(8/654)
قَالَ سَالِمٌ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ:
«أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ
أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ بَعْدَ أَنْ رَمَى
الْجَمْرَةَ، وَقَبْلَ أَنْ يَزُورَ» . قَالَ سَالِمٌ:
وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ:
مَا دَرَيْتُ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ مَنْ خَالَفَنَا
فِي تَطْيِيبِ الْمُحْرِمِ، اتَّهَمَ الرِّوَايَةَ عَنِ
النَّبِيِّ، فَهِيَ عَنِ النَّبِيِّ أَثْبَتُ مِنَ
الرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ، يَرْوِيهَا عَطَاءٌ وَعُرْوَةُ
وَالْقَاسِمُ وَغَيْرُهُمْ، عَنْ عَائِشَةَ، وَإِنَّمَا
تِلْكَ الرِّوَايَةُ [ص:655] مِنْ حَدِيثِ رَجُلَيْنِ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، وَإِنْ جَازَ أَنْ تُتَّهَمَ
رِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ عَنْ
عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ، جَازَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ. وَلَيْسَ يَشُكُّ عَالِمٌ
إِلَّا مُخْطِئٌ أَنَّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ أَوْلَى
أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ، وَقَائِلُ هَذَا يُخَالِفُ بَعْضَ مَا
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي هَذَا. عُمَرُ
يُبِيحُ مَا حَرَّمَهُ الْإِحْرَامُ إِذَا رَمَى وَحَلَقَ
إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، وَهُوَ يُحَرِّمُ الصَّيْدَ
خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ، وَهُوَ مِمَّا أَبَاحَ عُمَرُ،
فَيُخَالِفُ عُمَرَ لِرَأْيِ نَفْسِهِ وَيَتَّبِعُهُ،
وَيُخَالِفُ بِهِ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ كَثْرَةِ خِلَافِهِ عُمَرَ
لِرَأْيِ نَفْسِهِ وَرَأْيِ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ.
قَالَ: وَلَمْ أَعْلَمْ لَهُ مَذْهَبًا إِلَّا أَنْ
يَكُونَ شُبِّهَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ
أُمَيَّةَ فِي أَنْ يَغْسِلَ الْمُحْرِمُ أَثَرَ
الصُّفْرَةِ عَنْهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ
يُخَالِفُ حَدِيثُ يَعْلَى حَدِيثَ عَائِشَةَ؟ قِيلَ: لَا
, إِنَّمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ بِالْغَسْلِ فِيمَا نَرَى
وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِلصُّفْرَةِ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا
نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ أَنْ يَغْسِلَ الصُّفْرَةَ
إِلَّا لِمَا وَصَفْتُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْهَى عَنِ
الطِّيبِ فِي حَالِ يَتَطَيَّبُ فِيهَا صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِغَسْلِ
الصُّفْرَةِ؛ لِأَنَّهَا طِيبٌ، كَانَ أَمْرُهُ إِيَّاهُ
بِغَسْلِ الصُّفْرَةِ عَامَ الْجِعْرَانَةِ، وَهِيَ سَنَةُ
ثَمَانٍ، وَكَانَ تَطَيُّبُهُ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
وَهِيَ سَنَةُ عَشْرٍ، فَكَانَ تَطَيُّبُهُ لِإِحْرَامِهِ
وَلِحِلِّهِ نَاسِخًا لِأَمْرِهِ الْأَعْرَابِيَّ بِغَسْلِ
الصُّفْرَةِ , وَالَّذِي خَالَفَنَا يَرْوِي أَنَّ أُمَّ
حَبِيبَةَ طَيَّبَتْ مُعَاوِيَةَ، وَنَحْنُ نَرْوِي عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ التَّطَيُّبَ
لِلْإِحْرَامِ وَالْحِلِّ، وَنَرْوِيهِ عَنْ غَيْرِهِمَا ,
وَهُوَ يَقُولُ مَعَنَا فِي الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ
مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ يُصْبِحُ جُنُبًا، أَنَّ صَوْمَهُ
تَامٌّ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ وَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ ,
وَالتَّطَيُّبَ كَانَ وَهُوَ مُبَاحٌ لِلرَّجُلِ قَبْلَ
أَنْ يُحْرِمَ لَا شَكَّ , وَقَبْلَ أَنْ يَطُوفَ
بِالْبَيْتِ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَوْ
كَانَ يَنْظُرُ إِلَى حَالِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إِذَا
كَانَ الطِّيبُ قَبْلَهُ كَانَ تَرَكَ قَوْلَهُ؛
لِأَمْرِهِ بِالدَّهْنِ الَّذِي لَا يَبْقَى عَلَيْهِ؛
لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ دَهْنَ
رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِدَهْنٍ غَيْرِ طِيبٍ وَهُوَ
مُحْرِمٌ , وَلَا أَعْلَمُهُ اسْتَقَامَ عَلَى أَصْلٍ
ذَهَبَ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْقَوْلِ
(8/654)
بَابُ مَا يَأْكُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ
الصَّيْدِ
(8/655)
حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ،
أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ،
أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ،
قَالَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ مَا فِي وَجْهِي
قَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا
حُرُمٌ»
(8/655)
أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ، وَسَعِيدٌ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي
النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
