نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
( [ (الْحَمد لله رب الْعَالمين))
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم جمال الدّين، أَبُو الْفرج
عبد الرَّحْمَن بن عَليّ ابْن الْجَوْزِيّ (رَحمَه الله) ] :
الْحَمد لله على إحسانه حمدا يُوجب الْمَزِيد من رضوانه،
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ فِي
سُلْطَانه، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ
لايضاح برهانه، وَصلى الله عَلَيْهِ، وعَلى أَصْحَابه،
وأزواجه، وأعوانه، صَلَاة تدوم على مُرُور الزَّمَان ومرور
أحيانه، وَسلم تلسيما كثيرا.
وَبعد لما نظرت فِي كتب الْوُجُوه والنظائر الَّتِي ألفها
أَرْبَاب الِاشْتِغَال بعلوم الْقُرْآن، رَأَيْت كل مُتَأَخّر
عَن مُتَقَدم يحذو حذوه، وينقل قَوْله مُقَلدًا لَهُ من غير
فكرة (فِيمَا نَقله وَلَا بحث عَمَّا حصله.
(1/81)
قد نسب كتاب فِي " الْوُجُوه والنظائر "
إِلَى (عِكْرِمَة عَن) ابْن عَبَّاس " رَضِي الله عَنْهُمَا "
وَكتاب) آخر إِلَى عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
وَمِمَّنْ ألف كتب " الْوُجُوه والنظائر ". الْكَلْبِيّ،
وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان، وَأَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن
الْفضل الْأنْصَارِيّ. وروى مطروح بن مُحَمَّد بن شَاكر عَن
عبد الله بن هَارُون الْحِجَازِي عَن أَبِيه، كتابا فِي "
الْوُجُوه والنظائر "، وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد بن
(1/82)
الْحسن النقاش، وَأَبُو عبد الله
الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي، وَأَبُو عَليّ الْبناء
من أَصْحَابنَا، وَشَيخنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن عبيد الله بن
الزَّاغُونِيّ. وَلَا أعلم أحدا جمع الْوُجُوه والنظائر سوى
هَؤُلَاءِ.
وَأعلم أَن معنى الْوُجُوه والنظائر (2 / أ) أَن تكون
الْكَلِمَة وَاحِدَة، ذكرت فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن على لفظ
وَاحِد، وحركة وَاحِدَة، وَأُرِيد بِكُل مَكَان معنى غير
الآخر، فَلفظ كل كلمة ذكرت فِي مَوضِع نَظِير للفظ الْكَلِمَة
الْمَذْكُورَة فِي الْموضع الآخر، وَتَفْسِير كل كلمة بِمَعْنى
غير معنى الآخرى هُوَ الْوُجُوه.
فَإِذن النَّظَائِر: اسْم للألفاظ، وَالْوُجُوه: اسْم للمعاني،
فَهَذَا الأَصْل فِي وضع كتب الْوُجُوه والنظائر، وَالَّذِي
أَرَادَ الْعلمَاء بِوَضْع كتب الْوُجُوه والنظائر أَن يعرفوا
السَّامع لهَذِهِ النَّظَائِر أَن مَعَانِيهَا تخْتَلف، وَأَنه
لَيْسَ المُرَاد بِهَذِهِ اللَّفْظَة مَا أُرِيد بِالْأُخْرَى،
وَقد تجوز واضعوها فَذكرُوا كلمة وَاحِدَة مَعْنَاهَا فِي
جَمِيع الْمَوَاضِع وَاحِد. كالبلد، والقرية، وَالْمَدينَة،
وَالرجل، وَالْإِنْسَان، وَنَحْو ذَلِك. إِلَّا أَنه يُرَاد
بِالْبَلَدِ فِي هَذِه الْآيَة غير الْبَلَد فِي الْآيَة
الْأُخْرَى (وبهذه الْقرْيَة غير الْقرْيَة فِي الْآيَة
الْأُخْرَى) . فحذوا
(1/83)
بذلك حَذْو الْوُجُوه والنظائر
الْحَقِيقِيَّة. فَرَأَيْت أَن أذكر هَذَا الِاسْم كَمَا
ذَكرُوهُ وَلَقَد قصد أَكْثَرهم كَثْرَة الْوُجُوه والأبواب،
فَأتوا بالتهافت العجاب، مثل أَن ترْجم بَعضهم فَقَالَ: بَاب
الذُّرِّيَّة، وَذكر فِيهِ " ذَرْنِي "، " وتذروه الرِّيَاح "،
" ومثقال ذرة ". وَترْجم بَعضهم فَقَالَ: بَاب الرِّبَا، وَذكر
فِيهِ " أَخْذَة رابية ". و " ربيون " و " ربائبكم "، و "
جنَّة بِرَبْوَةٍ ".
وتهافتهم إِلَى مثل هَذَا كثير يعجب مِنْهُ ذُو اللب، إِذا
رَآهُ، وجمعت فِي كتابي هَذَا أَجود مَا جَمَعُوهُ، وَوضعت
(عَنهُ) كل وهم ثبتوه فِي كتبهمْ ووضعوه، وَقد رتبته على
الْحُرُوف ترتيبا (2 / ب) ، وقربته إِلَى الِاخْتِصَار المألوف
تَقْرِيبًا، وَأَنا أسأَل الله الَّذِي لم يزل قَرِيبا أَن
يَجْعَل لي من عونه نَصِيبا إِنَّه ولي ذَلِك والقادر
عَلَيْهِ.
(1/84)
|