِي قِيَاسِكَ اخْتِلافُ1
الضَّابِطِ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ.
"كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "تَسَبَّبُوا بِالشَّهَادَةِ"
إلَى الْقَتْلِ عَمْدًا "فَقِيدُوا" أَيْ فَلَزِمَهُمْ
الْقَوَدُ "كَمُكْرَهٍ" عَلَى الْقَتْلِ.
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "ضَابِطُ
الْفَرْعِ الشَّهَادَةُ، وَ" ضَابِطُ "الأَصْلِ
الإِكْرَاهُ. فَلَمْ يَتَحَقَّقْ تَسَاوٍ" بَيْنَ الأَصْلِ
وَالْفَرْعِ.
وَحَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ يَرْجِعُ إلَى مَنْعِ وُجُودِ
الأَصْلِ فِي الْفَرْعِ.
وَفِي شَرْحِ2 الْمُقْتَرَحِ3 لأَبِي الْعِزِّ4: حِكَايَةُ
قَوْلَيْنِ فِي قَبُولِهِ.
ـــــــ
1 في ز: اختلاف في.
2 في ش: الشرح.
3 في ض: المقترض.
4 في ش: المعز. وهو تصحيف.
وأبو العز: هو تقي الدين مظفر بن عبد الله بن علي المصري
الشافعي. قال السيوطي: "كان إماماً كبيراً، له التصانيف في
الفقه والأصول والخلاف، ديّناً ورعاً، كثير الإفادة". وقد
شرح كتاب "المقترح في المصطلح" للبروي شرحاً نفيساً، عُرف
واشتهر به حتى صار يلقب بالتقي المقترح. ومن كتبه "الأسرار
العقلية في الكلمات النبوية" و"شرح الإرشاد في أصول الدين
للجويني". توفي سنة 612 هـ. وقد جاء في كشف الظنون وهدية
العارفين أن كنيته أبو الفتح، والصواب أنها "أبو العز" كما
قال المصنف وكما ذكر العلامة أبو علي عمر السكوني المتوفي
سنة 717 هـ في كتابه "عيون المناظرات" ص 287 وغيره "انظر
حسن المحاضرة للسيوطي 1/409، طبقات الشافعية للأسنوي
2/444، طبقات الشافعية لابن السبكي 8/372، كشف الظنون
2/1793، هدية العارفين 2/463، الوافي بالوفيات للصفدي
1/279، معجم المؤلفين 12/299".
(4/325)
قَالَ:
وَمَدَارُ الْكَلامِ فِيهِ يَنْبَنِي عَلَى شَيْءٍ
وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِيَاسِ
الْقَطْعُ1 بِالْجَامِعِ أَوْ ظَنُّ وُجُودِ الْجَامِعِ
كَافٍ.
وَيَنْبَنِي 2عَلَى ذَلِكَ2 الْقِيَاسُ فِي الأَسْبَابِ.
فَمَنْ اعْتَبَرَ الْقَطْعَ مَنَعَ الْقِيَاسَ فِيهَا،
إذْ3 لا يُتَصَوَّرُ عَادَةً الْقَطْعُ4 بِتَسَاوِي
الْمَصْلَحَتَيْنِ. فَلا يَتَحَقَّقُ جَامِعٌ بَيْنَ
الْوَصْفَيْنِ بِاعْتِبَارٍ يُثْبِتُ حُكْمَ
السَّبَبِيَّةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَمَنْ
اكْتَفَى5 بِالظَّنِّ صَحَّحَ6 ذَلِكَ إذْ7 يَجُوزُ
تَسَاوِي الْمَصْلَحَتَيْنِ فَيَتَحَقَّقُ الْجَامِعُ،
وَلا يَمْنَعُ8 الْقِيَاسَ.
"وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ الاعْتِرَاضِ بِاخْتِلافِ
الضَّابِطِ "بَيَانُ أَنَّ الْجَامِعَ" بَيْنَ الأَصْلِ
وَالْفَرْعِ "التَّسَبُّبُ9 الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا"
أَيْ بَيْنَ الأَصْلِ، وَهُوَ الإِكْرَاهُ وَالْفَرْعِ،
وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ "وَهُوَ" أَيْ
التَّسَبُّبُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا "مَضْبُوطٌ
عُرْفًا".
ـــــــ
1 في ش: من القطع.
2 في ض ب: ذلك على.
3 في ش ب ز: أو.
4 في ش: القدح.
5 في ش: النفى.
6 في ض: يصحح.
7 في ش: أن.
8 في ش: ولا يمتنع.
9 في ش: والتسبب.
(4/326)
"أَوْ" يُجِيبُ
"بِأَنَّ إفْضَاءَهُ" أَيْ إفْضَاءَ الْمَقْصُودِ "فِي
الْفَرْعِ مِثْلُهُ" فِي الأَصْلِ "أَوْ أَرْجَحُ" كَمَا
لَوْ كَانَ أَصْلُ الْفَرْعِ الْمُغْرِي1 لِلْحَيَوَانِ
بِجَامِعِ التَّسَبُّبِ فَإِنَّ2 انْبِعَاثَ الْوَلِيِّ
عَلَى الْقَتْلِ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ التَّشَفِّي
أَكْثَرُ مِنْ انْبِعَاثِ الْحَيَوَانِ بِالإِغْرَاءِ
لِنُفْرَتِهِ مِنْ الإِنْسَانِ، وَعَدَمِ عِلْمِهِ
بِجَوَازِ الْقَتْلِ وَعَدَمِهِ. فَاخْتِلافُ أَصْلِ
التَّسَبُّبِ لا يَضُرُّ، فَإِنَّهُ اخْتِلافُ أَصْلٍ
وَفَرْعٍ.
وَلا يُفِيدُ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ فِي جَوَابِهِ
التَّفَاوُتَ فِي الضَّابِطِ مُلْغًى لِحِفْظِ النَّفْسِ،
كَمَا أُلْغِيَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قَطْعِ الأُنْمُلَةِ
وَقَطْعِ3 الرَّقَبَةِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ؛ لأَنَّ
إلْغَاءَ4 التَّفَاوُتِ5 فِي صُورَةٍ لا يُوجِبُ6
عُمُومَهُ، كَإِلْغَاءِ الشَّرَفِ وَغَيْرِهِ دُونَ
الإِسْلامِ وَالْحُرِّيَّةِ.
"وَمِنْهُ" أَيْ وَمِنْ صُوَرِ الْقَدْحِ بِاخْتِلافِ
الضَّابِطِ: قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ لِوُجُوبِ الْحَدِّ
عَلَى اللاَّئِطِ "أَوْلَجَ فِي فَرْجٍ مُشْتَهًى طَبْعًا
مُحَرَّمٍ شَرْعًا7 فَحُدَّ كَزَانٍ".
ـــــــ
1 في ض ش: المعزى.
2 في ش: بجامع.
3 ساقطة من ض.
4 في ب ز: الإلغاء.
5 في ض: المتفاوت. وفي ب: للتفاوت.
6 في ض ب ز: لا توجب.
7 في ش: مشرعا.
(4/327)
"فَيُقَالُ"
أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "حِكْمَةُ الْفَرْعِ:
الصِّيَانَةُ عَنْ رَذِيلَةِ اللِّوَاطِ، وَ" حِكْمَةُ
"الأَصْلِ: دَفْعُ مَحْذُورِ اشْتِبَاهِ الأَنْسَابِ.
وَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ".
"وَحَاصِلُهُ مُعَارَضَةٌ فِي الأَصْلِ، وَجَوَابُهُ
بِحَذْفِهِ عَنْ الاعْتِبَارِ".
الثَّالِثُ1 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ:
"مُخَالَفَةُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الأَصْلِ" بَعْدَ
تَسْلِيمِ عِلَّةِ الأَصْلِ فِي الْفَرْعِ2.
مِثَالُهُ: أَنْ يَقِيسَ الْمُسْتَدِلُّ النِّكَاحَ عَلَى
الْبَيْعِ، أَوْ الْبَيْعَ عَلَى النِّكَاحِ فِي عَدَمِ3
الصِّحَّةِ بِجَامِعٍ4 فِي صُورَةٍ5، فَيَقُولُ
الْمُعْتَرِضُ: الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ، فَإِنَّ عَدَمَ
الصِّحَّةِ فِي الْبَيْعِ حُرْمَةُ الانْتِفَاعِ
بِالْمَبِيعِ، وَفِي النِّكَاحِ حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ.
"وَجَوَابُهُ بِبَيَانِ اتِّحَادِ الْحُكْمِ عَيْنًا،
كَصِحَّةِ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ، وَالاخْتِلافُ
عَائِدٌ إلَى الْمَحَلِّ" يَعْنِي أَنَّ الْبُطْلانَ
شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَهُوَ
ـــــــ
1 في ب ز ش: الثاني
2 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص
231، شرح العضد 2/278، منتهى السول والأمل ص 199، الإحكام
للآمدي 4/142".