التَّيْمِيِّ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا
كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ
لَهُ مُحْرِمِينَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَى
حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ
أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ، فَأَبَوْا،
فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ، فَأَخَذَ رُمْحَهُ فَشَدَّ عَلَى
الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ، وَأَبَى بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا
النَّبِيَّ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ
مَطْعَمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ» . أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، فِي الْحِمَارِ
الْوَحْشِيِّ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ، إِلَّا
أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:
«هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟» قَالَ
الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ يُخَالِفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ حَدِيثَ طَلْحَةَ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ،
وَكَذَلِكَ لَا يُخَالِفُهُمَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، وَبَيَانُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَلِفَةً
فِي حَدِيثِ جَابِرٍ
(8/655)
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ،
عَنِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ: «لَحْمُ الصَّيْدِ لَكُمْ فِي الْإِحْرَامِ
حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهْ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ» .
أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ
يُحَدِّثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، بِهَذَا
الْإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ هَكَذَا. حَدَّثَنَا
الْرَّبِيْعُ، أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
أَبِي عَمْرٍو، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، عَنْ
جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَكَذَا. قَالَ [ص:656] الشَّافِعِيُّ: وَابْنُ أَبِي
يَحْيَى أَحْفَظُ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُلَيْمَانُ
مَعَ ابْنِ أَبِي يَحْيَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ
كَانَ الصَّعْبُ أَهْدَى الْحِمَارَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ
حِمَارٍ وَحْشِيٍّ حَيٍّ، وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ
لَحْمًا، فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ
صَيْدٌ لَهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، وَمِنْ سُنَّتِهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُحِلَّ لِلْمُحْرِمِ
مَا صِيدَ لَهُ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا أَحَدَ
الْوَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ
صِيدَ لَهُ، كَانَ لَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا
يَقُولُ حِينَئِذٍ لَهُ: «إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» ،
وَبِهَذَا قُلْنَا: لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا الْوَجْهَيْنِ
قَبْلَهُ، قَالَ: وَأَمَرَ أَصْحَابَ أَبِي قَتَادَةَ أَنْ
يَأْكُلُوا مَا صَادَهُ رَفِيقُهُمْ بِعِلْمِهِ أَنَّهُ
لَمْ يَصِدْهُ لَهُمْ وَلَا بِأَمْرِهِمْ، فَحَلَّ لَهُمْ
أَكْلُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِيضَاحُهُ فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ، وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ، أَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى
لِلنَّبِيِّ حِمَارًا، أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ مَنْ حَدَّثَ
أَنَّهُ أَهْدَى لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارٍ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ، فَإِنْ عَرَضَ فِي نَفْسِ امْرِئٍ مِنْ قَوْلِ
اللَّهِ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا
دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ، قِيلَ لَهُ: إِنَّ
اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنَعَ الْمُحْرِمَ قَتْلَ
الصَّيْدِ فَقَالَ: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ
حُرُمٌ} [المائدة: 95] ، وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا
لَكُمْ} [المائدة: 96] ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَصِيدُوا
صَيْدَ الْبَحْرِ، وَأَنْ يَأْكُلُوهُ إِنْ لَمْ
يَصِيدُوهُ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ طَعَامَهُ، ثُمَّ لَمْ
يَخْتَلِفِ النَّاسُ فِي أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصِيدَ
صَيْدَ الْبَحْرِ وَيَأْكُلَ طَعَامَهُ، وَقَالَ فِي
سِيَاقِهَا {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا
دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ، فَاحْتَمَلَ أَنْ لَا
تَقْتُلُوا صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا.
