شرح الورقات في أصول الفقه

شرح متن الورقات (5)
هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة - تعريف النهي ومقتضاه وصيغه -تعريف العام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل: يقول في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [(82) سورة يوسف]، ذكرتم في الإجابة عنها أن القرية قد تسأل، ويكون جوابها بلسان الحال .. ؟
وذكرنا أن القرية تطلق ويراد بها العمران بساكنيه، وحينئذٍ يسأل من يمكن سؤاله ويرجى جوابه، وعلى سبيل التنزل، إذا قلنا: إن المراد بالقرية هي العمران فقط، فقد حصل أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- سأل القبور، سأل القبور وأهل القبور: "ماذا عندكم؟ أما ما عندنا فهو كذا وكذا"، وقد كان جوابها بلسان الحال، وهنا يقول: ولسان الحال أليس من المجاز؟
نقول: لا، ليس من المجاز؛ بل هو من الحقائق العرفية، حقيقة عرفية.
ذكرتُ أن الأسئلة التي لا علاقة لها بالكتاب تحال إلى الشيخ حفظه الله.
هذا يسأل .. ، وهذا سؤال له علاقة بالأصول وهو الترادف بين الكلمات، الترادف مثل: قعد وجلس، هل نقول: إن معنى الكلمتين واحد تماماً بحيث لا يزيد أحدهما عن الآخر -بين قعد وجلس-؟
من أهل العلم من يقول ذلك، يوجد في اللغة كلمات مترادفة، لكن المحققين من اللغويين وعلماء الشرع يثبتون أن هناك فروق بين الكلمات -فروق دقيقة جداً- وكتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري أكبر مثال على ذلك، يأتي بالكلمتين التين يظن بهما الترادف فيبيّن ما بينهما من فروقٍ دقيقة، فعلى سبيل المثال: الصنف والضرب والنوع والقِسْم، بينها فروق في غاية الدقة، وهناك أيضاً ما بين القعود والجلوس، هناك أيضاً ما بين القيام والوقوف، وهكذا من الفروق.
يقول: هذا يريد حكم الإسبال وبيان حرمته؟
الإسبال: جاء الوعيد الشديد على من جرّ ثوبه، وأن ما كان أسفل من الكعبين ففي النار، وهذا له حكم، ومن جر ثوبه خيلاء له حكم، ويقول بعض الناس: إن ((ما كان من أسفل الكعبين .. )) هذا مطلق، و ((من جر ثوبه خيلاء .. )) هذا مقيّد، والمطلق يحمل على المقيد؟ نقول: لا.


نقول: نعم يحمل المطلق على المقيد إذا اتحدا في الحكم، وهنا اختلاف في الحكم؛ لأن مجرد جر الثوب له حكم وهو في النار -نسأل الله العافية- وأما جرّه خيلاء له حكم آخر أشد من الحكم الأول، وحينئذٍ في مثل هذه الصورة لا يحمل المطلق على المقيد.
ولو أدركنا في الكتاب شرح الإطلاق والتقييد لبيّنا ذلك بياناً يكفي -إن شاء الله تعالى- لأن للمقيد مع المطلق صوراً أربعاً، إما أن يتحدا في الحكم والسبب، أو يختلفا في الحكم والسبب، أو يختلفا في الحكم دون السبب، أو العكس، أربع صور، ولكل واحدةٍ منها حكمها.
يقول: المحظور يثاب على تركه ويعاقب على فعله، سؤالي: نحن في كل وقت تاركون، هل نجد الثواب مثلاً في هذا الوقت، نحن تاركون السرقة مثلاً؟
إذا تركت المحظور فلا تخلو إما أن تكون تركته عجزاً عنه، أو تكون تركته خشية لله -عز وجل- أو تركته غفلةً وذهولاً، ولكل واحد من هذه الصور حكمها، لكن المسلم إذا استصحب أنه ممتثل لأمر الله -عز وجل- وأنه منتهٍ عما حرمه الله عليه، وأنه لو أتيحت له فرصة للسرقة مثلاً ما سرق -نوى ذلك وبيّت ذلك- يثاب عليه -إن شاء الله- ولو عزب عن ذهنه.
هذه أسئلة كثيرة عن المجاز، وهل يدخل في الصفات أو لا يدخل؟ لكن ...
يقول: ما رأيكم في تحية المسجد وقت النهي، وهل الأمر مقدم أم النهي في النصوص إذا تعارضت؟
هذه مسألة مهمة جداً، ويقع فيها كثير من الناس، ويحتاج إليها في مثل هذا الوقت؛ لأنه وقت نهي، كثير من الناس يصلي في وقت النهي دون تردد كأن المسألة محسومة، وهذه المسألة من عضل المسائل، وليس الخلاف فيها كما يتصوره بعض الناس أنه من باب العموم والخصوص والخاص مقدم على العام، لا؛ فإذا قال الشافعي مثلاً: "إن أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة".
لغيره أن يقول من الحنفية والمالكية والحنابلة أن يقولوا العكس: "أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة".
إذا قال الشافعي: "أحاديث النهي عامة في جميع الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات"، للطرف المقابل أن يقول العكس: "أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات"، وليس قول أحدهما بأولى من القبول من قول الآخر.


والصواب أن التعارض في هذه النصوص من باب العموم والخصوص الوجهي، ولذا فهذه المسألة من عضل المسائل، حتى قال بعض أهل العلم: لا تدخل المسجد في هذه الأوقات؛ لأنه لم يستطع الترجيح.
كيف كان العموم والخصوص وجهياً؟
لارتباط هذه المسألة بما نحن فيه من الأصول أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، خاصة بهذه الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات خاصة بهذه الصلوات، ولا يمكن الترجيح بين النصوص الواردة في هذا وذاك لذاتها؛ لأن النصوص متكافئة، فيطلب مرجح خارجي.
فالذين يقولون: نرجح أحاديث ذوات الأسباب، قالوا: لأن عمومها محفوظ ما دخله تخصيص، وعرفنا أن أحاديث النهي مخصصة لهذا العموم في هذه الأوقات، وأحاديث النهي عمومها غير محفوظ، دخله من المخصصات الكثير، فتُرجح أحاديث ذوات الأسباب على أحاديث النهي.
والذي يلوح لي أن تحية المسجد -وما أشبهها- في الوقتين الموسعين الأمر فيهما سعة، وأما في الأوقات المضيقة الثلاثة التي جاءت في حديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا": ترجح فيها أحاديث النهي؛ لأن النهي عنها لذاتها -لذات الأوقات- وأما النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين فهو من باب منع الوسائل؛ لئلا يمتد الأمر بهذا المصلي فيصلي في الأوقات المضيقة.
فعلى هذا من دخل في مثل هذا الوقت والشمس بيضاء نقية وصلى ركعتين لا ينكر عليه، ولو جلس عملاً بأحاديث النهي لا ينكر عليه.
وتوقف كثير من أهل العلم؛ من أهل العلم من قال: إذا دخل في وقت النهي لا يجلس يستمر واقفاً، ومنهم من قال: لا يدخل المسجد في أوقات النهي، لكن ما جاء في الوقتين الموسعين أخف مما جاء في الأوقات الثلاثة المضيقة، علماً بأن الأوقات المضيقة أمرها يسير، لا يزيد على ربع ساعة، إذا كانت الشمس بيضاء نقية لا بأس صلِّ، بعد صلاة الصبح تصلي إذا دخلت المسجد؛ لأن الوقت موسع، أما عند طلوع الشمس وعند غروبها وحين يقوم قائم الظهيرة فلا، والله المستعان.
يقول: وهل الأمر مقدم أم النهي في النصوص إذا تعارضت؟


معروف قول الأكثر: تقديم النهي على الأمر؛ ((إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه))، محسوم، أما ((إذا أمرتكم فأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم))، وهذا قول الأكثر.
شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- يرى العكس -أن الأمر مقدم ومخالفة الأمر أعظم من ارتكاب المحظور- ويستدل بأن معصية آدم ارتكاب محظور، ومعصية إبليس مخالفة أمر، ومعصية إبليس أعظم.
لكن ما الذي خفف معصية آدم، وما الذي جعل معصية إبليس عظيمة؟
ما صاحب المعصيتين من غرور واستكبار واستنكاف من إبليس، ومن ندم واستصغار من آدم عليه السلام.
وعلى كل حال في مثل هذه المسألة لا يجاب بقولٍ مطلق، بل يرجع فيه إلى مقدار هذا الأمر وعظم هذا الأمر المتروك المقرون بالنهي، كما أنه ينظر فيه إلى عظم ارتكاب المحظور بالنسبة للمأمور.
فلو تصورنا شخصاً مطالباً بصلاة الجماعة، وفي طريقه إلى المسجد نساء متبرجات، نقول يلزمك حضور صلاة الجماعة، وغض بصرك، لكن هو مطالب بصلاة الجمعة في المسجد وفي طريقه بغي، ومن وراء هذا البغي ظالم يجبر الناس على مقارفة الفاحشة معها؟ نقول: ترك المأمور أو ارتكاب المحظور؟
طالب:. . . . . . . . .
ترك المأمور أسهل من ارتكاب المحظور، وعلى هذا كل مسألة تقدر بقدرها، فلا يقال بحكمٍ عام مطَّرد في مثل هذا، بل ينظر إلى كل مسألتين متقابلتين من هذا النوع على حده.
يقول هذا -مع أن الوقت طال بنا، وما كنت أنوي أن أجيب عن مثل هذه الأسئلة بحضور شيوخنا لكن .. - هذا يقول: أعشق المناظرات -في أشياء له ارتباط بما مرّ بنا- أعشق المناظرات والجدال لا للعناد، وإنما لقول كلمة الحق، مع علمي بأن المراء العقيم من يتركه يكون قد ضمن له الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجنة، ما هي نصيحتكم؟
أولاً: المجادلة مجادلة الخصوم بالحق بالتي هي أحسن مطلب شرعي، مناظرة الكفار بالتي هي أحسن -بالرفق واللين- طلباً للحق وبحثاً عنه، هذا لا شك أنه أسلوب من أساليب الدعوة، هذا مطلوب، وهذا الأسلوب موجود في النصوص من الكتاب والسنة، لكن الجدال لذاته، والمراء لإظهار العلم -لكي يقول الناس: هذا يحسن كذا- فيه ما في غيره من أبواب العلم.


أيضاً لو تعلم من غير جدالٍ ولا مراء؛ ليقال: عالم، صار من أول من تسعّر بهم النار -نسأل الله العافية- أيضاً الجدال الذي لا جدوى من وراءه هذا مذموم، فمن يؤتى الجدل الذي لا فائدة فيه وتميل إليه نفسه لا شك أنه دليل على حرمان العلم والعمل معاً، والله المستعان.
فإذا كانت لديك هذه الملكة فعليك أن تنميها بالأدلة لا بالمعقولات، لا أن تعتمد على الجدل العقلي، نعم هناك آداب للبحث والمناظرة -مراعاة عند أهل العلم- تؤخذ، لكن العمدة الأدلة وفهم السلف لهذه الأدلة، فإذا دخلت في هذا الباب بنيةٍ صالحة وقصدك الحق ملغياً حظوظ النفس، فإنك مأجور إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال إمام الحرمين -رحمه الله-:
والأمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب، والصيغة الدالة عليه (افعل)، وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه، إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة فيحمل عليه، ولا يقتضي التكرار -على الصحيح- إلا إذا دلَّ الدليل على قصد التكرار، ولا يقتضى الفور، والأمر بإيجاد الفعل أمر به ..
يكفي ..
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
والأمر استدعاء الفعل: الأمر الذي هو أحد شقي التكليف؛ التكليف إما بأمرٍ أو بنهي، على خلافٍ في التخيير، الذي مقتضاه الإباحة هل هو تكليف أم لا، الأمر عرفه المؤلف بأنه استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه: فيخرج بقوله استدعاء الفعل النهي لماذا؟ لأنه استدعاء للترك، كما أنه يخرج به المباح؛ لأنه ليس استدعاء أصلاً، لا فعلاً ولا تركاً.
وقوله: بالقول: يخرج به ما دلّ على طلب الفعل من غير قول كالإشارة، ونصب العلامة، والكتابة، والقرائن المفهمة.
الآن إذا قال الأب لابنه: اذهب، هذا أيش؟ أمر، من الإشارات المفهمة إذا قال الأب لابنه: ... -أيش معناه؟ اذهب، يعني بدون نطق، لو قال لولده باليد هكذا، هل يسمى أمراً أو لا يسمى أمراً على مقتضى كلام المؤلف؟ لا يسمى أمراً.