3 ساقطة من ش.
4 في ز: لجامع.
5في ش: الصورة.
(4/328)
عَدَمُ
تَرَتُّبِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ عَلَيْهِ،
وَإِنَّمَا1 اخْتَلَفَ الْمَحَلُّ بِكَوْنِهِ بَيْعًا
وَنِكَاحًا. وَاخْتِلافُ الْمَحَلِّ لا يُوجِبُ اخْتِلافَ
مَا حَلَّ فِيهِ.
"وَاخْتِلافُهُ" أَيْ اخْتِلافُ2 الْمَحَلِّ "شَرْطٌ
فِيهِ" يَعْنِي أَنَّ اخْتِلافَ الْمَحَلِّ شَرْطٌ فِي
الْقِيَاسِ ضَرُورَةً. فَكَيْفَ يُجْعَلُ شَرْطُهُ
مَانِعًا مِنْهُ ؟!.
"أَوْ" يُجِيبُهُ بِبَيَانِ3 اتِّحَادِ الْحُكْمِ
"جِنْسًا، كَقَطْعِ الأَيْدِي بِالْيَدِ، كَ" قَتْلِ
"الأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ" يَعْنِي أَنَّ قَطْعَ الأَيْدِي
بِالْيَدِ مُقَاسٌ4 عَلَى قَتْلِ الأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ
الْوَاحِدَةِ.
"وَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ التَّعْدِيَةِ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ
التَّعْدِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ5 وَغَيْرِهَا.
وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ
فِي ضَمِّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ:
كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ.
فَالضَّمُّ فِي الأَصْلِ بِالأَجْزَاءِ، وَفِي الْفَرْعِ
بِالْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ6.
ـــــــ
1 في ش: وإن.
2 ساقطة من ض ب.
3 في ز: بيان.
4 في ز: يقاس.
5 انظر روضة الناظر ص 327.
6 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 48.
(4/329)
ثُمَّ لَمَّا
نَصَرَ1 الْقَاضِي جَوَازَ قَلْبِ التَّسْوِيَةِ؛ لأَنَّ
الْحُكْمَ التَّسْوِيَةُ فَقَطْ، كَقِيَاسِ2
الْحَنَفِيَّةِ طَلاقَ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُخْتَارِ.
فَيُقَالُ: فَيَجِبُ اسْتِوَاءُ حُكْمِ إيقَاعِهِ
وَإِقْرَارِهِ، كَالْمُخْتَارِ.
قَالَ3 فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ قِيَاسُ الْحَنَفِيَّةِ
الْمَذْكُورُ، وَمَنْ مَنَعَ هَذَا الْقَلْبَ لِتَضَادِّ
حُكْمِ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ لَمْ يُجِزْهُ
لاخْتِلافِهِمَا.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَصَارَ لَهُ قَوْلانِ:
"وَإِنْ اخْتَلَفَ" الْحُكْمُ "جِنْسًا وَنَوْعًا كَ"
قِيَاسِ "وُجُوبٍ عَلَى تَحْرِيمٍ، وَ" كَقِيَاسِ4 "نَفْيٍ
عَلَى إثْبَاتٍ" أَيْ5 بِالْعَكْسِ. "فَ" قِيَاسٌ
"بَاطِلٌ" وَذَلِكَ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا شُرِعَ
لإِفْضَائِهِ إلَى مَقْصُودِ الْعَبْدِ، وَاخْتِلافُهُ
مُوجِبٌ لِلْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الإِفْضَاءِ إلَى
الْحِكْمَةِ.
فَإِنْ كَانَ بِزِيَادَةٍ فِي إفْضَاءِ حُكْمِ الأَصْلِ
إلَيْهَا: لَمْ يَلْزَمْ مِنْ شَرْعِهِ شَرْعُ الْحُكْمِ
فِي الْفَرْعِ؛ لأَنَّ زِيَادَةَ6 الإِفْضَاءِ7
مَقْصُودَةٌ، وَيَمْتَنِعُ كَوْنُ حُكْمِ الْفَرْعِ
أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ، وَإِلاَّ كَانَ تَنْصِيصُ
ـــــــ
1 في ز: فسر.
2 في ش: لقياس.
3 ساقطة من ش.
4 في ش: قياس.
5 في ش: أي.
6 في ش: الزيادة.
7 في ش: للإفضاء.
(4/330)
الشَّارِعِ
عَلَيْهِ أَوْلَى.
الرَّابِعُ1 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ:
"الْقَلْبُ"2.
وَهُوَ "تَعْلِيقُ نَقِيضِ الْحُكْمِ أَوْ لازِمِهِ" أَيْ
لازِمِ نَقِيضِ الْحُكْمِ "عَلَى الْعِلَّةِ" الَّتِي
يُبْدِيهَا الْمُسْتَدِلُّ لِيُثْبِتَ عَلَيْهَا ذَلِكَ
الْحُكْمَ "إلْحَاقًا بِالأَصْلِ" الْمَقِيسِ عَلَيْهِ.
وَيُسَمَّى هَذَا الضَّرْبُ: قَلْبَ الْعِلَّةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: يُسَمَّى قَلْبَ الدَّلِيلِ.
وَسَيَأْتِي.
فَقَلْبُ الْعِلَّةِ: بِأَنْ3 يُبَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ
أَنَّ مَا ذَكَرَهُ4 الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الدَّلِيلِ
يَدُلُّ عَلَيْهِ لا لَهُ.
ـــــــ
1 في ب زش: الثالث.
2 انظر كلام الأصوليين على القلب في "المغني للخبازي ص
322، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 346، الكافية للجويني
ص 217 وما بعدها، المعتمد 2/819، تيسير التحرير 4/160،
المنخول ص 414، أصول السرخسي 2/238، التبصرة ص 475، اللمع
ص 65، الوصول إلى مسائل الأصول 2/329، المسودة ص 445،
المنهاج للباجي ص 174، مختصر الطوفي ص 169، الجدل لابن
عقيل ص 62، روضة الناظر ص 344، فتح الغفار 3/45، المحصول
2/2/357، شرح تنقيح الفصول ص 401، مختصر البعلي ص 156، نشر
البنود 2/220، الإحكام للآمدي 4/143، إرشاد الفحول ص 227،
فواتح الرحموت 2/351، الإبهاج 3/82، نهاية السول 3/95،
مناهج العقول 3/92، منتهى السول والأمل ص 200، المحلي على
جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/311، شرح العضد 2/278،
القياس الشرعي لأبي الحسين البصري 2/1040".
3 في ز: أن.
4 في ش: العلة ما ذكره.
(4/331)
"فَهُوَ نَوْعُ
مُعَارَضَةٍ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا1، وَحُكِيَ عَنْ
الأَكْثَرِ.
وَقِيلَ: إفْسَادٌ.
وَقِيلَ: تَسْلِيمٌ لِلصِّحَّةِ.
"ثُمَّ" هُوَ أَنْوَاعٌ:
نَوْعٌ "مِنْهُ قَلْبٌ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ" أَيْ
مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ "مَعَ إبْطَالِ مَذْهَبِ
الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا، كَ" قَوْلِهِ فِي "بَيْعِ
فُضُولِيٍّ: عَقْدٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلا وِلايَةٍ2،
فَلا يَصِحُّ كَالشِّرَاءِ" لَهُ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ،
فَيَصِحُّ كَالشِّرَاءِ لِلْغَيْرِ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ
لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لِمَنْ اشْتَرَى لَهُ.
وَنَوْعٌ مِنْهُ يَكُونُ قَلْبًا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ
مَعَ إبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ غَيْرِ
تَصْرِيحٍ بِإِبْطَالِهِ. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ
بِقَوْلِهِ "أَوْ غَيْرِهِ، كَ" قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي
الصَّوْمِ فِي الاعْتِكَافِ "الاعْتِكَافُ لَبْثٌ مَحْضٌ"
فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ. "فَلا يَكُونُ قُرْبَةً بِنَفْسِهِ
كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ" وَغَرَضُهُ التَّعَرُّضُ
لاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ
مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ؛ لأَنَّهُ لا أَصْلَ لَهُ3
يَقِيسُهُ عَلَيْهِ.
ـــــــ
1 انظر المسودة ص 441، مختصر الطوفي ص 169، الجدل لابن
عقيل ص 62، روضة الناظر ص 345، مختصر البعلي ص 157.
2 ساقطة من ش.
3 ساقطة من ش.
