شرح الورقات في أصول الفقه

شرح متن الورقات في أصول الفقه (11)
تعارض الأدلة والجمع بينها - تعريف الإجماع وبيان أقسامه
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

فالآية الأولى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(3) سورة النساء] بعمومها تشمل الأختين، والثانية: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء] بعمومها تشمل ملك اليمين، الآية الأولى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} شاملة للأختين وغيرهما، لكنها خاصة بملك اليمين، والآية الثانية: عامة في ملك اليمين والحرائر من الزوجات، لكنها خاصة بالأختين، ويمكن أن يجعل هذا المثال للصورة الأخيرة، وهو العموم والخصوص الوجهي، ولذا توقف كثير من أهل العلم للتوفيق بين هاتين الآيتين، لماذا؟ حتى قال قائلهم: أحلتهما آية وحرمتهما آية، أحلتهما: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(3) سورة النساء]، وحرمتهما: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء]، وعلى كل حال يمكن يرجح التحريم؛ لأنه أحوط؛ والأبضاع الاحتياط لها مطلوب.
إن علم التاريخ نسخ المتقدم بالمتأخر -كما تقدم في مبحث الأسبوع الماضي- ومثال ذلك آيتي المصابرة، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها))، والعلم بالتاريخ ((كنت نهيتكم)) فافعلوا، واضح، ومثله أيضاً ما جاء في آية المصابرة {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ} [(66) سورة الأنفال].
الحالة الثانية: أن يكون التعارض بين نطقين خاصين متساويين في الخصوص، ومثال ذلك: حديث جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر يوم النحر بمكة، قصة جابر، قصة أو حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- مخرجة في الصحيح -صحيح مسلم-: "صلى الظهر يوم النحر بمكة"، وحديث ابن عمر -وهو أيضاً صحيح- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها بمنى، تعارَض نطقان وإلا فعلان؟
طالب:. . . . . . . . .


صحيح، نطقان، في حديث جابر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر يوم النحر بمكة، وحديث ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها بمنى، وكلاهما في الصحيح، يقول النووي: ووجه الجمع بينهما أنه -عليه الصلاة والسلام- طاف للإفاضة قبل الزوال، ثم صلى الظهر بمكة، يعني على مقتضى ما جاء في حديث جابر في أول وقتها، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حينما سألوه ذلك.
إن لم يمكن الجمع وعلم التاريخ فالثاني ناسخ، كما في قوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [(50) سورة الأحزاب]، مع قوله -جل وعلا-: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [(52) سورة الأحزاب]، فالثانية لا شك أنها ناسخة للأولى، نعم؟
طالب: .... كلام النووي ... ؟
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مثل ما كان معاذ يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يصلي بقومه، فيه إشكال؟ فيه مشكلة؟
طالب:. . . . . . . . .
نافلة إيه، لذا يختلفون في صلاة المفترض خلف المتنفل، يقول الناظم من الاختيارات:

وعند أبي العباس ذلك جائز ... لفعل معاذ مع صحابة أحمد
يصلي بهم نفلاً وهم ذوو فريضة ... وقد كان قد صلى الفرض خلف محمد
المقصود أن المسألة ما فيها إشكال؛ كونك تصلي فريضة، ثم تعيدها نافلة عند قومك أو معهم ما فيه إشكال، ((إذا صليتما في رحالكما))، ثم جئت والجماعة قد صلوا صلي معهم ما فيه إشكال.
إن لم يمكن الجمع ولا عرف التاريخ فالترجيح.
الترجيح: زواج النبي -عليه الصلاة والسلام- بميمونة -ميمونة بنت الحارث- في الصحيح من حديثها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو حلال، ومن حديث أبي رافع كذلك، نعم؟ وأيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
حديث ميمونة، تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حلال، من حديثها ومن حديث أبي رافع، لكن ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- زوجها وهو محرم، تزوجها وهو محرم".


هنا الترجيح، رجح أهل العلم حديث ميمونة وحديث أبي رافع على حديث ابن عباس؛ لأن ميمونة صاحبة القصة -صاحبة الشأن- الإنسان يضبط ما يتعلق به أكثر من ضبطه لما يتعلق بغيره، فميمونة صاحبة الشأن لا شك أنها تضبط هذه القصة أكثر من ضبط ابن عباس، وأبو رافع كان السفير بينهما -بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وميمونة- الرسول، سفير بينهما، ورافع سفير بينهما -يعني رسول أرسله النبي -عليه الصلاة والسلام- يخطبها- فالمقصود أنه له علاقة بالقصة، فحديث ميمونة وما يشهد له من حديث أبي رافع مرجح.
أوجه الترجيح كثيرة جداً، يعني يرجح أهل العلم أحياناً بأدنى مرجح؛ قد يحتاج إلى أدنى مرجح لماذا؟ لرفع التعارض بين النصوص، ولذا كثرت المرجحات عند أهل العلم.
الحازمي في (مقدمة الاعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار)، ذكر خمسين وجهاً من وجوه الترجيح، خمسين وجهاً من وجوه الترجيح.
وأوصلها الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- إلى المائة، لكن السيوطي حصرها في ثمانية أقسام، وجعل تحت كل قسم فروع، أقسام رئيسية؛ لتكون القسمة حاصرة يسهل يعني ضبط هذه الأقسام وهذه الأوجه بالأقسام الرئيسية، ثم ما تفرع عنها، وأحياناً نحتاج إلى الترجيح بالقشة؛ لأن الترجيح مهما كان ضعفه أولى من التوقف، على أن من أهل العلم من يستروح ويميل إلى العمل بالنصين معاً، يعمل بهذا أحياناً وبهذا أحياناً إذا خفي الترجيح، وبعضهم يتوقف، هذا إذا أمكن العمل بالنصين، أما إذا لم يمكن العمل بأن كان التعارض كلياً فإنه حينئذ لا يلجأ لمثل هذا.
إذا كان التعارض بين نطقين أحدهما عام والآخر خاص هذا ما فيه إشكال، ما في إشكال في هذه الحالة، ونؤكد على مسألة التعارض؛ لأنه قد يذكر العام ويأتي نص خاص موافق له في الحكم، هذا ما نحتاج إلى كبير عمل، ما نحتاج إلى أي عمل بالنسبة لهذا؛ لأن التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص لعدم وجود التعارض.


إذا تعارض نطقان أحدهما عام والآخر خاص، يعني عموم وخصوص كلي، حينئذ يخص العام بالخاص، ولذا يقول: وإن كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً فيخصّ العام بالخاص: مثلوا لذلك بحديث ((فيما سقت السماء العشر))، ((فيما سقت السماء العشر)) [الحديث متفق عليه]: وهو عام في القليل والكثير مما تخرجه الأرض، يخصصه حديث: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) [وهو أيضاً متفق عليه]
من أمثلته: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة]: السارق: جنس يطلق على من أخذ من مال غيره خفية، حتى قال بعضهم: من حرز، لا يعني أن هذا الكلام .. ، أن الحرز ليس بشرط، لا، شرط، لكن قال بعضهم: إن الحرز يؤخذ من لفظ السرقة، السرقة يقولون: من مفهومها الأخذ بخفية من حرز، لكن ليس من مفهومها النصاب، فالمسروق يشمل القليل والكثير، يخصصه حديث: ((لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً)) هذا خاص لما يبلغ النصاب.
الحالة الرابعة: وهي التي تحتاج إلى مزيد بحث وعناية وانتباه، وهي فيما إذا كان التعارض بين نصين بينهما عموم وخصوص وجهي.
يقول: وإن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه، فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر: هذه آخر الصور، وهي أعقدها، فتحتاج إلى مزيد انتباه، نعم عرضنا لها في مناسبات كثيرة، ومثلنا لها ونظَّرنا، لكنها تحتاج إلى مزيد انتباه؛ لأنها من أعقد مسائل الأصول.
أيش يقول المؤلف؟
وإن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه، فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر: عندنا في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة]، هذا عام في كل متوفىً عنها، سواءً كانت حاملاً أو غير حامل، سواءً كانت حاملاً أو حائلاً، لكنه خاص بالمتوفى عنها.
عموم هذه الآية في شمولها كل متوفىً عنها من حامل وحائل، وخصوص هذه الآية يكمن في كون هذه المرأة متوفىً عنها لا غير.


