شرح الورقات في أصول الفقه

شرح متن الورقات في أصول الفقه (15)
شروط العلة – الأصل في الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع- استصحاب الحال- شرط المفتي والمستفتي
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

لقوله -عليه الصلاة والسلام- كذا، وقياساً على كذا، لست بحاجة إلى قياس، لكن قد يستعمل مثل هذا إذا كان النص عليه فيه ما فيه، نعم، في دليله الذي يعتمد عليه الذي نص عليه فيه، فيه ما فيه من الضعف، فيدعم بالقياس، وإلا لو كان دليله صحيحاً وصريحاً ما احتجنا إلى قياس؛ صار أصلاً.
الرابع: ألا يكون متقدماً على حكم الأصل، ألا يكون متقدماً على حكم الأصل، وهو الشرط الثاني عشر من شروط الأصل.
نأتي إلى العلة: والعلة علة، وذكروا لها أربعة وعشرين شرطاً، الشوكاني ذكر للعلة أربعة وعشرين شرطاً، والمؤلف قال: ومن شرط العلة أن تطرد في معلولاتها، فلا تنتقض لفظاً ولا معنىً: تكون مطردة بحيث أن كل ما وجدت وجد الحكم لتسلم من النقض، تكون مطردة، أيش معنى هذا؟ أن تكون العلة مطردة؟ أن تطرد العلة في معلولاتها، فلا تنتقض لفظاً ولا معنىً؟
يعني إذا افترضنا علة لحكم يشركه فيها فروع كثيرة، لكن قد يأتي عليها النقض، يأتي عليها النقض، يأتي من ينقض هذه العلة، كيف؟ أيش معنى يأتي عليها النقض؟ ما معنى ورود النقض على العلة؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: كأن يقال بالقتل بالمثقل أنه قتل عمد عدوان، فيجب به القصاص كالقتل بالمحدد.
القتل بالمثقل قتل عمد عدوان، فيجب به القصاص كالقتل بالمحدد، فينتقض ذلك بقتل الوالد ولده؛ فإنه لا يجب به قصاص، أيش معنى هذا؟
يريد أن يطرد العلة، كل قتل بالمثقل يوجب القصاص؛ لأنه عمد عدوان والمثقل قاتل، فلو افترضنا أن زيداً من الناس قتل عمرو بالمثقل عدوان متعمد يُقتل، أو قتله بمحدد -بسيف أو بسكين- يقتل، فهل نقول: إن كل قتل بالمحدد أو بالمثقل يوجب القصاص؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ينتقض إذا قتل الوالدُ الولدَ، أو مع عدم التكافؤ، قتل حرٌّ عبداً، أو قتل مسلمٌ كافراً بمثقل أو بمحدد، حينئذ تنتقض العلة.
الظاهر أن الدرس ما هو مسوي شيء مع شروط العلة، أربعة وعشرين شرط، نحيلكم على الشوكاني وإلا .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .


من الشروط التي ذكرها الشوكاني:
الأول: أن تكون –يعني العلة- مؤثرة في الحكم، فإن لم تؤثر فيه لم يجز أن تكون علة، إن لم تكن مؤثرة، الأصل في العلة أنها وصف مناسب، وصف يتصف به من جاء الحكم بصدده.
لو افترضنا –مثلاً- الذي جامع في نهار رمضان ووجبت عليه كفارة ظهار، نعم، هناك أوصاف كثيرة لهذا الرجل، نعم، هناك أوصاف كثيرة لهذا الرجل، نفترض أن هذا الرجل طويل القامة، لونه أسود، نعم، عريض، نعم، أمِّي -لا يقرأ ولا يكتب- زيدوا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نفترض أن هذه الأوصاف مجتمعة في هذا الرجل، فهل مثل هذه الأوصاف مؤثرة في الحكم؟ نعم؟
غير مؤثرة؛ لأنه عرفنا من قاعدة الشرع أنه لا يلتفت إلى هذه الأمور، لا يفرق بين الأسود والأبيض، لا يفرق بين الطويل والقصير، لا يفرق بين العريض والنحيف، الشرع لا يفرق بين هذه الأمور، مش كلما شفنا شخصاً أسود جامع في نهار رمضان قلنا: تعال، عليك كفارة ظهار، أو حتى في غير نهار رمضان، في ليل رمضان مثلاً جامع؛ لأنه أسود مثل الذي جامع في النهار وألزمه النبي -عليه الصلاة والسلام- الكفارة؟! نقول: هذه علة غير مؤثرة، فلا تكون مناسبة، واضح وإلا ما هو بواضح؟
أن يكون وصفاً ضابطاً، بأن يكون تأثيرها لحكمة مقصودة للشارع، لا حكمة مجردة لخفائها، فلا يظهر إلحاق غيرها بها، أن تكون ظاهرة جلية، وإلا لم يمكن إثبات الحكم بها بالفرع، على تقدير أن تكون أخفى منه أو مساوية له في الخفاء.
أن تكون سالمة بحيث لا يردها نص ولا إجماع، تكون العلة سالمة لا يردها نص ولا إجماع.
ألا يعارضها من العلل ما هو أقوى منها، ألا يعارضها من العلل ما هو أقوى منها، ولذا في تنقيح المناط نجمع أكبر قدر من العلل المناسبة لهذا الحكم، نعم، ثم بعد ذلك ننقح، العلل المفضولة؛ لأن هناك قوية وعلل ضعيفة، وعلل مناسبة، وعلل غير مناسبة، فإذا تحقق وتقرر لنا أن هذه هي العلة المناسبة لهذا الحكم، لم نلتفت إلى غيرها مما هو أضعف منها، أو مما هو غير مناسب للحكم.
أن تكون مطردة، الذي شرحناها.
السابع: ألا تكون عدماً في الحكم الثبوتي: أي لا يعلل الحكم الوجودي بالوصف العدمي، قاله جماعة، وذهب الأكثرون إلى جوازه.


