شرح الورقات في أصول الفقه شرح متن الورقات في أصول الفقه (8)
الخاص وأنواعه، المجمل - الظاهر - النص - البيان - فعل صاحب
الشريعة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال
إمام الحرمين -رحمه الله تعالى-: ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب،
وتخصيص الكتاب بالسنة، وتخصيص السنة بالكتاب، وتخصيص السنة
بالسنة، وتخصيص النطق بالقياس، ونعني بالنطق: قول الله تعالى،
وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمجمل: ما يفتقر إلى
البيان، والبيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي.
والنص: ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً، وقيل: ما تأويله تنزيله
وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي، والظاهر: ما احتمل أمرين
أحدهما أظهر من الآخر، ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى ظاهراً
بالدليل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، تقدم الكلام في حقيقة العام
والخاص، وأن العام: ما يشمل أفراداً، والخاص: ما يخص ويخرج بعض
هذه الأفراد من النص العام.
وهنا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: ويجوز تخصيص الكتاب
بالكتاب: يعني يجوز أن يأتي في الكتاب الذي هو القرآن نص عام،
ويأتي المخصص له في الكتاب نفسه -في القرآن الكريم- ولا يعني
هذا أن النص العام الذي يشمل أفراداً يأتي في الكتاب التنصيص
على فرد من أولئك الأفراد، إنما يأتي بلفظ هو في الحقيقة عام،
إلا أنه أخص من النص الأول، يعني هل في الكتاب تخصيص شخص بعينه
من بين أفراد العام؟ نعم؟
لا يوجد، إنما يأتي بالكتاب ما هو أخص من
اللفظ الأعم، فإذا نظرنا إلى قول الله -عز وجل- .. ، ولنعلم أن
تخصيص الكتاب بالكتاب أمر مجمع عليه بين أهل العلم، والسبب في
ذلكم أن نصوصه كلها قطعية، فإذا تقابل عام وخاص فالواجب الجمع
بين الدليلين بإعمال العام فيما عدا الخاص، وإعمال الخاص في
محله، فمثلاً قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة]: هذا عام
في الزوجات كلهن، فيشمل الحاملات والحائلات، المدخول بهن وغير
المدخول بهن؛ لأن الحامل زوجة، والحائل التي ليست بذات حمل،
زوجة، والمدخول بها زوجة، وغير المدخول بها -المعقود عليها-
أيضاً زوجة، هذا النص عام: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ
وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}، ما الذي يخرج من هذا النص؟
نعم؟
هذا عام من وجه حيث يشمل جميع الزوجات الحوامل وغير الحوامل،
المدخول بهن وغير المدخول بهن، لكنه خاص من وجه فهو خاص
بالمتوفى عنهن، يخرج من هذا النص الحوامل؛ في قوله -جل وعلا-:
{وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق]: فنخص ذوات الأحمال -وهن
الحوامل- من عموم الآية الأولى، فكل متوفى عنها تعتد أربعة
أشهر وعشرة أيام -وعشر ليال- ما عدا الحوامل فعدتها تنتهي بوضع
الحمل، نخص عموم الأولى بخصوص الثانية، كما أننا نخص عموم
الثانية بخصوص الأولى، كيف؟
{أُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ}: هذا عام من وجه، فيشمل المطلقات والمتوفى عنهن،
يشمل المطلقات والمتوفى عنهن، لكن هل يشمل المدخول بهن وغير
المدخول بهن؟ هاه، يشمل وإلا ما يشمل؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا يتصور، كيف تكون من ذوات الأحمال وهي غير مدخول بها؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أيش معنى الدخول؟ هل معناه المسيس؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ
عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [(49) سورة
الأحزاب]: يعني أورد على ذلك المرأة إذا تحملت مع زوجها، هل
نقول: عدتها بوضع الحمل؟ أو نقول -والمسألة متصورة-: امرأة غير
مدخول بها، عقد عليها ولما يدخل بها، فزنت فحملت من غيره، ثم
طلقها ماذا تكون عدتها؟ عليها عدة وإلا ما عليها عدة؟
طالب:. . . . . . . . .
بالنسبة لزوجها الذي عقد عليها ليس له عليها عدة؛ لأنه غير
داخل بها -لم يدخل بها- وبالنسبة لها لا يجوز لها أن تتزوج حتى
تضع الحمل، نسأل الله السلامة والعافية.
على كل حال هذا المثال الذي أوردناه في هاتين الآيتين من
العموم والخصوص اللي يسمونه أيش؟
وجهي، عموم وخصوص وجهي، فعرفنا أن الآية الأولى: {وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} شامل لكل
الزوجات: الحوامل والحوائل، المدخول بهن وغير المدخول بهن،
لكنه خاص بالمتوفى عنهن.
الآية الثانية: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} هذا عام في الفرقة، سواءً كانت بموت أو
طلاق، يشمل المطلقات والمتوفى عنهن، لكنه خاص بأولات الأحمال،
وهنا نستطيع أن نحمل عموم الأولى على خصوص الثانية، وعموم
الثانية على خصوص الأولى، وعلى هذا يكون المتوفى عنهن كلهن
يتربصن أربعة أشهر وعشراً ما عدا ذات الأحمال؛ الحامل فهي تعتد
بوضع الحمل.
هناك رأي لبعض الصحابة: أنها تعتد بأبعد الأجلين، بأبعد
الأجلين، أيش معنى هذا؟
أنها إذا توفى عنها زوجها وهي حامل فوضعت
بعد شهرين، تعتد كم؟ أربعة أشهر وعشراً، لا تعتد بوضعا الحمل،
إذا توفي عنها زوجها وهي في الشهر الأول، مكثت ثمانية أشهر ما
وضعت تعتد بوضع الحمل؛ لأنه أبعد الأجلين؛ وذلكم للتعارض
الظاهر بين الآية الأولى والثانية؛ لأن الآية الأولى تشمل جميع
من توفي عنهن أزواجهن، سواءً كانت من ذوات الأحمال، أو حوائل
-ليست بذات حمل- والثانية، خاصة بذوات الأحمال لكنها عامة في
كل مفارقة بطلاق أو موت، وعرفنا أن هذا من العموم والخصوص
الوجهي.
الآية الأولى: تقتضي بعمومها أن الأجل أربعة أشهر وعشراً،
والثانية: تقتضي بخصوصها في أولات الأحمال أن أجلهن وضع الحمل،
وانفردت الآية الثانية بحكم عدة المطلقات الحاملات ووضع الحمل
كما انفردت الأولى بعدة المتوفى عنهن الحائلات وهي أربعة أشهر
وعشراً.
هذا بالنسبة بالعموم والخصوص الوجهي، أما بالنسبة للعموم
والخصوص المطلق نحو قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [(228) سورة
البقرة]: هذا لفظ عام في جميع المطلقات المدخول بهن وغير
المدخول بهن، أما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن
قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [(49) سورة الأحزاب]: هذا خاص يغير
المدخول بها، فخرجت غير المدخول بها من عموم الآية الأولى، فلا
عدة عليها؛ لهذه الآية، هذا عموم وخصوص يسمونه أيش؟ وجهي وإلا
مطلق؟ نعم؟ وجهي وإلا مطلق؟ الأول وجهي والثاني؟ متى نتصور
العموم والخصوص الوجهي؟
إذا كان في كل من الآيتين، أو في كل من النصين عموم، وفيهما في
الوقت نفسه خصوص، إذا تقابلا عمومان وخصوصان في نصين هذا عموم
وخصوص وجهي، لكن إذا كانت أحدهما أو إحداهما أعم من الأخرى من
كل وجه فهو عموم وخصوص مطلق.
إذن لو نتأمل في النصين عرفنا أيضاً أن
النص الثاني فيه عموم وإلا ما فيه عموم بالنسبة للآية الأولى؟
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ
قُرُوَءٍ}: هذا عام في كل مطلقة مدخول بها وغير مدخول بها،
لكنه من وجه آخر خاص بذوات الأقراء، بذوات الأقراء اللوات
يحضن.
الآية الثانية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ
أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ
تَعْتَدُّونَهَا}: هذا خاص بغير المدخول بها، لكنه يشمل ذات
الأقراء والصغيرة والآيسة، لكن هل هذا الخصوص له أثر أو ليس له
أثر؟ عموم الآية الثانية له أثر وإلا ما له أثر؟
ليس له أثر؛ لأنه ليس لها عدة، ليس عليها عدة أصلاً، فكيف ننظر
فيها هل هي ذات أقراء أو آيسة أو صغيرة، هي ليس عليها عدة
أصلاً، فلعدم اعتبار ذلك العموم وعدم ترتب الأثر عليه لم ينظر
إليهن، وحكموا بأن الآية بين الآيتين عموم وخصوص مطلق.
جمهور الأصوليين على تخصيص العام مطلقاً، على تخصيص العام في
الخاص مطلقاً سواءً علم تقدم العام أو الخاص أو جهل التاريخ،
سواءً علم تقدم العام أو الخاص أو جهل التاريخ.
وقال أبو حنيفة وإمام الحرمين -مؤلف الورقات-: إن عُلم التاريخ
وكان الخاص متأخراً خصص به العام، وإن كان العام متأخراً نسخ
الخاص، وإن جهل التاريخ تساقطا في موضع المقابلة؛ لاحتمال تأخر
العام فيكون ناسخاً للخاص، فيكون مخصصاً للعام، فيتوقف في محل
الخاص ويتطلب دليل آخر، أيش معنى هذا الكلام؟
إذا تقدم العام وتأخر الخاص، فيه مشكلة؟
ما فيه إشكال، لكن الإشكال لو تقدم الخاص
ثم تأخر العام، لو افترضنا أن الآية {إِذَا نَكَحْتُمُ
الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن
تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ
تَعْتَدُّونَهَا}: الخاص بغير المدخول بهن، هذا متقدم على قوله
تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ
ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}: على قول أبي حنيفة وإمام الحرمين، تكون
الآية هذه نسخت الآية، دل على أن كل مطلقة تعتد سواءً كان
المدخول بها أو غير المدخول بها، والجمهور على أنه إذا وجد
العام والخاص فإنه يحمل العام على الخاص بغض النظر سواءً تقدم
العام أو تأخر، ظاهر؟ طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو علم التاريخ؛ هو ما يمكن أن نعرف أن هذا متقدم أو متأخر
إلا بالتاريخ.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عرفنا أن الآية الأولى عامة والثانية خاصة بغير المدخول بها،
وحينئذ حملنا العام على الخاص فأخرجنا غير المدخول بها من
العدة؛ لأنه ليس له عليها عدة سواءً تقدمت الآية الأولى أو
تأخرت ما عندنا فرق، هذا في قول الأكثر، في قول الجمهور.