لو كتب له ورقة -كتابة- لا يسمى أمراً؛ لأنه خصه بالقول، والقول هو ما يتلفظ به –الملفوظ- فلا تدخل الإشارة ولا تدخل الكتابة ولا تدخل القرائن -القرائن المفهمة- ولا يدخل أيضاً في ذلك نصب العلامة، إذا كان للوالد طريقة أنه إذا نزل من مشربته أو غرفته اقتضى ذلك أن يخرج معه الأولاد إلى الصلاة مثلاً أو إلى العمل، هذه قاعدته المطَّردة، هل معنى هذا أنه إذا نزل وتخلف واحد منهم أن يكون قد عصى لمجرد نزوله؟ هذا وإن تضمن الأمر لكنه بالفعل لا بالقول، فهل يأثم من خالف الأمر المفهوم من الإشارة، وهل يأثم من خالف الأمر المكتوب؟
هو لا شك أن دائرة الإخبار أوسع من دائرة القول والتحديث، فإذا قال الرجل لعبيده: من حدثني بكذا فهو حر، من أخبره بكتابة لا يعتق، من أخبره بإشارة لا يعتق، من أخبره بعلامة لا يعتق، بعلامة ولو كانت مفهمة، ولو قال الرجل لعبيده: من أخبرني بكذا فهو حر عتق إذا وجد أي شيءٍ من هذه الأمور، سواء كان بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة أو نصب العلامة المفهمة، هذا مقتضى قول المؤلف، لكن هل هو جامع؟ دقيق؟ مخرج لما ذكر؟ يعني لو كتب الأب، أو ولي الأمر أصدر أمر كتابة بدون القول، يلزمه قوله أو لا يلزم كتابة؟
نعم، يلزم، إلا على قوله، لو قال الأب لابنه هكذا وهو يفهم، اذهب، ثم جلس -المسألة مفترضة في شخص يفهم هذه الإشارة، والذي لا يفهم ما يلزم ولا بالقول، الذي لا يفهم، المراد من القول لا .. كما سيأتي.
فلا شك أن الأمر يحصل بالقول والكتابة والإشارة المفهمة، فإذا قال الأب لابنه هكذا يعني اذهب فلم يذهب يكون عاصياً.
وقوله: ممن هو دونه: يخرج به الطلب من المساوي والأعلى، فلا يسمى أمراً إذا زيد مساوٍ لعمرو، قال له: اذهب فاشتر لي، يسمى أمراً أو التماساً؟
يسمونه التماس، وإن كان بصيغة الأمر.
إذا الابن طلب من أبيه أن يشتري له شيئاً، اشتر لي قلماً، اشتر لي كراسةً، اشتر لي كذا، اشتر لي كتاباً، هل هذا يسمى أمراً؟ لا يسمى أمراً، يسمونه سؤال مثل هذا.


إذا قال الله -عز وجل- لعباده: {أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [(43) سورة البقرة]، هذا أمر، لكن إذا قال العباد لربهم: {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا} [(147) سورة آل عمران]: {اغْفِرْ لَنَا}: صيغة أمر، لكن هل هذا أمر؟!
هذا دعاء.
على سبيل الوجوب: يخرج به الندب والإباحة، يخرج به الندب والإباحة على ما سيأتي في الأمر بعد الحظر هل يقتضي الإباحة أو لا؟ يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
والصيغة الدالة على الأمر (افعل): مثل: {أَقِمِ الصَّلاَةَ} [(78) سورة الإسراء]، ومثل هذه الصيغة اسم فعل الأمر، مثل: هاك، بمعنى خذ، نعم، هاك بمعنى خذ.

هاك حروف الجر وهي من إلى ... حتى خلا. . . . . . . . .
يعني خذ هذه الحروف التي تدل على الأمر.
والمصدر النائب عن الفعل -عن فعل الأمر-: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [(23) سورة الإسراء]، يعني أحسنوا إحساناً.
والمضارع المقرون بلام الأمر: {وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [(282) سورة البقرة]، فاللام لام الأمر.
ومثل الصيغة التصريح بلفظ الأمر لا بصيغته، كما في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء]: هذا تصريح بلفظ الأمر، وهو مقتضٍ للوجوب كالأمر، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم))، والآمر هنا هو الله سبحانه وتعالى.
لكن إذا قال الصحابي: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. "، هل يساوي صيغة افعل؟ "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم"؟
إذا قال الصحابي: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم": فهذا مرفوع بلا خلاف؛ لذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يتأتى فيه الخلاف في مثل قول الصحابي: أمرنا أو نهينا على ما سيأتي.
هو مرفوع قطعاً، لكن هل قول الصحابي: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: افعلوا كذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني: "أمرنا أن ننزل الناس منازله"، هل هو مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أنزلوا الناس منازلهم))، وجاء الحديث بهذا وهذا؟


الجمهور على ذلك -على أنه لا فرق- يعني تعبير الصحابي عن صيغة الأمر والنهي بلفظهما لا يختلف عند جماهير أهل العلم، خلافاً لداود الظاهري وبعض المتكلمين، قالوا: لا يقتضي الأمر ولا يقتضي النهي حتى ينقل لنا اللفظ النبوي؛ لسنا مطالبين بألفاظ الصحابة وفهوم الصحابة -على كلامهم- لأن الصحابي قد يسمع كلاماً يظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهيٍ.
نقول: لا، هذا القول مرذول؛ لأنه إذا لم يعرف السلف من الصحابة الذين عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- وفهموا مقاصده، ومقاصد الشرع، إذا لم يفهموا مدلولات الألفاظ النبوية من يفهمه؟
نعم، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((رُبَّ مبلّغٍ أوعى من سامع))، لكن (رُبَّ): حرف تقليل، ولا يتصور أن الصحابي يقول: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومراده -عليه الصلاة والسلام- النهي، أبداً؛ فالصحابة فهمهم مقدم على فهم غيرهم، فقول داود الظاهري وبعض المتكلمين في هذه المسألة مرذول، لا حظَّ له من النظر، أما إذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا، فالخلاف في رفعه معروف عند أهل العلم.
"أُمِرْنَا": هل يتصور أن يقول الصحابي: "أمرنا" في مسألةٍ شرعية والآمر غير النبي عليه الصلاة والسلام؟ ولذا جماهير أهل العلم على أن الآمر هو النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو الناهي في المسائل الشرعية، فهو مرفوع، خلافاً لأبي بكر الإسماعيلي والكرخي وغيرهما الذين قالوا: هو موقوف.

قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصُر ... على الصحيح وهو قول الأكثر
على كل حال الذي جرنا إلى هذا كله التصريح بلفظ الأمر.
مثل التصريح بلفظ الأمر، التصريح بالفرض: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر"، أو بالوجوب أو بالكتب: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [(183) سورة البقرة]: معناه فُرض، وهذا دال على الوجوب.


وقوله: والأمر بما يدل عليه من الصيغ: سواء كان بصيغة (افعل) أو اسم فعل الأمر، أو المضارع المقرون بلام الأمر، أو ما جاء بلفظ الأمر وما ألحق به، عند الإطلاق وعدم التقييد والتجرد عن القرينة الصارفة التي تصرفه عن الوجوب تحمل عليه -أي على الوجوب- نحو: {أَقِيمُواْ الصَّلاةَ} [(72) سورة الأنعام].
لهذا يقول عامة أهل العلم: الأصل في الأمر الوجوب، ومن أوضح الأدلة على ذلك قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور]، فالوعيد مرتب على مخالفة الأمر، فدل على أن أمره -عليه الصلاة والسلام- للوجوب؛ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النور].
ومن الأدلة الدالة على ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء))، أو ((عند كل صلاة)): ولا شك أن أمر الاستحباب ثابت وباق إنما المرتفع لوجود المشقة هو أمر الوجوب، أما أمر الاستحباب فهو ثابت.
قد يقول قائل: نجد الأوامر الصريحة وهي محمولة عند جمهور أهل العلم على الاستحباب، ولا نقف على صارف -هذا كثير في كتب أهل العلم- الجمهور حمله على الندب ويقول الظاهرية على الأصل بالوجوب، فما موقف طالب العلم في مثل هذا؟ هل يقول بقول الظاهرية ولو خالفهم الأئمة الأربعة وأتباعهم؟


وقفتَ على مسألة في كتابٍ من الكتب التي تعنى بذكر الخلاف، أو عندك أمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- وفي الشروح حمله الجمهور على الندب، وقال بالوجوب الظاهرية، أو وقفت على نهيٍ حمله الجمهور على الكراهة، والتحريم لا يقول به إلا الظاهرية، هذه المسألة تواجه طلاب العلم كثيراً، فمثلاً الأئمة الأربعة وأتابعهم في جهة، والظاهرية في جهة؛ الظاهرية معهم الأصل، وهو أن الأصل في الأمر الوجوب وفي النهي التحريم، والجمهور حمل .. ، تبحث عن صارف ما تجد، فهل تقول بالوجوب بناءً على الأصل ولو لم يقل به إلا الظاهرية، أو تتهم نفسك بالقصور أو بالتقصير عن البحث عن صارف فتقول بما قال به الجمهور ولو خالفت الأصل؟ المسألة كبيرة والأمثلة عليها كثيرة.
هاه، ألا يواجهكم مثل هذا؟
كثير هذا، تجد أمراً وإلا نهياً يقول الظاهرية بالتحريم أو بالوجوب والجمهور على الندب، بما في ذلكم الأئمة الأربعة.
نقول: لا عبرة بقول أحد مع قوله -عليه الصلاة والسلام- والأمر للوجوب والنهي للتحريم، ولو لم يقل به إلا الظاهرية؟ أو نقول بقول الجمهور ونتهم أنفسنا بالتقصير في البحث عن الصارف؟ والمسألة مفترضة في شخصٍ من أهل النظر، لديه أهلية النظر؟
ها يا إخوان؟
المسألة مبنية على الاعتداد بقول الظاهرية، هل يعتد بقول الظاهرية في مسائل الخلاف والاتفاق أو لا يعتد بهم؟
النووي صرح في مواضع من كتبه أنه لا عبرة بقول الظاهرية، ولا يعتد بقول داود، يقول في شرح مسلم في الجزء الرابع عشر (14) صفحة تسعة وعشرين (29): "ولا يعتد بقول داود لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد".