(4/332)
"فَيُقَالُ"
أَيْ1 فَيَقُولُ الْحَنْبَلِيُّ2 أَوْ الشَّافِعِيُّ
مُعْتَرِضًا: لَبْثٌ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ "فَلا
يُعْتَبَرُ فِيهِ الصَّوْمُ، كَالْوُقُوفِ" بِعَرَفَةَ.
وَنَوْعٌ مِنْهُ أَيْضًا، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ
بِقَوْلِهِ "وَقَلْبٌ لإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ
فَقَطْ" أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِ
الْمُعْتَرِضِ، سَوَاءٌ كَانَ الإِبْطَالُ "صَرِيحًا كَ"
قَوْلِهِ "الرَّأْسُ مَمْسُوحٌ3، فَلا يَجِبُ
اسْتِيعَابُهُ كَالْخُفِّ".
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "فَلا
يَتَقَدَّرُ" مَسْحُ الرَّأْسِ "بِالرُّبْعِ كَالْخُفِّ"
فَفِي هَذَا الاعْتِرَاضِ نَفَى مَذْهَبَ الْمُسْتَدِلِّ
صَرِيحًا، وَلَمْ يَثْبُتْ مَذْهَبُهُ لاحْتِمَالِ أَنْ
يَكُونَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ
الاسْتِيعَابُ. كَمَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا4.
"أَوْ" كَانَ الإِبْطَالُ "لُزُومًا، كَ" قَوْلِ
الْحَنَفِيِّ فِي "بَيْعِ غَائِبٍ" مَجْهُولٍ "عَقْدُ
مُعَاوَضَةٍ، فَيَصِحُّ مَعَ جَهْلِ الْمُعَوَّضِ5
كَالنِّكَاحِ".
ـــــــ
1 في ز: أو.
2 في ش: الحنفي.
3 في ش: ممسوحاً.
4 انظر الإفصاح لابن هبيرة 1/72، القوانين الفقهية لابن
جزئ ص 35، بداية المجتهد 1/11، المغني لابن قدامة 1/125،
الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/8.
5 في ش: العوض.
(4/333)
"فَيُقَالُ"
أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا
ذَكَرْت "فَلا يُعْتَبَرُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ
كَالنِّكَاحِ" فَثُبُوتُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لازِمٌ
لِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ عِنْدَهُمْ.
وَحَيْثُ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ "فَإِذَا انْتَفَى
اللاَّزِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ.
وَ" مِنْ أَنْوَاعِ الْقَلْبِ "قَلْبُ الْمُسَاوَاةِ"
خِلافًا لِلْبَاقِلاَّنِيِّ وَالسَّمْعَانِيِّ "كَـ"
قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْخَلُّ مَائِعٌ طَاهِرٌ مُزِيلٌ"
أَيْ1 لِلْخَبَثِ "كَالْمَاءِ".
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ لَهُ الْمُعْتَرِضُ: حَيْثُ
كَانَ كَالْمَاءِ فَـ "يَسْتَوِي فِيهِ الْحَدَثُ
وَالْخَبَثُ كَالْمَاءِ".
وَمِنْ ذَلِكَ قِيَاسُ الْحَنَفِيَّةِ طَلاقَ2 الْمُكْرَهِ
عَلَى طَلاقِ الْمُخْتَارِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: فَيَجِبُ
اسْتِوَاءُ حُكْمِ إيقَاعِهِ وَإِقْرَارِهِ.
كَالْمُخْتَارِ3.
ـــــــ
1 ساقطة من ز.
2 في ش: الطلاق.
3 مع أن الإقرار منه غير معتبر اتفاقاً، وقد أثبت القالب
الملازمة بينهما. قال صاحب فواتح الرحموت بعد ذكر الأمثلة
المفترضة من الحنفية في بيع الغائب وطلاق المكره والصوم في
الاعتكاف 2/353: "واعلم أنه قال صاحب الكشف –أي عبد العزيز
البخاري- هذه الأمثلة أوردها الشافعية فرْضاً لتمثيل
الأقسام، لا أنها واقعية صدرت لإثبات المذهب. كيف لا،
والأوصاف المذكورة فيها طردية غير مقبولة عندهم لقولهم
بالتأثير، فافهم".
(4/334)
- "وَمِنْهُ"
أَيْ وَ1مِنْ الْقَلْبِ نَوْعٌ آخَرُ، وَهُوَ "جَعْلُ
مَعْلُولٍ عِلَّةً وَعَكْسُهُ 2" وَهُوَ جَعْلُ عِلَّةٍ
مَعْلُولاً.
قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: الْقَلْبُ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ:
الأَوَّلُ3 : الْحُكْمُ بِحُكْمٍ مَقْصُودٍ غَيْرِ4 حُكْمِ
الْمُعَلِّلِ.
وَالثَّانِي : قَلْبُ التَّسْوِيَةِ.
وَالثَّالِثُ : يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْلُولَ
عِلَّةً، وَالْعِلَّةَ مَعْلُولاً.
"وَلا يُفْسِدُهَا" يَعْنِي أَنَّ5 جَعْلَ الْمَعْلُولِ
عِلَّةً وَالْعِلَّةِ مَعْلُولاً لا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ،
بِمَعْنَى أَنَّهُ لا يَمْنَعُ الاحْتِجَاجَ بِهَا6،
وَذَلِكَ "كَ" قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي ظِهَارِ
الذِّمِّيِّ "مَنْ صَحَّ طَلاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ"
كَالْمُسْلِمِ "وَعَكْسُهُ" أَيْ، وَمَنْ صَحَّ ظِهَارُهُ
صَحَّ طَلاقُهُ "فَالسَّابِقُ" مِنْهُمَا "عِلَّةٌ
لِلتَّالِي7".
فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ8: أَجَعَلَ الْمَعْلُولَ عِلَّةً،
وَالْعِلَّةَ مَعْلُولاً. وَأَقُولُ: الْمُسْلِمُ إنَّمَا
صَحَّ طَلاقُهُ؛ لأَنَّهُ صَحَّ ظِهَارُهُ. وَمَتَى كَانَ
ـــــــ
1 ساقطة من ز.
2 في ش: وعكسه.
3 ساقطة من ز ب.
4 في ز: وغير.
5 ساقطة من ش.
6 انظر البرهان 2/1095، المسودة ص 446، المنهاج للباجي ص
177، الجدل لابن عقيل ص 63.
7 في ز: للثاني.
8 في ز: الحنفي المعترض.
(4/335)
الظِّهَارُ
عِلَّةً لِلطَّلاقِ لَمْ يَثْبُتْ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ
بِثُبُوتِ طَلاقِهِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ1 وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: إنَّ
جَعْلَ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَعَكْسَهُ: مُفْسِدٌ
لِلْعِلَّةِ.
وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الإِفْسَادِ: بِأَنَّ2 عِلَلَ
الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ عَلَى الأَحْكَامِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ
وَنَصْبِ نَاصِبٍ، وَهُوَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ
الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَقُولَ
صَاحِبُ الشَّرْعِ: مَنْ صَحَّ طَلاقُهُ فَاعْلَمُوا
أَنَّهُ يَصِحُّ ظِهَارُهُ وَمَنْ صَحَّ ظِهَارُهُ
فَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَصِحُّ طَلاقُهُ3، فَأَيُّهُمَا
ثَبَتَ عَنْهُ صِحَّةُ4 أَحَدِهِمَا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ
الآخَرِ مِنْهُ.
وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِأَنَّ جَعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا
عِلَّةً لِلآخَرِ: يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ كُلٌّ
مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ
دُونَ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِجَوَازِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ
الشَّرْعِيِّ بِعِلَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ.
"وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي صُورَةِ الْقَلْبِ
"قَلْبُ الدَّعْوَى، مَعَ إضْمَارِ الدَّلِيلِ فِيهَا"
أَيْ فِي الدَّعْوَى "كَكُلِّ مَوْجُودٍ مَرْئِيٌّ".
ـــــــ
1 انظر أصول الشاشي في عمدة الحواشي ص349، فتح الغفار
3/45، فواتح الرحموت 2/351.
2 في ز: أن. وفي ب: وأن.
3 ساقطة من ش.
4 في ز ب: منه.
(4/336)
"فَيُقَالُ:
كُلُّ مَا لَيْسَ فِي جِهَةٍ لَيْسَ مَرْئِيًّا،
وَكَوْنُهُ لا فِي جِهَةٍ دَلِيلُ مَنْعِهَا".
