المتواري على
أبواب البخاري (1 -] كتاب بَدْء الْوَحْي [)
(1 - (1) بَاب كَيفَ كَانَ بدؤ الْوَحْي إِلَى رَسُول الله
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقَول الله - عز وَجل -:
8 - (إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَينَا إِلَى
نوح والنبيين من بعده} [النِّسَاء: 163] .
فِيهِ عمر بن الْخطاب: قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] : " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ،
وَإِنَّمَا لكل امرء مَا نوى، فَمن كَانَت هجرته إِلَى
دنيا يُصِيبهَا، أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا، فَهجرَته
إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ ".
قَالَ سيدنَا ومولانا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: إِن
قلت: مَا موقع حَدِيث عمر من التَّرْجَمَة، وَأَيْنَ هُوَ
من بُدِئَ الْوَحْي؟
قلت: أشكل هَذَا قَدِيما على النَّاس فَحَمله بَعضهم على
قصد الْخطْبَة والمقدمة للْكتاب، لَا على مُطَابقَة
التَّرْجَمَة، وَقيل فِيهِ غير هَذَا. وَالَّذِي وَقع لي
أَنه قَصده - وَالله أعلم - أَن الحَدِيث اشْتَمَل على أَن
من هَاجر إِلَى الله وَحده، وَالنَّبِيّ [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ مُقَدّمَة النُّبُوَّة فِي حَقه
هجرته إِلَى الله، وَإِلَى الْخلْوَة بمناجاته، والتقرب
إِلَيْهِ
(1/48)
بعباداته فِي غَار حراء، فَلَمَّا ألهمه الله صدق
الْهِجْرَة إِلَيْهِ، وَطلب وجد وجد، فَهجرَته إِلَيْهِ
كَانَت بَدْء فَضله عَلَيْهِ باصطفائه وإنزال الْوَحْي
عَلَيْهِ، مُضَافا إِلَى التأييد الإلهي والتوفيق الرباني
الَّذِي هُوَ الأَصْل والمبدأ والمرجع والموئل. وَلَيْسَ
على معنى مَا ردّه أهل السّنة على من اعْتقد أَن
النُّبُوَّة مكتسبة، بل على معنى أَن النُّبُوَّة
ومقدماتها ومتمماتها، كلٌّ فضل من عِنْد الله، فَهُوَ
الَّذِي ألهم السُّؤَال وَأعْطى السؤل، وعلق الأمل وَبلغ
المأمول، فَلهُ الْفضل أَولا وآخراً وظاهراً وَبَاطنا -
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.
وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " فَمن كَانَت
هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله
". وَهُوَ أمس بِالْمَقْصُودِ الَّذِي نبهنا عَلَيْهِ.
وَذكر هَذِه الزِّيَادَة فِي الحَدِيث فِي كتاب
الْإِيمَان، وَكَأَنَّهُ اسْتغنى عَنْهَا بقوله: "
فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ " فأفهم ذَلِك أَن كل
مَا هَاجر إِلَى شَيْء فَهجرَته إِلَيْهِ فَدخل فِي
عُمُومه الْهِجْرَة إِلَى الله. وَمن عَادَته أَن يتْرك
الِاسْتِدْلَال بِالظَّاهِرِ الْجَلِيّ، ويعدل إِلَى
الرَّمْز الْخَفي. وَسَيَأْتِي لَهُ أَمْثَال ذَلِك. |