ومن أهل العلم من يرى أن قول الظاهرية معتبر ومعتد به بل من أولى من يعتد بهم؛ لاهتمامهم بالنصوص، ولا شك أن المسألة إذا كان عمدتها الدليل -الدليل بمنطوقه- لا شك أن الظاهرية من أولى من يعتد بهم، لكن إذا كانت عمدة المسألة أقيسة أو مفاهيم فالظاهرية لا عبرة بقولهم ولا بخلافهم؛ لأنهم لا يرون شيئاً من ذلك. على كل حال نعود إلى المسألة، كانت المسألة مشكلة عندي جداً أن يكون الأئمة الأربعة وأتباعهم كلهم في جهة والظاهرية في جهة، والظاهرية معهم الأصل، نعم أحياناً الإنسان يتهم نفسه في البحث، لكن إذا استقصى ولا وجد شيئاً ماذا يصنع؟ ما وجد صارف؟
طالب:. . . . . . . . .
يتبع الظاهرية.
طالب:. . . . . . . . .
لو لم يقل به أحد يتبع الأصل ولا الظاهرية؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، إذا لم يقل به أحد فهو إجماع.
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقول: إذا لم يقل به أحد فالمسألة محسومة –إجماع- لكن إذا وجد من يقول به ممن يخرج عن المذاهب الأربعة وأتباعهم، دعنا من كلام شيخ الإسلام -إمام معتبر ومن أهل الاستقراء والاطلاع هذه مسألة- لكن أهل الظاهر الذين عندهم مخالفة في الأصول لجماهير الأمة؟
طالب:. . . . . . . . .
يأخذ بالأحوط، يعني يعمل بالوجوب في نفسه ولا يلزم به الناس، أو يقول بالتحريم ويفتي بذلك نفسه، ويكف نفسه ويمتنع ولم لم يفتِ به الناس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا شك أن الاحتياط مطلوب، لكن الاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في هذا: الاحتياط، وقد يوجد في بعض الصور.
طالب:. . . . . . . . .
نتعبد لله بأيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم بما تدين الله به أنت، لكن المسألة مفترضة في شخص من أهل النظر، هل يقول: كون الأئمة الأربعة وأتباعهم على مدى قرون كلهم تواطؤوا ولم يوجد من يخالفهم إلا أهل الظاهر، هذا قرينة، وأن هناك صارف ولو لم أطلع عليه، ويتهم نفسه في ذلك، أو يقول: أنا ما عليَّ من أحد، لا أئمة أربعة ولا غيرهم؛ أنا عندي نص، أعمل بالنص ولو لم ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يتوقف.
طالب: .... غير العبادات ....
وأيش وجه التفريق بين .. الدين واحد؟


طالب: قال بعضهم عند التوافق يكون في غير العبادات. . . . . . . . .
[كاتبوهم]، [أشهدوا]، في أبواب الآداب الجماهير يحملونها على الاستحباب.
طالب:. . . . . . . . .
ترى الناس. . . . . . . . . صوتك.
طالب:. . . . . . . . .
وهذا هو الأصل إذا كان من أهل النظر لا يسوغ له أن يقلد.
طالب: يعني يبقى على الأصل؟
يبقى على الأصل نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أنا سألت الشيخ عبد العزيز -رحمة الله عليه- عن هذه المسألة فقال: "يعمل بالدليل ولو لم يقل به إلا الظاهرية"، ولا زالت المسألة مشكلة عندي؛ لأن للأئمة أقدار في نفسي.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، أنا أقول: هذه الوقفة أوجدها أيش؟ القصور أو التقصير عن البحث عن صارف، قد يكون الصارف في كتابٍ ما وقفت عليه، مثل ما قالوا: لو وجد حديث صحيح صريح عمل الأئمة بخلافه -أجمع العلماء على ترك العمل به- يقولون لا يعمل به. لماذا؟
لوجود ناسخ لهذا الخبر ولو لم نقف عليه.
وقوله: إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب: نحو: {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [(282) سورة البقرة]، {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [(33) سورة النور]؛ لأن المقام يقتضي عدم الوجوب في مثل هذه المعاملات، والنبي -عليه الصلاة والسلام- باع ولم يشهد، فعُلم أن الأمر للندب.
قوله: أو الإباحة: كالأمر بعد الحظر، في مثل قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة]، {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة]: للمنع من البيع بعد النداء يوم الجمعة في قوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [(9) سورة الجمعة].
وفي مثل قوله -جل وعلا-: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة]، والذي يختاره بعض المحققين أن الأمر بعد الحظر يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل الحظر، الأمر بعد الحظر يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل الحظر.
طالب:. . . . . . . . .


هو الذي يختاره بعض المحققين، واختاره ممن اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ونسبه الطوفي في البلبل إلى الأكثرين، ومال إليه -بل رجحه- الشنقيطي رحمة الله عليه.
طالب:. . . . . . . . .
الحظر إنما وجد لعارض، الحظر وجد لعارض، فإذا زال هذا العارض رجع الحكم إلى ما كان عليه قبل هذا الحظر، {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة]، انتهى الإحرام، وحل من إحرامه نقول: حل له الصيد، لكن إن كان الصيد بالنسبة له حلالاً -قبل الإحرام مباحاً- نقول: الصيد حينئذٍ مباح، إن كان الاصطياد والصيد واجباً لضرورته إلى هذا الاصطياد صار الصيد في حكمه واجباً؛ إن لم يصد مات، نقول: يجب عليه أن يصطاد.
إذا كان الصيد في حقه مكروهاً أو محرماً، يرجع إلى ما كان عليه قبل الحظر، إذا كان يصطاد هذه الطيور لا لمأكله وإنما هواية، لا يجوز له أن يصطاد، إذا كانت مجرد هواية لا لمأكله؛ وقد جاء النهي عن قتل الحيوان إلا لمأكله، هل يقتل حيوان كذا من غير فائدة؟
قوله: ولا يقتضي التكرار -على الصحيح- إلا إذا دل الدليل على قصد التكرار: يعني أن صيغة الأمر (افعل) لا تقتضي تكرار الفعل، صيغة الأمر (افعل) لا تقتضي تكرار الفعل، بل إذا فعله المكلف مرة واحدة خرج من عهدته وبرئت ذمته وتم امتثاله؛ لأن الأصل براءة الذمة مما زاد على المرة، يعني لذات الأمر لا لأمرٍ خارج، وهناك أدلة تدل على التكرار يعمل بالتكرار.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]: يعني من صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- في عمره مرة واحدة نقول: برئت ذمته وامتثل الأمر، أو نقول يكرر كلما ذكر عليه الصلاة والسلام؟
للنصوص الواردة في ذلك يكرر، فإذا دل الدليل على التكرار فهو المتعين.
{أَقِمِ الصَّلاَةَ} [(78) سورة الإسراء]، {أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [(43) سورة البقرة]: الأمر بالصلاة، إيتاء الزكاة، دل الدليل على أنها تتكرر متى وجدت الأسباب التي ربطت بها، بخلاف الحج مثلاً دل على الدليل على عدم التكرار، وهكذا.


أما الصيغة لذاتها فإنها لا تقتضي التكرار، وقال بعضهم: إنها لا تقتضي التكرار ولا عدم التكرار؛ هي تقتضي وجوب الفعل والتكرار وعدمه هذا من أدلةٍ أخرى.
قوله: ولا تقتضي الفور: أي أن صيغة الأمر لا تقتضي الفور -يعني ولا التراخي إلا بدليل- صيغة الأمر لا تقتضي الفور، نعم، إذا ضاق الوقت وخرج الوقت الذي حدد لهذا العمل، فلا بد من الفور، لا بد من المبادرة. لو قال الأب لابنه بعد صلاة العشاء مثلاً: اشتر خبزاً.
خبز لإيش؟ للعشاء أو للفطور؟
قال: للفطور.
الآن يذهب ليشتري أو الوقت فيه سعة؟
الوقت فيه سعة، فلا يقتضي الفور حينئذٍ؛ لأن المقصود إيجاد الفعل من غير اختصاصٍ بالزمن الأول أو الثاني.
المقصود أنه لا ينتهي الوقت المحدد له، مثل: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء]: أي لزوالها، أقم صلاة الظهر لدلوك الشمس -لزوالها- هل يعني هذا أنك تقيم الصلاة بمجرد الزوال، أو الوقت موسع كما دل عليه الدليل إلى مصير ظل كل شيءٍ مثله؟
المراد بالدلوك أيش؟ هاه؟ دلوك الشمس: زوالها، وقيل له الدلوك لماذا؟ لماذا قيل له الدلوك؟ لماذا قيل للزوال دلوك؟
قالوا: لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيحتاج إلى دلك لهذا، هكذا قالوا.
المقصود أن الصيغة لا تقتضي الفور إلا إذا دل الدليل على ذلك، مثل: ((تعجلوا الحج) على خلافٍ فيه هل هو واجب على الفور أو على التراخي، وأقوال أهل العلم في بابه مبسوطة.
وقال بعضهم: إنه يقتضي الفور، وهذا قول المالكية، وهو أيضاً قول معتبر عند الحنابلة؛ للأمر بالمسارعة والمسابقة: {وَسَارِعُواْ} [(133) سورة آل عمران]، {سَابِقُوا} [(21) سورة الحديد]، {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} [(48) سورة المائدة]، ولا شك أنه أحوط وأبرأ للذمة، لكن الإلزام يحتاج إلى نصٍ قاطع، قال في قرة العين: "وهو مقتضى قول كل من قال إنه يقتضي التكرار".
يقول الناظم: باب الأمر:
وحده استدعاء فعل واجب ... بالقول ممن كان دون الطالب
بصيغة افعل فالوجوب حققا ... حيث القرينة انتفت وأطلقا
لا مع دليل دلنا شرعاً ... على إباحة في الفعل أو ندبٍ فلا
بل صرفه عن الوجوب حتما ... بحمله على المراد منهما


ولم يجب فوراً ولا تكرارا ... إن لم يرد ما يقتضي التكرارا
نعم سم:
والأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به، كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة المؤدية إليها، وإذا فُعِل يخرج المأمور عن العهدة.
نعم، الأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به، كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة: أمر بالسترة أمر بتحصيل الماء، أمر بقصد المسجد؛ لأداء صلاة الجماعة وهكذا.
وإذا فُعل خرج المأمور عن العهدة: يعني أن الأمر بالشيء أمر به على سبيل الغاية، وأمر بما لا يتم إلا به على سبيل الوسيلة، فالأمر بالصلاة أمر بالطهارة؛ لأنها لا تصح بدونها، سواء كان المأمور به واجباً كما ذكر أو مستحباً كغسل الجمعة عند جمهور أهل العلم -الأمر به على سبيل الندب عند الجمهور- وهو أمر لا يتم إلا بإحضار الماء وتسخينه أو تبريده، إذا كان استعماله لا يتم إلا بذلك، وإيجاب الجماعة في المسجد إيجاب للذهاب إليها، وإيجاب أداء الشهادة إيجاب للذهاب إلى المحكمة وهكذا، وهذا بخلاف الوجوب، يعني ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لكن ما لا يتم الوجوب إلا به هل هو واجب أو لا؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ ليس مما كلف به الإنسان؛ يعني الزكاة لا يتم وجوبها إلا بتحصيل النصاب، لا يتم وجوبها إلا بتحصيل النصاب، هل نقول: على كل مسلم أن يسعى لتحصيل النصاب من أجل أن يزكي؟
لا يجب عليه ذلك، لكن حصل عنده النصاب ووجبت عليه الزكاة، لكنه لا يجد فقيراً إلا بالمسير إليه، يذهب إليه؛ لا يتم وجوب إخراج الزكاة الواجبة عليه إلا بذلك، وفرق بين ما لا يتم الواجب إلا به، وبين ما لا يتم الوجوب إلا به.
وإذا فُعِل: بالبناء للمجهول أي المأمور به حذف الفاعل للعلم به، إذا فعله المكلف خرج المأمور -هذا المكلف- عن عهدة الأمر وبرئت ذمته فلا يطالب به مرةً أخرى؛ إذا فعل على وجهٍ مجزئ مسقط للطلب صحيح تترتب آثاره عليه فإنه لا يطالب به مرةً أخرى، وهذا معنى كونه صحيحاً مسقطاً للطلب.


ولا تلازم بين الصحة والقبول؛ قد يصح العمل ولا يقبل، لا تلازم بين الصحة والقبول؛ إذ قد يصح العمل باستيفاء شروطه وأركانه ولا يكون مقبولاً، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة]، فالفساق أعمالهم صحيحة وإلا باطلة؟ أعمال الفساق صحيحة وإلا باطلة؟
{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}: أعمالهم صحيحة، بمعنى أنهم لا يطالبون بها مرةً ثانية، نشوف شخصاً حليقاً وإلا مسبلاً وإلا مرتكبَ محرم صلى، نقول له: لا أعد صلاتك؛ لأن الله .. ، إنما يتقبل الله من المتقين؟!
نقول: صلاتك صحيحة ومجزئة عن الطلب، ونفي القبول هنا المراد به نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر))، لا يقبل الله .. أو ((من أتى عرافاً لم تقبل صلاة أربعين يوماً)): قالوا هذا نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، وليس معنى هذا أنهم يؤمرون بإعادتها إذا جاءوا بها على الوجه المشروع.
لكن قد يرد نفي القبول ويراد به نفي الصحة: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ))، نقول: صلاته صحيحة، والثواب المرتب عليها .. ؟! لا لا، هنا المراد به نفي الصحة، لماذا؟ لأن الوضوء شرط للصلاة.
((لا يقبل الله صلاة حائض ٍ إلا بخمار)) كذلك؛ السترة بالنسبة للمرأة اللائقة بها شرط لصحة الصلاة، كما أن سترة الرجل اللائقة به شرط لصحتها.
فإذا جيء بالمأمور مستوفياً الشروط والأركان والواجبات أجزأ وسقط الطلب وترتبت عليه آثاره، أما إذا اختل شرط أو ركن مع القدرة عليه لم يصح، بل تجب الإعادة ولم يسقط به الطلب، وإذا اختل واجب ففي الصلاة مثلاً إن كان عمداً لم تصح وإن كان سهواً جبر بسجود السهو، وفي الحج يجبر بدم سواء كان عمداً أو سهواً، كن الفرق بين المتعمد وغيره أن المتعمد آثم مع إلزامه بالجابر وغير المتعمد معذور.