وَأَشْبَهَ ذَلِكَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ،
ثُمَّ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ اللَّهِ
صَيْدَ الْبَرِّ فِي حَالَيْنِ: أَنْ يَقْتُلَهُ رَجُلٌ،
وَأُمِرَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِأَنْ يَفْدِيَهُ،
وَأَنْ لَا يَأْكُلَهُ إِذَا أُمِرَ بِصَيْدِهِ، فَكَانَ
أَوْلَى الْمَعَانِي بِكِتَابِ اللَّهِ مَا دَلَّتْ
عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَوْلَى الْمَعَانِي
بِنَا أَنْ لَا تَكُونَ الْأَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةً؛
لِأَنَّ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ تَصْدِيقَ خَبَرِ أَهْلِ
الصِّدْقِ مَا أَمْكَنَ تَصْدِيقُهُ، وَخَاصُّ السُّنَّةِ
إِنَّمَا هُوَ خَبَرُ خَاصَّةٍ، لَا عَامَّةٍ
(8/655)
بَابُ خِطْبَةِ الرَّجُلِ عَلَى خِطْبَةِ
أَخِيهِ
(8/656)
حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ،
عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى
خِطْبَةِ أَخِيهِ» . أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
عَنِ النَّبِيِّ مِثْلَهُ، قَالَ: وَقَدْ زَادَ بَعْضُ
الْمُحَدِّثِينَ: «حَتَّى يَأْذَنَ، أَوْ يَتْرُكَ»
(8/656)
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فَاطِمَةَ
بِنْتِ قَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهَا فِي
عِدَّتِهَا مِنْ طَلَاقِ زَوْجِهَا: «فَإِذَا حَلَلْتِ
فَآذِنِينِي» ، قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ فَأَخْبَرْتُهُ
أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا
مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ
عَنْ عَاتِقِهِ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» ،
قَالَتْ: فَكَرِهْتُهُ، فَقَالَ: «انْكِحِي أُسَامَةَ» ،
فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا،
وَاغْتَبَطْتُ بِهِ. . قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدِيثُ
فَاطِمَةَ غَيْرُ مُخَالِفٍ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ فِي نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ
أَخِيهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
مِمَّا حَفِظْتُ جُمْلَةٌ عَامَّةٌ يُرَادُ بِهَا
الْخَاصُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
لَا يَنْهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ
أَخِيهِ فِي حَالٍ يَخْطُبُ هُوَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ،
وَلَكِنَّ نَهْيَهُ عَنْهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، فَإِنْ
قَالَ قَائِلٌ: فَأَيُّ حَالٍ نَهَى عَنِ الْخِطْبَةِ
فِيهَا؟ قِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَمَّا الَّذِي تَدُلُّ
عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ، فَإِنَّ نَهْيَهُ عَنْ أَنْ
يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِذَا أَذِنَتِ
الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا؛ لِأَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ رَدَّ نِكَاحَ خَنْسَاءَ بْنَتِ خِذَامٍ،
وَكَانَتْ ثَيِّبًا، فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا بِلَا
رِضَاهَا، فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ
إِذَا زَوَّجَ قَبْلَ إِذْنِ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ
كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى
أَنَّهُ إِذَا زَوَّجَ بَعْدَ رِضَاهَا كَانَ النِّكَاحُ
ثَابِتًا، وَتِلْكَ الْحَالُ الَّتِي إِذَا زَوَّجَهَا
فِيهَا الْوَلِيُّ ثَبَتَ عَلَيْهَا فِيهَا النِّكَاحُ،
وَلَا يَجُوزُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ غَيْرُ هَذَا؛
لِأَنَّهُ لَا حَالَيْنِ لَهَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا فِي
النِّكَاحِ فِيهِمَا غَيْرَهُمَا، وَفَاطِمَةُ لَمْ
تُعْلِمْ رَسُولَ اللَّهِ إِذْنَهَا فِي أَنْ تَزَوَّجَ
مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَا جَهْمٍ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّ
النَّبِيَّ نَهَى مُعَاوِيَةَ وَلَا أَبَا جَهْمٍ أَنْ
يَخْطُبَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ، وَلَا