أبو حنيفة وإمام الحرمين يقول: إن كان العام هو المتقدم وتأخر
عنه الخاص ما فيه إشكال؛ عرفنا أن الخاص مقصود بالإخراج، لكن
إذا تقدم الخاص .. ، جاء النص في غير المدخول بها وأنه لا عدة
عليها، ثم جاء بعده النص العام يقرر العدة على كل مطلقة، دل
على أن حكم غير المدخول بها ارتفع فينسخ، والجمهور على أنه لا
فرق تقدم العام أو تأخر فيحمل العام على الخاص، وحمل العام على
الخاص نوع من أنواع الجمع، نوع من أنواع التوفيق بين الأدلة،
نعم، ولا يصار إلى النسخ إلا إذا لم يمكن الجمع، والجمع حينئذ
ممكن بحمل العام على الخاص، لماذا؟
لأن النسخ حكم بإلغاء المنسوخ بالكلية، حكم بإلغائه بالكلية
النسخ، والجمع حكم بالعمل بالخبرين معاً، وإعمال النص أولى من
إهماله.
تخصيص الكتاب
بالسنة: الرسول -عليه الصلاة والسلام-
هو المبين لكتاب الله، فإذا تحققنا أن الرسول -عليه الصلاة
والسلام- قال قولاً مخصوصاً أو مخصصاً لعموم الكتاب أو مقيداً
لمطلقه كان ذلك دليلاًِ على أن مراد الكتاب ما خصه الرسول
-عليه الصلاة والسلام- وأن مراده بالمطلق المقيد على لسان
رسوله عليه الصلاة والسلام.
مثال ذلك: قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}
[(24) سورة النساء]، لما عدد المحرمات قال: {وَأُحِلَّ لَكُم
مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}: يعني من النساء، وعموم هذه الآية خص
بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا
على خالتها))، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب))، {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}:
يقتضي حل كل ما لم ينص عليه بالقرآن، لكن جاء في السنة تحريم
الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وحينئذ يُخصص الكتاب
بالسنة؛ لأن السنة وحي والرسول هو المبين -عليه الصلاة
والسلام- لمراد الله من كتابه.
أيضاً: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)): الكتاب لم يذكر
مما حرم من الرضاع إلا الأم والأخت، العمة من الرضاعة والخالة
من الرضاعة وهكذا حرام بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحرم من
الرضاعة ما يحرم من النسب)).
خصت آيات المواريث بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يرث
القاتل))، كما أنها أيضاً خصت آيات المواريث بقوله -عليه
الصلاة والسلام-: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث)).
الحنفية لهم قول يرددونه كثيراً يقولون: الزيادة على النص نسخ،
أيش معنى هذا الكلام؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . من تلقاء أنفسنا؟
طالب:. . . . . . . . .
الزيادة على النص نسخ، أيش معنى هذا الكلام؟ أين الأصول؟
طالب:. . . . . . . . .
أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
أحد يستحضر مثالاً؟
طالب:. . . . . . . . .
الزيادة على النص نسخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ليست هذه المسألة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هي بهذه المسألة المسألة أخرى،
يعني القدر الزائد على الواجب مسألة أخرى، إن كان متميزاً فهو
مستحب قولاً واحداً، وإن لم يتميز فمنهم من يقول بوجوبه، يعني
من دفع كيساً كاملاً فطرة، والواجب عليه صاع هذه غير متميزة،
لكن لو دفع صاعين متميز كل واحد عن الثاني، ولو دفع ديناراً
زكاة لعشرين .. ، على كل حال المسألة أخرى.
الزيادة على النص: عندنا النص في القرآن الذي بينت فيه
المحرمات من النكاح ثم جاءنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا
تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)): هذه زيادة على النص،
فإذا زيد على النص حكموا بأنه نسخ، لكن هل ينسخ المتواتر
بالآحاد عندهم؟
لا، إذن ما موقفهم من مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا
تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها))؟ القاعدة عندهم ليست
مطردة، إنما يحتاجونها إذا احتاجوا إلى رد شيء قال به غيرهم،
يستعملونها عند الحاجة ولذا لا يمكن أن يقولوا بجواز نكاح
المرأة على عمتها ولا على خالتها وهذا وارد عليهم .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أمثلة ما هو بمثال عندهم.
المنار النسفي يقول: ويجوز نسخ الحكم والتلاوة جميعاً، ونسخ
وصف الحكم كالزيادة -أي على النص المطلق- بأن يثبت أمر آخر
زائد على الحكم المنصوص شرطاً كانت تلك الزيادة أو ركناً فإنها
نسخ عند الحنفية، وعند الشافعية تخصيص وبيان.
على كل حال هذه تحتاج إلى بسط وتمثيل، لكن الوقت ما يستوعب كل
هذا؛ لأننا متأخرين جداً في الكتاب.
تخصيص الكتاب بالكتاب أمر مجمع عليه وبالسنة؛ لأن الرسول -عليه
الصلاة والسلام- هو المبين للكتاب.
هناك تخصيص
الكتاب بالإجماع: وهذا لم يذكره المصنف، وذلكم كقوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي
لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة
الجمعة]: والمقرر عند أهل العلم أنه يدخل في مثل هذا النداء:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الرجال والنساء الأحرار
والعبيد، هم داخلون في مثل هذا النص، لكنهم أجمعوا على أنه لا
جُمعةَ على عبد ولا امرأة، يقول الآمدي: لا أعرف في التخصيص
بالإجماع خلافاً، ويقول الشوكاني: وفي الحقيقة يكون التخصيص
بدليل الإجماع لا بنفس الإجماع.
الإجماع أولاً لا بد له أن يعتمد على دليل، لا بد أن يستند إلى
دليل؛ فالمخصص هو دليل الإجماع، ما هم قالوا في النسخ: الإجماع
لا ينسخ ولا ينسخ؟
نعم؛ لأن النسخ من خصائص النصوص، فإذا أجمع أهل العلم على خلاف
خبر من الأخبار نقول: هذا الخبر منسوخ، بأي شيء؟
بدليل الإجماع، بالدليل الذي استند إليه الإجماع، لا بالإجماع
نفسه؛ لأنه عرفنا أن النسخ من خصائص النصوص، وكذلك التخصيص،
إلا أنه عندهم التخصيص أوسع، التخصيص أوسع من دائرة النسخ.
تخصيص الكتاب بالقياس:
الجمهور يذهبون إلى جوازه، وبه يقول الثلاثة، وهو رواية عن
أحمد، يقول الشوكاني: والحق الحقيق بالقبول أنه يخصص بالقياس
الجلي؛ لأنه معمول به لقوة أدلته وبلوغها إلى حد يوازي النصوص،
ومثلوا له بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا
كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النورٍ]:
فإن عموم الزانية خص بالكتاب وهو قوله تعالى في الإماء:
{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء].
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}: الزانية والزاني يشمل الأحرار
وأيضاً العبيد، عمومه يتناول الأحرار والعبيد، الزانية خصت
بقوله -جل وعلا- في حق الإماء: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ
فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ}، طيب الزاني يجلد مائة وإلا خمسين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نقيس العبد على الأمة في التنصيف ونخصص
الزاني بالقياس، فيقاس العبد الزاني على الأمة بتنصيف العذاب
والاقتصار على خمسين جلدة، مع أن هذه المسألة لا تسلم من خلاف.
تخصيص السنة بالكتاب: مثاله
قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا
لا إله إلا الله)): (الناس): لفظ عام، ((أمرت أن أقاتل الناس
حتى يقولوا لا إله إلا الله)): هذا شامل لجميع الناس، لكنه
مخصوص بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ
وَهُمْ صَاغِرُونَ} [(29) سورة التوبة]، فخرج بذلك الكتابي إذا
أدى الجزية، الكتابي إذا أدى الجزية خرج من عموم قوله -عليه
الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله
إلا الله أو حتى يقولوا لا إله إلا الله)).
تخصيص السنة بالسنة: كقوله
-عليه الصلاة والسلام-: ((فيما سقت السماء العشر)): يعني
الزكاة، يجب في كل ما سقت السماء العشر؛ لأن (ما) من صيغ
العموم، هذا عام لكنه خص بمثل قوله -عليه الصلاة والسلام-:
((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة))؛ لأن ((فيما سقت السماء
العشر)) عام يشمل القليل والكثير، سواءً بلغ النصاب أو لم
يبلغ، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس فيما دون خمسة أوسق
صدقة)) يخرج ما دون الخمسة أوسق من عموم ((فيما سقت السماء
العشر)).
ومن أمثلته حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)): خص بقوله
-عليه الصلاة والسلام- في حديث ابن عمر -على الخلاف في ثبوته-:
((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث))، فـ ((الماء طهور لا
ينجسه شيء)) مخصوص بما لم يبلغ القلتين، فما بلغ القلتين لا
ينجسه شيء، إذن عموم حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء))
مخصوص بما دون القلتين بحديث ابن عمر -هذا على القول بثبوته-
وإلا فكلام أهل العلم في الحديث طويل منهم من حكم على الحديث
بالاضطراب في سنده ومتنه، اضطراب في سنده ومتنه، لكن على القول
بثبوته يخص عموم حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء))، فالأول
عام في القليل والكثير، والثاني خاص فيما دون القلتين، وهو
تخصيص بالمنطوق وإلا بالمفهوم؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)):
منطوقه أن الماء طهور لا ينجسه شيء قل أو كثر؛ ((إن الماء)).
الثاني: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) قوله: ((لم
يحمل الخبث)) في منطوقه مع قوله: ((لا ينجسه شيء)) فيه تعارض؟
نعم؟
متوافقان، إذن كيف نخصص الحديث الأول بالحديث الثاني، هل نخصص
الحديث الأول بمنطوق الحديث الثاني؟
طالب:. . . . . . . . .
إذن نخصصه بمفهوم الحديث الثاني؛ لأن مفهوم الحديث الثاني أن
الماء إذا لم يبلغ قلتين فإنه يحمل الخبث، وحينئذ يكون معارضاً
لعموم الحديث الأول، وهذا من باب التخصيص بالمفهوم.
