المتواري على
أبواب البخاري (9 -[كتاب الْأَذَان] )
(41 - (1) بَاب من قَالَ: ليؤذّن فِي السّفر مؤذنٌ وَاحِد)
فِيهِ مَالك بن الْحُوَيْرِث: قَالَ أتيت النَّبِي [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي نفر من قومِي، فَأَقَمْنَا
عِنْده عشْرين لَيْلَة. وَكَانَ رحِيما رَفِيقًا. فَلَمَّا
رأى شوقنا إِلَى أَهْلينَا. قَالَ: ارْجعُوا فكونوا فيهم،
وعلّموهم وصلوا. فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذّن لكم
أحدكُم، وليؤمّكم أكبركم.
قلت: رَضِي الله عَنْك؛ ترْجم على اذان الْمُسَافِر، وأتى
بِهَذَا الحَدِيث. وَإِنَّمَا بيّن لَهُم فِيهِ حَالهم،
إِذا وصلوا إِلَى أهلهم. وحينئذٍ قَالَ: " فَإِذا حضرت
الصَّلَاة، فليؤذن لكم أحدكُم غير أَن لَهُ أَن لَا
يَجْعَل الْكَلَام قاصراً على وصولهم إِلَى أَهْليهمْ، بل
عَاما فِي أَحْوَالهم مُنْذُ خُرُوجهمْ من عِنْده.
وَفَائِدَة التَّرْجَمَة التَّنْبِيه على أَن وَاحِدًا من
الْمُسَافِرين يَكْفِي أَذَانه دون بَقِيَّة الرّفْقَة،
لِئَلَّا يتخيل أَنه لَا يَكْفِي الْأَذَان إِلَّا من
جَمِيعهم.
(1/94)
وَقد قَالَ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، فِي
التَّرْجَمَة الثَّانِيَة بعد هَذِه، إِنَّه قَالَ
للرفيقين: " أذنا وأقيما "
فَبين بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أَن التَّعَدُّد لَيْسَ شرطا.
(42 - (2) بَاب هَل يتبع الْمُؤَذّن فَاه هَاهُنَا
وَهَاهُنَا وَهل يلْتَفت فِي الْأَذَان؟)
وَيذكر عَن بِلَال أَنه جعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ.
وَكَانَ ابْن عمر لَا يَجْعَل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس أَن يُؤذن على غير وضوء.
وَقَالَ عَطاء: الْوضُوء حق وَسنة. وَقَالَت عَائِشَة:
كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يذكر الله على
كل أحيانه.
(1/95)
فِيهِ أَبُو جُحَيْفَة: أَنه رأى بِلَالًا
يُؤذن، فَجعلت أتبع فَاه هَاهُنَا هَاهُنَا بِالْأَذَانِ.
قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: مَا وَجه إِدْخَاله تَحت
هَذِه التَّرْجَمَة الْأَذَان على غير وضوء؟ وَمَا
الْمُنَاسبَة؟ .
قلت: أَرَادَ أَن يحْتَج على جَوَاز الاستدارة، وَعدم
اشْتِرَاط اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي الْأَذَان فَإِن
الْمُشْتَرط لذَلِك ألحقهُ بِالصَّلَاةِ. فَأبْطل هَذَا
الْإِلْحَاق بمخالفته لحكم الصَّلَاة فِي الطَّهَارَة.
فَإِذا خالفها فِي الطَّهَارَة، وَهِي إِحْدَى شرائطها،
أذن ذَلِك بمخالفته لَهَا فِي الِاسْتِقْبَال، وبطريق
الأولى، فَإِن الطَّهَارَة أَدخل فِي الِاشْتِرَاط من
الِاسْتِقْبَال وَيُؤَيّد هَذَا النّظر أَن بَعضهم قَالَ:
يستدير عِنْد حَيّ على الصَّلَاة، فَسقط اعْتِبَار
الِاسْتِقْبَال فِيهَا. وَالله أعلم.