أَحْسَبُهُمَا خَطَبَاهَا إِلَّا [ص:657] مُفْتَرِقَيْنِ،
أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَتِ
الْمَرْأَةُ بِكْرًا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا، وَأَمَةً
يُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا، فَخُطِبَتْ، فَلَا نَنْهَى
أَحَدًا أَنْ يَخْطُبَهَا عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ حَتَّى
يَعِدَهُ الْوَلِيُّ أَنْ يُزَوِّجَهُ؛ لِأَنَّ رِضَا
الْأَبِّ وَالسَّيِّدِ فِيهِمَا كَرِضَاهُمَا فِي
أَنْفُسِهِمَا، قَالَ: فَقَالَ لِي قَائِلٌ: إِنَّ بَعْضَ
أَصْحَابِكَ ذَهَبَ إِلَى أَنْ قَالَ: إِنَّمَا نُهِيَ
عَنِ الْخِطْبَةِ إِذَا رَكَنَتِ الْمَرْأَةُ، فَقُلْتُ:
هَذَا كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ، أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ
ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا إِذَا رَكَنَتْ أَشْبَهُ
بِالنِّكَاحِ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَرَكْنَ، فَقِيلَ لَهُ:
أَفَرَأَيْتَ إِنْ خَطَبَهَا رَجُلٌ فَشَتَمَتْهُ
وَآذَتْهُ، ثُمَّ عَادَ فَتَرَكَتْ شَتْمَهُ وَسَكَتَتْ،
ثُمَّ عَادَ فَقَالَتْ: أَنْظُرُ، أَلَيْسَتْ فِي كُلِّ
حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَقْرَبَ إِلَى أَنْ
تَكُونَ رَضِيَتْ بِنِكَاحِهِ مِنْهَا فِي الْحَالِ
الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا إِذَا تَرَكَتِ الشَّتْمَ
فَكَأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنَ الرِّضَا، وَإِذَا قَالَتْ:
أَنْظُرُ، فَهِيَ أَقْرَبُ مِنَ الرِّضَا مِنْهَا إِذَا
تَرَكْتِ الشَّتْمَ وَلَمْ تَقُلْ: أَنْظُرُ، أَرَأَيْتَ
إِنْ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: إِذَا كَانَ بَعْضُ هَذَا لَمْ
يَسَعْ غَيْرَهُ الْخِطْبَةُ، هَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ
إِلَّا أَنْ يُقَالَ: هِيَ رَاكِنٌ وَقَرِيبَةٌ مِنَ
الرِّضَا، وَمُسْتَدَلٌّ عَلَى هَوَاهَا، لَا يَجُوزُ
نِكَاحُهَا، وَإِذَا لَمْ يُجَزْ إِنْكَاحُهَا فَلَا
حُكْمَ يُخَالِفُ هَذَا مِنْهَا، إِلَّا أَنْ تَأْذَنَ
لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَإِذَا لَمْ تَأْذَنْ
لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يُزَوِّجَهَا، وَإِنْ زَوَّجَهَا رُدَّ النِّكَاحُ، وَهِيَ
إِذَا أَذِنَتْ بِالنِّكَاحِ فَعَلَى وَلِيِّهَا
تَزْوِيجُهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ زَوَّجَهَا
الْحَاكِمُ، وَإِذَا زُوِّجَتْ بَعْدَ الْإِذْنِ جَازَ
النِّكَاحُ، وَلَا افْتِرَاقَ لِحَالِهَا أَبَدًا إِلَّا
الْإِذْنُ، وَمَا خَالَفَ مَنْ تَرَكَ الْإِذْنَ، وَمَنْ
قَالَ: إِذَا رَكَنَتْ، خَالَفَ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا،
فَلَمْ يَجُزِ الْخِطْبَةُ لِكُلِّ حَالٍ؛ لِحَدِيثِ
فَاطِمَةَ، وَلَمْ يَرُدَّهَا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِجُمْلَةِ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ
يُسْتَدَلَّ بِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَيَأْتِي بِمَعْنًى
يُعْرَفُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَوْلُ مَنْ زَادَ فِي
الْحَدِيثِ: «حَتَّى يَأْذَنَ، أَوْ يَتْرُكَ» ، لَا
يُحِيلُ مِنَ الْأَحَادِيثِ شَيْئًا، وَإِذَا خَطَبَهَا
رَجُلٌ فَأَذِنَتْ فِي إِنْكَاحِهِ ثُمَّ تَرَكَ
نِكَاحَهَا وَأَذِنَ لِخَاطِبِهَا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ
يَخْطُبَهَا، وَمَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجُزْ. قَالَ
الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمِنْ أَيْنَ تَرَى
هَذَا كَانَ فِي الرِّوَايَةِ هَكَذَا؟ قِيلَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحَدِّثٌ حَضَرَ سَائِلًا
سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ امْرَأَةً
فَأَذِنَتْ فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا يَخْطُبْ
أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ، يَعْنِي فِي
الْحَالِ الَّتِي سَأَلَ فِيهَا عَلَى جَوَابِ
الْمَسْأَلَةِ، فَسَمِعَ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ وَلَمْ
يَحْكِ مَا قَالَ السَّائِلُ، أَوْ سَبَقَتْهُ
الْمَسْأَلَةُ، وَسَمِعَ جَوَابَ النَّبِيِّ فَاكْتَفَى