نقول: هذا الحديث العام مخصوص أو مخصص بمفهوم الحديث الثاني،
الآن منطوق الحديث الأول ومنطوق الحديث الثاني بينهما تعارض؟
لا تعارض بينهما، إنما التعارض بين منطوق الحديث الأول ومفهوم
الحديث الثاني، فمن أهل العلم من يرى -كالشافعية والحنابلة-
تخصيص المنطوق بالمفهوم، ومنهم من يقول: المنطوق أقوى من
المفهوم فيقدم عليه، المنطوق أقوى من المفهوم فيقدم عليه، وعلى
كل حال هذا على قول من يثبت الحديث الثاني؛ الحديث الأول صحيح
والثاني فيه خلاف طويل لأهل العلم، لكن عند من يثبت هذا
الحديث.
شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- ابن تيمية- يرى ثبوت الحديث، يرى
ثبوت حديث القلتين، يرى ثبوت حديث القلتين ويعمل بمنطوقه دون
مفهومه، يقول: مفهومه معارض بما هو أقوى منه وهو المنطوق،
وحينئذ يلغى المفهوم.
وإلغاء المفهوم عند المعارضة موجود في النصوص كثيراً عند
المعارضة: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ
اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة]، مفهومه أنه لو استغفرت لهم
واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم، لكن منطوقات الشريعة الأخرى
كلها تدل على أنه لن يغفر لهم؛ لأنه محكوم عليهم بالتأبيد في
النار: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48)
سورة النساء]، والمنافقون كفار.
{لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا
مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران]: {أَضْعَافًا
مُّضَاعَفَةً}: يعني إذا كان الربا أضعاف، ضعفين أو ثلاثة،
أخذت ألف بألفين أو ثلاثة حرام؛ هذا منهي عنه.
مفهومه أنه إذا لم يصل إلى هذا الحد نعم، يعني إذا كان الألف
بألف وخمسمائة مفهوم الآية أنه يجوز، لكن النصوص المحكمة
المنطوقة تدل على تحريم الزيادة في الربويات ولو قلَّت، فمفهوم
هذا الخبر أو هذه الآية معارض بمنطوق نصوص الربا كلها وحينئذ
يلغى المفهوم.
كثيراً ما يأتي المفهوم، أو الكلام لا مفهوم له ملغىً من
الأصل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم} [(23) سورة
النساء]، هل يلزم من هذا أن الربيبة إذا لم تكن في حجر زوج
أمها أنها تحل له؟ نعم؟ هذا المفهوم أيش؟ ملغى .. لماذا؟
لأن اللفظ خرج مخرج الغالب، والغالب أن الربيبة تعيش في حجر
زوج أمها، يعني في كنفه ورعايته.
هذا بالنسبة لمفهوم المخالفة، وأما مفهوم الموافقة فقد حكى
الصفي الهندي الإجماع على التخصيص به؛ لأنه أقوى من مفهوم
المخالفة، ولهذا يسميه بعضهم: (دلالة النص)، يسميه بعضهم:
(قياس الأولى) أو (القياس الجلي)، فيخصص به.
تخصيص السنة بالقياس: في حديث عبادة: ((خذوا عني، خذوا عني:
الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب
سنة)): هذا الحديث مخصوص بالنص بالنسبة للأمَة {فَإِنْ
أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء] ومخصوص
بالنسبة للعبد بالقياس على الأمة، فخصت السنة بالقياس، كما
تقدم في تخصيص الكتاب بالقياس.
تخصيص النطق بالقياس: ويعني
بالنطق قول الله تعالى وقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما
تقدم في الأمثلة -في أمثلة تخصيص الكتاب بالقياس، والسنة
بالقياس- نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تخصيص السنة بالإجماع؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا خصصنا الكتاب بالإجماع، وعرفنا أن المقصود دليل
الإجماع فلن تخصص السنة بدليل الإجماع من باب أولى.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني نصوص كثيرة جاءت في السنة ذكرها .. ،
ذكر منها الترمذي حديثين، لكن هل هذا نقول: من باب التخصيص أو
من باب النسخ؟ نعم؟
ذكر حديثين أجمع العلماء على عدم العمل بهما فهذا يكون من باب
النسخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فهمت، ظاهر؟ ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)): جاء عند البيهقي
وابن ماجه وغيرهما: ((إلا إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة
تحدث فيه)): لكن هذه الزيادة ضعيفة بالاتفاق، والمعول على
تخصيص المتغير على الإجماع.
طالب:. . . . . . . . .
نعم صالح إيه.
الحين عندنا العموم والخصوص الوجهي اللي هو أصعب أنواع التعارض
في هذا الباب ومثلنا له سابقاً بالمثال الأول، نعم، المثال
الأول، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة]، مع قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ
الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة
الطلاق] عموم وخصوص وجهي، وعرفنا كيف نخرج من هذا التعارض، هذا
بالنسبة للكتاب.
عموم وخصوص وجهي بالنسبة للسنة: النهي عن قتل النساء والذرية
.. ، ما يمكن يقصر ذا؟
النهي عن قتل النساء والذرية: هذا عام شامل، عام شامل لكل
النساء، يعني هو من وجه عام في النساء سواءً كن مرتدات أو
أصليات، هذا وجه العموم فيه، وجه العموم في الحديث شمول جميع
النساء سواءً كن أصليات أو مرتدات، مع قوله -عليه الصلاة
والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)): هذا يشمل الرجال والنساء،
لكنه خاص بالمرتدين، النص الأول: النهي عن قتل النساء، هذا خاص
بالنساء، لكنه شامل للمرتدات والأصليات، النص الثاني: ((من بدل
دينه فاقتلوه)): شامل للرجال والنساء لكنه خاص بالمرتدين، هذا
عموم وخصوص وجهي، ماذا نصنع؟ ارتدت امرأة -مثلاً- هل تترك؛ لأن
النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن قتل النساء والذرية؟ نعم؟
مخصص عموم النهي عن قتل النساء بحديث: ((من بدل دينه
فاقتلوه))، لصاحب القول الآخر أن يقول: الحديث الثاني: ((من
بدل دينه فاقتلوه)) مخصص بالنهي عن قتل النساء، وليس قول
أحدهما أولى بالقبول من قول الآخر، صح وإلا لا؟ نعم؟
أنت إذا قلت: تقتل المرأة إذا ارتدت؛ لأن
((من بدل دينه فاقتلوه)) خاص بالمرتدين سواءً كانوا رجالاً أو
نساء، والنهي عن قتل النساء عام في كل امرأة سواءً كانت أصلية
أو مرتدة، يقول لك: نقول العكس -يقلب عليك الدعوى- يقول: نصي
أخص، ومعه حق.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نسخ؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا لا، لا أثر له سواءً كان أحدهما متقدم .. ، لا لا، لا
زلنا على قول الجمهور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، أنت خلينا مسألة مسألة، مسألة مسألة، الآن عندنا في كل
واحد فيهما عموم وخصوص، والمسألة مستوية من كل وجه، لا نستطيع
أن نحكم لخصوص أحدهما على عموم الآخر؛ لأنه تحكم، إذن ماذا
نصنع؟
نبحث عن مرجحات أخرى، فإذا أتينا إلى حديث: ((من بدل دينه
فاقتلوه)): هذا مخصوص وإلا محفوظ؟
طالب:. . . . . . . . .
بأي شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، محفوظ إذا اجتنبنا، إذا قلنا: هذين النصين أبعدنا ما
بينهما من تعارض وإلا هو مخصوص، حوى الدعوى، الدعوى معنا أنه
مخصوص بهذا الحديث، استبعد محل الخلاف، فنأتي إلى عموم حديث:
((من بدل دينه فاقتلوه)) نجده محفوظاً، لم يرد عليه مخصص، حديث
النهي عن قتل النساء، محفوظ وإلا ما هو بمحفوظ؟
طالب:. . . . . . . . .
غير محفوظ، لماذا؟
قُتل نساء: القصاص، إذا قتلت، إذا زنت وهي محصنة، إذا سحرت؛
"فقتلنا ثلاث سواحر".
المقصود أن هذا العموم غير محفوظ فضعف، فقدم عليه عموم حديث
((من بدل دينه فاقتلوه)) فتقتل المرتدة.
نأتي إلى مسألة .. ، هذه مسألة عملية، لكن
مسألة عملية أكثر منها -وإن كنا يعني طرقناها مراراً لكن ما
يمنع أن نعيدها للمناسبة- أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات
النهي: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا
أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: إذا طلعت الشمس حتى
ترتفع، إذا بزغت الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة،
وإذا تضيفت الشمس للغروب حتى تغرب"، ثلاث ساعات، إضافة إلى
الوقتين الموسعين: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا
بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس)) فالأوقات خمسة، الأوقات خمسة،
عندنا النهي عن الصلاة في هذه الأوقات الخمسة، وعندنا أحاديث
ذوات الأسباب، ونأخذ مثالاً -هو من أوضحها-: ((إذا دخل أحدكم
المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) الآن تسمعون وترون الناس
يتسامحون في الصلاة في أوقات النهي، يتسامحون كثيراً، ورأينا
من أهل العلم والفضل من يدخل قبل غروب الشمس بدقيقتين أو ثلاث
فيصلي، أو يدخل المسجد مع بزوغ الشمس ويصلي؛ عملاً بحديث
التحية -تحية المسجد- يتسامحون لماذا؟
لأنهم اعتادوا أن يقال: أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات
الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام -يعني كما يقول الشافعية-
اعتاد الناس أن يقولوا مثل هذا الكلام، ووجد قبولاً، وجد
ارتياحاً نفسياً؛ بعد أن أكد بعض من ينتسب إلى العلم، وينبغي
أن يؤكد لكن ليس على إطلاقه، نبذ التقليد، ناس رأوا الناس
ملتزمين بمذهب معين، فالثورة على التقليد صار لها آثاراً صار
لها ردود أفعال، التقليد بالنسبة للمتأهل لا يجوز، لكن هل يؤمر
كل شخص بالاجتهاد؟
يعني جاءت هذه الدعوة، وهي دعوة حق، لا نقول: هي باطلة، لكن
ليست لكل الناس، للمتأهل على العين والرأس، فجاءت هذه الدعوة
وصادفت محل، الناس متمسكون بمذهب، والمذهب يرى منع الصلوات في
هذه الأوقات بل يتشددون في مثل هذا الأمر، حتى رأينا من يحرف
الذي يريد أن يصلي، يحرفه عن القبلة، فالمسألة صارت من باب
ردود الأفعال، وإلا لو بحثت بحثاً مبسوطاً ما صار لها مثل هذه
الآثار.