مع قوله -جل وعلا-: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق]، هذه الآية عامة في كل مفارقة، سواءً كان الفراق بسبب الطلاق أو الوفاة، لكنه خاص بأولات الأحمال، ظاهر ما بين النصين من التعارض؟ ظاهر ما بينهما من العموم والخصوص؟
يعني إذا جاءك شخص قال: إن أباه توفي نعم، وترك أمه وهي حبلى، يعني لو قلت: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} في أحد بينتقدك؟ لأنك استدللت بنص قطعي بالآية، هذه متوفىً عنها يلزمها أن تتربص أربعة أشهر وعشراً، يعني لو لم يرد في الباب إلا هذه الآية، نعم، لكن للطرف الآخر أن يقول: لا يا أخي يقول الله -جل وعلا-: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، والآية الأولى تتناول كل متوفىً عنها، وهذه المذكورة في السؤال فرد من أفراد من توفي عنهن، كما أنها فرد من أفراد الآية الثانية -أولات الأحمال-؛ لأنها حبلى –حامل- ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
يعني ليس استدلال من استدل بالآية الأولى أولى بالقبول ممن استدل بالآية الثانية، وهنا يكمن الصعوبة في مثل هذه الصورة.
تفضل أذِّن.
أقول: هذه المسألة تحتاج إلى مزيد انتباه؛ الآية الأولى تدل على أن كل متوفىً عنها تتربص أربعة أشهر وعشر ليال، وتشمل بعمومها الحامل وغير الحامل، لكنها خاصة بالمتوفى عنها، والآية الثانية تشمل كل مفارقة سواءً كانت بمفارقة أو طلاق، لكنها خاصة بأولات الأحمال.
هنا عموم وخصوص وجهي، ماذا يقول المؤلف؟
فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر: يخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر: أنا لا أستوعب مثل هذا الكلام، كيف يخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر؟
الآن التساوي من كل وجه، التساوي من كل وجه، فإذا خصصنا عموم الآية الأولى بخصوص الآية الثانية قال لنا الطرف الآخر: لا يا أخي، لماذا لا نخصص عموم الآية الثانية بخصوص الآية الأولى؟
ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ إذن نحتاج إلى أيش؟


مرجح خارجي من غير النصين، نحتاج إلى مرجح خارجي من غير هذين النصين؛ لأننا كوننا نرجح خصوص عموم الآية الأولى بخصوص الآية الثانية والعكس ما سوينا شيئاً، ما يمكن في مثل هذا المثال الذي بين أيدينا، إذا قال لك شخص: والله هذه زوجة متوفىً عنها وحامل، لا بد أن تمكث أربعة أشهر وعشراً؛ لأن الآية الأولى تدل على ذلك، هي متوفىً عنها لا بد أن تمكث أربعة أشهر وعشراً، يقول لك الثاني: لا، هذه ذات حمل، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}: هذا خاص بذوات الأحمال، نقول: فيه عموم من وجه آخر، وهو أنه شامل للمتوفى عنها والمطلقات.
إذن نحتاج إلى مرجح خارجي، يعني لوجود مثل هذا التعارض قال بعضهم: المتوفى عنها الحامل تعتد بأيش؟
بأقصى الأجلين؛ لتخرج من العدة بيقين، يعني لو بعد شهر ولدت تخرج من العدة؟
على هذا الكلام ما تخرج حتى تمكث أربعة أشهر وعشراً، إذا ولدت بعد سبعة أشهر تخرج من العدة إذا أكملت أربعة أشهر وعشراً؟
لا، حتى تضع الحمل؛ قيل بذلك، ثم ارتفع هذا الخلاف وأجمع أهل العلم على أن الحامل المتوفى عنها تخرج من العدة بأيش؟ بوضع الحمل؛ والمرجح حديث سبيعة، حديث سبيعة الأسلمية -وهو في الصحيحين- حديث سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدراً فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته -يعني بيسير- فلما تعلت من نفاسها تجملت للخُطَّاب، فدخل عليها أبو السنابل ابن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة، لعلك ترجين للنكاح، والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشراً، قالت سبيعة: "فلما قال لي ذلك، جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي"، هذا مرجح لأيش؟
لكون الحامل المتوفى عنها كالمطلقة، فتخرج من عموم: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} لهذا الحديث الخاص، فاحتجنا إلى مرجح خارجي.


يقول ابن دقيق العيد -وهذا الكتاب الذي يشرح فيه ابن دقيق العيد العمدة خير ما يتمرن عليه طالب العلم في ربط الفروع بالأصول -يعني هذا الكتاب -صحيح فيه صعوبة، الكتاب فيه صعوبة، لكن فائدته عظمى، يعني الذي ينفق عليه وقتاً طويلاً ويفهمه، يستفيد فائدة لا تقدر؛ فيه كلام لا يوجد في المطولات، حواشي الصنعاني عليه أيضاً نافعة، لكن العبرة بكلام ابن دقيق العيد- اسمعوا ما يقول ابن دقيق العيد: في الحديث دليل على أن الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل أي وقت كان، وهو مذهب فقهاء الأمصار، وقال بعضهم من المتقدمين: إن عدتها أقصى الأجلين، فإن تقدم وضع الحمل على تمام أربعة أشهر وعشراً انتظرت تمامها، وإن تقدمت الأربعة الأشهر والعشر على وضع الحمل انتظرت وضع الحمل، وقيل: إن بعض المتأخرين من المالكية: اختار هذا المذهب، وهو سحنون.
وسبب الخلاف: تعارض عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} الآية، مع قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}؛ فإن كل واحدة من الآيتين عام من وجه، وخاص من وجه، فالآية الأولى: عامة في المتوفى عنهن أزواجهن، سواء كن حوامل أم لا، والثانية: عامة في أولات الأحمال، سواء كن متوفى عنهن أم لا.
ولعل هذا التعارض هو السبب لاختيار من اختار أقصى الأجلين؛ لعدم ترجيح أحدهما على الآخر: لا يمكن الترجيح، وذلك يوجب أن لا يرفع تحريم العدة السابق إلا بيقين الحل، وذلك بأقصى الأجلين، غير أن فقهاء الأمصار اعتمدوا على هذا الحديث -حديث سبيعة- يعني فجعلوه مرجحاً؛ فإنه تخصيص لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} مع ظهور المعنى في حصول البراءة بوضع الحمل. [هذا كلامه في هذه المسألة وهو ظاهر].