"أَوْ مَعَ عَدَمِهِ" أَيْ عَدَمِ إضْمَارِ الدَّلِيلِ
"كَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَيَقْلِبُهُ".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَمَّا قَلْبُ الدَّعْوَى مَعَ
إضْمَارِ الدَّلِيلِ فِيهَا، فَمِثْلُ " كُلُّ مَوْجُودٍ
مَرْئِيٌّ ". فَيُقَالُ: كُلُّ مَا لَيْسَ فِي جِهَةٍ
لَيْسَ مَرْئِيًّا فَدَلِيلُ الرُّؤْيَةِ الْوُجُودُ،
وَكَوْنُهُ لا فِي جِهَةٍ دَلِيلُ مَنْعِهَا وَمَعَ عَدَمِ
إضْمَارِهِ، مِثْلُ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ
فَيَقْلِبُهُ. فَيُقَالُ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ لَيْسَ
بِوَاجِبٍ لِذَاتِهِ اهـ.
"وَ" زِيدَ أَيْضًا "قَلْبُ الاسْتِبْعَادِ كَالإِلْحَاقِ"
أَيْ إلْحَاقِ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ.
وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ: لَوْ ادَّعَى اللَّقِيطَ اثْنَانِ
فَأَكْثَرَ بِلا بَيِّنَةٍ، وَلَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ1.
وَقُلْنَا: إنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ
إلَى مَنْ شَاءَ مِمَّنْ ادَّعَاهُ.
فَيُعْتَرَضُ بِأَنْ يُقَالَ "تَحْكِيمُ الْوَلَدِ فِيهِ"
أَيْ فِي النَّسَبِ "تَحَكُّمٌ2 بِلا دَلِيلٍ".
ـــــــ
1 في ز: يوجد.
2 في ش: تحكيم.
(4/337)
"فَيُقَالُ"
جَوَابًا لِذَلِكَ "تَحْكِيمُ الْقَائِفِ" أَيْضًا
"تَحَكُّمٌ1 بِلا دَلِيلٍ".
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ الْقَلْبِ هُوَ "قَلْبُ
الدَّلِيلِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ
الْمُسْتَدِلُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ2 لا لَهُ" وَقَلَّ أَنْ
يَتَّفِقَ لِهَذَا مِثَالٌ فِي الأَقْيِسَةِ.
وَأَمَّا مِثَالُهُ مِنْ الْمَنْصُوصِ3 فَـ "كَـ" قَوْلِ
الْمُسْتَدِلِّ لِتَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ فِي
تَوْرِيثِ الْخَالِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ "الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ" 4
فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا
الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَيْك لا لَك. فَإِنَّهُ "يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ لا يَرِثُ بِطَرِيقٍ أَبْلَغَ؛ لأَنَّهُ
نَفْيٌ عَامٌّ، كَ" مَا يُقَالُ "الْجُوعُ زَادُ مَنْ لا
زَادَ لَهُ" وَالصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لا حِيلَةَ لَهُ،
وَلَيْسَ الْجُوعُ زَادًا، وَلا الصَّبْرُ حِيلَةً.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ: وَقَوْلُهُ "وَارِثُ
مَنْ لا وَارِثَ لَهُ5" -
ـــــــ
1 في ش: تحكيم.
2 في ز: على.
3 في: المنصوص.
4 الحديث أخرجه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب والترمذي
وابن ماجة عن عمر بن الخطاب. قال الترمذي: هذا حديث حسن
صحيح. وقد صححه الحاكم وابن حبان. "انظر بذل المجهود
13/173، عارضة الأحوذي 8/255، سنن ابن ماجة 2/914، كشف
الخفا 1/447".
5 ساقطة من ض.
(4/338)
يَنْفِي
إرْثَهُ1. فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ كُلِّ وَارِثٍ سِوَى
الْخَالِ: بَطَلَ بِإِرْثِ2 الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ،
وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ كُلِّ وَارِثٍ عَصَبَةً: فَلا
فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِ الْخَالِ بِالذِّكْرِ، دُونَ
بَقِيَّةِ ذَوِي الأَرْحَامِ وَيُشْبِهُ فَسَادَ الْوَضْعِ
اهـ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَيْسَ بِمِثَالٍ جَيِّدٍ.
الْخَامِسُ3 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَوْلُ
بِالْمُوجَبِ4" أَيْ بِمَا أَوْجَبَهُ دَلِيلُ
الْمُسْتَدِلِّ وَاقْتَضَاهُ.
وَهُوَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِالْكَسْرِ: نَفْسُ
الدَّلِيلِ؛ لأَنَّهُ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ
ـــــــ
1 ساقطة من ز.
2 في ض: بالارث.
3 في ب ش ز: الرابع.
4 انظر كلام الأصوليين على القول بالموجب في "شرح العضد
2/279، منتهى السول والأمل ص 200، البرهان 2/973، الكافية
للجويني ص 161 وما بعدها، المنهاج للباجي 173، الجدل لابن
عقيل ص 60 وما بعدها، روضة الناظر ص 350، مختصر الطوفي ص
172، مختصر البعلي ص 159، الإحكام للآمدي 4/151، أصول
الشاشي مع عمدة الحواشي ص 346، الإبهاج 3/85، المغني
للخبازي ص 351، المعتمد 2/821، شرح تنقيح الفصول ص 402،
تيسير التحرير 4/124، فتح الغفار 3/41، المنخول ص 402،
التلويح على التوضيح 2/622، كشف الأسرار 4/103، فواتح
الرحموت 2/356، إرشاد الفحول ص 228، المحلي على جمع
الجوامع وحاشية البناني عليه 2/316، نهاية السول 3/98،
مناهج العقول 3/97، نشر البنود 2/225، المحصول 2/2/365".
(4/339)
وَالْقَوْلُ
بِالْمُوجَبِ هُوَ "تَسْلِيمُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَعَ
بَقَاءِ النِّزَاعِ" فِي الْحُكْمِ.
وَشَاهِدُ ذَلِكَ مِنْ1 الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى:
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} 2
جَوَابًا لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ
سَلُولَ3 أَوْ غَيْرِهِ {لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى
الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ}
4 فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صِفَةً - وَهِيَ الْعِزَّةُ -
وَأَثْبَتَ بِهَا حُكْمًا - وَهُوَ الإِخْرَاجُ مِنْ
الْمَدِينَةِ - رُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ5
ثَابِتَةٌ، لَكِنْ لا6 لِمَنْ أَرَادَ ثُبُوتَهَا7 لَهُ،
فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِغَيْرِهِ، بَاقِيَةٌ عَلَى
اقْتِضَائِهَا لِلْحُكْمِ، وَهُوَ الإِخْرَاجُ.
فَالْعِزَّةُ مَوْجُودَةٌ، لَكِنْ لا لَهُ، بَلْ لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
ـــــــ
1 في ش: في.
2 الآية 8 من المنافقون. انظر روايات أسباب نزولها في جامع
البيان للطبري 28/72 وما بعدها.
3 هو عبد الله بن أُبيّ بن مالك بن الحارث الخزرجي، وسلول
أمه، كان رأس المنافقين في الإسلام من أهل المدينة، أظهر
إسلامه بعد وقعة بدر تقيّة، وكان كلما حلّت بالمسلمين
نازلة شمت بهم، وكلما سمع بسيئة نشرها، نزل في ذمّه آيات
كثيرة، توفي سنة تسع من الهجرة، وصلى عليه النبي صلى الله
عليه وسلم، وكفّنه في قميصه قبل النهي عن الصلاة على
المنافقين. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/360،
طرح التثريب1/63، المحبر لابن حبيب ص 233، الطبقات الكبرى
لابن سعد ج 3 ق 2 ص 60".
4 الآية 8 من المنافقون.
5 ساقطة من ض.
6 ساقطة من ش ض ب.
7 في ش ض: غير ثبوتها.
(4/340)
وَمِنْ
أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا1: شِعْرًا2:
وَإِخْوَانٍ حَسِبْتُهُمْ دُرُوعًا ... فَكَانُوهَا
وَلَكِنْ لِلأَعَادِي
وَخِلْتُهُمْ سِهَامًا صَائِبَاتٍ ... فَكَانُوهَا
وَلَكِنْ فِي فُؤَادِي
وَقَالُوا قَدْ صَفَتْ مِنَّا قُلُوبٌ ... لَقَدْ صَدَقُوا
وَلَكِنْ مِنْ وِدَادِي
وَقَوْلُ الآخَرِ3:
قُلْت ثَقَّلْتُ إذْ4 أَتَيْتُ مِرَارًا ... قَالَ
ثَقَّلْتَ كَاهِلِي بِالأَيَادِي
وَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ نَوْعٌ مِنْ بَدِيعِ الْكَلامِ5
"وَأَنْوَاعُ ثَلاثَةٌ":
الأَوَّلُ : "أَنْ يَسْتَنْتِجَ مُسْتَدِلٌّ" مِنْ
الدَّلِيلِ "مَا يَتَوَهَّمُهُ مَحَلَّ
ـــــــ
1 الأبيات لعلي بن فضّال بن علي المُجاشعي القيرواني، إمام
اللغة والنحو والتفسير والسير، المتوفى سنة 479 هـ، نسبها
له ياقوت في معجم الأدباء 14/94 والحافظ ابن حجر في لسان
الميزان 4/249، والسيوطي في بغية الوعاة 2/183، وطبقات
المفسرين ص 25، وهي من شواهد القزويني في الإيضاح ص 534.