نأتي إلى المسألة: عندنا حديث عقبة وما جاء
في معناه من النهي عن الصلاة في أوقات النهي، وعندنا الأمر
بصلاة ركعتين قبل أن يجلس: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس
حتى يصلي ركعتين)).
الحديث الأول -حديث عقبة- فيه عموم، عمومه من جهة الصلوات، فهو
عام في جميع الصلوات: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن .. "، أي صلاة، هذه الصلوات لا
تصلى في هذه الأوقات سواءً كانت فرائض مقضية أو مؤادة، نوافل
مطلقة أو مقيدة؛ فعموم حديث: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" شامل لجميع الصلوات،
فعمومه من هذه الحيثية، وخصوصه في هذه الأوقات، فهو عام في
الصلوات خاص في الأوقات.
النصوص الأخرى التي هي نصوص ذوات الأسباب عمومها في الأوقات،
خصوصها في الصلوات، هل نستطيع أن نوفق بين هذه النصوص كما
وفقنا في آيتي العدة في أول الأمر؟ يمكن؟
هل نقول: يمكن حمل عموم أحدهما على خصوص الآخر؟
عندنا عموم وخصوص وجهي وليس بمطلق، وأولئك الذين دخلوا في
أوقات النهي وصلوا قالوا: الخاص مقدم على العام، فإذا قال
الشافعي مثلاً: أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات
الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، للحنفي والمالكي
والحنبلي -على كل حال هو قول الجمهور- للحنفي والمالكي
والشافعي أن يقول: العكس، له أن يقول العكس: أحاديث ذوات
الأسباب -ومنها تحية المسجد- عامة في الأوقات، وأحاديث النهي
خاصة بهذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، كلامه صحيح وإلا ما
هو بصحيح؟
نعم، كلام الأول صحيح، وكلام الثاني صحيح، لكن كل منهما نظر
إلى النصوص من زاوية، وأهمل الزاوية الأخرى.
وعلى المنصف أن ينظر إلى النصوص من جميع الزوايا؛ لأنه إذا قال
الشافعي: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة نقول:
كلامك صحيح، لكنه بالنسبة لأيش؟ للصلوات، وأنت لم تنظر إلى
العموم والخصوص في الأوقات، فيعارضه قول من يقول: أحاديث ذوات
الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات،
فالنصوص متكافئة، ولا يمكن تخصيص عموم أحد الطرفين بخصوص
الآخر.
الدعوة التي أثيرت قبل ربع قرن حول التقليد
ونبذ التقليد، وصادفت محل متهيئ وهي في جملتها دعوة طيبة أعادت
الناس إلى الالتزام بالدليل، وصادفت أيضاً مجتمعات تقدم آراء
الرجال على النصوص، وصار لها ردود أفعال، وواكب ذلك أيضاً دفعه
.. ، كون شيخ الإسلام -رحمه الله- يوافق الشافعية، وشيخ
الإسلام، شيخ الإسلام، يعني ما أحد .. ، نعم، فكأن الناس صار
.. ، كأن هذه المسألة صارت قضية مسلمة لا يمكن النقاش فيها،
وأن مذهب الحنابلة والحنفية والمالكية خطأ لا يحتمل الصواب،
هذا الكلام ليس بصحيح، المسألة من حيث النصوص متكافئة، وحينئذ
نحتاج إلى مرجح خارجي، بمَ يرجح الشافعية قولهم في تقديم
أحاديث ذوات الأسباب على أحاديث النهي؟
طالب:. . . . . . . . .
بكثرة المخصصات، نعم، عموم أحاديث النهي غير محفوظة، دخله
مخصصات، مخصص بالفرائض، نعم، بالفرائض سواءً كانت مؤداة أو
مقضية، وأيضاً.
طالب:. . . . . . . . .
يخير لصاحب القول الآخر إلا في هذه الأوقات، إيه له أن يقلبها
عليه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، سبب الورود، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أو نقول:
سبب الورود دخوله في النص قطعياً، أنت معي؟
طالب:. . . . . . . . .
تعلمون ماذا يقصد؟ نعم؟
إذا جاء شخص إلى المسجد وقد صلى في بيته، وهم يصلون أو صلى في
مكان آخر ووجد الناس يصلون، يصلي معهم، ((إذا صليتما في
رحالكما فصلوا)): هذا النص جاء في صلاة الصبح، وما بعد صلاة
الصبح وقت نهي، وأيضاً وقت النهي بالنسبة لصلاة الصبح استثنيت
من النوافل ركعتا الصبح.
على كل حال أحاديث النهي دخلها من المخصصات الشيء الكثير،
فعمومها ليس بمحفوظ، أحاديث ذوات الأسباب عمومها محفوظ وإلا
غير محفوظ؟
طالب:. . . . . . . . .
دعونا من محل النزاع، الذي هو محل البحث، يعني من غير محل
النزاع، الشافعية يرجحون قولهم بأن عموم أحاديث ذوات الأسباب
محفوظ، وعموم أحاديث النهي غير محفوظ، وللطرف الآخر أن يرجح،
بأي شيء؟
بأن الحظر مقدم على الإباحة، ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه،
إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)): فالحظر هنا مقدم،
المنع مقدم على الأمر بالصلاة.
حتى المرجحات متكافئة، المرجحات متكافئة،
ولهذا قرر جمع من أهل العلم أن هذه المسألة من عُضَل المسائل؛
ليست من المسائل السهلة التي لكل شخص أن يقول: وراه جلست
وركعت، ورا ما تصلي، دخل أحد المسجد العصر قال له واحد: وراك
ليش تجلس وراك ما صليت؛ ((ذا دخل أحدكم المسجد .. ))، أو جاء
شخص صلى يأتيه آخر يقول له: ليش تصلي في وقت النهي؟
فالمسألة ليست بهذه السهولة، بل هي من عضل المسائل حتى قرر بعض
أهل العلم أن الإنسان لا يدخل المسجد في وقت النهي؛ لأنه إن
صلى خالف أحاديث النهي، إن لم يصلِّ خالف حديث تحية المسجد،
ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
فعلى هذا يقول: لا تدخل المسجد في هذا الوقت، أو إذا دخلت
فاستمر واقفاً، يعني كيف يصنع شخص جاء إلى المسجد خشي أن تفوته
الصلاة والمسجد فيه درس بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الصبح وخشي
أن تفوته الصلاة صلى في الطريق ثم جاء إلى المسجد، أو إمام
مسجد صلى بجماعته وجاء إلى المسجد الذي فيه درس بعد صلاة الصبح
أو بعد صلاة العصر ماذا يصنع؟ نقول له: صل وإلا لا تصلِّ؟
أولاً إن جلس لا نأمره بالصلاة، وإن صلى لا ننهاه عن الصلاة،
لوجود النصوص التي لا يمكن الترجيح بينها؛ لما ذكرنا.
على أنه من باب النظر الدقيق في النصوص إذا جاء الداخل إلى
المسجد في الأوقات الموسعة في الوقتين الموسعين، جاء بعد صلاة
الصبح فالمتجه أنه يصلي وإلا لا يصلي؟ يصلي، ومثله إذا دخل
المسجد العصر والشمس بيضاء نقية، يصلي، بينما إذا جاء في
الأوقات المضيقة عند طلوع الشمس وعند غروبها وإذا قام قائم
الظهيرة، نقول له: لا تصلِّ، لماذا؟ لأن المنع من الصلاة في
الوقتين الموسعين -قرر جمع من أهل العلم- أنه من باب سد
الذريعة، النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح وبعد العصر قالوا: من
باب سد الذريعة، كيف سد الذريعة؟ لئلا يسترسل في الصلاة فيصلي
في وقت طلوع الشمس أو وقت غروبها، فدل على أن المقصود من النهي
ألا يصلي الإنسان في وقت طلوع الشمس أو في وقت غروبها، فهذا
منع منه قصداً، وذاك منع منه من باب منع الوسائل، فعلى هذا
يكون النهي في الوقتين موسعين أسهل وأخف من النهي عن الصلاة في
الأوقات المضيقة الثلاثة.
طالب:. . . . . . . . .
نع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يجلس ما فيه إشكال؛ لأن النصوص واضحة، وإن وقف والمدة
يسيرة لا تتجاوز عشر دقائق ربع ساعة، فله ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
هو يبدو ربع ساعة الظاهر ما يزيد -إن شاء الله- يمضي ربع ساعة،
إذا دخل والشمس بيضاء نقية يصلي، إذا دخل بعد صلاة الصبح أذن
له أن يصلي راتبة قبل الصبح بعد الصبح فدل على أن الأمر فيه
سعة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر بعد صلاة
العصر، نعم، كثير من السلف أثر عنهم أنهم يصلون بعد العصر، فدل
على أن النهي والمنع من الصلاة في والوقتين الموسعين إنما هو
من باب منع الوسائل لا المقاصد؛ لئلا يسترسل ويستمر يصلي حتى
يضيق الوقت.
تروا المسألة عملية ويحتاجها كل أحد.
طالب:. . . . . . . . .
يسمى جلوس وإلا ما هو بجلوس؟
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا كان الوقت ضيقاً ولا يتحمل مثلاً الوقوف لا مانع أن
يصنع مثل هذا؛ لأنه له أن يجلس؛ "ثلاث ساعات كان رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن
موتانا"؛ لشدة النهي، ولذا يورد بعضهم على الأوقات الخمسة
لماذا لا تصير ثلاثة ابتداءً، من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس
يصير واحد، ليش ما يقسموها اثنين؟ ووقت الزوال، ومن صلاة العصر
إلى غروب الشمس ليش ما يقسموها اثنين تصير ثلاثة؟ وهي كذلك على
سبيل الإجمال، لكن بسطت لماذا؟ لماذا قالوا ثلاثة؟
لأنها تختلف خفة وقوة، وتختلف أيضاً من جهة أخرى وهي أن
الوقتين الموسعين النهي عن شيء واحد وهو أيش؟ الصلاة فقط،
والنهي في الأوقات الثلاثة المضيقة عن .. ، نعم، عن شيئين
الصلاة وعن قبر الميت، "وأن نقبر فيهن موتانا، وإن كان بعضهم
يقول: إن المراد بقبر الموتى الصلاة على الجنازة.