الثامن: ألا تكون العلة المتعدية هي المحل أو جزء منه؛ لأن ذلك يمنع من تعديها.
التاسع: أن ينتفي الحكم بانتفاء العلة، والمراد انتفاء العلم أو الظن به؛ إذ لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول، أن ينتفي الحكم بانتفاء العلة، وهذا إذا كانت العلة منصوصة.
العاشر: أن تكون أوصافها مسلمة أو مدلولاً عليها.
الحادي عشر: أن يكون الأصل المقيس عليه معللاً بالعلة التي يعلق عليها الحكم بالفرع بنص أو إجماع.
الثاني عشر: ألا تكون موجبة للفرع حكماً، وللأصل حكماً غيره.
الثالث عشر: ألا توجب ضدين؛ لأنها حينئذ تكون شاهدة لحكمين متضادين.
الرابع عشر: ألا يتأخر ثبوتها عن ثبوت حكم الأصل، خلافاً لقوم، يعني ما تستنبط العلة بعد استقرار الحكم الأصلي، ألا يتأخر ثبوتها أيش معنى ثبوتها؟ يعني تحققها في المحكوم عليه، أما كونها تخفى في أول الأمر، ثم تستنبط فيما بعد هذا فيه ما يمنع وإلا ما فيه؟ استنباط العلل توقيفي وإلا اجتهادي؟ اجتهادي، إذن للمتأخر أن يستنبط، نعم، للمتأخر أن يستنبط.
الخامس عشر: أن يكون الوصف معيناً؛ لأن رد الفرع إليه لا يصح إلا بهذه الواسطة.
السادس عشر: أن يكون طريق إثباتها شرعياً كالحكم.
السابع عشر: ألا يكون وصفاً مقدراً.
الثامن عشر: أن تكون مستنبطة، فالشرط ألا ترجع على الأصل بإبطاله أو إبطال بعضه؛ لئلا يفضي ألا ترجع على الأصل بالإبطال، أو إبطال بعضه؛ لئلا يفضي إلى ترك الراجح إلى المرجوح؛ إذ الظن المستفاد من النص أقوى من الظن المستفاد من الاستنباط؛ لأنه فرع له، والفرع لا يرجع على إبطال أصله، وإلا لزم أن يرجع إلى نفسه بالإبطال.
الهرة علة الطهارة فيه، نعم، اأنها من الطوافين، فسؤرها طاهر، لو قال شخص: الهرة سؤرها طاهر لماذا؟ لأنها تشبه الجدي، وإلا الجفرة، واضح وإلا ما هو بواضح؟
هذه العلة كونها مشبهة في الحجم إلى شيء مباح، هذه الشبه يصلح أن يكون علة وإلا ما يصلح أن يكون علة؟ أهل العلم ما قالوا: وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، نظراً إلى الحجم، نعم؟ لو قال: الهرة طاهرة؛ لأنها تشبه الجدي الصغير في الحجم، نعم؟
طالب: هي أصل بنفسها أصلاً.


دعنا من كونها أصلاً، وكون علتها منصوصة، لو قال شخص: أنا عندي أن الهرة طاهرة، أو النص دل على طهارة سؤر الهرة، والعلة أستنبطها؛ لأنها تشبه .. ؛ لأنه ما وقف على قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنها من الطوافين))، وإلا من يقف ما هو معلل بعلة أخرى، لكن هذا ما وقف، عرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ بسؤرها وأبو قتادة توضأ، وأن .. ، فقال: طاهرة، لماذا؟ فاستنبط علة، علة؛ لأنها تشبه الجدي في حجمه، أو تشبه الجفرة في حجمها، هذا يعود إلى الأصل بالإبطال؛ لأنه يأتينا من يقول: إنها تشبه .. ، هاتوا لنا شيئاً محرماً أو نجساً، ما بس في حجمه، صغير، يجي بكبر .. ، إيه لا، تشبه جرو الكلب؛ لأنها تشبه جرو الكلب، فعادت على الأصل بالإبطال، إذن هذه العلة لا تصلح لأن تكون علة؛ لأنها عادت على الأصل بالإبطال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن أبطلت الأصل؛ لأنه لما الرسول توضأ بسؤرها، أبو قتادة توضأ بسؤرها، هذا دليل على أيش؟ الطهارة، احنا نستنبط لماذا صارت طاهرة؟ كأننا ما وقفنا على العلة المنصوصة، أنها من الطوافين، ما هي بعلة الطوافة، نستنبط علة، شخص ما وقف على العلة الحقيقية المنصوصة، فقال: لأنها تشبه الجدي، والجدي طاهر، تشبه الجفرة، والجفرة طاهرة، يأتي من يقول: لا يا أخي هي تشبه جرو الكلب، إذن هي نجسة، فعاد على الأصل بالإبطال، فعاد على الأصل بالإبطال.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، بس ما تعود عليه بالإبطال مثل هذه، ما تعود عليه بالإبطال، وإلا هم قالوا –بعض أهل العلم قالوا-: إن الهرة وما دونها في الخلقة طاهرة، فنظروا إلى مسألة الحجم، والحجم لا مانع منه إذا لم يعد على الأصل بالإبطال.
التاسع عشر: إن كانت مستنبطة في الشرط، وألا تعارض بمعارض مناف لموجود بالأصل.
العشرون: إن كانت مستنبطة ألا تتضمن زيادة على النص، أي حكماً غير ما أثبته النص.
الحادي والعشرون: ألا تكون معارضة لعلة أخرى تقتضي نقيض حكمها.
الثاني والعشرون: إذا كان الأصل فيه شرطاً فلا يجوز أن تكون العلة موجبة لإزالة ذلك الشرط؛ لأنها عادت على بعض المعلول بالإبطال.


الثالث والعشرون: ألا يكون الدليل الدال عليها متناولاً لحكم الفرع لا بعمومه ولا بخصوصه؛ للاستغناء حينئذ عن القياس.
مثل ما قلنا: ألا يكون الفرع منصوصاً عليه، أو لا تتناوله العلة بعمومها، ألا تتناوله العلة بمعومها.
الرابع والعشرون: ألا تكون مؤيدة لقياس أصل منصوص عليه بالإثبات، على أصل منصوص عليه بالنفي، ومن شرط الحكم هنا، ومن شرط الحكم أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات، شرط الحكم أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات، أي في الوجود والعدم، فإن وجدت العلة وجد الحكم، وإن انتفت انتفى، وهذا إذا كان الحكم معللاً بعلة واحدة، كتحريم الخمر، فإنه معلل بالإسكار، فمتى وجد الإسكار وجد الحكم، ومتى انتفى انتفى.
وأما إذا كان الحكم معللاً بعلل فإنه لا يلزم منه انتفاء علة معينة، منها انتفاء الحكم، كالقتل فإنه يجب بالردة والزنا بعد الإحصان، وقتل النفس المعصومة المماثلة، وترك الصلاة غير وذلك، أيش معنى هذا؟
وأما إذا كان الحكم معللاً بعلل فإنه لا يلزم من انتفاء علة معينة منها انتفاء الحكم، معلل بعلل، شخص زنى بعد الإحصان، وقتل نفس معصومة، نعم، فاستحق القتل، واضح وإلا لا، زنى وقتل، استحق القتل.
شخص زنى بعد الإحصان فقط ولا قتل، نفترض شخصين اشتركا في اغتصاب امرأة، وهما محصنان، أحدهما قتلها، فحكم القاضي بقتلهما، طيب واحد منهما زنى وقتل، كيف الثاني يقتل مثله وهو مجرد زِنا؟
نقول: هذه العلة .. ، المسألة واحد فيه أكثر من علة، وواحد فيه علة موجبة، تكفي هذه العلة، ولذا يقول: وأما إذا كان الحكم معللاً بعلل فإنه لا يلزم منه انتفاء علة معينة منها انتفاء الحكم، يعني ما يقول لك زيد من الناس: ليش قتلت ولدي وهو ما قتل، أنتم قتلتوا ولد فلان صحيح؛ لأنه قتل، نقول: قتلنا ولدك ليش؟ لأنه زنى وهو محصن.
كالقتل فإنه يجب بالردة والزنا بعد الإحصان وقتل النفس المعصومة المماثلة وترك الصلاة وغير ذلك.
هناك القياس له مفسدات، له مفسدات، إذا كان القياس في مقابلة النص، قالوا عنه: فاسد الاعتبار، لماذا؟ لأنه في مقابل النص، إذا كان القياس مخالفاً للإجماع أيضاً فاسد الاعتبار.