بِهِ وَأَدَّاهُ، وَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا
يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» ، إِذَا
أَذِنَتْ وَكَانَ حَالُ كَذَا، فَأَدَّى بَعْضَ
الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُؤَدِّ بَعْضًا، أَوْ حَفِظَ بَعْضًا
وَأَدَّى مَا يَحْفَظُهُ، وَلَمْ يَحْفَظْ بَعْضًا،
فَأَدَّى مَا أَحَاطَ بِحِفْظِهِ، وَلَمْ يَحْفَظْ بَعْضًا
فَسَكَتَ عَمَّا لَمْ يَحْفَظْ، أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ مَا
سَمِعَ فَأَدَّى مَا لَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَسَكَتَ عَمَّا
شَكَّ فِيهِ مِنْهُ، أَوْ يَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ
دَوَّنَهُ مِمَّنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَنْهُ، وَقَدِ
اعْتَبَرْنَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ أَدْرَكْنَا
فَرَأَيْنَا الرَّجُلَ يُسْأَلُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ
عِنْدَهُ حَدِيثٌ فِيهَا، فَيَأْتِي مِنَ الْحَدِيثِ
بِحَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ يَكُونُ فِيهِمَا عِنْدَهُ
جَوَابٌ لِمَا يُسْأَلُ عَنْهُ، وَيَتْرُكُ أَوَّلَ
الْحَدِيثِ وَآخِرَهُ، فَإِنْ كَانَ الْجَوَابُ فِي
أَوَّلِهِ تَرَكَ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ جَوَابُ
السَّائِلِ لَهُ فِي آخِرِهِ تَرَكَ أَوَّلَهُ، وَرُبَّمَا
نَشِطَ الْمُحَدِّثُ فَأَتَى بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ
وَلَمْ يُبْقِ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا يَخْلُو مَنْ رَوَى
هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ عِنْدِي وَاللَّهُ
أَعْلَمُ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي
(8/656)
بَابُ الصَّوْمِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ،
وَالْفِطْرِ لَهُ
(8/657)
حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا،
وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ
عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ» . وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ يَصُومُ قَبْلَ الْهِلَالِ بِيَوْمٍ. قِيلَ
لِإِبْرَاهِيمَ: يَتَقَدَّمُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ
(8/657)
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: عَجِبْتُ مِمَّنْ يَتَقَدَّمُ الشَّهْرَ
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى
تَرَوْهُ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ»
(8/657)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:658] قَالَ: «لَا
تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا
أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ
أَحَدُكُمْ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا
لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا
ثَلَاثِينَ»
(8/657)
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي
عَلْقَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ،
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ: «لَا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ
بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلًا كَانَ يَصُومُ
صِيَامًا فَلْيَصُمْهُ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا
كُلِّهِ نَأْخُذُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ
اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يُصَامَ حَتَّى يُرَى
الْهِلَالُ، وَلَا يُفْطَرَ حَتَّى يُرَى الْهِلَالُ؛
لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ
وَالْحَجِّ، وَقَدْرُهَا يَتِمُّ وَيَنْقُصُ، فَأَمَرَهُمُ
اللَّهُ أَنْ لَا يَصُومُوا حَتَّى يَرَوَا الْهِلَالَ،
عَلَى مَعْنَى: أَنْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْكُمْ أَنْ
تَصُومُوا حَتَّى تَرَوَا الْهِلَالَ، وَإِنْ خِفْتُمْ
أَنْ يَكُونَ قَدْ رَآهُ غَيْرُكُمْ فَلَا تَصُومُوا
حَتَّى تَرَوْهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمْ صَوْمَهُ، وَلَا
تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْكُمْ
إِتْمَامَهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا
الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، يَعْنِي: فِيمَا قَبْلَ الصَّوْمِ
مِنْ شَعْبَانَ، ثُمَّ تَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ
عَلَيْكُمُ الصَّوْمَ، وَكَذَلِكَ فَاصْنَعُوا فِي عَدَدِ
رَمَضَانَ، فَتَكُونُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ
لَكُمُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّكُمْ قَدْ صُمْتُمْ كَمَالَ
الشَّهْرِ، قَالَ: وَابْنُ عُمَرَ سَمِعَ الْحَدِيثَ كَمَا
وَصَفْتُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتَقَدَّمُ رَمَضَانَ
بِيَوْمٍ، قَالَ: وَحَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ: «لَا
تَصُومُوا إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ
يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» يَحْتَمِلُ مَعْنَى مَذْهَبِ ابْنِ
عُمَرَ فِي صَوْمِهِ قَبْلَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ
تَصُومُوا عَلَى مَا كُنْتُمْ تَصُومُونَ مُتَطَوِّعِينَ،
لَا أَنَّ عَلَيْكُمْ وَاجِبًا أَنْ تَصُومُوا إِذَا لَمْ
تَرَوَا الْهِلَالَ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ مِنْ
أَنْ يَرَى أَنْ لَا يُوصَلَ رَمَضَانُ بِشَيْءٍ مِنَ
الصَّوْمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ اعْتَادَ صَوْمًا
مِنْ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، فَوَافَقَ بَعْضُ ذَلِكَ
الصَّوْمِ يَوْمًا يَصِلُ شَهْرَ رَمَضَانَ. قَالَ
الشَّافِعِيُّ: فَأَخْتَارُ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ
يَوْمَ الشَّكِّ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ
يَكُونَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَأَخْتَارُ صِيَامَهُ،
وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ، وَلِهَذَا نَظِيرٌ فِي
الصَّلَاةِ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ، وَهُوَ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي سَاعَاتٍ
مِنَ النَّهَارِ
(8/658)
بَابُ نَفْيِ الْوَلَدِ
(8/658)
حَدَّثَنَا الْرَّبِيْعُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ،
أَوْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، الشَّكُّ
مِنْ سُفْيَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»
(8/658)
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ عَبْدَ
بْنَ زَمْعَةَ وَسَعْدًا اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْنِ أَمَةِ
زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَوْصَانِي أَخِي إِذَا قَدِمْتُ مَكَّةَ أَنْ أَنْظُرَ
إِلَى ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ: فَاقْبِضْهُ؛ فَإِنَّهُ
ابْنِي، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ
أَمَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي. فَرَأَى
شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ: «هُوَ لَكَ يَا
عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ،
وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ»
(8/658)
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فَرَّقَ بَيْنَ
الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ
(8/658)
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَرْسَلَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى شَيْخٍ مِنْ بَنِي
زُهْرَةَ، كَانَ يَسْكُنُ دَارَنَا، فَذَهَبْتُ مَعَهُ
إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَسَأَلَهُ عَنْ وِلَادٍ
مِنْ وِلَادِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: أَمَّا الْفِرَاشُ
فَلِفُلَانٍ، وَأَمَّا النُّطْفَةُ فَلِفُلَانٍ، فَقَالَ
عُمَرُ: صَدَقَ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى
بِالْفِرَاشِ
(8/658)
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
السَّاعِدِيِّ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: «انْظُرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ
بِهِ أَسْحَمَ، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، عَظِيمَ
الْأَلْيَتَيْنِ، فَلَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ
عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ
وَحَرَةٌ، فَلَا أُرَاهُ إِلَّا كَاذِبًا» . قَالَ:
فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ
(8/658)
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُمَيْغِرَ سَبْطًا
فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ
جَعْدًا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ» . قَالَ: فَجَاءَتْ
بِهِ أُدَيْعِجَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي حَدِيثِ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ عَنِ
النَّبِيِّ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَفَى
الْوَلَدَ عَنِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفِهِ
عَنْهُ لَمْ يَأْمُرْ [ص:659] وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ
أَمْرِهِمْ، وَأَحْكَامَ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ فِي
الْآخِرَةِ عَلَى سَرَائِرِهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا
يُطْلِعُ عَلَى السَّرَائِرِ غَيْرَهُ، وَفِي ذَلِكَ
إِبْطَالُ أَنْ يَحْكُمَ النَّاسُ فِي شَيْءٍ أَبَدًا
بِغَيْرِ الظَّاهِرِ، وَإِبْطَالُ أَحْكَامِ التَّوَهُّمِ
كُلِّهِا مِنَ الذَّرَائِعِ، وَمَا يَغْلِبُ عَلَى
سَامِعِهِ وَمَا سِوَاهَا؛ وَلِأَنِّي لَا أَعْلَمُ
شَيْئًا يَعُدُّ أَمْرَ الْمُنَافِقِينَ أَبْيَنَ مِنْ
أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْمُلَاعِنَةِ وَهِيَ
حُبْلَى: إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي
يَتَّهِمُهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَلَا أَحْسَبُهُ
إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا، فَتَأْتِي بِهِ عَلَى مَا
وَصَفَ أَنَّهُ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ، ثُمَّ لَا يَحُدُّ
الَّذِي يُتَّهَمُ بِهِ، وَلَا هِيَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ:
وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، مَا فِي هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ مِنْ إِلْحَاقِ النَّبِيِّ الْوَلَدَ
بِالْمَرْأَةِ، وَذَلِكَ نَفْيُهُ عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ
أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ
عِنْدَ مَنْ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ:
وَلَيْسَ يُخَالِفُ حَدِيثُ نَفْيِ الْوَلَدِ عَمَّنْ
وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ قَوْلَ النَّبِيِّ: «الْوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» . وَمَعْنَى
قَوْلِهِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا، وَهُوَ أَعَمُّهُمَا وَأَوْلَاهُمَا: أَنَّ
الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ مَا لَمْ يَنْفِهِ رَبُّ الْفِرَاشِ
بِاللِّعَانِ الَّذِي نَفَاهُ بِهِ عَنْهُ رَسُولُ
اللَّهِ، فَإِذَا نَفَاهُ بِاللَّعَّانِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ
عَنْهُ، وَغَيْرُ لَاحِقٍ بِمَنِ ادَّعَاهُ بِزِنًا،
وَإِنْ أَشْبَهَهُ كَمَا لَمْ يُلْحِقِ النَّبِيُّ
الْمَوْلُودَ الَّذِي نَفَاهُ زَوْجُ الْمَرْأَةِ
بِاللِّعَانِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ،
وَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَبَهَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى غَيْرِ فِرَاشٍ،
وَتَرَكَ النَّبِيُّ أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِ، مِثْلُ
قَوْلِهِ: «وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ، فَجَعَلَ وَلَدَ
الْعَاهِرِ لَا يُلْحَقُ، كَانَ الْعَاهِرُ لَهُ
مُدَّعِيًا، أَوْ غَيْرَ مُدَّعٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ:
وَالْمَعْنَى الثَّانِي إِذَا تَنَازَعَ الْوَلَدَ رَبُّ
الْفِرَاشِ وَالْعَاهِرُ، فَالْوَلَدُ لِرَبِّ الْفِرَاشِ،
وَإِنْ نَفَى الرَّجُلُ الْوَلَدَ بِلِعَانٍ فَهُوَ
مَنْفِيٌّ، وَإِذَا حَدَثَ إِقْرَارٌ بَعْدَ اللِّعَانِ
فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي
نُفِيَ بِهِ عَنْهُ بِالْتِعَانِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا
أَقَرَّ بِكَذِبِهِ بِالِالْتِعَانِ كَانَ الْوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ كَمَا قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَوْ أَقَرَّ