فيها غموض المسألة وإلا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، نعم يا أحمد؟
طالب: جاء في وقت النهي هل ينكر عليه؟
وصلى؟
طالب:. . . . . . . . .
مشكلتنا أنه القول الآخر يعني ما هو بملغى
من كل وجه، لكن لو أشير عليه، يعني لو جاء في الوقت الموسع
وصلى ما ينكر عليه، جلس ما ينكر عليه؛ لأن كلاً منهما معه نص،
لكن لو أشير عليه، قيل له: لو في الأوقات الضيقة هذه التي
النهي فيها شديد لو انتظرت حتى يخرج وقت النهي أفضل لك، يعني
من باب المشورة؛ لأن القول الآخر أيضاً له حظ من النظر وله
دليل.
طالب: أحسن الله إليك، هذا على القول أن تحية المسجد واجبة؟
لا ما هو على القول بوجوبها، على القول أنها .. ، جماهير أهل
العلم على أنها سنة.
طالب:. . . . . . . . .
الآن عندنا النهي هل هو للتحريم أو للكراهة؟ وعندنا الأمر
بتحية المسجد هل هو للوجوب أو للاستحباب، كلاهما يتجاذبه ما
يتجاذبه من الخلاف بين أهل العلم، اختلفوا في النهي هل هو
للتحريم أو للكراهة، كما أنهم اختلفوا في تحية المسجد والأدلة
المتكاثرة تدل على عدم الوجوب، وهو قول جماهير أهل العلم.
كم باقي على الإقامة؟ يعني نبدأ بشيء وإلا؟
هنا الناظم يقول -رحمة الله عليه-:
ثم الكتاب بالكتاب خصصوا ... وسنة بسنة تخصص
وخصصوا بالسنة الكتابا ... وعكسه استعمل يكن صواباً
والذكر بالإجماع مخصوص كما ... قد خص بالقياس كل منهما
باقي وقت؟ ها، باقي شيء؟ طيب، والله أعلم، وصلى الله وسلم
وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال
المصنف -رحمه الله تعالى-:
والمجمل: ما يفتقر إلى البيان، والبيان: إخراج الشيء من حيز
الإشكال إلى حيز التجلي، والمبين: هو النص، والنص: ما لا يحتمل
إلا معنىً واحداً، وقيل: ما تأويله تنزيله، وهو مشتق من منصة
العروس وهو الكرسي، والظاهر: ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من
الآخر، ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى ظاهراً بالدليل.
أجملت الشيء إذا جمعته: هذه لغة مستعملة إلى الآن، إذا قيل لك:
أجمل الحساب، أيش معناه؟
اذكر جملته وهي مجموعه، تقول: أجمل الأمر
أي أبهم، وفي الحديث الصحيح في تحريم بيع الخمر والميتة
والخنزير والأصنام، ثم السؤال عن شحوم الميتة، جاء في الخبر:
((قاتل الله اليهود؛ لما حرم عليهم الشحوم جملوها)): أي:
أذابوها، فجمل: أذاب، وأجمل: جمع أو أبهم، أو حصَّل، على
المعاني الثلاثة المذكورة.
ما علاقة الثلاثي بالرباعي؟ جمل وأجمل، بينهما علاقة؟ جملوه
أذابوه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جملوه: أذابوه، هل يفهم من الإذابة معنى الجمع أو الإبهام أو
التحصيل؟
نعم كأن التحصيل أقربها.
عرف المصنف المجمل بأنه: ما يفتقر إلى البيان: وفي مختصر
التحرير: ما تردد بين محتملين فأكثر على السواء، ما تردد بين
محتملين فأكثر على السواء.
إن أمكن ترجيح أحد الاحتمالات هل يكون فيه إجمال؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نقارن بعض الأمور ببعض من أجل أن تتضح الرؤية: إذا لم يحتمل
إلا معنىً واحداً يدخل في المجمل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نص، نص لا يحتمل إلا معنىً واحداً.
إذا احتمل أكثر من معنى وكانت هذه المعاني متفاوتة، الاحتمال
الأقوى يسمى .. ؟
طالب: الظاهر.
الظاهر، والأضعف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، وإذا احتملهما على السواء: إجمال، إجمال، فما تردد بين
محتملين فأكثر على السواء هذا هو المجمل، فإن أمكن ترجيح
أحدهما على الآخر انتفى الإجمال، يعني: كما يقال في الحديث:
إذا روي على أوجه مختلفة متساوية، نعم، فهو أيش؟ إذا روي
الحديث على أوجه مختلفة متساوية نعم؟
طالب: مضطرب.
مضطرب، فإذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب، وهنا
إذا أمكن ترجيح أحد الاحتمالات على بعض انتفى الإجمال، وحينئذ
يكون الراجح هو الظاهر والمرجوح هو أيش؟ المؤول.
إذا وجدنا لفظاً أو نصاً بهذه الصفة، نص من كتاب أو سنة بهذه
الصفة يحتمل أمرين على السواء، فحينئذ نعمل بأي المعنيين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نتوقف؛ لأن عملنا بأحد الاحتمالين المستويين دون مرجح أيش؟
تحكم تحكم، فلا بد من المرجح، وإذا وجد المرجح انتفى الإجمال،
حكم المجمل حينئذ التوقف حتى يوجد البيان الخارجي.
يقول: المجمل هو ما يفتقر إلى البيان،
والبيان إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، والمبين
هو النص.
أسباب الإجمال:
ذكروا للإجمال أسباباً منها: عدم معرفة المراد؛ للاشتراك في
الدلالة كالقرء؛ القرء متردد بين الطهر والحيض، وقد جاء في
اللغة ما يدل على هذا وما يدل على ذاك، فنحتاج حينئذ إلى مرجح،
ولذا يختلف أهل العلم في المراد بالقرء في قوله تعالى:
{بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [(228 البقرة]: فذهب
بعضهم إلى أن الأقراء المراد بها الحِيَض، وذهب آخرون إلى أن
المراد الأطهار، هذا سبب من أسباب الإجمال.
السبب الثاني: عدم معرفة الصفة، كما في آية الحج وآية الزكاة
والصلاة -الآيات المجملة فيها-: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}
[(43) سورة البقرة]: يعني لو لم ينزل في الصلاة إلا هذه الآية:
{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}، كيف نقيم الصلاة؟ نحتاج إلى بيان؛
لأن اللفظ مجمل، وسبب ذلك عدم معرفة الصفة.
{وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [(43) سورة البقرة]: نفس الشيء.
{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران]: كيف يحج؟ نعم هناك
حج موروث قبل نزول الآية، لكن هل يجزئ حجاً شرعياً؟ نعم؟ النبي
-عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه حج قبل فرض الحج عليه، نعم،
بدليل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم رؤي في عرفة، من الذي رآه؟
طالب: جبير بن مطعم
حينما أضل بعيره، وجده في عرفه وتعجب من كونه -عليه الصلاة
والسلام- في عرفة وهو من الحمس، وهذا في الصحيح، وجبير بن مطعم
في حجة الوداع مسلم، ما يتعجب من كون النبي -عليه الصلاة
والسلام- في عرفة، فدل على أن هذه حجة قبل فرض الحج.
على كل حال حصل البيان -بيان الصلاة- بفعله -عليه الصلاة
والسلام- وبقوله، حصل بيان الزكاة بقوله، ذكر الشروط وذكر
الأنصبة واشتراط الحول، كل هذا حصل، وأنواع ما يزكى.
وحصل بيان الحج بفعله -عليه الصلاة والسلام- وقوله، وثبت عنه
-عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))
وصلاته بيان للمجمل، حجه وأفعاله التي أداها في المناسك بيان
للمجمل، وهكذا.
من أسباب الإجمال: عدم معرفة المقدار، كما
في قوله تعالى: {وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [(43) سورة البقرة]
فمقادير الزكاة مجمل يحتاج إلى بيان، وقد بينه النبي -عليه
الصلاة والسلام- بقوله.
يقول الناظم:
ما كان متحاجاً إلى بيان ... فمجمل وضابط البيان
إخراجه من حيز الإشكال ... إلى التجلي واتضاح الحال
كالقرء وهو واحد الأقراء ... جفي الحيض والطهر من النساء
والبيان الذي يقابل الإجمال: مأخوذ من التبيين الذي هو فعل
المبيِّن -بكسر التحتية- وهو الموضِّح، وبفتحها المبَيَّن وهو
النص الموضَّح.
عرف المصنف البيان بقوله: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز
التجلي: يقال: في الإشكال هو الخفاء، والتجلي هو الظهور،
فيقال: بان الأمر وتبين، بمعنى اتضح وانكشف.
فالبيان إخراج، البيان إخراج، المبين هو النص، ما الذي يرد على
تعريف المصنف؟
طالب:. . . . . . . . .
يرد عليه النصوص البينة التي لا تحتاج إلى بيان، هل جميع
النصوص في أول الأمر مجملة تحتاج إلى بيان، أو فيها ما لا
يحتاج إلى بيان؟
نعم، في أمور واضحة لا تحتاج إلى بيان، فعندنا مجمل ومبين .. ،
أنتم معي يا إخوان وإلا .. ؟
فقول المصنف: البيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز
التجلي: أورد عليه بعضهم أنه لا يشمل التبيين ابتداءً قبل
تقرير الإشكال؛ لأنه ليس فيه إخراج من حيز الإشكال إلى حيز
التجلي، هذا إيراد على المؤلف، لكن هل يمكن أن يرد على المؤلف
أو لا يرد؟ تأملوا.
طالب: لا يرد.
لا يرد، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن هل المؤلف يعرف المبين مطلقاً، أو يعرف البيان للمجمل؟
نعم، يعرف الثاني، إذن لا إيراد؛ لأن بيان المجمل إخراج للمجمل
من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، فلا إيراد.
ثم قال: والنص ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً، وقيل: ما تأويله
تنزيله، وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي: النص في اللغة:
الظهور، مشتق -كما قال المؤلف- من منصة العروس، وهو الكرسي:
الذي تنص عليه العروس: أي ترفع لتظهر للناظرين.
والعروس يقال للرجل والمرأة معاً، هذا عروس وذاك عروس، هذه
عروس، وهذا عروس، زيد عروس ودعد عروس؛ ماداما في عرسهما، يعني
في أيام العرس، كما في القاموس.