عدم ثبوت الوصف الجامع الذي يجمع بينهما فيقتضي الإلحاق، قصور العلة، النقض، وهو وجود الوصف بدون الحكم، والنقض في سائر الأدلة، يعني حتى في النصوص، العكس وهو وجود الحكم بدون الوصف.
السابع: القلب وهو إثبات نقيض الحكم بالعلة بعينها.
الثامن: الفرق وهو إبداء معنىً مناسب للحكم يوجد في الأصل، ويعدم في الفرع، أو يوجد في الفرع ويعدم في الأصل.
التاسع: القول بالموجب، وهو يقدح بجميع الأدلة بالقياس وغيره، ومعناه: أن يسلم الخصم الدليل الذي استدل به المستدل، إلا أن يقول: هذا الدليل ليس في محل النزاع، نعم، ليس في محل النزاع، نعم، دليلك صحيح لكنه ليس في محل النزاع، دليلك مورده شيء آخر، وإنما هو في غيره، فيبقى الخلاف بينهما.
العاشر: نقص شرط من شروط القياس التي تقدم ذكرها.
تفضل.
بعد أن أنهى المؤلف -رحمه الله تعالى- الكلام في الشروط قال: والعلة هي الجالبة: والحكم هو المجلوب للعلة، العلة هي الجالبة، والحكم هو المجلوب للعلة.
الوصف المناسب لترتيب الحكم عليه كدفع حاجة الفقير، فإنه وصف مناسب دفع حاجة الفقير، علة، وصف مناسب لإيجاب الزكاة، والحكم هو المجلوب للعلة، أي هو الأمر الذي نشأ عن وجود ذلك الوصف المناسب، العلة وهي الادخار مع الاقتيات، جلبت الحكم، وهو جريان الربا في الأرز، فالحكم مجلوب، جلب إلى الرز، والعلة التي تجمع بين الرز والبر هي الجالبة لذلك الحكم، وفي هذا يقول الناظم -رحمه الله-:

والشرط في القياس كون الفرع ... مناسباً لأصله في الجمع
بأن يكون جامع الأمرين ... مناسباً للحكم دون مين
وكون ذاك الأصل ثابتاً بما ... يوافق الخصمين في رأييهما
وشرط كل علة أن تطرد ... في كل معلولاتها التي ترد
لم ينتقض لفظاً ولا معنىً فلا ... قياس في ذات انتقاض مسجلا
والحكم من شروطه أن يتبعا ... علته نفياً وإثباتاً معا
فهي التي له حقيقاً تجلب ... وهو الذي لها كذاك يجلب

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وأما الحظر والإباحة فمن الناس من يقول: إن الأشياء على الحظر، إلا ما أباحته الشريعة، فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة فيستمسك بالأصل وهو الحظر، ومن الناس من يقولُ بضده، وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حظره الشرع، ومعنى استصحاب الحال: أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي.
وأما الأدلة فيقدم الجلي منها على الخفي، والموجب للعلم على الموجب للظن، والنطق على القياس، والقياس الجلي على الخفي، فإن وجد في النطق ما يغير الأصل وإلا فيستصحب الحال.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: درس اليوم في مسألتين:
أولاهما: الأصل في الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع، الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع.
المسألة الثانية: في تعارض الأدلة، فيما إذا وجد الإنسان عيناً يمكن أن ينتفع بها، ولم يجد فيها نصاً يدل على إباحتها، ولا نصاً يدل على منعها، فهل ينتفع بها؛ بناءً على أن الأصل هو الإباحة، حتى يجد دليلاً على المنع، أو يكف عنها بناءً على أن الأصل المنع، والحظر حتى يجد دليل الإباحة.
هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، والخلاف فيها طويل، من العلماء من يقول: لا حلال إلا ما أحله الله، ومنهم من يقول: لا حرام إلا ما حرمه الله.
المؤلف -رحمه الله تعالى- لما ذكر هذه المسألة، فقال: وأما الحظر والإباحة فمن الناس من يقول أن الأشياء على الحظر إلا ما أباحته الشريعة: يعني ممنوع أن تتصرف في ملك الغير إلا بإذنه، وما خلقه الله -عز وجل- ملكٌ له، فلا يجوز أن تتصرف فيه إلا بإذنه، فأنت ممنوع من استعماله حتى تجد الدليل الذي يدل على إباحة استعماله، فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة يتمسك بالأصل وهو الحظر، هذا قول.


ومن الناس - وهذا القول الثاني- من يقول بضده، وهو أن الأصل في الأشياء على الإباحة إلا ما حظره الشرع: فمن العلماء من يقول: إن الأشياء بعد البعثة موصوفة بالحظر كما كانت قبل البعثة محرمة، وذكرنا دليل هذا القول، وهو أن الفعل والانتفاع بهذه الأعيان تصرّف في ملك الله -عز وجل- بغير إذنه؛ إذ جميع ما على وجه الأرض مما يمكن أن ينتفع به هو ملك لله -عز وجل-، والتصرف في ملك الغير بغير إذنه لا يجوز، فممنوع أن تنتفع بشي من ملك غيرك إلا بإذنه.
القول الثاني: وهو أن الأصل في الأشياء على الإباحة، يعني أنه مأذون فيها إذناً عاماً مع عدم الحرج، ودليل ذلك أن الله تعالى خلق العبد، وخلق له ما ينتفع به، خلق العبد، يعني لو قلنا: لا ينتفع بشيء حتى يجد دليلاً يدل على إباحته، ماذا عن حكم الأشياء بعد البعثة مباشرة، وقبل صدور الأدلة التي تدل على إباحة هذه الأعيان، يعني هل ينتظر الناس الذين تدينوا بهذا الدين، وتبعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى يوجد ما يبيح لهم الانتفاع بهذه الأعيان؟
الله -سبحانه وتعالى- لما خلقهم وخلق لهم ما ينتفعون به، دل ذلك على إباحته لهم، إذ لو لم يَُح لهم، لكان خلقه -جل وعلا- إياها عبثاً، أي خالياً عن الحكمة، يعني لماذا خلقت هذه الأشياء التي يمكن أن ينتفع بها؟ لينتفع بها.
ومن أهل العلم من قال بالتوقف، يعني الأدلة متكافئة، أيش الفرق بين القول بالوقف والتوقف، وهل المتوقف قائل؟ يعني من توقف في بيان حكم مسألة ما، هل يمكن أن يدرج قوله في أقوال أهل العلم الذين لهم قول في هذه المسألة؟
نعم، هم يذكرون: القول الثالث التوقف في كثير من المسائل، يذكرون الأقوال المتقابلة، ويذكرون أدلتها، وقيل بالوقف، سبق لنا مسألة اللغات ومبدأ اللغات ما كانت توقيفية أو كانت توقيفية أو توفيقية، أو تلفيقية، ورابعها التوقف، رابع الأقوال، وهنا ثالثها التوقف.
من الأئمة من يقول: إن الأصل في الأعيان الحضر، الملك لله -عز وجل- لا يجوز أن ترتفع إلا بإذنه، ولا ورد الإذن، وهذا دليله ظاهر.