والأمر بالفعل المهم المنحتم ... أمر به وبالذي به يتم
كالأمر بالصلاة أمر بالوضوء ... وكل شيءٍ للصلاة يفرض
وحيث ما إن جيء بالمطلوب ... يخرج به عن عهدة الوجوب


يدخل في خطاب الله تعالى المؤمنون، والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب، والكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام؛ لقوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [(42 - 43) سورة المدثر].

الذي يدخل في الأمر والنهي وما لا يدخل:
يقول المؤلف: يدخل في خطاب الله تعالى المؤمنون، والساهي والصبي والمجنون: الواو هذه عاطفة، أو استئنافية؟
استئنافية؛ والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب: هذه الترجمة المراد بها من يتناوله خطاب التكليف بالأمر والنهي ومن لا يتناوله.
قال في قرة العين: "قال ما لا يدخل"، ترجمة: الذي يدخل في الأمر والنهي وما لا يدخل، "قال: ما لا يدخل تنبيهاً على أن من لم يدخل في خطاب التكليف ليس في حكم ذوي العقول"، لماذا؟
لأن العقل هو مناط التكليف، فعبّر بـ (ما) التي هي في الأصل لغير العاقل تشبيهاً لهؤلاء بغير العقلاء.
لو أخر الناظم هذه الترجمة بعد مبحث النهي لأحسن؛ لأنها متعلقة بالأمر والنهي معاً، فتقديمها على النهي كما فعل المصنف مفضول.
يدخل في خطاب الله تعالى التكليفي المؤمنون المكلفون البالغون، من ذكرٍ وأنثى من الأحرار والعبيد في الجملة، فيدخل الإناث في خطاب الذكور بحكم التبع؛ لأن النساء شقائق الرجال، يقول الله -عز وجل- عن مريم -عليها السلام-: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [(12) سورة التحريم]، فإذا عُبِّر عنها بجمع الذكور على سبيل الاستقلال فدخولها معهم على سبيل التبعية من باب أولى.
وأما الساهي -وهو الغافل- وفي حكمه الناسي فلا يكلف؛ لأن من شرط التكليف فهم الخطاب لما كلف به، وهذا لا يتم إلا بالانتباه، وأما الصبي فهو غير مكلف سواء كان مميزاً أو غير مميز ما لم يبلغ سن التكليف، وأمره بالعبادات قبل التكليف من باب التمرين على العبادة؛ لحديث: ((رفع القلم عن ثلاثة)): وفيهم: ((والصبي حتى يبلغ))، ومثله المجنون للحديث المذكور، ولما ذكرنا من أن مناط التكليف هو العقل، والمجنون لا يعقل.


وأما وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون فهو ليس من باب التكليف بل هو من باب ربط الأسباب بالمسببات، وهو حكم وضعي وليس بحكم تكليفي.
ويؤمر الساهي ومثله النائم -بعد ذهاب الوصف المقتضي للعذر- بقضاء ما فات من الصلاة وضمان ما أتلف من الأموال؛ لوجود سبب ذلك وهو الإتلاف ودخول الوقت.
المغمى عليه: هل هو في حكم المجنون أو في حكم النائم؟
يعني شخص أدخل العناية المركزة لا يعي، هل يؤمر بالقضاء إذا أفاق؛ باعتبار أنه في حكم النائم، أو لا يؤمر بالقضاء باعتبار أنه في حكم المجنون؛ زال عقله؟؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه، والحد الفاصل؟
طالب:. . . . . . . . .
مطلقاً؟ يعني لو أغمي عليه يوم وليلة نقول: حكم المجنون؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يعفى عما كان في مقدار النوم؟ أو نقول: ما كان في مقدار النوم حكمه حكم النوم فيؤمر بالقضاء وما زاد على ذلك حكمه حكم الجنون؟
طالب:. . . . . . . . .
ارتفع عقله.
طالب:. . . . . . . . .
يعني مثل زوال العقل بالسبب، كشرب الخمر ونحوه، يعني زوال العقل بالتسبب، شخص شرب ما يزيل عقله هذا معاقبةً له يؤمر، هذا قصدك؟
طالب:. . . . . . . . .
هو فاقد العقل بلا شك، ولو نبه لا ينتبه بخلاف النائم، فهو بالجنون أشبه، لكن يبقى أن هناك قضايا حصلت في عهد الصحابة، وجعلوا الثلاثة الأيام هي الحد الفاصل، إذا كان الإغماء ثلاثة أيام فأقل أمر بالقضاء؛ لأن مثل هذا القضاء لا يشق، وألحقوه بالنائم، أما إذا زاد الإغماء عن ثلاثة أيام فهو في حكم الجنون وحينئذٍ لا يؤمر بالقضاء.
ومن زال عقله بسببه -كشرب الخمر مثلاً- فالمسألة خلافية بين أهل العلم، إذا زال عقله بسببه -بسبب منه-فكثير من أهل العلم يقولون: هو مطالب، لمَ يطالب به؟


لأنه هو المتسبب، وليس للإنسان أن يسعى لإسقاط التكاليف، ولذا لو سافر شخص من أجل أن يفطر في رمضان، السفر عذر شرعي، لكن لو سافر من أجل أن يسقط التكليف ما عذر ولا جاز له الفطور، لا يجوز له الإفطار في مثل هذه الصورة، فإذا كان زوال العقل بسببه فإنه حينئذٍ لا يصرف عنه التكليف، ويطالب بكل ما ترك، وتقام عليه الحدود إذا ارتكب ما يقتضي الحد، إذا زنا السكران، قتل السكران، سرق السكران، وهكذا.
ومن أهل العلم من يقول: إن عليه إثم الشرب وليس عليه ما يطالب به العقلاء؛ لأنه في هذه الحالة ليس بعاقل والعقل مناط التكليف.
لكن لا شك أن مطالبته بجميع آثار فعله يردعه عن الإقدام على هذا الفعل، أما بالنسبة لما يتعلق بحقوق الآدميين فهو محل اتفاق مطالب بذلك، وهذا ليس من باب الحكم التكليفي، ليس من باب الحكم التكليفي، إنما هو من باب ربط الأسباب بالمسببات كالصبي والمجنون.
إذا أتلف السكران يلزم بما أتلف، لكن إذا وقع منه ما يوجب الحد فهو محل الخلاف، وفي قصة ماعز: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أشربت خمراً؟ استنكهوه)).
على كل حال المسألة خلافية ومعاقبته قال بها جمع من الصحابة -ترتيب جميع الآثار المترتبة على سكره- قال به جمع من الصحابة؛ ردعاً له، ولئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى إسقاط التكاليف.
المسألة الأخيرة نعم.
والكفار مخاطبون بفروع الشرائع، وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام؛ لقوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [(42 - 43) سورة المدثر]، والأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده.
مسألة مخاطبة الكفار بفروع الشرائع وبما لا تصح إلا به -وهو الإسلام- القول بذلك هو الذي جرى عليه المصنف وهو قول جمهور أهل العلم، الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وبما لا يتم به ذلك، ما لا يتم إلا به هو الإسلام والإيمان؛ لأن الإسلام والإيمان شرط لصحة هذه الأعمال، فالجمهور على أنهم مخاطبون بالفروع.


والأدلة على ذلك كثيرة، ومن أوضح الأدلة قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [(42 - 43) سورة المدثر]: أول ما بدؤوا به فرع من فروع الشريعة، إضافةً إلى دخولهم في عموم الأوامر والنواهي، لا سيما فيما يُصدَّر بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [(21) سورة البقرة].
هم مطالبون أيضاً بما لا يتم ذلك إلا به -كالإسلام إجماعاً- هذا قول جمهور أهل العلم، والقول الثاني: أنهم غير مطالبين بشيء من ذلك -وهو قول الحنفية- ما لم يوجد شرط القبول، وأي معنىً للمطالبة -بمطالبة الكافر للصلاة- إذا كانت لا تصح منه إذا صلى، ولا يؤمر بقضائها إذا أسلم؟
الآن صلاة الكافر فقدت شرطاً من شروط القبول، وهو نية التقرب، والنية شرط لصحة العبادة، ولذا لا نستطيع أن نأمر بالأصل مع عدم الوسيلة، لا نستطيع أن نأمر بالمشروط مع عدم وجود الشرط، لكن يرد على قولهم هذا أننا لا نستطيع أن نأمر بالصلاة غير المتوضئ، فلا نستطيع أن نأمر شخصاً وهو غير متوضئ أن نقول له: صلِّ، بل لا بد أن نقول له: توضأ قبل ذلك، ثم نأمره بالصلاة، وهذا غير وارد.
والقول الثالث: أنهم مطالبون بالنواهي دون الأوامر؛ لأن كفهم عن ارتكاب المحرمات لا يحتاج إلى نية، متوقفة على الإيمان؛ لأنه ترك بخلاف أمرهم بالواجبات فلا؛ لأنها لا تصح بدون نية، والمرجح عند عامة أهل العلم القول الأول -قول الجمهور-؛ لقوة أدلتهم.
القول الثاني: دليلهم أنها لا تصح في حال كفره ولا يطالب بها إذا أسلم، إذن ما الفائدة من قولهم بالتكليف؟ نقول: مخاطبتهم بها، لا يعني أنها تصح بدون الإسلام؛ لقوله -جل وعلا-: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ} [(54) سورة التوبة]، بل زيادة في عقوبتهم في الآخرة، يعاقبون عليها في الآخرة، وكونهم لا يؤمرون بقضائها إذا أسلموا؛ ترغيباً لهم في الإسلام، قال الله -جل وعلا-: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [(38) سورة الأنفال].


في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة))، فهل في هذا ما يدل على إباحتها لهم؟
نكمله غداً إن شاء الله تعالى، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدرس التالي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الأسئلة كثيرة جداً، وهذا آخر درس -كما تعلمون- والكتاب بقيت فيه بقية كبيرة، ولا يمكن إكمال الكتاب بحال بمثل هذه الطريقة حتى ولا في دورةٍ لاحقة -فيما يغلب على الظن- لكنها جرت العادة أننا إذا بقي علينا شيء من كتاب أننا نكلمه ضمن دروسنا في المسجد، ونخصص له يوماً مستقلاً ويحضر أصحاب التسجيل ويسجلون ويبث على الانترنت.
سوف يبث بإذن الله مغرب الثلاثاء من كل أسبوع بدءاً من الأسبوع الثاني في الدراسة، يعني مع بداية الدروس في المسجد، ونخصص له المغرب يوم الثلاثاء -إن شاء الله تعالى- والذي يريد أن يتابع ممن هو بعيد، فعلى موقع لايف إسلام أو .. وأيش اسمه؟
طالب: البث الإسلامي.
نعم، البث الإسلامي ويسمونه لايف، المقصود أن دروسنا كلها تبث على هذا، ومنها تكملة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
يقول: هذا أكثر من سؤال فيه طلب الفرق بين الإجماع والاتفاق؟
الأصل أن لا فرق، ويراد بهاتين الكلمتين نفي الخلاف، إذا قيل: لا خلاف، أو اتفق العلماء، أو أجمعوا على كذا هذا الأصل، لكن يبقى أن لبعض أهل العلم اصطلاحات خاصة، فإذا قال: أجمعوا غير قوله: اتفقوا، صاحب الإفصاح هو ممن ينقل الاتفاق ويريد به اتفاق الأئمة الأربعة، وأما إذا أطلق الإجماع فمرادهم به إجماع جميع المجتهدين من علماء الأمة، جميع المجتهدين، هذا قول عامة أهل العلم.
أبو جعفر بن جرير الطبري يرى أن الإجماع قول الأكثر، لذا تراه في تفسيره يقول: واختلف العلماء في كذا، إما في قراءة آية، يذكر الخلاف، أو في حكم مستنبط من الآية يذكر الخلاف، يقول: اختلفوا في كذا، ثم يذكر قول الأكثر ويذكر من خالف، ثم يقول: والصواب في ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القراءة على ذلك، أو لإجماع العلماء على ذلك، وهو بنفسه ساق الخلاف.