نأتي إلى مسائل أخرى تزيد هذه الصورة وضوحاً، تزيد هذه الصورة وضوحاً، وإن كنا بسطناها في مواضع، لكن ما يمنع أننا نعيدها للمناسبة: عندنا أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة -وأنا أعرف أن بعض الإخوان يملّ مثل هذا الكلام لكثرة ما أعدناه في مناسبات كثيرة؛ يرد في الفقه ويرد في الحديث، ويرد في كل كتاب من كتب السنة، ويرد في مثل هذا الموضع، لكن هذه مناسبته- أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة، مع ما جاء فيما يخص ذوات الأسباب.
أحاديث النهي: منها حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا"، فذكر الأوقات الثلاثة المضيقة: "حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب"، هذه ثلاثة أوقات، مع النهي عن الصلاة بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب، فالأوقات خمسة، مثل هذه الأحاديث التي تنهى عن الصلاة في هذه الأوقات معارض بمثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وهناك أحاديث أخرى فيها الصلاة في هذه الأوقات.
أحاديث النهي فيها عموم وفيها خصوص، أحاديث ذوات الأسباب، ونمثلها بتحية المسجد فيها عموم وخصوص، عموم وخصوص وجهي، أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، خاصة في هذه الأوقات، أحاديث ذوات الأسباب عمومها في الأوقات، خصوصها في الصلوات.


الأئمة الثلاثة -أبو حنيفة ومالك وأحمد- مذهب المالكية والحنفية والحنابلة عملوا بأحاديث النهي، ومنعوا من التطوع في هذه الأوقات مهما كان سبب الحمل على ذلك –وأقول: التطوع؛ لأن الفرض خارج من الخلاف- الشافعية في مقابل الثلاثة عملوا بخصوص أحاديث ذوات الأسباب في مقابل عموم أحاديث النهي، فإذا قال الحنفي أو المالكي أو الحنبلي: أحاديث النهي خاصة، وأحاديث ذوات الأسباب عامة -وله أن يقول ذلك؛ لأن فيها عموم وخصوص- يقول له الطرف الأخر: أحاديث ذوات الأسباب خاصة، يعني في هذه الصلوات، وهي عامة في الأوقات، فليس قبول قول أحدهما بأولى بالقبول من قول الآخر؛ هما قولان متكافئان من كل وجه من حيث النصوص، العموم والخصوص وجهي، ظاهر التعارض وإلا ما هو بظاهر؟ ظاهر؟
يعني للحنفي أو الحنبلي أو المالكي أن يقول: أحاديث ذوات الأسباب عامة، وأحاديث النهي خاصة، وكلامه صحيح؛ أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، للطرف الآخر –الشافعي- يقول: العكس أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات، وليس قول أحدهما بأولى بالقبول من الآخر، وعرفنا السبب أن العموم والخصوص وجهي، وبهذا نعرف أن من يتعرض لبحث هذه المسألة ويقول: عموم وخصوص، والخاص مقدم على العام، ويأتي يتنفل في أي وقت هذا كلام فيه ما فيه.
أقول: في الطرفين عموم وخصوص، ولا يمكن التوفيق بين هذه النصوص إلا بمرجح خارجي، يعني إذا أردنا أن نسلك ما قاله المؤلف، نخصص عموم أحدهما بخصوص الآخر، كيف نخصص عموم أحدهما؟ يمكن؟ ما يمكن، إذن لا بد من مرجح خارجي، هناك في المسألة الأولى طلبنا مرجحاً خارجياً فوجدنا حديث سبيعة.
هنا نحتاج إلى مرجح خارجي، الذين يمنعون من إيقاع النوافل في هذه الأوقات ولو كانت ذوات أسباب يقولون: الحظر مقدم على الإباحة، أنت أمرت بالصلاة إذا دخلت المسجد، لكن من الذي نهاك عن الصلاة في هذه الأوقات؟ أليس هو الذي أمرك؟


يقولون: الحظر مقدم على الإباحة، لا شك أن النهي ويلتحق به قواعد: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فعلى هذا نترك المحظور، وإن ترتب عليه ترك مأمور؛ لأنه في الحديث الصحيح: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))، فلا شك أن القائل: بأن الحظر مقدم على الإباحة يوافق عليه الشافعية، وبهذا يرجح قول الأئمة الثلاثة، وهو أن الداخل إلى المسجد لا يتنفل في الأوقات الخمسة، من هذه الحيثية رجحوا بهذا بالقاعدة، بالمقابل للشافعية أن يقولوا -أن يرجحوا قولهم بقواعد أخرى- يقولون: العموم المحفوظ أولى من العموم الذي دخله الخصوص، فالعموم المحفوظ أقوى؛ لأن العموم يضعف بقدر ما يدخله من المخصصات، وعموم أحاديث ذوات الأسباب محفوظ وإن دخله خصوص أحاديث النهي، يعني نستحضر خصوص أحاديث النهي وأنه دخل عموم أحاديث ذوات الأسباب، لكن ما دخل عموم أحاديث النهي من المخصصات أكثر مما دخل عموم أحاديث ذوات الأسباب من المخصصات، فعلى هذا يبقى عموم أحاديث ذوات الأسباب أقوى من عموم أحاديث النهي، وبهذا يرجح الشافعية مذهبهم.
وما زالت المسألة من عضل المسائل، حتى قال جمع من أهل العلم: لا تدخل المسجد في أوقات النهي؛ لئلا تقع في الحرج؛ لأنك إن صليت عارضت حديث النهي، وحديث النهي صحيح، وإن جلست عارضت الأمر .. ، أو النهي عن الجلوس حتى تصلي ركعتين.
قال بعضهم: لا تدخل في أوقات النهي؛ دفعاً لهذا الحرج، وبعضهم قال: ادخل لكن لا تجلس، المسألة من عضل المسائل فيما قرره أهل العلم، ليست من السهولة بمكان بحيث يدخل الإنسان قبل غروب الشمس بخمس دقائق ويتنفل، ونفسه تطيب بهذا ومرتاح وما كأنه خالف شيئاً، بعض أهل العلم يقول: لا تدخل في هذا الوقت؛ منعاً للحرج، وبعضهم يقول: إذا دخلت لا تجلس.
قول الظاهرية في هذا غير معتبر؛ لأنهم يقولون: إذا دخلت اضطجع، فما تصير جلست ولا صليت في وقت النهي، لكنه لائق بمذهبهم.
على كل حال نعود إلى المسألة وهي تحتاج إلى مزيد مرجحات، والمرجح مع من يعمل بأحاديث النهي، وهم الجمهور، ويمنعون من الصلاة في أوقات النهي.