القول الثاني: دليله أيضاً -وهو القول أن الأصل في الأشياء المنتفع بها الإباحة- دليله أيضاً ظاهر، خلق هذه الأمور، وذكرها على سبيل الامتنان من الله -عز وجل- وأن الله امتن بها، {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [(29) سورة البقرة]، دل على أنه ينتفع بها، حتى يرد دليل المنع.
والثالث: التوقف؛ لأن دليل الفريقين متكافئ، أدلة الفريقين متكافئة.
الآن المسألة متصورة؟ دعنا من مسألة الضرورة، الضرورة لها حكمها، اضطر إلى أكل حشيش يأكل، مضطر، نعم، وجد شيئاً ضاراً لا يجوز له أكله، وجد شيئاً متساوي الطرفين لا يضر ولا ينفع، وأراد يجرب، لو قال قائل: يا أخي وأيش الفرق بين البرسيم -علف الأغنام- نعم، وبين الخس، أيش الفرق بينهن، أنت تأكل خس ولا تأكل برسيم، ليش ما نأكل برسيم؟ تقول له حرام وإلا حلال؟ وأيش تقول؟
نعم، ما يضر، مثل الخس، ويش تقول له، حلال وإلا حرام؟ ليش ما تشتهيه، والله الناس يشتهونه، وأيش المانع؟ يعني مسألة تعارفنا على أننا ما نأكله وصرنا ما نشتهيه، وعرفنا أنه طعام للدواب وتركناه من أجل هذا، نعم، يقول: والله أنا جائز لي البسه ما هو جائر لي أطعمه وأيش المانع، باكل، أبش تقول له: حرام وإلا حلال؟ أنت ما عندك دليل لا يبيح ولا يحرم، كل على أصله في المسألة.
من يقول: إن الأصل المنع يمتنع حتى يجد دليلاً يبيح، من يقول الأصل: الإباحة يأكل حتى يجد دليلاً يدل على الإباحة.
طالب:. . . . . . . . .
أنت وأيش يدريك أن ما عندهم دليل. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
أنت إذا اعتقدت هذا القول لا تأكله إلا بدليل، إذا اعتقدت هذا القول واعتمدته لا تأكل غلاً بدليل أو تقليد، تقلد من تبرأ الذمة بتقليده.
أظن أن المسألة ظاهرة، وذكرت لكم سابقاً أن واحداً علق على كتاب في هذه المسألة قال: كالحشيش، المؤلف مثل بالحشيش، والمعلق تكلم في أربع صفحات ينقل ما جاء في كتب أهل العلم عن الحشيش وأنها مسكرة، وأنها حرام إجماعاً، وأنها .. ، نعم، وهو قصده حشيش البَر، طالع رحلة وجاز له .. ، نوع من أنواع الحشائش يأكل وإلا ما يأكل؟ افترض أن نفعها مضمون لكن ما تضر قطعاً يأكل وإلا ما يأكل؟


كل على أصله في هذه المسألة، نعم الورع، الورع كونك ما تدخل في جوفك إلا شيئاً تجزم بحله، هذا شيء، نعم، هذا أمر ثاني، يعني الورع حمل كثير من السلف أن يتركوا المباح خشية أن يقعوا في المحظور، فضلاً عن المختلف فيه.
أقول: ومثاله ما يوجد على ظهر الأرض من نباتات مما لا ضرر فيه، هل يباح أكله قبل الوقوف على دليل يبيحه؟ أو يمتنع من أكله حتى يوجد دليل على الإباحة؟ وكل على أصله، والمختار يعني من باب التوسعة، ويسر الدين وسماحته، صار عند جمع من أهل العلم -وهم الأكثر- أن الأصل فيما ينتفع به والأشياء النافعة الجواز؛ لقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [(29) سورة البقرة]، وهذا ذكره الله -جل وعلا- في معرض الامتنان، ولا يمتن إلا بجائز.
وأما بالنسبة لما يضر، فالأصل فيها التحريم لعموم حديث: ((لا ضرر ولا ضرار))، لعموم: ((لا ضرر ولا ضرار))، وأظن كررنا مراراً التمثيل بالسقنقور، نعم، مثلنا به مراراً، فلا داعي لتكراره.
المقصود أن المسألة واضحة ومتصورة، فلا أحد يمنعك من أن تأكل ما لا يضر، ولو لم تجد دليلاً يدل على إباحته، ما لم يكن ضاراً، أو يكون داخلاً في عموم ما ينهى عنه، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
حتى بعد البعثة، لكن بعد البعثة، بعد البعثة قبل ورود الدليل الذي يدل عليه.
طالب: لكن بعد ثبوت الأدلة المفيدة أن الأصل الإباحة، هل هناك من قال. . . . . . . . .؟
إيه إيه، الأصل في الأعيان المنتفع بها بعد ورود الشرع، كل على أصله، تدري أن بعض الناس يقعد قواعد في الأطعمة، الأصل الإباحة، بعضهم يقول: الأصل المنع، نعم، عندهم يختلفون فيها، ولذا يقول بعضهم: لا حرام ما حرمه الله، ومنهم من يقول: لا حلال إلا ما أباحه الله.
هنا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

لا حكم قبل بعثة الرسول ... بل بعدها بمقتضى الدليل
والأصل في الأشياء قبل الشرع ... تحريمها لا بعد حكم شرعي
بل ما أحل الشرع حللناه ... وما نهانا عنه حرمناه
وحيث لم نجد دليل حلّ ... شرعاً تمسكنا بحكم الأصل
مستصحبين الأصل لا سواه ... وقال قوم ضد ما قلناه
أي أصله التحليل إلا ما ورد ... تحريمها في شرعنا فلا يرد


وقيل إن الأصل فيما ينفع ... جوازه، وما يضر يمنع
قيل القول الثالث هذا الأخير: أن الأصل فيما ينفع والأصل فيما يضر، معروف أن الأصل، الخلاف في المسألة في الأعيان المنتفع بها، الأعيان المنتفع بها، ولا يمكن أن ينتفع فيما يضر.
طالب:. . . . . . . . .
كل على .. ، أما بالنسبة للعبادات فهي توقيفية، العبادات توقيفية، لا يجوز لأحد أن يعمل شيئاً إلا بمقتضى الدليل مما يتعبد به لله -عز وجل-، وألا يعبد الله إلا بما شرع، وألا يعبد الله إلا بما شرع، العبادات مفروغ منها، ولذا لا تدخلها الأقيسة، فالعبادات توقيفية.
بالنسبة للمعاملات والمناكحات وغيرها من أبواب الدين والأطعمة هذه محل الخلاف.
الاستصحاب الذي أشار إليه المؤلف، معنى الاستصحاب أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي: فالاستصحاب: السين والتاء للطلب، المقصود به طلب الصحبة، كالاستشفاء، طلب الشفاء، والاسترقاء، طلب الرقية، والاستسقاء، طلب السقيا، معناه أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي: هذا تعريف المؤلف.
وفي إرشاد الفحول معناه: أن ما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في الزمن المستقبل، مأخوذ من المصاحبة، وهو بقاء ذلك الأمر ما لم يوجد ما يغيِّرُه، أن ما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في الزمن المستقبل، قوله: مأخوذ من المصاحبة، وهو بقاء ذلك الأمر ما لم يوجد ما يغيِّرُه.
إذا لم يجد المجتهد بعد البحث والتحري دليلاً على وجوب شيء أو عدم وجوبه، ذكر له أو سمع شيئاً من فضائل رجب، أو ليلة النصف من شعبان، نعم، فأراد أن يصوم رجب، فبحث في الأدلة فلم يجد ما يدل على وجوب صوم رجب مثلاً، فيستصحب هذا الأصل؛ لأن الأصل عدم وجوب صومه.
أراد أن يصلي صلاة سادسة، فبحث عن دليل ما وجد؛ لأن الواجبات -الصلاة الواجبة- الصلوات الخمس، هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تتطوع)) ما وجد ما يدل على وجوب صلاة سادسة، فلا يجب سوى الصلوات الخمس، كما في حديث ضمام: "هل عليَّ غيرها؟ "، قال: ((لا، إلا أن تتطوع)).