على كل حال مسائل الإجماع والاختلاف فيها مصنفات، أما الاتفاق فهو أقل عند بعض أهل العلم مما في الإجماع، وهو نفي الخلاف؛ الأصل فيه أنه مثل نقل الإجماع، أو مثل نقل الاتفاق، إلا أنه يبقى أنه مقرون بعلم الناقل، نفي الخلاف حسب علمه، فيكون حينئذٍ أقل من التصريح بالإجماع.
وقد وقع من كبار الأئمة شيء من هذا، الإمام مالك يقول: "لا أعلم أحداً قال برد اليمين"، مع أن قضاة عصره ابن أبي ليلى وابن شبرمة يقولون به.
والإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "لا أعلم أحداً قال بوجوب الزكاة في أقل من ثلاثين من البقر"، مع أن القول معروف عن عثمان وابن عباس في العشر.
المقصود أن مثل هذا مرده إلى علم الناقل، أما الإجماع فلا يكاد يصرّح به أحد إلا وهو لا يعرف مخالفاً، اللهم إلا إذا كان ممن يتساهل في نقل الإجماع، يتساهل في نقل الإجماع كالنووي مثلاً، متساهل في نقل الإجماع؛ ادعى الإجماع في مسائل كثيرة الخلاف فيها معروف، بل قد يسوق الخلاف بنفسه، وهذا هو ما جعل الشوكاني يقول: "ونقل هذه الإجماعات تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع".
وعلى كل حال الإحاطة بقول جميع المجتهدين فيه عسر، والله المستعان.
رسالة طويلة جداً تحتاج في قراءتها إلى وقت؛ يمكن أكثر من عشرين سطر ..
على كل حال لو صاحبها يتصل ويجاب بالهاتف أو يحضر للإجابة؛ لأنها تأخذ وقتاً طويلاً.
يقول: الكفار مخاطبون .. ، -هذا من سيرلانكا- يقول: الكفار مخاطبون بفروع الشرع، على هذه القاعدة هل يمكن للمسلم فتح المطاعم نهاراً في رمضان في بلاد الكفار؟
إذا قلنا: إنهم مخاطبون وآثمون بأكلهم في نهار رمضان، فتقديم وتيسير الطعام لهم تعاوناً معهم على الإثم والعدوان، فلا يجوز تقديم الطعام لهم.
وهل يمكن للمسلم إطعام الخادمات الكافرات نهاراً؟
أولاً: إدخال الكافرات في بيوت المسلمين خطر محض، وهذه المسألة مفترضة في غير هذه البلاد التي أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بإخراج الكفار منها، وأنها لا يجتمع فيها دينان، فإدخال الكفار في بيوت المسلمين ضرر محض، وإطلاعهم على عورات المسلمين أشد ضرراً، وعلى كل حال على المسلم أن يتقيَ الله -عز وجل- في مثل هذه الأمور، والله المستعان.


وهذا أمر ابتلي به الناس، رغم كثرة المشاكل والمصائب من الخدم والسائقين؛ تاهوا بعض الناس، ووقوع الكوارث، والناس يسمعون ويصدقون ما يقع لا ينكرون، لكن إذا خوطب الشخص في مثل هذا التساهل يأبى إلا أن يكون هو العبرة بدلاً من أن يعتبر بغيره، والله المستعان.
يقول: صار همّ بعض الشباب الكلام في العلماء والتجريح وتتبع عثراتهم، حتى أنهم يطلقون على البعض أنه كذا أو كذا؟
المقصود أن على المسلم أن يحرص على عمله، وأهم ما على الإنسان نفسه، وما يخلصها وينجيها، ويترك الكلام في الآخرين؛ فأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وهذا ملاحظ، بعض الناس إذا اختلفت معه في وجهة نظر انقلبت جميع الحسنات سيئات، ولا يقبل منك صرفاً ولا عدلاً.
يا أخي هذه وجهة نظر، يمكن هو المصيب وأنت المخطئ، ويبقى أن الإسلام -ولله الحمد- فيه شيء من السعة وفيه مجال للاجتهاد، إلا ما وردت فيه النصوص، والإنسان مأجور على اجتهاده ولو أخطأ ولله الحمد، وهذا من سعة رحمة الله عز وجل.
فالمسلم عليه أن يحرص على المحافظة على أعماله الصالحة التي سعى في جمعها، ولا يكون مفلساً، فالمفلس من يأتي بأعمال في روايةٍ: ((كالجبال، صلاة وصيام وصدقة وبر وأمر بمعروف ونهي عن المنكر، ثم يوزعها -يعطي فلان وفلان وفلان وعلان- فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا انتهت الحسنات يضاف إليه من سيئاتهم))، نسأل الله السلامة، والحديث في الصحيح، والله المستعان.
على كل حال أعراض المسلمين -كما قرر أهل العلم- حفرة من حفر النار، فليتق الله -سبحانه وتعالى- طالب العلم على وجه الخصوص، ولا يجعل نفسه حكماً على العباد.
والجرح والتعديل بالنسبة للرواة على خلاف الأصل؛ لأن الأصل المنع، لكن العلماء أجازوه -بل أوجبوه- للضرورة الداعية إليه، فلولا الجرح والتعديل لم يعرف الصحيح من الضعيف، لكن ما الداعي إلى أن يقال: فلان وفلان وفلان؟
لا مانع أن ينبه الإنسان على الخطأ، وأن يقال: فعله كذا خطأ، منهج شيخ الإسلام -رحمه الله- التشديد على البدع وأهلها، والرد على المبتدعة بقوة، وتفنيد أقوالهم، لكن إذا جاء للأشخاص وهم متلبسون بهذه البدع التمس لكثير منهم الأعذار.


فرق بين أن تتكلم عن الفكرة وأنها مخالفة للشرع بدليل كذا وكذا، إذا كان في أدلة، أما إذا كانت وجهات نظر فتبيّن رأيك ولا تفرضه على أحد، والله المستعان.
يقول: هل لكم دروس في الأصول؟
كان لنا درس في شرح مختصر الروضة في يوم الاثنين مع الروض المربع.
في أي مسجد؟
يقولون له: مسجد أبا الخيل في حي السلام، المقصود أن الجدول موجود في كثير من الأماكن، ومنشور بالانترنت وغيره، ومعلق في كثيرٍ من المساجد.
يقول: هل يصح تنبيه الساهي حال ارتكابه يعني محظوراً، فمثلاً إذا كان صائماً في رمضان وجده شخص يأكل أو يشرب؟
نعم، يلزمه أن ينبهه؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى، ومثله إذا وجد شخصاً يعبث بلحيته، أو يفعل شيئاً محرماً وهو ساهي ينبهه.
يقول: لا شك في فضل طلب العلم وأهله، ولكن ما رأيكم بمن يقوم للدرس بعد الصلاة قبل الأذكار؟
بعض من يتصدر لتعليم الناس يفعل هذا فيقوم بعد الصلاة مباشرةً؛ لكي يضمن بقاء الناس في أماكنهم ويعرفون أنه في درس، وهذا في الغالب يكون في الكلمات القصيرة التي تقال بعد الصلوات؛ لئلا ينصرف الناس، وهذه وجهة نظر، هذا خير وهذا خير، لكن الدروس الثابتة المعروفة التي جاء الناس من أجلها، العبادات المرتبة بوقت والتي يفوت وقتها مقدمة على الأمور المطلقة، فلا بد من الإتيان بجميع الأذكار المتعلقة بالصلاة ثم البدء بالدرس.
هذا يسأل عن الدروس التي تدرس في المسجد، أين وصلتم فيها؟
المسألة تحتاج إلى تفصيل؛ بعض الكتب من عشر سنين أين وصلنا، والله المستعان، على كل حال الجدول موجود ومعلق في المساجد وهو أيضاً منشور في الانترنت.
هذا يقول: خاص لا يفتحه غيركم: رجل عنده قوة وشجاعة وذكاء، وعنده أيضاً إقبال في طلب العلم وفقه في المسائل فهل الأفضل في حقه الجهاد أو طلب العلم؟


على كل حال، الكل خير، والجهاد إذا تعيّن لا يعدله شيء، أما إذا لم يتعيّن فطلب العلم أمر مهم، إذ به يعرف كيف يؤدي العبادة المسقطة للطلب، الموصلة إلى مرضات الله -عز وجل-. وأجوبة النبي -عليه الصلاة والسلام- عن سؤالٍ واحد -هو أفضل الأعمال- جاءت متفاوتة من شخصٍ إلى آخر، فيسأل -عليه الصلاة والسلام- عن أفضل الأعمال، فيجيب بجواب، ويسأله آخر يجيبه بجوابٍ آخر، يسأله ثالث وهكذا؛ وسبب ذلك اختلاف أحوال السائلين، فإذا كان الشخص لديه قوة وشجاعة وإقدام، وفي النواحي الأخرى فيه ضعف، في إدراكه وفهمه وحفظه أقل نقول: الجهاد، وإذا كان العكس: شخص عنده قوة في الحفظ وفي الفهم ولديه استعداد لتحمل العلم وفي بدنه شيء من الضعف نقول: عليك بطلب العلم؛ هذا أفضل الأعمال، إذا كان لا هذا ولا ذاك نوجهه إلى النفع الآخر الخاص أو العام المتعدي أو اللازم، وعلى كل حال الأمور تقدّر بقدرها، فأما الجهاد إذا تعيّن، بأن دهم العدو البلد، أو استنفره الإمام أو حضر الصف، فإنه حينئذٍ لا يعدل عنه إلى غيره، والله المستعان.
يقول: ما الفرق بين كلٍ من العام والخاص والمطلق والمقيد؟ والعموم والخصوص؟
هذه هي المسائل التي نبحثها الآن، لكن قد لا يدرك السائل جواب هذا السؤال؛ لأنه قد يكون في دروسٍ لاحقة، نقول: العام والخاص، والمطلق والمقيد، العام: يأتي ذكره أنه ما يشمل شيئين فصاعداً، وأما الخاص: فهو يشمل شيئاً واحداً أو أشياء محصورة.
والمطلق: إذا عرفنا الفرق بين العموم والإطلاق والتقييد والتخصيص انحل لنا كثير من الإشكالات، فالتخصيص: تقليل لأفراد العام والتقييد: تقليل لأوصاف المطلق، وهذا سيأتي كله -إن شاء الله تعالى- بأمثلته وصوره.
شخص سرق من أموال الناس قبل بلوغه، فهل يردها بعد بلوغه؟
نعم، يلزمه ردها؛ لأن هذا ليس من باب التكليف نقول هو ما كلف، هو من باب ربط الأسباب بالمسببات، وجنايات الصبي والمجنون مضنونة.
ذكرتم أن الشرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم ... تعريف الركن؟