قول المؤلف: مشتق من منصة العروس: النص
نوعه .. ، النص أيش نوعه؟ فعل وإلا اسم، اسم فاعل، اسم مفعول،
صفة مشبهة، صيغة مبالغة، وأيش يصير؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، مصدر، يقول: النص مشتق من منصة العروس، وإذا قررنا أنه
مصدر، المصدر أصل وإلا مشتق؟ أصل، وليس بمشتق، وهنا يقرر أنه
مشتق من منصة العروس، وفي قوله: مشتق من منصة العروس: مسامحة
-يعني تجوز-؛ لأن المصدر لا يشتق من غيره على الصحيح بل غيره
يشتق منه، فالمنصة مشتقة من النص، المنصة مشتقة من النص
–العكس- والنص لغة: الرفع، فإذا ظهرت دلالة اللفظ على معناه
كان ذلك في معنى رفعه على غيره.
فقوله: مشتق من منصة العروس: لم يرد به الاشتقاق الاصطلاحي؛
عرفنا أن الأصل في المشتقات كلها المصدر، ولذا يقول ابن مالك:
وكونه أصلاً لهذين انتخب: يعني الفعل والمشتق، اسم الفاعل اسم
المفعول- إيه، وكونه أصلاً لهذين انتخب، نعم، هذا رأي من؟
البصريين، عند الكوفيين العكس الأصل الفعل، لكن الأكثر على رأي
البصريين، وعلى هذا يراد به الاشتقاق الاصطلاحي أو لا؟ لا، لم
يرد به الاشتقاق الاصطلاحي، وإنما أراد مجرد الاشتراك في
المادة.
نظيره قول الفقهاء في البيع: إنه مشتق من الباع؛ لأن كل واحد
من المتبايعين يمد باعه، هل يريدون بهذا الاشتقاق الاصطلاحي؟
البيع مصدر، نعم، هل يريدون بهذا الاشتقاق الاصطلاحي؟
لا، إنما هذا تجوز ومسامحة، يريدون بذلك مطلق الاشتراك في أصل
المادة، وإلا فالأصل أن المصدر هو أصل الجميع.
عرف المصنف النص اصطلاحاً بقوله: ما لا يحتمل إلا معنىً
واحداً: هذا النص وعرفنا أن ما يحتمل معنيين على حد سواء هو
المجمل، إذا ترجح أحدهما فهو أيش؟
الظاهر، والمرجوح يقال له: المؤول، وهذا نظير ما يقال في
المعلوم، نعم، إما أن يحتمل النقيض أو لا، والذي لا يحتمل
النقيض إما أن يكون مع احتمال مساوٍ أو راجح أو مرجوح، فالذي
لا يحتمل النقيض هو العلم، والذي يحتمله مع رجحان الاحتمال
يقال له: الظن، ومع المرجوحية يقال له: الوهم، والمساواة يقال
لها: الشك، هذا قريب منه جداً.
ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً: في قوله
تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} [(3) سورة النساء]:
أيش معنى: {تَعُولُواْ} ا؟ نعم؟ من يقرأ الآية كاملة؟ هاه،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
اللي قبله.
طالب:. . . . . . . . .
{ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}: أيش معنى: {تَعُولُواْ}؟
طالب:. . . . . . . . .
وقيل: يكثر عيالكم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، كثرة العيال، أيش المعنى الصحيح في الآية، الآية محتملة
لمعنيين، المعنى الذي يراه الإمام الشافعي معناه: ألا تفتقروا
بكثرة العيال، لا تتزوج إلا واحدة؛ لئلا يكثر أولادك فتفتقر،
والمعنى الثاني: ألا تميلوا، المعنى الثاني هو المرجح عند أكثر
أهل العلم، والأول هو المرجح عند الشافعي، فعلى كل حال الذي
يظهر من نصوص الشريعة ومقاصدها أن كثرة العيال مطلوبة وإلا غير
مطلوبة في الشرع؟
مطلوبة، وهذا يرجح قول الأكثر على قول الإمام الشافعي.
ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً، وقيل: ما تأويله تنزيله: يعني
مجرد ما يسمع يُفهم، أي يفهم معناه بمجرد نزوله، ولا يتوقف
فهمه على تأويله كقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ
فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [(196) سورة
البقرة]: مثل بعضهم بهذا؛ هذا لا يحتمل من حيث العدد -ثلاثة
زائد سبعة يساوي عشرة- في أحد يقول: احتمال يصيروا إحدى عشر أو
تسعة؟! ولذا جاء بعد ذلك {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [(196)
سورة البقرة]، نعم هذا لا يحتمل غير هذا العدد فهو أيش؟ نص،
ليس لأحد أن يجتهد فيزيد أو ينقص -هذا بالنسبة إلى العدد- لكن
هناك إشكالات حول أيش؟ حول وقت الثلاثة، صام قبل الوقوف أو بعد
الوقوف ومتى؟ بعد الإحرام مباشرة؟ وهل يصوم يوم عرفة منها؟ أو
ينتظر إلى أيام التشريق؟
المقصود أن فيه .. ، ليس فيه بيان للوقت
إنما فيه إجمال للثلاثة في الحج، والسبعة إذا رجعتم، السبعة
أيضاً إذا رجعتم إذا تحقق رجوعكم إلى أهليكم، أو إذا شرعتم في
الرجوع؟ لأن الفعل الماضي رجع، يطلق ويراد به الفراغ من الشيء
((إذا كبر فكبروا)): إذا فرغ من التكبير كبروا، يطلق ويراد به
الشروع في الشيء: ((إذا ركع فاركعوا)): ما هو معناه إذا فرغ من
الركوع فاركعوا، نعم، يطلق ويراد به إرادة الشيء؛ هل معنى
قوله: {إِذَا رَجَعْتُمْ}: إذا أردتم الرجوع؟ كما في قوله:
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة]، قوله:
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة
النحل]، يعني إذا أردت القراءة، فهل معنى {إِذَا رَجَعْتُمْ}
مثل هذا إذا أردتم الرجوع؟ نعم؟
هذا إجمال، فيمكن أن يمثل بالآية الواحدة للمجمل وللمبين، نعم،
للنص وللظاهر في آن واحد مع انفكاك الجهة، ما يرد النص والظاهر
والمؤول في نص واحد من جهة واحدة، لا يمكن، لماذا؟ لأنها أمور
.. ، أيش؟ متعارضة، فلا يمكن أن تطلب في نص واحد، أو توجد في
نص واحد.
يقول الناظم:
والنص عرفاً لفظ وارد ... لم يحتمل إلا لمعنىً واحد
كـ (قد رأيت جعفراً) وقيل ما ... تأويله تنزيله فليعلما
يقول: تراءى لي جعفر، رأيت جعفراً: لا تشك في شخصه ولا في
اسمه، هل يقال مثلاً: إنك رأيت محمداً وإلا زيداً؟ احتمال؟
احتمال أن يكون زيد وإلا محمد؟ لا؛ أنت رأيت جعفراً.
ثم قال -رحمه الله-: والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من
الآخر، ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى ظاهراً بالدليل: أيش معنى
هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر، ويؤول الظاهر
بالدليل ويسمى ظاهراً بالدليل: عرفنا أن الاحتمال الراجح من
المعاني هو أيش؟ الظاهر، والمرجوح هو المؤول، وعرفنا أن ما
يحتمل هو المجمل، وما لا يحتمل هو النص.
الظاهر: عرفوه في اللغة بأنه الواضح، وقال بعضهم: البيِّن الذي
لا خفاء فيه، وعرفه المؤلف اصطلاحاً بأنه ما احتمل أمرين
أحدهما أظهر من الآخر: عندنا الأسد، إذا قلت: رأيت أسداً، كم
الاحتمالات الواردة في هذه اللفظة؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت إذا قلت أو قيل لك .. ، قال لك زميلك:
رأيت أسداً، كم يحتمل؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
احتمالين، واحد يقول ثلاثة، ما فيه رابع؟
طالب:. . . . . . . . .
قبل النظر في القرائن هذا النص ماذا يحتمل؟ وهناك احتمال راجح
واحتمال مرجوح، وإذا وجدت القرينة للمرجوح صار هو الظاهر،
والخالي عن القرينة يصير مؤول حينئذ، نعم؟
احتمالات ثلاثة، أظهر هذه الاحتمالات أنه أيش؟ الحيوان
المفترس؛ لأن هذه حقيقته، والحقيقة أظهر من غيرها، الاحتمال
الثاني أيش؟ الرجل الشجاع؛ لأن الشجاعة تظهر للناس، ويشبهون
الشجاع بالأسد، الاحتمال الثالث .. هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هو الكلام في الرؤية، في لفظ الأسد، الاحتمالات في
لفظ الأسد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الاحتمال الأول -وهو الظاهر-: الحيوان المفترس، الثاني: الرجل
الشجاع.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا لا، لا الاحتمال الثالث، مذكور ذكرناه مراراً في بعض
الدروس: الأبخر، أيش معنى الأبخر؟ الرجل الذي فيه بخر، أيش هو
البخر؟
نعم الرائحة الكريهة التي تنبعث من فمه، يقال له: أسد ليش؟ لأن
الأسد أبخر، فيشبه به من تنبعث منه الرائحة الكريهة من هذه
الحيثية، وهذا تشبيه فيه خفاء وغموض، فالتشبيه بالأسد في
الشجاعة والقوة أظهر من التشبيه به في الرائحة.
فعندنا ثلاثة احتمالات، احتمال أقوى، والاحتمال الثاني: مرجوح
لكنه أرجح من الاحتمال الثالث، فإن استبعدنا الاحتمال الأول،
دخل رجل وقال قائل: هذا أسد، هل يحتمل أن يكون حيواناً
مفترساً؟ لا يحتمل، انتهى الاحتمال الأول، يبقى عندنا احتمال
راجح ومرجوح، احتمال راجح أن يكون هذا الرجل شجاعاً مثل الأسد
واحتمال ثاني وهو مرجوح أيضاً أن يكون أبخراً -تنبعث منه روائح
كريهة كالأسد- وهذا ما أشار إليه المؤلف بأن المؤول قد يكون
ظاهراً بالدليل "ويؤول الظاهر بالدليل، ويسمى ظاهراً بالدليل":
يسمى المؤول ظاهراً بالدليل.