طيب، صلاة العيد، صلاة الوتر -عند من يقول بوجوبهما- وجدوا أدلة توجبها، فأنت إذا لم تجد دليلاً تستصحب هذا الأصل، وهو أنه لا شرع إلا ما شرعه الله -عز وجل- يعني في العبادات، لا يتعبد الله إلا بما شرع، فتستصحب هذا الأصل، فإذا قال لك قائل: نصوم رجب على سبيل الوجوب والإلزام، نقوم ليلة النصف من شعبان، نقول: هات الدليل؛ نستصحب بالعدم، نستصحب العدم -عدم الدليل- الأصل العدم فنستصحبه حتى نقف على دليل.
والاستصحاب من الأدلة التي اختُلِف فيها، العلماء اختلفوا في الاستصحاب هل هو حجة عند عدم الدليل؟ فمنهم من قال: حجة، وهذا قول الحنابلة والمالكية وأكثر الشافعية، سواء كان في النفي أو في الإثبات، وحكاه ابن الحاجب عن الأكثر.
إذا نفى أمراً ثابتاً لك أن تطالبه بالدليل، وإذا أثبت أمراً -ولو لم يرد نفيه- فلك أن تطالبه بالدليل.
القول الثاني: أنه ليس بحجة، وإليه ذهب أكثر الحنفية والمتكلمين؛ لأن الثبوت في الزمان الأول يفتقر إلى الدليل، فكذلك في الزمان الثاني؛ لأنه يجوز أن يكون وأن لا يكون، وهذا خاص بالشرعيات، أيش معنى هذا الكلام؟


أكثر الحنفية يقولون: الثبوت في الزمان الأول، على أن الاستصحاب ليس بحجة، يحتاج إلى دليل، صلاة الخوف مثلاً، في عهده -عليه الصلاة والسلام- صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- في .. ، على ستة أوجه أو سبعة، كلها ثابتة، ونحن نستصحب هذا الأصل ونصليها بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة؛ لأنها ثبتت بدليل لم يثبت نفيه، وصلاها الصحابة بعده، دليل على أن الحكم ليس خاصاً به، نعم، ليس خاصاً به، فإذا قال محمد بن الحسن، أو أبو يوسف: صلاة الخوف خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: نحن نستصحب الأصل، وهو فعل صلاة الخوف في عصره -عليه الصلاة والسلام- وفعل الصحابة بعده، قالوا: لا، صلاة الخوف ثبتت في حقه -عليه الصلاة والسلام- {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ} [(102) سورة النساء]، ونحن نحتاج إلى دليل كما ثبت الدليل في حقه، نحتاج إلى دليل، نقول: أيضاً نحتاج إلى دليل في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-، في قوله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة]؛ هذا خطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو خطاب لأمته من بعده عند الجماهير، بل لا أعرف من خالف في هذا بخلاف صلاة الخوف، إذن لا بد من ثبوت دليل يتناول الأمة، الخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- خطاب لأمته ما لم يرد دليل يدل على التخصيص، عرفنا كلامهم في القول الثاني أنه ليس بحجة؟
ثبت في الزمن الأول، ثبوته في الزمن الأول افتقر إلى دليل، صلاة الخوف في عهده -عليه الصلاة والسلام- ثبتت بدليل {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ}، بدليل أنه قبل ذلك قبل أن يرد هذا الدليل، الصلوات الخمس في يوم الخندق جمعت بعد غروب الشمس؛ لأنه لم يرد دليل، فورد الدليل للنبي -عليه الصلاة والسلام- {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ}، صلاها على أوجه، فالزمان الأول احتاج إلى دليل، إذن الزمان الثاني يحتاج إلى دليل، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم، أما أصحاب القول الأول يقولون: خلاص ثبت الدليل، هذا فيما يراد نفيه.


أما ما يراد إثباته، فإن ثبت الدليل المثبت في حق النبي -عليه الصلاة والسلام- فالأصل الاقتداء والائتساء، إن لم يرد دليل من فعله، وقد ورد دليل من قوله عملنا بالدليل القولي؛ لأنه أعم، والفعل لا عموم له.
لو قال قائل: إن العمرة في رمضان ليست بمشروعة؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعتمر في رمضان، نعم، ماذا نقول؟
نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على العمرة في رمضان، وقال: ((إنها تعدل حجة))، كونه ما اعتمر لعارض رحمة بأمته، شفقة عليها، عدم تمكنه -عليه الصلاة والسلام- من ذلك، شيء آخر، لكن الدليل القولي يتناول النبي -عليه الصلاة والسلام- ويتناول الأمة، لكن كونه ما فعل لا يعني أنه ليس بمشروع.
صوم عشر ذي الحجة: بعض من كتب يقول: هذا من الأخطاء، من أخطاء الناس في عشر ذي الحجة الصيام؛ لأنه ثبت من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يصوم العشر، نقول: أيضاً ثبت من حديث بعض أزواجه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصوم تسع ذي الحجة، فإذا اعتضد هذا بالحث على العمل الصالح في هذه الأيام، ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر))، وثبت أيضاً: أن الصيام من أفضل الأعمال؛ ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً))، إذا انظم هذا إلى هذا قلنا: إن صيام تسع ذي الحجة مشروع، بل من أفضل الأعمال؛ لأنه عمل فاضل، عمل صالح، ((ما من أيام العمل الصالح))، وهذا عمل صالح، كونه -عليه الصلاة والسلام- ما صام كما في حديث عائشة، أو صام في حديث بعض أزواجه -عليه الصلاة والسلام-، كونه ما صام لا يعني أنه أن الصيام غير مشروع، مثل كونه لم يعتمر في رمضان، إذن هذه أمور واضحة.
منهم من يقول: إن الاستصحاب يصلح أن يكون مرجحاً يرجح به إذا تكافأت الأدلة في مسألة ما، فيستصحب الأصل، يعني وجدنا أدلة تدل على المنع، وأدلة تدل على الإباحة، نرجح بالاستصحاب؛ لأن الأصل أنه دليل وإن كان مختلفاً فيه، فهو من ضمن ما يدعم القول بالإباحة، قال به قوم.
ومنهم من عكس، من قال: يرجح الناقل عن الأصل، يرجح الناقل عن الأصل، ليش يرجح الناقل عن الأصل؟


وجدنا دليلاً يدل على الإباحة، والأصل الإباحة، اعتضد هذا الدليل بالأصل، وجدنا دليلاً ينقل عن هذه الإباحة -عن هذا الأصل- فهل نقول: نؤيد الدليل المبقي على الأصل بالاستصحاب؟ أو نقول: لا نعمل بالدليل الناقل عن الأصل، وهذا الدليل الموافق للأصل كان في أول الأمر، وإلا لزم على ذلك النسخ مرتين، نصير نقلنا عن الأصل، ثم نسخنا هذا الناقل، لكن كوننا نقول: إن هذا المبقي للأصل في أول الأمر، بناءً على أن الأصل الإباحة، ثم جاء ما ينقل عن هذا الأصل.
وعلى كل حال المسألة خلافية، هل الأصل .. ، هل يؤيد ما يؤيد الاستصحاب، والأصل أن يبقى الحكم على أصله، أو نقول: يرجح الناقل عن الأصل على المبقي له، المسألة معروفة.
المسألة أيضاً فيها أقوال أخر أضربنا عن ذكرها؛ اختصاراً.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