(43 - (3) بَاب فضل] صَلَاة [الْفجْر فِي جمَاعَة)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] : تفضل صَلَاة الْجَمِيع صَلَاة أحدكُم بِخَمْسَة
وَعشْرين جُزْءا، وتجتمع مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة
النَّهَار فِي صَلَاة الْفجْر. ثمَّ يَقُول أَبُو
هُرَيْرَة: اقرؤا إِن شِئْتُم {إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ
مشهودا} [الْإِسْرَاء: 78] .
وَفِيه أَبُو الدَّرْدَاء: قَالَ] وَالله [مَا أعرف من]
أمة [مُحَمَّد شَيْئا إِلَّا أَنهم يصلونَ جَمِيعًا.
(1/96)
وَفِيه أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] أعظم النَّاس أجرا فِي الصَّلَاة،
أبعدهم فأبعدهم ممشى.
قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة
الحَدِيث الآخر للتَّرْجَمَة وَلَا خُصُوص فِيهِ لصَلَاة
الْفجْر؟ .
قلت: وَجه اخْتِصَاصه بِصَلَاة الْفجْر، أَنه جعل بعدَ
الْمَشْي سَببا فِي زِيَادَة الْأجر، لأجل الْمَشَقَّة.
وَالْأَجْر على قدر النصب. وَلَا شكّ أَن الممشي إِلَى
صَلَاة الْفجْر، أشق مِنْهُ إِلَى بَقِيَّة الصَّلَاة،
لمصادفة ذَلِك الظلمَة، وَوقت النومة المشتهاة طبعا.
وَالله أعلم.
(44 - (4) بَاب إِمَامَة الْمفْتُون والمبتدع)
وَقَالَ الْحسن: صلّ وَعَلِيهِ بدعته.
(1/97)
فِيهِ عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار: أَنه
دخل على عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - وَهُوَ مَحْصُور،
وَقَالَ: إِنَّك إِمَام عَامَّة] وَنزل بك مَا نرى [،
وَيُصلي لنا إِمَام فتْنَة، ونتحرج، فَقَالَ: الصَّلَاة
أحسن مَا يعْمل النَّاس. فَإِذا أَحْسنُوا فَأحْسن مَعَهم.
وَإِذا أساؤا فاجتنب إساءتهم.
وَكَانَ الزُّهْرِيّ لَا يرى الصَّلَاة خلف المخنث، إِلَّا
من ضَرُورَة لَا بُد مِنْهَا.
وَفِيه أنس بن مَالك: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] لأبي ذَر: أسمع وأطع، وَلَو لحبشي كَانَ رَأسه
زبيبة.
قلت: رَضِي الله عَنْك {إِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة
الحَدِيث الآخر للتَّرْجَمَة. وَهل وصف الإِمَام فِيهِ
إِلَّا بِكَوْنِهِ حَبَشِيًّا. فَأَيْنَ هَذَا من كَونه
مفتوناً أَو مبتدعاً؟ .
قلت: السِّيَاق يرشد إِلَى إِيجَاب طَاعَته، وَإِن كَانَ
أبعد النَّاس عَن أَن يطاع، لِأَن مثل هَذِه الصّفة
إِنَّمَا تُوجد فِي أعجمي حَدِيث الْعَهْد، دخيلٍ فِي
الْإِسْلَام. وَمثل هَذَا فِي الْغَالِب لَا يَخْلُو من
نقص فِي دينه، وَلَو لم يكن إِلَّا الْجَهْل اللَّازِم
لأمثاله، وَمَا يَخْلُو الْجَاهِل إِلَى هَذَا الْحَد من
ارْتِكَاب الْبِدْعَة، واقتحام الْفِتْنَة. وَالله أعلم.
وَلَو لم يكن إِلَّا فِي افتنانه بِنَفسِهِ حَتَّى تقدم
للْإِمَامَة، وَلَيْسَ من أَهلهَا، لِأَن لَهَا أَهلا من
الْحسب، وَالنّسب، وَالْعلم. فَتَأمل ذَلِك.