إذن عندنا الظاهر كما قال المؤلف: هو الاحتمال الأرجح، والمؤول
الاحتمال المرجوح، لكن في النصوص .. ، ما الواجب في تفسير
النصوص؟
حملها على الظاهر، ولا يلجأ إلى الاحتمال
المرجوح إلا لدليل يقتضيه، يمنع من إرادة الحقيقة -وهو الظاهر-
إذا وجد دليل يمنع، فلا بأس من حمله على المعنى المرجوح، وهذا
الاحتمال المرجوح هو الذي سلكه المبتدعة في تأويل الصفات، ففي
مثل قوله الله -جل وعلا-: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}
[(10) سورة الفتح]: الاحتمال الراجح، أنها اليد الحقيقية التي
تليق بالله -عز وجل- والاحتمال المرجوح أنها النعمة أو القوة،
أو القدرة، هذا احتمال مرجوح، كيف سلك المبتدعة هذا الاحتمال
وهو مرجوح وقدموه على الحقيقة؛ بحجة التنزيه لله -عز وجل- أن
تكون له يد جارحة، لماذا؟ لأنهم توهموا أنه لا يد إلا كـ (يد)
تشبه المخلوق، إلا يد تشبه يد المخلوق، فإذا قلنا: يد حقيقية
كما قال -عز وجل- عن نفسه، لكنها لا تشبه المخلوق؛ {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى]، تليق بجلاله وعظمته،
جمعنا بين التفسير بالاحتمال الراجح وهو الظاهر، ولم نسلك
الاحتمال المرجوح، ومع ذلكم لم نقع في المحظور.
طالب: هل يمكن أن نأخذ احتمالات. . . . . . . . .؟
المقصود أن فيه وجه شبه من الأسد، إذا وجد فيه وجه شبه من
الأسد لا بأس، نعم، ولذلك الألقاب .. ، الألقاب عند أهل الحديث
وغيرهم من صروف العلم، يوجد في كتب التراجم بحث يقال له:
الألقاب، وفي كتب مستقلة للألقاب، نزهة الألباب في الألقاب،
وغيرها من الكتب، تجد الشخص يلقب بأدنى مناسبة، نعم، فيحتاج
حمله على الاحتمال المرجوح إلى دليل يقتضي ذلك ويمنع من إرادة
الحقيقة، فلا يصح التأويل بمجرد الاحتمال، وإذا لم يوجد دليل
فالتأويل فاسد مردود؛ لأنه دعوى بلا برهان كتأويل المبتدعة
نصوص الصفات.
وإذا وجد الدليل المقتضي للتأويل صار ظاهراً بسبب الدليل، ولذا
قال المؤلف: "يسمى ظاهراً بالدليل"؛ لأن الظاهر نوعان، ظاهر من
جهة اللفظ وظاهر من جهة الدليل، الآن إذا وجد في المسألة أكثر
من قول لأهل العلم، ثم بحثت هذه المسألة بأدلتها ووجد أن بعض
الأقوال أرجح من بعض بالدليل؛ ألا يعبر العلماء: وهذا هو
الظاهر، أو هذا هو الأظهر؛ لقوة دليله؟ نعم، لقوة دليله.
وقد يكون من حيث اللفظ الثاني أظهر، وقد
يكون من جهة اللفظ الثاني أظهر، فالمعية -مثلاً- المعية
بالنسبة لله -عز وجل-.: الاحتمال الراجح هو طرد نصوص الصفات
على ظاهرها مع نفي توهم التشبيه -هذه القاعدة المطردة عند
السلف قاطبة في جميع الصفات- المعية قال أهل العلم: إن منها
معية النصر والتأييد وهي المعية الخاصة، والمعية العامة هي
معية أيش؟
العلم، {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [(40) سورة
التوبة]: يعني بنصره وتأييده -معية خاصة- {وَلَا أَدْنَى مِن
ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [(7) سورة
المجادلة]: بعلمه، هذا الاحتمال الراجح وإلا المرجوح؟ طرداً
للباب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نقرر المسألة على أصولها: هذا الاحتمال الراجح وإلا الاحتمال
المرجوح؟ في الأصل، في الأصل يعني؟ يعني إذا أولت المعية
بالعلم هذا الاحتمال الراجح؟
الاحتمال المرجوح، لكن ما الذي اضطرنا أن نعدل عن الاحتمال
الراجح إلى المرجوح؟
الدليل؛ إجماع السلف على هذا، السلف قاطبة قالوا: المعية هنا
العلم، ولا يعرف لهم مخالف، يعني لولا وجود الإجماع من السلف
لطردنا الباب، وحينئذ تكون معية حقيقية ذاتية -كما قال بعض أهل
العلم- والمسألة عرفت وانتشرت واشتهرت نعم، ولولا انتشارها
ووجود من يقول بذلك كان إخفائها بعد عن صغار المتعلمين أولى،
نعم، أقول: الاحتمال المرجوح لجأنا إليه بالدليل، يعني هل لنا
أن نفسر النصوص بتفسير يخالف ما اتفق عليه سلف هذه الأمة؟ ليس
لنا ذلك، ليس لنا ذلك، نعم لنا أن نختار من أقوالهم إذا
اختلفوا ما نرجحه بالدليل، أما أن نحدث تفسيراً جديداً غير ما
قالوا به، ونقل عنهم وأثر عنهم ليس لنا ذلك فنقول: المراد
بالمعية هنا العلم، وهو الظاهر من اللفظ بالدليل؛ لأن الظهور
أحياناً يكون من جهة اللفظ، وأحياناً يكون من جهة الدليل.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
والظاهر الذي يفيد ما سمع ... معنىً سوى المعنى الذي له وضع
كالأسد اسم واحد السباع ... وقد يرى للرجل الشجاع
والظاهر المذكور حيث أشكلا ... مفهومه فبالدليل أولاً
وصار بعد ذلك التأويل ... مقيداً في الاسم بالدليل
بعد هذا الأفعال.
الأفعال:
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: فعل صاحب
الشريعة: فالأفعال جمع واحدها فعل، وفعل صاحب الشريعة أحد وجوه
السنن، وقسم من أقسام الحديث والسنة؛ لأن الحديث -ويرادفه
السنة- ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل
أو تقرير أو وصف، والمؤلف هنا ذكر الفعل والتقرير.
جرت عادة الأصوليين جمع وجوه السنن كلها القول والفعل والتقرير
.. ، الوصف يذكرونه في كتب الأصول وإلا ما يذكرونه؟ ما
يذكرونه؛ لأنه لا يتعلق به مباحث تتعلق بالمكلفين، إنما الوصف
هاه؟ الشمائل، نعم؟
وصفه -عليه الصلاة والسلام- أوصافه الذاتية، للمكلف فائدة من
ذكره في أصول الفقه وإلا ما له فائدة؟
هو أحد وجوه السنن وفيه كتب الشمائل، فيه كتب الشمائل يحتاج
المكلف منه ما يدخله الاختيار، دون ما هو محض إجبار، أيش معنى
هذا الكلام؟
إذا ذكروا في الشمائل طول النبي -عليه الصلاة والسلام- وعرضه
بعد منكبيه، كان شثن الكفين، ضليع الفم، حينما يذكر هذا هل
للمكلف أن يقتدي به ويقلده في هذه الأمور؟
هذه أمور جبرية خلقية، نعم، ليس للإنسان مناص، كونه طويل، أزهر
اللون، ماذا يعني المكلف من هذا؟ نعم، أوصافه تدخله في قلب
السامع، بلا شك؛ لأنها أوصاف كمال بشري، نعم، يستفيد منها
المكلف من هذه الحيثية، أما من حيث الاقتداء فلا، نعم أوصافه
-عليه الصلاة والسلام- التي يدخلها الاختيار كث اللحية، يحتاج
المكلف إلى مثل هذا، لماذا؟ لئلا يتعرض للحيته بشيء، فنحتاج من
الشمائل الأنواع الجبلي الجبري، وأيضاً الاختياري، وهذا موضوعه
الشمائل.
عندنا القول وهو الأصل في الباب، وهو الذي له العموم -كما قرر
أهل العلم- والفعل كما قالوا: لا عموم فيه؛ لأن العموم من خواص
القول، ويذكر أيضاً التقرير، فالأصوليون يبحثون في مباحث السنة
القول والفعل والتقرير، وهنا المؤلف قدم الفعل والتقرير،
والأصل أن تجمع وجوه السنن من قول أو فعل أو تقرير في مبحث
مستقل، كما يصنعه كثير من الأصوليين.
والمؤلف هنا أردف الأفعال ذكر الأفعال
وأردفها بالإقرار وكان الأولى بالمصنف جمعها كغيرها، كغيره؛
لأن التفريق تشتيت للدارس، يعني لما الطالب يدرس الأفعال
والتقرير ثم تترك السنة إلى مباحث أخرى، نعم، تشتيت للدارس لا
سيما المبتدئ الذي من أجله أُلِّفت هذه الورقات.
هنا يقول: فعل صاحب الشريعة: يعني النبي -عليه الصلاة والسلام-
مفاده أن فيه تفصيل، مفاد كلامه أن فعل النبي فيه تفصيل؛ لأنه
لا يخلو إما أن يكون فعل هذا الفعل على وجه القربة والطاعة
-والقربة والطاعة بمعنى واحد- أو لا يكون -يعني فعله- على وجه
القربة والطاعة؛ إن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل عملاً
هذا العمل متقرباً به إلى الله -عز وجل- هذا له حكم، إذا كان
فعله لا على وجه التقرب والطاعة هذا له أيضاً حكم، فإن كان على
وجه القربة والطاعة، فلا يخلو إما أن يدل الدليل على كونه من
خصائصه -عليه الصلاة والسلام- أو لا يدل الدليل على الاختصاص،
فإن دل الدليل على كونه من الخصائص، لا بد من الدليل للحكم
بالخصوصية، إن دل الدليل على كونه من الخصائص كجمعه بين أكثر
من أربع نسوة، ووصاله في الصيام، حمل على ذلك، نقول: هذا خاص
بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في قضاء فائتة راتبة الظهر
بعد صلاة العصر ما يدل على أنه من خصائصه، فإذا دل الدليل
قلنا: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولا نقتدي به فيه.
يعني لو قال شخص: الرسول -عليه الصلاة والسلام- تزوج اثنا عشر،
ومات عن تسع وأنا أريد أن أقتدي، نقول: لا؛ هذا من الخصائص؛ دل
الدليل على أنه من الخصائص، لكن إذا كان مجرد الحكم بأنه من
الخصائص، مجرد استرواح وميل ودفع تعارض بين نصوص، هل يكفي أن
يحكم بأنه من الخصائص، أو لا بد أن يدل الدليل على أن هذا من
الخصائص؟ فمثلاً: كشف الفخذ في الصحيح من حديث أنس: "حسر النبي
-عليه الصلاة والسلام- عن فخذه"، وجاء في حديث جرهد: ((غطِّ
فخذك؛ فإن الفخذ عورة)) نعم؟ قالوا: حسر الفخذ من خصائصه -عليه
الصلاة والسلام- بدليل أنه أمر غيره بتغطية الفخذ، يكفي لأن
يحكم بأن هذا من الخصائص؟ يكفي مثل هذا الرفع للتعارض بين
النصين أن نقول: هذا من الخصائص، أو لا يكفي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قال به جمع من أهل العلم، قالوا: هذا من الخصائص؛ لرفع التعارض
بين النصوص.