المرجِّح عرفناه، أن الحظر مقدم على الإباحة، أن تأتي بصلاة، صحيح أنك أمرت بها، لكن من الذي نهاك عن الصلاة في هذه الأوقات؟ هو الذي أمرك، والنهي أقوى من الأمر عند أهل العلم، ودليله كما ذكرنا: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))، أنا لا أستطيع أن أصلي في وقت النهي؛ لأني منهي عن الصلاة في هذا الوقت، ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما في مثناوية.
للقول .. ، لمن يقول بالقول الآخر مرجحه، وهو قول معتبر عند أهل العلم، لكن ليس من السهولة بمكان أن يدخل الإنسان في أي وقت يتنفل ونفسه تطيب بذلك ومرتاح، لا.
والذي أرجحه أن أوقات النهي الموسعة الأمر فيه سعة، يعني إذا دخلت بعد صلاة الصبح تنفل، دخلت بعد صلاة العصر تنفل؛ لأنك مأمور بأن تتنفل، صحيح أنك منهي، لكن ليس مثل النهي عن الصلاة في الأوقات المضيقة؛ لأن النهي عن الصلاة في الأوقات الموسعة قرر أهل العلم كابن عبد البر وابن رجب وغيرهم أن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين، نعم؛ لئلا يسترسل الإنسان فيصلي في الأوقات المضيقة، فالنهي عن الصلاة فيها من باب منع الوسائل، والنهي عن الصلاة في الأوقات المضيقة الثلاثة، وهي أشد، النهي فيها أشد؛ لأن النهي فيها عن الصلاة وعن الدفن -دفن الأموات- بينما الوقتين الموسعين الأمر فيهما أوسع؛ وقد أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من قضى راتبة الصبح بعد صلاة الصبح، مع أنه وقت نهي.
وقضى النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر بعد صلاة العصر، فدل على أن الأمر فيه أوسع، بينما إذا طلعت الشمس بازغة حتى ترتفع هذا وقت ذروة بالنسبة للنهي، حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول أيضاً وقت ذروة، ومثله حين تتضيف الشمس للغروب، وهي أوقات قصيرة، يعني لا تزيد على ربع ساعة في المواطن الثلاثة، يعني الإنسان يتحرى في هذه الأوقات ولا يصلي.


من صور هذه المسألة أو من أمثلة هذه الصورة الرابعة: ((من بدل دينه فاقتلوه)) ((من بدل دينه فاقتلوه)) مع ما جاء في النهي عن قتل النساء والذرية، ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام في الرجال والنساء؛ لأن (من) من صيغ العموم، ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام في الرجال والنساء، خاص بمن؟ بالمرتد، خاص بالمرتد، فعمومه في الذكور والإناث، وخصوصه بالمرتدين، والنهي عن قتل النساء، عمومه في المرتدات والكوافر الأصليات، فهو عام من هذه الحيثية وخصوصه في النساء دون الرجال.
يعني إذا قال قائل: هذه امرأة مرتدة، قال: تقتل؛ ((من بدل دينه فاقتلوه)) يرد عليه بالنهي عن قتل النساء، النهي عن قتل النساء، من قال: تقتل معه دليل؛ معه عموم حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) ومن قال: لا تقتل معه عموم حديث النهي عن قتل النساء.
لكن خصوص ((من بدل دينه)) يتناول هذه المرأة التي ارتدت وإلا لا؟ وعموم النص الثاني النهي عن قتل النساء يتناولها أيضاً فلا تقتل، فهناك عموم وخصوص وجهي.
إذن نحتاج إلى مرجح خارجي، كيف نأتي بمرجح خارجي؟
نقول: مثل ما قلنا سابقاً: إن العموم المحفوظ أولى وأقوى من العموم المخصوص، النهي عن قتل النساء عمومه محفوظ وإلا مخصوص؟ مخصوص بأشياء كثيرة؛ المرأة إذا قتلت تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل مع إمكان دخولها في النهي عن قتل النساء.
المرأة المحصنة إذا زنت ترجم وإلا ما ترجم؟ ترجم مع إمكان دخولها في عموم النهي عن قتل النساء، فعموم النهي عن قتل النساء مخصوص؛ دخله مخصصات، فضعف في مقابل عموم النهي عن قتل النساء، وضعف عن عموم .. ، صار أضعف من عموم حديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) وعلى هذا تقتل المرتدة وهو قول الجمهور، خلافاً للحنفية.
كم باقي على الإقامة؟
طالب:. . . . . . . . .
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وإما الإجماع فهو اتفاق علماء أهل العصر على الحادثة، ونعني بالعلماء الفقهاء، ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية، وإجماع هذه الأمة حجة دون غيرها لقوله: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة))، والشرع ورد بعصمة هذه الأمة، والإجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان، ولا يشترط في حجيته انقراض العصر، فإن قلنا: انقراض العصر شرط.
الشيخ: على الصحيح، عندك على الصحيح؟
طالب: لا.
عندكم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولا يشترط انقراض العصر على الصحيح.
فإن قلنا: انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه، وصار من أهل الاجتهاد، ولهم على هذا القول أن يرجعوا عن ذلك الحكم، والإجماع يصح بقولهم وبفعلهم وبقول البعض وبفعل البعض، وانتشار ذلك القول أو الفعل، وسكوت الباقين عليه، وقول الواحد من الصحابة.
يكفي، يكفي بركة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: في هذا المبحث يتكلم المؤلف -رحمه الله تعالى- عن الإجماع.
والإجماع حجة شرعية عند عامة من يعتد بقوله من أهل العلم، ورتبته ثالث الأدلة بعد الكتاب والسنة، وقدمه بعضهم عليهما -على الكتاب والسنة- بعض أهل العلم -لا سميا من أهل الأصول- يقدمون الإجماع على الكتاب والسنة؛ لأن الإجماع لا يحتمل نسخاً ولا تأويلاً، بخلاف النصوص من الكتاب والسنة؛ يحتمل أن تكون منسوخة كما أنها أيضاً تحتمل التأويل، والإجماع باعتباره لا بد أن يكون له مستند من الكتاب والسنة.
والحجة في الحقيقة في الأصلين، في الأصلين الذين هما الكتاب والسنة، واستمد الإجماع حجيته من دلالة الكتاب والسنة؛ فلولاً ما ورد من أدلة الكتاب والسنة على حجية الإجماع لما اعتددنا بالإجماع، فهو استمد قوته منهما، فكيف يقدم عليهما؟
الإجماع عرفه المؤلف -رحمه الله تعالى- بقوله:


هو اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة: اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة: وخص المؤلف العلماء بالفقهاء، والحادثة خصها بالحادثة الشرعية، فالإجماع -كما هو معروف-: مصدر أجمع يجمع إجماعاً، من الرباعي أجمع يجمع إجماعاً، ويطلق ويراد به أحد معنيين:
الأول: العزم كما في قوله تعالى: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} [(71) سورة يونس]: اعزموا على أمركم، وفي الحديث: ((لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل)) الحديث: ((لا صيام لمن لم يجمع)): يعني يعزم وينوي ويعقد النية من الليل -وهذا معروف أنه في الفرض، وأما النفل فيصح من أثناء النهار على ما هو مقرر في الفقه- فيطلق ويراد به العزم كما ذكرنا، ويطلق ويراد به الاتفاق وهو المراد هنا.
تعريف المؤلف: اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة: يريد بالاتفاق هنا ما يراد في الإجماع؛ لأنه بصدد تعريفه، وهو اتفاق جميع المجتهدين من علماء هذه الأمة في عصر من العصور على حكم الحادثة الشرعية، هذا هو المراد به هنا، وإن أطلق بعضهم الاتفاق وأراد به اتفاق الأئمة الأربعة؛ لأن هذه مسائل اصطلاحية ولا مشاحة في الاصطلاح، فإذا بين العالم في مقدمة كتابه أنه إذا قال: اتفقوا -يريد بذلك الأئمة الأربعة- له ذلك على أن يبين، ولا مشاحة في الاصطلاح.
إذا نفى الخلاف فقال: بلا خلاف: الأصل أن يكون بلا خلاف بين أهل العلم، بلا نزاع: بلا نزاع بين أهل العلم، ولا نعلم في هذا خلافاً: أيضاً بين أهل العلم، لكن قد يطلق أهل العلم هذه الألفاظ: بلا خلاف: يعني في المذهب، بلا نزاع: في روايات المذهب إلى آخره، بين أتباع المذهب ..
المقصود أنه الأصل إذا أثبت الاتفاق والإجماع فالمراد به اتفاق علماء الأمة، وإذا نفي الخلاف فالمراد خلافهم، هذا هو الحقيقة في الباب، لكن إذا اصطلح أحد على غير ذلك وبين اصطلاحه فلا مشاحة حينئذ في الاصطلاح، وهو موجود نعم، موجود يقول: بلا نزاع: والمراد به بين أتباع هذا المذهب، بلا خلاف: بين روايات المذهب ولا اختلاف، هذا لا يدخل فيما معنا.