وتتمة الأبيات:
وقالوا قدْ سعَينا كل سعيٍ
لقد صدَقوا، ولكن في فسَادِي.
انظر معاهد التنصيص 3/186.
2 ساقطة من ش. وفي ب: قول الشاع.
3 ذكر العباسي في معاهد التنصيص 3/180 أن هذا البيت منسوب
لابن الحجاح، غير أنه لم يره في ديوانه ثم حكى أن ابن
الجوزي صاحب مرآة الزمان نسبة لمحمد بن إبراهيم الأسدي.
وهو من شواهد القزويني في الإيضاح ص 533.
4 في ز ض: إذا.
5 انظر معاهد التنصيص 3/181، الإيضاح للقزويني ص 532-535.
(4/341)
النِّزَاعِ
أَوْ لازِمَهُ" أَيْ لازِمَ مَحَلِّ النِّزَاعِ "كَ1"
قَوْلِهِ "الْقَتْلُ بِمُثَقَّلٍ قَتْلٌ بِمَا يَقْتُلُ
غَالِبًا، فَلا يُنَافِي الْقَوَدَ كَمُحَدَّدٍ"
وَكَالْقَتْلِ بِالإِحْرَاقِ.
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "عَدَمُ
الْمُنَافَاةِ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَلا لازِمَهُ"
أَيْ لازِمَ مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَأَنَا أَقُولُ بِذَلِكَ
أَيْضًا، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَيَّ فِي
مَحَلِّ النِّزَاعِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ
"أَوْ إبْطَالَ مَا يَتَوَهَّمُهُ" يَعْنِي: أَنْ
يَسْتَنْتِجَ إبْطَالَ مَا يَتَوَهَّمُهُ "مَأْخَذَ
الْخَصْمِ، كَ" قَوْلِهِ أَيْضًا فِي الْقَتْلِ
بِالْمُثَقَّلِ "التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ لا
يَمْنَعُ الْقَوَدَ، كَ" التَّفَاوُتِ فِي "مُتَوَسَّلٍ2
إلَيْهِ3".
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْخَصْمُ: أَنَا أَقُولُ
بِمُوجَبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ "لا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ
مَانِعٍ4" وَهُوَ كَوْنُ التَّفَاوُتِ فِي الْوَسِيلَةِ
غَيْرَ مَانِعٍ "عَدَمُ كُلِّ مَانِعٍ" فَيَجُوزُ أَنْ لا
يَجِبَ الْقَوَدُ لِمَانِعٍ آخَرَ "وَ" لا يَلْزَمُ مِنْهُ
أَيْضًا "وُجُودُ5 الشَّرْطِ" لِلْقَوَدِ "وَ" لا وُجُودُ
"الْمُقْتَضِي" لَهُ.
"وَيُصَدَّقُ مُعْتَرِضٌ إنْ قَالَ: لَيْسَ ذَا" أَيْ مَا
تَذْهَبُ إلَيْهِ
ـــــــ
1 في ز: لـ.
2 في ز: توسل. وفي ش: المتوسل.
3 كأنواع الجراحات القاتلة، فإنه لا يمنعه وفاقاً. "مناهج
العقول 3/98".
4 في ز: المانع.
5 في ش: جود.
(4/342)
"مَأْخَذِي"
أَيْ مَأْخَذَ إمَامِي عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَنَّهُ
أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ إمَامِهِ.
ثُمَّ لَوْ لَزِمَهُ إبْدَاءُ الْمَأْخَذِ: فَإِنْ مُكِّنَ
الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إبْطَالِهِ صَارَ1 مُعْتَرِضًا،
وَإِلاَّ فَلا فَائِدَةَ.
وَقِيلَ: لا يُصَدَّقُ مُعْتَرِضٌ فِي قَوْلِهِ " لَيْسَ
ذَا مَأْخَذِي " إلاَّ بِبَيَانِ مَأْخَذٍ آخَرَ.
وَقِيلَ: يُمَكَّنُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إبْطَالِهِ،
فَإِنْ أَبْطَلَهُ الْمُسْتَدِلُّ، وَإِلاَّ انْقَطَعَ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَكْثَرُ الْقَوْلِ
بِالْمُوجَبِ2 هَذَا الْقِسْمِ3، أَيْ4 الَّذِي
يُسْتَنْتَجُ فِيهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَأْخَذُ
الْخَصْمِ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ5، وَإِنَّمَا كَانَ
هَذَا أَكْثَرَ لِخَفَاءِ الْمَآخِذِ، وَقِلَّةِ
الْعَارِفِينَ بِهَذَا6، وَ7الْمُطَّلِعِينَ عَلَى
أَسْرَارِهَا، بِخِلافِ مَحَالِّ الْخِلافِ، فَإِنَّ
ـــــــ
1 في ض: كان.
2 في ش: بموجب.
3 منتهى السول والأمل ص 201، مختصر ابن الحاجب مع شرحه
للعضد 2/279.
4 ساقطة من ب.
5 في ز: ذلك.
6 كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب بها.
7 في ش ب: أو.
(4/343)
ذَلِكَ
مَشْهُورٌ فَكَمْ مَنْ يَعْرِفُ مَحَلَّ الْخِلافِ،
وَلَكِنْ لا يَعْرِفُ الْمَأْخَذَ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ
"أَوْ1 أَنْ يَسْكُتَ" الْمُسْتَدِلُّ "فِي دَلِيلِهِ عَنْ
صُغْرَى قِيَاسِهِ. وَلَيْسَتْ" صُغْرَى قِيَاسِهِ
"مَشْهُورَةً، كَ" قَوْلِ الْحَنْبَلِيِّ أَوْ
الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ "كُلُّ
قُرْبَةٍ شَرْطُهَا النِّيَّةُ، وَيَسْكُتُ" عَنْ أَنْ
يَقُولَ "وَالْوُضُوءُ قُرْبَةٌ".
"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا
مُسَلَّمٌ "أَقُولُ بِمُوجَبِهِ2، وَلا يُنْتِجُ" ذَلِكَ
مَا أَرَادَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ كَوْنِ الْوُضُوءِ3
قُرْبَةً.
"وَلَوْ4 ذَكَرَهَا" أَيْ ذَكَرَ الْمُسْتَدِلُّ صُغْرَى
قِيَاسِهِ5 "لَمْ يُرِدْ" الْمُعْتَرِضُ "إلاَّ مَنْعَهَا"
بِأَنْ يَقُولَ: لا أُسَلِّمُ أَنَّ الْوُضُوءَ6
قُرْبَةٌ7.
وَيُشْتَرَطُ فِي صُغْرَى الْقِيَاسِ الْمَسْكُوتِ
عَنْهَا: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ
ـــــــ
1 في ض ش: و.
2 أي أن القربة يشترط فيها النية، ولا يلزم اشتراطها في
الوضوء، لأن المقدمة الواحدة لا تنتج. "نشر البنود 2/228".
3 في ض: الوصف.
4 ساقطة من ش.
5 في ش: قياسه "ولم أذكرها" بأن يقول: لا أسلم. أي ذكر
المستدل صغرى قياسه.
6 في ض: الوصف.
7 بل هو للنظافة ولا قربة فيه. وهذا الإيراد خارج عن القول
بالموجَب، لأن القول بالموجَب تسليم للدليل، وهذا منع له.
"حاشية البناني 2/318".
(4/344)
مَشْهُورَةٍ1،
أَمَّا لَوْ كَانَتْ مَشْهُورَةً2: فَإِنَّهَا تَكُونُ
كَالْمَذْكُورَةِ، فَيُمْنَعُ3 وَلا يَأْتِي4 بِالْقَوْلِ
بِالْمُوجَبِ5.
"وَجَوَابُ" النَّوْعِ "الأَوَّلِ: بِأَنَّهُ مَحَلُّ
النِّزَاعِ أَوْ لازِمُهُ" أَيْ لازِمُ مَحَلِّ
النِّزَاعِ. كَمَا لَوْ قَالَ حَنْبَلِيٌّ أَوْ
شَافِعِيٌّ: لا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ6
قِيَاسًا عَلَى الْحَرْبِيِّ.
فَيُقَالُ: بِالْمُوجَبِ؛ لأَنَّهُ يَجِبُ قَتْلُهُ بِهِ،
وَقَوْلُكُمْ " لا يَجُوزُ " نَفْيٌ لِلإِبَاحَةِ الَّتِي
مَعْنَاهَا اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ، وَنَفْيُهَا لَيْسَ
نَفْيًا لِلْوُجُوبِ وَلا مُسْتَلْزِمًا لَهُ.