(45 - (5) بَاب تَخْفيف الإِمَام فِي الْقيام، وإتمام
الرُّكُوع وَالسُّجُود)
فِيهِ ابْن مَسْعُود: إِن رجلا قَالَ: وَالله يَا رَسُول
الله} إِنِّي لأتأخر عَن صَلَاة
(1/98)
الْغَدَاة من أجل فلَان مِمَّا يُطِيل
بِنَا، فَمَا رَأَيْت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] فِي موعظة أشدّ غَضبا مِنْهُ يؤمئذ. ثمَّ قَالَ:
إِن مِنْكُم منفرين، فَأَيكُمْ مَا صلى بِالنَّاسِ
فليتجوز. فَإِن فيهم الضَّعِيف وَالْكَبِير وَذَا
الْحَاجة.
قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: بوّب على التَّخْفِيف فِي
شَيْء، ثمَّ ذكر حَدِيثا مُقْتَضَاهُ: التَّخْفِيف فِي
الْجمع.
قلت: بيّن بالترجمة مَقْصُود الحَدِيث، وَأَن الْوَارِد
التَّخْفِيف فِي الْقيام، لَا فِي الرُّكُوع، وَالسُّجُود،
لِأَن الَّذِي يطول فِي الْغَالِب إِنَّمَا هُوَ الْقيام.
وَأما مَا عداهُ، فَإِنَّهُ سهل لَا يشقّ إِتْمَامه على
أحد، وتبيّنه الْأَحَادِيث غَيره.
(46 - (6) بَاب وجوب الْقِرَاءَة للْإِمَام وَالْمَأْمُوم
فِي الصَّلَاة كلهَا فِي الْحَضَر وَالسّفر. وَمَا يجْهر
فِيهَا، وَمَا يُخَافت)
فِيهِ جَابر بن سَمُرَة: قَالَ شكا أهل الْكُوفَة سَعْدا
إِلَى عمر - رَضِي الله عَنهُ - فَعَزله عَنْهُم،
وَاسْتعْمل عَلَيْهِم عماراً، فشكوا حَتَّى ذكرُوا أَنه
لَا يحسن يُصَلِّي، فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا
اسحاق، إِن هَؤُلَاءِ يَزْعمُونَ أَنَّك لَا تحسن تصلي.
قَالَ] أَبُو اسحاق [: أما - وَالله - إِنِّي كنت أُصَلِّي
بهم صَلَاة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، مَا
أخرم عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاة الْعشَاء فأركد فِي
الْأَوليين، وأحذف الْأُخْرَيَيْنِ. قَالَ:
(1/99)
ذَلِك الظَّن بك يَا أَبَا اسحاق. فارسل
مَعَه رجلا أَو رجَالًا إِلَى الْكُوفَة. يسْأَل عَنهُ أهل
الْكُوفَة، فَلم يدع مَسْجِدا إِلَّا سَأَلَ عَنهُ، ويثنون
مَعْرُوفا حَتَّى دخل مَسْجِدا لبني عبس، فَقَامَ رجل
مِنْهُم، يُقَال لَهُ أُسَامَة بن قَتَادَة يكنى أَبَا
سعدة. فَقَالَ: أما إِذْ نَشَدتنَا، فَإِن سَعْدا كَانَ
لَا يسير بالسرية، وَلَا يقسم بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يعدل
فِي الْقَضِيَّة، فَقَالَ سعد: أما وَالله لأدعون
بِثَلَاث: اللَّهُمَّ إِن كَانَ عَبدك هَذَا كَاذِبًا،
قَامَ رِيَاء وَسُمْعَة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه
بالفتن. فَكَانَ بعد إِذا سُئِلَ يَقُول: شيخ كَبِير
مفتون، أصابني دَعْوَة سعد.
قَالَ عبد الْملك بن عُمَيْر: فَأَنا رَأَيْته بعد. قد
سَقَطت حاجباه على عَيْنَيْهِ من الْكبر. وَإنَّهُ ليتعرض
للجواري فِي الطَّرِيق يغمزهن ".
وَفِيه عبَادَة بن صَامت قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ
بِفَاتِحَة الْكتاب ". وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: أَن
النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دخل الْمَسْجِد، فَدخل
رجل فصلى فسلّم على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ،
فَرد وَقَالَ: ارْجع فصلّ فَإنَّك لم تصل - ثَلَاثًا -
ثمَّ قَالَ: " وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، مَا أحسن غَيره
فعلمني. فَقَالَ: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فكبّر. ثمَّ
اقْرَأ مَا تيَسّر من الْقُرْآن، الحَدِيث.