يطلق الإجماع ويراد به قول الأكثر، المبحوث هنا، المراد بالإجماع قول الكل، قول جميع علماء العصر، والمراد بذلك المجتهدين من الفقهاء، لكن قد يطلق الإجماع ويراد به قول الأكثر، وهذا معروف عند الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله- وهذا كثير ملحوظ في تفسيره؛ لأنه يذكر الخلاف، يذكر الخلاف، يذكر قول الأكثر، ثم يذكر قول المخالف، ثم يقول: والصواب في ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القرأة على ذلك، كيف يقول لإجماع وقد ذكر الخلاف؟ نعم، كيف يقول لإجماع القرأة لإجماع العلماء، لإجماع الفقهاء، لإجماع المفسرين، وقد ذكر الخلاف هو بنفسه؟ هو يرى أن الإجماع قول الأكثر، وهذا قول انفرد به عن غيره رحمة الله عليه.
العلماء الذين يعتنون أو يعنون بنقل الإجماع ونفي الخلاف -كابن المنذر وابن عبد البر والنووي وابن قدامة- يلهجون بذكر الإجماع بكثرة، وابن حزم له مؤلف في الإجماع، ابن المنذر له مؤلف في الإجماع.
المقصود أن هذه كلمة يلهج بها كثير من أهل العلم، مع أنها لا تُسلَّم لهم كل دعاواهم؛ قد ينقل ابن المنذر الإجماع ثم يوقف على مخالف، وقد ينقل ابن عبد البر الإجماع على مسألة مع وجود المخالف، ومثلهم .. ، أقول مثل ذلك بالنسبة لابن قدامة والنووي، والنووي -رحمة الله عليه- واسع الخطو في هذا الباب، متساهل في نقل الإجماع أكثر من غيره، فقد يذكر الإجماع وينقله في مسائل الخلاف فيها واضح -في مسائل اشتهر فيها الخلاف- سواءً كان بين العلماء عامة من مذهبه وغيره، أو الخلاف في مذهبه -مذهب الشافعي- وقد ينقل الخلاف هو، وقد ينقل الخلاف، لكن إن كان نقله للخلاف عن الظاهرية مثلاً، أو عن من لا يعتد بقوله، فلا اعتراض؛ كثيراً ما يقول: والإجماع قائم على كذا، وأجمع العلماء على كذا، وينقل قول الظاهرية، هذا لا اعتراض عليه لماذا؟ لأنه نص في شرح مسلم على أنه لا يعتد بقول داود، لماذا؟ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، لكن قد ينقل الإجماع والخلاف معتبر.


في مسائل كثيرة منها يقول -رحمه الله-: "عيادة المريض سنة بالإجماع"، مع أن الإمام البخاري ترجم في صحيحه باب وجوب عيادة المريض. وقال: "صلاة الكسوف سنة بالإجماع"، مع أن أبا عوانة في صحيحه قال: باب وجوب صلاة الكسوف، هل نقول إن مثل هذا الخلاف خفي على النووي؟ إن خفي عليه ما في صحيح أبي عوانة، لا يخفى عليه ما في صحيح البخاري -رحمه الله- لكن هم البشر، لا بد من الغفلة، لا بد من الغفلة.
الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- نفى الخلاف، وقال: لا يعلم خلافاً في عدم وجوب الزكاة في البقر إذا لم تبلغ الثلاثين، والخلاف معروف بين الصحابة في العشر. والإمام مالك -رحمه الله تعالى- في الموطأ ذكر أنه لا يعلم خلافاً في مسألة رد اليمين على المدعي، والخلاف معروف بين قضاة عصره، كابن أبي ليلى وابن شبرمة.
على كل حال هم بشر، هم بشر لا يتصور أن يحيطوا بكل مسائل العلم، وبكل أقوال العلماء.
مثل هذه الاستدراكات على هؤلاء الأئمة جعلت مثل الشوكاني -رحمه الله- في نيل الأوطار يقول: هذه الدعاوى التي يدعيها بعض أهل العلم –يعني يكثرون منها، من دعاوى الإجماع- قال: كل هذا يجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع، لا يهاب الإجماع.
على أنه على طالب العلم أن يهاب الإجماع، فإذا ذكر الإجماع، على طالب العلم أن يقف، ولا يتسرع ولا يتعجل، يبحث إن وُجِد مخالف، يبحث عن دليله، إن كان له حظ من النظر نظر فيه، وإلا فالإجماع له هيبته؛ لأنه حجة عند من يعتد بقوله من أهل العلم.


المؤلف -رحمه الله تعالى- قال: ونعني بالعلماء الفقهاء: نعني بالعلماء الفقهاء: وعلى هذا لا يعتبر اتفاق غيرهم -والغير يشمل جميع التخصصات، وإن كانت شرعية- فلا عبرة بإجماع المفسرين، ولا عبرة بإجماع المحدثين، ولا عبرة بإجماع علماء العقيدة، كل هذا على حدِّ كلامه -رحمه الله تعالى- ونعني بالعلماء الفقهاء: نعم من كانت همته مصروفة لرواية الحديث دون درايته ولا التفقه منه، ومن كانت همته مصروفة لفهم كلام الله -عز وجل- دون التفقه، يعني فهم المعاني وربط .. ، وتحريرها لفظياً من غير استنباط منها واستدلالاً بها، ما يبعد كلامه، لكن الفقهاء الحقيقيون هم العلماء وهم المفسرون، وهم المحدثون، نعم، ما عرف انفكاك هذه الجهات من بعضها بحيث يكون عالماً في علم، عامياً في علم إلا في العصور المتأخرة، وإلا فالأصل أن العلوم الشرعية مترابطة مترابطة؛ الفقيه على أي شيء يبني فقهه؟ على نصوص الكتاب والسنة، الفقيه إنما يبني فقهه على نصوص الكتاب والسنة.
كيف يكون فقيهاً وهو لا علاقة له ولا دراية بكلام الله -عز وجل- ولا كيف يعتمد في الأحكام ويؤصل ويؤسس وهو لا بضاعة له من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وعلى هذا قوله: العلماء: المقصود بهم من يجمع هذه العلوم بحيث يكون فقيهاً معتمداً على نصوص الكتاب والسنة، والمراد بالعلماء المجتهدون لماذا؟
لأن المقلد لا عبرة بوفاقه ولا خلافه، المقلد لا عبرة بقوله وفاقاً ولا خلافاً؛ لأنه تابع لغيره، فضلاً عن العوام، إذا كان من يعرف المسائل الفقهية من أول باب في كتب الفقه إلى آخر باب من الطهارة إلى الإقرار، لكن تفقهه على جهة التقليد وقبول قول الغير من غير حجة، مثل هذا لا عبرة به؛ العبرة بالمقلَّد، أما المقلد لا عبرة به، ولذا نقل ابن عبد البر الإجماع على أن المقلد ليس من أهل العلم؛ المقلد في حكم الناقل لقول غيره.