الركن مثل ما سمعنا من كلام الشيخ -حفظه الله- أنه جانب الشيء الأقوى، والفرق بين الشرط والركن أن الشرط خارج الماهية، بينما الركن داخل الماهية، ونوضح ذلك بالمثال: تكبيرة الإحرام عند الجمهور ركن وعند الحنفية شرط، الفرق بين القولين تصح بدون تكبيرة الإحرام عند الجمهور؟ لا؛ لأنها ركن، تصح بدون تكبيرة الإحرام عند الحنفية؟ لا؛ لأنها شرط، تسقط مع السهو؟ لا تسقط، لا عند هؤلاء ولا عند هؤلاء، تسقط بالنسيان لا؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود كما هو مقرر عند أهل العلم، بينما العكس صحيح، ينزل الموجود منزلة المعدوم، إذن ما الفرق بين قول الحنفية وقول الجمهور؟
طالب:. . . . . . . . .
خارج الماهية، أيش يترتب على هذا؟ هل معنى هذا أنك تكبر الإحرام في بيتك وتجي تصلي مع الناس مثل ما تتوضأ في بيتك؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، طيب وأيش الفرق؟
طالب: خلاف لفظي؟
خلاف لفظي ما فيه فائدة، نعم؟
أيش رأيك في من كبر وهو حامل نجاسة؟ نفترض أن هذه متنجسة، وقال: الله أكبر، ووضعها مع نهاية التكبير، صلاته صحيحة وإلا باطلة؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيحة عند الحنفية لماذا؟ لأنه حمل النجاسة خارج الصلاة، بينما عند الجمهور صلاته باطلة؛ لأن حمله النجاسة داخل الصلاة، والمسائل المرتبة على هذا كثيرة، والوقت ما يسمح ببسط أكثر من هذا.
اللهم صل على محمد.
سم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال إمام الحرمين -رحمه الله-:
والنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب، ويدل على فساد المنهي عنه، وترد صيغة الأمر والمراد به الإباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين.
وأما العام: فهو ما عمّ شيئين فصاعداً من غير حصر، وألفاظه أربعة: الاسم المعرف بالألف واللام، واسم الجمع المعرف باللام، والأسماء المبهمة كـ (من) فيمن يعقل، و (ما) فيما لا يعقل، و (أيّ) في الجميع، و (أين) في المكان، و (متى) في الزمان، و (ما) في الاستفهام والجزاء وغيره، و (لا) في النكرات، والعموم من صفات النطق، ولا يجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه.


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول -رحمه الله تعالى-:
والأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده: اختلف العلماء في هذه المسألة -في الأمر بالشيء- هل هو عين النهي عن ضده؟ بعد اتفاقهم أن صيغة النهي شيء، وصيغة الأمر شيء مختلف تماماً عنه، فـ (قم) غير (لا تقعد) تماماً؛ فهذا شيء وهذا شيء، لكن هل هو عين النهي عن ضده، هل إذا قيل لك: (قم) هل هو عين النهي عن القعود أو هو غيره؟ أو هو من مقتضياته ومستلزماته؟
المسألة خلافية، فالأمر بالحركة هل هو عين الكف عن ضده -وهو السكون- أو لا؟ الأمر بالثبات في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ} [(45) سورة الأنفال]، هل هو عين النهي عن الفرار؟
يعني لو لم يرد النهي عن الفرار، وأنه من الموبقات، نستفيد النهي من الفرار في هذا اللفظ أو من لفظ الآية، أو هو مما يستلزمه امتثال الأمر في الآية؟
والصواب أن الأمر بالشيء ليس هو عين النهي عن ضده، ولكنه يستلزمه؛ لأن طلب الشيء طلب له بعينه وطلب لما لا يتم إلا به، فلا يتم الثبات المأمور به إلا بعدم الفرار وهكذا، وهذا الذي قرره شيخ الإسلام وابن القيم ورجحه الشنقيطي -رحمه الله-.
والنهي عن الشيء: -عكس هذه المسألة- قرر المصنف بأنه أمر بضده، قال: والنهي عن الشيء أمر بضده: وهذا إذا لم يكن له إلا ضد واحد، وهو نظير ما تقدم في الأمر بالشيء في المسألة السابقة.
نقول: إنه من مقتضياته مستلزماته، إذا لم يكن له إلا ضد واحد، وإذا كان له أضداد متعددة فالنهي عنه أمر لجميع أضداده أو بواحدٍ من أضداده؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هو أمر بأحد أضداده؛ النهي عن القيام، إذا قيل: لا تقم، هل معنى هذا أنك لا بد أن تقعد؟ أو يسوغ لك أن تضطجع؟ إذا قيل لك: لا تقم، يحصل الامتثال بأحد الأضداد، كذا وإلا لا؟


المقصود أنك لا تفعل ما نهيتَ عنه، فأنت مأمور بأحد أضداده الذي يتم به الامتثال، ((إذا دخل أحدكم فلا يجلس))، ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)): الجلوس له ضد واحد أو أضداد؟ يعني إن استمر قائماً يدخل في النهي وإلا ما يدخل؟ إذا اضطجع؟ إذا دخل المسجد يضطجع، الرسول يقول: "لا تجلس"، أنا ما جلست؟ نعم، يدخل؟!
نعم، إذا دخل المسجد واضطجع عند الظاهرية معروف رأيهم أنه أيش؟ له أن يضطجع؛ لأنه منهي عن الجلوس ما نهي عن الاضطجاع؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، نقول: الاضطجاع جلوس وزيادة، بل هو من باب أولى، يقال: مقياس الأولى، أو نقول: مفهوم الموافقة؟
طالب:. . . . . . . . .
جلوس وزيادة، فهو من باب قياس الأولى، هذا الذي عليه الأكثر، لكن عرفنا رأي الظاهرية أنه منهي عن الجلوس وما عداه له ذلك.
والمسألة -مسألة فعل ذوات الأسباب-ومعارضتها تحتمل درس كامل يا إخوان، لا تحسبون أنه من السهولة بمكان بحيث يجاب عنها بدقيقة أو دقيقتين أو خمس دقائق؟ لا.
تحتاج إلى بسط؛ لأنها مشكلة عند كثير من أهل العلم بل هي من عضل المسائل، وكثير ممن ينتسب إلى العلم من طلابه يتساهلون في هذا، خاص وعام، والخاص مقدم على العام، حتى نجد من يدخل قبيل الغروب بدقيقة أو دقيقتين فيصلي، يعني الأمر عنده من السهولة بحيث صار خاصاً وعاماً وانتهى الإشكال، والله المستعان.
ففي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)): هذا نهي عن الجلوس إلى الغاية المذكورة وهي الصلاة، فهل المراد به استمرار القيام أو يكفي الاضطجاع، كما يقول الظاهرية؟ لكن المراد شغل البقعة بالصلاة؟ ولذا تحصل الصلاة بأي صلاة إذا كانت بالعدد المذكور، يعني لو جاء شخص بعد صلاة العشاء وقال: الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))، أنا أصلي ركعة واحدة وتراً، أو ثلاث ركعات، يتم الامتثال وإلا ما يتم؟ يتم وإلا ما يتم؟ بركعة واحدة يتم؟ والرسول يقول: حتى يصلي ركعتين؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف يتم؟
طالب:. . . . . . . . .


حتى يصلي .. ، أما إذا صلى ثلاثاً ما في إشكال، ركعتين وزيادة، حصل المقصود وزيادة.
طالب:. . . . . . . . .
أي صلاة؟
إذا كان ممن يرى أن سجود التلاوة صلاة، فقرأ آية سجدة وسجد وقال: خلاص أنا أجلس، سجود التلاوة صلاة -كما هو مقرر عند الحنابلة وجمع من أهل العلم- نقول: هذا صلى فيتم به الامتثال؟
نقول: أقل ما يتم به الامتثال هو الركعتان، وهذه المسألة كسابقتها؛ فالنهي عن الشيء مختلف عن الأمر بضده؛ لأن النهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورات الترك باللزوم.
ثم عرف المؤلف -رحمه الله تعالى- النهي بأنه "استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب، ويدل على فساد المنهي عنه: النهي يقابل الأمر مقابلة تامة، فإذا كان الأمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب، فالنهي استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب.
وعرفنا أن الأمر لا يتم بالكتابة، ولا بالإشارة المفهمة ولا بالقرائن على ما تقدم، وفصلنا القول في ذلك في وقته تفصيلاً مناسباً للوقت واختصار الكتاب، وحينئذٍ لا يحصل النهي بغير القول كما قدمنا في الأمر، فلا يحصل بالكتابة والإشارة والقرائن المفهمة ولا بغير ذلك على ما تقدم بسطه.
إذا قال الابن لأبيه: أريد أن ألعب؟ فقال الأب: .... ، إيش معنى هذا؟ يعني لا تلعب.
يأثم إذا خالف؟ لا يدخل في النهي؛ لأنه إشارة المقتضى الكلام لكن الكتابة والإشارة المفهمة .. ، المسألة متصورة فيمن يفهم ويعقل، لا شك أنها كالقول.
ممن هو دونه: فلا يكون النهي لمن هو فوقه أو مساوٍ له كما تقدم تقريره في الأمر، إذا قال العبد لربه -عز وجل-: اللهم لا تعذبني، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا} [(286) سورة البقرة]، هذا نهي وإلا دعاء؟ دعاء؛ لأنه ممن .. ، طلبٌ ممن هو فوقه، ونهي المساوي يسمى التماس.
على سبيل الوجوب: أي على سبيل وجوب الترك على وزان ما تقدم في الأمر إذا لم يوجد صارف يصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة.


قال في قرة العين: "النهي المطلق مقتضٍ للفور والتكرار"، هناك في الأمر قلنا: لا يقتضي الفورية ولا التكرار، وهنا يقول: "النهي المطلق مقتضٍ للفور والتكرار، فيجب الانتهاء في الحال، واستمرار الكف في جميع الأزمان؛ لأن الترك المطلق إنما يصدق بذلك".
إذا قال .. ، في قوله -عز وجل-: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} [32) سورة الإسراء]. نهي، شخص يقول: هو يريد أن يمارس هذه الجريمة مع نهي الله -عز وجل- وقبل أن يموت يتوب؟ يكف؟
نقول: لا؛ النهي للفور؛ ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه))، ما في مثنوية، الأمر أخف، ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم))، أما ((إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه))؛ مادة محسومة.
ولذا يقرر أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والحظر مقدم على الإباحة كما هو معروف.
يقول: "النهي المطلق مقتضٍ للفور والتكرار فيجب الانتهاء في الحال، واستمرار الكف في جميع الأزمان؛ لأن الترك المطلق إنما يصدق بذلك": الذي يزاول في وقت السعة ويقول: إذا ضاق الوقت تركت، من له ببلوغ ذلك الوقت؟
إذا قال هو: من تاب تاب الله عليه، والعبرة بالخواتيم، وأنا الآن ما زلت في طور الشباب، من يؤمنك حتى تبلغ الحد الذي حددته والأجل الذي أجّلته لنفسك؟ من يؤمنك؟ وقد تبلغ الأجل، تؤمل أن تعيش مائة فتعيش مائة، لكن من يضمن لك أن توفق للتوبة؟!
ولذا كثير من الناس يعتمد على نصوص الوعد، وعلى بعض النصوص مع أنه يعمى عن غيرها، ((من توضأ نحو وضوئي هذا وقال بعد ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دخل من أي أبواب الجنة الثمانية، وفتحت له أبواب الجنة))، وفي الحديث: ((ولا تغتروا)): يعني يقول: ما دام الأبواب تفتح سهل لمن يقول هذا الكلام اليسير، ويفعل ما يشاء من المنكرات، من يضمن لك أن توفق في مثل هذا؟؟
((من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة)): قد يقول الإنسان: أنا لن أتكلم إلا بخير، وأضمن ما بين رجلي وما عدا ذلك من المعاصي الجنة مضمونة.