فَيَقُولُ الْحَنْبَلِيُّ7: الْمَعْنِيُّ بِ8 " لا يَجُوزُ
" تَحْرِيمُهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ
نَفْيُ الْوُجُوبِ لاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ
الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ.
"وَجَوَابُ" النَّوْعِ "الثَّانِي : بِأَنْ يُبَيِّنَ"فِي
الْمُسْتَنْتَجِ"أَنَّهُ
ـــــــ
1 في ز: مشهودة. وهو تصحيف.
2 قال في نشر البنود 2/228: "والمشهورة: ما كانت ضرورية أو
متفقاً عليها بين الخصمين".
3 أي فيكون له حينئذ منع الصغرى فقط، ولا يتأتى فيها القول
بالموجَب.
4 في ش ز: ولا يؤتى.
5 في ش: الموجب.
6 في ش: بالذمي كالحربي.
7 في ش: الحنفي.
8 ساقطة من ز.
(4/345)
الْمَأْخَذُ
لِشُهْرَتِهِ" بِالنَّقْلِ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ.
"وَجَوَابُ" النَّوْعِ "الثَّالِثِ: بِجَوَازِ الْحَذْفِ"
لإِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ مَعَ الْعِلْمِ
بِالْمَحْذُوفِ، وَالْمَحْذُوفُ مُرَادٌ وَمَعْلُومٌ فَلا
يَضُرُّ حَذْفُهُ، وَالدَّلِيلُ هُوَ الْمَجْمُوعُ لا
الْمَذْكُورُ وَحْدَهُ. وَكُتُبُ الْفِقْهِ مَشْحُونَةٌ
بِذَلِكَ.
"وَيُجَابُ فِي الْكُلِّ" أَيْ فِي الأَنْوَاعِ
الثَّلاثَةِ "بِقَرِينَةٍ أَوْ عَهْدٍ وَنَحْوِهِ".
(4/346)
"فَائِدَةٌ"
كَوْنُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ قَادِحًا فِي الْعِلَّةِ
ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الآمِدِيُّ1 وَالْهِنْدِيُّ،
وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ تَسْلِيمُ
مُوجَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الدَّلِيلِ،
وَأَنَّهُ لا يَرْفَعُ الْخِلافَ عَلِمْنَا أَنَّ مَا
ذَكَرَهُ لَيْسَ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ.
وَنَازَعَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ:
إنَّ هَذَا2 يُخْرِجُ لَفْظَ3 الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ
عَنْ4 إجْرَائِهِ عَلَى قَضِيَّتِهِ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ
الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ5 تَسْلِيمٌ لَهُ، وَهَذَا مَا
اقْتَضَاهُ كَلامُ الْجَدَلِيِّينَ، وَإِلَيْهِمْ
الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لا يَتَّجِهُ عَدُّهُ
مِنْ مُبْطِلاتِ الْعِلَّةِ6. ا هـ.
ـــــــ
1 الإحكام في أصول الأحكام 4/151.
2 في الإبهاج: هذا التقرير.
3 ساقطة من ش.
4 في ز: عند.
5 في الإبهاج: بموجب الدليل.
6 الإبهاج شرح المنهاج 3/85.
(4/347)
وَنُقِلَ عَنْ
الْجَدَلِيِّينَ أَنَّ1 فِي الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ
انْقِطَاعًا لأَحَدِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ؛ لأَنَّ
الْمُسْتَدِلَّ إنْ أَثْبَتَ مَا ادَّعَاهُ انْقَطَعَ
الْمُعْتَرِضُ، وَمَا قَالُوهُ صَحِيحٌ فِي الْقِسْمَيْنِ
الأَوَّلَيْنِ2، وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْقِسْمِ3
الثَّالِثِ؛ لاخْتِلافِ الْمُرَادَيْنِ؛ لأَنَّ مُرَادَ
الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الصُّغْرَى - وَإِنْ كَانَتْ
مَحْذُوفَةً لَفْظًا - فَإِنَّهَا مَذْكُورَةٌ تَقْدِيرًا
وَالْمَجْمُوعُ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ4.
وَمُرَادُ الْمُعْتَرِضِ: أَنَّ الْمَذْكُورَ لَمَّا
كَانَتْ الْكُبْرَى وَحْدَهَا، وَهِيَ لا تُفِيدُ
الْمَطْلُوبَ تَوَجَّهَ الاعْتِرَاضُ.
"وَ" مِثَالُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ "فِي الإِثْبَاتِ كَ
" الْخَيْلُ حَيَوَانٌ يُسَابَقُ عَلَيْهِ فَفِيهِ
الزَّكَاةُ كَإِبِلٍ ". فَيُقَالُ بِمُوجَبِهِ فِي زَكَاةِ
التِّجَارَةِ" أَيْ بِمُوجَبِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي
الْخَيْلِ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ. وَالنِّزَاعُ فِي
زَكَاةِ الْعَيْنِ وَدَلِيلُكُمْ إنَّمَا أَوْجَبَ
الزَّكَاةَ فِي الْجُمْلَةِ5، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ
أَرَادَ زَكَاةَ الْعَيْنِ فَلَيْسَ هَذَا قَوْلاً6
بِالْمُوجَبِ.
ـــــــ
1 في ز: بأن.
2 في ض: الأوليين.
3 ساقطة من ض ب.
4 انظر "تيسير التحرير 4/126، شرح العضد 2/278، منتهى
السول والأمل ص 201، فواتح الرحموت 2/357، مناهج العقول
3/99".
5 أي إن السائل يقول: أقول بموجب هذه العلة. فإن الزكاة
واجبة عندي في الخيل إذا كانت للتحارة. فإيجاب الزكاة من
حيث الجملة أقول به، إنما النزاع في إيجاب الزكاة في
رقابها من حيث هي خيل، فيسلِّم ما اقتضته العلة دون أن
يضره ذلك في صورة النزاع. "شرح تنقيح الفصول ص 402".
6 في ض: قول.
(4/348)
"فَيُجَابُ
فَاللاَّمُ الْعَهْدِ1"؛ لأَنَّ الْعَهْدَ مُقَدَّمٌ عَلَى
الْجِنْسِ وَالْعُمُومِ "وَالسُّؤَالُ عَنْ زَكَاةِ
السَّوْمِ" فَالْعِلَّةُ لَيْسَتْ مُنَاسِبَةً لِزَكَاةِ
التِّجَارَةِ إنَّمَا الْمُنَاسِبُ الْمُقْتَضِي هُوَ
النَّمَاءُ الْحَاصِلُ2.
"وَيَصِحُّ" هَذَا الْمِثَالُ "فِي قَوْلٍ" جَزَمَ بِهِ
فِي الرَّوْضَةِ3 وَغَيْرِهَا. "وَلا يَصِحُّ فِي آخَرَ"،
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ لِوُجُودِ4 اسْتِقْلالِ
الْعِلَّةِ بِلَفْظِهَا.
"خَاتِمَةٌ": فِي تَعَدُّدِ الاعْتِرَاضَاتِ
وَتَرْتِيبِهَا وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ
"تَرِدُ الأَسْئِلَةُ5 عَلَى قِيَاسِ الدَّلالَةِ إلاَّ
مَا تَعَلَّقَ بِمُنَاسَبَةِ الْجَامِعِ"؛ لأَنَّهُ لَيْسَ
بِعِلَّةٍ فِيهِ "وَكَذَا قِيَاسٌ فِي مَعْنَى الأَصْلِ".
"وَلا يَرِدُ عَلَيْهِ" أَيْضًا6 "مَا تَعَلَّقَ بِنَفْسِ
الْجَامِعِ" لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِيهِ. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ
مُفْلِحٍ وَتَبِعَهُ فِي التَّحْرِير.
ـــــــ
1 أي طريق المستدل في الدفع أن يقول: النزاع في زكاة
العين، وقد عرفنا الزكاة بالألف واللام في سياق الكلام،
فينصرف الكلام إلى موضع الخلاف ومحل الفتيا. "روضة الناظر
ص 351".
2 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 61.
3 روضة الناظر ص 351.
4 في ش ز: لوجوب.
5 في ش: وكذا قياس.
6 ساقطة من ض ب.