فالمراد باتفاق العلماء: العلماء المجتهدين، والمراد بعلماء العصر: علماء الزمان، قلَّ أو كثر، إجماع العلماء، إجماع طبقة من أهل العلم وجدوا في عصر واحد متقاربون في السن والتحمل والأخذ من الشيوخ -هذه طبقة- إذا انقرضوا جاء العصر الثاني، وإلا لو لم نقل بهذا قلنا: إن الأمة كلها طبقة واحدة؛ لأنها مترابطة يذهب هذا ويخلفه هذا.
يقول: على حكم الحادثة، ونعني بالحادثة الحادثة الشرعية: هذا المبحث وهو الاتفاق والإجماع تبحث فيه من الناحية الشرعية، يستدل به على الأحكام الشرعية، فلا يحتج به في الأحكام على الأمور العادية، الأمور العادية، لو نظرنا في إشارات المرور وجدنا الإجماع قائم في دول العالم كلها على الألوان الثلاثة، صح وإلا لا؟ نعم؟ فيه بلد يختلف عن هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
أنا ما سافرت، ولا رحت ولا جيت، لكن هذا المستفيض، في بلد يختلف عن الألوان الثلاثة الأحمر والأصفر والأخضر؟
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه، إذن هذا إجماع، هذا إجماع، لو جاء في بلد من البلدان شخص مسؤول عن المرور أو ملك أو شيئاً من هذا قال: والله العالم كله على هذا الترتيب، أنا اقلب الترتيب، اعكسوه، نقول: يأثم لمخالفته الإجماع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لماذا؟ لأنه ليس من المسائل الشرعية، هذه أمور عادية اصطلاحية، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولا يعني هذا الكلام أننا لا نلتزم بما تدل عليه هذه الإشارات؛ لأن الشخص يسمع مثل هذا الكلام ويخلط، يفهم من هذا الكلام أنه يمشي يقطع الإشارة؛ وهذه أمور عادية ولا فيها اجتماع، ولا إجماع ولا شيء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قد يسمع هذا الكلام ولا يوفق لفهمه، الكلام منصب على أنه لو رأى ولي أمر في بلد من البلدان أنه يغير الترتيب هذا، اللون الأخضر للوقوف، والأحمر للمشي، أو الأصفر وإلى آخره، نقول: يأثم؛ لأنه خالف الإجماع؟ لا يأثم، ومعنى هذا أنه يغير نظام هذه الأمور من قبل من تلزم طاعته.
لكن لو جاء شخص –فرد- وقال: العالم كله مجمع على أن الإشارة إذا صارت حمراء يقف، أنا ما نبغاها إلا إذا صارت خضراء، يأثم وإلا ما يأثم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .


هذه مخالفة صريحة، وضررها ظاهر ومصلحتها ظاهرة، إذن أهل العلم يقولون: يأثم للمخالفة، وهذه مسألة وتلك مسألة أخرى.
المقصود أن الإجماع هنا يراد به الإجماع على المسائل الشرعية، والمراد بالعلماء علماء هذه الأمة، فلا يعتبر اتفاق علماء الشرائع السابقة، ولو قيل: إن الإجماع من خصائص هذه الأمة التي فيها حصول الاتفاق واتحاد الكلمة .. ، الأمم السابقة قد يتفقون على المخالفة لشرائعهم وهذا ظاهر، يتفق العلماء -إن استحقوا هذا الوصف- على مخالفة النص، أو على تحريف النص، ويتتابعون عليه، فالأمم السابقة ليست معصومة، ولذا ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- أن عشرة من النصارى اجتمعوا لبحث مسألة، اتفقوا فصدروا عن أحد عشر قولاً، هذا ذكره الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- عشرة اجتمعوا لبحث مسألة فصدروا عن أحد عشر قولاً.
ومما ينبغي إضافته إلى الحد ما قرره أهل العلم من أن الإجماع المعتبر لا بد أن يكون بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في حياته الدليل يحصل بسنته -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير؛ فلسنا بحاجة إلى اتفاق غيره مع قوله -عليه الصلاة والسلام-.
الإجماع .. ، قد يقول قائل كيف يتصور الإجماع؟
الإجماع في عصر الصحابة وقت اجتماعهم بالمدينة ممكن، وبعد تفرقهم في الأمصار صعُب تصور الإجماع، وأصعب منه من جاء بعد الصحابة، بعد انتشار العلماء في الأقطار المترامية الأطراف من شرق الأرض وغربها مع صعوبة الاتصال، ولذا أنكر بعضهم وقوع الإجماع، ولا شك أن الإجماع واقع، والدليل على ذلك حصوله في مسائل كثيرة، مسائل نقل فيها الإجماع، والنقل مطابق للواقع، النقل مطابق للواقع، كثير من المسائل التي نقل فيها الإجماع مطابق للواقع، يعني المسائل التي نقل فيها الإجماع وخرم هذا الإجماع قليلة بالنسبة للمسائل التي اختلف فيها العلماء، والناظم -رحمه الله- ذكر مثال بعد أن عرف الإجماع بقوله:

هو اتفاق كل أهل العصر ... أي علماء الفقه دون نكر
على اعتبار حكم أمر قد حدث ... شرعاً كحرمة الصلاة بالحدث


إجماع: أجمع أهل العلم على تقديم الدين على الإرث، مسائل كثيرة حصل فيها الإجماع، أجمعوا على تحريم الزنا، تحريم شرب المسكر، تحريم الربا، أجمعوا على إباحة شرب الماء، إباحة أكل الخبز وما أشبه ذلك، هذه مسائل حصل فيها الإجماع ولم يخالف فيها أحد، المقصود أنه واقع واقع.
بعض أهل العلم جعل الإجماع من قبيل المستحيل؛ لا سيما بعد أن تفرق الناس، ولذا منهم من يرى أن الإجماع المعتبر إجماع الصحابة دون غيرهم.
يقول -رحمه الله تعالى-: وإجماع هذه الأمة حجة دون غيرها لقوله –صلى الله عليه وسلم-: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) والشرع ورد بعصمة هذه الأمة: الإجماع مثل ما تقدم حجة قطعية شرعية، يجب العمل به على كل مسلم، بل هو ثالث الأدلة، وعرفنا أن بعضهم بالغ حتى قدمه على النصوص؛ لأنه لا يحتمل نسخاً ولا تأويلاً بخلاف النصوص؛ لأنها تحتمل، وعرفنا أنه لو لولا النصوص لما حصل الإجماع، إذ لا بد في كل إجماع من مستند من الكتاب أو السنة، علمناه أو خفي علينا.
إذا نقل الإجماع في المسألة ولم نعرف لها دليلاً جزمنا بأن لها دليلاً ولو لم نطلع عليه، وإذا أجمع أهل العلم على ترك العمل بخبر ثابت جزمنا بأن هذا الخبر منسوخ بدليل شرعي، ولو لم نطلع عليه؛ دلنا على وجوده هذا الإجماع، فالإجماع دلنا على وجود ناسخ، وإلا كما تقدم النسخ من خصائص النصوص والإجماع لا ينسخ ولا يُنسخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
الاحتمال قائم، نعم، الاحتمال قائم ويتداوله الأئمة ولا ينتقدونه، نعم، ويمر على علماء الأمة، ولا في أحد يقول: لا خالف فلان، هذا يثبت إجماعاً، معنى هذا أن الأمة فرطت في دينها، والأمة معصومة من التفريط في شيء من دينها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، وتداوله الناس، صار فيه فرصة لأن يتداوله الناس ولم يطلعوا على مخالف!!
طالب:. . . . . . . . .
إذا لم يكن له سلف يكن آثم، إذا لم يكن له سلف لا يجوز له إحداث قول جديد، نعم؟
طالب: كيف نعول قول الإمام أحمد .... ؟
يعني بعد انتشار الأمة في الأقطار في ...
طالب: هل مستند الإجماع الأول إجماع الصحابة ... ؟