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة الْحَدِيثين
للتَّرْجَمَة، أَن حَدِيث سعد يتَضَمَّن أَن الإِمَام
يقْرَأ فِي الْأَوليين والأخريين جَمِيعًا. لَكِن يقْرَأ
فِي الْأَوليين الْفَاتِحَة وَالسورَة، وَفِي
الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَة خَاصَّة. والركود عبارَة عَن
طول الْقيام
(1/100)
حَتَّى تَنْقَضِي الْقِرَاءَة. والحذف:
الِاقْتِصَار على الْقِرَاءَة الْخَفِيفَة بِالنِّسْبَةِ
إِلَى الْأَوليين.
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة يتَضَمَّن قِرَاءَة الْفَذ، لِأَن
الرجل إِنَّمَا صلى فَذا، فإمَّا أَن يتلَقَّى حكم
الْمَأْمُوم، كَمَا ذكره فِي التَّرْجَمَة من الْقيَاس على
الْفَذ. وَإِمَّا أَن يتلقاه من عُمُوم قَوْله لهَذَا
المقصر فِي صلَاته: " إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر "
فعلّمه كَيفَ يُصَلِّي؟ وَلم يخصّ حَالَة الائتمام من
حَالَة الإنفاذ فِي سِيَاق الْبَيَان، وَلَا سِيمَا لمن
ظهر قصوره فِي الْعلم دلّ على السوية، وَإِلَّا كَانَ
بَيَان الحكم على الْفضل مُتَعَيّنا. وَالله أعلم. أما
حَدِيث عبَادَة فَهُوَ مُطَابق للتَّرْجَمَة بِعُمُومِهِ
وَظَاهره.
(47 - (7) بَاب الْجَهْر بِقِرَاءَة] صَلَاة [الْفجْر)
وَقَالَت أم سَلمَة - رَضِي الله عَنْهَا -: طفت وَرَاء
النَّاس، وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يصلّي
وَيقْرَأ بِالطورِ ".
فِيهِ ابْن عَبَّاس: قَالَ: انْطلق النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] فِي طَائِفَة من أَصْحَابه، عَامِدين
إِلَى سوق عكاظ، وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر
السَّمَاء، أرْسلت عَلَيْهِم الشهب فَرَجَعت الشَّيَاطِين
إِلَى قَومهمْ بذلك، فَقَالُوا: مَا حَال بَيْننَا وَبَين
خبر السَّمَاء إِلَّا شَيْء حدث، فاضربوا مَشَارِق الأَرْض
وَمَغَارِبهَا، فانظروا مَا هَذَا؟ فَانْطَلقُوا إِلَى سوق
عكاظ، وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُصَلِّي
بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر، فَلَمَّا سمعُوا الْقُرْآن
اسْتَمعُوا
(1/101)
لَهُ. فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَال
بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء فَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ
بذلك، فَقَالُوا: {إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى
الرشد فَآمَنا بِهِ} [الْجِنّ: 2] ، الحَدِيث.
وَفِيه ابْن عَبَّاس: قَرَأَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] فِيمَا أَمر، وَسكت فِيمَا أَمر: {وَمَا كَانَ رَبك
نسيا} [مَرْيَم: 64] .
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه الِاسْتِدْلَال من حَدِيث
ابْن عَبَّاس، عمومُ قَوْله: قَرَأَ النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] فِيمَا أَمر - يَعْنِي جهر بِدَلِيل
قَوْله. وَسكت فِيمَا أَمر - أَي أسر - فَيدْخل الْفجْر
فِي الَّذِي جهر فِيهِ اتِّفَاقًا.
(48 - (8) بَاب الْجمع بَين السورتين فِي رَكْعَة)
وَالْقِرَاءَة بالخواتيم، وبسورة قبل سُورَة، وبأول
سُورَة.