(4/349)
"وَمُنِعَ"
بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عِنْدَ الأَكْثَرِ "تَعَدُّدُ
اعْتِرَاضَاتٍ" عَلَى الْمُسْتَدِلِّ "مُرَتَّبَةٍ"؛
لأَنَّ فِي تَعَدُّدِهَا1 تَسْلِيمًا لِلْمُقَدَّمِ؛
لأَنَّ الْمُعْتَرِضَ إذَا طَالَبَهُ بِتَأْثِيرِ
الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ مَنَعَ وُجُودَ الْوَصْفِ فَقَدْ
نَزَلَ عَنْ الْمَنْعِ وَسَلَّمَ وُجُودَ الْوَصْفِ
الَّذِي هُوَ الْمُقَدَّمُ؛ لأَنَّهُ لَوْ أَصَرَّ عَلَى
مَنْعِ وُجُودِ2 الْوَصْفِ لَمَّا طَالَبَهُ بِتَأْثِيرِ
الْوَصْفِ؛ لأَنَّ تَأْثِيرَ مَا لا وُجُودَ لَهُ مُحَالٌ،
فَلا يَسْتَحِقُّ الْمُعْتَرِضُ غَيْرَ جَوَابِ3
الأَخِيرِ، فَيَتَعَيَّنُ الأَخِيرُ لِلْوُرُودِ4 فَقَطْ.
وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ مِنْ
أَصْحَابِنَا، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ5: لَوْ
أَوْرَدَ النَّقْضَ6 ثُمَّ مَنَعَ وُجُودَ الْعِلَّةِ:
لَمْ يُقْبَلْ، لِتَسْلِيمِهِ لِلْمُتَقَدِّمِ.
وَعِنْدَ الأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ
وَالْفَخْرِ إسْمَاعِيلَ وَالآمِدِيِّ7 وَابْنِ
الْحَاجِبِ8 وَمَنْ وَافَقَهُمْ9: لا يُمْنَعُ
التَّعَدُّدُ فِي
ـــــــ
1 في ش: ترتبها.
2 ساقطة من ض.
3 في ض: وجوب.
4 في ز: المورود.
5 ساقطة من ض د.
6 في ض: النص. وفي ب: بالنقض.
7 الإحكام في أصول الأحكام 4/159.
8 منتهى السول والأمل ص 202، مختصر ابن الحاجب مع شرحه
للعضد 2/280.
9 انظر فواتح الرحموت 2/358، المحلي على جمع الجوامع
وحاشية البناني عليه 2/329.
(4/350)
الْمُرَتَّبَةِ؛ لأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُتَقَدِّمِ
تَسْلِيمٌ تَقْدِيرِيٌّ، إذْ مَعْنَاهُ: لَوْ سُلِّمَ
وُجُودُ الْوَصْفِ فَلا نُسَلِّمُ تَأْثِيرَهُ.
وَالتَّسْلِيمُ التَّقْدِيرِيُّ: لا يُنَافِي الْمَنْعَ،
بِخِلافِ التَّسْلِيمِ تَحْقِيقًا.
قَالَ الْهِنْدِيُّ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: وَهُوَ
الْحَقُّ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْمُصَنَّفَاتِ1.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَتَرَتَّبُ الأَسْئِلَةُ،
فَيُقَدَّمُ الاسْتِفْسَارُ ثُمَّ فَسَادُ الاعْتِبَارِ،
ثُمَّ الْوَضْعُ، ثُمَّ مَا تَعَلَّقَ بِالأَصْلِ، ثُمَّ
الْعِلَّةُ، ثُمَّ الْفَرْعُ. وَيُقَدَّمُ النَّقْضُ عَلَى
الْمُعَارَضَةِ2.
وَأَوْجَبَ ابْنُ الْمَنِيّ تَرْتِيبَ الأَسْئِلَةِ،
فَاخْتَارَ فَسَادَ الْوَضْعِ، ثُمَّ الاعْتِبَارَ، ثُمَّ
الاسْتِفْسَارَ، ثُمَّ الْمَنْعَ، ثُمَّ الْمُطَالَبَةَ،
وَهُوَ مَنْعُ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ، ثُمَّ الْفَرْقَ،
ثُمَّ النَّقْضَ، ثُمَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ، ثُمَّ
الْقَلْبَ، ثُمَّ رَدَّ التَّقْسِيمَ إلَى الاسْتِفْسَارِ،
أَوْ الْفَرْقِ3.
وَإِنَّمَا قَدَّمَ الاسْتِفْسَارَ، لأَنَّ مَنْ لا
يَعْرِفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لا يَعْرِفُ مَا يَرِدُ
عَلَيْهِ. ثُمَّ فَسَادُ الاعْتِبَارِ؛ لأَنَّهُ نَظَرٌ
فِي فَسَادِ الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ
قَبْلَ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِهِ. ثُمَّ فَسَادُ
ـــــــ
1 ساقطة من د ض.
2 انظر إرشاد الفحول ص 234، نشر البنود 2/243.
3 ساقطة من ض.
(4/351)
الْوَضْعِ1؛
لأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ فَسَادِ الاعْتِبَارِ، وَالنَّظَرُ
فِي الأَعَمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّظَرِ فِي الأَخَصِّ.
ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَصْلِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ
بِالْعِلَّةِ؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ
حُكْمِ الأَصْلِ، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ
عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ
يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلَّةِ، وَيُقَدَّمُ2 النَّقْضُ
عَلَى الْمُعَارَضَةِ؛ لأَنَّ النَّقْضَ يُورَدُ
لإِبْطَالِ الْعِلَّةِ، وَالْمُعَارَضَةُ تُورَدُ
لاسْتِقْلالِهَا، وَالْعِلَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى
اسْتِقْلالِهَا3.
"وَ" لا يُمْنَعُ تَعَدُّدُ اعْتِرَاضَاتٍ "غَيْرِ
مُرَتَّبَةٍ، وَلَوْ" كَانَتْ "مِنْ أَجْنَاسٍ"4.
قَالَ الطُّوفِيُّ: وَتَرْتِيبُ الأَسْئِلَةِ -وَهُوَ
جَعْلُ كُلِّ سُؤَالٍ فِي رُتْبَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لا
يُفْضِي بِالتَّعَرُّضِ إلَى الْمَنْعِ بَعْدَ
التَّسْلِيمِ- أَوْلَى اتِّفَاقًا؛ لأَنَّ الْمَنْعَ
بَعْدَ التَّسْلِيمِ قَبِيحٌ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ: أَنْ
يَكُونَ التَّحَرُّزُ5 مِنْهُ6 أَوْلَى. فَمِنْهُمْ مَنْ
أَوْجَبَهُ نَفْيًا لِلْقُبْحِ الْمَذْكُورِ، وَنَفْيُ
الْقُبْحِ وَاجِبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ،
نَظَرًا إلَى أَنَّ كُلَّ سُؤَالٍ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ،
وَجَوَابُهُ مُرْتَبِطٌ بِهِ. فَلا فَرْقَ إذَا7 بَيَّنَ
تَقَدُّمَهُ
ـــــــ
1 في ض: الوضع لأنه نظر في فساد الوضع.
2 في ش: ويقوم.
3 في ز: متقدمة.
4 انظر فواتح الرحموت 2/357، المحلي على جمع الجوامع
وحاشية البناني عليه 2/329.
5 في ش: التجوز.
6 في ش: عنه.
7 ساقطة من ض.
(4/352)
وَتَأَخُّرَهُ.
ا هـ.
"وَ" حَيْثُ جَازَ التَّعَدُّدُ فَإِنَّهُ "يَكْفِي
جَوَابُ آخِرِهَا".
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْمُنَى وَجُمْهُورُ
الْجَدَلِيِّينَ: إنَّهُ لا يُطَالِبُهُ بِطَرْدِ دَلِيلٍ1
إلاَّ بَعْدَ تَسْلِيمِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ دَلالَتِهِ
فَلا يَنْقُضُهُ مَنْ سَلَّمَهُ2 فَلا يُقْبَلُ الْمَنْعُ
بَعْدَ التَّسْلِيمِ. ا هـ.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَسْئِلَةِ الْجَدَلِ وَأَسْئِلَةِ
الاسْتِرْشَادِ، لا الْغَلَبَةِ وَالاسْتِزْلالِ3،
وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْجَمِيعِ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ4
كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ؛ وَإِلاَّ فَلَهُمْ مِنْ الْحِيَلِ
وَالاصْطِلاحِ الْفَاسِدِ أَوْضَاعٌ، كَمَا لِلْفُقَهَاءِ
وَالْحُكَّامِ فِي الْجَدَلِ الْحُكْمِيِّ أَوْضَاعٌ.
وَضَابِطُ الْمَنْعِ فِي الدَّلِيلِ عِنْدَ أَهْلِ
الْجَدَلِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِمُقَدِّمَةٍ مِنْ
مُقَدِّمَاتِهِ قَبْلَ التَّمَامِ أَوْ بَعْدَهُ.
و5َالأَوَّلُ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا عَنْ
الْمُسْتَنَدِ6، أَوْ مَعَ الْمُسْتَنَدِ7، وَهُوَ
الْمُنَاقَضَةُ8، فَهِيَ مَنْعُ مُقَدِّمَةٍ مِنْ
الدَّلِيلِ،
ـــــــ
1 في ض ب: لا يطالبه أي غصب منصب التعليل بطرد ذلك.