نقول لا؛ لن توفق لضمان ما بين لحييك وما بين رجليك وأنت لم تأتمر بأوامر الله وتعظم شعائر الله، وتأتي بجميع ما أمرك الله به، وتندم على ما فرط منك من مخالفات.
قوله: ويدل على فساد المنهي عنه: المنهي عنه، النهي -كما عرفنا- هو طلب الكف عن الفعل، وطلب الكف يقتضي أمرين، الأمر الأول: تحريم المنهي عنه؛ لأنه الأصل، النهي إذا تجرد عن القرائن الصارفة فهو للتحريم، يقول الله -جل وعلا-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [(7) سورة الحشر]، يقول الإمام الشافعي -رحمة الله عليه-: "أصل النهي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن كل ما نهى عنه فهو محرم، وهذا الأصل مقرر عند أهل العلم، حتى تأتي عنه دلالة تدل على أنه إنما نهي عنه لمعنى غير التحريم.
وهذا معنى قوله: الأمر في النهي أو "الأصل في النهي التحريم إلا إذا وجد ما يصرفه إلى الكراهة"، هذا ما يقتضيه النهي.
والثاني من مقتضيات النهي ما دل عليه قول المؤلف: ويدل على فساد المنهي عنه: وهذا أطلقه المؤلف هكذا بهذه الصيغة: "يدل على فساد المنهي عنه".
النهي عن الشيء إما أن ينهى عنه لذاته، فيدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، أو ينهى عنه لأمرٍ خارج عنه لا لذاته، وهذا الخارج إما أن يكون من شروطه ومستلزماته ومقتضياته، أو جزء لا ينفك عنه، فهذا أيضاً كالنهي عن الشيء لذاته، داخل في كلام المؤلف، أما إذا عاد النهي إلى أمرٍ خارج، ليس من مقتضيات هذا العمل فإنه لا يدل على فساد المنهي عنه، ولذا يقول بعضهم: إذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإنه يبطل إضافةً إلى التحريم، فمن سجد لغير الله سجوده باطل؛ لأن السجود ذاته منهي عنه، من استتر بسترة حرير نقول: عاد النهي إلى الشرط فيبطل، من صلى وعليه عمامة حرير أو خاتم ذهب؟ نقول: صلاته صحيحة وإلا باطلة؟
طالب:. . . . . . . . .
صلاته صحيحة وعليه إثم ما ارتكب من المحظور، وإن كان الظاهرية يبطلون مثل هذه الصورة؛ لأنه حينئذٍ يجتمع عندهم المأمور والمحظور في آنٍ واحد.


مفهوم كلام المصنف أن كل نهيٍ يقتضي الفساد سواء رجع إلى ذات العبادة أو العقد أو إلى شرطهما أو ركنهما أو أمرٍ خارج عن ذلك، ويستوي في ذلك من صلى صلاةً غير مشروعة، أو على هيئة غير مشروعة ومن صلى صلاة مشروعة في بقعةٍ مغصوبةٍ أو توضأ بماءٍ مغصوب أو ستر عورته بحرير أو صلى بعمامة حرير أو خاتم ذهب أو غير ذلك، وهذا مقتضى مذهب أهل الظاهر.
أما مع اتحاد الجهة بين الأمر والنهي فلا إشكال في فساد النهي؛ لاستحالة الجمع بين النقيضين -أن يكون العمل مأموراً به منهياً عنه لذاته في آنٍ واحد- وأما مع انفكاك الجهة فلا يمتنع ذلك؛ فالإنسان مأمور بالصلاة، منهي عن ارتكاب المحرم كالغصب ولبس العمامة أو خاتم من حرير ونحو ذلك، فإن الخاتم والعمامة غير مأمور بهما بخلاف السترة وغيرها مما يشترط في الصلاة ويؤمر به من أجلها.
ظاهر؟ واضح وإلا ما هو بواضح؟
صيغة النهي:
المضارع المقترن بـ (لا) الناهية، (لا تفعل)، ومثلها التصريح بالتحريم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [(3) سورة المائدة]، يقابله نفي الحل أيضاً، {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء} [(19) سورة النساء]، أو لفظ النهي كقول أبي سعيد: "نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الفطر ويوم النحر"، وقول الصحابي: "نهينا"، إذا قال الصحابي: "نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أو قال: "نهينا عن كذا؟ " يدخل، لكن يختلف بين: "نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" و"نهينا"، أن "نهانا" مرفوع اتفاقاً وفي "نهينا" خلاف ذكرناه في "أُمرنا".
وإذا صرح الصحابي بالنهي دل على التحريم كصيغة (لا تفعل) عند جمهور أهل العلم، وهذا خلافٌ لداود الظاهري وبعض المتكلمين، نظير قولهم في: "أمَرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"؛ لأن الصحابي قد يسمع كلاماً فيظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بنهي، وعرفنا ما في هذا القول من ضعف.


ترد صيغة الأمر والمراد به الإباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين: صيغة الأمر (افعل)، الأصل فيها الوجوب كما تقدم، إلا إذا دل الدليل على صرفه إلى الاستحباب، وهذا أيضاً تقدم، وقد تأتي صيغة (افعل) والمراد الإباحة، وهذا أيضاً تقدم تفصيله في الأمر بعد الحظر، {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [(51) سورة المؤمنون]، مأمور بالأكل من الطيبات، {كُلُوا}: هذا الأمر أمر وجوب وإلا ندب وإلا إباحة؟ أو تتأتى به جميع الأحكام؟
نعم، مع خشية الهلاك يجب الأكل، مع الحاجة إلى الطعام من دون هلاك يندب الأكل للاستعانة به على طاعة الله، مع عدم الحاجة إليه يكره الأكل، وما عدا ذلك فالأكل الأصل فيه الإباحة، اللهم إلا إذا قلنا: إن متعلق {كُلُوا} هو الجار والمجرور {مِنَ الطَّيِّبَاتِ} مفهومه لا تأكلوا من الخبائث، فالأكل من الطيبات على سبيل الوجوب في مقابلة الأكل من الخبائث، وهذا سبقت الإشارة إليه بإيجاز في مقابلة الحل التحريم، {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف]، تأتي أيضاً للتهديد كما في قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت]، {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [(30) سورة إبراهيم]، وتأتي أيضاً للتسوية: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ} [(16) سورة الطور]، وتأتي أيضاً للتكوين: وهو الإيجاد عن العدم بسرعة كما في قوله تعالى: {كُن فَيَكُونُ} [(117) سورة البقرة].
يقول -رحمه الله تعالى-:
وأما العام فهو ما عمَّ شيئين فصاعداً: من قولهم: عممت زيداً وعمراً بالعطاء، وعممت جميع الناس.
العام: لغةً شمول أمرٍ لمتعدد سواء كان الأمر لفظاً أو غيره، ومنه قولهم: عمّهم الخير، إذا شملهم وأحاط بهم.
والمؤلف عرّفه بأنه ما عم شيئين فصاعداً، وينبغي أن يزاد في الحد (من غير حصر)؛ لأن العدد المحصور داخل في حيّز مقابل العام وهو الخاص، وهذا أمر لا بد منه في الحد؛ لإخراج اسم العدد كمائة مثلاً أو ألف؛ لأنها وإن شملت أكثر من اثنين لكنها مع حصر والعام بلا حصر.


عرفه في المحصول بأنه اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضعٍ واحد، ثم بيّن المؤلف مأخذ التعريف، وأنه مأخوذ من قولك: عممت زيداً وعمراً، أي شملتهما بالعطاء.
في قرة العين قال: "وفي بعض النسخ مثل: عممت زيداً وعمراً، ولا يصح ذلك"، لماذا؟
لأن عممت زيداً وعمراً ليس من العام الذي يريد بيانه؛ المؤلف يريد أن يبيّن معنى العام في الأصل وأنه الشمول، يعني مأخذ الكلمة من أين؟ لا أنه يريد أن يقرر معناه اصطلاحاً: عممت زيداً، عممت جميع الناس، عممت زيداً يعني شملته، يريد أن يقرر المعنى اللغوي؛ لأن التعميم والعموم هو الشمول، ولا يريد أن يطبق زيداً وعمراً على تعريف العام اصطلاحاً؛ وإلا إذا انحصر في اثنين أو في عشرة أو في مائة ما صار عاماً، صار خاصاً بهؤلاء، ولذا يقول: "في بعض النسخ: مثل عممت زيداً وعمراً ولا يصح ذلك؛ لأن عممت زيداً وعمراً ليس من العام الذي يريد بيانه"؛ لأنه محصور، والصحيح في العام أنه من غير حصر، لكن يريد أن يبين أن معنى كلمة عممت: شملت، والعام: هو شمول الشيء.
قال -رحمه الله-:
وألفاظه أربعة، الاسم الواحد المعرف باللام، واسم الجمع المعرف باللام: التعريف باللام أو بـ (أل)؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بالألف واللام؟ بـ (أل)؟ نعم، التعريف بـ (أل) وإلا باللام؟ عندكم ماذا يقول باللام؟
طالب:. . . . . . . . .
خلاف:

أل حرف تعريف أو اللام فقط ... فنمط عرفته قل فيه النمط
فالخلاف بين أهل العلم أن حرف التعريف هو اللام فقط أو (أل) -الهمزة مع اللام- محل خلافٍ بين أهل العلم.
الاسم الواحد المعرف باللام: المراد بـ (أل) هنا، الاستغراقية، كما في قولك: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(2) سورة الفاتحة]؛ (أل) هنا للاستغراق؛ جميع أنواع المحامد لله عز وجل، {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(2) سورة العصر]، {إِنَّ الْإِنسَانَ}: (أل) هذه جنسية لاستغراق الجنس، ولذا صح منها الاستثناء.
اسم الجمع المعرف بـ (أل): اسم الجمع المعرف باللام أو بـ (أل) -على الخلاف في ذلك- وهو شامل للجمع الذي له مفرد، كما في قوله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [(1) سورة المؤمنون].


و (أل) الجنسية ضابطها أن يوضع مكانها أو محلها (كل) أو (جميع) قد أفلح جميع المؤمنين، أو كل المؤمنين، ويشمل أيضاً اسم الجمع الذي ليس له مفرد من لفظه كقوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [(34) سورة النساء]، {الرِّجَالُ}: جنس الرجال قوامون على جنس النساء.
هاه كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الضابط أن تجعل مكان (أل) كل أو جميع.
ويشمل أيضاً اسم الجنس الجمعي: وهو ما يدل على أكثر من اثنين، ويفرق بينه وبين مفرده بالتاء أو بالياء، {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [(70) سورة البقرة]، فالبقر اسم جنس جمعي، لماذا؟ لأنه يفرق بينه وبين واحده بالتاء؛ واحده بقرة.
إن التمر: اسم جنس جمعي، نعم، لماذا؟ لأنهم فرقوا بينه وبين مفرده بالتاء، الجمع تمر والواحدة تمرة، سدر سدرة، وهكذا، أو يفرق بينه وبين مفرده بالياء، {الم* غُلِبَتِ الرُّومُ} [(1 - 2) سورة الروم]، وواحده رومي.
الثالث: الأسماء المبهمة، كـ (من) فيمن يعقل: ((من دخل داره فهو آمن، من دخل دار أبي سفيان .. ))، من دخل كذا، من فعل كذا، هذه من صيغ العموم، و (من) خاصة بالعقلاء، ومن ينزل منزلة العقلاء.
و (ما) فيما لا يعقل: نحو: ما جاءني منك أخذته، يعني أي شيء يأتي من قبلك، من هبة أو صلة أو فائدة أو شيء من هذا يقبل، وقد تدخل على ما يعقل إذا نزل منزلة من لا يعقل، {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم} [(3) سورة النساء].
و (أي): الاستفهامية نحو: أي الناس عندك؟ أي العمل أفضل؟ والشرطية: أي عبيدي جاءك فأحسن إليه، ومثلها الموصولة: أي الأشياء أردت أعطيتكه.
و (أين) في المكان: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [(26) سورة التكوير]، و (متى) في الزمان: {مَتَى نَصْرُ اللهِ} [(214) سورة البقرة]، و (ما) في الاستفهام: نحو: ما عندك؟ وأيضاً في الجزاء: نحو: ما تعمل تجزَ به، وفي نسخةٍ والخبر بدل الجزاء نحو: عملت ما عملت أي: أي عملٍ عملته. فهي دالة على العموم.