نقول: تغطية الفخذ أكمل أو حسره أكمل -بالنسبة للبشر- أيهما
أكمل؟
التغطية أكمل، الستر أكمل، كل كمال يطلب من الأمة النبي -عليه
الصلاة والسلام- أولى به، لا يمكن أن يتصور أن يطلب من الأمة
كمال أكمل من نبيها -عليه الصلاة والسلام- ظاهر وإلا ما هو
بظاهر؟
يعني حينما يقال في النهي عن استقبال الكعبة واستدبارها ببول
أو غائط: جاء النهي: ((لا تستقبلوا ولا تستدبروا ولكن شرقوا أو
غربوا))، فيأتي حديث ابن عمر قبل أن يقبض النبي -عليه الصلاة
والسلام- بعام ويرى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقضي حاجته
مستدبراً الكعبة، يقول بعضهم: هذا من خصائصه -عليه الصلاة
والسلام- والنهي للأمة وهو له أن يفعل ذلك، نقول: احترام
وتعظيم شعائر الله –كالكعبة- كمال وإلا نقص؟
كمال، إذن النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، وإن قال بعض
أهل العلم: إن هذا من الخصائص، ظاهر وإلا ما هو بظاهر، إذن
نبحث عن جمع آخر في النصين وهكذا.
وإن لم يدل الدليل على الاختصاص به -عليه الصلاة والسلام-
كالتهجد وصيام النوافل وغير ذلك من أفعاله -عليه الصلاة
والسلام- فالأصل الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- والائتساء،
كما قال -جل وعلا-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب]: أي قدوة صالحة،
والإسوة والأُسوة -بكسر الهمزة وضمها- لغتان قرئ بهما في
السبعة.
اختلف العلماء في مقتضى الفعل المجرد عن القول: مقتضى الفعل،
النبي -عليه الصلاة والسلام- عمل عملاً -فعل فعلاً- على وجه
القربة والطاعة، وقلنا: إن هذا يقتدى به -عليه الصلاة والسلام-
في هذا الفعل، يقتدى به لكن على سبيل الوجوب أو على سبيل
الندب؟
إذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلاً
على سبيل التقرب إلى الله -عز وجل- والطاعة عرفنا أنه يُقتدى
به؛ لقول الله -جل وعلا-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}: أما إذا فعل الفعل لا على وجه
القربة والطاعة فلا يقتدى به فيه -عليه الصلاة والسلام- على ما
سيأتي تفصيله في كلام الشوكاني، وإن عمله ابن عمر رضي الله
تعالى عنه.
ابن عمر -رضي الله عنهما- في هذا الباب لم يتابع عليه، على
فعله، فعل أفعالاً اقتدى بها في النبي -عليه الصلاة والسلام-
وهي مجرد أفعال عادية، يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لا
على سبيل التقرب، وذكر ابن عبد البر وغيره عنه أنه كان يكفكف
دابته من أجل أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ أن تطأ أقدامها على موطئ أقدام دابة النبي -عليه الصلاة
والسلام- هذا من شدة اقتدائه وائتسائه بالنبي -عليه الصلاة
والسلام- لكنه لم يوافق على ذلك، لم يوافق على ذلك، أي مكان
يبيت فيه أو يجلس فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- يذهب إليه
ويجلس فيه، وكبار الصحابة -علماؤهم فقهاؤهم سلف الأمة قاطبة-
لم يفعلوا مثل هذا الفعل، فدل على أنه ليس بمحلٍ للائتساء ولا
للاقتداء.
على كل حال إذا كان فعله -عليه الصلاة والسلام- على سبيل
القربة والطاعة -وهو الذي يهمنا- هل اقتداؤنا به على سبيل
الوجوب واللزوم، أو على سبيل الاستحباب؟
العلماء اختلفوا في مقتضى الفعل المجرد عن القول، فذهب جمع من
أهل العلم إلى أنه يحمل على الوجوب في حقه -صلى الله عليه
وسلم- وفي حقنا؛ لأنه الأحوط.
فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلاً متقرباً به إلى الله
-عز وجل- لا بد أن تفعل، إن لم تفعل أثمت، قالوا: هذا هو
الأحوط في حقنا، وبذلك قال مالك وبعض الشافعية ورواية عن
الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- دليلهم قوله تعالى: {وَمَا
آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [(7) سورة الحشر].
واستبعد إمام الحرمين هذا القول في البرهان
وحملوا الآية: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} على
الأمر، يعني ما أمركم به النبي -عليه الصلاة والسلام- فخذوه؛
بدليل: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [(7) سورة الحشر]،
{مَا آتَاكُمُ}: يعني أمركم به، ما أمركم به؛ بدليل المقابل،
{وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.
ذهب بعض العلماء إلى أنه يحمل على الندب، وهو قول أكثر الحنفية
والظاهرية وبعض الشافعية ورواية عن أحمد، ورجحه إمام الحرمين
في البرهان، والغزالي في المنخول، والشوكاني في إرشاد الفحول.
وذهب جمع من أهل العلم إلى التوقف؛ لعدم معرفة المراد ولتعارض
الأدلة، لعدم معرفة المراد حينما فعل النبي -عليه الصلاة
والسلام- هذا الفعل متقرباً به إلى الله -عز وجل- ولم يأمر به،
لم يأمر به، ولم يثبت لنا دليل يدل على أنه من خصائصه -عليه
الصلاة والسلام- بل فعله على سبيل القربة والطاعة، وقلنا: إن
هذا هو محل اقتداء وائتساء، لكن ليس فيه أمر، ولو كان واجباً
لطلبه النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اكتفى بفعله، وهذه حجة
من يقول بأنه .. ، بأن الفعل المجرد عن القول إنما هو للندب.
وذهب بعض أهل العلم إلى التوقف؛ لعدم معرفة المراد، بعض أهل
العلم يقول: نتوقف؛ لأننا لا ندري هل هو للوجوب أو للندب،
وصرنا لا ندري نفعل وإلا ما نفعل، يقول: نتوقف حتى نجد دليلاً
يدل أنه للوجوب، أو يدل على أنه للندب.
لكن أقل الاحتمالات أنه على الندب، والندب مطلوب الفعل أو
مطلوب الترك؟
مطلوب الفعل، إذن لا وجه للتوقف هنا، ولذا يقول الشوكاني:
وعندي أنه لا معنى للوقف في الفعل الذي قد ظهر فيه قصد القربة؛
فإن قصد القربة يخرجه عن الإباحة إلى ما فوقها والمتيقن مما
فوقها الندب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وما فعله النبي -صلى الله عليه
وسلم- على وجه التعبد فهو عبادة يشرع التأسي به فيه، فإذا خص
زماناً أو مكاناً بعبادة كان تخصيصه تلك العبادة سنة" [هذا
كلام شيخ الإسلام].
وإن كان فعله -عليه الصلاة والسلام- على وجه القربة والطاعة ..
، على غير وجه القربة والطاعة .. ، انتهينا مما يقصد به التقرب
من قبله -عليه الصلاة والسلام- جاء الاحتمال الثاني.
الاحتمال الثاني: وهو فعل النبي -عليه
الصلاة والسلام- لا على وجه القربة والطاعة، كالقيام والقعود
والأكل والشرب والنوم، هذا يحمل على الإباحة في حقه وفي حقنا،
ويستوي في ذلك الأفعال الجبلية -التي منها القيام والقعود
والأكل والشرب وما فعله -عليه الصلاة والسلام- موافقاً
للعادات، اللي يسمونها التقاليد كلباسه -عليه الصلاة والسلام-
فكلها من نوع المباح؛ الآن الألبسة مما يتعبد بها أو هي راجعة
إلى الأعراف والتقاليد؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ورد فيه النص عبادة، يعني ما ورد النص بتحديده كلونه وطوله
هذا عبادة لا يجوز أن نتعداها، وما لم يرد فيه النص يرجع فيه
إلى العرف، ولذا لم يغير النبي -عليه الصلاة والسلام- لباسه عن
لباس قومه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو إذا لم تكن المخالفة موقعة في شهرة –مثلاً- فلا بأس؛
لأن المسألة .. ، الألبسة أعراف وعادات، نعم؟
طالب: إذا تبين لك أن هذا الفعل على وجه القربة. . . . . . . .
. ونجعل هذا الأصل في أفعاله أم العكس؟
تعمل بالأحوط حينئذ، حينئذ تعمل بالأحوط، ما لم يوقعك هذا
الاحتياط في فعل محظور أو يجر إلى محظور، أو يجرك إلى ترك
مأمور، حينئذ تعمل بالأحوط، ما لم يجرك هذا الاحتياط إلى فعل
محظور أو ترك مأمور، وحينئذ يكون الاحتياط في ترك هذا
الاحتياط.
عُلم مما ذكره المصنف انحصار أفعاله -عليه الصلاة والسلام- في
الوجوب والندب والإباحة فلا يقع منه -صلى الله عليه وسلم-
محرم، لا سيما بعد البعثة؛ لأنه معصوم، ولا مكروه، ولا خلاف
الأولى على خلاف في ذلك، فإن خلاف الأولى وقع وإلا ما وقع؟
يفعل خلاف الأولى لبيان الجواز، يفعله تشريعاً لبيان الجواز؛
لئلا يحمل الأمر على الوجوب، أو الفعل على ذلك.
الشوكاني قسم أفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى سبعة
أقسام، في إرشاد الفحول ماذا يقول؟
يقول: "البحث الرابع: في أفعاله -صلى الله عليه وسلم-: اعلم أن
أفعاله -صلى الله عليه وسلم- تنقسم إلى سبعة أقسام: القسم
الأول: ما كان من هواجس النفس والحركات البشرية، كتصرف الأعضاء
وحركات الجسد، فهذا القسم لا يتعلق به أمر باتباع، ولا نهي عن
مخالفة، وليس فيه أسوة، ولكنه يفيد أن مثل ذلك مباح .. ".
|