بِهِ مَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ
إِقْرَارِهِ بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ بِكُلِّ
حَقٍّ لِآدَمَيٍّ مَرَّةً يُلْزِمُهُ، وَلَا يُخْرِجُهُ
مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ غَيْرِ
أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا أَنْفِي الْوَلَدَ بِاللِّعَانِ،
وَأَجْعَلُ الْوَلَدَ لِزَوْجِ الْمَرْأَةَ بِكُلِّ حَالٍ؛
لِأَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ،
وَقَوْلُهُ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» حَدِيثٌ مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ، وَنَفْيُ الْوَلَدِ عَنْ رَبِّ الْفِرَاشِ
حَدِيثٌ يُخَالِفُ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ، قَالَ:
وَحَدِيثُ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ثَابِتٌ، وَكَذَلِكَ
حَدِيثُ نَفْيِ الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ، وَالْحَدِيثُ
أَنَّ النَّبِيَّ نَفَى الْوَلَدَ عَنِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ
وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ أَوْضَحُ مَعْنًى، وَأَحْرَى أَنْ
لَا يَكُونَ فِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَدِيثِ «الْوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ» ؛ لِأَنَّهُ إِذَا نَصَّ الْحَدِيثُ فِي
«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» فَإِنَّمَا هُوَ أَنَّ رَجُلَيْنِ
تَنَازَعَا وَلَدًا، أَحَدُهُمَا يَدَّعِيهِ لِرَبِّ
أَمَةِ الْوَاطِئِ لَهَا بِالْمِلْكِ، وَالْآخَرُ
يَدَّعِيهِ لِرَجُلٍ وَطِئَ تِلْكَ الْأَمَةَ بِغَيْرِ
مِلْكٍ وَلَا نِكَاحٍ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ الْأَمَةِ.
أَفَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: إِذَا كَانَ
مِثْلُ هَذَا فَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِالْفِرَاشِ بِالدَّعْوَى
لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا فَوُلِدَ
مَوْلُودٌ عَلَى فِرَاشِ رَجُلٍ لَمْ أُلْحِقْهُ بِهِ
إِلَّا بِدَعْوَى يُحْدِثُهَا لَهُ، هَلِ الْحُجَّةُ
عَلَيْهِ؟ إِلَّا أَنَّ مَعْقُولًا فِي الْحَدِيثِ أَنْ
يَثْبُتَ النَّسَبُ بِالْحَلَالِ وَلَا يَثْبُتُ
بِالْحَرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا بِأَنَّ
الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ بِدَعْوَةِ رَبِّ الْفِرَاشِ،
وَأَنْ يَكُونَ يَدَّعِيهِ لَهُ مَنْ يَجُوزُ دَعْوَتُهُ
عَلَيْهِ، فَحَدِيثُ إِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالْمَرْأَةِ
بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى تَفْسِيرٍ
مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا، وَلَمْ
أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ
الشَّافِعِيُّ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ
إِلَى سُنَّةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ فَخَالَفَهَا، أَوْ إِلَى
أَمْرٍ عُرِفَ عَوَامٌّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُجْتَمِعِينَ
عَلَيْهِ لَمْ يَعْلَمْ لَهُمْ فِيهِ مِنْهُمْ مُخَالِفًا
فَعَارَضَهُ، أَيَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ بِخِلَافِهِ، أَمْ
يَكُونُ بِهَا جَاهِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ؟
لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ هَذَا لِأَحَدٍ كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ
أَنْ يَنْقُضَ كُلَّ حُكْمٍ بِغَيْرِ سُنَّةٍ وَبِغَيْرِ
اخْتِلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَمَنْ صَارَ إِلَى
مِثْلِ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ لَا يَنْفِيَ الْوَلَدَ
بِلِعَانٍ خَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ مَا
أَعْلَمُ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، ثُمَّ مِنْ
أَعْجَبِ أَمْرِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يَدَّعِي
الْقَوْلَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِبْطَالِ غَيْرِهِ، فَمَا
يَعْدُو أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعًا، وَلَا افْتِرَاقًا فِي
هَذَا، أَوْ يَكُونَ رَجُلًا لَا يُبَالِي مَا قَالَ
(8/658)