المتواري على
أبواب البخاري (5 -] كتاب الْغسْل [)
(27 - (1) بَاب هَل يدْخل الْجنب يَده فِي الْإِنَاء، قبل
أَن يغسلهَا إِذا لم يكن على يَده قذر غير الْجَنَابَة؟ .)
وَأدْخل ابْن عمر والبراء فِي الطّهُور، وَلم يغسلهَا،
ثمَّ تَوَضَّأ، وَلم ير ابْن عمر وَابْن عَبَّاس باساً
بِمَا ينتضح من غسل الْجَنَابَة.
فِيهِ عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: كنت اغْتسل أَنا
وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من إِنَاء وَاحِد
تخْتَلف أَيْدِينَا فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو بكر بن حَفْص، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة:
كنت اغْتسل أَنا وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من
إِنَاء وَاحِد من جَنَابَة.
وَفِيه عَائِشَة: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] إِذا اغْتسل من جَنَابَة غسل يَده.
وَفِيه أنس: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
وَالْمَرْأَة من نِسَائِهِ، يغتسلان من إِنَاء وَاحِد من
الْجَنَابَة.
(1/75)
قلت: - رَضِي الله عَنْك - ذكر فِي
التَّرْجَمَة إِدْخَال الْيَد الْإِنَاء قبل غسلهَا فِي
غسل الْجَنَابَة. ثمَّ ذكر أَحَادِيث كَثِيرَة لَا تدل على
ذَلِك، فَمَا وَجهه؟ .
قلت: لما علم أَن الْغسْل إِمَّا لحَدث حكمي أَو لحادث
عَيْني، وَقد فرض الْكَلَام فِيمَن لَيْسَ على يَده حَادث
نَجَاسَة وَلَا قذر، بَقِي أَن يكون بِيَدِهِ حدث حكمي
يمْنَع إدخالها الْإِنَاء، لَكِن الْحَدث لَيْسَ بمانع،
لِأَن الْجَنَابَة لَو كَانَت تتصل بِالْمَاءِ حكما لما
جَازَ للْجنب أَن يدْخل يَده فِي الْإِنَاء، حَتَّى يكمل
طَهَارَته، وَيَزُول حدث الْجَنَابَة عَنهُ. فَلَمَّا تحقق
جَوَاز إدخالها فِي الْإِنَاء فِي أثْنَاء الْغسْل، علم
أَن الْجَنَابَة لَيست تُؤثر فِي منع مُبَاشرَة المَاء
بِالْيَدِ، فَلَا مَانع إِذا من إدخالها أَولا، كإدخالها
وسطا، وحقّق ذَلِك أَن الَّذِي ينتضح من بدن الْجنب
طَاهِر، فَلَا تضّر مخالطته لماء الْغسْل، فتفهمه. وَالله
أعلم. أَن الشَّارِح أبعد عَن مَقْصُوده. وَالله أعلم.
(1/76)
(28 - (2) بَاب من تَوَضَّأ فِي
الْجَنَابَة، ثمَّ غسل سَائِر جسده وَلم يعد غسل مَوَاضِع
الْوضُوء مرّة أُخْرَى.)
فِيهِ مَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهَا: " إِنَّهَا وضعت
للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وضوء الْجَنَابَة،
فَغسل يَدَيْهِ، ثمَّ تَوَضَّأ وضوء الصَّلَاة، ثمَّ
أَفَاضَ على رَأسه المَاء، ثمَّ غسل جسده ". الحَدِيث.
قلت: - رَضِي الله عَنْك - إِن قلت: كَيفَ تستفاد
التَّرْجَمَة من الحَدِيث، وَإِنَّمَا قَالَت: ثمَّ
تَوَضَّأ، ثمَّ أَفَاضَ على رَأسه، ثمَّ غسل جسده، فَدخل
فِي قَوْلهَا: " ثمَّ غسل جسده " الْأَعْضَاء الَّتِي تقدم
لِأَنَّهَا من جملَة الْجَسَد؟ .
قلت: استخراجها مِنْهُ بعيدٌ لُغَة، ومحتملٌ عرفا، إِذا لم
تذكر إِعَادَة غسلهَا. وَذكر الْجَسَد بعد ذكر الْأَعْضَاء
الْمعينَة، تفهم عرفا بَقِيَّة الْجَسَد لَا جملَته.
وَالله أعلم.
وَظن الشَّارِح أَن لفظ الحَدِيث فِي الطَّرِيق
الْمُتَقَدّمَة على التَّرْجَمَة أقعد بِهَذِهِ
(1/77)
التَّرْجَمَة، فَإِنَّهَا قَالَت فِيهِ: "
ثمّ أَفَاضَ على سَائِر جسده "، فانتقد على البُخَارِيّ
كَونه ذكر هَذِه الطَّرِيق وَغَيرهَا أبين مِنْهَا فِي
قَصده. وَلَيْسَ كَمَا ظَنّه، بل فِي قَوْله سَائِر قُوَّة
عُمُوم يتَنَاوَل بهَا الْجمع، وَمَا يخلص التَّرْجَمَة من
اللَّفْظ إِلَّا الْعرف فِي سِيَاقه مثله، لَا اللُّغَة.
وَالله أعلم.
(29 - (3) بَاب نفض الْيَد من غسل الْجَنَابَة)
فِيهِ مَيْمُونَة: " وضعت لنَبِيّ الله غسلا - وَذكر
الحَدِيث - فناولته ثوبا، فَلم يَأْخُذهُ فَانْطَلق وَهُوَ
ينفض يَدَيْهِ.
قلت: - رَضِي الله عَنْك - إِن قلت: مَا وَجه دُخُول هَذِه
التَّرْجَمَة فِي الفقة؟ .
قلت: مَقْصُوده بهَا، أَن لَا يتخيل أَن مثل هَذَا
الْفِعْل اطراح لأثر الْعِبَادَة، وَنقص لَهُ. فَبين أَن
هَذَا جَائِز. وَنبهَ أَيْضا، على بطلَان قَول من زعم أَن
تَركه للمنديل من قبيل إبْقَاء آثَار الْعِبَادَة
عَلَيْهِ، وَأَن لَا يمسحها. وَقد ظن الشَّارِح هَذَا،
وترجمة البُخَارِيّ تأباه، وتبيّن أَن هَذَا لَيْسَ مغزاه.
وَإِنَّمَا ترك المنديل - وَالله أعلم - خوفًا من
الدُّخُول] فِي [المترفين. وَالله أعلم.
(1/78)
|