وَيذكر عَن عبد الله بن السَّائِب: قَرَأَ النَّبِي [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] " الْمُؤْمِنُونَ " فِي الصُّبْح،
حَتَّى إِذا جَاءَ ذكر مُوسَى وَهَارُون أَو ذكر عِيسَى
أَخَذته سعلة، فَرَكَعَ. وَقَرَأَ عمر فِي الرَّكْعَة
الأولى بِمِائَة وَعشْرين آيَة من الْبَقَرَة، وَفِي
الثَّانِيَة بِسُورَة من المثاني. وَقَرَأَ الْأَحْنَف
بالكهف فِي الأولى. وَفِي الثَّانِيَة " بِيُوسُف ". وَذكر
أَنه صلى مَعَ عمر الصُّبْح بهما. وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود
بِأَرْبَعِينَ آيَة من الْأَنْفَال، وَفِي الثَّانِيَة
بِسُورَة من الْمفصل. وَقَالَ قَتَادَة: فِيمَن يقْرَأ
سُورَة وَاحِدَة فِي رَكْعَتَيْنِ، أَو يردد سُورَة
وَاحِدَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ، كل كتاب الله. وَقَالَ]
عبيد الله عَن ثَابت [عَن أنس كَانَ رجل من الْأَنْصَار
يؤمهم فِي مَسْجِد قبَاء، فَكَانَ يقْرَأ فِي كل رَكْعَة ب
{قل
(1/102)
هُوَ الله} وبسورة أُخْرَى مَعهَا، فنهوه
عَن ذَلِك. فَقَالَ لَهُ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم] : مَا يمنعك أَن تفعل مَا يَأْمُرك بِهِ أَصْحَابك،
وَمَا يحملك على لُزُوم هَذِه السُّورَة فِي كل رَكْعَة.
فَقَالَ: إِنِّي أحبها قَالَ: حبّك إِيَّاهَا أدْخلك
الْجنَّة.
وَفِيه أَبُو وَائِل: جَاءَ رجل إِلَى ابْن مَسْعُود،
فَقَالَ: قَرَأت الْمفصل اللَّيْلَة فِي رَكْعَة. فَقَالَ:
هذّا كهذ الشّعْر، لقد عرفت النَّظَائِر الَّتِي كَانَ
رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يقرن بَينهُنَّ.
فَذكر عشْرين سُورَة من الْمفصل، سورتين فِي كل رَكْعَة.
قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع الاستشهاد على الْقِرَاءَة
بالخواتيم قَول قَتَادَة فِي الَّذِي يقسم السُّورَة،
فَيقْرَأ فِي الثَّانِيَة بِنِصْفِهَا الثَّانِي: " كل
كتاب الله ".
(49 (9) بَاب جهر الإِمَام بالتأمين)
وَقَالَ عَطاء: آمين دُعَاء. وأمّن ابْن الزبير وَمن
وراؤه، حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجّة. وَكَانَ أَبُو
هُرَيْرَة يُنَادي الإِمَام لَا تسبقني بآمين.
وَقَالَ نَافِع: كَانَ ابْن عمر لَا يَدعه. ويحضّهم وَسمعت
مِنْهُم فِي ذَلِك خَبرا.
(1/103)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِذا أمَن الإِمَام فأمّنوا،
فَإِنَّهُ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر
لَهُ مَا تقدم من ذَنبه. قَالَ ابْن شهَاب: كَانَ رَسُول
الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول آمين. قلت: رَضِي
الله عَنْك، وَجه مُطَابقَة قَول عَطاء للتَّرْجَمَة: أَنه
حكم بِأَن التَّأْمِين دُعَاء، فَيَقْتَضِي ذَلِك أَن
يَقُوله الإِمَام، لِأَنَّهُ فِي مقَام الدَّاعِي
بالمأموم. وَإِنَّمَا منع الإِمَام عِنْد الْقَائِل
بِالْمَنْعِ، لِأَنَّهَا إِجَابَة للدُّعَاء، فَاقْتضى
ذَلِك أَن يُجيب بهَا الْمَأْمُوم دُعَاء إِمَامه.
(50 - (10) بَاب اسْتِوَاء الظّهْر فِي الرُّكُوع)
وَقَالَ أَبُو حميد فِي أَصْحَابه: ركع النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] ثمَّ هصر ظَهره. و " حدّ إتْمَام
الرُّكُوع والاعتدال فِيهِ والطمأنينة ".