2 في ش ض ب: حتى يسلمه.
3 في ش: الاستذلال.
4 في ز: على.
5 ساقطة من ش.
6 في ش: السند.
7 في ش: السند.
8 انظر معنى المناقضة اصطلاحاً في "الكليات للكفوي 4/264،
التعريفات للجرجاني ص 121، المحلي على جمع الجوامع وحاشية
البناني عليه 2/335، حاشية الصبان على شرح آداب البحث ص
13".
(4/353)
سَوَاءٌ ذُكِرَ
مَعَهَا مُسْتَنَدٌ1، أَوْ لا.
قَالَ الْجَدَلِيُّونَ: وَمُسْتَنَدُ الْمَنْعِ هُوَ مَا
يَكُونُ الْمَنْعُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ2، نَحْوَ: لا
نُسَلِّمُ كَذَا، أَوْ لِمَ3 لا يَكُونُ كَذَا، أَوْ لا
نُسَلِّمُ لُزُومَ كَذَا؟ و4َإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا أَنْ
لَوْ كَانَ كَذَا...
ثُمَّ إنْ احْتَجَّ لانْتِفَاءِ الْمُقَدِّمَةِ،
فَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْغَصْبَ5، أَيْ غَصْبَ مَنْصِبِ
التَّعْلِيلِ6، وَهُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عِنْدَ
النُّظَّارِ، لاسْتِلْزَامِهِ الْخَبْطَ فِي الْبَحْثِ.
نَعَمْ يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَرِضِ بَعْدَ
إقَامَةِ الْمُسْتَدِلِّ الدَّلِيلَ، عَلَى تِلْكَ
الْمُقَدِّمَةِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْمَنْعُ بَعْدَ تَمَامِهِ،
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ مَنْعِ الدَّلِيلِ بِنَاءً
عَلَى تَخَلُّفِ حُكْمِهِ7، فَيُسَمَّى النَّقْضَ
الإِجْمَالِيَّ8؛
ـــــــ
1 في ش: سند.
2 ساقطة من ض.
3 ساقطة من ض.
4 في ز: أو.
5 انظر معنى الغصب في الجدل في "الكليات 4/264، المحلي على
جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/335".
6 ساقطة من ض.
7 أي في صورة ما، بأن يقال: ما ذكر من الدليل غير صحيح
لتخلف حكمه في كذا. "الكليات 4/264".
8 انظر معنى النقض الإجمالي في "الكليات 4/264، التعريفات
ص 116، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه
2/335".
(4/354)
لأَنَّ
النَّقْضَ التَّفْصِيلِيَّ1: هُوَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ
عَنْ الدَّلِيلِ لِلْقَدْحِ فِي مُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ
مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ، بِخِلافِ الإِجْمَالِيِّ، فَإِنَّهُ
تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الدَّلِيلِ بِالْقَدْحِ2 فِي
مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ لا عَلَى التَّعْيِينِ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ تَسْلِيمِ الدَّلِيلِ
وَالاسْتِدْلالِ بِمَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْمَدْلُولِ
فَهُوَ الْمُعَارَضَةُ3 فَهِيَ تَسْلِيمٌ لِلدَّلِيلِ فَلا
يُسْمَعُ مِنْهُ بَعْدَهَا مَنْعٌ، فَضْلاً عَنْ سُؤَالِ
الاسْتِفْسَارِ4.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ5: مَا ذَكَرْت مِنْ الدَّلِيلِ -
وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَا تَدَّعِيهِ - فَعِنْدِي مَا
يَنْفِيهِ، أَوْ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ. وَيُبَيِّنُهُ
بِطَرِيقِهِ. فَهُوَ يَنْقَلِبُ مُسْتَدِلاًّ.
فَلِهَذَا لَمْ يَقْبَلْهُ بَعْضُهُمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ
انْقِلابِ دَسْتِ الْمُنَاظَرَةِ6،
ـــــــ
1 انظر معنى النقض التفصيلي في "الكليات 4/264، التعريفات
ص 115، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه
2/336".
2 ساقطة من ش.
3 انظر معنى المعارضة اصطلاحاً في "الكليات للكفوي 4/265،
التعريفات للجرجاني ص 115، الكافية للجويني ص 69، الحدود
للباجي ص 79، الجدل لابن عقيل ص 70، المحلي على جمع
الجوامع وحاشية البناني عليه 2/336، حاشية الصبان على شرح
آداب المحدث ص 13".
4 في ش: السؤال للاستفسار.
5 أي للمستدل في صورة المعارضة.
6 في ش: المعارضة.
(4/355)
إذْ يَصِيرُ
الْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا؛ وَالْمُعْتَرِضُ
مُسْتَدِلاًّ، لَكِنَّ1 الصَّحِيحَ الْقَبُولُ: لأَنَّ
ذَلِكَ بِنَاءٌ بِالْعَرْضِ2، هَدْمٌ بِالذَّاتِ،
فَالْمُسْتَدِلُّ مُدَّعٍ بِالذَّاتِ، مُعْتَرِضٌ
بِالْعَرْضِ3، وَالْمُعْتَرِضُ بِالْعَكْسِ، فَصَارَا
كَالْمُتَخَالَفِينَ.
مِثَالُهُ: الْمَسْحُ رُكْنٌ فِي4 الْوُضُوءِ، فَيُسَنُّ5
تَثْلِيثُهُ كَالْوَجْهِ.
فَيُعَارِضُهُ بِأَنَّهُ مَسْحٌ، فَلا يُسَنُّ
تَثْلِيثُهُ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
نَعَمْ عَلَى الْمُعَلِّلِ دَفْعُ الاعْتِرَاضِ عَنْهُ
بِدَلِيلٍ، وَلا يَكْفِيهِ الْمَنْعُ الْمُجَرَّدُ، فَإِنْ
ذَكَرَ دَلِيلَهُ وَمَنَعَ ثَانِيًا، فَكَمَا سَبَقَ،
وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ الأَمْرُ: إمَّا إلَى
الإِفْحَامِ، أَوْ الإِلْزَامِ.
فَالإِفْحَامُ عِنْدَهُمْ: انْقِطَاعُ الْمُسْتَدِلِّ
بِالْمَنْعِ أَوْ بِالْمُعَارَضَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي
بِمَاذَا يَحْصُلُ الانْقِطَاعُ.
وَالإِلْزَامُ6: انْتِهَاءُ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ إلَى
مُقَدِّمَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ أَوْ يَقِينِيَّةٍ مَشْهُورَةٍ
يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ الاعْتِرَافُ7 بِهَا، وَلا
يُمْكِنُهُ الْجَحْدُ،
ـــــــ
1 في ش: لكن الدليل.
2 في ب ض ز: بالفرض.
3 في ض ب ز: بالفرض.
4 ساقطة من ش.
5 في ش: فليس.
6 انظر معنى الإلزام اصطلاحاً في الكافية للجويني ص 70.
7 في ش: الاعتراض.
(4/356)
فَيَنْقَطِعُ
بِذَلِكَ1.
فَإِذًا الإِلْزَامُ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ لِلْمُعْتَرِضِ،
وَالإِفْحَامُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِلْمُسْتَدِلِّ.
ـــــــ
1 فمثال ما ينتهي إلى ضروري أن يقول المستدل: العالم حادث،
وكل حادث له صانع. فيقول المعترض: لا أسلم الصغرى. فيدفع
المستدل ذلك المنع بالدليل على حدوث العالم. فيقول: العالم
متغير، وكل متغير حادث. فيقول المعترض: لا أسلم الصغرى.
فيقول له المستدل: ثبت بالضرورة تغير العالم، وذلك لأن
العالم قسمان: أعراض وأجرام. أما الأعراض فتغيرها مشاهد،
كالتغير بالسكون والحركة وغيرهما، فلزم كونها حادثة. وأما
الأجرام، فإنها ملازمة لها، وملازم الحادث حادث، فثبت حدوث
العالم.
ومثال ما ينتهي إلى المشهورة، وهي قضية يحكم العقل بها
بواسطة اعتراف جميع الناس لمصلحة عامة أو غير ذلك، كأن
يقال: هذا ضعيف، والضعيف ينبغي الإعطاء إليه. فيقول له
المعترض: لا أسلم الكبرى. فيقول له المستدل: مراعاة الضعيف
تحصل بالإعطاء إليه، والإعطاء إليه محمود عند جميع الناس،
فمراعاة الضعيف محمودة عند جميع الناس، فينبغي حينئذ
الإعطاء إليه. "حاشية البناني 2/337".
(4/357)
|