وحد الاستصحاب أخذ المجتهد ... بالأصل عند دليل حكم قد فقد
عندنا مسألة ترتيب الأدلة، ترتيب الأدلة، كيف ترتِّب الأدلة؟
أنت باحث أردت أن تستوعب، أو كلفت ببحث مسألة، وأردت أن تستوعب جميع ما قيل فيها من أدلة، وبذلت جهدك، واجتمع عندك من الأدلة الشيء الكثير.
معلوم أنك تبدأ بالأدلة من الكتاب، نعم، ثم من صريح صحيح السنة، ثم بالإجماع، ثم بالقياس، إلى آخر الأدلة، هذا الترتيب الطبيعي حسب القوة، ترتب من ظاهر، هل يستدل شخص على حكم المسألة يقدم القياس على الكتاب والسنة، أو يقدم السنة على القرآن؟!
نعم من أهل العلم من يكتفي بالإجماع، فيقول: المسألة هذه جائزة بالإجماع، أو دليلها الإجماع، وفيها دليل من الكتاب والسنة، فيستدرك عليه فيقال: هذا الحكم جائز بالكتاب والسنة والإجماع.
فأنت عند ترتيبك للأدلة في المسألة الواحدة -ولو لم يحصل تعارض- الترتيب الطبيعي أن تبدأ بالقرآن ما يدل على هذه المسألة من كتاب الله -عز وجل-، ما يؤيد هذه المسألة من صحيح السنة، ثم بعد ذلك الأدلة الأخرى المتفق عليها والمختلف فيها على الترتيب.


لكن إذا تعارضت هذه الأدلة، إذا تعارضت هذه الأدلة، جمعت في المسألة عشرين دليلاً، عشرة منها تؤيد الإباحة، وعشرة يستدل بها على تحريم هذا الفعل، نقول: تعارضت الأدلة، في هذه المسألة تعارضت الأدلة، إن أمكن الجمع بين هذه الأدلة بوجه من الوجوه المعتبرة عند أهل العلم، ولو بحمل خاص .. ، عام على خاص، مطلق على مقيد، إذا أمكن الجمع تعين، إذا لم يمكن الجمع وعرفنا المتقدم من المتأخر قلنا: هذا ناسخ، إذا لم يمكن الجمع ولم نعرف المتقدم من المتأخر لا بد من الترجيح، إذا لم يمكن الترجيح فأيش؟ فالتوقف.
الترجيح: كيف ترجح بين هذه النصوص، النصوص هذه المتعارضة في الظاهر من القرآن، أو من السنة، أو منهما معاً، فالمؤلف -رحمه الله تعالى- يقول: وأما الأدلة فيقدم الجلي منها على الخفي، والموجب للعلم على الموجب للظن، والنطق على القياس، والقياس الجلي على الخفي، فإن وجد في النطق ما يغير الأصل وإلا فيستصحب الحال: المراد بالأدلة هنا: ما يثبت به الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، التي مضى الحديث عنها إجمالاً، فإذا كان في المسائل التفصيلية، الآن إجمالي، نتحدث إجمالاً عن الأدلة إجمالاً على ضوء ما تقدم الذي هو موضوع أصول الفقه.
يعني موضوع أصول الفقه الأدلة الإجمالية، فالأدلة الإجمالية يكون النظر فيها إجمالي مثل ما هنا، لكن لو كان عندنا دليل تفصيلي، دليل تفصيلي يدل على حكم مسألة ما فإن الكلام في هذا التعارض ودفعه يكون على سبيل التفصيل.
يعني إذا تعارض دليل من القرآن مع دليل من السنة، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر]، {فَصَلِّ}، دليل من القرآن، هل المراد بالصلاة الصلوات الخمس؟ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ}؟ هل المراد به الصلوات الخمس، نعم؟
ليس المراد به الصلوات الخمس، لكن: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة]: المراد به الصلوات الخمس {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، هذا دليل من القرآن استدل به بعضهم على وجوب صلاة العيد.
في حديث ضمام وهو من السنة: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تتطوع)).
فالنظر في تعارض .. ، في التعارض بين هذين الدليلين من وجوه:


أحد هذه الوجوه: أن أحدهما قطعي الثبوت وهو الآية، والثاني ظني وهو الحديث، فمن هذه الحيثية نقدم القطعي على أيش؟ الظني.
إذا نظرنا إلى هذين النصين من جهة أخرى، وجدنا أن الحديث يدل على المدعى بمفهومه بمفهومه، والآية تدل على المدعى بمنطوقها.
طيب، إذا نظرنا من جهة ثالثة، وهو أن دلالة الحديث على المدعى أصرح وأجلى من دلالة الآية على المدعى ولو كانت مفهومة، صح وإلا لا؟
يعني حينما يقول: هل علي غير الخمس؟ يقول: ما عليك شيء، هذا ما هو بصريح في نفي الزائد؟ نعم، لكن {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، أين الدلالة على صلاة العيد؟ ما في إلا اقترانه بالنحر، نعم، فالحديث أصرح في الدلالة، وإن كان ظنياً وإن كان مفهوماً، إلا أنه أصرح وأجلى من دلالة الآية على المدعى.
إذا تعارض عند المجتهد أكثر من فرد من أفراد ما ذكر -من أدلة الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب، وقول الصحابي -عند من يقول به- الأدلة الإجمالية- فلا بد من ترجيح بعضها على بعض إذا لم يمكن الجمع كما هو معروف، فيقدم الجلي وهو ما اتضح المراد منه، يقدم الجلي على ما اتضح المراد منه على الخفي وهو ما لم يتضح المراد منه، والموجب للعلم على الموجب للظن، والنطق على القياس، والقياس الجلي على الخفي، نعم، لا بد أن يقدم الجلي وهو ما اتضح المراد منه، بأن كان نصاً في الدلالة على المدعى، على الخفي وهو ما كانت دلالته ظاهرة أو مؤولة، الموجب للعلم وهو القرآن ومتواتر السنة -على ما تقدم- على الموجب للظن، وما ثبت من أخبار الآحاد، وهذا تقدم بسطه، والنطق: وهو قول الله -جل وعلا- وقول رسوله -عليه الصلاة والسلام- على القياس -الذي تقدم شرحه- إلا إذا كان النص عاماً، فإنه يخص بالقياس.
إذا خصصنا النص العام بالقياس، عندنا دليل قياس، وعندنا دليل من الكتاب أو من السنة لكنه عام، يتناول هذا الفرد بعمومه، وعندنا ما يخرج هذا الفرد بقياسه على ما خرج بالنص، نعم.
حبس من يأتي الفاحشة حتى الوفاة -آية النساء- نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من نسائكم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .


حتى .. ، نعم، {أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [(15) سورة النساء]، {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ} [(15) سورة النساء]، هذا يتناول بعمومه أيش؟ من يتناول؟
طالب: الحبس، يتناول المحصن. . . . . . . . .
نعم المحصن والثيب.
طالب: البكر.
كيف؟
طالب: المحصن والبكر.
نعم، الإحصان ضد البكارة، لكن هل نقول: إن هذا الحكم منسوخ بحديث عبادة: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة)) نقول: منسوخ؟ هذا يمكن أن يقول به من يرى نسخ القطعي بالظني -القرآن بالسنة- وحينئذ لا إشكال، لكن الذي لا يقول بالنسخ يقول: هو بيان بيان، فالحكم ساري إلى أمد، وقد انتهى الأمد، فقد جعل الله لهن سبيلاً، وليس من باب النسخ.
هاه، النص في الإماء، النص في الإماء، دعونا من هذه الآية، {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النور]، هذا المثال يكون أوضح، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}: هذا يتناول الأحرار والعبيد، بعمومه يتناول الأحرار والعبيد، خرج الإماء بقوله: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، وخرج العبيد بالقياس على الإماء، فالعموم -عموم الزانية والزاني- مخصوص بالقياس بالنسبة لذكور العبيد، مخصوص بقياسه على الإماء، فهنا القياس يخص العموم، فنحن قدمنا القياس على عموم النطق؛ لأن عندهم الترجيح، بل بعضهم يجعله من وجوه الجمع وهو في الحقيقة ترجيح، نرجح الخاص على العام، في الجزء الذي ورد فيه النص الخاص، فالتخصيص والتقييد نوع من أنواع النسخ، يطلق عليه بعض المتقدمين: النسخ، بمعناه الأعم، لا شك أن فيه رفع حكم بالنسبة لما ورد فيه الدليل الخاص، لكنه رفع جزئي وليس برفع كلي.
والله مملة الأصول أشوف الإخوان. . . . . . . . .


يقدم الجلي، وهو ما اتضح المراد منه على الخفي: وهو ما خفي المراد منه، والموجب للعلم: وهو القرآن ومتواتر السنة على الموجب للظن: وهو ما ثبت من أخبار الآحاد على النطق: وهو قول الله وقول رسوله على القياس: الذي تقدم شرحه، إلا إذا كان النص عاماً فإنه يخص بالقياس.
يعني قدمنا القياس -قياس العبيد على الإماء- قدمنا هذا القياس على عموم قوله -جل وعلا-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}.
القياس الجلي: وهو ما نص على علته، أو أجمع عليها، يقدم على القياس الخفي، وهو ما ثبت علته بالاستنباط، فإن وجد في النطق من الكتاب والسنة ما ينقل عن الأصل، إن وجد في النطق -الدليل من الكتاب والسنة- إن وجد فيهما ما ينقل عن الأصل الذي تحدثنا عنه قريباً وهو البراءة الأصلية، عمل بالنص، عمل بالنص الناقل عن الأصل، تركنا الأصل وعملنا بالنص، نعم؛ لأننا وجدنا ما ينقل عن هذا الأصل، وإن لم نجد نصاً ينقل عن الأصل فإننا نعمل بالاستصحاب، وهو العدم الأصلي الذي سبقت الإشارة إليه.

وقدموا من الأدلة الجلي ... على الخفي باعتبار العمل
وقدموا منها مفيدَ العلم ... على مفيد الظن أي للحكم
إلا مع الخصوص والعموم ... فليؤتى بالتخصيص لا التقديم
والنطق قدم عن قياسهم تفي ... وقدموا جليه على الخفي
وإن يكن في النطق من كتاب ... أو سنة تغيير الاستصحاب
فالنطق حجة إذا وإلا ... فكن بالاستصحاب مستدلاً

تفضل، تفضل أذن ....
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
ومن شرط المفتي: أن يكون عالماً بالفقه أصلاً وفرعاً، خلافاً ومذهباً، وأن يكون كامل الآلة في الاجتهاد، عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال الراوين، وتفسير الآيات الواردة في الأحكام والأخبار الواردة فيها، ومن شرط المستفتي: أن يكون أهلاً للتقليد، فيقلد المفتي في الفتيا: أن يكون من أهل التقليد، أن يكون من أهل التقليد فيقلد المفتي في الفتيا، وليس للعالم أن يقلد.
وليس للعالم أن يقلد، والتقليد قبول ...


يكفي، يكفي يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما فرغ المؤلف -رحمه الله تعالى- من بيان ما يحتاج إليه الطالب المبتدئ مما يتعلق بالأصول الإجمالية من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والاستصحاب، وقول الصحابي، وذكر كيفية الاستفادة منها، عقب ذلك كله بحال المستفيد والمجتهد.
المجتهد: وهو المفتي له شروط عند أهل العلم، من شرطه: أن يكون عالماً بالفقه أصلاً وفرعاً: يعني بأصوله وفروعه، كيف يكون عالماً بالفقه؟ كيف يكون المفتي عالماً بالفقه؟
يعني هل المقصود بذلك أن يكون مستحضراً لجميع المسائل الفقهية بأدلتها، أو يكفي في ذلك تحصيل جملة من المسائل يستطيع بواسطتها من تطبيق هذه الأصول على تلك الفروع بأدلتها، ويكون بالنسبة للباقي معرفته بها بالقوة القريبة من الفعل؟
فالفقيه منه ما يكون بالفعل، ففلان فقيه بالفعل يعني مستحضر لجميع المسائل المتداولة بين الفقهاء بأدلتها، ومنهم من يكون فقيهاً بالقوة القريبة من الفعل بمعنى أنه يستطيع الوصول إلى المسائل بأدلتها، ويتوصل إلى القول الصحيح بدليله في أقرب وقت، هذا فقيه لكنه بالقوة وليس بالفعل، وهذا تقدم ذكره في شرح تعريف الفقه.
أن يكون عالماً بالفقه أصلاً وفرعاً: يعني لا بد أن يكون متصوراً للمسائل الفقهية، وقواعد الفقه وأصوله، وبما فيها من الخلاف، سواءً كان في مذهب بعينه، إذا كان المراد به المجتهد المقيد، ويكون مجتهد مذهب يسمونه، مجتهد مذهب، أو على العموم في مذاهب العلماء كلهم إذا كان المراد الاجتهاد المطلق.
والمراد بمذاهب العلماء: مذاهب فقهاء الأمصار ممن يعتد بقوله منهم، ولا يقدح فيه أن يخفى عليه بعض الأقوال الشاذة التي لا حظ لها من النظر، ولا يقدح فيه أن يخفى عليه أقوال المبتدعة الذين لا يعتد بهم في الخلاف والوفاق.
اشتراط هذا الشرط الذي هو الاطلاع على المذاهب، ومعرفة مواطن الخلاف والإجماع؛ لئلا يخالف كلاماً مجمعاً عليه، فيحدث قول يخالف الإجماع.