فِيهِ الْبَراء: قَالَ كَانَ رُكُوع النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] وَسُجُوده، وَبَين السَّجْدَتَيْنِ،
وَإِذا
(1/104)
رفع من الرُّكُوع مَا خلا الْقيام
وَالْقعُود، قَرِيبا من السوَاء.
قلت: رَضِي الله عَنْك! حَدِيث الْبَراء لَا يُطَابق
التَّرْجَمَة، لِأَن الْمَذْكُور فِيهَا الاسْتوَاء،
والاعتدال. والاستواء هُوَ هَيْئَة مَعْلُومَة سَالِمَة من
الحنوّة. وَالْمَذْكُور من الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ
يُسَاوِي الرُّكُوع، وَالسُّجُود، وَالْجُلُوس بَين
السَّجْدَتَيْنِ فِي الزَّمَان، أَي إطالة وتخفيفاً،
وَلَيْسَ أَيْضا من الِاعْتِدَال فِي شَيْء، إِلَّا أَن
يَأْخُذهُ من جِهَة أَن المطمئن المتأني فِي غَالب
الْحَال، يسْتَقرّ كل عُضْو مِنْهُ مَكَانَهُ، فَيلْزم
الِاعْتِدَال. وَالله أعلم.
(51 - (11) بَاب الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود
وَمَا يَقُول الإِمَام وَمن خَلفه، إِذا رفع رَأسه من
الرُّكُوع)
(1/105)
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: كَانَ النَّبِي
[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا قَالَ: " سمع الله لمن
حَمده " قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد. وَكَانَ
النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا ركع، وَإِذا رفع
رَأسه كبّر، وَإِذا قَامَ من السَّجْدَتَيْنِ قَالَ الله
أكبر.
قلت: رَضِي الله عَنْك! هَذِه التَّرْجَمَة يحمل أَن يكون
وَضعهَا على الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع، ليذكر فِيهَا
حَدِيثا بِالْإِجَازَةِ أَو الْمَنْع. ثمَّ عرض لَهُ مَانع
من ذَلِك فَبَقيت التَّرْجَمَة بِلَا حَدِيث يطابقها.
وَالله أعلم.
(52 - (12) بَاب فضل " اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد ")
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] : إِذا قَالَ الإِمَام سمع الله لمن
حَمده، فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد.
فَأَنَّهُ من وَافق قَوْله قَول الْمَلَائِكَة، غفر لَهُ
مَا تقدم من ذَنبه.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لأقربن صَلَاة رَسُول الله [صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم] فَكَانَ يقنت فِي الرَّكْعَة
الْآخِرَة من صَلَاة الظّهْر وَصَلَاة الْعشَاء وَصَلَاة
الصُّبْح، بعد مَا يَقُول سمع الله لمن حَمده.
(1/106)
] فِيهِ رِفَاعَة: كُنَّا يَوْمًا نصلي
وَرَاء النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَلَمَّا رفع
رَأسه - من الرَّكْعَة، قَالَ: سمع الله لمن حَمده [.
قَالَ رجل وَرَاءه: " رَبنَا وَلَك الْحَمد حمداً كثيرا
طيبا مُبَارَكًا فِيهِ " فَلَمَّا انْصَرف، قَالَ: من
الْمُتَكَلّم؟ قَالَ: أَنا: قَالَ: رَأَيْت بضعَة
وَثَلَاثِينَ ملكا يبتدرونها أَيهمْ يَكْتُبهَا أوّل.
(53 - (13) بَاب من لم يردّ السَّلَام على الإِمَام،
واكتفي بِتَسْلِيم الصَّلَاة)
فِيهِ عتْبَان: قَالَ صلينَا مَعَ النَّبِي [صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم] ، ثمَّ سلّم وسلّمنا حِين سلّم.
قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة أَنه
قَالَ: سلّم وَسلمنَا. وَالتَّسْلِيم الْمُطلق يحمل على
أقل مَا يصدق، وَذَلِكَ تَسْلِيمَة وَاحِدَة. وَالزَّائِد
يحْتَاج
(1/107)
إِلَى دَلِيل مُثبت غير الْمُطلق. وَالله أعلم. |