هذه رواية في المذهب، هذه رواية في المذهب أن الإجماع المعتبر إجماع الصحابة؛ لأنهم هم الذين يمكن حصرهم وحصر أقوالهم، وأما الأمة تفرقت شذر مذر، يعني من في الأندلس كيف يتسنى له أن يطلع على أقوال علماء اليمن، أو علماء خراسان، أو ما أشبه ذلك، نعم؟
طالب: يا شيخ أحسن الله إليك: يوجد بعض الإجماعات من الصحابة الأئمة على خلافها مثل يا شيخ تارك الصلاة مثل .... نقل الإجماع عن الصحابة بعض الأئمة المتقدمين المعتبرين، ولكن الأئمة على خلاف .... كيف نعوله يا شيخ؟
يعني كانوا لا يرون شيئاً تركه كفر، شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، معروف أنه إذا قيل: كانوا، المراد به الصحابة، وجود الخلاف من إمام معتبر، أو من أئمة معتبرين، نعم، وجود هذا الخلاف يدل على خلل في هذا الإجماع إما في حقيقته أو في نقله، إما في حقيقته أو في نقله، وجود مثل هذا الخلاف.
الترمذي -رحمه الله تعالى- في (علل الجامع) قال: إنه لا يوجد حديث في كتابي أجمع العلماء على ترك العمل به سوى حديثين الأول: أيش؟ الجمع، الجمع من غير سفر ولا مط، ر حديث ابن عباس، وهو حديث صحيح مخرج في صحيح مسلم، الثاني: قتل الشارب، قتل المدمن في المرة الرابعة أو الخامسة في حديث معاوية وغيره، أحاديث صحيحة، أجمع العلماء على ترك العمل بها ونقل الإجماع، يعني الترمذي نقله، والنووي نقله لكن المخالف موجود؛ من أهل العلم من يرى قتل الشارب في المرة الرابعة أو الخامسة، منهم من يراه حد، شرب في الأولى يجلد، ثم يجلد، ثم يجلد، ثم .. ، ثم يقتل، نعم، وممن يرى قتله ابن حزم وجمع من أهل العلم، لكن شيخ الإسلام يرى أنه ليس بحد وإنما هو تعزير، وأيده ابن القيم؛ يرى أن قتل الشارب المدمن من باب التعزير، وأنه إذا لم يرتدع بالجلد فإنه يقتل.
على كل حال مثل هذه النقول الآن موقف أهل العلم من الأحاديث التي أجمع العلماء على ترك العمل بها، هل نقول: إن الأمة ردت على النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله؟ أو نقول إن هذا الإجماع دل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؟


دل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؛ لأنه لا يتصور أن الأمة ترد كذا معاندة الرسول يقول كذا، يقولون: بدنا نجمع على خلافه، فقول الرسول لا يرد إلا بقوله -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
أيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن مع ذلك نتحرى ونتثبت في الإجماع؛ الكلام على الإجماع الذي له حظ من النظر، واقع بالفعل وليس له مخالف، لا بد أن نقول: إنه .. ، هذا يجعلنا نزيد في البحث عن وجود معارض للدليل.
كلام من يقول: إن الإجماع مقدم على النصوص، يعني ما فيه إلا أنه سوء أدب في التعبير؛ يعني سوء أدب في التعبير؛ لأن الإجماع مستند على نصوص فكيف يقدم عليها.
أيضاً يهاب الإنسان أن يقول: إن الإجماع وكلام الناس مقدم على قال الله وقال رسوله، لكن إذا نظرت بعين البصيرة والواقع أنه إذا أجمع، والإجماع مستند إلى نص، صار التقديم للنص الذي اعتمد عليه الإجماع، واتفاق علماء الأمة على حكم من الأحكام يدلنا على أن النص الثاني الذي من الكتاب أو من السنة إما منسوخ أو مؤول.
طالب: ألا يشترط العلم بالناسخ؟
لا ما يشترط وين، في مثل هذه الحالة إذا أجمع أهل العلم على ترك حديث، نعم، ما يشترط العلم بالناسخ، وأيش تسوي؟ تترك الإجماع وإلا تترك النص؟
تقول: هذا الإجماع وقد اشترط للإجماع أن يعتمد على نص، ما في إجماع بدون نص، إذا لم نطلع على هذا النص الذي اعتمد عليه الإجماع نتهم أنفسنا نقول: هذا الإجماع له مستند ولو لم نطلع عليه، لقصورنا أو تقصيرنا.
طالب: يا شيخ من لم يرَ العمل بالإجماع هل يبدع أو يفسق؟
أما الإجماع اتفاق الأمة لا شك أنه حجة، يعني لا يراه مع الأدلة التي نسوقها؟! لأنهم قالوا: من الأدلة على حجية الإجماع قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [(115) سورة النساء]، يتبع غير سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين على قول واحد، ثم يأتي فيحدث قول جديد: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ}.
طالب:. . . . . . . . .