الأمر الرابع: (لا) في النكرات: في النكرات نحو: لا رجل في الدار، وهو ما يقوله أهل العلم من أن النكرة في سياق النفي تعمُّ، ومثل بالمثال: لكن لو جاء بالقاعدة لشمل جميع أدوات النفي، ما عندي شيء، أي: أي شيء، لا رجل في الدار، نعم.
عموم النكرات في سياق النفي تدل على العموم، {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [(197) سورة البقرة]، هذا أيضاً نكرات في سياق النفي فتعم جميع أنواع الرفث، جميع أنواع الفسوق، جميع أنواع الجدال.
فالنكرة في سياق النفي تفيد العموم، وكذلكم في سياق النهي أو الشرط أو الاستفهام الإنكاري، {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء} [(71) سورة القصص] في سياق الامتنان، النكرة في سياق الامتنان أيضاً تفيد العموم، {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [(68) سورة الرحمن]: هذا سياق امتنان، ومن صيغ العموم أيضاً لفظ: (كل)، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [(35) سورة الأنبياء].
ومن صيغ العموم أيضاً المضاف إلى ما اقترن بـ (أل)، سواء كان مفرداً أو جمعاً، المضاف إلى ما اقترن بـ (أل) {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل]، {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [(11) سورة النساء]، يعني أضيف إلى معرفة، ومعروف أن الضمائر من أعرف المعارف، حتى قال جمع من النحاة: إن الضمائر أعرف المعارف على الإطلاق، وإن كان رأي سيبويه أن لفظ الجلالة هو أعرف المعارف، وكلامه هو الصواب.
ثم قال -رحمه الله-:
والعموم من صفات النطق، ولا تجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه: العموم من صفات النطق، والمراد بالنطق هو اللفظ والقول الملفوظ به، فالعموم يدخل في اللفظ، في القول، ولا يدخل في الفعل، فحكاية الأفعال لا عموم لها.
كثيراً ما تسمعون: هذه حكاية فعل ولا عموم له، ولا ما يجري مجرى الفعل من الإشارة والقرائن المفهمة وغيرها، فالمراد بالنطق، المصدر الذي هو المنطوق به، كما أن اللفظ يراد به الملفوظ به، اسم المفعول.
فالفعل كجمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر: الآن المراد تقريره هنا، الجمع أو كلمة السفر؟


قالوا: "كجمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر": معروف أن الفعل الجمع، كما أن السفر أيضاً فعل، لكن المقصود هنا المثال من أجل الجمع أو أجل السفر؟ هم يمثلون بهذا قالوا: كجمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر، هاه السفر أو الجمع؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول: الجمع فعل، والسفر فعل، فعل وإلا ما هو بفعل؟
السفر: الذي هو المسافرة، البروز، السفر والإسفار والسفور كله معناه بروز وظهور وخروج، فهي أفعال، إذا قيل: سافر فلان، وأسفر الصبح، وامرأة سافرة؛ كل هذا لإبرازها محاسنها، وهذا لبروزه عن البلد وخروجه منه، وأسفر الصبح؛ لبيانه وظهوره وهكذا.
المقصود أن المثال: كجمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر، قالوا: لا يدل على عموم الجمع في السفر الطويل والقصير؛ فإنه إنما وقع في واحدٍ منهما، فإنه إنما وقع في واحدٍ منهما.
أو نقول: السفر من صيغ العموم؛ لأنه اقترن بـ (أل) الجنسية؟ ها يا إخوان تجاوبوا.
طالب:. . . . . . . . .
السفر مقترن بـ (أل) فهو من صيغ العموم فيعم كل سفر.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هو حكاية فعل، هذه حكاية فعل "كجمعه"، نعم، ولا يلزم أن تكون هذه صيغة الصحابي، هذه صيغة الذي أورد المثال.
الصيغة: "جمع النبي -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين في السفر"، نعم، فالمراد فعله -عليه الصلاة والسلام- لهذا الجمع، فعله -عليه الصلاة والسلام- لهذا الجمع، فلا يعني عموم كلّ صلاة، بحيث كل صلاة .. ، ما دام ثبت الجمع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين، هل يشمل هذا كل صلاة يصليها الإنسان يجمعها مع غيرها؟
لا؛ لأن الفعل لا عموم له، هذا فعل يقتصر فيه على مورده، وفي السفر .. ، السفر مفرد معرف بـ (أل) فهو من صيغ العموم، ويبقى أن هل العموم باقٍ على عمومه، هل هو محفوظ، أو نقول: هذا إطلاق؟ نقول هذا تعميم وإلا إطلاق؟ السفر له أفراد أو له أوصاف؟ نعم؟
طالب: أوصاف.
يعني ما قدمنا الفرق بين التخصيص والتقييد؟ على شان يخدمنا هنا.


نعم، له أوصاف، فلفظ السفر هنا مطلق، شامل للسفر الموصوف بالطول، والسفر الموصوف بالقصر، ولذا من يقول بعدم التحديد لا في الوقت بأيام محدودة، ولا في المسافة بأكيالٍ معدودة، يقول: السفر جاء في النصوص مطلقاً ويبقى على إطلاقه، وهذا معروف من يقول به.
وجماهير أهل العلم على التقييد، على التقييد؛ لأدلةٍ ذكروها في موطنها، والخلاف في هذه المسألة معروف، والذي يجري مجرى الفعل كالقضايا المعينة، قالوا: كالقضايا المعينة، مثل قضائه -عليه الصلاة والسلام- بالشفعة للجار، ولذا كثيراً ما تسمعون: "هذه قضية عين"، وقضايا الأعيان لا عموم لها، قضية عين، تسمعون هذا وإلا ما تسمعون؟ نعم، وقضايا الأعيان لا عموم لها.
مثل قضائه -عليه الصلاة والسلام- بالشفعة للجار، أولاً الحديث فيه مقال، مروي عند النسائي عن الحسن مرسلاً، ومراسيل الحسن ضعفها معروف، قالوا: فلا يعم كل جارٍ؛ لاحتمال خصوصيته في ذلك الجار، احتمال خصوصية؛ لأنه يمكن هذا الجار شريك، ويحتاج إلى مثل هذا القول؛ للنصوص الواردة في الشفعة، التي تقرر أنه: ((إذا حدّت الحدود وميّزت الطرق فلا شفعة))، وهذا في الصحيح، مع أنه جاء: ((والجار أحق بصقبه)).
طالب:. . . . . . . . .
هذه قضية عين.
طالب:. . . . . . . . .
هذه من المسائل التي يطول فيها الخلاف، وتتباين فيها الوجهات، لقائل أن يقول: هذه قضية حكم بها النبي -عليه الصلاة والسلام- والأصل التشريع وأنه قدوة وأنه أسوة، فنقضي بالشفعة لكل جار وأيش المانع؟
لكن مثل هذه الأمور تسلك وإن كان فيها شيء من الضعف؛ للتوفيق بين النصوص المتعارضة، تعرف أن نصوص الشفعة جاء فيها شيء، جاء ما يدل على الشفعة للجار، وجاء أيضاً أنه إذا حدت الحدود وميّزت خلاص فلا شفعة، وجاء: ((الجار أحق بصقبه))، فلا نقول بعموم شفعة الجيران كلهم، إلا إذا كان له شيء من اشتراكٍ ونحوه.
هذا الذي جعلهم يقولون: إن مثل هذا لا يقتضي العموم.
قالوا: فلا يعم كل جارٍ لاحتمال الخصوصية في ذلك الجار، كذا في الشرح؛ لأن الجار مفرد معرف بـ (أل) الجنسية.


الأصل فيه أنه عموم، لكن يبقى أنها قضية عين، لا عموم لها، يعني لو قال: النبي -عليه الصلاة والسلام-: (الشفعة للجار) من قوله -عليه الصلاة والسلام- ما اختلفوا بأن هذا عموم، لكن بكونه فعل وقضاء منه -عليه الصلاة والسلام- حصل الخلاف، وقالوا: هذه قضية عين، لكن لو جاء لفظ عام، فالعموم يدخل الألفاظ بخلاف الأفعال -على ما بيّنوا- لكن يقول الشوكاني: "رجحان عمومه، وضعف دعوى احتمال كونه خاصاً في غاية الوضوح"، الشوكاني يقول: "رجحان عمومه وضعف دعوى احتمال كونه خاصاً في غاية الوضوح".
ولا شك أن الأصل الاقتداء، وأننا ملزمون بامتثال أقواله وأفعاله -عليه الصلاة والسلام- إذا كانت تشريعاً -كما هو معروف- في قوله وعمله وقضاءه وغير ذلك، فالأصل الاقتداء والائتساء به عليه الصلاة والسلام.
هذا سؤال: يقول ما هي نصيحتكم لطلاب العلم بعد هذه الدورة خصوصاً المبتدئين منهم؟
نكرر ما بدأنا به سابقاً أن الأصل -أصل العلوم كلها- كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب الله -عز وجل- قراءةً وحفظاً وفهماً وعملاً وتدبراً؛ فقراءة القرآن -كما يقول شيخ الإسلام- على الوجه المأمور به تورث الإنسان من العلم واليقين والبصيرة ما لا يدركه إلا من عمل مثل هذا العمل.

فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآن
فعلى طالب العلم أن يعتني بكتاب الله -عز وجل- حفظاً وقراءةً وفهماً وعملاً، ويطالع عليه أقوال أهل العلم مما يوضحه من أقوال أهل العلم الموثوقين في عقيدتهم وسلامة قصدهم ومنهجهم، ثم يعتني بسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ولا ينسى ما يعينه على فهم الكتاب والسنة مما يسمى بعلوم الآلة، لكن جلّ الوقت والهم الأكبر للمقاصد، ولا ينسى الوسائل التي تعينه على فهم الكتاب والسنة.


فيعتني بكتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بالتدريج، فيتعلم على طريقة الصحابة -رضوان الله عليهم- يتعلم العشر الآيات، فيقرؤها قراءة صحيحة، ويحفظها، ويفهم ما فيها من علمٍ وعمل، كما فعلوا -رضوان الله عليهم- وبهذا يثبت الحفظ من جهة، ويرسخ العمل، ويثبت العلم، ويرسخ المحفوظ على طريقة السلف الصالح -رضوان الله عليهم-.
وأما السنة فيأخذ منها أيضاً بالتدريج، وكل يعرف ما وهبه الله -سبحانه وتعالى- له من قوةٍ في الحفظ والفهم، لا يكلف نفسه أكثر مما يطيق؛ ((اكلفوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا)).
نجد الإنسان يأتي متحمس يبي يلتهم العلم كله في يومٍ واحد أو في وقتٍ واحد!
ما يمكن، تجد الحافظة ضعيفة، والفهم ضعيف، ثم يأتي إلى القرآن يقول: كل يوم جزء مدة شهر وأنا حافظ، ما يمكن، مثل هذا النوع يحفظ آية آيتين يفهم هاتين الآيتين وما فيهما من العلم والعمل، ثم من الغد كذلك، والذي يليه كذلك وهكذا.
المقصود أن العلم يؤخذ بالتدريج، ويؤخذ من أهله الموثوقين، ولا يقول: أنا الحمد الله عندي حافظة وعندي فهم وعندي قدرة على الاطلاع والاستيعاب، ولست بحاجة إلى حضور مجالس العلم؟ لا.
نقول: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة))، وليس المراد .. ، لا يكون المراد من حضور الدروس هو أخذ العلم فقط، بل التأدب بأدب الشيوخ والاقتداء بهم في سمتهم وكيفية تحريهم وضبطهم، ولذا يقول ابن الجوزي في ترجمة أحد شيوخه: إنه استفاد من بكائه ولم يستفد من علمه"، مع أن البكاء الآن -والله المستعان- لا يكاد يذكر، لكن يبقى أن هناك من إذا رؤوا .. ، أناس من إذا رؤوا ذكر الله -عز وجل- والله المستعان.
فعلينا أن نعتني بهذا الباب إضافةً إلى أن الأجر مرتب على سلوك الطريق، ما رتب على التحصيل، الأجر مرتب على السلوك، ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة))، ما قال: من صار عالماً سهل الله له .. الخ؟ لا.
نعم العلماء لهم أجرهم وثوابهم لا سيما العاملون بعلمهم، من عمل بعلمه، الربانيون الذين يعلمون الناس ويدلونهم على الخير، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله.


فعلى الإنسان أن يحرص في تحصيل العلم ولا يتراخى، ويكون همه العلم والعمل،. . . . . . . . . الشيخ حضر الآن، إن كان هناك أسئلة تعرض بقيتها على الشيخ، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.