من الشروط، الشرط الأول: أن يكون عالماً بالفقه أصلاً وفرعاً خلافاً ومذهباً، والثاني: أن يكون كامل الآلة في الاجتهاد، كامل الآلة، وهذا الشرط إما أن يراد به الأوصاف الغريزية الخلقية في الإنسان، أو يراد به الأوصاف المكتسبة، لكن حمله على الأوصاف الغريزية من كونه صحيح الذهن، جيد الفهم، بمعنى أنه عنده من الحفظ ما يؤهله لحفظ النصوص التي يعتمد عليها، وعنده من الفهم ما يؤهله لفهم هذه النصوص؛ من أجل أن يستنبط منها، حمله على هذا أولى؛ لأن الاحتمال الثاني يغني عنه الشرط الثالث، وهو أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام.
هذه هي العلوم المكتسبة، لا بد أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام، فلا بد أن يكون جيد التحصيل فيما ذكره المؤلف من علوم، جيد التحصيل، لا يشترط أن يكون حافظاً لجميع هذه العلوم، بحيث يكون في كل علم كخواص أهله، بل يكفي من هذه العلوم ما يحتاج إليه في فهم النصوص، في فهم الكتاب والسنة، فلا بد من مشاركته في النحو واللغة، وهذا أشار إليه المؤلف، أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من النحو واللغة، لا بد أن يكون عالماً بالقدر اللازم الكافي لفهم الكلام من اللغة بفروعها.
فروع اللغة كم؟ عشرة؟ النحو، الصرف، اللغة، أيش معنى اللغة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مفرداتها التي يسمونها متن اللغة وفقه اللغة، نعم، والعروض، والقوافي، والبيان، والمعاني، والبديع، والاشتقاق، هذه فروع علم اللغة، لكن لا يلزم معرفة العروض والقوافي لماذا؟
لأن الكلام نثر، كلام الله -جل وعلا- ليس بشعر، وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- نُفِيَ عنه أن يكون شعراً.
على كل حال هذا من الكمال أن يكون عارفاً بذلك، وهذا معروف عند أهل العلم، فروع هذه العلوم كلها معروفة عند أهل العلم إلى طبقة شيوخنا.


نذكر أننا لما كنا نقرأ على الشيخ عبد العزيز -رحمة الله عليه- سنة خمسة وتسعين في الفرائض جاء بيت كان فيه انكسار، فقطعه الشيخ عروضياً وأثبت أن ما فيه شيء، فمثل هذا يحتاج إليه لا شك أنه كمال، نعم، هذا أمر كمالي لكن يحتاج إليه طالب العلم، طالب العلم محتاج إلى النحو، هذه حاجة ضرورية ليست كمالية، الصرف –أيضاً- كذلك، مفردات اللغة الذي هو متن اللغة، فقه اللغة، الآن منا من يفرق بين متن اللغة وفقه اللغة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت عندك كلمة نعم، عندك كلمة (الفَصِيل) ما معنى الفصيل؟ هاه، أيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا أيش معناه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولد أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ولد أيش خلينا معنىً واحداً.
طالب:. . . . . . . . .
ولد الناقة، هذا مفردات اللغة -متن اللغة- لكن إذا كنت تعرف ولد الناقة، هذا ولد ناقة، لكن أيش يسمى بلغة العرب؟
ترجع إلى كتب فقه اللغة، يعني عكس متن اللغة.
أما بالنسبة لمتن اللغة ومفرداتها فيها المعاجم التي لا تعد ولا تحصى، ومن أهمها كتب المتقدمين مثل (الصحاح، والتهذيب) يليها (اللسان والقاموس)، ومن أجمع ما كتب في اللغة (تاج العروس).
هناك أيضاً (المجمل، ومعجم المقاييس لابن فارس) وغيرها، كتب كثيرة لا يحاط بها، لكن كتب فقه اللغة قليلة، من أنفسها: (فقه اللغة للثعالبي) وهو مختصر، وأيضاً (المخصص لابن سيدة) كتاب نفيس، ولا يستغني عنه طالب علم.
هناك كتاب اسمه (الإفصاح في فقه اللغة لعبد المتعال الصعيدي) أظن كتب النحو والصرف لو بدأنا نعدد كتب النحو والتدرج فيها، والصرف كذلك .. ، وما لعل هذا نرجئه إلى شرح الأجرومية وهي التي بعد هذا الكتاب، بعد الورقات الأجرومية -إن شاء الله تعالى-.
والصرف واللغة فقهاً ومتناً، والعروض والقافية، وهذه أيضاً كتب فيها كثير، والبيان، والمعاني، والبديع، الفنون الثلاثة التي يجمعها (البلاغة)، وفيها الكتب الكثيرة للمتقدمين والمتأخرين، وفيها لعبد القاهر الجرجاني أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز، وفيها المفتاح للسكاكي، وفيها (تلخيص المفتاح) الذي دار الناس بفلكه، ومشوا ورائه وكثرت شروحه وحواشيه، وعنوا به.


لماذا نحتاج إلى النحو واللغة والصرف وهذه العلوم؟
لأن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وردت بلسان العرب، فلا بد لفهمهما من معرفة بهذه العلوم؛ تؤهل لفهمها، والمراد بذلك -مثل ما ذكرنا- القدر المجزئ الذي يقبح جهله، ولا يراد بذلك أن يتقن كل فرع من هذه الفروع كخواص أهله، على ما سبقت الإشارة إليه.
من الأدب أيضاً -من أدب المفتي- أن يطلع على كتب الآداب، وهذه تعطيه الأساليب والعبارات الجيدة التي يستطيع بواسطتها أن يوصل ما لديه من علوم، ويقصد بذلك الأدب العفيف لا الأدب الماجن، وإن كان أهل العلم يطلعون على الكتب وإن كان فيها ما فيها، وفيها فوائد وإن كان فيها شيء من المخالفة التي بعضها لا يليق بسمت طالب العلم، لكن تجد كثيراً من أهل العلم حينما يفتي أو يسأل يصعب عليه أن يوصل المعلومة التي يريدها إلى المستفتي،.
نعم هناك كتب قد تغني عن هذه الكتب وهي عفيفة، مثل الأساليب الرائعة التي بثها ابن القيم في كتبه، لو يحفظ منها طالب العلم كمية وجملة استفاد منها في مستقبل حياته.
ولذا العالم حينما يسأل ينبغي أن ينظر حال السائل من أي طبقة يكون، فيخاطبه على قدر فهمه، قد يكون السائل طالب علم وليس عنده من العبارات ما يستطيع أن يوصله إلى طالب العلم، مع أن طالب العلم أسهل من العامي، فيوصل المعلومة والفتوى والجواب إلى هذا السائل بالأسلوب المناسب، هذا إذا كان السائل واحداً أو مجموعة يشملهم وصف واحد، لكن إذا كان السؤال مطروح على خلائق لا يحصون، منهم العالم، منهم المتعلم، منهم العامي، منهم الذي لا يفهم اللهجات، فمثل هذا يتعين عليه أن يكون جوابه مفهوماً لدى السامعين، فلا يفتي بلهجة لا يفهمها جميع من يستمع.
هو لا يطالب أن يفتي بجميع اللغات، أو يتعلم جميع اللغات ليفتي بها، لكن أقل الأحوال أن يتقن العربية؛ بحيث يفتي الناس بالعربية؛ لأن الأقاليم تختلف في فهم العامية، وبعض الألفاظ العامية يختلف مدلولها من قطر إلى آخر، يختلف مدلولها من قطر إلى آخر، وقد تفيد الضد والنقيض، تفيد الضد والنقيض من المقصود.
فالعالم عليه أن يعتني بالعربية ويفتي بالعربية لا سيما إذا كان من يسمعه من شرائح متنوعة، ومن أقطار متباعدة؛ لأن الآن ما هو مثل قبل لا يبلغ صوتك إلا أمتاراً، الآن ألوف مؤلفة من الكيلوات يصل الصوت، والله المستعان.