أنت الآن أثبِت حجيته، ثم ثبوته مرحلة ثانية، فلا تستدل ولا تحتج إلا بما ثبت.
الحديث الذي أشار إليه المؤلف: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)): أيضاً يدل على حجية الإجماع، وهو حديث مخرج عند أبي داود والترمذي ولا يسلم من مقال، لكنه له طرق تشد بعضها بعضاً، تدل على أن له أصلاً، والشرع ورد بعصمة هذه الأمة -كما قال المؤلف- للأدلة التي ذكرها ولغيرها.
يقول -رحمه الله تعالى-:
والإجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان: من لازم كون الإجماع حجة قطعية أن يلزم أهل العصر الثاني، مقتضاه هو العمل به، فإذا أجمع الصحابة -رضوان الله عليهم- على حكم شرعي حينئذ ليس للتابعين أن يخالفوا هذا الإجماع، بل هو حجة عليهم وعلى من بعدهم في أي عصر من العصور، وهكذا.
ثم قال: ولا يشترط انقراض العصر على الصحيح: قوله: على الصحيح: يدل على أن هناك من يشترط، وإن كان مرجوحاً إلا أن هناك قول يقول باشتراط انقراض العصر.
فإن قلنا: انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه -هذا كلام المؤلف- وصار من أهل الاجتهاد، ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم: خلاص ما دام وجد قبل انقراضهم فإنه لا ينعقد إجماعاً.
ذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط انقراض العصر فينعقد الإجماع بمجرد اتفاق المجتهدين ولو كانوا أحياء، فلا تجوز حينئذ مخالفتهم؛ لأن أدلة حجية الإجماع لا توجب ولا تشير، وليس فيها إشارة إلى انقراض العصر.
والإجماع .. ، ولأن الإجماع هو الاتفاق بين العلماء المجتهدين في عصر من العصور، وقد حصل، فإذا حصل هذا الاتفاق من المجتهدين كلهم فقد حصلت حقيقة الإجماع.
ذهب بعض الشافعية ورواية عن الإمام أحمد إلى أنه يشترط انقراض العصر، ووجه اشتراطه احتمال رجوع بعض المجتهدين عن رأيه، بعض المجتهدين متفق، هو في الأصل متفق مع العلماء، ثم يتبين له من أدلة المسألة ما يرجح له خلاف ما قاله أولاً، وإذا ترجح لديه خلاف ما ذهب إليه أولاًً فإنه حينئذ يؤول الأمر إلى الخلاف، وإذا وجد الخلاف فلا إجماع، لكن الراجح هو القول الأول، ولذا قال المصنف: هو الصحيح.
وفي قوله: فإن قلنا انقراض العصر شرط: بيان لثمرة الخلاف، وتتمثل في أمرين: _


الأول: اعتبار قول من ولد في عصر المجمعين وبلغ رتبة الاجتهاد في حياتهم أو في حياة بعضهم، فله أن يخالف ولا يعد مخالفاً للإجماع؛ لأنه لم ينعقد؛ لأنه ما انقرض العصر، ما مات جميع المجتهدين بقي بعضهم، ولد من تفقه ووصل إلى درجة الاجتهاد ثم خالفهم، ذا في الحقيقة العصر استوعب الإجماع السابق ومن لحق بهم فيما بعد ووجد منه الخلاف، هذه ثمرة الخلاف.
فإذا قلنا: إنه يشترط انقراض العصر اعتددنا بقول المخالف، وإن جاء بعدهم، يعني ممن ولد في حياتهم، وإذا قلنا بعدم الاشتراط، إذا قلنا بعدم الاشتراط لم نعتدد، نعم، وإذا قلنا بالاشتراط اعتددنا به.
الفائدة والثمرة الثانية: أن للمجمعين أن يرجعوا عن الحكم الذي أجمعوا عليه، ولا يعد ذلك نقضاً للإجماع؛ لأنه لم يستقر، ومعروف أن رجوعهم إنما هو إلى الحق، يعني المسألة مفترضة في أئمة، في علماء مجتهدين ومعول عليهم في بيان الحلال والحرام، لا يكون رجوعهم عن هوى أو تحت ضغط أو تأثير؛ هذا لا عبرة به، لكن المسألة مفترضة في علماء أئمة تجردوا للدين ولنصره وبيان ما أمروا ببيانه من الشرع، للمجمعين أن يرجعوا عن الحكم الذي أجمعوا عليه، ولا يعد ذلك نقضاً للإجماع؛ لأنه لم يستقر، وعلى القول الأول ليس لأحدهم أن يرجع بعد حصول الاتفاق.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
طالب: القول الثاني يكون. . . . . . . . . قد يوجد مخالف ما دام ما انقضى العصر؟
الاحتمال أنه يوجد بعدهم مخالف، على كل حال القول الصحيح أنه لا يشترط.
والإجماع يصح بقولهم: يعني بقول العلماء المجتهدين، وبفعلهم: أيضاً، وبقول البعض وبفعل البعض، وانتشار ذلك: القول وسكوت الباقين عنه -هذا كلام المؤلف- والإجماع يصح بقولهم وبفعلهم، وبقول البعض، وبفعل البعض وانتشار القول أو الفعل وسكوت الباقين: عنه يعني أن الإجماع يصح بقول المجتهدين في حكم من الأحكام أنه حلال أو حرام، أو واجب أو مندوب، أو غير ذلك، وهذا هو الإجماع القولي المعتد به عند أهل العلم.
وأما الثاني وهو الذي يسمى بالإجماع السكوتي، ويكون بقول البعض أو فعل البعض، وانتشار ذلك القول أو الفعل وسكوت الباقين عليه، ويسمى الإجماع السكوتي، والعلماء يختلفون في حجيته ولزوم العمل به.


ذهب أكثر الشافعية والمالكية وهذه رواية عن أحمد إلى أنه إجماع، يعني فعل عالم فعلاً أو قال قولاً وانتشر ولم يخالف -وهذا كثير ما يستدل به أهل العلم- قاله فلان ولا يعرف له مخالف، فهو إجماع، يعني عند ابن قدامة كثير وعند غيره، وهذا يسمى الإجماع السكوتي.
فالقول الأول إلى أنه إجماع له حكم الإجماع النطقي؛ تنزيلاً للسكوت منزلة الرضى، لكن ألا يسكت العالم لمصلحة راجحة يراها؟ نعم، قد يسكت العالم لمصلحة يراها، لكن قد يقول قائل هذا القول: إنه إن سكت فلان ما سكت الثاني، فلا بد من قائم لله بحجة، ما يمكن أن يسكت الناس كلهم على خطأ.
منهم من يقول: هو حجة يلزم العمل به وليس بإجماع؛ لرجحان الموافقة بالسكوت على المخالفة، يعني رجحان الموافقة تجعلنا نقول: إن إصابة هذا السكوت صار غلبة ظن، وغلبة الظن موجبة للعمل، وإن لم توجب القطعية.
يقول: وليس إجماعاً؛ لأن حقيقة الإجماع لم تتحقق فيه، وقيل: ليس بحجة ولا إجماع، لماذا؟ لأن الساكت ساكت، ما يدرى أيش عنده، ولا ينسب لساكت قول.
إلى غير ذلك من الأقوال التي أوردها الشوكاني في إرشاد الفحول، أورد منها اثني عشر قولاً، إرشاد الفحول للشوكاني هنا أورد اثني عشر قولاً في هذه المسألة: القول الأول: أنه إجماع: هنا يقول: القول الأول: إنه ليس بإجماع ولا حجة قاله داود الظاهري وابنه والمرتضى وعزاه القاضي .. إلى آخره، إنه ليس بإجماع، ولا حجة.
الثاني: أنه إجماع وحجة، وبه قال جماعة من الشافعية.
والقول الثالث: إنه حجة وليس بإجماع.
والرابع: إنه إجماع بشرط انقراض العصر.
والخامس: إنه إجماع إن كان فتيا لا حكماً.
والسادس: إنه إجماع إن كان صادراً عن فتيا.
السابع: إنه إن وقع في شيء يفوت استدراكه من إراقة دم أو استباحة فرج كان إجماعاً، وإلا فهو حجة، إلى آخر الأقوال التي وصلت عنده إلى اثني عشر قولاً.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد، فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وقول الواحد من الصحابة ليس حجة على غيره، على القول الجديد، وأما الأخبار فالخبر ما يدخله الصدق والكذب، والخبر ينقسم إلى: آحاد ومتواتر.